التعليق على الموافقات (1426) - 04

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قال المؤلف –رحمه الله-: "فإن قيل: فهل الوقوف مع أصل العزيمة من قبيل الواجب أو المندوب على الإطلاق، أم ثَم انقسام؟".

المسألة السابعة؟

طالب: نعم، لكن هذا من مستلزماتها.

نعم طيب.

"فالجواب: أن ذلك يتبين بتفصيل أحوال المشقات، وهي:

المسألة السابعة:

فالمشقات التي هي مظانُّ التخفيفات في نظر الناظر على ضربين:

أحدهما: أن تكون حقيقية، وهو معظم ما وقع فيه الترخص، كوجود المشقة المرضية والسفرية، وشبه ذلك مما له سببٌ معينٌ واقع.

والثاني: أن تكون توهمية مجردة، بحيث لم يوجد السبب المرخص لأجله، ولا وجدت حكمته، وهي المشقة، وإن وجد منها شيءٌ، لكن غير خارجٍ عن مجاري العادات.

فأما الضرب الأول:

فإما أن يكون بقاؤه على العزيمة يدخل عليه فسادًا لا يطيقه طبعًا أو شرعًا، ويكون ذلك محققًا لا مظنونًا ولا متوهمًا أو لا، فإن كان الأول، فرجوعه إلى الرخصة مطلوب، ورجع إلى القسم الذي لم يقع الكلام فيه؛ لأن الرخصة هنا حق لله".

مثل الصوم في السفر الصيام في السفر له أحوال إن كان لا يُطيق معه البقاء إلا بمشقةٍ شديدةٍ جدًّا، فهذا من الضرب الأول، وجاء في حق مثل هذا «أولئك العصاة» يعني لو صام في السفر وهذه حاله، وبلغ به من الجهد ما بلغ مثل هذا المبلغ فهذا عاصٍ، فالأخذ بالرخصة واجب هنا.

المشقة إذا خفت قليلاً عن هذا بحيث يُطيق البقاء، ويُطيق العمل الذي كان يعمله في غير هذه الحالة، لكن مع مشقة وتعب، مثل هذا يرد في حقه «ليس من البر الصيام في السفر»، فيكون حينئذٍ الفطر أفضل، وهناك الفطر واجب، في الأحوال التي تكون فيها المشقة توهمية لا حقيقة، في بعض الأسفار تكون حال الإنسان وراحته أكثر من كونه في بلده، فمثل هذه يكون على حدٍّ سواء، وينتابها كونه راجحًا أو مرجوحًا على حسب ما يترتب على الصيام من تحقيق المصالح أو على تركه من نحو ذلك.

"وإن كان الثاني -وهو أن يكون مظنونًا- فالظنون تختلف، والأصل البقاء على أصل العزيمة، ومتى قوي الظن ضعف مقتضى العزيمة، ومتى ضعف الظن قوي، كالظان أنه غير قادرٍ على الصوم مع وجود المرض الذي مثله يُفطر فيه، ولكن إما أن يكون ذلك الظن مُستندًا إلى سببٍ معين، وهو أنه دخل في الصوم مثلاً فلم يُطق الإتمام، أو الصلاة مثلاً فلم يقدر على القيام فقعد، فهذا هو الأول؛ إذ ليس عليه ما لا يقدر عليه".

{ لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَ } [البقرة:286] { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ } [التغابن:16]، نعم.

"وإما أن يكون مُستندًا إلى سببٍ مأخوذٍ من الكثرة، والسبب موجودٌ عينًا بمعنى أن المرض حاضرٌ، ومثله لا يقدر معه على الصيام، ولا على الصلاة قائمًا أو على استعمال الماء عادةً، من غير أن يُجرب نفسه في شيءٍ من ذلك، فهذا قد يلحق بما قبله، ولا يقوى قوته".

وهذا مرده إلى غلبة الظن، يعني إذا غلب على ظنه أنه لا يقدر على الصلاة، وجرت عادته بأنه إذا وصل إلى هذا الحد من المرض، والأمراض ممكن أن يُعرف قدرها قوةً وضعفًا بالأجهزة مثلاً، يعني قال له الطبيب: إذا وصل عندك الضغط كذا لا تستطيع الصلاة من قيام أو غيره من الأمراض أو وصلت الحرارة أو السكر أو ما أشبه ذلك؛ لأنه حينئذٍ يكون -وإن لم يُجرِّب- في حكم المُجرَّب، وأما إذا كان الأمر أخف من ذلك، بل هو ممن يخشى على نفسه بعض الناس يتفاوتون في هذا منهم من يتحمل العزائم، ومرضه أبلغ من غيره، ومنهم من لا يتحمل ومرضه أقل، وهذا مرده إلى الاحتياط للدين وهو التفريط...من الاحتياط بحيث يحمل نفسه على العزيمة، ولو اقتضى الأمر أن يُهادى بين اثنين كما يفعل الصحابة، ومنهم من يترخص بأدنى شيء.

طالب:.........

لا..لا، هذه ضرورة هذه، المشقة التي تُكلِف الإنسان "أراد ألا يُحرج أمته" التي توقعه في الحرج.

"أما لحوقه به، فمن جهة وجود السبب، وأما مفارقته له، فمن جهة أن عدم القدرة لم يوجد عنده؛ لأنه إنما يظهر عند التلبس بالعبادة، وهو لم يتلبس بها على الوجه المطلوب في العزيمة، حتى يتبين له قدرته عليها وعدم قدرته، فيكون الأولى هنا الأخذ بالعزيمة، إلى أن يظهر بعد ما يبتنى عليه.

وأما الضرب الثاني:

وهو أن تكون توهمية، بحيث لم يوجد السبب ولا الحكمة، فلا يخلو أن يكون للسبب عادةٌ مطردةٌ في أنه يوجد بعد أو لا، فإن كان الأول، فلا يخلو أن يوجد أولاً، فإن وجد فوقعت الرخصة موقعها، ففيه خلاف، أعني في إجراء العمل بالرخصة لا في جواز الإقدام ابتداءً".

إجزاء..إجزاء.

طالب: في إجزاء.

إجزاء العمل.

"إذ لا يصح أن يُبنى حكمٌ على سببٍ لم يوجد بعد، بل لا يصح البناء على سببٍ لم يوجد شرطه وإن وجد السبب وهو المقتضي للحكم، فكيف إذا لم يوجد نفس السبب؟ وإنما الكلام في نحو الظان أن تأتيه الحمى غدًا بناءً على عادته في أدوارها، فيُفطر قبل مجيئها".

دوارها.

طالب: دوارها؟ مكتوب في النسخة التي عندي....

أدوارها غير دوارها؛ لأنه يصير عنده الآن الدوار هذا بناءً على هذه مقدمات الحمى، بدون همز "دوارها" ويعرف المقدمات الأمراض بعضها لها مقدمات تُعرف بها، الأنفلونزا مثلاً لها مقدمات ما بعد حصلت، لكن يعرف أنه الآن في المبادئ، بدأت المقدمات التي يستدل بها على وجود المرض غدًا مثلاً.

"وكذلك الطاهر إذا بنت على الفطر ظنًّا أن حيضتها ستأتي ذلك اليوم، وهذا كله أمرٌ ضعيفٌ جدًّا".

نعم؛ لأن العبرة بالحقائق لا بالمقدمات، والحائض إنما تبدأ بتركها لِما مُنِعت منه بخروج الدم لا بمقدماته، ولو وُجِدت الأوجاع، وُجِدت الآلام، وُجِدت...هذا كله لا يكفي في ترك ما أُمرت بتركه.

وكذلك مقدمات المرض إذا كان يستطيع معها العبادة فليست بمرض.

وإن شئت فقل: هو مرضٌ لا يمنع من العبادة، المقدمات نوع من المرض لا يمنع من العبادة.

الأمر الثالث: أن هذا أمر قد توجد المقدمات ولا يُوجد المُسبب.

"وقد استدل بعض العلماء على صحة هذا الاعتبار في إسقاط الكفارة عنها بقوله تعالى: { لَّوۡلَا كِتَٰبٞ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمۡ فِيمَآ أَخَذۡتُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ } [الأنفال:68] فإن هذا إسقاطٌ للعقوبة للعلم بأن الغنائم ستباح لهم، وهذا غير ما نحن فيه".

نعم؛ لأن هذا مُتعلق بعلم الله –جلَّ وعلا- والمكلَّف لا يدور مع هذا العلم؛ لأنه لم يطلع عليه.

"لأن كلامنا فيما يترتب على المكلَّف من الأحكام الشرعية".

نعم ولو قلنا بمثل هذا، لقلنا: إن تارك الأمر لا يعصي حتى يعلم أنه أمرٌ مُحكَم لن يرد فيه ناسخ، في أمر افعلوا كذا، ثم تركه شخص، ثم نزل ما ينسخه بعد حين، هو في علم الله –جلَّ وعلا- أن هذا الأمر يُنسخ، لكن المُكلَّف مُطالب بفعل الأوامر في وقتها، حتى إنه لو وُجِد الناسخ ولم يطلع عليه، فهو مكلفٌ بالأمر السابق، حتى يرد إليه الناسخ، وهو يدور على ما بلغه، لا على ما في علم الله –جلَّ وعلا-.

طالب:.........

هذا إذا كان مُشرعًا؛ لأن هذه وإن كان في ظاهرها نقيصة على المسلمين إلا أنها صدرت من الشارع الذي يملك أن يُبلغ عن الله –جلَّ وعلا- لكن من أين له التبليغ عن الله؟

طالب:.........

لا أبدًا.

"وتَرتُّب العذاب هنا ليس براجعٍ إلى ترتُّبٍ شرعي، بل هو أمرٌ إلهي كسائر العقوبات اللاحقة للإنسان من الله تعالى بسبب ذنوبه، من قوله تعالى:{ وَمَآ أَصَٰبَكُم مِّن مُّصِيبَةٖ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِيكُمۡ }[الشورى:30].

وأما إن لم يكن للسبب عادةٌ مطردةٌ فلا إشكال هنا.

والحاصل من هذا التقسيم أن الظنون والتقديرات غير المحققة راجعةٌ إلى قسم التوهمات، وهي مختلفة، وكذلك أهواء النفوس فإنها تُقدِر أشياء لا حقيقة لها، فالصواب الوقوف مع أصل العزيمة إلا في المشقة المخلة الفادحة، فإن الصبر أولى ما لم يؤدِ ذلك إلى دَخلٍ في عقل الإنسان أو دينه، وحقيقة ذلك أن لا يقدر على الصبر".

أو بدنه أيضًا.

"لأنه لا يؤمر بالصبر إلا من يُطيقه، فأنت ترى بالاستقراء أن المشقة الفادحة لا يُلحق بها توهمها، بل حكمها أضعف".

فالمشقة الفادحة الواقعة الحقيقية لا يُلحق بها الوهمية.

"بناءً على أن التوهم غير صادقٍ في كثيرٍ من الأحوال، فإذًا ليست المشقة بحقيقية، والمشقة الحقيقية هي العلة الموضوعة للرخصة، فإذا لم توجد كان الحكم غير لازم، إلا إذا قامت المظنة -وهي السبب- مقام الحكمة، فحينئذٍ يكون السبب منتهضًا على الجواز لا على اللزوم؛ لأن المظنة لا تستلزم الحكمة التي هي العلة على كمالها، فالأحرى البقاء مع الأصل، وأيضًا فالمشقة التوهمية راجعةٌ إلى الاحتياط على المشقة الحقيقية، والحقيقية ليست في الوقوع على وزانٍ واحد، فلم يكن بناء الحكم عليها متمكنًا".

ذكرنا مرارًا أن بعض الناس عندهم الأوهام تبلغ به ما لا تبلغه الحقائق عند غيره، فإذا وصل بالإنسان من الأمور التوهمية حيث يبلغ به من المشقة ما هو أعظم من الأمور الحقيقية، حينئذٍ يُعذر إذا خشي على عقله من شدة الخوف الناشئ بسبب هذا الأمر المظنون أعظم مما يلحق بالأمور الحقيقية، فمثل هذا يُعذر.

"وأما الراجعة إلى أهواء النفوس خصوصًا فإنها ضد الأولى، إذ قد تقرر أن قصد الشارع من وضع الشرائع إخراج النفوس عن أهوائها وعوائدها، فلا تعتبر في شرعية الرخصة بالنسبة إلى كل من هويت نفسه أمرًا، ألا ترى كيف ذم الله تعالى من اعتذر بما يتعلق بأهواء النفوس ليترخص؟ كقوله تعالى: { وَمِنۡهُم مَّن يَقُولُ ٱئۡذَن لِّي وَلَا تَفۡتِنِّيٓ } [التوبة:49] الآية؛ لأن الجد بن قيس قال: ائذن لي في التخلف عن الغزو، ولا تفتني ببنات بني الأصفر، فإني لا أقدر على الصبر عنهن".

وهذا في الواجبات، معارضة الواجبات بمثل هذا غير مُعتبر، الذي يعتذر عن الجهاد؛ لئلا يُفتن ببنات بني الأصفر، مثله لو اعتذر عن الحج قال: أنا لا أستطيع أن أحج؛ لأني أرى من النساء ما يكون فتنةً لي، مثل هذا لا يُعذر، لكن لو اعتذر عن مندوب بواقع قال: أنا والله تكرار العمرة مع هذا الانفتاح الموجود من الناس لاسيما النساء والتبرج أنا لا أستطيع، قلنا: الأمر إليك، هذه مسألة موازنة، فإن كنت تربح في سفرك فسافر، وإذا كنت تخسر في سفرك فلا تسافر.

لأن بعض الناس قد يستدل بهذا ويُستدل عليه بالآية، يقول: والله أنا لا أستطيع أن أذهب إلى مكان كذا، ولا أستطيع أن أسافر لدعوة مثلاً البلد فيه تبرج وفيه كذا، نقول له: أنت أعرف بنفسك، وازن بين الخسائر والأرباح، والمصالح والمفاسد، وبعد ذلك أنت تقرر، إن حرمت نفسك من خير فمرده إليك، وإلا فالأمر أولاً وآخرًا إليك، أما الواجبات فلا تُعارض بمثل هذا، عليه أن يأتي بها مهما بلغ به الأمر.

طالب:.........

نعم.

طالب:.........

يأخذ منهم بقدر ما يُفيده مع إنكاره عليهم.

طالب:.........

معروف أن الوسائل لها أحكام المقاصد.

طالب:.........

هذا على حسب حكم العلم بالنسبة له هل هو متعين أو غير متعين.

"وقوله تعالى: { وَقَالُواْ لَا تَنفِرُواْ فِي ٱلۡحَرِّۗ قُلۡ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّٗا } [التوبة:81] الآية، ثم بيَّن العذر الصحيح في قوله تعالى: { لَّيۡسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرۡضَىٰ وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦ } [التوبة:91] الآيات، فبين أهل الأعذار هنا، وهم الذين لا يطيقون الجهاد، وهم الزمنى، والصبيان، والشيوخ، والمجانين، والعميان، ونحوهم، وكذلك من لم يجد نفقة أصلاً، ولا وجد من يحمله".

هذه أعذار حقيقية، وتلك أعذارٌ وهمية.

طالب:.........

"الزمنى" الذي لا يستطيع المشي، نعم.

طالب: هذه الأعذار إذا كانت حقيقية؟

هذه حقيقية.

طالب: تنهض في معارضة الواجب؟

تنهض نعم؛ ولذلك عُذروا في الجهاد.

"وقال فيه: { إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦ } [التوبة:91] ومن جملة النصيحة لله ورسوله".

هي تنهض لمعارضة الواجب الذي اشتُرط له السلامة منها ما هو أي واجب، تقول لي: هذا أعمى ما يصلي؛ لأنه معذور، لا، لكن ما يجاهد.

الواجب الذي اشتُرطت السلامة منه، اشتُرطت له السلامة منها.

طالب: لأنه كتبت –أنا- التعليق المعارضة للواجبات لا تنهض بمثل هذا، أما غير الواجبات فالنظر فيها عائدٌ إلى الإنسان بمعرفة حال نفسه.

نعم هذا صح.

طالب:.........

أين؟

طالب:.........

هذه رخصة له، يُعارض بها الواجب، لكن كونه يرتكب عزيمة، ويكون فيه غناء للمسلمين، يكون عنده رأي، أو مثلاً أعرج وجد منه من القوة ما يُمكن أن يُشارك به، أو واحد يُعارض عشرة أو مائة، الأمر متروكٌ إليه، هذه عزائم، لكنه لا يُكلف بهذا.

"ومن جملة النصيحة لله ورسوله أن لا يبقوا من أنفسهم بقيةً في طاعة الله، ألا ترى إلى قوله تعالى: { ٱنفِرُواْ خِفَافٗا وَثِقَالٗا } [التوبة:41]، وقال: { إِلَّا تَنفِرُواْ يُعَذِّبۡكُمۡ }[التوبة:39] الآية، فما ظنك بمن كان عذره هوى نفسه؟!

نعم، وضَع الشريعة على أن تكون أهواء النفوس تابعةً لمقصود الشارع فيها".

وضْع الشريعة.

"نعم، وضْع الشريعة على أن تكون أهواء النفوس تابعةً لمقصود الشارع فيها، وقد وسع الله تعالى على العباد في شهواتهم وأحوالهم وتنعماتهم، على وجهٍ لا يُفضي إلى مفسدة، ولا يحصل بها المكلف على مشقة، ولا ينقطع بها عنه التمتع إذا أخذه على الوجه المحدود له؛ فلذلك شُرع له ابتداءً رخصة السَّلم، والقراض، والمساقاة، وغير ذلك مما هو توسعةٌ عليه، وإن كان فيه مانعٌ في قاعدةٍ أخرى".

"مانعٌ من قاعدةٍ أخرى" السَّلم أن يحتاج المزارع مثلاً إلى نقد عين من ذهب أو فضة، ثم يأتي إلى التاجر ويقول له: أعطني مبلغ كذا، أعطني ألف ريال على أن أُعطيك في وقت الحصاد بعد ستة أشهر خمسمائة صاع، يكون الصاع الواحد بريالين، وأنا في وقتها أبيعه بثلاثة، رُخِّص في مثل هذا للحاجة، وإن وُجِد ما يمنع؛ لأنه باع ما لا يملك إلى الآن ما دخل في ملكه، لكن هذا مُستثنى.

ومثله القراض، المضاربة، الشركة والمساقاة وغيرها، كلها يُوجد فيها ما يمنع؛ لأنها عقود لا تسلم من شيءٍ من الغرر، لكن للمصلحة الراجحة المترتبة عليها أُجيزت.

"وأُحل له من متاع الدنيا أشياء كثيرة، فمتى جمحت نفسه إلى هوىً قد جعل الشرع له منه مخرجًا وإليه سبيلاً، فلم يأته من بابه، كان هذا هوىً شيطانيًّا واجبًا عليه الانفكاك عنه، كالمولع بمعصيةٍ من المعاصي، فلا رخصة له ألبتة؛ لأن الرخصة هنا هي عين مخالفة الشرع بخلاف الرخص المتقدمة، فإن لها في الشرع موافقةً إذا وزنت بميزانها.

فقد تبين من هذا أن مشقة مخالفة الهوى."

وهذه الرخص التي جاءت على خلاف العزائم يُقتصر عليها في مواردها، يُقتصر عليها، فلا يؤتى بعقد يُباح مع مخالفته لنصوص يُقال: إن الشارع أباح نظير هذا العقد في السَّلم مثلاً، ألا يبقى النص مُحكمًا إلا ما استُثني منه، هذا على القول بأن هذه الأمور جاءت على خلاف الأصل، وهو قول كثير من الفقهاء أنه يبقى الكلام في الأصل وما جاء على خلافه يُنزَّل في منزلته، ومن قال: إنها أصول بذاتها مادام جاء فيها أدلة صارت أصولًا، فالسَّلم جارٍ على الأصل، والقراض جارٍ على الأصل، والمساقاة جارية على الأصل، ويبقى أنه معارضٍ بأصلٍ آخر، وكلها أصول، فهذه تُنزَّل منازلها، وتلك تُوقع في مواقعها، وهذا رأي شيخ الإسلام وابن القيم وغيرهم، يقولون: ما فيه شيء في الشرع جاء الشرع بتقريره وهو على خلاف الأصل؛ لأن الدليل الخاص أصل، وإن عورض بأدلةٍ عامة يكون هذا أصًا في موضعه، وذاك أصلًا في موضعه.

طالب:........

هم يقولون حتى شيخ الإسلام: ما كان منعه من قبيل الوسائل تُبيحه الحاجة، عندهم يتوسعون في هذا، في إباحة الحاجة، لكن إذا مُنع بنص صار منعه لذاته، وأنت إذا نظرت إلى المسألة من أطراف قد يكون هذا العمل وسيلة إلى غيره، وهو بحد ذاته غاية مقصد من مقاصد الشرع، فعندنا مثلاً الوضوء شرط من شروط الصلاة، فهو وسيلة من وسائلها وليس بغاية، بدليل أنك لا تتوضأ لغير شيء، تتوضأ لهذه العبادة، وهو بحد ذاته جاء الأمر به، والترغيب فيه، والتحذير من تركه، وجاءت النصوص المتكاثرة على اهتمام الشرع بهذا، فهو غايةٌ من هذه الحيثية.

فنقُول: إن هذا شُرع لغيره، فيترك لمعارضٍ ثانٍ؟ لا، لكن لو بعدُ مثل ضربنا أمثلة كثيرة في هذا المجال، وقلنا: إن الوسائل تتفاوت.

فالوضوء له وسائل، الآن الوضوء وسيلة إلى الصلاة، الوضوء اعتبرناه أصلًا باعتبار كثرة ما جاء فيه من النصوص وإن كان وسيلةً إلى الصلاة، فهو من هذه الحيثية يُعامل معاملة الغايات.

هذا الوضوء له وسائل نعم، نفترض الوضوء هذا صار بماءٍ مغصوب مثلاً، الماء وسيلة إلى تحقيق هذه الغاية، الماء ليس بمغصوب مُباح، لكن إناؤه مغصوب، أو ذهب ومُحرَّم، فكلما بعدت الوسائل عن الغاية الأصلية خف أمرها، وإن كان التحريم متجهًا إليها، لكن أثرها في العبادة التي شُرِعت من أجل ما شُرِعت من أجله يكون تأثيرها في العبادة أخف.

فالوضوء تأثيره في الصلاة مباشر، وإن خرج عن الصلاة، الماء تأثيره في الوضوء مباشر، لكن تأثيره في الصلاة أقل، الإناء تأثيره في الماء، لكن تأثيره في الوضوء أبعد، وتأثيره في الصلاة أبعد، المبلغ الذي اشتُري به الإناء أو اشتُري به الماء أيضًا يحتمله ما يحتمل هذه السلسلة، وكل ما قرب من الغاية كان أمره أضيق، وكل ما بعد وإن كان التحريم لازمًا والإثم لازمًا، لكن تأثيره على العبادة الأصلية أخف.

طالب:........

نعم.

طالب:........

نعم.

طالب:........

يبقى أن النصوص في مثل هذا التي لها ما يُعارضها من نصوص أو قواعد شرعية عامة تُورد في مواردها فقط، يُقتصر عليها في موضعها.

طالب:........

يا أخي لو فتحنا هذا الباب ما بقي شيء، لو قلنا: إن ما مُنع من أجل الوسائل يُباح للحاجة، تدري أنهم دخلوا من هذا الباب للتوسع في التصوير، ماذا قالوا؟ قالوا: إن التصوير مُنع للمضاهاة، الآن ما فيه مُضاهاة، والحاجة داعية، إذًا ما فيه شيء، وركنا النصوص كلها رغم ما جاء فيها من تشديد وتهويل، «أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون» الأمر ما هو سهل.

طالب:........

ما يخالف، نطردها فيما ورد فيه النص فقط، ما عدا ذلك يبقى المنع منعًا، وإلا ما بقي لنا شيء.

"فقد تبين من هذا أن مشقة مخالفة الهوى لا رخصة فيها ألبتة، والمشقة الحقيقية فيها الرخصة بشرطها، وإذا لم يوجد شرطها فالأحرى بمن يريد براءة ذمته وخلاص نفسه الرجوع إلى أصل العزيمة، إلا أن هذه الأحروية تارةً تكون من باب الندب، وتارةً تكون من باب الوجوب، والله أعلم".

طالب:.........

أين؟

طالب:.........

العزيمة، لمَّا قلنا: العزيمة ما جاء بدليلٍ شرعي من غير معارض هذه عزيمة، إذا جاء بدليلٍ شرعي على خلاف دليل الموافقة، إذا جاء على وفق الدليل الشرعي هذا العزيمة، إذا جاء على خلاف الدليل الشرعي لمعارض الراجح هذه الرخصة، تبقى العزائم هي الأصل وإذا احتيج للرخصة في موضعها.

قف على هذا.

طالب: نقف.

نعم قف.

"