شرح نخبة الفكر (03)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

النوع الثاني: أو القسم الثاني من التقسيم الإجمالي بعد المتواتر هو الآحاد، والآحاد عند أهل العلم يقسم إلى أقسام تبعاً لكثرة طرقه وقلتها، فمنه: المشهور، والعزيز، والغريب.

المشهور:

فالمشهور قال الحافظ: وهو المستفيض على رأي"، "والثاني المشهور: وهو المستفيض على رأي"،

تعريف المشهور في اللغة:

والمشهور اسم مفعول مأخوذ من الشهرة التي هي في الأصل وضوح الأمر وانتشاره وذيوعه، ومنه أخذ الشهر لشهرته، في المصباح: شهرت الحديث شهراً وشهرة إذا أفشيته فاشتهر، شهرت الحديث شهراً وشهرة إذا أفشيته فاشتهر، المصباح -مصباح المنير في شرح غريب الرافعي- كتاب من كتب فقه الشافعية، هذا المصباح نافع في بيان الألفاظ الغريبة في هذا الكتاب كتاب الرافعي، لكن ينبغي أن يستفيد الطالب من هذه الكتب مع الحذر لماذا؟ لأن هذا الكتاب في غريب كتاب فقه من كتب الشافعية (المطلع في حل ألفاظ المقنع) كتاب تفسير غريب كتاب من كتب الحنابلة (المغرب) للمطرزي في غريب كتب الحنفية (تهذيب الأسماء واللغات) يخدم كتب الشافعية وهكذا.

أقول: هذه الكتب مفيدة ونافعة، تفيد الذي يطالع بعض الكلمات التي لا يفهمها في كتب الفقه، لكن ينبغي أن يستفيد منها طالب العلم على حذر، لماذا؟ لأن المذاهب الفقهية أثرت في هذه الكتب، فتجده يشرح الكلمة من وجهة نظر المذهب الذي يخدمه، يعني إذا اختلف الحنابلة مع الشافعية في مسألة، استشهد لهذه المسألة بآية أو بحديث، ثم رجعنا إلى تفسير الحديث أو فهم الآية من خلال هذه الكتب، أو حتى اصطلاح لغوي، حقيقة لغوية، كالخمر مثلاً إذا أردنا أن نأخذ تعريف الخمر، لا شك أن المذاهب الفقهية مختلفة في حده، وهذه الكتب أو هذه المذاهب أثرت على هذه الكتب، فأنت تأخذ الغريب من هذا الكتاب المصباح من وجهة نظر الشافعية، فإذا اختلفوا في مسألة مع الحنابلة لا بد أن ترجع إلى كتاب من كتب الغريب عند الحنابلة وهكذا، فلا شك أن المذاهب سواءً كانت أصلية أو فرعية أثرت تأثير بالغ في تسيير الكتب حتى في تفسير كلام الله -عز وجل- وفي تفسير كلام رسوله -عليه الصلاة والسلام-، فإذا كان الشخص من المعتزلة مثلاً والآية قد يشم منها تأييد مذهب المعتزلة في حكم مرتكب الكبيرة من كونها من آيات الوعيد مثلاً، أو الحديث كذلك، هل نستفيد معنى الآية أو ذلك الحديث من هذا الكتاب الذي صنف من وجهة نظر المعتزلة؟ لا، لا شك أن المذاهب صار لها أثر في توجيه كلام الله -عز وجل- وتوجيه كلام رسوله -عليه الصلاة والسلام-، فلا نعتمد على معتزلي في تفسير كلام الله -عز وجل- في الجملة، لكن إن احتجنا له في بعض المسائل لكونه أجاد فيها وأبدع كاللغة مثلاً الزمخشري نستفيد منه من هذا الباب على حذر؛ لأن الاعتزال استخرجه العلماء منه بالمناقيش، يعني حاد الذهن، يلبس على القارئ ويمرر عليه مذهب المعتزلة وهو لا يشعر، ومثله إذا أردنا أن نستفيد من تفسير الرازي كذلك، فسر القرآن من وجهة نظر الأشعرية من جهة ومن وجهة نظر الجبرية من جهة أخرى وهكذا، وكذلكم كتب اللغة وغريب الحديث ينبغي أن ننتبه لهذا، إذا أردنا أن نأخذ اللغة نأخذها من أربابها المتقدمين، حتى كتب اللغة المتخصصة باللغة تأثرت بالمذاهب، ماذا نرجع إلى الكتب المتقدمة في اللغة، تهذيب اللغة للأزهري كتاب عظيم، والصحاح للجوهري على أوهام فيه كتاب جيد، وهكذا كلما تقدم الكتاب صار تنصله وبعده من التأثر بالمذاهب أقوى، المقصود أننا نستفيد من هذه الكتب، والمصباح هذا كتاب لطيف، مجلد واحد وفيه نفع، نافع مثل (المطلع على أبواب المقنع) و(تهذيب الأسماء واللغات) للنووي أيضاً كتاب نفيس، لكن ينبغي أن نعرف مذهب صاحب الكتاب، مذهب صاحب الكتاب، ونتعامل مع الكتاب على ضوء هذه المعرفة.

تعريف المشهور في الاصطلاح:

المشهور في الاصطلاح: ما رواه ثلاثة فأكثر في كل طبقة، ما لم يبلغ حد التواتر، هذا التعريف الذي ارتضاه الحافظ في النخبة، وابن الصلاح تبعاً لابن منده يرى أن مروي الثلاثة لا يسمى مشهور، وإنما يسمى عزيز كما سيأتي.

يسمي بعض العلماء هذا النوع المستفيض، ولذا قال الحافظ: "وهو المستفيض على رأي"، ومنهم من غاير بين المشهور والمستفيض، فجعل المستفيض ما كان عدد رواته في ابتدائه وانتهائه سواء، بحيث يتحد عدد الرواة في كل طبقة من طبقاته، والمشهور أعم من ذلك، ومنهم من عكس، المقصود أن الحديث المشهور ما يرويه ثلاثة فأكثر، كونه هو المستفيض هذا قيل به، ومنهم من غاير، الحنفية لهم رأي في المشهور، وأنه ليس بقسم من أقسام الآحاد، بل هو قسيم للمتواتر والآحاد، التقسيم الذي مشى عليه الحافظ وهو ما يراه الأكثر أن المشهور قسم من أقسام الآحاد، والحنفية يرون أن المشهور ليس بقسم من أقسام الآحاد، بل هو قسيم للآحاد، فيقسمون الأخبار إلى ثلاثة أقسام متواتر ومشهور وآحاد، فيجعلون المشهور قسم متوسط بين المتواتر والآحاد، يخصون المشهور بما فقد شرط التواتر في طبقة الصحابة فقط، فهو في أصله آحاد، لكنه انتشر بعد ذلك واشتهر.

وقال الجصاص أبو بكر الرازي من الحنفية: "أن المشهور أحد قسمي المتواتر" فجعله قسم من أقسام المتواتر.

أمثلة على المشهور:

مثلوا للمشهور بحديث: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء)) هذا الحديث مخرج في الصحيح، ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء)) تتمة الحديث: ((حتى إذا لم يبقِ عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا)) وما أكثر هذا النوع في هذا العصر الذين يفتون بغير علم! ما أكثرهم! والله المستعان، والسبب قبض العلماء، نعم يوجد علماء يوجد من أهل الورع من يتوقف في الفتوى ويقول: لا أدري، لكن كثير ممن ينتسب إلى العلم يفتي بغير علم، والله المستعان.

من أراد تقرير شهرة هذا الحديث فليرجع إلى فتح الباري في الجزء الأول صفحة مائة و خمسة وتسعين، هذا المشهور الذي تحدثنا عنه هو المشهور الاصطلاحي، وهناك مشهور غير اصطلاحي، ويقصد به ما اشتهر على الألسنة على ألسنة الناس من غير اعتبار أي شرط، فيشمل ما له سند واحد وما له أكثر من إسناد، وما لا إسناد له أصلاً، المقصود أن يكون مشهوراً على ألسنة الناس، يشتهر على ألسنة الناس أن هذا حديث، وقد لا يكون حديثاً: ((المعدة بيت الداء)) هذا مشهور على ألسنة الناس هذا حديث، وهو في الحقيقة ليس بحديث، النظافة من الإيمان بهذا اللفظ مشهور على ألسنة الناس لا سيما في أسبوع النظافة، نعم، على أنه حديث وهو ليس بحديث، الحافظ ابن حجر صحح حديث ((البذاذة من الإيمان)) نعم النظافة مطلوبة شرعاً، ولذا شرع الغسل الواجب والمستحب، شرع الوضوء، فالنظافة في الجملة مطلوبة، الطهارة مطلوبة، لكن لا يراد بها ما يريدون، وكون الكلام صحيح لا يعني أنه حديث، لا يعني أنه حديث، يعني هل يجوز لشخص أن يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: الواحد نصف الاثنين؟ الكلام صحيح لكن ليس كل كلام صحيح حديثاً.

والمشهور بقسميه الاصطلاحي وغير الاصطلاحي لا يوصف بكونه صحيحاً أو غير صحيح على الإطلاق، بل منه الصحيح ومنه الحسن ومنه الضعيف، لكن إذا صح المشهور الاصطلاحي كانت له ميزة ترجحه على قسيميه العزيز والغريب؛ لأنه كثرت طرقه أكثر من طرق العزيز، هذا على مذهب الجمهور، أما على رأي الحنفية فعند الجصاص مثل المتواتر لا يوجد فيه غير الصحيح، ومنهم من يرى أنه يوجب علم طمأنينة تستروح إليه النفس وتميل إليه، لا علم يقين، المقصود أن المشهور قسم من أقسام الآحاد، وفيه الصحيح والضعيف والحسن.

العزيز:

والقسم الثالث بعد المتواتر والمشهور العزيز.

تعريف العزيز في اللغة:

في اللغة مأخوذ من العزة، تقول: عز يعز من باب تعب يتعب فهو عزيز وجمعه أعزة، وتعزز تقوى، وعززته بآخر قويته، وعز ضعف، فيكون من الأضداد، الأضداد جاءت بعض الكلمات في لغة العرب يسموها الأضداد، تستعمل في اللفظ وضده، ومنه العزيز، العزيز، عز تعزز تقوى، وعز ضعف فهو من الأضداد، الدائم من الأضداد، يقال للساكن ويقال للمتحرك، غبر: تطلق على ما بقي وعلى ما مضى، المقصود أن هناك كلمات تطلق في المعنى وضده، وألفت في ذلك كتب الأضداد، عز الشيء يعز من باب ضرب يضرب لم يقدر عليه لقلته وندرته.

تعريف العزيز في الاصطلاح:

والعزيز في الاصطلاح اختار الحافظ -رحمه الله- أنه: ما رواه اثنين ولو في بعض طبقات السند، وابن الصلاح وتبعه النووي وابن كثير، والكل منهم تبعوا ابن منده، قالوا: بأن العزيز ما رواه اثنين أو ثلاثة.

سمي بذلك إما لقوته أو لندرته وقلته، هناك كتاب اسمه: (فتح الملهم شرح لصحيح مسلم) شرح لمتأخر شبير أحمد، شرح فيه فوائد كثيرة جداً، فيه نقول طيبة، صاحب هذا الكتاب تمنى أن لو سمى المحدثون ما رواه الثلاثة العزيز، وعرفنا أن ابن الصلاح تبعاً لابن منده يسمون ما رواه الثلاثة العزيز، والمشهور ما رواه فوق الثلاثة، تمنى أن لو سمى المحدثون ما رواه الثلاثة بالعزيز لقوله تعالى: {فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} [(14) سورة يــس] وما رواه اثنان بالمئزر، يقول: لو سمون أهل الحديث بالمئزر ما سموه عزيز لقوله تعالى: {وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي} [(29) سورة طـه] يقول: لأن الاصطلاح كلما قرب من الاستعمال القرآني كان أحسن وأليق، هذا رأيه، لكن بالنسبة للعزيز وما رواه الثلاثة قيل به، وأما بالنسبة للمئزر فلا يوجد في استعمالهم، لا يوجد حديث اسمه: المئزر، لكن هذه أمنية منه أن لو سمى أهل الحديث هذا ليقرب من الاصطلاح القرآني.

أمثلة على العزيز:

مثلوا للحديث العزيز بحديث: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده)) ادعى ابن حبان أن رواية اثنين عن اثنين لا توجد أصلاً، قال الحافظ ابن حجر: إن أراد أن رواية اثنين عن اثنين فقط عن اثنين فقط لا توجد أصلاً يعني يستوي جميع الإسناد من أوله إلى آخره برواية اثنين عن اثنين يمكن أن يسلم، يقول: "وأما صورة العزيز التي حررناها بأن لا يرويه أقل من اثنين عن أقل من اثنين فموجودة"، يعني كونه يوجد اثنين يروونه عن ثلاثة عن عشرة عن اثنين عن ثلاثة لا بأس، المقصود أنه لا يقل العدد عن اثنين، والزيادة مقبولة؛ لأن العدد الأقل يقضي على الأكثر على ما سيأتي في الغريب.

والعزيز كغيره من أقسام الآحاد لا يوصف بكونه صحيحاً أو غير صحيح، بل منه الصحيح والحسن والضعيف.

ثم قال المصنف: "وليس شرطاً للصحيح خلافاً لمن زعمه"، وليس شرطاً للصحيح خلافاً لمن زعمه، يعني أن العزة ليست بشرط لصحة الخبر، فكون الحديث عزيزاً بأن يروى عن اثنين وهو بمعنىً آخر تعدد الطرق ليست بشرط لصحة الخبر، بل قد يصح الخبر ولو كان مروياً من طريق واحد كالغريب على ما سيأتي، خلافاً لمن زعم ذلك، وإليه يومئ كلام الإمام الحاكم أبي عبد الله في المعرفة، يقول ناظم النخبة:

وليس شرطاً للصحيح فاعلمِ

 

وقيل: شرط وهو قول الحاكمِ

في نسخة أخرى.

وليس شرطاً للصحيح فاعلمِ

 

وقد رمي من قال بالتوهمِ

لأن الحاكم ليس بصريح، كلام الحاكم ليس بصريح في الاشتراط.

ابن العربي المالكي في شرح البخاري وفي عارضة الأحوذي في شرح حديث: ((هو الطهور ماؤه)) ادعى أن هذا هو شرط البخاري، وأن البخاري لا يخرج حديث يتفرد به واحد، وقال عن حديث البحر: "إنه لم يخرجه البخاري لأنه تفرد به أحد رواته وليس من شرطه".

الكرماني الشارح -شارح البخاري- في مواضع من شرحه يزعم أن تعدد الرواة شرط للبخاري في صحيحه، لكن هذه الدعوى مرفوضة وليست صحيحة، ويكفي في رد هذه الدعوى أول حديث في صحيح البخاري وآخر حديث في صحيح البخاري أول حديث في الصحيح حديث: ((إنما الأعمال بالنيات)) إنما يروى من طريق عمر -رضي الله عنه- فقط، لم يثبت إلا من طريق عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا من طريق عمر إلا عن علقمة بن وقاص الليثي فقط، تفرد بروايته عن عمر، ولا يرويه عن علقمة إلا محمد بن إبراهيم التيمي، تفرد بروايته عن علقمة، ولم يروه عنه سوى يحيى بن سعيد الأنصاري تفرد به، ثم انتشر بعد يحيى بن سعيد، حتى وصلت طرقه المئات عن يحيى بن سعيد.

آخر حديث في الكتاب: ((كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)) هذا أيضاً مثل أول حديث التفرد وقع في أربع من طبقات إسناده تفرد به أبو هريرة وعنه أبو زرعة بن عمرو بن جرير البجلي، وعنه عمارة بن القعقاع، وعنه محمد بن فضيل، وعن محمد بن فضيل انتشر، مثل حديث: الأعمال بالنيات سواء.

الغريب:

والرابع من تقسيم الحافظ: الغريب.

تعريف الغريب في اللغة:

في اللغة مأخوذ من الغرابة تقول: غرب الشخص عن وطنه أي بعد، وجمعه غرباء، ويجمع المحدثون الغريب على غرائب، وللدار قطني كتاب في غرائب مالك.

تعريف الغريب في الاصطلاح:

الغريب في الاصطلاح: ما رواه واحد منفرد بروايته في أي موضع من السند، يقول الحافظ: الغريب والفرد مترادفان لغة واصطلاحاً إلا أن أهل الاصطلاح غايروا بينهما من حيث كثيرة الاستعمال وقلته، فالفرد أكثر ما يطلقونه على الفرد المطلق، والغريب أكثر ما يطلقونه على الفرد النسبي، هذا من حيث إطلاق الاسمية عليهما، أما من حيث استعمالهم الفعل المشتق فلا يفرقون بين الغريب والفرد، فيقولون في المطلق والنسبي: تفرد به فلان، وأغرب به فلان، لكن الحافظ نوزع في دعواه الترادف اللغوي، نوزع، يقول: هما مترادفان لغة واصطلاحاً، لكنه نوزع في ذلك يقول ابن فارس في المجمل: غرب بعد، والغربة الاغتراب عن الوطن، والفرد الوتر والمنفرد، فعلى هذا الفرد غير الغريب في اللغة.

وأما من حيث الفرق بينهما من حيث الاصطلاح ذكره الحافظ -رحمه الله-، أقسام الغريب تأتي -إن شاء الله تعالى-.

مثال الغريب:

ومثاله: حديث عبد الله بن زيد في صفة وضوء النبي -صلى الله عليه وسلم- ومسح رأسه بماء غير فضل يديه، رواه مسلم، قال الحاكم: هذه سنة غريبة تفرد بها أهل مصر ولم يشاركه فيها أحد، ومثال الفرد حديث: ((إنما الأعمال بالنيات)).

حكم الغريب:

والغريب كسابقه لا يحكم له بحكم عام مطرد، بل قد يكون صحيحاً وقد يكون حسناً وقد يكون ضعيفاً، لكن الغالب في الفرائد الضعف؛ لأن تفرد الراوي بالحديث مظنة الخطأ والوهم، ولذا حذر العلماء من الغرائب ونهوا عن الاستكثار منها.

الآحاد:

يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "وكلها سوى الأول آحاد"، يعني الأقسام الثلاثة المشهور والعزيز والغريب آحاد، "سوى الأول" يعني المتواتر.

الآحاد لغة:

والآحاد في اللغة: جمع أحد، الآحاد في اللغة جمع أحد، بمعنى الواحد قاله في القاموس، وفي العباب سئل أبو العباس ثعلب: هل الآحاد جمع أحد؟ فقال: معاذ الله ليس للأحد جمع، فقال: معاذ الله ليس للأحد جمع، ولكن إن جعلته جمع الواحد فهو محتمل كشاهد وأشهاد.

قلنا لغة: جمع أحد بمعنى الواحد كما في القاموس، وهنا أبو العباس ثعلب وهو من ثقات اللغويين يقول: "معاذ الله ليس للأحد جمع، ولكن إن جعلته جمع واحد فهو محتمل كشاهد وأشهاد".

هل هذا الكلام متعارض؟ نعم؟ ثعلب حينما نفى أن يكون للأحد جمع نظر إلى أن الأحد من أسماء الله -سبحانه وتعالى-، وهو واحد أحد فرد صمد لا يشركه في هذا الاسم أحد، حينئذٍ إذا جمعنا أحد على آحاد كأننا جمعنا الرحمن وهو من أسماء الله -عز وجل-، لكن كم في الشهر من أحد؟ أربعة إيش؟ آحاد، هو نظر إلى أن أحد اسم من أسماء الله -عز وجل-، فقال: لا يجمع، "معاذ الله ليس للأحد جمع"، لكن إذا نظرنا إلى أن الأحد يطلق على غير الله -سبحانه وتعالى- نجمع، كما نجمع كريم، وهو من أسماء الله على كرماء، وعليم على علماء وهكذا.

الآحاد في الاصطلاح:

الآحاد في الاصطلاح ما اختل فيه شرط من شروط التواتر، أو ما لم يجمع شروط المتواتر، يقول إمام الحرمين: "ولا يراد بخبر الواحد الخبر الذي ينقله الواحد، ولكن كل خبر عن جائز ممكن لا سبيل إلى القطع بصدقه، ولا إلى القطع بكذبه، لا اضطراراً ولا استدلالاً فهو خبر الواحد"، وخبر الواحد والآحاد سواءٌ نقله واحد أو جماعة منحصرون، يعني ما لم يبلغ إلى حد التواتر فهو آحاد، سواء رواه واحد أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة ما لم يبلغ حد التواتر.

سم.

المقبول والمردود:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-:

"وفيها المقبول والمردود لتوقف الاستدلال بها على البحث عن أحوال رواتها دون الأول، وقد يقع فيها ما يفيد العلم النظري بالقرائن على المختار".

يكفي، يكفي، يقول الحافظ -رحمة الله عليه-: "وفيها المقبول" يعني في أخبار الآحاد المقبول، لكونه صحيحاً أو حسناً، وفيها ما يكون مردوداً لضعفه تبعاً لأسانيدها ونتيجة البحث عن رواتها، دون القسم الأول وهو المتواتر، القسم الأول كله مقبول ليس فيه مردود، بل مقطوع بصدقه وصحته، أما الآحاد فيها المقبول وفيها المردود، فيها الصحيح، فيها الحسن، فيها الضعيف، على ما تقدم.

ثم قال: "وقد يقع فيها ما يفيد العلم النظري بالقرائن على المختار"، عندنا أمور، عندنا العلم والظن والشك والوهم، العلم والظن والشك والوهم، الذي لا يحتمل النقيض بوجه لا يحتمل النقيض بل مقطوع بصحته وهو الذي نسبة الصدق فيه ومطابقة الواقع مائة بالمائة، هذا يقال له: علم، إذا نزلت هذه النسبة ولو واحد تسعة وتسعين فما دون هذا يقال له: الظن، وهو الاحتمال الراجح، إذا استوى الطرفان صارت النسبة خمسين بالمائة صار شكاً، إذا نزل عن خمسين بالمائة يقابل الظن الوهم، الوهم.

يقول: "قد يقع فيها ما يفيد العلم النظري بالقرائن"، عرفنا أن المتواتر يفيد العلم الضروري، يفيد العلم الضروري في أخبار الآحاد ما يفيد العلم النظري، فيها ما يفيد العلم النظري، بالقرائن أيضاً، فيعني أن أخبار الآحاد قد يقع فيها ما يفيد العلم النظري، وعرفنا أن العلم النظري: ما يحتاج إلى نظر واستدلال، هذا أشرنا إليه سابقاً، أهل العلم مختلفون فيما يفيده الخبر الواحد، هل يفيد العلم مطلقاً أو يفيد الظن مطلقاً أو يفيد العلم بالقرائن؟ إن احتفت به قرينة أفاد العلم وإلا أفاد الظن؟ نقول: هذه المسألة لا بد من استيعابها؛ لأنه كثر الكلام حولها، النووي -رحمه الله تعالى- عزا للمحققين والأكثرين أن خبر الواحد لا يفيد إلا الظن، إيش معنى لا يفيد إلا الظن؟ يعني أن النسبة أقل من مائة بالمائة، تسعة وتسعين فما دون، لماذا؟ لأن الرواة مهما بلغوا من الحفظ والضبط والإتقان إلا أنهم ليسوا بمعصومين من الخطأ، ولوجود هذا الاحتمال نزلت النسبة من مائة بالمائة إلى تسعة وتسعين فما دون، وكل بحسبه، كل بحسبه، كل شخص تعطيه من النسبة ما يليق به، فإذا أعطيت الإمام مالك نجم السنن تسعة وتسعين أو ثمانية وتسعين بالمائة من الإصابة لا تستطيع أن تعطيه مائة بالمائة؛ لأنه ليس بمعصوم، صح إلا لا؟ نعم، إذاً تعطيه غلبة ظن تسعة وتسعين ثمانية وتسعين، حصل أوهام للإمام مالك وهو نجم السنن، وغيره وغيره حصل أخطاء، هذه تجعل الإنسان ينزل النسبة عن مائة بالمائة، فإذا نزلت النسبة مائة بالمائة انتقل ما يفيده هذا الخبر من العلم إلى الظن، وعرفنا أن الظن يطلق ويراد به اليقين والاعتقاد الجازم، ويطلق ويراد به غلبة الظن، والمراد به هنا غلبة الظن لا اليقين الجازم، ولا الوهم الذي لا يغني من الحق شيئاً، إنما يطلق ويراد به الغلبة، فأنت حينما يبلغك خبر يقول لك شخص: جاء زيد فنسبة تصديقك بهذا الخبر تتبع ثقة هذا الرجل المخبر عندك، فإن كنت ممن يثق بهذا الرجل وهو صدوق عندك ما جربت عليه كذب تقول: الخبر صحيح؛ لأن الناقل ثقة، ولا يعني هذا أنه مطابق للواقع مائة بالمائة لاحتمال أن يكون أخطأ، رأى شخص فظنه زيد وهو ليس بزيد، ظاهر وإلا مو بظاهر؟ إذاً نزلت النسبة عن مائة بالمائة، قال لك شخص: جاء عمرو وهذا الشخص يصدق غالباً وجربت عليه كثرة الخطأ يخطئ هل يورثك خبره غلبة ظن؟ أو تقول: شك؟ احتمال جاء؛ لأن هذا الرجل ما هو بكاذب -إن شاء الله-، واحتمال أنه ما جاء احتمال من ضمن أخطائه التي يخطئ يصير منها هذا، نعم، يمكن، فمثل هذا يورث الشك، جاء عمرو أو ما جاء الله أعلم؛ لأن هذا جربت عليه الخطأ بكثرة فيورث عندك الشك، فإذا كان خطأه عندك أكثر من صوابه خبره يكون وهماً بمعنى أنه احتمال مرجوح، ولا يعني أنه هذا كذب مائة بالمائة، لا؛ لأن هذا الشخص كثير الخطأ قد يضبط، وهذا الشخص وإن كان كذوباً قد يصدق، الاحتمال قائم، مثلما قلنا في الطرف الأول احتمال الخطأ وراد، وهنا احتمال الصدق ومطابقة الواقع وارد، فالأخبار لا شك أنها متفاوتة تبعاً لأحوال المخبرين، فمن المخبرين ما يفيد خبرهم غلبة الظن، ومنهم ما يورث الشك، ومنهم ما خبره أو ما يسمى بالوهم عند أهل العلم، وهو الاحتمال المرجوح.

نعود إلى خبر الواحد خبر الواحد سواء رواه واحد أو اثنين أو ثلاثة أو عدد محصور، نسب النووي إلى المحققين والأكثرين أنه لا يفيد إلا الظن، وحجة هؤلاء أن الراوي وإن كان ثقة حافظاً ضابطاً إلا أنه غير معصوم من الخطأ والسهو، وإذا وجد هذا الاحتمال فإن النفس لا تجزم بصحة الخبر، يعني يغلب على الظن أن الخبر صحيح، هناك قول ثاني في المسألة وهو قول حسين الكرابيسي وداود الظاهري، وحارث المحاسبي، قال هؤلاء: إن خبر الواحد إذا صح يوجب العلم، وهو مروي عن الإمام أحمد، يعني هل هذا القول يختلف عن سابقه؟ يختلف، أولئك يقولون: يفيد الظن، وهؤلاء يقولون: يفيد العلم، هؤلاء نظروا إلى الظن من زاوية وهي أن الظن لا يغني من الحق شيئاً، نعم الظن لا يفيد، وهذا من معانيه، وإذا كان الظن لا يفيد كيف نعمل بخبر يفيد الظن وهو لا يغني من الحق شيئاً؟ كيف نعمل بخبر لا يغني من الحق شيئاً؟

أولاً: أصحاب القول الأول والثاني والثالث كلهم يتفقون على أن العمل بخبر الواحد واجب، يجب العمل بخبر الواحد، أصحاب القول الأول يقولون: وإن كان لا يفيد إلا الظن إلا أنه يجب العمل به في جميع أبواب الدين، في العقائد، في العبادات، في المعاملات، في الأنكحة، في الجنايات، في جميع أبواب الدين، يجب العمل به خبر الواحد وإن كان لا يفيد إلا الظن، أصحاب القول الثاني يقولون: كيف نعمل بحديث: لا يغني من الحق شيئاً ونقول: إنه يفيد الظن؟ إذاً خبر الواحد إذا صح يفيد العلم، ويجب العمل به، أولئك يقولون: يفيد الظن ويجب العمل به، أقول: لعله مما يحتج به لهؤلاء وجوب العمل به والعمل ملازم للعلم.

القول الثالث: أنه يوجب العلم ويقطع به إذا احتفت به قرائن، هذا الذي أشار إليه الحافظ بقوله: "وقد يقع فيها ما يفيد العلم النظري بالقرائن"، يوجب العلم ويقطع به إذا احتفت به قرائن، كيف؟ هذا فرع من القول الأول، هو في أصله لا يفيد إلا الظن، وعرفنا أنه يفيد الظن لأن النسبة ما بلغت مائة بالمائة، وصلت تسعين خمسة وتسعين تسعة وتسعين بالمائة، ثم جاءت هذه القرينة التي احتفت بهذا الخبر فصارت في مقابل ما نزل من نسبة المائة بالمائة، أما إذا قلنا: خبر مالك نعم تسعة وتسعين أو ثمان وتسعين الاحتمال واحد بالمائة، هذه القرينة تقاوم هذا الواحد بالمائة، فخبر مالك الآن أفادنا مائة بالمائة؛ لأنه احتفت به قرينة، ومثله غيره من الثقات، إذا احتفت بأخبارهم قرائن أفادت العلم.

من القرائن: كون الحديث مشهور بحيث تكون له طرق متباينة، سالم من ضعف الرواة والعلل كون الحديث مسلسل بالأئمة الحفاظ المتقنين، وذلك بأن يكون رجال إسناده الأئمة كالحديث الذي يرويه الإمام أحمد عن الشافعي عن مالك مثل هذا إذا تتابع مثل هؤلاء الأئمة على روايته، هل يكون هناك مجال لاحتمال الخطأ؟ لا احتمال لمجال الخطأ، لماذا؟ لأنه لو أخطأ مالك ما وافقه الشافعي على روايته، ولو أخطأ الشافعي ما وافقه أحمد على روايته، إذاً هذه قرينة تجعلنا نجزم بثبوت الخبر، ولا يوجد احتمال النقيض عندنا.

من القرائن: أن يكون الحديث مما خرجه الشيخين في صحيحيهما لجلالتهما وتقدمهما في تمييز الصحيح على غيرهما ولتلقي الأمة بالقبول لكتابيهما، هذه قرينة كون الحديث مخرج في الصحيحين أو في أحدهما، الصحيحان كتابان هما أصح الكتب بعد القرآن، الأمة تلقت هذين الكتابين بالقبول، حتى قال بعضهم: لو حلف أحد بالطلاق أن جميع ما في الصحيحين صحيح ما حنث، نعم، إذا اتفق الشيخان على تخريج الحديث فلا مجال لأحد في الكلام فيه والطعن فيه، إذا أخرج البخاري حديث كذلك مسلم حديث لا مجال لأحد، وقد استثنى أهل العلم أحاديث يسيرة تكلم عليها بعض الحفاظ، حصل فيها بعض الكلام لأهل العلم سواءً كانت في متونها أو في أسانيدها، المقصود أن مثل هذه الأحاديث وعددها يسير لا مانع أن تخرج من كونها مفيدة للقطع مع أن الغالب أن الإصابة مع البخاري ومسلم في هذه الأحاديث، لكن الأحاديث التي لم يتكلم عليها أحد مقطوع بصحتها، وتخريج الشيخين قرينة على ثبوت الخبر.

طيب، الآن ما الراجح من هذه الأقوال؟ هل نستطيع أن نقول: إن خبر الواحد مطلقاً يفيد العلم؟ يعني كل من أخبرك بخبر وهو ثقة عندك تجزم بأن خبره صحيح، تبرأه من الخطأ؟ لا، إذاً لا بد أن تنزل هذه النسبة وهو الظن، فأرجح الأقوال ما اختاره ابن حجر من أن خبر الواحد إذا احتفت به قرينة أفاد العلم وإلا فلا، يعني خبر الواحد في أصله يفيد الظن لكن إذا احتفت به قرينة أفاد العلم، وهذا القول رجحه ابن القيم، وأطال في تقريره في الصواعق المرسلة وممن صرح بهذا القول الغزالي في المنخول، والرازي في المحصول، والآمدي وابن الحاجب، ونقله السفاريني في لوامع الأنوار عن الموفق وابن حمدان والطوفي، وقال المرداوي في شرح التحرير: "وهذا أظهر وأصح"، سبب ترجيح هذا القول: أن القرينة التي احتفت بالخبر تكون في مقابل الاحتمال الذي أبداه أصحاب القول الأول، نعم.

أقسام الغريب:

"ثم الغرابة: إما أن تكون في أصل السند، أو لا: فالأول: الفرد المطلق، والثاني: الفرد النسبي، ويقل إطلاق الفردية عليه.

يقول المصنف -رحمه الله تعالى-: "ثم الغرابة" التي تقدم تعريفها وهي: انفراد الراوي برواية الخبر ولو في بعض طبقات السند، إما أن تكون في أصله، في أصل السند، الطرف الذي فيه الصحابي "أو لا" يعني في أثنائه، "فالأول: الفرد المطلق، والثاني: الفرد النسبي ويقل إطلاق الفردية عليه" حاصل كلام الحافظ -رحمه الله- أن الغريب ينقسم إلى قسمين الفرد المطلق وهو ما كانت الغرابة في أصل سنده، يعني طرفه الذي فيه الصحابي، ومثاله حديث: الأعمال بالنيات على ما تقدم، لم يروه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا عمر،

الثاني: الفرد النسبي وهو ما كانت الغرابة في أثناء سنده، في أثناء سنده، يعني يرويه عن الصحابي أكثر من واحد ثم يتفرد بروايته عن واحد منهم شخص واحد، الآن تفرد الصحابي هل يضر أو لا يضر؟ لا يضر؛ لأن الصحابة كلهم ثقات، كلهم ثقات عدول، لكن العبرة بتفرد من دونهم، هذا هو المؤثر؛ لأن من دونهم فيهم الثقات وغير الثقات، فالفرد المطلق هو الذي تفرده في أصل السند، وكلام أهل العلم أحياناً يجملون فيدخلون التفرد حتى في الصحابي، وأحياناً يستثنون طبقة الصحابة، وأن الواحد من الصحابة بالنسبة لمن دونهم في حكم الجمع، وهنا قال الحافظ -رحمه الله تعالى- في تقرير النسبية: "كأن يرويه عن الصحابي أكثر من واحد ثم يتفرد بروايته عن واحد منهم شخص واحد" فأخرج طبقة الصحابة، مثلوا لذلك بحديث أنس: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل مكة وعلى رأسه المغفر، تفرد به مالك عن الزهري.

ويدخل في النسبي ما يقع فيه التفرد بالنسبة إلى جهة خاصة أياً كانت تلك الجهة كأن يتفرد به ثقة عن ثقة وإن رواه جمع لكنهم غير ثقات، أو يتفرد به أهل بلد أو قطر أو قبيلة بحيث لا يرويه غيرهم، هذا أيضاً من الفرد النسبي، وإن رواه مجموعة من أهل ذلك البلد أو أهل القطر أو تلك القبيلة، أو يتفرد به راوٍ عن غيره ثقة كان أو غير ثقة، يتفرد به عن شعبة فلان، يتفرد به غندر عن شعبة محمد بن جعفر، وإن رواه جمع عن غير شعبة هذا تفرد نسبي بأن لا يرويه عن هذا الشيخ غيره، وإن كان مروياً من وجوه أخرى عن غيره، نعم.

الصحيح:

أحسن الله إليك: "وخبر الآحاد بنقل عدل تام الضبط، متصل السند، غير معلل ولا شاذ هو الصحيح لذاته".

يقول المصنف -رحمه الله تعالى-: "وخبر الآحاد بنقل عدل تام الضبط، متصل السند، غير معلل ولا شاذ هو الصحيح لذاته".

هذا هو الصحيح لذاته ما توافرت فيه هذه الشروط، لما انتهى المؤلف -رحمه الله تعالى- من تقسيم الخبر إلى متواتر وآحاد، ثم قسم خبر الآحاد إلى الثلاثة بالنسبة إلى تعدد طرقه شرع في تقسيم أخبار الآحاد من جهة أخرى، وهي من حيث الثبوت وعدمه، من حيث الثبوت وعدمه، من حيث القوة والضعف من حيث القبول والرد، فقسمه إلى ثلاثة أقسام على سبيل الإجمال، وهي خمسة على سبيل البسط:

أولها: الصحيح لذاته، والحسن لذاته، والضعيف هذا إجمالاً، ثم الصحيح والحسن والضعيف، ثم على سبيل التفصيل: الصحيح لذاته، الصحيح لغيره، الحسن لذاته، الحسن لغيره، الضعيف.

وأهل هذا الشأن قسموا السنن

 

 إلى صحيح وضعيف وحسن

الصحيح عرفه الحافظ: بخبر ما ينقله عدل تام الضبط متصل السند غير معلل ولا شاذ هو الصحيح لذاته.

فالأول المتصل الإسنادِ
عن مثله من غير ما شذوذِ

 

بنقل عدل ضابط الفؤادِ
وعلة قادحة فتوذي

المقبول والصحيح والحسن وإن شئت فقل الصحيح لذاته والصحيح لغيره والحسن لذاته والحسن لغيره، والمردود هو الضعيف بأقسامه، وهو أقسام كثيرة جداً، يأتي ذكر ما تيسر منها -إن شاء الله تعالى-.

الأول من هذه الأنواع هو الصحيح لذاته: وحاصله: أنه ما اشتمل على خمسة شروط: عدالة الرواة، تمام الضبط، اتصال السند، انتفاء العلة، انتفاء الشذوذ، إذا اجتمعت هذه الشروط الخمسة: عدالة الرواة، تمام الضبط، اتصال السند، انتفاء الشذوذ، انتفاء العلة القادحة.

إذا توافرت هذه الشروط الخمسة صار الخبر صحيحاً لذاته، فالعدالة مصدر عدل عدالة، والعدل من له ملكة تحمله على ملازمة التقوى والمروءة، والملكة هي: الصفة الراسخة الثابتة، والتقوى: فعل المأمورات واجتناب المنهيات، والمروءة قال أهل العلم: إنها آداب نفسانية تحمل مراعاتها على التحلي بمحاسن الأخلاق وجميل العادات.

والضابط: الحافظ، اليقض، غير المغفل والشاك والساهي، وهذا مطلوب في حالتي التحمل والأداء، يعني إذا تحمل الحديث عن غيره المطلوب أن يكون ضابطاً، لكن العدالة إنما تطلب للأداء، ولا تتطلب للتحمل، بمعنى أن الصغير غير المكلف يصح تحمله، محمود بن الربيع عقل المجة ورواها للناس وسنه خمس سنوات، وروى عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أحاديث، هل يوصف الصغير بأنه عدل؟ لا، بل من شرط صحة الرواية عند الأداء أن يكون بالغاً مكلفاً، تحمل الكافر، تحمل الفاسق صحيح، لكن لا يؤخذ عنه هذا الخبر إلا إذا ارتفع عنه الوصف الكفر والفسق، جبير بن مطعم سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ في الفجر بسورة الطور قبل أن يسلم فأدى هذه السنة، وقبلها أهل العلم وخرجت في الصحيح؛ لأنهم لا يشترطون في حال التحمل شرط، لكن إذا أراد أن يؤدي قيل: قف، هل هو ثقة أو ليس بثقة؟ فعدالة الرواة إنما تطلب في حال الأداء، الضبط يطلب في حال الأداء والتحمل لكن الذي لا يتحمل وهو ضابط لن يؤدي وهو ضابط، لكن قد يروي وهو غير ثقة ثم يؤدي وهو ثقة هذا متصور، لكن هل يتصور أن شخصاً يتحمل وهو غير ضابط ثم يؤدي وهو ضابط؟ نعم، لا، ولذا اشترطوا في الضبط أن يكون في حالتي التحمل والأداء.

والضبط نوعان: ضبط صدر وهو الذي يثبت فيه في صدره بحيث يتمكن من استحضاره متى شاء، وضبط كتاب وهو صون الكتاب عن تطرق الخلل إليه من حين سمع فيه إلى أن يؤدي منه، بحيث لا يخرجه من يده ولا يعيره إلى أحد إلا إذا كان ثقة، لا يعير الكتاب إلى شخص يزيد فيه وينقص ويحرف ويطمس، لا.

واتصال السند بأن يكون كل راوٍ من رواته قد تحمله ممن فوقه بطريق معتبر من طرق التحمل كالسماع والعرض والمناولة والمكاتبة وغيرها على ما سيأتي الإشارة إليه -إن شاء الله تعالى-.

والعلة: سبب خفي غامض يقدح في صحة الحديث الذي في ظاهره السلامة منها، ويأتي الكلام عن الحديث المعل -إن شاء الله تعالى-.

الشاذ:

والشاذ: هو ما خالف فيه الثقة من هو أثق منه، ويأتي الحديث عن الشاذ في موضعه -إن شاء الله تعالى-.

وقوله: الصحيح لذاته يخرج الصحيح لا لذاته بل لغيره، هناك الصحيح لكنه لا لذاته، وإنما هو صحيح لغيره، هو الحسن لذاته إذا تعددت طرقه، إذا وجد أكثر من حديث حسن لذاته بأن تعددت الطرق يرتقي إلى الصحيح لغيره.

والحسن المشهور بالعدالة
طرق أخرى نحوها من الطرق

 

والصدق راويه إذا أتى له
صححته كمتن (لولا أن أشق)

المقصود أن الحسن إذا تعددت طرقه صار صحيحاً لا لذاته بل صحيح لغيره.

نعم.

أحسن الله إليك:

"وتتفاوت رتبه بتفاوت هذه الأوصاف، ومن ثم قدم صحيح البخاري، ثم مسلم، ثم شرطهما".

يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "تتفاوت رتبه –رتب الصحيح- بتفاوت هذه الأوصاف" تتفاوت رتب الحديث الصحيح بتفاوت هذه الأوصاف، عندنا الأوصاف: العدالة، والضبط، اتصال السند، انتفاء الشذوذ، انتفاء العلة، إذا اكتملت هذه الشروط حكمنا على الحديث بأنه صحيح، وجدت هذه الشروط في خمسة أحاديث مثلاً عندنا حكمنا على الأحاديث الخمسة بالصحة هل يعني هذا أن كل حديث من هذه الأحاديث بمنزلة الآخر مائة بالمائة مطابقة تامة؟ هل نقول: إذا حكمنا على الأول بنسبة خمسة وتسعين بالمائة صحيح وعلى الثاني لا بد أن يكون خمسة وتسعين بالمائة لأنهم كلهم ثقات عدول مرضيون؟ لا، عندك زيد وعمرو كلاهما ثقات لكن هل معنى هذا أن الدرجة واحدة في الثقة؟ لا، ولذا قال: "تتفاوت رتبه بتفاوت هذه الأوصاف"، يعني أن درجات الحديث الصحيح تتفاوت بالقوة بحسب تمكن الحديث من الصفات المذكورة التي تنبني الصحة عليها، قال ابن الصلاح: "وتنقسم باعتبار ذلك إلى أقسام يستعصي إحصاؤها على العد الحاصر"، لماذا؟ لأن الرواة ما خرجوا من مصنع على هيئة واحدة، يعني السيارات تجيك يعني أول دفعة من الموديل ألف سيارة هل تقول: إن هذه أفضل من هذه إذا كان من كل وجه متطابقة من حيث اللون وغيره، وخرجت لمصنع واحد واحدة، نعم يصنع المصنع من هذه القارورة مليون مثلاً هل تقول: هذه أفضل من تلك؟ لكن كم بين مخلوقات الله من التفاوت! هل يمكن أن تجد شخصين متطابقين من كل وجه؟ لا يمكن، لا يمكن أن تجد اثنين متطابقين من جل وجه، لا يمكن، ولذا قد يضبط هذا الحديث واختل ضبطه أو ينزل ضبطه قليلاً في ذاك الحديث، والثاني العكس، فلذا تفاوتت رتب الصحيح تفاوتاً كبيراً، بحيث زادت أقسامه واستعصت على العاد الحاصر.

يقول ابن حجر في النزهة: "لما كانت هذه الأوصاف" يعني الشروط مفيدة لغلبة الظن الذي عليه مدار الصحة "اقتضت أن يكون لها درجات بعضها فوق بعض بحسب الأمور المقوية، وإذا كان كذلك فما يكون رواته في الدرجة العليا من العدالة والضبط وسائر الصفات التي توجب الترجيح كان أصح مما ودنه".

يقول: فمن المرتبة العليا ما أطلق عليه الأئمة أنه أصح الأسانيد، كالزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه، يعني ومالك عن نافع عن ابن عمر، والمعتمد عند أهل العلم ألا يطلق على سند بأنه أصح مطلقاً من غيره، يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:

...................................

إمساكنا عن حكمنا على سند
خاض به قوم فقيل مالك
وجزم ابن حنبل بالزهري

 

............................والمعتمد
 بأنه أصح مطلقاً وقد
عن نافع بما رواه الناسك
عن سالم أي عن أبيه البري

اختار بعض أهل العلم أن هناك أسانيد هي أصح من غيرها مطلقاً، لكن المعتمد عند أهل العلم أنه لا يوصف سند بأنه أصح من غيره مطلقاً، يقول: "كالزهري عن سالم عن أبيه، ودونها حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس، ودونها سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة، فإن الجميع يشملهم اسم العدالة والضبط إلا أن للمرتبة الأولى من الصفات المرجحة ما يقتضي تقديم روايتهم على التي تليها، وفي التي تليها من قوة الضبط ما يقتضي تقديمها على الثالثة"، الزهري عن سالم عن أبيه هذا شرط الشيخين، وهو أصح الأسانيد عند الإمام أحمد، حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس شرط مسلم فيكون أقل من سابقه، سهيل بن أبي صالح عرف بشيء من سوء الحفظ وهو أقل من التي قبلها.

الثالثة: سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مقدمة على رواية من يعد ما ينفرد به حسناً كمحمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر عن جابر وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

قال الحافظ: "ومن ثم قدم صحيح البخاري ثم مسلم ثم شرطهما"، قدم صحيح البخاري ثم صحيح مسلم ثم ما حوى شرط البخاري ومسلم، ثم ما حوى شرط البخاري فقط، ثم ما حوى شرط مسلم فقط، ثم ما صح عند غيرهما مما ليس على شرطيهما.

وأول من صنف في الصحيح المجرد الإمام محمد بن إسماعيل البخاري -رحمه الله تعالى-، ثم تلاه تلميذه وخريجه الإمام مسلم بن الحجاج، وأما قول الإمام الشافعي: "ما على ظهر الأرض كتاب في العلم بعد كتاب الله أصح من كتاب مالك" فقد كان قبل وجود الصحيحين، قبل وجود الصحيحين لا يوجد أصح من الموطأ، ثم لما وجد الصحيحان -صحيح البخاري وصحيح مسلم- قدما على موطأ الإمام مالك وعلى غيره من الكتب، إذا عرفنا هذا فالصحيحان –أعني صحيح البخاري وصحيح مسلم- أصح الكتب بعد كتاب الله -عز وجل- إجماعاً، وجمهور أهل العلم على أن صحيح البخاري أصح من صحيح مسلم وأكثر فوائد لإمامة البخاري وتقدمه في الفن ومزيد استقصائه وتحريه، ومسلم تلميذه وخريجه حتى قال الدارقطني: "لولا البخاري ما راح مسلم ولا جاء" وهذا التفصيل من حيث الإجمال، من حيث الإجمال صحيح البخاري أصح من صحيح مسلم لإمامة البخاري، هذا من حيث الإجمال؛ لأن الغالب أنه إذا كان المؤلف أعلم كان المؤلَف أجود إجمالاً، أما من حيث التفصيل فالإسناد الصحيح مداره على الاتصال وعدالة الرواة وصحيح البخاري أعدل رواة وأشد اتصالاً كما قرره أهل العلم، وبيان ذلك أن الرواة الذين انفرد الإمام البخاري بالإخراج لهم دون مسلم ممن تكلم فيه بالضعف ثمانون راوياً فقط، بينما المتكلم فيه بالضعف مما تفرد به الإمام مسلم مائة وستون راوياً على الضعف، ولا يعني هذا أنه إذا وجد راوي تكلم فيه ممن خرج له في الصحيح، سواءً كان صحيح البخاري أو صحيح مسلم أن الكلام مقبول، ما يلزم، لا يلزم أن يكون الكلام مقبولاً؛ لأن رواة الصحيحين قد جازوا القنطرة كما قرر أهل العلم، لكن الراوي الذي لم يجرح أصلاً لا شك أنه أولى من الراوي الذي تكلم فيه ولو بغير حق.

أيضاً: الذين انفرد البخاري ممن تكلم فيه لم يكثر من التخريج لهم بخلاف مسلم، والذي تكلم فيهم عند البخاري غالبهم من شيوخه الذين لقيهم وعرفهم وخبر أحاديثهم بخلاف من تكلم فيه من رواة مسلم فكثير منهم ممن تقدم عصره على عصر الإمام مسلم، ولا شك أن المرء أعرف بحديث شيوخه من حديث غيرهم، وأيضاً أكثر هؤلاء الذين تكلم فيهم عند البخاري إنما يخرج الإمام البخاري أحاديثهم في الشواهد لا في الأصول، وبعض من تكلم فيه في صحيح مسلم خرج له في الأصول، وإن كان الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- لا يستوعب أحاديث هؤلاء الذين وقع الكلام فيهم وإنما ينتق من أحاديثهم ما يجزم بأنهم ضبطوه وأتقنوه مما وفِقُوا عليه، هذا من حيث عدالة الرواة.

أما ما يتعلق باتصال الإسناد فإن الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- كان مذهبه بل نقل عليه الإجماع في مقدمة صحيحه أن الإسناد المعنعن له حكم الاتصال إذا تعاصر المعنعِن ومن روى عنه بالعنعنة وأمكن اجتماعهما، والبخاري لا يحمله على الاتصال حتى يثبت الاجتماع ولو مرة، وهذا هو المعروف عند أهل العلم، وهذا الذي قرروه أن البخاري لا يحكم بالاتصال بمجرد المعاصرة حتى يثبت اللقاء، هذا الذي تتابع عليه أهل العلم، وبعض المعاصرين كتب في المسألة وذهب إلى أن مذهب البخاري هو مذهب مسلم ولا خلاف بينهما.

وعلى كل حال الإمام مسلم رد على من يرى اشتراط اللقاء، وشدد عليه ووصفه بالابتداع، ووصف القول بأنه مخترع، ويقول القائل: لا يمكن أن يصف مسلم الإمام البخاري بهذا القول، حتى لو قيل: إن المراد علي بن المديني وقلنا: إن البخاري يرى هذا القول ومسلم يعرف مذهب شيخه، لا يمكن أن يصف البخاري بهذا القول الشديد، والعلماء قاطبة تتابعوا على هذا، على أن رأي البخاري لا بد من ثبوت اللقاء، إذاً كيف يشنع مسلم ويشدد على من يرى ثبوت اللقاء، ويصف القول بأنه قول مخترع مبتدع، وأنه وجد أحاديث بالعنعنة لا تروى إلا معنعنة ولم يثبت لقاء الراوي لمن روى عنه، وضرب لذلك أمثلة بأحاديث، لكن هذه الأحاديث مخرجة عند مسلم بالتصريح بالتحديث، مسلم يقرر أنها لم ترو إلا معنعنة، ولم يثبت لقاء الراوي لمن روى عنه مع أن مسلم خرج هذه الأحاديث بالتصريح هذا من جهة.

الأمر الثاني: كون الإمام مسلم يشنع على المبتدع الذي يقول بهذا القول المبتدع المخترع لا يعني أنه يرد على البخاري، نعم نقول: هذا من شدة تحري البخاري واحتياطه، من شدة تحري الإمام البخاري واحتياطه، وكون بعض المبتدعة يستفيد من قول البخاري في تأييد بدعته لا يعني أننا نرد على الإمام البخاري الذي تحرى واحتاط للسنة.

عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لما رد على أبي موسى حديث الاستئذان حتى يشهد له غيره احتياطاً وشدة تحري لما ينسب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم يعتمد المعتزلة على هذا الخبر على شدة تحري عمر -رضي الله عنه- وشدة احتياطه، يعتمد المعتزلة في رد خبر الواحد، وإذا أردنا أن نرد على المعتزلة هل نرد على عمر؟ نعم، حينما يرد أهل السنة على المعتزلة الذين يردون خبر الواحد هل هم يردون على عمر -رضي الله عنه-؟ لا، أظن هذا ظاهر، ظاهر وإلا لا؟ عمر -رضي الله عنه- رد خبر الاستئذان على أبي موسى حتى يشهد له غيره، فالإنسان إذا أوجس خيفة وأراد أن يحتاط لنفسه ولدينه وهذا مسئول مسئول عن الدين، أمير المؤمنين، هذه وظيفة ولي الأمر الاحتياط للدين وأهله، الاحتياط للدين وأهله، فكونه يرد خبر الاستئذان على أبي موسى حتى يشهد له غيره لا يعني أن عمر -رضي الله عنه- يرد خبر الواحد، كونه يحتاط لأمر من الأمور ويستغل هذا الاحتياط لأمور أخرى لا يعني أنه يقول بهذا القول المخترع المبتدع، يعني الإمام البخاري حينما يحتاط للسنة ويطلب لصحيحه الشرط القوي هذا لا يعني أنه لا يصحح غير ما اشتمل عليه الشرط، صحح أحاديث فيما نقله الترمذي وغيره دون شرطه في الصحيح، شرطه في الصحيح في غاية القوة، خرج أحاديث في الأدب المفرد صححها أهل العلم وهي ليست على شرطه في الصحيح؛ لأن شرطه في الصحيح أقوى، فكون الإمام مسلم -رحمة الله عليه- يرد على من يقول بهذا القول المخترع نعم يرد على من يجير -يعني بلغة العصر- يجير قول الإمام البخاري تأييداً لمذهبه وبدعته، يعني حينما يحصل كلام فيه إجمال لإمام من أئمة المسلمين ويحتمل أكثر من معنى فيأتي شخص فيحمله على المعنى الذي يريده لغرض ما، فإذا رددنا على هذا الشخص الذي حمل قول الإمام على الغرض الذي يريده فإننا لا نرد على الإمام بل نحمله ونرده إلى نصوصه الواضحة المبينة المفسرة ونترك مثل هذا المجمل.

على كل حال المسألة تحتاج إلى بسط طويل، وألف في هذا من قبل المتقدمين كتب في الخلاف بين الإمامين البخاري ومسلم في السند المعنعن لابن رشيد الفهري، وهو من أئمة هذا الشأن كتاب اسمه: (السنن الأبين والمورد الأمعن في المحاكمة بين الإمامين في السند المعنعن) هذا كتاب نفيس ينبغي أن يطلع عليه طالب العلم، وأهل العلم في كل من كتب في مصطلح الحديث ينسب هذا القول للإمام البخاري، ولا يعني هذا أن الإمام البخاري لا يصحح الحديث إلا باللقاء، نعم هو لا يدخله في صحيحه إلا بثبوت اللقاء، وشرطه في الصحيح شرط عظيم، يعني كونه لا يدخل حديث حتى يصلي ركعتين هل من شرط صحة الحديث أن يصلي ركعتين استخارة؟ هذا من شدة تحريه واحتياطه، ولا يعني هذا أنه.. إن صحح الأحاديث ولو بدون صلاة ركعتين، وصحح أحاديث فيما نقله أهل العلم خارج الصحيح وهي أقل من شرطه في صحيحه، جامع الترمذي وعلله مملوءة بهذا النوع، النقول عن الإمام البخاري.

حكى القاضي عياض -رحمه الله تعالى- في إكمال المعلم عن من لم يسمه من المغاربة وسماه الحافظ ابن حجر في نكته على ابن الصلاح القاسم التجيبي، وهو موجود في فهرسته أنهم فضلوا صحيح مسلم على صحيح البخاري، بعض المغاربة فضلوا صحيح مسلم على صحيح البخاري، وهذا القول مفهوم من كلام أبي علي الحسين بن علي النيسابوري، وعلل ابن حزم تفضيل مسلم على البخاري بأنه ليس فيه بعد الخطبة إلا الحديث السرد.

صحيح مسلم فيه مقدمة الكتاب، ثم بعد ذلكم الأحاديث المرفوعة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- سرداً ما في ولا تراجم ولا عناوين، فيه آثار موقوفة قليلة جداً، وفيه معلقات يسيرة عدتها أربعة عشر حديثاً كلها موصولة في الصحيح نفسه على ما سيأتي بيانه في بحث المعلق إلا حديث واحد موصول في البخاري، إذاً المعلقات في صحيح مسلم لا تبحث، الموقوفات أحياناً مسلم له لفتات كما في أحاديث مواقيت الصلاة وهو يسوق الأحاديث بأسانيدها -رحمة الله عليه- قال يحيى بن أبي كثير: "لا يستطاع العلم براحة الجسم" أدخل هذا الخبر الموقوف بل المقطوع على يحيى بن أبي كثير بين أحاديث المواقيت، وهذا نادر عنده، لكن إيش مناسبة هذا الكلام لأحاديث المواقيت؟ "لا يستطاع العلم براحة الجسم" هذا الكلام صحيح لا يستطاع العلم براحة الجسم، لو العلم ينال بالنوم والسواليف بالاستراحات كان كل الناس علماء، صحيح؛ لأن هذا العلم مما حفت به الجنة، ولا شك أنه مكروه ثقيل على النفس، الناس يسولفون وأنت حانٍ ظهرك تقرأ وتحفظ، هذا صعب، فلا يستطاع العلم براحة الجسم، إذاً ما علاقة هذا الكلام بأحاديث المواقيت؟ أحاديث المواقيت التي ساقها الإمام مسلم -رحمة الله عليه- وأعجبه حسن السياق في المتون والأسانيد يريد أن يبين لطالب العلم أن مثل هذا الإتقان وهذا الضبط لا يمكن أن ينال مع الراحة، لا بد له من تعب ومعاناة، فيلفت نظر القارئ إلى مثل هذه الدقائق، وإن أشكل على كثير من الشراح وجود هذا الكلام بين أحاديث المواقيت.

أقول: هذا لأبين أن في صحيح مسلم أشياء يسيرة من الموقوفات، أما صحيح البخاري فكثير جداً فيه الأخبار الموقوفة، وفيه المعلقات الكثيرة، فيه أكثر من ألف وثلاثمائة حديث معلق، لكن هذه الأحاديث جلها موصول، كلها موصولة في الصحيح نفسه عدا مائة وستين حديث هذه ليست موصولة تولى وصلها الحافظ ابن حجر وغيره ممن شرح الكتاب، وأفرد لها ابن حجر كتاباً أسماه (تغليق التعليق).

إذا كان سبب تفضيل مسلم عند المغاربة كما قال ابن حزم: إنه ليس فيه بعد الخطبة إلا الحديث السرد، فإن هذا غير راجع إلى الأصحية، بل راجع إلى التجريد، فإذا استثنيي من صحيح البخاري المعلقات والموقوفات لم يتجه ما قاله ابن حزم.

وأما المنقول عن أبي علي النيسابوري ولفظه: "ما تحت أديم السماء كتاب أصح من كتاب مسلم" قالوا عن هذا: بأنه لا يقتضي ترجيح مسلم على البخاري، بل هذا ينفي أن يوجد كتاب أصح من صحيح مسلم وكونه ينفي وجود الأصح لا ينفي وجود المساوي، ولذا لا يحسن أن ينسب إليه الجزم بالأصحية، إذا قلت: لا يوجد أعلم من زيد، هل معنى هذا أنه لا يوجد مساوي له؟ أنت تنفي وجود الأعلم لكنك في الوقت نفسه لا تنفي وجود المساوي له في العلم، وعلى هذا لا يحسن أن ينسب إليه الجزم بالأصحية، وهذا يتأيد بحكاية قول ثالث في المسألة، وهو أن الصحيحين في مرتبة واحدة من حيث الأصحية، هما سواء، لكن جماهير أهل العلم والذي يشهد له الواقع أن صحيح البخاري أشد، أقوى في الصحة، أقوى وهو الذي يؤيده الواقع ويشهد له، لا شك أن الإمام البخاري يتحرى، ولا يعني أننا إذا قلنا: إن صحيح البخاري أصح أن في مسلم أحاديث غير صحيحة، لا، هناك الصحيح وهناك الأصح، على أن مسلماً -رحمه الله تعالى- يسوق الحديث في موضع واحد بطرقه وأسانيده، فيجعل الحديث الذي تكلم فيه من بين هذه الأسانيد المذكورة يرتفع وينجبر الكلام فيه بما ذكر معه.

أول من صنف في الصحيحِ
ومسلم بعد وبعض الغرب مع

 

محمد وخص بالترجيحِ
أبي علي فضلوا ذا لو نفع

 وهذه المفاضلة إجمالية، ولا تعني أن كل حديث في صحيح البخاري أصح من كل حديث في صحيح مسلم، بل إجمالاً الأحاديث المحكوم عليها بأنها أصح في صحيح البخاري أكثر من الأحاديث الأصح في صحيح مسلم، ثم يلي ما خرجه مسلم في صحيحه عرفنا أن الدرجة الأولى المتفق عليه يعني ما خرجه الشيخان، الثاني: ما تفرد به البخاري، ثم ما تفرد به مسلم، ثم يلي ما خرجه مسلم متفرداً به ما حوى شرطهما، شرط الشيخين معاً، يعني عند غيرهم، وكثيراً ما نسمع الحاكم يقول: صحيح على شرطهما، صحيح على شرطهما، وأحياناً يقول: صحيح على شرط البخاري، وأحياناً يقول: صحيح على شرط مسلم، وأحياناً يقول: صحيح فقط من غير أن يضيفه إلى شرطهما أو شرط واحد منهما فما المراد بشرط الشيخين؟ اختلف العلماء في المراد بشرط الشيخين على أقوال:

جمع من أهل العلم يرون أن المراد بشرطهما رواتهما مع باقي شروط الصحيح، يعني إذا وجدنا هذا الحديث عند أبي داود مثلاً مخرج بإسناد خرج له البخاري ومسلم بالصورة المجتمعة نقول: صحيح على شرطهما، نعم، نقول: صحيح على شرطهما، وجدنا حديث عند أبي داود أو عند غيره من أصحاب السنن مخرج بسند خرج فيه البخاري أحاديث في الصورة المجتمعة ولم يخرج لهم أو لبعضهم مسلم نقول: صحيح على شرط البخاري، إذا وجدنا الحديث خرج برواة أخرج لهم البخاري بالصورة المجتمعة لا يعني أننا نلفق مجرد ما ننظر أن هذا الراوي مرموز له برمز البخاري ومسلم، نقول: شرط البخاري ومسلم ولو روى عن شخص ما روى عنه في الصحيحين أو أحدهم، لماذا؟ لأن بعض الرواة قد يوثق توثيق نسبي في روايته عن بعض الشيوخ، ويضعف في روايته عن آخرين، ولو كان الشيخ الثاني الذي ضعفت روايته عنه ثقة، يعني إذا كان شخص ملازم لشيخ فروى عنه تكون روايته مع طول الملازمة أقوى من رواية غيره، فهذا الشخص الذي لازم هذا الشيخ لو روى عن شيخ آخر ما لازمه تلك الملازمة المطلوبة تكون روايته أقل من روايته عن شيخه الذي لازمه، وإن كان الشيخان في رتبة واحدة من التوثيق، فلا بد من أن يكون الحديث على شرطهما من اجتماع الصورة واكتمالها، فلان عن فلان عن فلان بهذا خرج في الصحيح.

بهذا أقول: قال ابن الصلاح والنووي وابن دقيق العيد والذهبي والحافظ ابن حجر وجمع من أهل العلم، يقول السخاوي: "ويقويه تصرف الحاكم في مستدركه، فإذا كان عنده الحديث قد أخرجا معاً لرواته فإنه يقول: صحيح على شرط الشيخين"، يعني وإن كان الحديث عنده قد أخرج لرواته البخاري فقط قال: صحيح على شرط البخاري، وإن كان عند مسلم فقط قال: صحيح على شرط مسلم وهكذا، وإذا كان بعض رواته لم يخرجا له قال: صحيح الإسناد فحسب ولا يضيفه إلى أحد الشيخين، فلا يقول: على شرطهما ولا على شرط واحد منهما.

ومن أصرح ما يستدل به من كلام الحاكم أنه خرج حديثاً من طريق أبي عثمان وقال بعده: صحيح الإسناد، وأبو عثمان ليس هو النهدي، ولو كان النهدي لقلت: إنه على شرطهما، هذا يقوي القول بأن المراد بشرط الشيخين رواة الصحيحين، واضح وإلا ما هو بواضح؟ نعم، طيب الحاكم نفسه في مقدمة المستدرك يقول: "وأنا أستعين الله على إخراج أحاديث رواتها ثقات، احتج بمثلهم الشيخان" احتج بمثلهم، إيش يعني مثلهم؟ يعني ما احتج بهم أنفسهم، احتج بمثلهم الشيخان، ولم يحتج الشيخان بهم أنفسهم، هذا يخالف الكلام الذي قررناه؟ يخالف؛ لأن مثل الشيء ليس هو الشيء نفسه، إذا قلت: هذا الكتاب مثل هذا الكتاب يعني أن هذا الكتاب هو ذلك الكتاب؟ لا، واضح وإلا لا؟ ابن حجر يقرر أن هذا لا يؤثر على ما قرروه، لماذا؟ يقول: "المثلية تستعمل في حقيقتها وفي مجازها -تستعمل في حقيقتها وفي مجازها- فتستعمل في حقيقتها إذا أخرج لرواة غير رجال الصحيحين"، يعني مثل رجال الصحيحين وهم غيرهم، وتستعمل في مجازها إذا خرج لرواة أخرج لهم الشيخان بأنفسهم وأعيانهم، واستعمال اللفظ في معنييه عند الشافعية سائغ، استعمل اللفظ في آن واحد في حقيقته ومجازه ويمنعه الأكثر، ويستدل الحافظ بقصة شخص قال لآخر: اشترِ لي مثل هذا الثوب الذي معك، اشترِ لي مثل هذا الثوب الذي معك، فذهب الوكيل إلى صاحب الثوب نفسه واشترى الثوب، نعم، اشترى الثوب، فلما جاء إلى الموكل قال: أنا ما قلت لك: اشترِ لي الثوب، قلت لك: اشترِ لي مثل هذا الثوب، فتخاصما عند شريح القاضي، فألزم الموكل بأخذ الثوب وقال له: لا شيء أشبه بالشيء من الشيء نفسه، لا شيء أشبه بالشيء من الشيء نفسه، يعني هل هناك هدف للحاكم حينما يعدل عن رواة الصحيحين إلى أمثالهم ونظرائهم؟ هل هناك فائدة؟ نعم، ليس هناك فائدة، يعني لما ترى سيارة تعجبك مع شخص تقول: كم؟ يقول: والله هذه اشتراها فلان بعشرين ألف، تقول له: تراني أنا موكل لك إن وجدت لي مثل هذه، هذه فرصة مثل هذه السيارة بعشرين ألف، سيارة جيدة والسعر مناسب، فذهب إلى صاحب السيارة قال: أعطه إياه بالعشرين، هل لك أن تقول: أنا لا أريد السيارة نفسها أنا أريد مثلها؟ أنت ما حددت سيارة بعينها تريدها، إنما أعجبتك هذه السيارة ولا شيء أشبه بها منها، فعلى هذا يكون استعمال الحاكم للمثلية هنا للرواة أنفسهم، وخرج في كتابه لرواة رأى من وجهة نظره أنهم مثل رواة الصحيحين في القوة، وإن كان بينهم مفاوز؛ لأن الحاكم -رحمه الله تعالى- معروف تساهله، ذهب الحاكم أبو عبد الله إلى أن شرطهما أن يروي الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صحابي زال عنه اسم الجهالة بأن يروي عنه تابعيان عدلان، ثم يروي عن التابعي المشهور بالرواية عن الصحابة، وله راويان ثقتان ثم يرويه عنه من أتباع التابعين حافظ متقن وله رواة من الطبقة الرابعة، ثم يكون شيخه البخاري أو مسلم حافظاً مشهوراً بالعدالة في روايته"، هل هذا الكلام صحيح؟ ألا يوجد وحدان في الصحيحين مما ليس إلا راوٍ واحد؟ وجد، إذاً كلام الحاكم هنا غير دقيق، وهذا الذي رد عليه في اشتراط التعدد في الرواية وأنه شرط للصحيح، لما تكلم على العزيز قال:

وليس شرطاً للصحيح فاعلمِ

 

وقيل: شرط وهو قول الحاكمِ

هذا هو، وعلى هذا فقوله ضعيف هنا، واعترض على هذا القول بما في الصحيحين من الغرائب بالنسبة للأحاديث، ومن الوحدان بالنسبة للرواة، قال ابن طاهر في شروط الأئمة: "شرط البخاري ومسلم أن يخرج الحديث المجمع على ثقة نقلته إلى الصحابي المشهور، شرط البخاري ومسلم أن يخرج الحديث المجمع على ثقة نقلته إلى الصحابي المشهور واعترض على هذا القول بأنهما قد خرجا لبعض من مس بضرب من التجريح، فعلى هذا لم يتفق على هؤلاء الرواة، بعض الرواة في الصحيحين قد تكلم فيه، إذاً هم غير متفق عليه، وقال الحازمي: "شرط البخاري أن يخرج ما اتصل إسناده بالثقات المتقنين الملازمين لمن أخذوا عنهم ملازمة طويلة، وقد يخرج أحياناً -هذا شرط البخاري- أن يخرج ما اتصل إسناده بالثقات المتقنين الملازمين لمن أخذوا عنهم ملازمة طويلة"، خلاصة ما يقوله الحازمي أن للرواة مع شيوخهم أحوال، أو يمكن أن يقسم الرواة إلى طبقات:

الطبقة الأولى: من اتصفوا بالضبط والإتقان مع ملازمة الشيوخ، هذه الطبقة الأولى.

الطبقة الثانية: من شاركوا الأولى في الضبط والحفظ والإتقان، وخفة ملازمتهم للشيوخ.

الطبقة الثالثة: من لازموا الشيوخ مع خفة في الضبط والحفظ والإتقان لا يصل إلى حد القدح.

الطبقة الرابعة: من ضعف فيهم الأمران، خفة ملازمتهم للشيوخ مع خفة ضبطهم وحفظهم وإتقانهم.

الطبقة الخامسة: يقول: نفر من الضعفاء والمجهولين.

فالطبقة الأولى هم شرط البخاري الذين اتصفوا بالأمرين معاً: الحفظ والضبط والإتقان مع ملازمة الشيوخ، وقد ينزل فينتقي من أحاديث الطبقة الثانية الذين هم ما زالوا في الحفظ والضبط والإتقان، لكن خفة ملازمتهم للشيوخ.

الإمام مسلم يستوعب أحاديث الطبقة الأولى والثانية، وقد ينزل إلى الثالثة من لازموا الشيوخ مع كونهم خف ضبطهم وإتقانهم شيئاً يسيراً، ينزل إلى الطبقة الثالثة التي هي شرط أبي داود والنسائي، وقد ينزل أبو داود والنسائي إلى الطبقة الرابعة التي هي شرط أبي عيسى الترمذي وابن ماجه، وأما الطبقة الخامسة فلا يعرج عليها إلا أبو عيسى الترمذي أحياناً وابن ماجه، إذا تصورنا هذه الطبقات الخمس للرواة عرفنا ترتيب الكتب وشدة تحري أصحابها، هذا خلاصة ما قاله الحازمي في شروط الأئمة الخمسة، وعلى كل حال الأصح من هذه الأقوال هو القول الأول، وهو أن المراد بشرط الشيخين رواتهما.

وأرفع الصحيح مرويهما
شرطهما حوى فشرط الجعفي

 

ثم البخاري فمسلم فما
فمسلم فشرطُ غيرٍ يكفي

وعلى هذا تخرج لنا سبعة أقسام: ما اتفق الشيخان على إخراجه، ما انفرد البخاري بتخريجه، ما انفرد مسلم بإخراجه، ما كان على شرطهما معاً، ما كان على شرط البخاري، ما كان على شرط مسلم، قسم سابع: ما صح عند غيرهما مما هو ليس على شرطهما، وعلى هذا على طالب العلم أن يعتني بما اتفق عليه الشيخان؛ لأنه أصح الصحيح، ما اتفق عليه الشيخان أصح الصحيح، وألفت فيه الكتب، منها: (زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم) هذا كتاب لأحد الشناقطة مطبوع مع شرحه في خمسة أجزاء، لكن ترتيبه غث، أجود منه في الترتيب (اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان) لمحمد فؤاد عبد الباقي اعتمد فيه ترتيب مسلم، ومسلم مبدع في الترتيب، ولو اعتنى الإنسان بنفسه وتوصل إلى المتفق عليه بجهده كان أفضل من أن يقلد أحداً، ومن السهولة أن يطلع الإنسان على ما اتفق عليه، الآن كل شيء متيسر، تحفة الأشراف إذا وجدت الرمز فيه الخاء والميم فهو متفق عليه، بهذه الطريقة تجمع ما اتفق عليه الشيخان، وتعتني به وتجعله ديدنك، ثم تعتني بما تفرد به البخاري؛ لأنه هو الدرجة الثانية بعد المتفق عليه، فتأخذ ما زاد عند البخاري، ثم تأخذ ما زاد عند مسلم، بعضهم يقول: أختصر فأخذ البخاري جملة، ثم أخذ زوائد مسلم هذا جيد، هذا جيد وفي ضوء هذا تدرك ما اتفق عليه الشيخان، لكن أولويات المسألة والعمر لا يتسع لحفظ الجميع ومطالعة الجميع دفعة واحدة، فإذا اعتنى الإنسان في المتفق عليه وتصوره وحفظه -إن أمكن- صار مباشرة يسمع حديث يقول: هذا حديث متفق عليه؛ لأنه استخرج هذه الأحاديث بنفسه وتعب عليها، الذي يحفظ العمدة -عمدة الأحكام- مجرد ما يسمع حديث من أحاديث العمدة يقول: هذا في الصحيحين؛ لأن من شرط صاحب العمدة أن يكون مما اتفق عليه، وإن أخل بشرطه أحياناً، لكن هذا نافع لطالب العلم زاد له في المستقبل، ثم بعد هذا يأخذ ما زاد على ما اتفق عليه، ما انفرد به البخاري ثم ما انفرد به مسلم، ثم يأخذ زوائد أبي داود على الصحيحين، ثم زوائد الترمذي، ثم زوائد النسائي، ثم زوائد ابن ماجه، ثم يأخذ زوائد الموطأ والمسند وهكذا ويضيف، ولتكن عنايته ومطالعته ومدارسته للكتب الأصلية بأسانيدها يقرأ ويحلل ويعتني ويشرح ويراجع الشروح على الكتب الأصلية، الحفظ قد لا يتسنى له الكتب الأصلية بأسانيدها بهذه الطريقة التي ذكرناها، والله المستعان.

طالب:.......

اللفظ ليس مقصوداً، إذا اتحد الصحابي والمعنى واحد فهو متفق عليه، إذا اتحد الصحابي والمعنى واحد فهو متفق عليه، ولو اختلف المتن.

طالب:.......

أقول: في النوع الذي يجمع للحفظ نعم.

طالب: المتابعات والشواهد.

المتابعات والشواهد، أقول: المتابعات والشواهد هي داخلة في كتاب تلقته الأمة بالقبول، وليس فيها الضعيف نعم، قد يوجد فيها ما ينزل عن شرطه، نعم لأنه لم يعتمد عليه، قد يوجد فيها من تكلم فيه بكلام خفيف؛ لأن البخاري أو مسلم لم يعتمد على هذا الإسناد، اعتمد على غيره، ويأتي ذكر المتابعات والشواهد وأنه يتسامح فيها ما لا يتسامح ويتجاوز في الأصول، يأتي هذا -إن شاء الله- قريب.

طالب:.......

هذه مسألة مهمة والإخوان الذين يوجهون الطلاب إلى الحفظ ويعتنون به كانوا في أول الأمر يعتنون بلفظ مسلم، ويأخذون زوائد البخاري، حصل في هذا مناقشات طويلة، وحجتهم في ذلك أن مسلم يعتني بالألفاظ، بألفاظ الرواة وينبه على الاختلاف، ولو كان يسيراً لا يترتب عليه فائدة، وهذا يدل على دقة تحريه، حدثنا فلان وفلان واللفظ لفلان، حدثنا فلان وفلان قال فلان: أخبرنا، وقال الآخر: حدثنا، يعتني بهذه الأمور بدقة، ويبين فروق الروايات باستيعاب لهذه الفروق، البخاري ما يعتني بهذا أبداً، البخاري ما يعتني بهذا، قد يروي الحديث عن مجموعة اثنين ثلاثة ومع ذلكم لا يبين صاحب اللفظ، لكن ظهر بالاستقراء من صنيعه أن اللفظ يكون للأخير، اللفظ يكون للأخير، هل هذا يرجح لفظ مسلم على لفظ البخاري؟ ويكون ترجيح مسلم في الحفظ على البخاري له وجه أو لا؟ له وجه وإلا ما له وجه؟ أقول: لا وجه له، لماذا؟ الإمام مسلم حينما يبين ألفاظ هؤلاء الرواة الذين أخرج الحديث من طريقهم نعم، وقد جوزنا لهؤلاء الرواة أن يرووا بالمعنى، هل معنى هذا أننا نجزم الذي في صحيح مسلم هو لفظ النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ هو لفظ من نسب إليه من الرواة بدقة، الإمام مسلم يتحرى في هذا، الإمام البخاري ينقل عن رواة وكلهم ثقات ما رووه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بالمعنى؛ لأن جماهير أهل العلم يجوزون الرواية بالمعنى، فنحن نجزم أن هذا اللفظ لقتيبة بن سعيد من شيوخ مسلم لا لأبي بكر بن أبي شيبة، لكن هل نجزم أن قتيبة بن سعيد روى لنا اللفظ النبوي وهو من يجوز الرواية بالمعنى؟ بينما لو وجد في البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف ومحمد بن سلام نعم وما بين لفظ أحدهما، ما نجزم أن هذا لفظ هذا أو ذاك، لكن نجزم أن هذين وهما من الثقات رووا لنا هذا الحديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بالمعنى، وقد يكون رووه باللفظ، فمسلم حين يبين لنا أن هذا اللفظ عن هذا الراوي بدقة، أو عن هذا الراوي بدقة لن يخرج عن كون الرواية بالمعنى جائزة، فهذا اللفظ المسوق لهذا الرواي، لكن هل هذا اللفظ هو لفظ النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ نعم، الله أعلم.

كيف؟

طالب:.......

لا، أنا أقول لك: مسلم لما يروي الحديث عن مجموعة من رواته -من الرواة- يقول: واللفظ لفلان، لفظ الخبر الذي ساقه لفلان، أي هو رجح هذا اللفظ على اللفظ الثاني حدثنا قتيبة بن سعيد نعم وأبو بكر بن أبي شيبة ويحيى بن يحيى ثلاثة، واللفظ ليحيى، إذاً ما الذي لأبي بكر بن أبي شيبة وقتيبة؟ المعنى قطعاً، وكل من الثلاثة روى الحديث بالمعنى، لا يلزم أن يكون رووه باللفظ، ما الذي يدرينا أن قتيبة أو يحيى رواه باللفظ عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ بينما البخاري يروي عن هؤلاء الثلاثة أو اثنين مثلاً ولا يقول: اللفظ لفلان، هل يختلف صنيع هذا عن صنيع هذا بالنسبة لما ينسب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ ما يختلف ترى، ما في كبير اختلاف، وإن كان بالاستقراء ظهر أن اللفظ الذي يسوقه البخاري للثاني منهما، للأخير وليس للأول، يعني مسلم حينما يعتني ببيان صاحب اللفظ ويهمله البخاري وعرف من طريقته وقاعدته المطردة أنه للأخير منهما لا يعني أن هذا لفظ النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا أن ذاك لفظ النبي -عليه

الصلاة والسلام-؛ لأن جماهير أهل العلم يجوزون الرواية بالمعنى، وإلا فماذا لو قال: حدثنا قتيبة بن سعيد ويحيى بن يحيى واللفظ، نعم لقتيبة مثلاً، وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وآخر من شيوخه واللفظ لفلان ثم جاء لنا بلفظ مخالف عن لفظ الأول، كون هذا لفظ أبي بكر بن أبي شيبة صرح به أنه لفظ أبي بكر بن أبي شيبة، والأول لفظ قتيبة بن سعيد ونقارن بينهما المعنى واحد، لكن هل نجزم أن هذا لفظ النبي أو ذاك؟ الله أعلم.

لا نشك في أن هذا المعنى قاله النبي -عليه الصلاة والسلام-، جماهير أهل العلم على تجويز الرواية بالمعنى على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.

 

فعلى هذا ينبغي أن يعتني طالب العلم بصحيح البخاري، ويصرف جل همه وأكثر وقته لصحيح البخاري، يعني بعد كتاب الله -عز وجل- هذا الأمر ما يختلف فيه أحد، ثم يأخذ زوائد مسلم من مسلم على البخاري، ثم يأخذ زوائد أبي داود وهكذا، وبالتدريج لو يحرر كل يوم حديث أو حديثين أو ثلاثة ما يأخذ له عشر سنين إلا وهو منهي الستة، منهي الستة، لكن الإشكال أننا نتعاظم، كم عشرين مجلد؟ مستحيل تحفظ هذه، والتسويف وطول الأمل كل هذا يعوق عن التحصيل، والله الآن إجازة الناس رايحين جايين خلي بيننا ارتبطنا بدنا ما نروح ولا نجي إلى بداية الدراسة، إذا جاءت الدراسة الآن ننتبه لرمضان خليه إذا أفطرنا -إن شاء الله-، ثم إذا أفطر قال: الحين جاء الحج، وإذا تفرغنا بدأ الحج خلاص ما صار عندنا شيء، بعد الحج لا والله جاءت الاختبارات خلينا بالإجازة وهذا..، العمر يفوت هكذا، العمر يضيع بهذه الطريقة، لكن من..، إذا هممت بأمر خير فاعجل، خلاص قررت ابدأ اليوم، لو تحفظ حديث في اليوم أو آية في اليوم، خليك أسوأ الناس حفظ، على أسوأ الاحتمالات أنك أسوأ الناس حفظ احفظ آية، احفظ آية، عشرين سنة وتحفظ القرآن كامل، لكن تقول: اليوم، غداً، بكرة، الإجازة، ليالي الشتاء المباركة، في نهار الصيف الطويل، ثم خلاص ينتهي العمر وما سويت شيء، ونعرف بعض الشباب وهم أئمة مساجد يحفظون رياض الصالحين، كيف حفظ رياض الصالحين؟ وفي أحد اتجهت همته لحفظ رياض الصالحين؟ نعم، ما في أحد، ليش؟ كيف حفظوا رياض الصالحين؟ بعد صلاة العصر يقرأ على الجمع أحاديث، حفظ الحديث يكلفه شيء؟ يقرأ حفظ بدل ما يقرأ في الكتاب، الحديث ثلاثة أسطر أربعة يحفظه ثم يلقيه على الجماعة سنة واحدة أو سنة ونصف وهو منتهي من الكتاب أو سنتين، وصار عنده خير عظيم من أحاديث الآداب والأخلاق التي يهملها كثير من الناس، لكن مع التدريج، التدريج وترك التسويف وطرح طول الأمل، والله المستعان، يعني إذا حدثتك نفسك أنك إذا جاءت الإجازة تحفظ من يضمن لك أن تدرك الإجازة، والله المستعان.

"
يقول: ما هي المنهجية المثلى في طلب علم الحديث؟

علم الحديث يشمل القواعد التي يتوصل بها إلى الإثبات والنفي، إلى القبول والرد، وهذا ما يعرف بعلوم الحديث ومصطلح الحديث، وعلم الحديث يطلق ويراد به أيضاً الهدف والغاية الذي هو ما يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من قول أو فعل أو تقرير، فما يتعلق بعلوم الحديث وقواعده عرفنا أن طالب العلم عليه أن يسلك الجادة، الطريق المتبع عند أهل العلم فيبدأ بالمختصر وليكن..، تكن البداية بالنخبة مثلاً، ثم اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير، ثم الألفية، فإذا أتقن هذه الكتب وضبطها وراجع عليها الشروح وسمع ما عليها من أشرطة فإنه يكون حينئذ أتقن العلم نظرياً على طريقة المتأخرين، وعلى قواعدهم.
يبقى أنه عليه أن يطبق يخرج الأحاديث، وينظر في الأسانيد، ويصحح ويضعف أيضاً على قواعد المتأخرين، فإذا تمرن وتمكن وصارت لديه أهلية للنظر والموازنة بين الطرق، وعرف المخالفة والموافقة واختلاف الرواة، واستطاع أن يحاكي المتقدمين في طريقتهم في أحكامهم على الأحاديث تعين عليه ذلك؛ لأن المتأخرين عالة على المتقدمين، وهذا انتيهنا منه.
علم الحديث الذي هو المتن المضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، الجادة والطريقة عند أهل العلم أن يبدأ بالمتون الصغيرة، فيحفظ الأربعين، ثم العمدة، ثم البلوغ، ثم بعد ذلكم يقرأ في الكتب المسندة، ويعتني بالصحيحين، ويجعل جل همه للبخاري ثم مسلم، فإذا أتقن الصحيحين انتقل إلى السنن فعني بسنن أبي داود والترمذي، ثم مرحلة ثالثة يعنى بسنن النسائي وابن ماجه ثم ينتقل بعد ذلك إلى المسند والموطأ وغيرها من كتب السنة.
على كل حال هذا خير ما يسلك، لكن بعض الناس يقرأ في الكتب الطويلة وهو ما حفظ الكتب الصغيرة المختصرة، هذا يضيع غالباً، على كل حال العلم مثل السطح يحتاج إلى سلم تصعد فيه درجة درجة حتى تصل، فإذا قرأت في المتون المختصرة وحفظتها، وقرأت شروحها وأتقنتها لك أن ترقى بعد ذلك للكتب المطولة المسندة، وإذا كانت الحاجة تسعف وهناك مزيد حفظ، فليعتني بحفظ الكتاب والسنة؛ لأنهم..، هما العدة وهم العمدة التي يعتمد عليها طالب العلم في تأصيل علمه وتأسيسه.

الحديث الحسن ظني الثبوت فهل هو ظني الدلالة أيضاً؟

لا ترابط بين الثبوت والدلالة، لا ترابط بين الثبوت والدلالة، فقد يكون الخبر قطعي الثبوت ظني الدلالة، وقد يكون العكس، قد يكون بالعكس قطعي الثبوت ظني الدلالة.

ما رأيكم في قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [(2) سورة الكوثر] من حيث الثبوت؟

قطعي، لكن دلالة {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} على صلاة العيد مثلاً أو نحر الهدي والأضحية، أو على وضع اليدين على النحر، هل دلالته على هذه المسائل قطعية؟ لا ليست قطعية، إنما هي ظن راجح فهي ظنية، هنا الدلالة ظنية والنص قطعي، هناك أدلة ظنية دلالتها على المسائل قطعية لا تحتمل أكثر من معنى، فالخبر الصحيح إذا لم تحتف به قرينة فهو ظني، الخبر الحسن إذا لم تحتف به قرينة فهو ظني، ومع كونه ظنياً من حيث الثبوت إلا أنه قد يكون قطعياً في الدلالة بحيث لا يحتمل معناه غير ما يتبادر إلى الذهن، فيكون نصاً في الموضوع، أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإخراج العواتق والحيض إلى صلاة العيد، هذا أمر لا يحتمل غير الأمر، فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر من رمضان، هل في احتمال أن يكون معنى الحديث أنه فرض زكاة المال مثلاً؟ لا، زكاة الفطر من رمضان نص في الباب فهو قطعي الدلالة، وإن كان ثبوته ظنياً، نعم.
عرفنا أن المعتمد عند أهل العلم أنه لا يمكن أن يطلق على سند بأنه صح مطلقاً، لماذا؟ لو نظرنا إلى ما اختاره الإمام البخاري إمام أهل الحديث، واختار الإمام البخاري أن أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر، ابدأ بابن عمر هل هو أوثق الصحابة وأضبطهم؟ هل هو أعدل من أبيه وأوثق من أبيه؟ لا، هل هو أضبط من أبي هريرة وأحفظ من أبي هريرة؟ لا، إذاً في الصحابة من هو أوثق وأضبط منه، فكيف نقول: إن ما جاءنا من طريق ابن عمر أصح الأسانيد؟ ننظر إلى نافع الذي بعده الأكثر على أن سالم أجل من نافع، إذاً كيف نقول بقول البخاري وهو يقول: أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر؟ يعني في قول الإمام أحمد وقد تلافى مسألة نافع فقال: سالم، ما رواه سالم عن الزهري عن أبيه، يبقى المشكلة في ابن عمر هل هو أوثق من أبيه؟ لنقول: إن ما يرويه أصح مما يرويه أبوه؟ هذه المسألة حقيقة الكلام في أصح الأحاديث، أصح الأسانيد، أصح الكتب كل هذه أمور نسبية، إجمالية، إجمالية، فحينما نقول: إن البخاري أصح كتاب بعد كتاب الله لا يعني أن كل حديث في البخاري أصح من كل حديث في مسلم، إنما هو ترجيح إجمالي، والله المستعان.