التعليق على الموافقات (1435) - 03

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك.

نعم.

طالب: بسم الله الرحمن الرحيم.

 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. أما بعد....

قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: "المسألة الثانية: إنما تحصل درجة الاجتهاد لمن اتصف بوصفين؛ أحدهما: فهم مقاصد الشريعة على كمالها. والثاني: التمكن من الاستنباط بناءً على فهمه فيها".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المؤلف في هذه المسألة يتكلم في أدوات الاجتهاد، وعلى غير المألوف في مؤلفات الأصوليين، الأصوليون في الأدوات يبدءون بما يحتاجه المجتهد من الوسائل، ويبدءون بالتدرج في التعلم حتى يصل إلى حد الاجتهاد، وما يحتاجه المجتهد من النصوص وما يحتاجه من المسائل العلمية والغايات.

المؤلف بدأ بفهم مقاصد الشريعة على كمالها، متى يحصل فهم مقاصد الشريعة على كمالها؟ حتى يتدرج في العلم، إلى أن يصل إلى مرتبة الاجتهاد. ولذلك طريقته مختلفة تمامًا عن طرائق المصنفين في الأصول، ولعل طريقة غيره أسهل وأيسر في التطبيق؛ ولذلك ما يمكن أن يفهم مقاصد الشريعة حتى يترقى في العلوم المطلوبة للمجتهد وما يُشترط له، لا يمكن أن يفهم إلا أن يتجاوزها؛ فلذلك البداءة بها أهم وأليق.

طالب: "أما الأول، فقد مر في كتاب المقاصد أن الشريعة مبنية على اعتبار المصالح، وأن المصالح إنما اعتُبرت من حيث وَضَعها الشارع كذلك، لا من حيث إدراك المكلف؛ إذ المصالح تختلف عند ذلك بالنسب والإضافات، واستقر بالاستقراء التام أن المصالح على ثلاث مراتب".

"ثلاث مراتب": ضرورية، وحاجية، وكمالية، استحسان.

طالب: "فإذا بلغ الإنسان مبلغًا، فهم عن الشارع فيه قصده في كل مسألة من مسائل الشريعة، وفي كل باب من أبوابها، فقد حصل له وصف هو السبب في تنزيله".

"تنزُّله".

طالب: أحسن الله إليك.

 "هو السبب في تنزله منزلة الخليفة للنبي في التعليم والفتيا والحكم بما أراه الله".

كأن المؤلف -رحمه الله- يتحدث عن شخص هو قد بلغ الغاية في الاجتهاد، بحيث يكون أكمل الموجودين، بحيث يُنزل منزلة الخليفة، لا يمكن أن يعرف مقاصد الشريعة حتى يتمكن في العلوم كلها، والتمكن في العلوم كلها بحيث يتمكن من معرفة المقاصد الكلية، لا الجزئية بحسب المسائل والمسائل المختصة، بل في الجميع، وهذا مبني على أن الاجتهاد لا يتجزأ، خلافًا لقول الجمهور، الجمهور على أن الاجتهاد يتجزأ، وهو الواقع، وأما التكليف بالاجتهاد الذي لا يتجزأ فضرب من الخيال، وإذا طالبنا المجتهد أن لا يرجع إلى أحد بحيث يصدر عن اجتهاده هو حكمنا على الاجتهاد بالعدم، كيف ذلك؟

يلزمه أن يعرف كل ما احتواه القرآن واشتمل عليه من مطالب، ثم يأتي إلى السنة، ويحيط بها علمًا؛ لأنه إن لم يحط بها علمًا خفيت عليه الأشياء، فهو قد يحتاجها في اجتهاده، ويحتاج أن يعرف صحيحها من سقيمها، بنفسه لا يقلِّد غيره؛ لأنه إذا قلَّد غيره فما سميناه مجتهدًا. وهذا الاجتهاد في معرفة الصحيح من السقيم بنفسه يتطلب أن يعرف كل ما قيل في كل راوٍ من الرواة، ويصل إلى القول الصائب بنفسه، لا يقلد أئمة الجرح والتعديل. هذا من الذي يدركه في عمر الإنسان المفترض بين ستين وسبعين، وحتى لو بلغ مائة ومائتين؟

لكن يأخذ من العلم، يحرص على الوحيين وما يعينه على فهمهما، والوسائل والطرق، والأسباب المعروفة المسلوكة عند أهل العلم، مع الإخلاص والتقوى، ويعينه الله على ذلك، ويترقى ويحاول أن يصل إلى الحقائق بنفسه، لا يقلد فيها أحدًا بقدر إمكانه. إذا عرف أن عنايته بالجرح والتعديل ومعرفة ما قيل في جميع الرواة يصده عن غيره، مع أنه أصل أصيل ويحتاج إليه، ما هو بفضول، يعني يحتاج إليه المحدث، ولا يكون فقيهًا إلا إذا عرف الحديث، ولا يعرف الحديث إلا إذا عرف طرق الاستنباط وأسباب الاستنباط. فالمسألة فيها يعني شيء من التسلسل الذي قد يصعب مثل هذا الباب، ويجعل الناس في يأس من الوصول إلى حقيقته، لكن مع ذلكم الأمر أهون من ذلك، فالإنسان مطلوب منه أن يسلك الطريق على الجادة المعروفة، ويقدم الأهم فالأهم، وإذا علم الله منه صدق النية والإخلاص والتقوى أعانه على ذلك مع سلوك الجادة المعروفة عند أهل العلم، لا يتخبط ويعتمد على مذكرات، ويعتمد على كلام من هب ودب، ويقول: إنه سيخرج مجتهدًا، لا، على الطريقة المعروفة المتبعة عند أهل العلم ويصل إن شاء الله تعالى. نعم.

طالب: "وأما الثاني: فهو كالخادم للأول، فإن التمكن من ذلك إنما هو بواسطة معارف محتاج إليها في فهم الشريعة أولاً".

نعم. فهم المقاصد بواسطة المعارف، نعم، فهم المقاصد لا يمكن أن يتوصل إليه إلا بمعرفة هذه المعارف التي يُحتاج إليها مما ذكره أهل العلم في شروط المجتهد وما ينبغي أن يهتم به، فلو قدمه لكان أولى، ولو فصل ما يحتاج إليه كما فعل العلماء في مؤلفاتهم في الأصول لكان أوضح.

طالب: "ومن هنا كان خادمًا للأول، وفي استنباط الأحكام ثانيًا، لكن لا تظهر ثمرة الفهم إلا في الاستنباط، فلذلك جُعل شرطًا ثانيًا، وإنما كان الأول هو السببُ".

"هو السببَ".

طالب: أحسن الله إليك.

 "وإنما كان الأول هو السببَ في بلوغ هذه المرتبة؛ لأنه المقصود، والثاني وسيلة. لكن هذه المعارف تارةً يكون الإنسان عالمًا بها مجتهدًا فيها، وتارةً يكون حافظًا لها متمكنًا من الاطلاع على مقاصدها غير بالغ رتبة الاجتهاد فيها، وتارةً يكون غير حافظ ولا عارف، إلا أنه عالم بغايتها، وأن له افتقارًا إليها في مسألته التي يجتهد فيها، فهو بحيث إذا عنَّت له مسألة ينظر فيها زاول أهلُ المعرفة".

"أهلَ".

طالب: أحسن الله إليك. "ينظر فيها زاول أهلَ المعرفة بتلك المعارف المتعلقة بمسألته، فلا يقضي فيها إلا بمشورتهم، وليس بعد هذه المراتب الثلاث مرتبة يُعتد بها في نيل المعارف المذكورة".

يعني هذا موجود في الواقع، من يسجل رسالة ماجستير أو دكتوراه تجده أحيانًا يكون من الطلبة البارعين المهتمين بالعلم الحافظين للمسائل بأدلتها، العارفين بمقاصدها، هذا يخدم نفسه بنفسه.

 الثاني يكون حافظًا لمسائل، لكن يخفى عليه بعض الأمور أقل من سابقه؛ هذا يستفيد من غيره.

 الثالث لا حافظ ولا عارف، وإنما رسالته هي مجرد سؤال عن الاستنباط يرجع فيه إلى أهل الفقه، والتراجم يرجع فيها إلى أهل التواريخ وكتب التراجم، والحديث يرجع فيه إلى أهل الحديث فيخرجون له، وهكذا، فيلفق رسالته من كلام الناس؛ مثل هذا أثره ضعيف في الأمة، وحتى في كتابه يكون ضعيفًا، ونفع كتابه يكون ضعيفًا، ما هو بمثل الأول أو الثاني.

  على كل حال هذا واقع الناس، والناس يتفاوتون، لكن لا شك أن الأول أكمل ممن دونه. نعم.

طالب: "فإن كان مجتهدًا فيها كما كان مالك في علم الحديث، والشافعي في علم الأصول، فلا إشكال. وإن كان متمكنًا من الاطلاع على مقاصدها كما قالوا في الشافعي وأبي حنيفة في علم الحديث، فكذلك أيضًا لا إشكال في صحة اجتهاده. وإن كان القسم الثالث، فإن تهيَّأ له الاجتهاد في استنباط الأحكام".

يعني المجتهد في علم الحديث كمالك وأحمد أيضًا، والشافعي في الأصول، وأبو حنيفة أيضًا في الأصول على حسب أصوله المخالفة لغيره من الأئمة.

على كل حال هم أهل اجتهاد، لكن لو أراد أبو حنيفة أن يصنِّف في الفقه، والفقه لا بد أن يُبنى على الدليل، وأبو حنيفة فقهه مبني على الرأي في الغالب، وأجمع العلماء على أنه من أهل الاجتهاد، وأنه من فقهاء الأمة. لكن إذا كان الشخص فيه ضعف في الاستدلال، كما هو الحاصل في كثير ممن يزاول الإفتاء في عصرنا، لا شك أن العناية بالأثر، بالدليل، بالوحيين تعطي القوم من القوة والقبول عند الناس، ويكون له نور ينفذ إلى قلوب الناس، كما لو قارنا بين الشيخ ابن باز في فتاويه المبنية على الأدلة، وهي مختصرة وواضحة، وعليها نور النص، يختلف كثيرًا عن غيره، وإن عرفوا ما عرفوا من علوم أخرى. فالمعول في الاجتهاد وفي الاستدلال على الدليل.

وقد جاءني مرة طالب دكتوراه معه رسالته في الفقه، باحث المسائل كلها الذي يريد بحثها، وباحث أقوال العلماء، ومرجح في المسائل، لكن ما بعد خرَّج الأحاديث. يعني هذا المنهج مستقيم؟ كيف بنى المسائل على أدلة ما يُعرف حكمها هل هي صحيحة أو ضعيفة؟ لا، هذا خلل، ما يمكن أن ينال العلم بهذه الطريقة.

طالب: "وإن كان القسم الثالث: فإن تهيَّأ له الاجتهاد في استنباط الأحكام مع كون المجتهد في تلك المعارف كذلك، فكالثاني وإلا فكالعدم.

فصل: وقد حصل من هذه الجملة أنه لا يلزم المجتهد في الأحكام الشرعية أن يكون مجتهدًا في كل علم يتعلق به الاجتهاد على الجملة، بل الأمر ينقسم: فإن كان ثَم علم لا يمكن أن يُحصَّل وُصِفَ الاجتهاد".

"وَصْفُ الاجتهاد".

طالب: "لا يمكن أن يحصل".

"أن يَحصُل وَصْفُ الاجتهاد"، نعم.

طالب: "لا يمكن أن يَحصُل وَصْفُ الاجتهاد بكُنْهِه إلا من طريقه، فلا بد أن يكون من أهله حقيقة حتى يكون مجتهدًا فيه، وما سوى ذلك من العلوم، فلا يلزم ذلك فيه، وإن كان العلم به معينًا فيه، ولكن لا يخل التقليد فيه بحقيقة الاجتهاد.

فهذه ثلاثة مطالب لا بد من بيانها".

هنا سؤال يكثر، وهو: هل الأفضل لطالب العلم أن ينظر في العلوم كلها، ويأخذ من كلها بطرف، أو يقتصر على علم من العلوم، ويتقنه، ويضبطه، ويكون مجتهدًا فيه، بأن يكون متخصصًا في العقيدة مثلاً أو في الحديث أو في الفقه أو في الأصول أو في الفرائض مثلاً وهو أيسر العلوم وأقربها للحصر، أو يقول: أدرس كل هذه العلوم وإن لم أكن مثل المتخصصين فيها؟

لا شك أن العلوم مترابطة، وبعضها يخدم بعضًا، وبعضها يفيد في بعض، والجهل في بعضها قد يكون سببًا في عدم إتقان الفن الذي هو بصدده. فلا شك أن التنويع مطلوب، لكن لا يقصد أنه يصل في كل فن إلى الغاية؛ يأخذ من كل فن ما يعينه على التفنن الذي يسمونه التفنن في العلوم الذي يفيده فيما لو أراد الاهتمام بفن واحد من الفنون.

 أما أن يأتي مباشرة، ويتخصص في فن، ولا يعلم العلوم الأخرى في التفسير، ولا يعلم من الحديث شيئًا، ولا من الفقه، ولا من علوم الآلة، علوم العربية، أصول الفقه، أصول الحديث، علوم القرآن؟ هذا ما يدرك شيئًا هذا، هذا يمكن أن يحفظ مسائل، يمكن أن يحفظها، حتى لو كان فقيهًا، أو يسمى بالفقيه، وهو على هذه الطريقة يكون حافظًا مسائل وليس بفقيه.

طالب: "أما الأول: وهو أنه لا يلزم أن يكون مجتهدًا في كل علم يتعلق به الاجتهاد على الجملة، فالدليل عليه أمور:

 أحدها: أنه لو كان كذلك لم يوجد مجتهد إلا في الندرة ممن سوى الصحابة، ونحن نمثّل بالأئمة الأربعة".

لكن هل الصحابة كلهم مجتهدون؛ لأنه قال: "إلا في الندرة ممن سوى الصحابة"؟ الصحابة تلقوا العلم عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وحفظوا القرآن من فمه -عليه الصلاة والسلام-، وسمعوا السنة، إذًا فهم أقرب إلى ضبط النصوص من غيرهم، والأمر متيسر لهم أكثر من غيرهم، ولا يحتاجون إلى علوم آلة ولا غيرها؛ لأنها موجودة فطرة، غريزة عندهم، فهم الاجتهاد أيسر لهم من غيرهم، والاجتهاد فيهم أكثر، وفتاواهم نُقلت إلى يومنا هذا وهي تُنقل حتى قال بعضهم: إن أقوالهم حجة لهذه الأشياء. لكن هل كلهم على مستوى واحد؟ من تأخر إسلامه، وبقي في باديته، أو أخذ سيفه وصار يجاهد في سبيل الله وانقطع عن العلم؟ على كل حال هم متفاوتون كغيرهم.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

نعم، بعضهم اهتم بالقراءة، وبعضهم اهتم بالحديث ونقله، وبعضهم، على كل حال هم كغيرهم، لكن هم أقرب للضبط والإتقان للعلم؛ لأن العلم مبناه على النصوص، والنصوص من المنبع الصافي أخذوها.

طالب: "فالشافعي عندهم مقلّد في الحديث لم يبلغ درجة الاجتهاد في انتقاده ومعرفته، وأبو حنيفة كذلك، وإنما عَدوا من أهله مالكًا وحده، وتراه في الأحكام يحيل على غيره كأهل التجارب والطب".

لو نظرنا إلى مرويات الإمام مالك ومرويات الإمام أحمد، وجدنا مرويات الإمام أحمد أضعاف أضعاف ما رواه الإمام مالك، لكن المتفق بين أهل العلم عليه أن مالكًا نجم السنن-رحم الله الجميع-.

طالب: "وتراه في الأحكام يحيل على غيره كأهل التجارب والطب والحيض وغير ذلك".

يعني الاجتهاد المطلق بمعنى الإطلاق: إذا احتجت إلى مسألة طبية وسألت الأطباء، أنت مجتهد؟ لا بد أن تقلِّدهم، فينخرم هذا الوصف.

طالب: .......

أنت لو نظرت إلى مؤلفاتهم وآثارهم في الحديث، وجدتها أنها بالنسبة لمالك وأحمد قليلة جدًّا، وننظر إلى مسند الشافعي أو مسند أبي حنيفة أو مرويات، قليلة، وكلامه في العلم كثير، كلامه في العلم كثير أكثر من كلام مالك وأحمد.

طالب: .......

ماذا فيها؟

طالب: .......

هو ما فيه شك أن الفتوى المبنية على الدليل هي الملزمة، بخلاف ما نشأ عن اجتهاد محض أو مجرد خواطر كما يفعله كثير ممن يتصدر للإفتاء الآن.

طالب: "ويبني الحكم على ذلك، والحكم لا يستقل دون ذلك الاجتهاد. ولو كان مشترطًا في المجتهد الاجتهاد في كل ما يفتقر إليه الحكم، لم يصح لحاكم أن ينتصب للفصل بين الخصوم".

يعني لو اشتُرط الاجتهاد المطلق بمعنى الإطلاق، ما وجدنا ولا واحدًا من أهل العلم يستحقه، لماذا؟ لما ذكرناه، أنه حتى في المسائل التي تُحتاج إليها في الطب مثلاً، العالم ما يحتاج إلى طبيب يبين له متى يسوغ الإجهاض؟ ومتى لا يسوغ؟ ومدة الحمل؟ وأشياء، أمور يعرفها الأطباء دون غيرهم، ويحتاجها الفقهاء؛ للبناء عليها في أحكامهم، ما سميناه مجتهدًا إذا قلنا بمعنى الإطلاق؛ لأنه رجع إلى أقوال الناس، وأخذ قولهم بلا حجة، هو ما يقول: وما دليلك أيها الطبيب على ما قلت، أو أيها المهندس أو... ما يحتاج أن يقول مثل هذا، يسلم له، وهذا بحد ذاته تقليد. لكن الاجتهاد المطلوب في الشرع أمره أقوم من ذلك، بل إن العلماء ردوا على من قفل باب الاجتهاد وزعم صعوبته، وأنه لا يمكن الوصول إليه.

طالب: أحسن الله إليك.......

مثل هذا، من هذا الباب.

طالب: .......

نعم، قوله -عليه الصلاة والسلام-: «أينقص الرطب إذا جف؟»، قالوا: نعم، قال: «فلا إذًا»، هذا يُرجع إلى هذا الخبرة. من أول الطريق اعرف أنك لن تحيط بالعلم، {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} [الإسراء: 85] مهما بلغت. نعم. بس يحرص الإنسان أن يكون على يقين وثبات من علمه.

طالب: "لم يصح لحاكم".

يعني إذا بحث مسألة يحررها ويصل إليها بنفسه.

طالب: "لم يصح لحاكم أن ينتصب للفصل بين الخصوم، حتى يكون مجتهدًا في كل ما يفتقر إليه الحكم الذي يوجهه على المطلوب للطالب، وليس الأمر كذلك بالإجماع. والثاني: أن الاجتهاد في استنباط الأحكام الشرعية علم مستقل بنفسه، ولا يلزم في كل علم أن تُبَرْهِنَ مقدماته فيه بحال".

أو "تُبَرْهَنَ مقدماته فيه بحال".

طالب: أحسن الله إليك، "ولا يلزم في كل علم أن تُبَرْهَنَ مقدماته فيه بحال؛ بل يقول العلماء: إن من فعل ذلك فقد أدخل في علمه علمًا آخر ينظر فيه بالعرض لا بالذات، فكما يصح للطبيب أن يسلم من العلم الطبيعي أن الأُسْطُقْصات أربعة".

كأن كلها مضمومة.

طالب: "أن الأُسْطُقُصات أربعة"، كذا؟

نعم.

طالب: "وأن مزاج الإنسان أعدل".

يعني العناصر الأربعة التي هي: الحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة، هذه العناصر الأربعة المطلوبة توازنها في الصحة، وهنا يقول: المراد بها الماء والتراب والهواء والنار، لكن العناصر الأربعة المطلوبة في صحة الإنسان هي العناصر الأربعة، إذا توازنت استقامت صحة الإنسان، وإذا طغى بعضها على بعض حصلت العلة.

طالب: .......

نعم؟

طالب: .......

هذا طبيعي، فلسفي.

طالب: "أن الأُسْطُقُصات أربعة، وأن مزاج الإنسان أعدل الأمزجة فيما يليق أن يكون عليه مزاج الإنسان، وغير ذلك من المقدمات. كذلك يصح أن يُسلم المجتهد من القارئ، أن قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ} [المائدة: 6]، بالخفض مروي على الصحة".

"{وَأَرْجُلِكُمْ}" يعني، بالخفض؟

طالب: بالكسر هنا يا شيخ.

أين؟

طالب: المفروض أن نقرأها بالكسر.

نعم.

طالب: نعم، أحسن الله إليك.

هي قراءة صحيحة، لكنها مخرجة عند أهل العلم على أن المراد بها الغسل، والجر بالمجاورة.

طالب: "{وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ} [المائدة: 6] بالخفض مروي على الصحة، ومن المحدث أن الحديث الفلاني صحيح أو سقيم، ومن عالم الناسخ والمنسوخ أن قوله".

أي لا بد من رجوع الفقيه إلى هؤلاء، وتقليدهم فيما يقولون، فأين الاجتهاد مع وجود هذا التقليد؟ نقول: مثل هذا لا يضر في الاجتهاد، والاجتهاد يحصل بما دون ذلك، ولو كلفنا المجتهد بأن يصل إلى كل ما يحتاجه بنفسه لكلفناه محالاً.

طالب: يعني يا شيخ ما فيه عالم، ما يمكن أن يوجد عالم بالفعل مطلقًا؟

لا يمكن، العمر ما يستوعب.

طالب: يعني أكثرهم بال......

بالقوة القريبة.

طالب: نعم، أحسن الله إليك. "ومن عالم الناسخ والمنسوخ أن قوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180] منسوخ بآية المواريث، ومن اللُّغوي أن القُرء يطلق على الطهر والحيض، وما أشبه ذلك، ثم يبني عليه الأحكام، بل براهين الهندسة في أعلى مراتب اليقين، وهي مبنية على مقدمات مسلَّمة في علم آخر، مأخوذة في علم الهندسة على التقليد، وكذلك العدد وغيره من العلوم اليقينية".

يعني الحساب، أمور يقينية قطعية نتائجها، لكن بعضها ضروري وبعضها نظري، كالعلوم الأخرى النظرية، كالعلوم الأخرى بعضها قطعي وبعضها نظري، وإن كانت نتائجها قطعية، تفيد العلم، بعضها الضروري وبعضها النظري؛ لأنها تحتاج إلى نظر واستدلال، وبعضها لا يحتاج إلى نظر واستدلال، إذا قلت: ثلاثة في ثلاثة، هذا يحتاج إلى نظر واستدلال؟

طالب: لا.

نتيجته قطعية، تسعة. لكن إذا قلت: ثلاثة عشر وثلاثة أرباع في ألف ومائتين وواحد وخمسين وربع، هذه تحتاج إلى نظر واستدلال وضرب وآلات، ولكن نتيجتها في النهاية قطعية تفيد العلم. نعم.

طالب: "ولم يكن ذلك قادحًا في حصول اليقين للمهندسِ أو الحاسب في مطالب علمه، وقد أجاز النظار وقوع الاجتهاد في الشريعة من الكافر المنكر لوجود الصانع والرسالة والشريعة".

هذا كلام لا أصل له ولا حظ له من النظر؛ لأنه إن كان يجتهد لغيره فكيف يقتدي مسلم بكافر؟ وإن كان يجتهد لنفسه فلا ينفعه هذا الاجتهاد لأنه لن يعمل بأحكام الشرع. من المؤسف أن توجد مقررات في الفقه في بعض البلدان العربية يؤلفه نصراني! موجود في لبنان مقررات الفقه من تأليفهم، من تأليف النصارى. وبعض شراح المجلة مجلة الأحكام أو أكثرهم نصارى، أكثرهم نصارى، وهي أحكام فقهية وقواعد فقهية، ويشرحها النصارى! لكن هل يجرؤ نصراني على شرح متن فقهي؟ لا يمكن.

طالب: .......

نعم؛ لأنه أقرب إلى ....

طالب: طريقتهم.

لأنهم يحتاجونها في محاكماتهم ومقاضاتهم، فهي بالفعل تقنين وهي تسهيل لأمر القانون؛ لأنها بعد التقنين دخل القانون.

طالب: "إذ كان الاجتهاد إنما ينبني على مقدمات تفرض صحتها، كانت كذلك في نفس الأمر أولى، وهذا أوضح من إطناب فيه. فلا يقال: إن المجتهد إذا لم يكن عالمًا بالمقدمات التي يُبنى عليها لا يحصل له العلم بصحة اجتهاده؛ لأنا نقول: بل يحصل له العلم بذلك؛ لأنه مبني على فرض صحة تلك المقدمات، وبرهان الخلف مبني على مقدمات باطلة في نفس الأمر تفرض صحيحةً فيُبنى عليها، فيفيد البناء عليها العلم بالمطلوب، فمسألتنا كذلك. والثالث: أن نوعًا من الاجتهاد لا يفتقر إلى شيء من تلك العلوم أن يعرفه، فضلاً أن يكون مجتهدًا فيه، وهو الاجتهاد في تنقيح المناط، وإنما يفتقر إلى الاطلاع على مقاصد الشريعة خاصة، وإذا ثبت نوع من الاجتهاد دون الاجتهاد في تلك المعارف ثبت مطلق الاجتهاد بدونه، وهو المطلوب. فإن قيل: إن جاز أن يكون مقلدًا في بعض ما...".

قف على هذا، قف عليه.

طالب: أحسن الله إليك.

عناية المؤلف بالمقاصد فائقة، حيث يفوق غيره، أنا لا أعرف له نظيرًا ممن كتب في الأصول أو مماثلًا أو مقاربًا له في هذا الباب. لكن أخذ الأصول على طريقة التي يسمونها طريقة المتكلمين لا شك أنها أيسر وأوضح وأسهل.

طالب: يا شيخ أحسن الله إليك...

نعم.

طالب: .......

قيل عن كثير من أهل العلم إنه مجتهد مطلق، والاجتهاد المطلق نسبي، يعني فيما يناسب البشر، وإلا فذاك فوق طاقة البشر. المطلق بمعنى الإطلاق فوق طاقة البشر.

اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد.