كتاب بدء الوحي من إرشاد الساري (07)

اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه.

 قال المصنف –رحمه الله تعالى- : "(فقال له) عليه السلام (ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خبر ما) وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني: بخبر ما (رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس) بالنون والسين المهملة، وهو صاحب السرّ كما عند المؤلف في أحاديث الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-، وقال ابن دريد: هو صاحب سرّ الوحي والمراد به جبريل -عليه الصلاة والسلام-، وأهل الكتاب يسمونه الناموس الأكبر (الذي نزل الله على موسى)، زاد الأصيلي: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونزل بحذف الهمزة يستعمل فيما نزل نجومًا، وللكشميهني: أنزل الله، ويستعمل فيما نزل" .

نزل دفعة واحدة.

طالب: "ويستعمل فيما نزل جملة، وفي التفسير أنزل مبنيًّا للمفعول. فإن قلت: لمَ قال".

ما التفسير هذا؟

طالب: كتب الشيخ كتاب الصحيح.

كتب التفسير من صحيح البخاري.

طالب: "إن قلت: لم قال موسى ولم يقل عيسى مع كونه".

مع كونه نصرانيًّا.

طالب: "مع كونه أي ورقة نصرانيًّا؟ أجيب بأن كتاب موسى مشتمل على أكثر الأحكام، وكذلك كتاب نبينا -عليه الصلاة والسلام- بخلاف عيسى، فإن كتابه أمثال ومواعظ، أو قاله تحقيقًا للرسالة؛ لأن نزول جبريل على موسى متفق عليه عند أهل الكتابين".

بين اليهود والنصارى، بينما نزوله على عيسى مختلف فيه عند اليهود، لكن لا عبرة بهذا الاختلاف.

طالب: طيب يا شيخ، الحكمة التي ذكرها تنطبق على قوله تعالى عن الجن: {إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى} لماذا لم يقولوا: من بعد عيسى؟ لنفس الحكمة؟

هم ما أمروا باتباع عيسى، فلعل هؤلاء الذين قالوا بهذا الكلام ما سمعوا به، لا شك أن رسالة موسى أكثر انتشارًا وأكثر مرتبة. وشريعته ضياء كما جاء وصفها أقوى من شريعة عيسى من جهة، وشريعة عيسى –عليه السلام- أشبه ما تكون بالمكمل.

طالب: يا شيخ، في كتب النصارى عندهم العهد القديم والعهد الجديد، العهد الجديد هو توراة موسى–عليه السلام-؟

والجديد؟

طالب: عيسى، كتاب عيسى.

هم عندهم الأسفار وأشياء كثيرة.

طالب: ما الباعث على تعدد هذه الأسفار...؟

أصلاً ليست محفوظة من التبديل، كل واحد مجدد عندهم اتخذ توراة خاصة، ويتخذ إنجيل، ولذلك تجد إنجيل برنابة وإنجيل متى ويوحنا وكذا.

طالب: لكن ما وقف على نسخة من الإنجيل أو من التوراة؟

غير محرف؟

طالب: لا، أقرب إلى الصحيح.

لا ما يمكن، ما يمكن، هي متفاوتة، إنجيل برنابة أقرب.

طالب: لكن محرف.

فيه تحريف، لكن أقل الأحوال أنه فيه إثبات نبوة محمد –عليه الصلاة والسلام-، ولذلك طبعه الشيخ محمد رشيد رضا.

طالب: .................

نعم طبع الإنجيل.

طالب: ..................

ما دام فيه إثبات نبوة محمد فهو حجة على النصارى.

طالب: بالنسبة لكتاب التوراة ..............

محرفة نعم، التحريف موجود {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [سورة المائدة:13] هذا القسم هذا بحد ذاته ما حرف، ولا يؤمن أنهم بعد هذه الحادثة مسحوا الآية أو حرَّفوها؛ لأن التوراة ليست مضمونة، حفظها ليس بمضمون، وكل حفظها إليهم، بما استحفظوا من كتاب الله، فلم يحفظوها، لكن في القرآن: {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [سورة الحجر:9]، لا يمكن أن يتطرق إليه خلل.

 ولذا جاء شخص إلى هارون الرشيد يهودي، فعرض عليه الإسلام، فما أسلم، فنسخ ثلاث نسخ من التوراة كل وحدة تختلف عن الأخرى، ونزل بهن السوق وباعهن كلهن راح، هذا اليهودي، ونسخ ثلاث نسخ من الإنجيل كل واحدة تختلف عن الأخرى، فنزل بها في أسواق النصارى فبيعت، نزل بثلاثة مصاحف، كل واحد يختلف اختلافًا يسيرًا جدًّا عن الثاني فما مشى منها لا الصواب ولا الخطأ، كلها رُدَّت إليه، وهذا من حفظ القرآن. ثم بعد سنة بعد ما انتهى مشروعه هذا جاء إلى هارون الرشيد فأعلن إسلامه، فقال: لماذا؟ العام الماضي طلبنا منك أن تسلم قال هذا الذي حصل، وهذا أمر واضح {بما استحفظوا} يعني وكل إليهم حفظه، فما حفظوا، وفي القرآن {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.

طالب: ....................

كيف؟

طالب: ....................

إنجيل برنابا أو كلمة نحوها، والله ما أدري ما لي عناية بهذه الأمور.

طالب: "أو قاله تحقيقًا للرسالة؛ لأن نزول جبريل على موسى متفق عليه عند أهل الكتابين بخلاف عيسى، فإن كثيرًا من اليهود ينكرون نبوّته، وفي رواية الزبير بن بكار بلفظ عيسى، (يا ليتني فيها) أي في مدة النبوة أو الدعوة، وجعل أبو البقاء المنادى محذوفًا أي يا محمد، وتُعِّقب بأن قائل ليتني قد يكون وحده، فلا يكون معه منادى كقول مريم: {يَا لَيْتَنِي مِتُّ} [مريم: 23]، وأجيب بأنه قد يجوز أن يجرد من نفسه نفسًا فيخاطبها، كأن مريم قالت: يا نفسي ليتني متُّ، وتقديره هنا ليتني". 

على كل حال دخول حرف النداء خاص بالأسماء، فإذا دخل الحرف على حرف فلا بد من تقدير اسم، إذا دخل حرف على فعل لا بد من تقدير اسم، ف{يا ألا يسجدوا} قراءة لا بد من تقدير اسم ألا يا هؤلاء اسجدوا.

طالب: "وتقديره هنا ليتني أكون في أيام الدعوة، (جذعًا) بفتح الجيم المعجمة، وبالنصب خبر كان مقدرة".

الجيم تحتاج إلى أن يقال: معجم؟

طالب: "والمعجمة".

لأن جذعًا ما يحتاج أن يقال: معجمة لماذا؟ سبحان الله؟!

طالب: ...................

لكن قال: والمعجمة بفتح الجيم والمعجمة، كيف؟

طالب: الذال جذَع.

معروف أن المعجمة الذال، لماذا ما يقال: الجيم المعجمة؟

طالب: تميزها بالكتابة يا شيخ.

كيف تميزها؟

طالب: الجيم.

الجيم ما تلتبس بالحاء ولا بالخاء، لكن لو قال: الحاء لاحتاج أن يقول: المهملة، لو قال: الخاء لقال: بالخاء المعجمة؛ لأنها تلتبس بالحاء، أما الجيم فصورتها متميزة عن الحاء والخاء.

طالب: .................

لكن بجيم. إذا قال بالجيم يحتاج أن يقول.

الطالب: "بفتح الجيم المعجمة وبالنصب خبر كان مقدرة عند الكوفيين، أو على الحال من الضمير المستكن ".

يا ليتني أكون جذَعًا.

الطالب: "أو على الحال من الضمير المستكن في خبر ليت، وخبر ليت قوله: فيها أي ليتني كائن فيها حال الشبيبة والقوة لأنصرك، أو على أن ليت تنصب الجزأين، أو بفعل محذوف أي جعلت فيها جذعًا. وللأصيلي وأبي ذر عن الحموي: جذع بالرفع؛ خبر ليت، وحينئذ فالجار يتعلق بما فيه من معنى الفعل كأنه قال: يا ليتني شاب فيها، والرواية الأولى أكثر وأشهر، والجذع هو الصغير من البهائم، واستُعير للإنسان، أي يا ليتني كنت شابًّا عند ظهور نبوّتك حتى أقوى على المبالغة في نصرتك.

(ليتني) وللأصيلى: يا ليتني (أكون حيًّا إذ يخرجك قومك) من مكة، واستعمل إذ في المستقبل كإذا على حد: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ} [مريم: 39]. قال ابن مالك: وهو صحيح، وتعقَّبه البلقيني بأن النحاة منعوه وردوه، وأوّلوا ما ظاهره".

ماذا؟ منعوه، أو منعوا وروده؟

طالب: "منعوا وروده".

منعوا وروده. كيف منعوا وروده وهو وارد في أفصح الكلام؟ عجيب أقول: وارد في القرآن يمنعون وروده.

طالب: "وتعقبه البلقيني بأن النحاة منعوا وروده، وأوّلوا ما ظاهره ذلك، فقالوا في مثل هذا استعمل الصيغة الدالّة على المضي لتحقق وقوعه، فأنزلوه منزلته. ويقوي ذلك هنا أن في رواية البخاري في التعبير حين يخرجك قومك، وهو على سبيل المجاز كالأوّل، وعورض بأن المؤولين ليسوا النحويين بل البيانيون، وبأنه كيف يمنع وروده مع وجوده في أفصح الكلام؟ وأجيب بأنه لعله أراد بمنع الورود ورودًا".

ورودًا غير مؤول.

الطالب: ورودًا محمولاً على حقيقة الحال.

نعم غير مأول.

الطالب: "لا على تأويل الاستقبال. فإن قلت: كيف تمنى ورقة مستحيلاً وهو عود الشباب؟ أجيب: بأنه يسوغ تمني المستحيل إذا كان في فعل خير".

كما تمنى النبي –عليه الصلاة والسلام- أن يستشهد ويحيى ثم يقتل، مستحيل. كيف نهي النساء عن تمني أن يكن رجالاً يقاتلن في سبيل الله، فنزل قوله تعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلِّرِجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} [سورة النساء:32]  فالتمني كان في ذلك الوقت تمنى النساء أن يكن رجالاً لا لذات الجهاد وغنما لأجل أن يشاركن الرجال في الجهاد والمغانم وغيرها، وأما تمني فعل الخير، تمني أن ترى النبي –عليه الصلاة والسلام- أو تكون ممن صحب النبي –عليه الصلاة والسلام- لا تلام على ذلك.

الطالب: "أو بأن التمني ليس مقصودًا على بابه، بل المراد به التنبيه على صحة ما أخبره به، والتنويه بقوّة تصديقه فيما يجيء به، أو قاله على سبيل التحسّر لتحقّقه عدم عود الشباب. (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أو) بفتح الواو (مخرجيَّ هم) بتشديد الياء مفتوحة؛ لأن أصله مخرجوني جمع مخرج من الإخراج، فحذفت نون الجمع للإضافة إلى ياء المتكلم، فاجتمعت ياء المتكلم وواو علامة الرفع، وسبقت إحداهما بالسكون فأبدلت الواو ياءً وأدغمت، ثم أُبدلت الضمة التي كانت سابقة الواو كسرة ".

للمناسبة، للمناسبة.

الطالب: "وفتحت ياء مخرجيّ تخفيفًا، وهم مبتدأ خبره مخرجيّ مقدمًا، ولا يجوز العكس لأنه يلزم منه الإخبار بالمعرفة عن النكرة؛ لأن إضافة مخرجيّ غير محضة؛ لأنها لفظية؛ لأنه اسم فاعل بمعنى الاستقبال".

لماذا لا يكون أو مخرجيَّ هم يكون هم فاعل سد مسد الخبر، أو مخرجي هم؟ إذا قلت: أقائم الزيدان؟ همزة للاستفهام وقائم مبتدأ، والزيدان فاعل سد مسد الخبر، لماذا لا نقول مثله في أو مخرجي هم؟

الطالب: فيه تعليل هنا أنه يكون إخبار معرفة عن نكرة.

كيف؟

طالب: قال: يلزم منه الإخبار بالمعرفة عن النكرة.

لماذا لم يقل مخرجي هم؟ مخرجي مبتدأ، وهم فاعل سد مسد الخبر، نعم؟ لأن مخرجي مشتملة على ضمير الجمع وفيها واو جماعة ثم انقلبت. وإذا اشتمل الفعل أو ما يقوم مقامه على ضمير الجمع يأتي فاعله جمعًا إلا على لغة أكلوني البراغيث. وعلى هذا لا تقول: أقائمان الزيدان لا وتعربها الإعراب الأول، لابد أن تقول الزيدان مبتدأ وقائمان خبر مقدم.

الطالب: "لأن إضافة مخرجيّ غير محضة؛ لأنها لفظية؛ لأنه اسم فاعل بمعنى الاستقبال، والهمزة للاستفهام الإنكاري؛ لأنه استبعد إخراجه عن الوطن لا سيما حرم الله وبلد أبيه إسماعيل من غير سبب يقتضي ذلك، فإنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان جامعًا لأنواع المحاسن المقتضية لإكرامه وإنزاله منهم محل الروح من الجسد".

فضلاً عن إخراجه.

الطالب: "فإن قلت: الأصل أن يجاء بالهمزة بعد العاطف نحو: {فَأَنَّى تُؤْفَكُون} [الأنعام: 95] و {فَأَيْنَ تَذْهَبُون} [التكوير: 26]، وحينئذ ينبغي أن يقول هنا: وأمخرجيّ؛ لأن العاطف لا يتقدم عليه جزء مما عطف؟ أجيب: بأن الهمزة خصّت بتقديمها على العاطف تنبيهًا على أصالتها في أدوات الاستفهام، وهو له الصدر نحو: أو لم ينظروا، أفلم يسيروا، هذا مذهب سيبويه والجمهور. وقال جار الله وجماعة: 

جار الله من يا أشرف؟ جار الله، الزمخشري هو اسمه جار الله، أقول لقبه جار الله محمود بن عمر، الزمخشري.

الطالب: "قال جار الله وجماعة: إن الهمزة في محلها الأصلي، وإن العطف على جملة مقدّرة بينها وبين العاطف والتقدير: أمعاديّ هم، ومخرجيّ هم؟ وإذا دعت الحاجة لمثل هذا التقدير فلا يستنكر.

فإن قلت: كيف عطف قوله: أو مخرجيّ هم وهو إنشاء على قول ورقة: إذ يخرجك قومك وهو خبر، وعطف الإنشاء على الخبر لا يجوز، وأيضًا فهو عطف جملة على جملة، والمتكلم مختلف؟

أجيب بأن القول بأن عطف الإنشاء على الخبر لا يجوز إنما هو رأي أهلِ البيان، والأصح عند أهل العربية جوازه، وأما أهل البيان فيقدِّرون في مثل ذلك جملة بين الهمزة والواو، وهي المعطوف عليها، فالتركيب سائغ عند الفريقين، أما المجوزون لعطف الإنشاء على الخبر فواضح، وأما المانعون فعلى التقدير المذكور.

وقال بعضهم: يصح أن تكون جملة الاستفهام معطوفة على جملة التمني في قوله: ليتني أكون حيًّا إذ يخرجك قومك، بل هذا هو الظاهر، فيكون المعطوف عليه أولَ الجملة لا آخرَها، الذي هو ظرف متعلق بها، والتمني إنشاء، فهو من عطف الإنشاء على الإنشاء. وأما العطف على جملة في كلام الغير فسائغ معروف في القرآن الكريم والكلام الفصيح، قال تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [البقرة: 124] قال ورقة".

طويل.

طالب: نعم يا شيخ؟

لا، طويل، طويل.