شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1425 هـ) - 27

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمدٍ وآله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم إلى حلقةٍ جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

مع بداية حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: قال المصنف -رحمه الله-: عن عدي بن حاتم -رضي الله عنه- قال: لما نزلت {حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [سورة البقرة 187] عمدت إلى عقالٍ أسود وإلى عقالٍ أبيض، فجعلتهما تحت وسادتي، فجعلت أنظر في الليل، فلا يستبين لي، فغدوت على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فذكرت له ذلك فقال: «إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار» .

 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

راوي الحديث عدي بن حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عدي الطائي ولد الجواد المشهور أبو طريف صحابيٌ أسلم سنة (9) تسع، وقيل: سنة (10) عشر، وكان نصرانيًّا قبل ذلك، وثبت على إسلامه في الردة، شهد فتح العراق، ثم سكن الكوفة، ومات بعد الستين، وهذا الحديث ترجم عليه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- بقوله: باب قول الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [سورة البقرة 187] فيه عن البراء عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال العيني: مطابقته للترجمة ظاهرةٌ جدًّا؛ لأن الترجمة {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [سورة البقرة 187]، وفي الحديث: لما نزلت {حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [سورة البقرة 187] مطابقة، يقول ابن حجر: هذه الترجمة سيقت؛ لبيان انتهاء وقت الأكل {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ} [سورة البقرة 187] سيقت لبيان انتهاء وقت الأكل وغيره، الذي أبيح بعد أن كان ممنوعًا، وقال القسطلاني: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [سورة البقرة 187] فإنه آخر وقته، آخر وقت الصيام الليل، وحتى للغاية، واستشكل بأنه يلزم منه أن يؤكل جزء من النهار، وجه الإشكال؟ 

المقدم: لابد أن يستلزم؟

هذا كلامه حتى للغاية، واستشكل بأنه يلزم منه أن يؤكل جزء من النهار.

المقدم: التبين يمكن يتبين معناها أنه ظهر جزء من النهار.

حتى، حتى، حتى، الغاية غير داخلة {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [سورة البقرة 187] يعني إلى الليل، فإنه {حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [سورة البقرة 187] وحتى للغاية، هو ما ذكرت التبين، التبين، يلزم منه أن يؤكل جزء من النهار، نعم هو ما ذكرت، فأجيب كما يقول القسطلاني: بأن الغاية غايتان...نعم، الغاية غايتان، غاية مد وهي التي لو لم تذكر لم يدخل ما بعدها حال ذكرها في حكم ما قبلها، وغاية إسقاط وهي التي لو لم تذكر لكان ما بعدها داخلاً في حكم ما قبلها، فالأول المد التي لو لم تذكر لم يدخل ما بعدها حال ذكرها في حكم ما قبلها، فالأول {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [سورة البقرة 187] فالليل ليس داخلاً في حكم الصيام.

والثاني: غاية إسقاط وهي التي لو لم تذكر لكان ما بعدها داخلًا في حكم ما قبلها {إِلَى الْمَرَافِقِ} [سورة المائدة6].

المقدم: يدخل فيها.

نعم، أي واتركوا ما بعد المرافق.

المقدم: هذا في إلى وليس حتى؟

نعم؟

المقدم: هذا في إلى وليس حتى؟

لأن الآية {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ} [سورة البقرة 187].

نعم، {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [سورة البقرة 187] لأن عندنا غايتين في الآية {حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ} {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [سورة البقرة 187] نعم غاية الأكل، وغاية الإمساك، يقول: ويأتي مثل هذا في قوله- عليه الصلاة والسلام-: «حتى يؤذن ابن أم مكتوم» في تهذيب اللغة حقيقةً دخول الغاية في المغيا، وعدم دخولها مسألة طال فيها كلام العلماء.

المقدم: نعم.

حقيقة كل نص له ما يؤيده ويحتف به، ما يحكم بحكم عام مضطرد في كل غاية تدخل أو لا تدخل، فمنها ما يدخل بدلالة النصوص الأخرى، ومنها ما لا يدخل بدلالة النصوص الأخرى، في تهذيب اللغة للأزهري قد تكون إلى غاية (انتهاء غاية) كقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [سورة البقرة 187]، وقد تكون إلى بمعنى (مع) كقوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ} [سورة النساء2] معناها أموالكم، وأما قوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [سورة المائدة6] فإن أبا العباس ثعلب وغيره من النحويين جعلوا إلى بمعنى (مع) هاهنا وأوجبوا غسل المرافق والكعبين، لكن، هل هم أخذوها من، الإيجاب هنا من لفظ إلى، أو من أدار الماء على مرفقيه؟

المقدم: نعم، من فعل الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

نعم، غسل الرجلين، حتى أشرع في الساق، حتى أشرع في العضد، في شرح الرازي على الكافية، الرازي له شرح هو أفضل شروح الكافي على الإطلاق، يعني حتى أفضل من شرح ابن الحاجب نفسه المصنف.

يقول: اعلم أن إلى تستعمل في انتهاء غاية الزمان والمكان، بلا خلاف نحو {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [سورة البقرة 187]، والأكثر عدم دخول حدي الابتداء والانتهاء، الأكثر عدم دخول حدي الابتداء والانتهاء في المحدود، فإذا قلت: اشتريت من هذا الموضع إلى ذلك الموضع، فالموضعان لا يدخلان ظاهرًا في الشراء، ويجوز دخولهما فيه مع القرينة، يعني لأمرٍ آخر، وقال بعضهم: ما بعد إلى ظاهره الدخول فيما قبلها، فلا تستعمل في غيره إلا مجازًا، وقيل: إن كان ما بعدها من جنس ما قبلها نحو أكلت السمكة حتى رأسها نعم، فالظاهر الدخول، وإلا فالظاهر عدم الدخول نحو {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [سورة البقرة 187]. وقوله: وبمعنى مع وهو يشرح كلام ابن الحاجب في الكافية كما في قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ} [سورة النساء2] والتحقيق أنها بمعنى الانتهاء، أي تضمونها إلى أموالكم، وكذا قوله تعالى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [سورة المائدة6] أي مضافة إلى المرافق، والذود إلى الذود إبل، أي مضافة إلى الذود، الآن إذا قلنا: إن إلى {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [سورة البقرة 187] وقلنا: إنه حتى على القول الأخير إنه من غير جنس، فالليل من غير جنس النهار، فلا يدخل في الغاية، هنا لا يدخل. 

المقدم: لاختلاف الجنسين.

لاختلاف الجنسين، لكن هل هناك حد فاصل بين الليل والنهار يقف عنده الصائم عند الغاية بدقة، بحيث لا يصوم جزءًا من الليل؟  

المقدم: لا يصوم؟

لا يصوم جزءًا من الليل.

المقدم: ولا يفطر جزءًا من النهار.

ولا يفطر جزءًا من النهار؟

المقدم: هذا هو الأصل.

يمكن؟

المقدم: يعني مادام الشرع جعل بها الدقة {يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [سورة البقرة 187].

دعنا من الأول {إِلَى اللَّيْلِ} [سورة البقرة 187] هل يمكن أن تستمر في غاية الصيام إلى أن يسقط القرص بدقة، والخطاب لجميع الأمة الذي يشاهد الشمس، والذي دونه ودونها حواجب، والذي يعتمد على مؤذن، والذي يعتمد على مخبر...

المقدم: ما نقول في هذا الأصل هو براءة الذمة؟

كيف تحصل براءة الذمة؟

المقدم: تحصل بتيقن دخول الليل، وبالتالي لم تفطر أنت جزءًا من النهار.

لكن الآن المغلب في الاحتياط جانب النهار، أو جانب الليل؟

المقدم: الأصل جانب الليل.

عندك أنت الصيام إلى الليل.

فلا يجوز أن تخل بلحظة من النهار، هذا احتياطًا للركن للصيام، لكن الاحتياط من جهةٍ أخرى، هو تأخير الفطر، أن تبادر في أول الوقت، لكن هذا لا يمكن... حتى تمسك جزءًا من الليل، يعني لا يمكن أن تحتاط لصيامك إلا إذا أمسكت جزءًا من الليل؛ ولذا أقول: لا شك أن الغاية هنا لا تدخل، فلا صيام في الليل، لكن إمساك جزء من الليل عند أهل العلم ما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب، يقول في الروضة، الروضة لمن؟ روضة الناظر في أصول الفقه، الإمام الموفق ابن قدامة، يقول: ما لا يتم الواجب إلا به ينقسم إلى: ما ليس إلى المكلف كالقدرة واليد في الكتابة، أقطع تقوله لابد أن تكتب، ما يمكن هذا ليس إلى المكلف، وحضور الإمام، ما حضر الإمام يوم الجمعة؟

ما حضر الإمام، ولا من يستطيع إقامة الجمعة، ولا حضر العدد المشترط لإقامة الجمعة عند من يقول به، هذا ليس إليك، مثل هذا لا يوصف بوجوب؛ لأن هذا ليس في قدرة المكلف، وإلى ما يتعلق باختيار العبد كالطهارة للصلاة، والسعي إلى الجمعة، وغسل جزء من الرأس مع الوجه، يعني ما يمكن أن تستوعب الوجه حتى تغسل جزءًا من الرأس؛ لتخرج من عهدة الواجب بيقين، يقول: وإمساك غسل جزء من الوجه مع الرأس، وإمساك جزء من الليل مع النهار في الصوم فهو واجب، الغاية ليست داخلة الليل ليس محل الصيام، لكن لا يمكن أن نبرأ من عهدة الواجب بيقين، حتى نمسك جزءًا نجزم به أن قرص الشمس قد سقط، وأن الشمس قد غابت، وأن الليل دخل.

 قوله في الترجمة: فيه عن البراء عن النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول الكرماني: أي روى البراء بن عازب الصحابي، فيما يتعلق بهذا الباب حديثًا عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، لكن لما لم يكن على شرط البخاري لم يذكره فيه...  يقول البخاري -رحمه الله- في الترجمة: فيه عن البراء عن النبي – صلى الله عليه وسلم- يقول الكرماني: أي روى البراء بن عازب الصحابي، فيما يتعلق بهذا الباب حديثًا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لكن لما لم يكن على شرط البخاري لم يذكره فيه. قال العيني: ليس كذلك، بل أشار به إلى الحديث الذي رواه موصولاً عن البراء، الذي سبق ذكره في الباب الذي قبله، حديث البراء الذي قبل هذا، لا شك أن هذه غفلة من الكرماني -رحمه الله-.

قوله لما نزلت: {حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [سورة البقرة 187] عمدت، قال ابن حجر: ظاهره أن عديًّا كان حاضرًا لما نزلت هذه الآية، يقول: لما نزلت، فظاهر السياق يدل على أن عديًّا كان حاضر لما نزلت هذه الآية، وهو يقتضي تقدم إسلامه، وليس كذلك؛ لأن نزول فرض الصوم كان متقدّمًا في أوائل الهجرة، الصيام فرض في السنة الثانية، وإسلام عدي كان في التاسعة أو العاشرة، كما ذكر ابن إسحاق، وغيره من أهل المغازي، فإما أن يقال: إن الآية التي في حديث الباب، {حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [سورة البقرة 187] تأخر نزولها عن نزول فرض الصوم، وهو بعيدٌ جدًّا، وهو بعيدٌ جدًّا؛ لأنه يترتب عليه أن المشقة التي حصلت للصحابة قبل نزولها طال أمدها، يقول: وهو بعيدٌ جدًّا، وإما أن يئول قول عديٍ هذا على أن المراد بقوله: لما نزلت، أي لما تُليت عليّ عند إسلامي، أو لما بلغني نزول الآية، يعني أنه مما نزل على النبي –عليه الصلاة والسلام- سمعها، وهي من القرآن، وهي من النازل، والمسلم إنما يلزمه العمل من النصوص، عند بلوغه إياه، لما بلغني نزول الآية، أو في السياق حذفٌ، في السياق حذف تقديره، لما نزلت الآية، يعني في وقت نزولها، ثم قدمت، فأسلمت، وتعلمت الشرائع، عمدت، وقد روى أحمد حديثه من طريق مجالد بلفظ: علمني رسول الله –صلى الله عليه وسلم- الصلاة والصيام فقال: «صلِّ كذا، وصم كذا، فإذا غابت الشمس، فكل، حتى يتبين لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود» يعني هو سمعها بعد إسلامه مباشرةً من النبي –صلى الله عليه وسلم- في هذا الخبر، قال: فأخذت خيطين... الحديث (عمدت) أي قصدت من عمد، يعمد، عمدًا إذا قصد.

 المقدم: الأصح عمدتُ يا شيخ.

نعم، عمدَ.

المقدم: باب (عمد) ما تأتي عمَدتُ.

الذي يبينه النظير؛ لأنهم في باب الموازين الصرفية عندهم أفعال ستة، يزنون بها بقية الأفعال، فهل (عمِد) من باب فهِم؟ عمِد، يعمَد، من باب فهِم، يفهَم؟ أو هو من باب ضرَب، يضرِب، عمَد، يعمِد؟ أو من باب نصَر، ينصُر؟

المقدم: نقول: إنها من باب فهم، يفهم.

أنت تبعتني؛ لأني قلت: هذا.

المقدم: لا إذًا أنا عندي الترجيح أنه عمَد.

 ضرَب، يضرِب، عمَد، يعمِد.

المقدم: نعم.

 طيب إذا قصده من باب ضرَب، يضرِب نعم، إذًا عمَد، يعمِد.

المقدم: فتكون عمدتُ إلى عقالٍ.

نعم، عمَدت مثل ضربت، وأما عمَدتُ الشيء فانعمد، فمعناه أقمته، يعني المطاوع، معناه أقمته، فالأول باللام وإلى، والثاني بدونهما، إلى عقال.

المقدم: أحسن الله إليك، لها قاعدة يا شيخ أستطيع من خلالها أفهم، يعني كل ما أتاني من شيء أعرف أنه من باب فهم، ولا من باب ضرب؟

لتقصيرنا في باب الصرف يجعلنا لسنا على قاعدة، إنما ما يتبادر إلى اللسان... في حديث الصحابة- رضوان الله تعالى- عنهم كانوا ينتظرون العشاء، حتى (تخفِقَ) سمعت بعض الكبار مرارًا ليست مرة ولا مرتين (تخفُق) منهم ابن نصر، وهم ينصّون على أنه من باب ضرب، فالتقصير في بعض العلوم يوجِد مثل هذا الخلل.  

إلى (عقال) بكسر المهملة أي حبل، وأصله الحبل الذي يُعقل به البعير، والجمع عُقُل، وفي رواية مجالد: خيطين من شعر أسود، يعني أسود اللون، وإلى عقالٍ آخر أبيض اللون، فجعلتهما تحت وسادتي، الوسادة والوساد، المخدّة، والجمع وسائد ووُسُد، فجعلت أنظر إليهما في الليل، فلا يستبين لي، يعني فلا يظهر لي، وفي رواية مجالد: فلا أستبين الأبيض من الأسود، فغدوت على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أي ذهبت غدوةً، والغدوة...، فجعلت أنظر إليهما في الليل فلا يستبين لي، فلا يظهر لي، وفي رواية مجالد: فلا أستبين الأبيض من الأسود، فغدوت على رسول الله – صلى الله عليه وسلم- أي ذهبت غدوةً، والغدوة الذهاب أول النهار.

المقدم: «من غدا إلى المسجد»

«أو راح»

المقدم: «أو راح» «الطيور تغدو خماصًا وتروح بطانًا».

نعم، لكن من راح في الساعة الأولى؟

المقدم: هذا من باب؟

مطلق الذهاب تقدمت الإشارة إليه، فذكرت له ذلك، أي ما فعلت، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «إنما ذلك» إشارة إلى ما ذكر من قوله: {حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [سورة البقرة 187] «سواد الليل» يعني بظلامه «وبياض النهار»؛ لأن آيته مبصرة، بياض النهار بضيائه؛ لأن آيته مبصرة كما قال- جل وعلا-: {وَجَعَلنَا اللَّيلَ وَالنَّهارَ آيَتَينِ فَمَحَونا آيَةَ اللَّيلِ وَجَعَلنا آيَةَ النَّهارِ مُبصِرَةً} [سورة الإسراء12] أي مبصرًا فيها بالضوء، وفي كتاب التفسير من الصحيح: قال له النبي –صلى الله عليه وسلم- لما أخبره بالخبر قال له -عليه الصلاة والسلام-: «إن وسادك إذًا لعريض إن كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادك»، وفي رواية: قال عدي: قلت: يا رسول الله، ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود؟ أهما الخيطان؟ قال: «إنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين».

يقول الخطابي في معالم السنن: في قوله: «إن وسادك لعريض» قولان: أحدهما يريد أن نومك لكثير، وكنى بالوسادة عن النوم؛ لأن النائم يتوسد، أو أراد بذلك أن ليلك لطويل إذا كنت لا تمسك عن الأكل، حتى يتبين لك العقال الأبيض من الأسود، يعني يستمر يأكل.

المقدم: هل فعلاً أكل -رضي الله عنه-؟ يعني هل هو وضعه فقط للاختبار، ولا استمر يأكل، يأكل حتي يتبين له؟ إن كان هكذا معناها، سنسأل هل قضي ولا ما قضى هذا الصيام؟  

هذا مسكوتٌ عنه، لكن الأصل أنه إذا أكل بعد تحقق طلوع الفجر يقضي لا بد بعد تبين الفجر.

المقدم: ولكن ما نقل أن النبي – عليه الصلاة والسلام- أمره بالقضاء، هذا إن كان يأكل، هل أكل أو لا؟ قد يكون فقط أراد التبين يا شيخ.

لكن النص لما جعل العقالين، والغاية عنده صريحة في الآية {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ} [سورة البقرة 187] ما تبين له، ما تحققت الغاية من لازم صنيعه أنه يأكل، المقصود أن قول النبي –عليه الصلاة والسلام-: «إن وسادك لعريض» أو «إنك لعريض القفا» هذه أمثال تضرب لمن عنده شيء من الغفلة، فهل قصد النبي –عليه الصلاة والسلام- اتهام عدي بن حاتم بالغفلة؟

المقدم: هذه من ألفاظ العرب التي كانت تستخدمها مثل: ثكلتك أمك، فيما يظهر.

يعني لا يراد معناها؟

المقدم: لا يراد منها حقيقته.

على كل حال الشراح أكثروا في هذا الكلام، وهنا يقول صاحب المعالم الخطابي في معالم السنن: في قوله: «إن وسادك لعريض» قولان: أحدهما يريد أن نومك لكثير، وكنى بالوسادة عن النوم؛ لأن النائم يتوسد، أو أراد أن ليلك لطويل إذا كنت لا تمسك عن الأكل، حتى يتبين لك العقال؛ لأن الذي يجعلهم يحيدون عما يراد به المثل أن عدي بن حاتم موصوف بالذكاء والفطنة، والقول الآخر، والنبي – صلى الله عليه وسلم- ما يتعامل مع أصحابه بهذه الطريقة، هو المربي، وهو المعلم، هو الذي يلاحظ المشاعر، والقول الآخر أنه كنى بالوسادة عن الموضع الذي يضعه من رأسه وعنقه على الوسادة إذا نام، والعرب تقول: فلان عريض القفا إذا كان فيه غباوةٌ وغفلة، إذا كان فيه غباوة وغفلة، وللكلام بقية يأتي في الحلقة اللاحقة.

المقدم: يعني نحن إذًا سنقف عند هذا الحد فقط؛ لنتأكد من معاني هذه الألفاظ التي جاءت في الحديث هل ضربها النبي –صلى الله عليه وسلم- وأراد بها الحقيقة أم لا؟

نعم، يأتي بيانه إن شاء الله.

المقدم: والأمر الآخر فيما يتعلق بفعل الصحابي -رضي الله عنه- أثر عن بعض الصحابة أنه كان يضع مؤخرة الرحل تحجز بينه وبين الخيط الأبيض والخيط الأسود، هل يصح هذا أو لا يصح؟ وإن صح فكيف نفسر هذا؟ وهل كانوا يأكلون أو لا يأكلون {حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ} [سورة البقرة 187] نستأذنك أن تكون هذه الأمور في مطلع الحلقة القامة بإذن الله وأنتم على خير.

أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، ما تبقى من هذا الحديث نستكمله بإذن الله في حلقةٍ قادمة وأنتم على خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.