كتاب بدء الوحي (087)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مرَّ بنا في درسٍ مضى من يلقب بكُراع النمل، وهو من أئمة اللغة تدور أقواله كثيرًا، وله مصنف مطبوع ومحقق، وهذا جاء ترجمته من إنباه الرواة على أنباه النحاة"، يقول علي أبو الحسن، أبو الحسن الأزدي، يعرف بكراع النمل، فإنه كان دميم الخِلقة، كان لغويًّا نحويًّا من علماء مصر، خلط المذهبين، وأخذ عن النحويين البصريين والكوفيين". خلط المذهبين، مذهب النحاة البصريين، والكوفيين، يعني وفق بينهما، "وكان إلى قول البصريين أميل، وصنف كتبًا في اللغة روى فيها عن أبي يوسف الأصبهاني عن أبي عبيد القاسم بن سلَّام، وكتبه في مصر مرغوب فيها، وكذلك في المغرب، وكان خطُّه حسنًا صحيحًا قليل الخطأ، وكان يورِّق تصانيفه، لم أر له خطًّا في غيرها".

ما معنى يورِّق تصانيفه؟ لم أر له خطًّا في غيرها.

طالب:.....
ماذا.
طالب:....
يعني: يكتب أو يكل الكتابة إلى الوراقين، الله أعلم، قال : "ورأيت جزءًا من كتابه المنَضَّد من خطه، وقد كتب في آخره أنه أكمل وراقةً وتصنيفًا سنة تسع وثلاثمائة". من تصانيفه "المنضد" في اللغة كبير على الحروف.

هذا يقول: ملكته، كتاب المجرد بغير استشهاد، يقول أيضًا ملكته كتاب "المنجد فيما اتفق لفظه واختلف معناه"  ملكته وكتاب "الأوزان" أتى فيه باللغة على وزن الأفعال، وأيضًا هذا ملكه القفطي صاحب "إنباه الرواة".

وفي "معجم الأدباء" قال: "علي بن حسن الهنائي المعروف بكراع النمل منسوب إلى هناءة بن مالك، أبو الحسن اللغويّ مات، ترك سنة الوفاة هناك، هنا ترك الوفاة وهنا أيضًا ما ذكر سنة الوفاة.
طالب:....
ماذا؟
طالب:...
نعم، المهم أنهم تركوها بياضًا؛ لأنها غير معروفة. "وجدت خطه على "المنضد" من تصنيفه، وقد كتبه سنة سبع وثلاثمائة متقدم العصر في أيام ابن دريد". ذكره محمد بن إسحاق النديم، قال: "هو من أهل مصر، وكان كوفيًّا وأخذ عن البصريين، ويعرف بالرؤاسي قبيلة من الأزد، وكتبه بمصر موجودة مرغوب فيها". وقال غيره: "له من التَّصانيف كتاب "المنضد" يعني: غير "النديم". "أورد فيه لغة كثيرة مستعملة وحوشيَّة، ورتَّبه على حروف ألف، باء، تاء، ثاء، إلى آخر الحروف المختصرة في كتاب "المجرد"، ثم اختصره في كتاب "المنجز"، وله كتاب "أمثلة الغريب على أوزان الأفعال"، أورد فيه غريب اللغة، وكتاب "المصحَّف"، وكتاب "المنظَّم".
يقول: مر بنا أو معنا في الدرس الماضي استدلال الإمام ابن دقيق العيد على أن الحائض لا يجوز لها أن تقرأ القرآن بأنَّ عائشة –رضي الله عنها- لما ذكرت قراءة النبي –عليه الصلاة والسلام- للقرآن نصَّت على كونها حائضًا، فدلَّ ذلك على أنَّ الحائض لا تقرأُ القرآن، وأيضًا استدلال شيخ الإسلام ابن تيمية بوجوب الطهارة لمسِّ المصحف بكون الصحف التي بأيدي الملائكة لا يمسها إلا المطهرون، فالقرآن يقاس عليه في أنه لا ينبغي أن يمسّه إلا المطهَرون.

مثل هذه الاستدلالات دقيقة جدًّا، والتي تحتاج إلى قوَّة تأمل ونظر، هل يمكن أن تكون مما يستدل به على وجوب شيْءٍ أو تحريمه أو إباحته؛ وذلك لأنَّ النَّاظر في حديث عائشة لا يجد فيه دلالةً على تحريم قراءة الحائض للقرآن، وأهلُ العلم لم ينظروا إلى الحديث على أنَّه دليل لذلك، فقد يُقال: إن استدلال ابن دقيق لكلامه إنما هو راجع إلى استنباطٍ لطيف من الحديث لا أنَّه راجعٌ للحديث نفسه، وأن هذا الاستنباط الدقيق جدًّا لا يقوى أن يبنى عليه حكمٌ شرعي تُلزم به الأمَّة، وأن هذه ليست طريقة الشَّارع في بيان الأحكام للعباد، فلا يمكن أن يبنى حكم شرعي على مثل هذا الاستنباطات الدقيقة التي قد تخفي على كثير من علماء الأمة.
يعني هذه لا يعني أنه قولٌ ملزم  دليله في الوضوح كالشمس في رابعة النَّهار، لكنَّه مرجِّح، ومعلومٌ أن المجتهد يعمل بما يترجَّح لديه، ويدين الله به، وقد تكون غلَبَةُ الظنِّ لأحدِ الأقوال على غيرهِ إنما هي بشيءٍ يسير، وحينئذٍ يكون هو الرَّاجِح، وهو المظنون عنده، ويجب عليه العمل به وعلى من يقلِّده، وإلَّا فالدلالة ليست في الوضوح مثل دلالة كثير من النُّصوص التي جاءت قصدًا لبيان الحُكم، لكنَّ المجتهد إذا جمع بين الأدلَّة ورأى، نظر في الأقوال، ونظر في أدلته، ثم ترجّح له ولو بشيءٍ لا يلوح لغيرِه؛ لأنه لا يُلزَم بفهم غيرِه، وقد جاء في الحديث الصحيح «رب مبلَّغٍ أوعى من سامع».

ابن دقيق العيد في أول أمره كان مالكيًّا، ثم صار شافعيًّا، لا يعني أنه إذا استنبط أنَّ الإمام مالك لماذا خفي على مالك وفهمه ابن دقيق العيد في أول الأمر، أو لماذا خفي على الشَّافعي وفي «رب مبلغٍ أوعى من سامع»، وتجدون باب الاجتهاد مفتوحًا إلى الآن، وتسمعون أقوالًا لاحت لأهل العلم لا سيَّما في بيان وجه الاستدلال من ال..، لا يكون هذا هو المعوَّل عليه في كل وجه في الحكم، هذا يكون مرجِّحًا لقولٍ على آخر.

يقول: رجلٌ يسكن مع والده ولم يجد وظيفة وأراد الزَّواج، ورفض والده مساعدته إلَّا بدفْعِ مهر الزَّواج فقط، فهل يجوز لهذا الرجل الأخذ من الزكاة؟

نعم، الزواج وما يتبعه وما لا يتم إلا به حاجة أصليَّة.

وهل يجب على والد هذا الرجل مساعدته بكل ما يحتاجه والإنفاق عليه وعلى زوجته؟

نعم بالمعروف، إذا كان قادرًا على ذلك، وكان من سعة، لكنه بالمعروف لا ينفق نفقة لا تليق بهذا الشَّاب، يعني أكثر من حاجته....

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

ففي الحديث الطَّويل –حديث قصة هرقل مع أبي سفيان- لمَّا ذكر الآية –آية آل عمران- قال أبو سفيان: "فلما قال ما قال، وفرَغ من قراءة الكتاب كثُر عنده الصَّخبُ وارتفعت الأصواتُ وأُخْرِجْنَا. فقلتُ لأصحابي –حين أُخرجنا-: لقد أمِرَ أمرُ ابن أبي كبشة؛ إنَّه يخافه ملك بني الأصفر، فما زلتُ موقنًا أنَّه سيظهر حتى أدْخل اللهُ عليَّ الإسلام".

قال أبو سفيان: فلمَّا قال، يعني: هرقل. ما قال، أي: من السؤال والجواب. كما قال الكرماني: فلما قال ما قال "قال هرقل: ما قال من السؤال والجواب" الأسئلة التي وجهها هرقل إلى أبي سفيان، وأجاب عنها أبو سفيان، وعقَّب عليها هرقل". وقال ابن حجر: "قال ما قال، من هذه الأسئلة" ولو وجه بهذا  كلام الكرماني، وقال ابن حجر: "يحتمل أن يشير بذلك إلى الأسئلة والأجوبة، كما قال الكرماني، ويحتمل أن يشير بذلك إلى القصَّة الذي ذكرها ابن النَّاطور بعد، والضمائر كلها تعود على هرقل".

ويقول العيني: "قوله: ما قال، جملةٌ في محلِّ النصب؛ لأنها مفعول قال، وما: موصولة، والعائد محذوف تقديره: ما قاله من السؤال والجواب".

يعني كلام العيني يلتقي مع كلام الكرماني، ويزيد ابن حجر احتمالًا ثانيًا وهو الإشارة إلى القصَّة الذي ذكرها ابن الناطور بعد، ستأتي إن شاء الله تعالى.

"وفَرَغَ من قراءة الكِتاب النبوي الذي بعث به دِحيَة".

"كثر عنده الصخب" "كثر عنده الصخب" يقول النووي: "هو بفتح الصاد والخاء، بفتح الصاد والخاء". قال أهل اللغة: "الصخب والسَّخبُ". بالصاد والسِّين. "اختلاط الأصوات، يقال: منه صَخِبَ بفتح الصاد وكسر الخاء فهو: صَخَّابٌ". ويقول الكرماني: "روي بدله: اللجب، اللجب" لام، جيم، باء، "وهو بمعناه" وفي القاموس: "اللجبُ: محرَّكَةٌ: الجلبَةُ والصِّياح واضطراب موجِ البحر الفعلُ كفرح". يعني: لَجِب "وجيشٌ لجِبٌ: ذو لَجَب". ذو جلبة، واختلاط أصوات، وفي عمدة القارئ: "الصَّخب بفتح الصاد والخاء والمعجمة، ويقال بالسين أيضًا بدل الصاد، وضعفَّه الخليل". ضعف إبدال الصاد بالسين، ومعلومٌ أنَّهُ في كثيرٍ من الأمثلة، في كثيرٍ من الأمثلة تأتي اللفظةُ بالحروف الثلاثة: كالصِّراط بالصاد والسِّين والزَّاي.

 "ضعَّفه الخليل". ضعف السين، وحينئذٍ تتعيَّن الصَّاد، "وهو اختلاط الأصوات وارتفاعها، وقال أهل اللغة: الصَّخب هو: أصواتٌ مبهمة لا تُفهَم" أصواتٌ مبهمة لا تُفهم، "وفي "النهاية" لابن الأثير، وفي "النهاية" لابن الأثير: صَخِبَ في حديث كعب". يعني مادَّ صخب "في حديث كعب".
الآن مبنى المواد -في كتب اللغة- الأفعال، صَخِبَ، هذه المادَّة هيَ التي يدورُ عليها الكلام في كتبِ اللغة مع أنَّ الأصْل: المصدر، كيف يقول في "القاموس" وفي "النِّهاية" لابن أثير وغيرهما كتب اللغة والغريب كلهم يقولون: "المادة: صَخِبَ" ما يقولون: الصَّخَبُ، فيبنون مواد الكتب على الأفعال، ولا يبنونها على المصادر التي هي أصل الأفعال، وأصلُ المشتقَّات، وكونه أصلًا لهذين انتُخِب، فلماذا يبنى على الفرع، ولا يُبنَى على الأصل؟ المفترض تبنى على الأصول التي هي المصادر، ثم تُفَرَّع عنها جميع المشتقَّات بما في ذلك الأفعال، أو أنَّ الفعل وسيلة إلى معرفة الأصل الذي هو المصدر. ولذلك يقولون: المصدر ثالثُ تصاريف الكلِمَة، ليس بالأول. المصدر ثالث تصاريف الكلمة، كيف تستخرج مصدرًا قبل أن تأتي بفعل ماضٍ ثم مضارع ثم تأتي بالمصدر، صح أم لا؟

طالب:..........
أين؟
طالب:...
أنت كيف تستخرج المصدر؟ من الفعل.

طالب:....
والفعل مأخوذ من المصدر، هذا الدَّور أم لا؟

طالب:....
لكن ما يمكن أن تأتي للمصدر الأصل وتأخذه مباشرة، هذا مهم بالنِّسبة لتقرير مثل هذه الأمور، ما في كتب اللغة في مواد على الأفعال، ولا يمكن أن تعرف المصدر إلَّا بعد أن تعرف الماضي ثم المضارع ثمَّ المصدر، لذلك ما يقولون: المصدر هو الأوَّل، يقولون: المصدرُ ثالثُ تصاريف الكلمة.

صَخِبَ يَصْخَبُ صَخَبًا، ضَرَب يضْرِب ضرْبًا، فَهِمَ يفْهَمُ فَهْمًا. كيف؟

طالب:.....
هذا يقوِّي مذهبَ الكوفيين الذين يرون أنَّ الفعل هو الأصل، ونسلِّم وخلاص ونقول: مذهب الكوفيين هو الرَّاجح؛ لأنَّ هذه...

طالب:....
ماذا؟
طالب:....
أو نقول: كل أهل اللغة كوفيون، الذين بنوا على الأفعال بناءً على مذهبهم، ما يمكن، ما يمكن أن يُقال بهذا.

ولا يُمكن أن يُرجَّح مذهب الكوفيين من خلال هذا فقط، يعني ضرب مأخوذ من الضرب أصله، أصل المادة: الضَرْب، وأصل مادتنا: الصَّخَب، نقول: هل يلزم الدور في مثل هذا أو نقول: إن هذه هي التَّراكيب عند العرب على هذه الموازين، ولا يلزم أنْ يكون المصدر في الوجود قبل الفعل، ما يلزم. يعني: نظير ما قالوا في لفظ الجلالة ((الله))، مصدر، هذا مشتقّ ((الله)) قالوا: مشتقّ، من الألَوهَة أو الألوهيَّة، أيُّهم متقدِّم الله أو الألوهية؟

يعني هذا تمرير للأوزان اللغوية هذا الكلام، ولا يلزم من ذلك أن يكون المشْتقّ قبل المصدر أو بعده، المقصود أن تكون أوزانهم منضبطة، ولا يعني أنَّ كونه هو الأصل أن يكون موجودًا قبله أو بعده.

طالب: ما معنى...

كيف؟ أنَّ جميع المشتقات تؤخذ منه، وكونه أصلًا لهذين انتخب، للفعل والمشتق: اسم الفاعل، واسم المفعول والمبالغة، والمشبه، وغيره، أفعال التفضيل، أسعفونا يا إخوان.

طالب: ألا يمكن أنَّ يكون المصدر هو الأصل...

ما نتوصل إليه إلَّا بعد معرفة الفعل، من باب أنْ تلدَ الأمَةُ ربَّتها، صح أم لا؟ كيف؟
طالب:....
يكون من هذا الباب، من باب أن تلدَ الأمة ربتها، يعني كان في أول الأمر قبل ثلاثين سنة، أو أكثر، أصول الدين قسم في الشريعة، أصول، الكتاب والسنَّة والعقيدة، والأصول الثلاثة كلها قسم من الشريعة، ومعروف أن الشَّرِيعة فرع، الشَّريعة تعنى بالفروع، والأصول قسم في الفرع، يعني: وجود مثل هذه الأمور في الواقع وفرضها في الواقع، لا يعني أنَّه يُتصوَّر في يوم من الأيام أن الأصل يكون فرعًا، بمعنى أن الأب ولدٌ لولده، لا يتصور! لكن هذه أمور متصور وقوعها، يعني من وجه: لا يمكن أن يقال: إن أصول الدين الكتاب والسنة والعقيدة تؤخذ من الفروع التي تدرس في الشريعة، ما يتصور هذا، لكن مسائل إدارية وتنظيمية متصورة؛ لأنه وجدت قبلها، فالناشئة الأخيرة تعيش في الحضن المتقدم عليها، ونظيره مثل ما عندنا: تلد الأمة ربتها، كيف تلد ربتها؟ الكلام في هذا طويل لأهل العلم.

نعود إلى اعتماد اللغويين على الفعل؛ لأنهم بالفعل يتوصَّلُون إلى المصدر، يتوصَّلون به إلى المصدر، وكون المصدر ثالث تصاريف الكلمة، لا ينافي كونه الأصل؛ لأنَّ المشتقات كلها تُؤخذ منه وتشتق منه، لكن إذا أردنا المصدر، أنْ نعرف المصدر فلا بد من أن نتدرج من الفعل الماضي إلى المضارع ثم المصدر، وهذه أمور اصطلاحيَّة، أمور اصطلاحيَّة، ولا مشاحَّة في الاصطلاح.

في "النهاية" لا بن أثير "صَخِبَ، قال: في حديث كعبٍ، قال في التَّوراة: محمدٌ عبدِي ليس بفظٍّ ولا غليظ، ولا صَخُوبٍ في الأسواق، وفي روايةٍ: ولا صخَّاب، الصَّخب والسَّخب: الضجة واضطراب الأصوات للخصام، وفعول وفعَّال للمبالغة".

فعَّال مفعول وفَعِل، كلها صيغ مبالغة، فالاشكالات ما تنتهي يا إخوان، فعِل صيغة مبالغة، وفاعل بدون مبالغة، يعني ما الفرق بين حَذِر وحَاذِر؟ حَذِر مبالغة، وحاذر يحصلُ منه الحذر من غير مبالغة، طيب هم يقولون: زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، والفاعل حاذر فيه زيادة على المبنى على حذر، أين ذهبت زيادة المبنى؟

يقول: ما يقال: إن أبنية المصدر قد تكون أكثر من بنية الفعل، وفي المُعْجم كلما قلَّت بنية الكلمة سهل ترتيبها فيه، فلهذا يذكر الفعل نيابة عن مصدره. يعني يمكن أن يقال هذا، وإن كان فبه بُعد، ويؤيده أنهم يبدأون بالثلاثي ثم الرباعي ثم الخماسي، من الأفعال.

على كل حال قلنا لكم: إن هذا مجرَّد اصطلاح.

يكون هذا بسبب انتشار استعمال الأفعال عن المصادر، فالكلام يستقيم بالأسماء والأفعال دون المصادر، ولا يستقيم بالأسماء والمصادر دون الأفعال.

قالوا: وفعول: صخوب، وفعَّال: صخَّاب للمبالغة، ومنه حديث خديجة، حديث خديجة «لا صخب فيه ولا نصب» يعني بُشِّرَت خديجة بقصر من قصب في الجنَّة لا صَخَبَ فيه ولا نصَب، يعني: ما فيه ارتفاع أصوات، بخلاف ما يعيشه النَّاس في العصر الحاضر أكثر من ذي قبل، البيوت مملوءة من الصَّخب واللجب والتشويش بحيث لا يرتاح الإنسان في بيتِه لا سيَّما إذا كانت الأسرة كبيرة ومتفرعة.

طالب:......
ماذا؟

طالب:.....
نعم، يقول: مفهوم الخبر أنَّها خُصَّت بهذا القصر، فمعناه: أنَّ القصور الأخرى لغيرها كقصر عمر –مثلًا-...

طالب:....
الذي رآه النبي –عليه الصلاة والسلام- فيه صخب.

يُتَصَوَّر هذا أم ما يتصور؟ هذا يكون وصفًا كاشفًا لا مفهوم له؛ لأنَّ دارَ النعيم ليس فيها ما يُكدِّر، والصَّخبُ من المكدِّرات.

طالب:....
{لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا} [الواقعة:25]، لكن قد يكون الصَّخب ليس من اللغو، ولا يلزم منه أن يكون لغوًا، كما لو فتح المجال للمناقشة مع الأقوام في آنٍ واحد، يبحثون مسائل علمية بأدلَّتها، وتكثر أصواتهم، وقد يحصل هذا الصخب من مجموعة يقرأون قرآنًا، وليس باللغو، يحصل.

طالب:......
لا شكَّ أنَّ هذا تبشير لها، لكن لا يلزم منه أن يكونَ عندَ غيرِها في قصورهم شيء من الصَّخب واللغب، وحديث أم أيمن وهي تصخَبُ. من يذكر الحديث؟

حديث أم أيمن، هذا في "النهاية" لابن اثير: "وحديث أم أيمن وهي تصخب وتذمر عليه". أو تتذمر، تتذمر. "وفي حديث المنافقين: صُخُبٌ بالنَّهار، أي: صيَّاحون فيه ومتجادلون، "وارتفعت الأصوات"، يعني: بذلك بهذا الصخب الذي ذكر. "وأخرجنا"، قال: وأخرجنا، بفتح الهمزة، وسكون الجيم، أي: من مجلسه.  "فقلتُ لأصحابي حين أخرجنا"، زاد في "الجهاد": حين خلوت بهم".

ماذا؟
أُخرجنا، حين أخرجنا.

طالب:....
لا، "وأُخرجنا: بضم الهمزة، وسكون الجيم. بضم الهمزة وسكون الجيم، أي: من مجلسه، "وقلت لأصحابي حين أُخرجنا"، في بعض الروايات: حين خرجنا، في الموضع الثاني، وإلا في الموضعين في الرواية التي معنا أخرجنا. "زاد في "الجهاد" حين خلوت بهم، لقد أَمِر، بفتح الهمزة وكسر الميم، أي: عَظُمَ وكَبُر. أمرُ، أي: شأنُ. لقد أمِرَ أمْرُ ابن أبي كبشة. يقول الكرماني: "لقد أمِر، جوابٌ للقسم المحذوف، أي: والله لقد أمِرَ، جوابٌ للقسم المحذوف، أي: والله"
لا يمكن أن يُقدَّر في كلام أبي سفيان القَسَم بالله –جل وعلا- حال شركِهِ.

طالب:....
نعم.
طالب:....
يحلفون: والله؟

طالب:.....
يحلفون بغيرِه. لكن هذا القسم المقدَّر من قِبَلِ أبي سُفيان، قيل: في وقت التحمُّل أو في وقت الأداء؟ في وقت التحمَّل مشرك، وفي وقت الأداء مسلم.

طالب:....
هو ما عندهم مشكلة في اسم الله –جل وعلا- لفظ الجلالة، لكن الإشكال عندهم في الرحمن الرحيم. أقول: تقديرُ القسَم بواللهِ هذا غير ممتنع حتَّى من الكافِر؛ لأنَّهم يعترفون لله –جلَّ وعلا- بالرُّبوبيَّة، لكن يبقى أنَّ هذا القسَم هل قِيلَ -القسم المقدَّر-، هل قيل في وقت التحمُّل -حال كون أبي سفيان كافرًا، حال كونِ أبي سفيان كافرًا- أو في حالِ الأداء، بعدما أسلم أبو سُفْيان؟
طالب:.....
نعم، "قلت لصحابي حين خلوتُ بهم: لقدْ أَمِر" هذا دليلٌ على أنَّهُ، على أنَّ القولَ في وقتِ التحمُّل وحال الكفر. "لقد أمِرَ، هو بفتح الهمزة وكسر الميم، فعلٌ ماضٍ ومعناه: عَظُمَ وصار أمرًا، وأصلُه: الكثرة، يُقال: أمِرَ القوم، إذا كَثُرَ عددهم. والأمر الثَّاني هو فاعلُه، أَمِرَ أَمْرُ، يعني: عَظُمَ أرمه وشأنُهُ.

"ابن أبي كبشة". في كلام كثير جدًّا لأهل العلم وطويل يقول الخطَّابي: "كبشة فيما يُروَى -مع أن الأوَّل يقول: أبو كبشة، لكن هكذا في المطبوع- "فيما يُروَى رجلٌ من خُزاعَة، خالَفَ قريْشًا في عبادةِ الأصنام، وعبَدَ الشِّعْرَ، وكانَ المشركونَ ينسبون رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إلى أبي كبْشة؛ تشبيهًا له لمخالفته إيَّاهُم، تشبيهًا له لمخالفته إيَّاهم في الدِّين". يعني صواب العبارة أن يقال: لمخالفته إياهم أو لمخالفتهم إياه؟

أشرنا إلى هذا في درسٍ مضى. فعندنا مخالِف وعندنا مخالَف، هل يُمكن أن يُقال: إنَّ الأوَّل هو المخالَف والثاني، والذي يأتي  بعدُ مخالِف أو يُقال: يُرجع إلى الأصل، وهو الحق؟ فالذي يخالفه مخالِف، والذي يستمسك به مخالَف، والذي يجعلنا نثير مثل هذا...

طالب:....
يعني خالفهم ممن جاء بعدهم وقبلهم؟

طالب:....
من جاء بعدهم رجعنا إلى قول الثاني.

طالب:...
هو الحق على الحق، نعم، لكن لا يضره من خالفه من المتقدمين أو من المتأخرين، إن كان قصده من المتقدمين يصح الكلام، وإن كان القصد من المتأخرين التقى القولان.
طالب:...
ما الذي يجعلنا ننتبه لمثل هذه الأمور؟ يعني في أيام الطلب في حال الصبا في الصغر في المتوسط، نقرأ كتاب "مسائل الجاهلية" على واحد من الشيوخ، فقرأنا عنوان الكتاب: فهذه مسائل الجاهلية التي خالف فيها رسولُ الله –صلى الله عليه وسلم- أهلَ الجاهلية، فرد علينا قال: لا، رسولَ الله –صلى الله عليه وسلم- أهلُ الجاهليَّة، في ذلك الوقت ما يتصور الإنسان أكثر من هذا، لكن الآن هل نقول: إن العبرة بالأصل، والذي يُخالِفه مخالف سواءً تقدَّم أو تأخَّر، أو نقول: العبرة بالتقدُّم والتأخُّر، فالأصلُ متقدِّم ويخالفه من جاء بعده؟
طالب:.....
هو كان يحبُّ موافقةَ أهلِ الكتاب، يحبُّ موافقة أهلِ الكتاب، فلمَّا أيِس منهم خالفهم.
طالب:.....
فلما أيس منهم خالفَهُم، مثل مسألة فَرْقَ الشَّعَر، نعم.

طالب:....
نعم، يقول: الذي يحدِّد المُرَاد هوَ الوصْف بالمخالَفة، هل هي مذمومة مطلقًا أو تأتي يُراد بها الذَّم أو يُرادُ بها المدح؟

على حسب المخالَف، إن كان الحق فالمخالِف مذموم، وإنْ خالَف ومعه الحقّ فالمخالَفةُ محمودَة، وذكرنا في مناسبة -تكلمنا فيها- محصنين ومحصنات، الذكور يأتي باسم الفاعل والإناث يأتي باسم المفعول، والفقهاء حينما يعرِّفون منْ يجبُ عليْهِ الرَّجْم –مثلًا- يقولون: مُحْصَن، ما يقولون: مُحْصِن، الثيِّب يقولون له: مُحْصَن، مع أنَّهُ في بابِ المفاعلَة كلُّ واحد من الطرفين يُحصِن الآخر، فهو محصِنٌ محصَن في آنٍ واحد، لكن إذا تأمَّلنا النُّصوص وجدنا أنَّ المُحصِن هو الرجل، والمُحصَنَة هي المرأة.

طالب:.....
يعني: «خالفوا»، مقتضى امتثال الأمر أن تكون مخالفًا لهم، والخطبُ سهل، يعني: الأمر سهل، لكن على حسب فَهمِ المخالِف، هل هو مذموم -لفظُ المخالِف- مذموم مطلقًا أوْ لا؟
"تشبيهًا له لمخالفته إياهم في الدين، ومعنى أمِرَ: عَظُمَ وارتفع، وأصله الكثرة، يقال: أمِرَ القوم إذا كثر عددهم، ويقال: أمَّرْتُ الشيء بمعنى: كثَّرْتُهُ، يقول النووي: وأمَّا أبو كبْشَة، فقيل: هو رجلٌ من خُزاعَة كانَ يعبدُ الشِّعْرَ، ولم يوافقه أحدٌ من العَرب على ذلِك، فشبَّهوا النبي –صلى الله عليه وسلم- به؛ لمخالفتِهِ إيَّاهم". لمخالفته إياهم في دينهم كما خالفهم أبو كبْشَة،  "روِّينا عن الزبير بن بكار في كتابه "الأنساب" قال: ليسَ مُرادُهُم عيبَ النبي –صلَّى الله عليه وسلم- وإنَّمَا أرادوا مجرَّدَ التَّشْبيه، وإنما أرادوا مجرَّد التَّشبيه، وقيل أبو كبشة: جدّ النبي –صلى الله عليه وسلم- من قبَلِ أمِّه، قاله ابن قتيبة وغيرُه.

  وفي شرح ابن بطَّال قال أبو حسن الجرجاني النسابة  في معنى نسبة قريش رسولَ الله –صلى الله عليه وسلَّم – إلى أبي كبشة، قال: إنما كانت تدعوهُ بذلك، وتغيِّر اسمَهُ عداواةً له؛ إذْ لم يمكنهم الطَّعن في نسبه –صلوات الله عليه- وكان وهبُ بن عبد مناف بن زُهْرَة أبو آمنة أم رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يُدعَى أبا كبشَة، وكان وهبُ بن عبد مناف بن زهرة أبو آمنة أم رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يُدعى أبا كبشة، قال: وكان عمرو بن زيد بن أسد النجَّارِي، وكان عمرو بن زيد بن أسد النجَّارِي أبو سلمى أم عبد المطَّلب يُدعى: أبا كبشة، وكان في أجداده من قبل أمِّهِ –عليه الصلاةُ والسَّلام- أبو كبشة، وكان أبوه من الرضاعة– عليه الصلاة والسلام- يُدعى أبا كبشة، وهو الحارث بن عبد العزَّى بن رفاعة السَّعْدِي.

قال ابن قتيبة: إنما نسبه –عليه السلام- إلى أبي كبْشَةَ وهو الحارث بعضُ أجداده، بعض أجداد أمه؛ لأنه رجلٌ عبدَ الشِّعْرَ ولم تعرف العربُ عبادة الشِّعْرَ لأحد". لأحدٍ قبله. "وجعلوا فعله في ذلك شذوذًا في الدِّين، فلما جاءهم رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بما لا يعرفونه من دينهم ودين آبائهم شذَّ عنهم في تركِ عبادةِ الأوثان، ودعا إلى دين الله ودين إبراهيم –عليه السلام- شبَّهوه بأبي كبشةَ في شذوذه في عبادة الشعر". انتهى من ابن بطال.

الآن سبب التَّسمية الأولى لمن عبد الشِّعر أبو كبشة، لقبوه بأبي كبشة؛ لأنَّه عبد الشعر أو حفظوا له هذه المخالَفة، وكنيته محفوظةٌ ثابتة فلمَّا خالفهم النبي –عليه الصلاة والسلام- لقبُّوه به، أو كنَّوه بها؟

يعني: معروف أن تلقيب النبي –عليه الصلاة والسلام- بابن أبي كبشة لوجود المخالفة، لكن هل تلقيب هذا الجد بأبي كبشة لوجود المخالَفة أو هذه كنيته الحقيقية؟  كنيته، وقال الكرماني: "وقيل: أبو كبشةَ عمُّ والدِ حليمة، وقيل: أبو كبشةَ عمُّ والدِ حليمة مرضِعَتِه –صلى الله عليه وسلَّم-، وإنما قالوه إِمَّا لمجرد التشبيه، وإنما قالوه إما لمجرد التشبيه وإما عداوةً وتحقيرًا له بنسبتهِ إلى غير نسبِهِ المشهور، وفي "مصابيح الجامع" ابن أبي كبشة".
الآن كبشة بالتأنيث، ما معناها؟

طالب:....
مثل ما تقول: تيسة، تجي، تجيء أم  ما تجيء؟ كبشة، الكبش معروف أنَّه الذكر من الضأن، ما معنى كبشة؟

طالب:.....
قلبُ كبشة، ماذا؟

طالب: كبش القوم.

لكن كبشة، تستطيع أن تقول لامرأةٍ أنها: رجلة.

طالب: ورد في بعض الطرق ....

يعني بنته اسمها كبشة، كيف كبشة، تجيء؟

هي موجودة ولا يُجادل فيها أحد، واللفظ موجود ومقطوع بوجودِه، لكن كيف يُقال: كبشة مؤنَّث الكبش ومعلومٌ أنَّ مؤنَّث الكبش: شاة، من غير لفظه؟

طالب:.....
الكبش.
طالب:....
لا، قد يُطلَق على الشَّاة إذا كان فيها من صِفَات الكَبْش كبْشَة، كما أنَّ المرأة إذا كان فيها شيء من صفات الرِّجال، رَجِلة، صارت الرَّجِلَة من النِّساء.

طالب:.....
أظن هذا واضح، هذا، في "مصابيح الجامع" لمن؟ للبدر الدماميني، هذا انتشر قريبًا وصرنا ننقل منه، لمَّا تيسَّر، "ابن أبي كبشة يريد النبي –صلى الله عليه وسلم- قال ابن جنِّي: كبشة اسمٌ مرتجل ليس بمؤنثِّ الكبش؛ لأن مؤنَّث الكبشِ من غيرِ لفظِهِ، وقال ابن ماكولا: واسمه وَجْز، بواو مفتوحة فجيم ساكنة فزاي، ابن غالب".

ابن ماكولا، في ماذا؟ كتابه ماذا؟ "الإكمال"، "الإكمال لابن ماكولا" من أشهر كتب ضبط الأسماء المتفقة والمفترقة.

قال ابن جنِّي: كبشة: اسمُ مرتجل ليس بمؤنث الكبش؛ لأن مؤنَّث الكبشِ من غيرِ لفظِهِ، قال ابن ماكولا: واسمه وَجْز". بالواو والجيم الساكنة والزاي. " بواوٍ مفتوحة فجيمٌ ساكنة فزاي، ابن غالب". وجز، مثل الجز، ابن سعد العشيرة جَزّ، وَجْز، ولها نظائر وغيره.

يقول: هل يجوز أداء أبي سفيان –رضي الله عنه- لكلمة: ابن أبي كبشة في إسلامه، وإنْ كان قالها أوَّلًا وقت كفره؟

هو أدَّى الخبر بعدما أسلم، ونقله عنه ابن عبَّاس؛ لأنَّه يصحّ تحمُّل الكافِر، لكن لا يصحُّ أداؤُهُ كما في حديث جبير بن مطعِم، لما سمع النبي –عليه الصلاة والسلام- يقرأ في صلاةِ المغرب بسورة الطُّور حال كفره، قبل أن يسلم، لما جاء في فداء أسرى بدر، ثم أدَّى هذه السُّنَّة بعد إسلامِه فحمِلَت عنه وخُرِّجَت في الصَّحيحين وغيرِهما.

الآن هذا تحمَّل في حالِ كُفْرِه وأخبر عن نفسْه أنَّهُ قال في ذلك الوَقْت: لقد أمِرَ أمْرُ ابن أبي كبشة، فكونه قالها في حال كفره، ونقلها بعد إسلامه، إنَّما هو مجرَّد تصوير للواقع الحاصِل، ولا يعني بذلكَ أنَّه ينبِذُه به بعدَ إسْلَامِهِ، فكون الإنسان ينقُل ما حصَل. لو تاب إنسان من كلامٍ كان يقولُهُ، ثمَّ بعدَ ذلك يذكُر في مجلِس من المجالِس أنَّ الله –جلَّ وعلا- منَّ عليه، وتابَ عليه، وهداهُ لأنَّه كان يقول: كذا قبْلَ ذلِك، فهو حاكٍ، هو يحكي حكاية لا يقرّ من جديد أو يتبنَّى.
قال: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ
ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ} [هود:88]،  فالمخالفة المذمومة  هي المقصودة لذاتها، «يا أبا بكر ما أردتَّ إلا مخالفتي»، أو المقصود بها الإفساد وإحقاق الباطل، أما المخالفة للإصلاح فممدوحة.

في "فتح الباري" "ابن أبي كبشة، أراد به النبي –عليه الصلاة والسَّلام-؛ لأن أبا كبشة أحدُ

أجدادِهِ، وعادةُ العربِ إذا انتقصَت نسبتْ إلى جدٍّ غامض، إذا انتقصت نسبت إلى جدٍّ غامض".
يعني: إنسان له أجداد، له آباء أم، وأب، وأجداد من الطَّرَفَيْن، فإذا أرادوا مدحهُ نسبوه إلى أشهر أجداده، نسبوه إلى أشهر أجداده، وإذا أرادوا القدح فيه والحطّ من شأنه نسبوه إلى أقلِّ أجداده شأنًا –كما هنا-.

 ودخل النبي –عليه الصلاة والسلام- المسجد في صلاة الظُّهْر وهوَ حاملٌ أمامةَ بنت زينَب، بنت زينب، أبوها أبو العاص بن الرَّبيع، فلا شكَّ أنَّ شرفَ النِّسْبَة يجعلهم يعدلون من نسبتها إلى أبيها إلى أمِّها، من أبيها إلى أمِّها، "عادةُ العربِ إذا انتقصت نسبت إلى جدٍّ غامض، قال أبو الحسن النسابة الجرجاني: هو جدُّ جدِّ النبي –صلى الله عليه وسلم- لأمِّهِ، هو جدُّ جدِّ النبي– صلى الله عليه وسلم- لأمِّهِ، وهذا فيهِ نظر؛ لأن وهبًا جدَّ النبي –عليه الصلاة والسلام- اسم أمِّهِ عاتكَةُ بنتُ الأوقَص بن مرَّة بن هلال، ولم يقل أحدٌ من أهلِ النَّسبِ: إن الأوْقَص يكنى أبا كبْشَة، وقيل: هو جدُّ عبد المطلب لأمِّه، وقيل: هو جد عبد المطلب لأمه، وفيه نظرٌ أيضًا؛ لأنَّ أمَّ عبد المطَّلِب: سلمى بنت عمرو بن زيد الخزرَجِي".

طالب:...............
بلى، قد تكون معروفة بأمِّها ومعروفة بأبيها، لكن لماذا يُعدل عن الأب إلى الأم، وأبوها معروف مشهور؟ العدول عن ذلك لشرفِ النِّسبة.

قال: "وأمُّهُ سلمى بنت عمرو بن زيد الخزرَجِي، ولم يقُلْ أحدٌ من أهلِ النَّسب: إن عمرو بن زيدٍ يُكنَى أبا كبْشَة، ولكن ذكَر ابن حبيب في "المُجْتَبَى" أو "المُجْتَنَى" ابن حبيب له كتب من المحبر ومن المنمق، ومنها "المجتنى أو المجتبى". ذكر ابن حبيب في "المجتبى": "جماعة من أجداد النبي –صلى الله عليه وسلم- من قِبَلِ أمِّهِ، من قبَل أبيه ومن قِبَل أمِّهِ، ذكر جماعة من أجداد النبي –صلى الله عليه وسلم- من قبل أبيه ومن قبل أمِّهِ،  كلُّ واحد منهم يكنى أبا كبشة، ونقلَ العينيُّ عن ابنِ التِّين عن الشِّيْخِ أبي الحَسن، أنَّ أبا كبشةَ جدُّ النبي –صلى الله عليه وسلَّم- جدُّ ظئر النبي –صلى الله عليه وسلم-، فقيل له: قيل إن في أجداده ستة يُسمَّوْن أبا كبشة، فأنكر ذلك".

"إنَّه يخافه ملِك بني الأصفر" "إنه يخافه ملكُ بني الأصفر"، قال ابن حجر: "قوله: إنه يخافه، بكسر الهمزة استئنافًا تعليليًّا لا بفتح". الآن الأصل في (إنَّ) الكسر أو الفتح؟ يعني: الأصل فيها مكسورة ثم تفتح في مواضع لمُقْتَضٍ، أو الأصل أنها مفتوحة وقد تكسر؟ في مقول القول ونحوه.

طالب:.......
مكسورة وتفتح، متَّفَق عليه؟ المسألة فيها ثلاثة أقوال: إنَّ، وأَنَّ، والثالثُ أصلان، إن وأن والثالث أصلان.

طالب:.........
ماذا؟
طالب:.....
هي تُفتح في مواضع، وتُكسَر في مواضع، فهل يقال: إن المفتوحة أصل كالمكسورة، أو يقال: إن الأصل المكسورة وقد تُفْتَح لمقتضٍِ، ويترتب على هذا أنَّنا إذا وَجدْنَا هذا الحرف في موضعٍ لم ينصّ عليه أهلُ العلم أنه من المواضع التي تُكسر فيها أو تُفتَح، فماذا نصنع؟ قلنا: على أصله، الذي يقول: (إن) هي الأصل يجعله مكسورة، والذي يقول: (أن) الأصل يجعله مفتوحة حتى يرد مقتضي للكسر أو للفتح.

قوله: "إنَّه ليخافه بكسر الهمزة استئنافاً تعليليًّا لا بفتحها، ولثبوت اللام في: ليخافه، ويفتح اللام في: ليخافه، في رواية أخرى. لَيخافه".

مما الذي يؤكد، خبر إنَّ أو خبر أنَّ، إنَّ حرفُ توكيد ونصب، يؤكَّد ما بعدها باللام، والأصلُ أنَّه المبتدأ، لكن يؤكَّد بالخبر معه؛ لئلا يجتمع مؤكِّدان على التوالي، فيفصل بينهما فيؤكِّد الخبر، ويسمونها المُزحْلَقة، ولثبوت اللام في: لَيخافُهُ، في رواية أخرى.

وقال العيني: "إنه يخافه، بكسر إنَّ؛ لأنَّه كلام مستأنَف، لأنه كلام مستأنف ولا سيما جاء في روايةٍ اللام بخبرها، وقال بعضهم –ويقصد بذلك ابن حجر-، وقال بعضهم: إنه يخافه بكسر الهمزة لا بفتحها لثبوت اللام في خبرها." قلتُ". القائل من؟ العيني "قلتُ: يجوز فتحها أيضًا، وإن كان على ضَعف، يجوز فتحها أيضًا وإن كان على ضعفٍ على أنَّه مفعول من أجله، قلت: فتحها أيضا وإن كان على ضعفٍ على أنَّه مفعول من أجله وقد قُرئ في الشواذ على أنهم ليأكلون". ألا أنهم بالفتح في انهم والمعنى: على فتح بالحديث عظم أمره –عليه الصلاة والسلام-؛ لأجل أنه يخافه ملك بني الأصفر".

ملكُ بني الأصفر، قال النووي: أما بنو الأصفر فهم الروم، أما بنو الأصفر فهم الروم. قال ابن الأنباري: سموا به".

لماذا سمي الروم بني الأصفر؟ "قال ابن الأنباري: سموا به؛ لأن جيشًا من الحبشةِ غلب على ناحيتهم في وقتٍ فوطئ نساءهم فولدن أولادًا صفرًا من سواد الحبشة وبياض الروم. والله أعلم."
هذا سبب في التسمية، وقال إبراهيم الحربي: "نُسبوا إلى الأصفر بن الروم، نسبوا إلى الأصفر بن الروم بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم. قال القاضي عياض: هذا أشبه من قول ابن الأنباري، هذا أشبه من قول ابن الأنباري". لماذا؟ يُنسبون إلى الأصفر أولى من أن يكون السَّبب في الصفرة لامتزاج الماء الحبشي بالرومي، لقال: "إنه ليخافه ملِكُ بني" لو أراد أنهم ألوانهم صفر من أجل هذا الامتزاج، قال: ملك الصفر، ما قال: "بني الأصفر". وقال ابن حجر: "يقال إن جدهم روم بن عيص تزوج بنت ملك الحبشة، تزوج بنت ملك الحبشة فجاء لون ولده بين البياض والسواد، فقيل له: الأصفر". يعني: الصُّفرة في اللون ممدوحة أم مذمومة؟ يعني: بياض ممزوج بصفرَة أفضل أو بياض ممزوج بحُمرَة؟

طالب:......
نعم.
مُشْرَب بحُمْرَة، نعم. لكن ﴿كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ﴾ [الصافات:49]، ﴿كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ﴾،  قال العلماء: المراد به بيضُ النَّعام، وهو بياضٌ مُشربٌ بصفْرَة، هذا كلام المفسرين. قال ابن حجر: "يقال: إن جدَّهم روم بن عيص، روم بن عيص تزوَّج بنت ملك الحبشة، فجاء لون ولده بين البياض والسَّوَاد، فقيل له: الأصفر، حكاه ابن الأنباري.

 وقال ابن هشام في "التيجان": إنما لُقِّب الأصفر؛ لأن جدَّته سارَة أو سارَّة –بالتثقيل- زوج إبراهيم حلَّته بالذَّهب؛ لأن جدَّته سارَة زوج إبراهيم حلَّته بالذهب".

 "قال أبو سفيان: فما زلت موقنًا، فما زلتُ موقنًا أنَّه سيظهر". جازمًا بظهوره، موقن، يعني: جازم بظهوره، قال ابن حجر: "زاد في حديث عبد الله بن شداد، عن أبي سفيان: فما زلت مرعوبًا من محمَّد حتَّى أسلمتُ. أخرجه الطبراني".

خاف، مادام ملِك بني الأصفر يخافه، فلماذا لا يخافه أبو سفيان؟! قال: "فما زلت موقنًا أنَّه سيظهر". قال ابن حجر: "زاد في حديث عبد الله بن شداد عن أبي سفيان: فما زلت مرعوبًا من محمد حتَّى أسلمتُ. أخرجه الطبراني"

"حتى أدخل الله عليَّ الإسلام" لمَّا سمع هذه المحاورة، وسأل أبا سفيان وأجابه، وتيقَّن أنه هو الرَّسول المبعوث في آخر الزَّمان أيقَن، اعتقد، وجزَم أنَّه سيظهر، فصار مرعوبًا، يقول: "حتَّى أسلمتُ" الغاية هذه، استقر اليقين في قلبه حتَّى أسلم، فمعناه أنَّه لمَّا أسلم زال اليقين عنه أم ما زال؟

طالب:......
نعم.
قال: "حتَّى أدخل الله عليَّ الإسلام"، حتَّى، قول: حتى أسلمت، "حتَّى أدخل الله عليَّ الإسلام"، يعني: الغاية دخول الإسلام، فهل ما بعدَ الغاية يخالف ما قبلها؟ اليقينُ موجود قبْل وبعد، "حتَّى أدخل الله عليَّ الإسلام"، أي: فأظهرت ذلك اليقين، كان ذلك اليقين خفي، لكن لمَّا أدخل اللهُ عليَّ الإسلام أعلنَ هذا اليقين.

قال: "وليسَ المرادُ أن هذا اليقين ارتفع". "حتَّى أدخل الله عليَّ الإسلام"، التقدير، يعني عندنا حتَّى: غاية، فهل ما قبلها مخالف أو موافق؟ واضح أنَّهُ موافق؛ لأن عنده يقين فإذا أسلم زاد اليقين، هل يمكن أن يُقال: إنَّه كان موقنًا قبل أن يُسلِم، فلما أسلم، حتَّى أسلم، فلما أسلم ارتفع ذلك اليقين، وحلَّ محله يقينٌ أعظم منه، محتمل؟ أنْ يرتفع يقين بنسبة معينة، قُلْ بنسبة سبعين، مع أنَّه ما يسمى يقينًا، حتَّى يكون لا يحتمل النقيض.

طالب:....
هو ما فيه شك أنه ظهر الإسلام، لكن الغاية عنده: "حتى أدخل الله عليَّ الإسلام"، بمفرده.
طالب:....
دخل النَّاس في دين الله أفواجًا.

 على كل حال: ليس المراد أنَّ اليقين ذاك ارتفع وحلَّ محله يقين أرفع منه أو كذا، اليقين باقٍ وإن زادت نسبته. والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

"