كتاب الصلاة من المحرر في الحديث - 25

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين يا رب العالمين.

قال المؤلف -رحمه الله-:

باب: سجود السهو

عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- إحدى صلاتي العشي -قال محمد: وأكثر ظني أنها العصر- ركعتين، ثم سلم، ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد فوضع يده عليها، وفيهم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه، وخرج سرعان الناس، فقالوا: أقصرت الصلاة؟ ورجل يدعوه النبي -صلى الله عليه وسلم-...

أقصرت الصلاة أو أقُصرت ضبط بضبطين، نعم.

أقصرت الصلاة؟ ورجل يدعوه النبي -صلى الله عليه وسلم- ذا اليدين، فقال: أنسيت أم قصرت؟ فقال: ((لم أنس ولم تقصر)) قال: بلى قد نسيت، فصلى ركعتين ثم سلم، ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه فكبر، ثم وضع رأسه فكبر، فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر" متفق عليه وهذا لفظ البخاري.

وفي لفظ له في آخره: فربما سألوه: ثم سلم، فيقول: نبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم، وفي بعض روايات مسلم: صلاة العصر بغير شك، ورواه أبو داود، وفيه: فأقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على القوم فقال: ((أصدق ذو اليدين؟)) فأومأوا: أي نعم، قال أبو داود: ولم يذكر فأومأوا إلا حماد بن زيد، وفي رواية لأبي داود: كبر ثم كبر وسجد، وانفرد بها حماد بن زيد أيضاً، وفي لفظ له قال: ولم يسجد سجدتي السهو حتى يقنه الله ذلك.

وعن عمران بن حصين -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى العصر فسلم في ثلاث ركعات، ثم دخل منزله فقام رجل يقال له: الخرباق وكان في يديه طول، فقال: يا رسول الله، فذكر له صنيعه، وخرج غضبان يجر رداءه حتى انتهى إلى الناس، فقال: ((أصدق هذا؟)) قالوا: نعم، فصلى ركعة ثم سلم، ثم سجد سجدتين ثم سلم".

حتى انتهى، حتى انتهى عندك.

طالب: سم يا شيخ.

وخرج غضبان يجر رداءه.

حتى انتهى.

حتى انتهى إيش؟

إلى الناس.

إلى؟

إي نعم.

وعن أشعث بن عبد الملك عن ابن سيرين عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بهم فسها، فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم" رواه أبو داود، والترمذي وحسنه والحاكم وقال: على شرطهما، وقال البيهقي: تفرد بهذا الحديث أشعث الحمراني، ثم تكلم عليه وخطأه.

وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثاً أم أربعاً؟ فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن، ثم ليسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتماماً لأربع كانتا ترغيماً للشيطان)) رواه مسلم.

وعن ابن عباس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمى سجدتي السهو المرغّمتين".

المرغمتين.

سمى سجدتي السهو المرغمتين، رواه أبو داود وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححه، وفي إسناده ضعف.

وعن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال إبراهيم: زاد أو نقص، فلما سلم قيل له: يا رسول الله أحدث في الصلاة شيء؟

أحَدَث.

أحَدَث في الصلاة شيء؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: صليت كذا وكذا، قال: فثنى رجليه واستقبل القبلة، فسجد سجدتين ثم سلم، ثم أقبل علينا بوجهه فقال: ((إنه لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به، ولكن إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني، وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب، فليتم عليه، ثم ليسجد سجدتين)) متفق عليه.

وفي لفظ للبخاري: ((فليتم عليه ثم يسلم، ثم ليسجد سجدتين)) وفي لفظ لمسلم: ((فإذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين)) وله عن عبد الله: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سجد سجدتي السهو بعد السلام والكلام.

وعن عبد الله بن بحينة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قام في صلاة الظهر وعليه جلوس، فلما أتم الصلاة سجد سجدتين يكبر في كل سجدة وهو جالس، قبل أن يسلم وسجد الناس، مكان ما نسي من الجلوس" متفق عليه.

وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى الظهر خمساً، فقيل له: أزيد في الصلاة؟ فقال: ((وما ذاك؟)) قالوا: صليت خمساً، فسجد سجدتين بعد ما سلم. متفق عليه.

ولم يقل مسلم: "بعد ما سلم".

وعن عبد الله بن جعفر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعدما يسلم)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة في صحيحه من رواية مصعب بن شيبة، وهو متكلم فيه، وقد روى له مسلم، وقال البيهقي: إسناد هذا الحديث لا بأس به.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب: سجود السهو

باب سجود السهو، وبعض من ألف في أحاديث الأحكام يضيف والتلاوة والشكر، باب سجود السهو وسجود التلاوة وسجود الشكر، والمؤلف -رحمه الله تعالى- اقتصر على سجود السهو لأنه هو المتعلق بالصلاة، أما سجود التلاوة فمتعلق بالقراءة، وسجود الشكر متعلق بتجدد النعم.

يقول -رحمه الله تعالى-:

باب: سجود السهو

السهو والغفلة والنسيان معانيها متقاربة، والسهو المراد به هنا الذي يسبب الزيادة أو النقصان من الصلاة أو الشك فيها، الزيادة والنقصان والشك.

قال -رحمه الله-:

"عن محمد بن سيرين" باب سجود السهو من إضافة المسبب إلى سببه، فالسبب هو السهو والمسبب هو السجود.

قال: "عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- إحدى صلاتي العشي" العشي: هو النصف الثاني من النهار، ويراد بإحدى صلاتي العشي إما الظهر وإما العصر، وجاء بهذا اللفظ إحدى صلاتي العشي إما الظهر وإما العصر.

قال هنا: "قال محمد -وهو ابن سيرين الراوي عن أبي هريرة-: "وأكثر ظني العصر" وجاء في بعض الروايات عند مسلم العصر من دون شك، قال: "وأكثر ظني أنها العصر" والحكم لا يختلف سواءً كانت الظهر أو العصر.

"صلى" هذه الصلاة إما الظهر وإما العصر أو العصر بدون شك، وهي إحدى صلاتي العشي، صلاها ركعتين، صلى ركعتين ثم سلم، وحينئذٍ بقي عليه ركعتان، يعني الإنسان ينسى ركعة أو يزيد ركعة، لكن ينسى ركعتين هذا سهو شديد، لكنه في هذه الحالة هو الكمال في حقه -عليه الصلاة والسلام- لأنه تشريع، ولو لم ينسَ النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يسهُ لوقع الناس في حرج عظيم؛ لأن النسيان والسهو والغفلة لا يعرى منها أحد من البشر، فلو لم يحصل هذا من النبي -عليه الصلاة والسلام- لوقع الناس في حرج شديد، كما أنه -عليه الصلاة والسلام- لو لم تفته صلاة الصبح يعني خرج وقتها وهو نائم، فماذا عن حال أهل التحري؟! لو لم يحصل هذا من النبي -عليه الصلاة والسلام- والحيطة والحرص إذا فاتته صلاة الصبح لا سيما إذا خرج وقتها، يصابون بغم شديد، لكن إذا ذكروا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو أكمل الخلق وأعلم الخلق وأخشى الناس لله -جل وعلا- هان عليهم الأمر، وإن كان ليس بالهين، ويفرق حينئذٍ بين أن يحتاط الإنسان لصلاته، ثم تفوته بعد تمام الاحتياط ببذل الأسباب وانتفاء الموانع، وبين أن يفرط، إذا فرط التبعة لاحقة له ولو كان نائماً، يعني رفع القلم عن ثلاثة منهم النائم حتى يستيقظ، ليس معنى هذا أنه يبذل الأسباب للفوات، لفوات الصلاة والنوم عنها، بأن يسهر مثلاً، ولا يترك أحداً يوقظه، لا يكل أمر الإيقاظ إلى أحد، هذا لا شك أنه ملوم ومفرط، لكن إذا بذل الأسباب نام مبكراً ووكل أمر الإيقاظ إلى أحد، أو جعل منبهاً ينبهه للصلاة فلم يستيقظ في هذه الحالة لا يلام ((رفع القلم عن ثلاثة)).

"صلى إحدى صلاتي العشي ركعتين ثم سلم، ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد" الرسول -عليه الصلاة والسلام- وقر في نفسه شيء، لكن ما هذا الشيء؟

سها عنه النبي -عليه الصلاة والسلام- فلم يدركه، فقام إلى خشبة في مقدم المسجد، وفي بعض الروايات: "وشبك بين أصابعه".

"فوضع يده عليها" على الخشبة "وفيهم" يعني في القوم المأمومين "أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه" لما رأيا عليه من علامات الاستنكار للوضع، مما وقر في قلبه أن الصلاة فيها خلل، لكن ما هذا الخلل؟ استثبت الناس، وأبو بكر وعمر أقرب الناس إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهما وزيراه ومستشاراه في الأمور العامة، لا سيما ما يتعلق بالدين، هابا أن يكلماه، والهيبة هذه جعلت له -عليه الصلاة والسلام- ونصر بالرعب مسيرة شهر، بعض الروايات مسيرة شهرين، الهيبة له -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان ليس بصاحب بطش، بل هو أحسن الناس خلقاً -عليه الصلاة والسلام-، لكنها هيبة التمسك بالدين علماً وعملاً، وهكذا حال من يرث الميراث النبوي بقدر إرثه من العلم والعمل تكون الهيبة له في قلوب الناس، وتجد بعض أهل العلم عرف بدماثة الخلق، ومع ذلك يهابه الناس هيبة عظيمة، وذلك إنما يكون بقدر الإرث النبوي من العلم والعمل، وهذا مشاهد ومجرب، كم من سؤال بيتناه لنسأل عنه بعض أهل العلم، ثم إذا ذهبنا نسيناه، نحن نكرره ونردده، وقد يكون معنا أكثر من سؤال ننسى بعض ونذكر بعض، كل هذا من هيبة أهل العلم الذين يقتفون الأثر النبوي.

قال: "فهابا أن يكلماه" وكم رأينا من المسئولين الكبار من يعرق جبينهم في الليالي الشاتية إذا قابلوا المحققين من أهل العلم.

"وفيهم أبو بكر وعمر، فهابا أن يكلماه، وخرج سرعان الناس" أو سُرعان الناس أهل العجلة الذين ينتظرون السلام ليخرجوا بسرعة، هؤلاء سرعان الناس، ولكل قوم وارث، تجد الآن انظر إلى الأبواب بعد السلام مباشرة تجدها مكتظة بالسرعان.

"فقالوا: أقصرت الصلاة؟" يناجي بعضهم بعضاً، أقصرت الصلاة؟ عندهم خبر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما صلى إلا ركعتين، لكن الزمن زمن تشريع، احتمال أن تكون الصلاة ردت إلى أصلها "أول ما فرضت الصلاة ركعتين، ثم زيد في الحضر، وأقرت في السفر" فاحتمال أن تكون ردت إلى أصلها ركعتين.

"فقالوا: أقصرت الصلاة؟" يعني ما جاء في ذهن واحد منهم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- هؤلاء السرعان أن النبي -عليه الصلاة والسلام- نسي، وإلا لو تطرق إلى أذهانهم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- نسي ما خرجوا؛ لأنه يذكر فيذكر أو يذكر بنفسه ثم يتم صلاته، هؤلاء جزموا بأن الصلاة قصرت، ردت إلى أصلها ركعتين.

"ورجل يدعوه النبي -صلى الله عليه وسلم- ذا اليدين" يصفه ويلقبه بذي اليدين، في يديه طول، وهو غير ذي الشمالين، وقال الزهري: هما واحد ذو اليدين هو ذو الشمالين، ووهمه أهل العلم.

المقصود أن الذي عندنا ذو اليدين، واسمه الخرباق، الخرباق بن عمرو أو عمر "فقال للنبي -عليه الصلاة والسلام-: أنسيت أم قصرت؟" أو قصُرت "فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لم أنس ولم تقصر))" يريد أن يتأكد أنسيت أم قصرت؟ فقال: ((لم أنس ولم تقصر)) يعني هذا على غلبة ظنه، أما كونها تقصر فهذا حكم شرعي مجزوم به أنها لم تقصر، وأما نفي النسيان فبناء على غلبة الظن، فللإنسان أن ينفي على غلبة ظنه، بل له أن يحلف على مقتضى غلبة ظنه، كما قال المجامع في رمضان: "والله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر منا" هل عنده إحصاء دقيق ونظر أكيد في جميع بيوت المدينة، وما بين لابتيها أنه لا يوجد بيت أفقر منهم، إنما هذا على غلبة ظنه، وحلف ولم ينكر عليه ولم يلزم بكفارة.

فالنبي -عليه الصلاة والسلام- نفى على غلبة ظنه ((لم أنس ولم تقصر)).

"قال: بلى" ذو اليدين "قال: بلى، قد نسيت" لأن الأول قصرت الصلاة حكم شرعي لا يمكن أن يكون إلا من قبله -عليه الصلاة والسلام- وقد نفاه، إذاً ما في قصر، وما دام ما فيه قصر والاستقراء يدل على أن ما حدث في الصلاة سببه أحد أمرين النسيان أو القصر انتفى واحد فتعين الثاني، انتفى القصر الذي نفاه النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو حكم شرعي تعين الثاني، لماذا لما قال: ((لم أنس ولم تقصر)) وهو معصوم -عليه الصلاة والسلام-، ونفى حصول القصر وحصول النسيان لماذا أثبت النسيان وأضرب عن القصر؟ لماذا؟

لأن القصر تبليغ عن الله -جل وعلا-، والنبي -عليه الصلاة والسلام- معصوم عن الخطأ فيه، ما يمكن أن يقول: لم تقصر وقد قصرت، لكن النسيان؟ الواقع يدل على أن النبي كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إنما أنا بشر أنسى كما تنسون)) فترك المجزوم به المقطوع به المنفي شرعاً على لسان المعصوم وهو القصر وهو أنه لم يحصل، وأبقى الممكن وهو النسيان؛ لأنه لما قال: ((لم أنسَ ولم تقصر)) قال: بلى قد نسيت، أولاً: الاستقراء حصر الأمر في شيئين القصر والنسيان، انتفى القصر لنفي النبي -عليه الصلاة والسلام- له، وهو شرع ينتفي بنفيه؛ لأنه معصوم في التبليغ، وبقي النسيان المحتمل، فقال: بلى قد نسيت، واستثبت من الصحابة -رضوان الله عليهم- "((أكما يقول ذو اليدين؟))" قالوا: نعم "فأومأوا أي: نعم" وفي رواية: فقالوا: نعم.

"أومأوا" يعني إشارة، وعلى هذا لم يتكلموا وإنما أشاروا إشارة مفهمة، وفي الرواية الأخرى: فقالوا: نعم، ويمكن حملها على الإشارة؛ لأن القول كما يكون باللسان باللفظ يكون بالفعل أيضاً، فقال بيديه هكذا.

الإمام إذا غلب على ظنه شيء هل يرجح بقول واحد أو لا بد من مرجح؟ الإمام قال: لم أنس ولم تقصر جازم، فهل رجع إلى قول واحد، أو لا بد من مرجح؟ في حال الشك يرجع إلى قول واحد؛ لأن الشك مستوي الطرفين عنده، فيرجع إلى المرجح الواحد، لكن في حال غلبة الظن أو الجزم واليقين لا يكفي واحد، ولذلك قال: ((أصدق ذو اليدين؟)) فأومأوا أي: نعم، ما الذي حصل بعد ذلك؟ فصلى ركعتين، استقبل القبلة فنهض إلى الثالثة "صلى ركعتين ثم سلم" يعني بعد التشهد، يعني أكمل صلاته بالركعتين الأخريين والتشهد ثم السلام، ثم كبر "فسجد مثل سجوده" الذي يسجده في الصلاة داخل الصلاة، مثل سجوده، وهذه المثلية تقتضي المطابقة بالقول والفعل، بمعنى أن الوقت والطول واحد مثل سجود الصلاة، والقول أيضاً يشمل سجود السهو ما جاء من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((اجعلوها في سجودكم)) سبحان ربي الأعلى، فإذا سجد للسهو يقول: سبحان ربي الأعلى.

"فسجد مثل سجوده أو أطول" لئلا يقول قائل: إن السجود في الصلاة ركن وهذا جبران، لا يساوي الركن فيكفي مجرد مسمى السجود نومئ أو ننقر السجود نقر؟ لا، نقول: مثل سجوده أو أطول.

"ثم رفع رأسه -عليه الصلاة والسلام- فكبر ثم وضع رأسه فكبر" يكبر للانتقال لهذا السجود، كما أنه يكبر التكبيرة الأولى التي هي بمثابة تكبيرة الإحرام لهذا السجود، ثم يكبر حين ينهض، ثم يكبر حين يسجد، ثم يكبر حين ينهض، ثم يسلم "ثم وضع رأسه فكبر، فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر" يعني ثم سلم كما في الروايات الأخرى.

"متفق عليه، وهذا لفظ البخاري، وفي لفظ له" يعني البخاري في صحيحه في آخره "فربما سألوه ثم سلم" يعني فربما سألوه؛ لأن هذه الرواية الأولى ما فيها ثم سلم، فربما سألوه يعني عن السلام فأجابهم بقوله: ثم سلم، والمسئول هنا الراوي أبو هريرة، فيقول: نبئت أن عمران بن حصين إما أبو هريرة أو محمد بن سيرين الراوي عنه "فيقول: نبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم" سيأتي في حديث عمران بن حصين مما حكم بشذوذه أنه قال: ثم تشهد، ثم سلم، يعني بعد أن سجد للسهو تشهد ثم سلم، كما سيأتي في الحديث الثالث.

وفي بعض روايات مسلم: صلاة العصر بغير شك، يعني إحدى صلاتي العشي شك، إما الظهر وإما العصر شك، لكنه قال: في بعض روايات مسلم: صلاة العصر بغير شك.

قال: "ورواه أبو داود، وفيه: فأقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على القوم فقال: ((أصدق ذو اليدين؟ فأومأوا: أي نعم" إيماء دون كلام، وحصل الكلام من ذي اليدين ومن النبي -عليه الصلاة والسلام-، حصل الكلام من النبي -عليه الصلاة والسلام- ومن ذي اليدين في أثناء الصلاة، في منتصف الصلاة، ولهذا يقول أهل العلم: إن الكلام إذا كان لمصلحة الصلاة عند من يظن الفراغ منها يعني إذا كان يظن أن الصلاة قد انتهت وفرغ منها، والكلام لمصلحتها فإنه لا يؤثر.

"قال أبو داود: ولم يذكر فأومأوا إلا حماد بن زيد" غيره يقول: فقالوا: نعم، وهذا كلام، كما أنه يمكن حمل الرواية الأخرى على الأولى، وأن القول كما يكون بالقول يكون بالفعل كما في قوله: فقال بيديه هكذا، يعني ضرب بهما الأرض.

"وفي رواية لأبي داود: "كبر ثم كبر وسجد" كبر ثم كبر وسجد، لكن هذه الرواية شاذة كما قرر ذلك أهل العلم، إيش معنى كبر؟ كبر تكبيرة الإحرام، ثم كبر تكبيرة السجود ثم سجد، كبر ثم كبر وسجد، يراد من هذه الرواية أن التكبيرة الأولى تكبيرة إحرام، والثانية تكبيرة السجود، ولكن هذه الرواية شاذة كما قرر ذلك أهل العلم.

"وانفرد بها حماد بن زيد أيضاً، وفي لفظ له -يعني لأبي داود- قال: ولم يسجد سجدتي السهو حتى يقنه الله ذلك" إما بوحي أو بخبر من يقطع بخبره، يعني اجتماع الصحابة على ذلك، ومع ذلك فهذه الزيادة ضعيفة جداً؛ لأن في إسنادها محمد بن كثير الصنعاني وهو ضعيف.

قال في الحديث الثاني: "وعن عمران بن حصين -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى العصر فسلم في ثلاث ركعات" في حديث أبي هريرة: صلى ركعتين وهي مترددٌ فيها هل هي العصر أو العصر والظهر أو الظهر متردد فيها، وجاء رواية تدل على العصر دون شك.

في حديث عمران بن حصين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى العصر -وهي في صحيح مسلم- فسلم في ثلاث ركعات، ثم دخل منزله فقام رجل يقال له: الخرباق، الخرباق هذا اسمه، ولقبه ذو اليدين، وكان في يديه طول، فقال: يا رسول الله، فذكر له صنيعه، يعني قال: إنك سلمت عن نقص، هل يمكن أن يقال له في هذه الصورة قصرت الصلاة أم نسيت؟ يمكن؟ لأن القصر لا يكون إلى ثلاث ركعات، القصر يكون إلى ركعتين كما في الرواية الأولى أو الحديث الأول، لكن لا يكون قصر إلى ثلاث ركعات، ولذلك قال: ذكر له صنيعه، يعني ما قال: أقصرت الصلاة أو نسيت، إنما قال له: صليت ثلاث ركعات، وخرج غضبان يجر رداءه، حتى انتهى إلى الناس، من الذي خرج؟ النبي -عليه الصلاة والسلام-، خرج غضبان يجر رداءه، وهكذا إذا حزبه أمر أو حدث حادث كما في الكسوف خرج -عليه الصلاة والسلام- يجر رداءه يظن أنها الساعة، وفي وقتنا يخرجون للفرجة والتنزه لرؤية الكسوف، والله المستعان.

خرج غضبان يجر رداءه، حتى انتهى إلى الناس، فقال: ((أصدق هذا؟)) يعني ذا اليدين، قالوا: نعم، فصلى ركعة ثم سلم، صلى ركعة تمام صلاته الرباعية سلم من ثلاث فصلى ركعة ثم سلم، ثم سجد سجدتين ثم سلم، وليس فيها تشهد بعد سجود السهو. رواه مسلم.

يعني في هذا أنه إذا سلم عن نقص فإن السجود يكون بعد السلام، والعلماء يختلفون في موضع السجود، نعم؟

طالب:.......

بعد السلام، السجود يكون بعد السلام، إذا سلم عن نقص كما في هذا سلم عن نقص منهم من يقول: إن السجود كله -سجود السهو كله- قبل السلام؛ لأنه من تمام الصلاة، متمم للصلاة، وما كان كذلك فحكمه حكم الصلاة يكون قبل سلامها في أثنائها.

ومنهم من يقول: إن سجود السهو كله بعد السلام؛ لماذا؟ لأنه قدر زائد على الصلاة فيكون بعد السلام منها.

ومنهم من يقول: إذا كان السجود لنقص في الصلاة كان قبل السلام، وإن كان لزيادة كان بعد السلام، إذا كان لنقص كان قبل السلام لجبر هذا النقص، وإذا كان لزيادة كان بعد السلام لئلا يجتمع في الصلاة زيادتان، وهذا قول مالك.

الأول وهو أن السجود كله قبل السلام هذا معروف عند الشافعية، والثاني بعد السلام معروف عند الحنفية، والتفريق بين الزيادة والنقص معروف عند المالكية، ويميل إليه شيخ الإسلام -رحمه الله-.

منهم من يرى أن السجود كله قبل السلام إلا فيما ورد، وذلك في صورتين:

الأولى: ما جاء في حديث ذي اليدين وهو السلام عن نقص، إذا سلم عن نقص فرق بين أن يكون السجود لنقص وبين أن يكون السلام عن نقص.

الآن في قصة ذي اليدين زيادة وإلا نقص؟

طالب: نقص.

زيادة في الصلاة وإلا نقص في الصلاة؟

طالب:.......

زيادة، هو سلم عن نقص، في السلام الأول عن نقص، لكن لما أتمها وأتى بالركعتين صار في صلاته زيادة، زيادة السلام الأول، وزيادة الكلام والقيام والقعود والاتكاء على الخشبة كل هذا زيادة في الصلاة، فهذه زيادة في الصلاة فتكون بعد السلام، وهذا من أدلة من يقول: إن السجود للزيادة مطلقاً يكون بعد السلام، وللنقص يكون قبله، ففرق بين أن نقول: سلم عن نقص، وأن نقول: الصلاة مشتملة على زيادة، ففي حديث ذي اليدين سلم عن نقص وفيها زيادة.

التفريق وهو رأي المالكية إذا كان السجود لزيادة كان بعد السلام، وإذا كان لنقص كان قبل السلام، وعرفنا السبب والعلة.

ومنهم من يرى وهو القول الرابع الاقتصار على موارد النصوص، فيكون السجود كله قبل السلام إلا فيما ورد فيه النص، فيما ورد فيه النص في مسألتين: الأولى: السلام عن نقص كما في قصة ذي اليدين، والثاني: إذا بنى الإمام على غالب ظنه، فإنه يسجد بعد السلام.

قال بعد ذلك...

مع أنهم يتفقون على أنه لو كان سجوده باستمرار قبل السلام أو بعد السلام باستمرار أن الصلاة صحيحة، وأن السجود مجزئ مطلقاً سواءً كان قبل السلام أو بعده، لكن الكلام في الأفضل.

قال: "وعن أشعث بن عبد الملك عن ابن سيرين عن خالد الحذاء".

طالب:.......

عن خالد....

طالب:.......

في المسائل يأتي بعد في نهاية الكلام.

"وعن أشعث بن عبد الملك عن ابن سيرين عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بهم فسها فسجد سجدتين ثم تشهد" يعني بعد سجود السهو صلى بهم، وهذه رواية للحديث الذي قبله، الحديث حديث عمران بن حصين، وهذا أيضاً حديث عمران بن حصين "صلى العصر فسلم في ثلاث ركعات، ثم دخل منزله، فقال رجل يقال له الخرباق... إلى آخره، قال في الأخير: "ثم سلم ثم سجدتين ثم سلم" الرواية الثانية تقول: "فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم" فالرواية الأولى ليس فيها تشهد بعد سجود السهو، وجميع ما ورد في الباب ليس فيه تشهد إلا في هذه الرواية لحديث عمران، وهي رواية شاذة.

"ثم تشهد ثم سلم" رواه أبو داود والترمذي وحسنه والحاكم وقال: على شرطهما، وقال البيهقي: تفرد بهذا الحديث أشعث الحمراني، ثم تكلم عليه وخطأه" وهذه من أخطائه، فالرواية شاذة، ولا تشهد بعد سجود السهو؛ لأنها مخالفة لرواية الأكثر، رواية الأرجح، الرواية التي قبلها في صحيح مسلم، حديث عمران في صحيح مسلم وليس فيه تشهد، الرواية رواية أشعث بن عبد الملك الحمراني، وهو متكلم فيه عند أهل العلم، وهذه من أخطائه، محسوبة من أخطائه.

"قال البيهقي: تفرد بهذا الحديث" يعني بهذه الزيادة التي فيها التشهد بعد سجود السهود "تفرد بها أشعث الحمراني، ثم تكلم عليه وخطأه".

ثم قال:

"وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثاً أم أربعاً؟ فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتماماً لأربع كن ترغيماً للشيطان)) رواه مسلم".

يقول -رحمه الله تعالى:

"وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا شك أحدكم في صلاته))" إذا شك إذا تردد هل صلى ركعتين أو ثلاث؟ صلى ركعة أو ركعتين؟ صلى ثلاث أو أربع؟ يبني على المتيقن وهو الأقل؛ لأن الشك لا يرفع اليقين، والواحدة متيقنة، والثانية مشكوك فيها في الصورة الأولى، الركعتان متيقنتان، والثالثة مشكوك فيها في الصورة الثانية والثلاث متيقنة، والرابعة مشكوك فيها في الصورة الثالثة، فالشك لا يرفع اليقين يبني على الأقل؛ لأنه المتيقن، هو يجزم أنه صلى ركعتين، لكن تردد في الثالثة فيبني على اليقين حينئذٍ.

وقلنا: إن كنتم تذكرون في الوضوء: تردد هل غسل العضو مرتين أو ثلاثاً؟ تردد في غسل العضو مرتين أو ثلاثاً؟ الجادة قاعدة المذهب وهي الموافقة للقاعدة العامة كما هنا أنه يبني على الأقل، فيجعلهما غسلتين، يزيد ثالثة، والذي رجحناه في وقته واستظهرناه أنه يبني على الأكثر، والفرق بين الصورتين ظاهر؛ لأن التردد في الصلاة بين أمرين بين ركعتين أو ثلاث إن قلنا يأخذ بالأقل وزاد في الصلاة زيادة عن غير عمد وجبرها بسجود السهو على مقتضى الحديث فقد أتى بما طلب منه، وإن بنى على الأكثر عرض صلاته للبطلان، بأن صلى الثنائية أو صلى الثلاثية ركعتين، أو صلى الرباعية ثلاثاً، هنا يعرض صلاته للبطلان، لكن في الوضوء؟ إذا تردد هل غسل اثنتين أو ثلاث؟ وقلنا: تبني على الأكثر اجعلها ثلاث، افترض أنها صارت اثنتين ما الذي يصير؟ يبطل الوضوء؟ الوضوء صحيح وشرعي، توضأ النبي -عليه الصلاة والسلام- مرتين مرتين، لكن إذا قلنا: تبني على الأقل وتزيد افترض أنك تعديت المشروع؛ لأنك بين أمرين، إما أن توافق المشروع أو تخرج عنه ولا ثالث لهما، يعني في حال التردد وهما على حد سواء، الشك أنت إما أن تكون وافقت الشرع بأن زدت ثالثة فوقعت موقعها، ويكون وضوءاً شرعياً، أو تكون زدت رابعة وخرجت عن حيز السنة إلى البدعة، ووضوؤك صحيح فيما لو بنيت على الأكثر، بينما صلاتك لو بنيت على الأكثر صلاتك حينئذٍ باطلة، تبطل صلاتك إذا لم تكن وافقت ما في نفس الأمر، ولن تستطيع موافقة ما في نفس الأمر لأن هذا غيب، فأنت في الصلاة إذا لم توافق ما في نفس الأمر وهذا دونه الاستحالة، لا يمكن أن توافق ما في نفس الأمر وأنت شاك إلا إذا فيما بعد لو قال لك: إنك صليت، لو خلفك مجموعة من الناس جالسين وضبطوا صلاتك، ثم بعد ذلك قالوا لك: صليت ركعتين، أما في غير هذه الحالة ما يمكن.

المقصود أن هذه المسألة ((إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثاً أم أربعاً؟ فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن)) وهو الأقل؛ لأنه لو بنى على الأكثر احتمال أن تكون صلاته ناقصة فتكون باطلة، لكن في الوضوء احتمال أن يكون عدد الغسلات ناقصاً فيكون الوضوء باطل وإلا صحيح؟ صحيح وشرعي، لكن إذا قلنا: يبني على الأقل ويزيد احتمال أن يخرج عن المشروع فيدخل في حيز الابتداع.

قال: ((إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثاً أم أربعاً؟ فليطرح الشك)) يلغي الشك ((وليبن على ما استيقن)) وهو الأقل ((ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم)) طيب في الصورة الثانية من مواضع السجود بعد السلام قالوا: إذا بنى الإمام على غالب ظنه، وهنا تردد وبنى على اليقين وسجد قبل السلام، وقالوا: إذا بنى الإمام على غالب ظنه سجد بعد السلام، ما الفرق بينهما؟

طالب:.......

هاه؟

طالب:.......

نعم.

طالب:.......

نعم.

طالب:.......

بخلاف الشك، يعني هنا شك تردد مستوي الطرفين، وهناك غالب ظن، يعني تردد هل صلى ركعتين أو ثلاث؟ واستمر عنده التردد، لم يترجح عنده شيء، يبني على الأقل، لكن قال: صليت اثنتين أو ثلاث، لكن غلب على ظنه أنها ثلاث يستمر خلاص، ما يبني على الأقل في هذه الحالة، يبني على غالب ظنه، والظن يترجح لأن غلبة الظن لا تعطي يقيناً، لكن كيف يصل غلبة الظن في هذه الحالة إلى اليقين؟ في صورة ما إذا كان إماماً ولم يسبح به أحد، إذا كان إمام ولم يسبح به أحد، فعدم تسبيحهم وموافقتهم لهم يجبر هذا النقص، فيكون كالمتيقن، فيبني على غالب ظنه وحينئذٍ يسجد للسهو بعد السلام.

قد يقول قائل: إن الناس قد يوافقون الإمام ولو كانوا ألف في حال الغفلات، يعني قبل سنتين يعني في فورة الأسهم صلى إمام صلاة الظهر وجهر بالناس في القراءة وأمنوا؛ لأنهم كلهم منشغلين بما هم بصدده، يعني يصلون في صالة بنك، وهم يشاهدون الشاشات أمامهم كلهم وهم يصلون، ولما سلم احتمال سلم الثانية أو لم يسلم قام السرعان إلى الشاشات كما نشاهده في المسارعة لتقبيل الحجر إذا سلم الإمام، وبالفعل حصل، جهر في صلاة الظهر وأمنوا، وسمع من يقول: آمين وهو ساجد، يعني حينما يقول أهل العلم: إن سكوت المأمومين يجبر هذا النقص، يعني نقص الظن عن اليقين؛ لأن الظن للاحتمال الراجح، واليقين الذي لا يحتمل النقيض، فإذا كان وراءه جماعة وما سبحوا يعني ترجح هذا الظن الغالب، ففرق بين مسألتنا ومسألة عمل الإمام بغالب ظنه.

قال: ((ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم)) الصورة الثانية التي ذكرناها: إذا بنى الإمام على غالب ظنه يعني ترجح عنده أحد الأمرين، فإنه يسجد للسهو بعد السلام.

((فإن كان صلى خمساً شفعن له)) يعني في الصلاة الرباعية تردد هل صلى ثلاث أو أربع؟ قلنا: يطرح الشك ويبني على المتيقن وهو ثلاث يأتي برابعة، واحتمال أن تكون هذه الرابعة خامسة، وهاتان السجدتان يشفن صلاته؛ لأنهما بمثابة ركعة، يشفعن صلاته، لكن لو كان يوتر بثلاث أو بخمس أو بسبع أو بتسع ثم تردد هل صلى ركعتين أو ثلاث وطرح الشك ثم بعد ذلك زاد ركعة فاحتمال أن يكون صلى ثلاثاً أو صلى أربعاً في حال الوتر حينما أراد أن يوتر بثلاث أو خمس تردد بين ركعتين أو ثلاث، قلنا: يطرح الشك، ويبني على ما استيقن، ثم بعد ذلك يسجد سجدتين قبل أن يسلم، نعم فإن كان صلى أربعاً وهو يريد أن يوتر بثلاث أوترن له صلاته؛ لأن عندنا شفعن له صلاته؛ لأن الصلاة شفع، إذا كان صلى أربعاً وهو يريد الوتر بثلاث أو صلى ستاً وهو يريد الوتر بخمس سجد سجدتين قبل أن يسلم أوترن له صلاته؛ لأنه يطلب وتر ما يطلب شفع.

((وإن كان صلى إتماماً لأربع)) في هذه الصورة أو خمساً في الوتر ((كانتا ترغيماً للشيطان)) والترغيم ورغم أنفه يعني لصق أنفه بالرغام كغراب، رغام هو التراب، ومنهم من يقول: التراب المبتل، الطين، لصق أنفه بالطين ترغيماً له ((ترغيماً للشيطان)) رواه مسلم.

قال بعد ذلك:

"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمى سجدتي السهو المرغمتين" يعني هل هذا حديث مستقل؟ يعني أن النبي -عليه الصلاة والسلام- في يوم من الأيام قال: عليكم بالمرغمتين، قالوا: وما المرغمتان؟ قال: السجدتان للسهو، سماهما مرغمتان؟ أو قال: المرغمتان سجدتا السهو، أو أن ابن عباس أخذه من الحديث السابق، وما جاء في معناه؟ ((كانتا ترغيماً للشيطان))؟ يحتمل، والحديث في أصله ضعف، لكن له ما يشهد له من الحديث السابق، يعني حديث ابن عباس رواه أبو داود وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححه، وفي إسناده ضعف.

على كل حال حديث ابن عباس ضيف، لكن له شاهد من حديث أبي سعيد الذي قبله ((كانتا ترغيماً للشيطان)) فهما مرغمتان للشيطان، فسماهما مرغمتين، سجدتي السهو مرغمتين، إما أن يكون ابتداءً سماهما كذلك، يعني جاء بسجود السهو كمبتدأ وأخبر عنهما بأنهما المرغمتان، أو أن هذه التسمية فهمت من الحديث السابق؟

وعلى كل حال الحديث السابق في صحيح مسلم، وهما ترغمان الشيطان إرغاماً للشيطان، فحديث أبي سعيد الخدري يشهد لحديث ابن عباس في هذه التسمية، وسواءً قلنا: إن حديث ابن عباس مستقل، يعني سمع ابن عباس النبي -عليه الصلاة والسلام- يسميهما كذلك، أو أنه في ضمن الحديث السابق، ما دام أخبر عنهما أنهما ترغيماً للشيطان فهما مرغمتان.

أرغم يرغم ترغيماً، هذا المصدر ((ترغيماً للشيطان)) والمصدر يؤخذ منه اسم الفاعل واسم المفعول، فالسجدتان مرغمتين اسم فاعل، والشيطان مرغم اسم مفعول، والفعل أصل المادة أرغم، والمصدر الترغيم، فاشتقاقاتها يمكن استعمالها فيما ذكره ابن عباس، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.