كتاب الصلاة (04)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يقول: ما الفرق بين تعبير العلماء المتقدمين والمتأخرين بكلمة (لو، وإن، وإذا)؟

(لو) من حيث المعنى في الأصل أنها حرف امتناع لامتناع، لو اجتهدت لنجحت، امتنع النجاح لامتناع الاجتهاد.

(وإن) شرطية تجزم اللفظ من غير جزم المعنى.

(وإذا) شرطية أيضًا هي جزم في المعنى بدون جزمٍ في اللفظ؛ ولذلك يقول قائلهم:  

أنا إِنْ شَكَكْتُ وجدتموني جازمًا

 

وإذا جزمت فإنني لم أجــزمِ

 يقول: ما الفرق بين تعبير العلماء المتقدمين والمتأخرين بالكلمات الثلاثة؟

هو يسأل عمَّا يستعمله بعض المتأخرين من الفقهاء لهذه الحروف في سياق الخلاف.

طالب:.......

حتى ما لو ثبت.

طالب:.......

أين؟

طالب:.......

لا ما تذكر الخلاف.

يُعبرون على الخلاف بهذه الحروف فــ(لو) للخلاف القوي، و(حتى) للخلاف المتوسط، و(إن) للخلاف الضعيف، هذا الذي مشى عليه المتأخرون أو بعض المتأخرين، ليس كلهم من فقهاء الحنابلة.

هذا يقول: المعنى صالح عند أبي داود -رحمه الله- هو الحديث الحسن أو المعنى أنه صالح الإسناد، فحينئذٍ يشمل الحسن والصحيح؟

أبو داود في رسالته لأهل مكة قال: ذكرت فيه الصحيح، وما يُشبهه ويُقاربه، وما فيه من وهنٍ شديدٍ بينته، وما سكت عنه فهو صالح.

ابن الصلاح يرى أن الصلاحية هنا مرتبة متوسطة، لو أراد فيها الصحيح لقال: صحيح، ومعروف أن الضعيف يُبينه على حسب دعواه في رسالته مع أنه لم يُبين في كثيرٍ من المواضع حتى الوهن الشديد فيه مواضع ما بيَّنها.

على كل حال نحن ما نناقش إمامًا من أئمة الحديث، لكن كلامه هذا يدل على أن ما سكت عنه ولم يُبين ضعفه أنه على حد قوله: صالح، والصلاحية في الأصل أعم من أن تكون للاحتجاج وتشمل الصحيح، أو للاستشهاد فتكون في الضعيف الذي ضعفه ليس بشديد مما يقبل الانجبار، فالصلاحية عنده معناها يحتمل الصلاحية للاحتجاج، فيدخل فيها الصحيح والحسن، ويشمل الصلاحية للاستشهاد، فيدخل فيه الضعيف المنجبر.

ابن كثير يقول: وقفت على نسخةٍ من رسالته إلى أهل مكة بدل صالح قال: حسن، ما سكت عنه فهو حسن، وهذا الذي مال إليه ابن الصلاح في حُكمه بالعموم على ما سكت أبو داود أنه حسن، ولكن الواقع واقع الكتاب وأحاديث الكتاب أن هذه الصلاحية أعم من ذلك، فسكت عن أحاديث لا تصل إلى درجة الحسن فهي ضعيفة، بل سكت عن أحاديث قد التزم بيانها ما فيه وهنٌ شديدٌ بينته أو قلته، ومع ذلك فيها ضعفٌ شديد ما بيَّنه.

ويُعتَذر عنه بأن البيان أعم من أن يكون مع الحديث مباشرةً قد يكون بيَّن في موضعٍ آخر، قد يكون بيَّن شيئًا مما يتعلق بالحديث بذكر حال راوي من رواته، فتُجمع أقواله في السُّنن وفي سؤالات الآجُري وفي غيرها، فالأمر أعم من ذلك.

وعلى كل حال هذا الواقع، والصواب أن يُحكم على كل حديثٍ بما يُناسبه من الصحة، والحُسن، والضعف، "والحق أن يُحكم بما يليق" قاله العراقي في مستدرك الحاكم، والبُستي يُداني الحاكم يعني في التساهل، على كل حال المسألة تحتاج إلى مزيد بسط، لكن هذا الذي يُناسب المقام.

ذكرنا الدرس الماضي أن نسخة الشيخ/ أحمد شاكر من البخاري فيها (جنابذ)، نُسخته الخطية، (جنابذ) بدل (حبائل)، وأن الذين أعادوا طباعة الكرماني على طريق التكليش -على ما قالوا- لا هو طباعة ولا تصوير، صار بين البغل والحمار، ألحقوا تعليقة الشيخ/ أحمد شاكر، قال: صوابه (جنابذ) كما قاله الخطابي، وهو الموافق لنسختي المخطوطة، كتبه أحمد محمد شاكر.

هذا في أي شيء؟ ......... هنا صفحة ثمانية، بينما الطبعة الأصلية من الكرماني ما فيها شيء، وهي أصل تلك الطبعة، ما فيها شيء.

السوداء هذه أصلية، وهذه كليشة.

هذه أيضًا كليشة على طبعة بولاق لصحيح البخاري، صحيح البخاري –كما تعلمون- طُبِع في بولاق يُسمونه السلطانية سنة ألف وثلاثمائة وإحدى عشر، ووقع فيها أخطاء يسيرة تُقارب المائة في التسعة الأجزاء، فأُعيد طبع الكتاب بعد ثلاث سنوات سنة ألف وثلاثمائة وأربعة عشر بنفس المطبعة مطبعة بولاق، وصُحِّحت الأخطاء، من سنة ألف وثلاثمائة وأربعة وعشرين وُجِدت الكليشة، التكليش قديم، يصيرون محتفظين بالحروف، الحروف التي طُبِع فيها في الطبعة الأولى المطبعة تحتفظ بالحروف على ألواح الرصاص تكون جاهزة متى ما أرادوا إعادة الطبع، لكنها لا تكون طبعة أصلية، تكون فرعًا عنها، هذه سنة ألف وثلاثمائة وأربعة وعشرين بعد عشر سنوات، قديمة وليست بأصلية كليشة؛ ولذلك قالوا: كالمطبوع على النسخة الأميرية المطبوعة سنة أربعة عشر، يعني هذه كليشة، وهذه صورة، هذه صورة، تجد الصفحات واحدة.

طلعوا صفحة نقرأ فيها صفحة تسع وسبعين عندك تسع وسبعين، ما الذي قبله كتاب الصلاة؟

افتح أول الكتاب.

طالب:.......

هؤلاء وضعوا مقدمة، مقدمة الطبعة السلطانية، ثم بدأ الحديث الأول بدء الوحي في صفحة ستة. نفس الشيء

طالب:.......

نعم؛ لأنه ما ذكر المقدمة حذف المقدمة.

الحجري قديمٌ جدًّا، وهو أشبه ما يكون بالتصوير، هذه ليست قديمة، لكن أصلها، النشرة الأولى من هذه الطبعة الحجرية يمكن ألف ومائتين وسبعين، ثم بعد ذلك يُعيدونها بالطباعة على الحجر كما يقولون متى ما احتاجوا إلى ذلك، هذه هندية وحجرية.

هذا في النهاية أنه جهلٌ لا يضر، الذي يعنينا الكتب، ويعرف الفروق بينها، وإلا فالأصل أن طالب العلم لا يحتاجه.

هذا آخر الدروس بالنسبة لهذا الفصل، بالنسبة للبخاري آخر الدروس، والتفسير انتهى أمس، وغدًا كتاب التوحيد، ونستمر على كتاب التوحيد حتى ينتهي، وباقٍ خمسة أبواب أو ستة نُخصص لها الأسبوع القادم حتى ينتهي الكتاب، ثم بعد ذلك تبدأ الاختبارات، والطلاب الله يعينهم.

نعم.

الحمد لله رب العالمين.

"فَرَضَ اللَّهُ الصَّلاَةَ حِينَ فَرَضَهَا، رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ" قرأته؟

طالب: ما قرأتها.

اقرأ ما يضر.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: "حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: فَرَضَ اللَّهُ الصَّلاَةَ حِينَ فَرَضَهَا، رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، فِي الحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَأُقِرَّتْ صَلاَةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ فِي صَلاَةِ الحَضَرِ.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد...

فيقول الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: "حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ" التنيسي.

"قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ" الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة نجم السُّنن.

وصَحَّحُوا استغناءَ ذي الشُّهْرَةِ عَنْ

 

تَزكيةٍ كمالِكٍ نَجْمِ السُّنَنْ

الآن أنت إذا أردت أن تدرس هذا الإسناد عبد الله بن يوسف قد يحتاج كثير من طلاب العلم ممن لا يعرف حاله أن يرجع إليه في كتب الرجال، لكن هل يُتصوَّر أن من له أدنى صلة بالعلم أن يُراجع كُتب الرجال ليعرف حال الإمام مالك؟! ولذلك صحَّحوا الاكتفاء بالشهرة.

وصَحَّحُوا استغناءَ ذي الشُّهْرَةِ عَنْ

 

تَزكيةٍ كمالِكٍ نَجْمِ السُّنَنْ

هذا ما يحتاج إلى تزكية.           

"قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ" صالح بن كيسان من شيوخ الإمام مالك، ومعلومٌ أن الإمام مالك لا يروي إلا عن ثقة، وصالح بن كيسان متفقٌ عليه، مثل عبد الله بن يوسف، وليس بمثل مالك.

وصالح بن كيسان قالوا في ترجمته: أنه طلب العلم وهو كبيرٌ جدًّا؛ حتى قيل: إنه بدأ طلب العلم وعمره تسعون سنة، طلب العلم فلا يأس، ما يقول واحد: والله أنا وصلت الثلاثين خلاص راح العمر، وصلت الأربعين أو الخمسين، لا، هذا قيل فيه: تسعين سنة، قيل: ثمانين، وقيل: سبعين، وأقل ما قيل: خمسين، وعُرِف بالعلم؛ حتى عُد من كبار الآخذين عن الزُّهري، قالوا: هو أكبر من الزُّهري، لكن من طلابه.

"عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ" هي خالة عروة.

"قَالَتْ: فَرَضَ اللَّهُ الصَّلاَةَ حِينَ فَرَضَهَا، رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ" حين فرض الصلاة كم عمر عائشة رضي الله عنها؟ في حدود الأربع، ما تصل خمسة، فكيف تقول: "فَرَضَ اللَّهُ الصَّلاَةَ حِينَ فَرَضَهَا، رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ"؟ احتمال أن تكون قد سمعت ذلك من الرسول –عليه الصلاة والسلام- أو سمعته من صحابيٍّ آخر، وحينئذٍ إن سمعته من النبي –عليه الصلاة والسلام- فلا كلام، وإن سمعته من صحابيٍّ آخر فهو مرسل صحابي، وحُكمه حُكم الرفع، وهو حُجةٌ بالاتفاق.

أما الذي أرسله الصحابي

 

فحكمه الوصل على الصواب

طالب:........

ماذا؟

طالب:........

المقصود هذا على أقل احتمال، وإلا فالتمييز هو الحد الفاصل لقبول الرواية تحملاً لا أداءً، الأداء ما فيه إلا بعد البلوغ، ما يُقبل الأداء إلا بعد البلوغ، وأما التحمل فيُقبل في الصغر، كما يُقبل في حال الكفر، في الصغير يُقبل تحمله، ومحمود بن الربيع عقل المجة التي مجها رسول– صلى الله عليه وسلم- في وجهه من دلو وهو ابن خمس سنين، وفي روايةٍ عند الخطيب أربع سنين.

"فَرَضَ اللَّهُ الصَّلاَةَ حِينَ فَرَضَهَا، رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ" فرض يعني: قدَّر أو أوجب، قدرها أم أوجبها؟

طالب:.......

هذا مقابل.

"فَرَضَ اللَّهُ الصَّلاَةَ حِينَ فَرَضَهَا، رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ" يحتمل أن تكون قدَّر، ويحتمل أن تكون أوجب. 

"فِي الحَضَرِ وَالسَّفَرِ فَأُقِرَّتْ صَلاَةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ فِي صَلاَةِ الحَضَرِ" الحنفية عندهم القصر واجب؛ أخذًا من هذا الحديث، والجمهور عندهم أن القصر رخصة، طيب يا حنفية (فرض) عندكم بمعنى أوجب، والفرض والواجب عندكم مختلفان، عند الجمهور واحد.

طالب: الفرض أعلى.

نعم؛ لأن الفرض عندهم ما ثبت بدليلٍ قطعي، والواجب ما ثبت بدليلٍ ظني.

الأمر الثاني: أنكم توجبون القصر والفرض بالدليل القطعي، والدليل هنا ليس بقطعي، ظني على الاصطلاح بغض النظر عن أن ما رواه البخاري يُفيد القطع أو يُفيد الظن كما هو معلوم.

الآية التي تدل على القصر {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء:101] ورفع الجناح لا يعني الوجوب كما هو مستمسك الجمهور في حكم القصر، وجاء في الحديث أنه رخصة أو صدقة تصدق الله بها كل هذا يدل على عدم الوجوب.

فإذا كنتم تقولون بوجوب القصر والآية تقول: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} [النساء:101]، وأنتم تقولون بعدم وجوب السعي مستدلين بقوله –جلَّ وعلا-: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة:158] ظاهر؟

طالب: ........

لا، لا.

إذًا كيف يُجاب عن هذا الحديث "فَرَضَ اللَّهُ الصَّلاَةَ حِينَ فَرَضَهَا، رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي الحَضَرِ وَالسَّفَرِ فَأُقِرَّتْ صَلاَةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ فِي صَلاَةِ الحَضَرِ" إلا الصبح فجاء استثنائها؛ لأنها تُطوَّل فيها القراءة، وإلا المغرب فإنها وتر النهار، فلا يُزاد فيهم، ومن الأصل صلاة المغرب ثلاث، وفي المسألة كلامٌ طويل نسمعه في كلام الحافظ، ونعلق عليه.

اقرأ.

قال الحافظ –رحمه الله-: "قوله: "عن عائشة قالت: فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين" كررت لفظ ركعتين؛ لتقيد عموم التثنية لكل صلاة".

لتفيد.

"كررت لفظ ركعتين؛ لتفيد عموم التثنية لكل صلاة".

إذا قال: توضأ ثلاثًا ثلاثًا، يعني كل عضو ثلاثًا، لكن لو قال: توضأ ثلاثًا، يكون توضأ ثلاث مرات، وأما توضأ ثلاثًا ثلاثًا؛ ليُفيد التجزئة في الغسلات وفي الأعضاء.

"كررت لفظ ركعتين؛ لتفيد عموم التثنية لكل صلاة، زاد ابن إسحاق قال: حدثني صالح بن كيسان بهذا الإسناد (إلا المغرب فإنها كانت ثلاثًا) أخرجه أحمد من طريقه".

فإنها وتر النهار، "إلا المغرب فإنها وتر النهار"، لكن هل المغرب في الليل أم في النهار؟

طالب:.........

فيها جزء من النهار أم بعد غروب الشمس؟

طالب:........

خلاص ما فيها نهار، فكيف قال: "وتر النهار" وهي في الليل، بالاتفاق بالليل؟

طالب:.......

للملاصقة كما قيل في حديث «شَهْرَا عِيدٍ لاَ يَنْقُصَانِ» عيد الفطر أين؟ في شوال، والمراد بالشهر الذي... رمضان؛ لقربه وملاصقته له.

"وللمصنف في كتاب الهجرة من طريق معمر عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: فرضت الصلاة ركعتين، ثم هاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- ففرضت أربعًا، فعين في هذه الرواية أن الزيادة في قوله هنا: "وزيد في صلاة الحضر" وقعت بالمدينة، وقد أخذ بظاهر هذا الحديث الحنفية، وبنوا عليه أن القصر في السفر عزيمةٌ لا رخصة، واحتج مخالفوهم بقوله -سبحانه وتعالى-: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء:101] لأن نفي الجناح لا يدل على العزيمة، والقصر إنما يكون من شيءٍ أطول منه، ويدل على أنه رخصةٌ أيضًا قوله -صلى الله عليه وسلم-: «صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ».

وأجابوا عن حديث الباب بأنه من قول عائشة غير مرفوع، وبأنها لم تشهد زمان فرض الصلاة، قاله الخطابي وغيره.

وفي هذا الجواب نظر، أما أولاً: فهو مما لا مجال للرأي فيه فله حكم الرفع.

وأما ثانيًا: فلعل تقدير تسليم أنها لم تدرك القصة يكون مرسل صحابيٍّ، وهو حجة؛ لأنه يحتمل أن تكون أخذته عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أو عن صحابيٍّ آخر أدرك ذلك.

وأما قول إمام الحرمين: لو كان ثابتًا لنُقل متواترًا ففيه أيضًا نظر؛ لأن التواتر في مثل هذا غير لازمٍ.

وقالوا أيضًا: يُعارض حديث عائشة هذا حديث ابن عباس: فرضت الصلاة في الحضر أربعًا وفي السفر ركعتين. أخرجه مسلم.

والجواب أنه يمكن الجمع بين حديث عائشة وابن عباس –رضي الله عنهم- كما سيأتي فلا تعارض، وألزموا الحنفية على قاعدتهم فيما إذا عارض رأي الصحابي روايته بأنهم يقولون: العبرة بما رأى لا بما روى".

والجمهور على العكس: العبرة بما روى؛ لأنه هو الحجة الملزمة لا بما رأى.

"وألزموا الحنفية على قاعدتهم فيما إذا عارض رأي الصحابي روايته بأنهم يقولون: العبرة بما رأى لا بما روى".

لأن ما روته عائشة يدل على ما يؤيِّد مذهبهم، وما صنعته يدل على رد مذهبهم، وأنها أتمت الصلاة في السفر، وأنها تأوَّلت مثل ما تأوَّل عثمان -رضي الله عنهم جميعًا-.

"وخالفوا ذلك هنا، فقد ثبت عن عائشة أنها كانت تتم في السفر، فدل ذلك على أن المروي عنها غير ثابتٍ".

يعني على طريق الإلزام للحنفية، وأن العبرة بما رأى الصحابي لا بما روى.

"والجواب عنهم: أن عروة الراوي عنها قد قال لما سُئل عن إتمامها في السفر: إنها تأوَّلت كما تأوَّل عثمان، فعلى هذا لا تعارض بين روايتها وبين رأيها، فروايتها صحيحة، ورأيها مبنيٌّ على ما تأوَّلته.

والذي يظهر لي وبه تجتمع الأدلة السابقة أن الصلوات فُرِضت ليلة الإسراء ركعتين ركعتين إلا المغرب، ثم زيدت بعد الهجرة عقب الهجرة إلا الصبح، كما روى ابن خزيمة، وابن حبان، والبيهقي من طريق الشعبي، عن مسروقٍ، عن عائشة قالت: فُرِضت صلاة الحضر والسفر ركعتين ركعتين، فلما قدِم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة واطمأن، زيد في صلاة الحضر ركعتان ركعتان، وتُرِكت صلاة الفجر؛ لطول القراءة، وصلاة المغرب؛ لأنها وتر النهار. انتهى.

ثم بعد أن استقر فرض الرباعية خُفِِّف منها في السفر عند نزول الآية السابقة وهي قوله تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء:101] ويؤيد ذلك ما ذكره بن الأثير في (شرح المسند) أن قصر الصلاة كان في السنة الرابعة من الهجرة، وهو مأخوذٌ مما ذكره غيره أن نزول آية الخوف كان فيها".

ابن الأثير له شرح على المسند ما اسمه؟

طالب:........

وأي مسندٍ؟

طالب:........

شرح على مُسند الشافعي اسمه (شافي العي في شرح مسند الشافعي) نعم.

"وقيل: كان قصر الصلاة في ربيعٍ الآخر من السنة الثانية ذكره الدولابي، وأورده السهيلي بلفظ: (بعد الهجرة بعامٍ أو نحوه).

وقيل: بعد الهجرة بأربعين يومًا، فعلى هذا المراد بقول عائشة: "فأُقِرت صلاة السفر" أي: باعتبار ما آل إليه الأمر من التخفيف؛ لأنها استمرت منذ فُرِضت".

طالب: ........

ماذا؟

لا أنها استمرت.

"فأُقِرت صلاة السفر" أي: باعتبار ما آل إليه الأمر من التخفيف لا أنها استمرت منذ فُرِضت، فلا يلزم من ذلك أن القصر عزيمة، وأما ما وقع في حديث ابن عباسٍ: (والخوف ركعة) فالبحث فيه يجيء -إن شاء الله تعالى- في صلاة الخوف.

فائدة: ذهب جماعةٌ إلى أنه لم يكن قبل الإسراء صلاةٌ مفروضة إلا ما كان وقع الأمر به من صلاة الليل من غير تحديد، وذهب الحربي إلى أن الصلاة كانت مفروضةً ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي، وذكر الشافعي عن بعض أهل العلم أن صلاة الليل كانت مفروضةً، ثم نُسخت بقوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل:20] فصار الفرض قيام بعض الليل، ثم نُسخ ذلك بالصلوات الخمس.

واستنكر محمد بن نصرٍ المروزي ذلك، وقال: الآية تدل على أن قوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل:20] إنما نزل بالمدينة؛ لقوله تعالى: {وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [المزمل:20] والقتال إنما وقع بالمدينة لا بمكة، والإسراء كان بمكة قبل ذلك. انتهى".

فرض قيام الليل في أول الأمر قبل فرض الصلوات الخمس قول معروف عند أهل العلم، ومنهم من يخصه بالنبي –صلى الله عليه وسلم– لا أنه فرضٌ على الأمة، وبعضهم ينفي أن يكون فُرِض عليه –عليه الصلاة والسلام- لقوله –جلَّ وعلا-: {فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء:79] والنافلة غير الفريضة.

وعلى كل حال الكلام في أمرٍ مضى ونُسِخ سواءً وجب أو لم يجب من باب العلم، إذا قلنا: إنها مفروضة، ثم نُسِخت الذي يهمنا من ذلك أن نعلم هذا، وأنه كان قد وقع هذا، ثم نُسِخ، فلا يلزمنا العمل بالمنسوخ. 

"وما استدل به غير واضح؛ لأن قوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ} [المزمل:20] ظاهرٌ في الاستقبال، فكأنه -سبحانه وتعالى- امتن عليهم بتعجيل التخفيف قبل وجود المشقة التي علم أنها ستقع لهم، والله أعلم".

(أنْ) هذه ما معناها؟

طالب:........

الشيخ يقول: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ} [المزمل:20] هي مُخففة من الثقيلة، والأصل علم أنه، اسمها ضمير الشأن والجملة خبر.