كتاب الرجعة من سبل السلام (13)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

"بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

قال: في بلوغه وشرحه في كتاب الرجعة باب العدة والإحداد.

الحديث الحادي عشر: "وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: طَلَاقُ الْأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ، وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَأَخْرَجَهُ مَرْفُوعًا، وَضَعَّفَهُ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَخَالَفُوهُ، فَاتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِه"ِ.

"وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: طَلَاقُ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ تَطْلِيقَتَانِ، وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عُمَرَ، وَأَخْرَجَهُ مَرْفُوعًا، وَضَعَّفَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ بِلَفْظِ: "طَلَاقُ الْأَمَةِ طَلْقَتَانِ، وَقُرْؤُهَا حَيْضَتَانِ"، وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَدِيثِ مُظَاهِرِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَا يُعْرَفُ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَخَالَفُوهُ، فَاتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِهِ؛ لِمَا عَرَفْته، فَلَا يَتِمُّ بِهِ الِاسْتِدْلَال لِلْمَسْأَلَةِ الْأُولَى".

الأصل أن الأمة على النصف من الحرة، والحرة ثلاثة قروء، والقرء لا يتبعض، إذًا تكون عدتها حيضتان، وكذلك الطلاق تطليقتان، لكن المعروف أن الطلاق يتعلق بالزوج، والعدة تتعلق بالمرأة، وهذا تقدم في عدة أم الولد المتوفى عنها، ولكن حديث الباب ضعيف.

"وَاسْتَدَلَّ بِهِ هُنَا عَلَى أَنَّ الْأَمَةَ تُخَالِفُ الْحُرَّةَ، فَتَبِينُ عَلَى الزَّوْجِ بِطَلْقَتَيْنِ، وَتَكُونُ عِدَّتُهَا قُرْأَيْنِ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ، أَقْوَاهَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الظَّاهِرِيَّةُ مِنْ أَنَّ طَلَاقَ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ سَوَاءٌ؛ لِعُمُومِ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي الطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ، وَأَدِلَّةُ التَّفْرِقَةِ كُلُّهَا غَيْرُ نَاهِضَةٍ، وَقَدْ سَرَدَ الأقوال الثلاثة، وأدلتها فِي الشَّرْحِ، فَلَا حَاجَةَ بِالْإِطَالَةِ بِذِكْرِهَا مَعَ عَدَمِ نُهُوضِ دَلِيلِ قَوْلٍ مِنْهَا عِنْدَنَا".

"وَأَمَّا عِدَّتُهَا فَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِيهَا، فَذَهَبَتْ الظَّاهِرِيَّةُ إلَى أَنَّهَا كَعِدَّةِ الْحُرَّةِ، قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ: لِأَنَّ اللَّهَ عَلَّمَنَا الْعِدَدَ فِي الْكِتَابِ، فَقَالَ {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [سورة البقرة:228]، {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [سورة البقرة:234]، وَقَالَ: {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [سورة الطلاق:4]، وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى إذْ أَبَاحَ لَنَا الْإِمَاءَ أَنَّ عَلَيْهِنَّ الْعِدَدَ الْمَذْكُورَاتِ وَمَا فَرَّقَ -عَزَّ وَجَلَّ- بَيْنَ حُرَّةٍ، وَلَا أَمَةٍ فِي ذَلِكَ، {وَمَا كَانَ رَبُّك نَسِيًّا} [سورة مريم:64].

 وَتُعُقِّبَ اسْتِدْلَالُهُ بِالْآيَاتِ بِأَنَّهَا كُلَّهَا فِي الزَّوْجَاتِ الْحَرَائِرِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [سورة البقرة:229] فِي حَقِّ الْحَرَائِرِ، فَإِنَّ افْتِدَاءَ الْأَمَةِ إلَى سَيِّدِهَا لَا إلَيْهَا، وَكَذَا قَوْلُهُ: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} [سورة البقرة:230]، فَجَعَلَ ذَلِكَ إلَى الزَّوْجَيْنِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْعَقْدُ. وَفِي الْأَمَةِ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِسَيِّدِهَا، وَكَذَا قَوْلُهُ: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [سورة البقرة:234]، وَالْأَمَةُ لَا فِعْلَ لَهَا فِي نَفْسِهَا.

 قُلْت: لَكِنَّهَا إذَا لَمْ تَدْخُلْ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ، وَلَا تَثْبُتُ فِيهَا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا قِيَاسٌ نَاهِضٌ هُنَا، فَمَاذَا يَكُونُ حُكْمُهَا فِي عِدَّتِهَا؟ فَالْأَقْرَبُ أَنَّهَا زَوْجَةٌ شَرْعًا قَطْعًا، فَإِنَّ الشَّارِعَ قَسَمَ لَنَا مَنْ أُحِلَّ لَنَا وَطْؤُهَا إلَى زَوْجَةٍ، أَوْ مَا مَلَكَتْ الْيَمِينُ فِي قَوْلِهِ: {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [سورة المؤمنون:6]، وَهَذِهِ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ النِّزَاعِ لَيْسَتْ مِلْكَ يَمِينٍ قَطْعًا، فَهِيَ زَوْجَةٌ فَشمَلتهَا الْآيَاتُ، وَخُرُوجُهَا عَنْ حُكْمِ الْحَرَائِرِ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الِافْتِدَاءِ وَالْعَقْدِ وَالْفِعْلِ فِي نَفْسِهَا بِالْمَعْرُوفِ لَا يُنَافِي دُخُولَهَا فِي حُكْمِ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ أَحْكَامٌ أُخَرُ تَعَلَّقَ الْحَقُّ فِيهَا بِالسَّيِّدِ كَمَا يَتَعَلَّقُ فِي الْحُرَّةِ الصَّغِيرَةِ بِالْوَلِيِّ، فَالرَّاجِحُ أَنَّهَا كَالْحُرَّةِ تَطْلِيقًا وَعِدَّةً".

هذه ليست بملك يمين، هذه الأمة ليست بملك يمين، وإنما هي زوجة، الأمة المذكورة في هذا الحديث زوجة؛ لأن ملك اليمين تطلق، ولا تباع أو تعتق، إما أن تعتق وإما أن تباع، فليس يجري عليها طلاق، طلاقها فراقها إما بالعتق أو بالبيع، العتق المنجز، أو بالعتق المعلق بالموت كالتدبير مثلاً، أو كونها أم ولد تعتق بموت السيد، فهنا الكلام فيمن يوجه إليها الطلاق، والتي يوجه إليها الطلاق إنما هي الزوجة سواءً كانت حرة أو أمة، والأصل أن النكاح إنما يكون للحرة، ويجوز نكاح الأمة إذا عجز عن طول الحرة، فإذا كانت زوجته فأراد أن يطلقها فالطلاق معلقٌ به، طلاق الحرة وطلاق الأمة واحد كما جاء في النصوص، والحديث ضعيف. عدتها هنا يقع الإشكال حينما يقول: إن العدة تعلقها بالمرأة، يعني مثل ما تقدم في أم الولد، وهل تعامل معاملة حرة أو معاملة أمة؟

فهل تستبرأ بحيضة كما لو بيعت، أو تكون عدتها عدة الحرة، باعتبار أن الزوج المطلق حر، وله حظٌّ من هذه العدة؟

النصوص ما بيَّنت، إلا أن النصوص جاءت فيها أن الزوجات {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ} [سورة البقرة:228] من غير فرقٍ بين حرةٍ ولا أمة، –والله المستعان-؛ ولذا رجح أن عدتها عدة الحرة.

أحسن الله إليك.

"الحديث الثاني عشر: وَعَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ». أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَحَسَّنَهُ الْبَزَّارُ.

وَعَنْ رُوَيْفِعِ -تَصْغِيرُ رَافِعٍ- بْنِ ثَابِتٍ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ عِدَادُهُ فِي الْمِصْرِيِّينَ تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ». أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْبَزَّارُ.

 فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ وَطْءِ الْحَامِلِ مِنْ غَيْرِ الْوَاطِئِ".

يعني من غير الواطئ الذي نشأ الحمل من مائه، فلا يجوز لأحدٍ أن يطأ حاملًا حتى تضعه، كما جاء في الحديث «لا توطأ حامل حتى تضع»، وسقي الماء زرع غيره يدل على أن الحمل ينتفع بالوطء كالزرع ينتفع، والغيلة التي سبقت الإشارة إليها بوطء المرضع تدل على أن الماء له أثر في المرأة على ولدها الذي في بطنها، وعلى ولدها الذي ترضعه، وإن كان هذا الأثر لا يوجد لجميع الناس، بل قد يوجد لبعضهم دون بعض كما سبق أن شرحناه، فهم يقولون في الطب: إنه إذا تم التلقيح فالوطء وعدمه سواء لا يستفيد منه الجنين، خلاص تلقحت هذه البويضة بهذا الحيوان، وأغلق عليه الرحم، فلا يدخل شيء، ولا يخرج شيء، هذا كلام الأطباء، لكن الحديث: «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» شبهه بالزرع، والزرع يستفيد من الماء، إذًا الحمل يستفيد من الوطء، لكن هل يشهد بذلك الواقع؟

 بمعنى أن الشخص المقيم عند زوجته أثناء الحمل من أوله إلى آخره وهو يعاشرها يخرج ولده أكبر من ولد غيره الذي بمجرد الحمل سافر إلى الوضع؟

 إذًا ما وجه الشبه بين الحمل وبين الزرع؟ أو نقول: إن وجه الشبه هو مجرد السقي سواء استفاد أو لم يستفد، بدليل أن بعض الزرع لا يستفيد من السقي، وبعضه يتلف بكثرة السقي بعد الزروع، إذا أكثرت عليه السقي مات، فيسقى بقدر، ووجه الشبه بينهما أنه مجرد سقي استفاد أو لم يستفد.

أحسن الله إليك.

"فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ وَطْءِ الْحَامِلِ مِنْ غَيْرِ الْوَاطِئِ، وَذَلِكَ كَالْأَمَةِ الْمُشْتَرَاةِ إذَا كَانَتْ حَامِلًا مِنْ غَيْرِهِ وَالْمَسْبِيَّةِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْحَمْلُ مُتَحَقِّقًا، أَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَ مُتَحَقِّقٍ، وَمُلِكَتْ الْأَمَةُ بِسَبْيٍ، أَوْ شِرَاءِ، أَوْ غَيْرِهِ فَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الزَّانِيَةِ غَيْرِ الْحَامِلِ هَلْ تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ، أَوْ تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ؟

فَذَهَبَ الْأَقَلُّ إلَى وُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا، وَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَيْهَا، وَالدَّلِيلُ غَيْرُ نَاهِضٍ مَعَ الْفَرِيقَيْنِ".

هي ليست بزوجة، فلا تطالب بما تطالب به الزوجات ليست بزوجة، وإنما يطلب براءة رحمها، وأقل ما يحصل في ذلك استبرأها بحيضة كالمسبية.

"فَإِنَّ الْأَكْثَرَ اسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وللعاهر الحجر»، وَلَا دَلِيلَ فِيهِ إلَّا عَلَى عَدَمِ لُحُوقِ وَلَدِ الزِّنَى بِالزَّانِي، وَالْقَائِلُ بِوُجُوبِ الْعِدَّةِ اسْتَدَلَّ بِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الزَّانِيَةَ غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِيهَا، فَإِنَّهَا فِي الزَّوْجَاتِ. نَعَمْ تَدْخُلُ فِي دَلِيلِ الِاسْتِبْرَاءِ، وَهُوَ قَوْلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً»، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّلْخِيصِ: إنَّمَا اسْتَدَلَّتْ الْحَنَابِلَةُ بِحَدِيثِ رُوَيْفِعٍ عَلَى فَسَادِ نِكَاحِ الْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا، وَاحْتَجَّ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى امْتِنَاعِ وَطْئِهَا.

 قَالَ: وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ وَرَدَ فِي السَّبْيِ لَا فِي مُطْلَقِ النِّسَاءِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ".

الطلاق على عوض، طلق زوجته على عوض قال: ادفعي لي مبلغ خمسين ألفًا، عشرين ألفًا، ثلاثين ألفًا وأطلقك، وصدر صكٌّ بذلك أن فلان ابن فلان طلق زوجته على عوضٍ قدره كذا، تعتد أم تستبرأ؟ نقول: عند الحنابلة لابد من العدة، شيخ الإسلام باعتباره فسخًا، وليس بطلاق استبرأ بحيضة ما لم يكن ذلك حيلة، إن كان حيلة على تقصير المدة فإنه لابد من أن تعتد ثلاثة قروء.

"الحديث الثالث عشر: وَعَنْ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ تَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ تَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، أَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ.

وَعَنْ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ، ثُمَّ تَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. أَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَلَهُ طُرُقٌ أُخْرَى. وَفِيهِ قِصَّةٌ أَخْرَجَهَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدِهِ فِي الْفَقِيدِ الَّذِي فُقِدَ قَالَ: دَخَلْت الشِّعْبَ فَاسْتَهْوَتْنِي الْجِنُّ، فَمَكَثْت أَرْبَعَ سِنِينَ، فَأَتَتْ امْرَأَتِي عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فَأَمَرَهَا أَنْ تَرَبَّصَ أَرْبَعَ سِنِينَ مِنْ حِينِ رَفَعَتْ أَمْرَهَا إلَيْهِ".

وهذا محمول عند الحنابلة والشافعية على ما إذا كان الغالب الهلاك تنتظر أربع سنين، وإن كان الغالب السلامة، قالوا: تنتظر تسعين سنة منذ ولد، والأربع سنين منذ فقد، ولا يوجد دليل ينهض على هذا ولا ذاك، وإنما المسألة اجتهادية، ينظر فيها إلى حق الزوج، وإلى رفع الضرر عن الزوجة، والإمام يجتهد في مثل هذا؛ لأن كل قضيةٍ تختلف عن القضية الآخرى، يعني الذين غرقت بهم السفينة ولم ينجُ منهم إلا القليل، هل نقول: تنتظر زوجاتهم أربع سنين؟ هذه أمور تقدر بقدرها، والحديث لا ينهض.

"ثُمَّ دَعَا وَلِيَّهُ أَيْ وَلِيَّ الْفَقِيدِ فَطَلَّقَهَا، ثُمَّ أَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، ثُمَّ جِئْت بَعْدَمَا تَزَوَّجَتْ، فَخَيَّرَنِي عُمَرُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّدَاقِ الَّذِي أَصْدَقْتهَا. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَمْرٍ ورَوَاهُ الْبَيْهَقيُّ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَ عُمَرَ أَنَّ امْرَأَةَ الْمَفْقُودِ بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ رَفَعَتْ أَمْرَهَا إلَى الْحَاكِمِ تَبِينُ مِنْ زَوْجِهَا، كَمَا يُفِيدُهُ ظَاهِرُ رِوَايَةِ الْكِتَابِ، وَإِنْ كَانَتْ رِوَايَةُ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ دَالَّةً عَلَى أَنَّهُ يَأْمُرُ الْحَاكِمُ وَلِيَّ الْفَقِيدِ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى هَذَا مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، بِدَلِيلِ فِعْلِ عُمَرَ، وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ إلَى أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ عَنْ الزَّوْجِيَّةِ حَتَّى يَصِحَّ لَهَا مَوْتُهُ، أَوْ طَلَاقُهُ، أَوْ رِدَّتُهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَيَقُّنِ ذَلِكَ.

 قَالُوا: لِأَنَّ عَقْدَهَا ثَابِتٌ بِيَقِينٍ، فَلَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِيَقِينٍ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا: "امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ امْرَأَةٌ اُبْتُلِيَتْ، فَلْتَصْبِرْ حَتَّى يَأْتِيَهَا يَقِينُ مَوْتِهِ". قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هُوَ عَنْ عَلِيٍّ مُطَوَّلًا مَشْهُورًا، وَمِثْلُهُ أَخْرَجَهُ عَنْهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَتْ الْهَادَوِيَّةُ: فَإِنْ لَمْ يَحْصُل الْيَقِينُ بِمَوْتِهِ، وَلَا طَلَاقِهِ تَرَبَّصَتْ الْعُمْرَ الطَّبِيعِيَّ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً".

ليس هذا هو العمر الطبيعي، هذا النادر، «أعمار أمتي بين الستين والسبعين»، وإذا مكث عشرين، ثلاثين سنة، فكيف يمكث إلى مائة وعشرين سنة؟! والله المستعان.

أحسن الله إليك.

"وَقِيلَ: مِائَةً وَخَمْسِينَ إلَى مِائَتَيْنِ".

وَقِيلَ: مِائَةً وَخَمْسِينَ إلَى مِائَتَيْنِ،  تنتظر مائتي سنة هذا العمر الطبيعي عندهم!

طالب:........

يبقى نعم، وهذا أثر الأذكار، الإنسان الذي يغفل عن الأذكار يسلط عليه مثل هؤلاء، يسلطون عليه.

طالب:.........

يبقى.

"وَهَذَا كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: قَضِيَّةٌ فَلْسَفِيَّةٌ طَبِيعِيَّةٌ يَتَبَرَّأُ الْإِسْلَامُ مِنْهَا؛ إذْ الْأَعْمَارُ قِسْمٌ مِنْ الْخَالِقِ الْجَبَّارِ، وَالْقَوْلُ: بِأَنَّهَا الْعَادَةُ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا يَعْرِفُهُ كُلُّ مُمَيِّزٍ، بَلْ هُوَ أَنْدَرُ النَّادِرِ، بَلْ مُعْتَرَكُ الْمَنَايَا كَمَا أَخْبَرَ بِهِ الصَّادِقُ بَيْنَ السِّتِّينَ وَالسَّبْعِينَ، وَقَالَ الْإِمَامُ يَحْيَى: لَا وَجْهَ لِلتَّرَبُّصِ، لَكِنْ إنْ تَرَكَ لَهَا الْغَائِبُ مَا يقُومُ بِهَا، فَهُوَ كَالْحَاضِرِ إذْ لَمْ يَفُتْهَا إلَّا الْوَطْءُ، وَهُوَ حَقٌّ لَهُ لَا لَهَا وَإِلَّا فَسَخَهَا الْحَاكِمُ عِنْدَ مُطَالَبَتِهَا مِنْ دُونِ انتظار؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا} [سورة البقرة:231]".

وعلى كل حال الوطء من حق الطرفين، هو حقٌّ للزوج، وإن امتنع عنه، فلها المطالبة بالفسخ؛ لأنه حقٌّ لها أيضًا.

"وَالْحَدِيثُ «لَا ضَرَرَ، وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ». وَالْحَاكِمُ وُضِعَ لِرَفْعِ الْمُضَارَّةِ فِي الْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ، وَهَذَا أَبْلَغُ، وَالْفَسْخُ مَشْرُوعٌ بِالْعَيْبِ وَنَحْوِهِ.

 قُلْت: وَهَذَا أَحْسَنُ الْأَقْوَالِ وَمَا سَلَفَ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ أَقْوَالٌ مَوْقُوفَةٌ. وَفِي الْإِرْشَادِ لِابْنِ كَثِيرٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ بِسَنَدِهِ إلَى أَبِي الزِّنَادِ قَالَ: سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ الرَّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ، قَالَ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا قُلْت: سُنَّةٌ؟ قَالَ سُنَّةٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: الَّذِي يُشْبِهُ أَنَّ قَوْلَ سَعِيدٍ سُنَّةٌ أَنْ يَكُونَ سُنَّةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَقَدْ طُوِّلَنا الْكَلَامُ فِي هَذَا فِي حَوَاشِي ضَوْءِ النَّهَارِ، وَاخْتَرْنَا الْفَسْخَ بِالْغَيْبَةِ، أَوْ بِعَدَمِ قُدْرَةِ الزَّوْجِ عَلَى الْإِنْفَاقِ.

وَقِصَّةُ الْمَفْقُودِ أَخْرَجَهَا الْبَيْهَقِيُّ".

تقديم وتأخير عندنا مقدم هذا.

"وَقِصَّةُ الْمَفْقُودِ أَخْرَجَهَا الْبَيْهَقِيُّ. وَفِيهَا أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ: لَمَّا رَجَعَ إنِّي خَرَجْت لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ فَسَبَتْنِي الْجِنُّ، فَلَبِثْت فِيهِمْ زَمَانًا طَوِيلًا، فَغَزَاهُمْ جِنٌّ مُؤْمِنُونَ، أَوْ قَالَ: مُسْلِمُونَ، فَقَاتَلُوهُمْ فَظَهَرُوا عَلَيْهِمْ، فَسَبَوْا مِنْهُمْ سَبَايَا، فَسَبَوْنِي فِيمَن سَبَوْا مِنْهُمْ، فَقَالُوا: نَرَاك رَجُلًا مُسْلِمًا لَا يَحِلُّ لَنَا سِبَاؤُك، فَخَيَّرُونِي بَيْنَ الْمُقَامِ وَبَيْنَ الْقُفُولِ إلَى أَهْلِي، فَاخْتَرْت الْقُفُولَ، فَأَقْبَلُوا مَعِي، فَأَمَّا اللَّيْلُ، فَلَا يُحَدِّثُونِي، وَأَمَّا النَّهَارُ فَإِعْصَارُ رِيحٍ اتَّبَعَهَا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَمَا كَانَ طَعَامُك فِيهِمْ؟ قَالَ: الْفُولُ وَمَا لَا يُذْكَرُ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، قَالَ: فَمَا شَرَابُك؟ قَالَ: الْجَدْفُ قَالَ قَتَادَةُ: وَالْجَدْفُ مَا لَا يُخَمَّرُ بغطاءٍ مِنْ الشَّرَابِ، نَعَمْ لَوْ ثَبَتَ.

الحديث الرابع عشر.

لَوْ ثَبَتَ قَوْلُهُ.

لَوْ ثَبَتَ قَوْلُهُ. يا شيخ؟

نعم.

.... وهذا من شؤم إدخال النص في الكتاب.

أحسن الله إليك.

نعم، لَوْ ثَبَتَ قَوْلُهُ،

الحديث الرابع عشر: وَعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ امْرَأَتُهُ حَتَّى يَأْتِيَهَا الْبَيَانُ». أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ".

"وَعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ امْرَأَتُهُ حَتَّى يَأْتِيَهَا الْبَيَانُ». أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، لَكَانَ مُقَوِّيًا لِتِلْكَ الْآثَارِ إلَّا أَنَّهُ ضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ الْقَطَّانِ وَعَبْدُ الْحَقِّ وَغَيْرُهُمْ".

واضح أن المسألة اجتهادية ترجع إلى اجتهاد القاضي، ينظر في حيثيات المسألة وما يغلب على الظن فيها، ثم يحكم.

اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه.