كتاب بدء الوحي (095)

السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّ الله وسلَّمَ وبارَكَ على عبدِهِ ورسوله، نبينا محمد، وعلى آله وأصحابِهِ أجمعين، أمَّا بعْد:
ففي الحديثِ الذي نحنُ بصدَدِ شرحه منذ أشهر، حديث هرقل الطَّوِيل، قال:
"وسارَ هرقل إلى حمص"، تكلَّمْنا عنْ حِمْص، وما قِيل فيها، قال: "فلَمْ يَرِمْ حِمْصَ"، أي: لمْ يفارِقْها، "حتَّى أتاهُ كتابٌ منْ صاحبه، حتَّى أتاه كتابٌ من صاحبه يوافِقُ رَأْيَ هرقلَ على خروجِ النَّبي –صلى الله عليه وسلَّم- وأنَّه نبيّ".
يقول: "حتَّى أتاه كتابٌ من صاحبِهِ" الذي بروميَة، الذي سَبَقَ ذِكْرُهُ، قال: "ثمَّ هرقل إلى صاحبٍ له بروميَّة"، صاحبه هذا الذي كان هرقل نظيرَهُ في العلمِ كتبَ لهُ، مضمون الكِتاب يوافِق مَا توصَّلَ إليْه هرَقْل مِن أدلَّة شرعيَّة وغِير شرْعِيَّة، عقليَّة ونقليَّة على أنَّ، على خروجِ النبي–عليه الصَّلاة والسَّلام-، وأنَّه نبي، عقليَّة كما تقدَّم في أسئلته لأبي سفيان التي منها: العقلِي والنَّقْلِي، الشَّرْعِي منها: مما جاء في شريعتِهِم، وغير الشَّرْعِي" في نظره في النُّجوم، وما توَّصَل إليه بطريقته الخاصَّة. هذه غير شرعيَّة، لكِن لمَّا ذُكِرَت، وذُكر هذا الطَّريق من طريقِ الاستدلال في هذا الكِتَابِ؛ ليتبيَّن أنَّ الإخبارَ بالنَّبي –عليه الصلاة والسلام- والبِشارَة به جاءت من كلِّ طريق، من كلِّ طريق، لو يكتب كاتِب منَ الكُّفَّار –وقدْ حصَل- يمدحُ فيهِ النبي –عليه الصَّلاة والسَّلام- وما جاءَ عنهُ –عليه الصَّلاةُ والسَّلام- من دينٍ وخُلُقٍ، يمدحُ هذا وهذا موجود في كِتابَات بعضِ العُقَلَاء من الكُفَّارِ، هذا لا مانِع مِن أن يستفاد منه، ويستدلُّ بهِ والحقُّ- كما قال أهل العلمِ- ما شهِدَت به الأعداء.

 لكن هل الحق محصور فيما شهدت به الأعداء؟ لا، الحق فيما جاء عن الله وعن رسوله  عن المعصوم، هذا هو الحق، وقدْ يقول الإنسانُ حقًّا، لكِنْ لا يجوزُ رفْعُه إلى منِ الأصلُ فيهِ الحق: وهو الله ورسولُه، فالله ورسوله لا يقول إلا حقًّا، وما يقولُهُ بعضُ البَشَر مما يوافقُ فيه الحق أو يكونُ حقًّا مقطوعًا بهِ يثبُتُ أنَّه حقٌ، لكن يبقى أنَّهُ قولُ بشرٍ؛ لأنَّ بعضَ مَنْ فُتِنَ يرى أنَّه إذا كان الكلامُ حقًّا يمكن أن يركَّب له إسناد حق ولو من جهة نظرِه، ويُرفع إلى النبي– عليه الصلاة والسلام-، وجاءُ بعضُ الأخبار المطابقة للواقِع مما رُكِّبَ له أسانيد، لكن لا يُثبِته أهلُ العلم مرفوعًا إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- من الأمور التي وقَعَ صِدْقها أو مطابقتها للواقِع.
قبْل سنين، قبل عشرين سَنَة تداوَل النَّاس حديثًا أو يزعمون أنَّه حديث: إذا شُقَّ أبو قبيس فانتظروا الساعة. شُّق أبو قبيس، هل نقول: إنَّ هذا الخبر لما طابق الواقع يجوز رفعه إلى النَّبي –عليه الصَّلاة والسلام-؟ لا يجوز رفعه إلى النبي –عليه الصلاة والسلام- إلَّا إذا ثبت في دواوين الإسلام المعتمدة بسندٍ صحيح؛ لأنَّه قد يوجد في الدواوين غير المُعتبرة، تجد خبر
ًا سنده صحيح، لكنه في كتابٍ من كتبِ الأدب مثلاً، أو التَّواريخ، وتفتشُ عنه في دواوين الإسلام في السنَّة النبويَّة ما تجِد لهُ أصْلًا، فمثْل هذا يُستدلُّ به على وضعِه، كما قرَّره أهلُ العلمِ، ولا يعني أن الخبر إذا طابقه الواقع وكان صحيحًا، يعني هل يجوز لشخصٍ أن يقول: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- الواحدُ نصفُ الاثنين؟ لا يجوز بحال، هذا وضَّاع، كذَّاب، ومعَ ذلك الخبَر مقطوعٌ بهِ، هذه الأخْبارُ التي جاءت من كلِّ طريق، كلُّها تصبُّ في مصبٍّ واحد وهو الاتِّفاق على خروج النبي –عليه الصلاة والسلام- وأنَّه نبي.
قال ابن حجر: "وفي حديث دحية الذي أشرتُ إليه، قال: فلمَّا خرجوا أدْخلني عليه، فلمَّا خرجوا أدخلني عليه وأرسَلَ إلى الأسْقُف وهو صاحب أمرهم، فقال: هذا الذي كنَّا ننتظر، وبشرنا به عيسى، أمَّا أنا فمصدِّقه ومتَّبعه، فقال له قيصَر: أمَّا أنا إن فعلتُ ذلِك ذهبَ ملكي، فذكر القصَّة. وفي آخره، فقال لي الأسقف: خُذ هذا الكتاب واذهب به إلى صاحبك فاقرأ عليه السلام، وأخبره أنِّي أشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمد رسول الله، وأنِّي قد آمنت به وصدقته، وأنَّهم قد أنكروا عليَّ ذلك، ثم خرج إليهم فقتلوه.
وفي رواية ابن إسحاق أنَّ هرقل أرسل إلى ضغاطر الرومي وقال: إنَّه في الروم أجْوزَ قولًا مني -يعني قوله يجوز عندهم يمشي، أدرج، كلامه أدْرَج من كلام هرقل-، وأنَّ ضغاطر المذكور أظهر إسلامه وألقى ثيابه التي كانت عليه ولبس ثيابًا بيضًا، وخرج على الرُّوم فدعاهم إلى الإسلام، وشهد شهادة الحق، فقاموا إليه فضربوه حتى قتلوه. قال: فلمَّا رجع دِحية إلى هرقل، فلما رجع دحية إلى هرقل".
الآن: ضغاطر هذا يعتبر صحابيًّا
أم لا؟ لم يرَ النبي –عليه الصلاة والسلام- فهو في حُكْم كبارِ التَّابعين، يُسمَّى مخضرمًا عند أهلِ العلم.
"
فلما رجع دحية إلى هرقل قال له: قد قلتُ لك: إنَّا نخافهم على أنفسنا، فضغاطر كان أعظم عندهم مني". يعني هرقل هو عظيم الروم بالنصِّ الصَّحيح الصَّريح، فكيف يكون ضغاطر عندهم أعظم عندهم؟ قد تكون عظمةُ هرقل عظمة دنيا –منصب- وعظمةُ ضغاطر هذه عظمة دين –منصب ديني- يقول ابن حجر: "قلتُ: فيحتمل أن يكون هو صاحب رومية الذي أُبْهم هنا" –هو ضغاطر-، "لكن يعكر عليه ما قيل: إنَّ دحيةَ لم يقدِم على هرقل بهذا الكتاب المكتوب في سنة الحديبية، وإنَّما قدِم عليه بالكتابِ المكتوب في غزوة تبوك، فالرَّاجح أنَّ دحيةَ قدِم على هرقل أيضًا في الأولى" يعني قدم في المرتين، ابن حجر فسَّر المبهم - صاحب روميَّة- بأنه: ضغاطر من خلال القصَّة التي دارت بينه وبين دحية، طيِّب دحية ما حضر القصَّة الأولى التي حصلت على إثر الصُّلح، إنَّما حصل حينما حمل الكتاب الذي كتبه النَّبي– عليه الصلاة والسلام- في غزوة تبوك، يقول ابن حجر أبدًا ما فيه ما يدل على عدم حضوره، قال: " لكن يعكر عليه ما قيل إنَّ دحيةَ لم يقدِم على هرقل بهذا الكتاب المكتوب في سنة الحديبية، وإنَّما قدِم عليه بالكتاب المكتوب في غزوة تبوك. قال: فالرَّاجح أنَّ دحيةَ قدِم على هرقل أيضًا في الأولى".
يعني التَّرْجيح بينَ ما دلَّت عليهِ هذه القصَّة وبينَ ما قِيل من نفيِ قدومِه على هرقْل في المرَّةِ الأولى.
طالب:....
نعم، ما في شك، نعم في غزوة تبوك كتب له.
طالب:....
وكتب هرقل أيضًا، كتب هرقل أنه قد أسلم، قال: «كذب هو على نصرانيته».
يقول ابن حجر: "فعلى هذا يمكن أن تكون وقعت لكلٍّ من الأسقف ومن ضغاطر قصَّةٌ قُتِلَ كل منهما بسببها، فعلى هذا يمكن أن تكون وقعت لكلٍّ من الأسقف ومن ضغاطر قصَّةٌ قُتِلَ كلٌّ منهما بسببها، أو وقعت لضغاطر قصَّتان: إحداهما التي ذكرها ابن النَّاطور وليسَ فيها أنَّه أسلم ولا أنَّه قُتِل، والثَّانية التي ذكر ابن إسحاق فإنَّ فيها قصته مع دحية، وأنَّه أسلم وقُتِل. والله أعلم".
يعني: ما يمكن أن يكون الأُسْقف هو ضغاطر، وما المانع من أنْ يكون الأسقف هو ضغاطر؟
طالب:....
يقول: "يحتمل أن تكون وقعت لكلٍّ من الأسقفِ ومن ضغاطر قصَّةٌ قُتِلَ كلٌّ منهما بسببها، أو وقعت لضغاطر قصَّتان: إحداهما التي ذكرها ابن النَّاطور، وليسَ فيها أنَّه أسلم، ولا أنَّه قُتِل".
حتى ما يُقال: إنَّه وقع له قصتان، ونترك هذا، ونقول: كيف تحصل القصة الأولى ويقتل ثم تحصل قصة ثانية، ما يمكن، إذا كانت لضغاطر فهو لم يُقتل في القصة الأولى، إنما قتل في القصَّة الثَّانية، وإذا كانت لاثنين فلا مانع أن يحصل لاثنين قصتانِ متشابهتان ويقتل كل واحدٍ منهما.
طالِب:...
يعني ما يتصوَّر أنَّه يقتل مرَّتين، أو أنَّهُ تحصُل له قصَّة بعد قتْلِه.
يعني قد يُفْهَم من بعضِ الصِّيَغ مَا لا يُمكن تصوُّرُه عقلًا فلا بدَّ من تأويله، كما جاء عن أبي الأَحْوَص أنَّه خرج عليه خوارج فقتلوه. عن أبي الأَحْوَص أنَّه خرج عليه خوارج فقتلوه، كيف يحدث أبي الأحوص بعد قتله؟ قالوا إن (عن) هذه: ليست صيغة الأداء، ولا صيغة تحديث، إنَّما المراد عن قصةِ أبي الأحوص، يعني: حدثهم فلان عن قصة أبي الأحوص أنَّه خرج عليه خوارج فقتلوه.
"يوافقُ رأي هرقل على خروج النبي –صلى الله عليه وسلم- أي ظهوره- وأنَّه نبيٌّ". قال القسطلاني: وأنَّه نبي: بفتْحِ الهمْزَةِ عُطِفَ على خروجِ"، لماذا فُتحت الهمزة، وأنَّه نبي؟ لأنَّه لا بد من تأويلها بمصدر؛ ليصحَّ عطفها على خروج، يعني يوافقه على خروج النبي –صلى الله عليه وسلم- ونبوَّتِهِ، وهذا يدلُّ على أنَّ هرقل وصاحبه أقرَّا بنبوته –صلى الله عليه وسلم- لكنَّ هرقل لمْ يستمرّ على ذلك ولم يعمل بمقتضاه، ولكن شحَّ بملكه ورغب في الرياسة فآثرهما على الإسلام بخلافِ صاحبه ضغاطر فإنَّه أظهر إسلامه وخرج على الروم فدعاهم إلى الإسلام فقتلوه".
"فأذن هرقلُ لعظماءِ الرُّوم في دَسْكرةٍ له بحمص".
فأذنَ، رقم اثنا عشر، حاشية: فآذن.
طالب:....
"فأذن هرقلُ لعظماءِ الرُّوم في دسكرةٍ له بحمص". قال ابن حجر: "فأذن هِي بالقصر من الإذن، وفي رواية المستملي وغيره: بالمد، ومعناه: أعلمَ، في رواية المستملي وغيره: بالمد، ومعناه: أعلمَ، والدَّسْكرة -بسكون السِّين المهملة-: القصر الذي حوله بيوت، القصر الذي حوله بيوت، وكأنَّه دخل القصر ثم أغلقه، وفتح أبواب البيوت التي حوله، وأذن للروم في دخولها ثمَّ أغلقها، ثم اطَّلع عليهم فخاطبهم، وإنَّما فعل ذلك؛ خشيةَ أن يثبوا عليه، أن يثبوا به كما وثبوا بضغاطر، يعني دخل هذا القصر، وأغلقه على نفسه وأذن لهم بالدخول في البيوت التي حوله، ثم اضطلع عليهم من شرفات القصر أو من غرفاته، "فحدَّثهم" يعني ما اختلط بهم، ما قاله بينهم، لماذا؟ لئلا يقتلوه كما قتلوا ضغاطر.
الانتصار للمبدأ، الانتصار للمبدأ، قتلوا ويقتلون عظماءَهم وملوكَهم كما حصلَ لبني إسرائيل من قتلِ الأنبياء، وهم أعظمُ وأعظم، هذا –نسأل الله العافية والسَّلامة- انتصار للباطل، وإذا كان أهلُ الباطل على باطلِهم بهذهِ المثَابَة حميَّةً وغيرةً على دينهم الباطل، فما الذي يجعل المسلم الذي على الحقِّ يتخاذَل ويخذلُ غيرَه عن الانتصار له؟ إنَّما هو الرُّكون إلى الدُّنيا، الرُّكون إلى الدنيا، وإيثار الفانيَة على البَاقِيَة، قدْ يكون من باب التَّرخص والنَّظر في المصالِح والمفاسِد، وأنَّهُ لا أثَر يترتَّب على أذيّته أو على قتله، بل قد يحصُل بسببِ قتْلِهِ ما يحصلُ لأتباعِهِ، لأمور تقدَّر بقدرِها، لكن إذا كان أهلُ الباطلِ على باطلهم، مع أنَّهم على باطل لا يرجون ثوابًا من الله  -جل وعلا- والمسلِم يرجو إحدى الحسنيين ومع ذلك يركَنُ إلى الدُّنيا ويؤثِر هذه الدُّنيا الفانية على البَاقيَة، وفي الإسلامِ –ولله الحمدِ- مَندوحة لمن أراد التَّرخص، إذا كان يخشى على نفسه هذا شيء آخر، فلَهُ أن ينطق بكلمة الكفر، يعني ليست مسألة رجوع إلى القول الأول العزيمة، العزيمة معروفة في الشريعة.

 لكن يبقى أن الشريعة كما أنَّ فيها العزيمة فيها أيضًا الرخص، والنَّاس لا يكلفون تكليفًا واحدًا، فمنهم من يتحمل العزيمة، ومنهم من لا يستطيع، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، والمسألة ينظر فيها من جميع جوانبها من حيث جلب المصالح ودرء المفاسد، لكِن تعْجَب من جلَدِ أهلِ الباطِل، وضعفِ أهلِ الحقّ، والمسْألة تتفاوت من زمان، من زمانٍ إلى زمان، ومن مكانٍ إلى مكان، لكن على المسلم أن يكونَ قويًّا في دينه «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف».
 يقول:
"والدسكرة -بسكون السين المهملة-: القصر الذي حوله بيوت، وكأنه دخل القصر ثم أغلقه، وفتح أبواب البيوت التي حوله، وأذن للروم في دخولها ثم أغلقها، ثم اطلع عليهم فخاطبهم، وإنما فعل ذلك؛ خشيةَ أن يثبوا به كما وثبوا بضغاطر.
يقول: هل "الطبعة العامرة" التي تقرأ للإجازة فهل هي أشمل من "اليونينية"؟ وهل فيها زوائد يحتاج إليها؟
أولا: "الطبعة العامرة" مأخوذَة منَ القسطلّاني بحروفِهَا، مأخوذة من القسطلاني المتن الذي بين الأقواس هو "الطبعة العامرة"، يبقى أنَّ الزوائد في "اليونينية" هي التي يشير إليها القسطلاني في شرحه، قراءة "العامرة" بالنسبة لقراءة السَّرْد أسهل؛ لأنَّه ما توقف عند شيء، ما فيها رموز، كلام متسلسل ما فيها رموز ولا شيء، أمَّا القراءة في "اليونينية"، إنْ قَرأتَ ما أُثبتَ فيها من غير نظرٍ إلى الفروق –فروق الرِّوايات التي في الحاشية- ما صَار لها ميزة كبيرة، يعني قد يُرجح ما في متنها على ما في "العامرة" أحيانًا والعكس، لكن العبرة بالميزة لهذه الطبعة "السلطانية" المأخوذة من "اليونينية" ميزتها في الفروق التي في الحاشية مع الرُّموز إلى الرواة، لا يستطيع أن يقرأ قراءة متتابعة في "السلطانية"؛ لأنَّه لا بدَّ أنْ يرجع إلى هذه الأرقام وهذه الرموز، وإلَّا ذهبت ميزتُها، إنْ أراد أن يقرأها مسلسلة دونَ رجوعٍ إلى حواشيها، فكَوْن أمثال هؤلاء الذين يجردون الكتب يلجؤون إلى "العامرة"؛ لأنَّها لا تعوقهم في القراءة، وذكرتُ أنَّ هذه الطَّبعة "العامرة" مأخوذة بالحرف من "شرح القسطلاني" من المتن الذي شرَحَه القسطلاني.

 ومعلومٌ أن القسطلاني ضبطَ المتن، وأتقنه على وجهٍ واحد، على وجهٍ واحد، ما فيه وجوه، ولا فيه إشارة إلَّا في شرحه، وهذا الذي يتميَّز به، المتن الذي شَرحه قَابَلَه على فرعِ "اليونينية" ست عشرةَ مرة؛ لأنَّه ما وجد الأصل، ثمَّ بعدَ سنين وجدَ المجلَّد الثاني من الأصل يباع فاشتراه وقابل عليه فوجد الفرع مطابقًا مائة بالمائة، متقنًا، ثمَّ بعد ذلك وجد المجلد الأول، النصف الأول، فقابل به كذلك، ولذلك تجدونه يقول: كذا في "الفرع" كأصله، ما هو بحاجة إلى فرع مع وجود الأصل؟ لا، لكنَّه اعتمد الفرع في الأوَّل، ثمَّ شرح عليه وانتهى فوجد الأصل، فبدلًا من أنْ يُعيد الصٍّياغة من جديد، قال: كذا في الفرع، ويلحق كأصله.

وإلا فقد يقول قائل: أيش القسطلاني هذا ما عنده منهجية، إذا وجد الأصل ما لنا علاقة بالفرع؟ هذا هو السبب، وكون الإخوان الذين يجردون الكتب من أجل الإجازات يعتمدون على "العامرة" لهذا السبب.
يقول: لقد قرأت تعقَّب العيني لابن حجر في قوله: "لكن يعكِّر عليه ما قيل إن دحية لم يقدم على هرقل بهذا الكتاب، إلى آخره"، ولكن نسيته وعلى ما أذكر أن العيني قال: إن القصة كانت عام ثمانية، فليست في عام تسعة، والله أعلم.
سوف نقوم التعليق على هذا، لعله يأتي –إن شاء الله تعالى- بعد الكلام عنه، على كلام العيني ابن حجر، والعيني، وغيرهما.
"وقال الكرماني: الدسكرة –بفتح الدال والكاف وسكون السين بينهما-: بناء كالقصر حولهما بيوت ومنازل للخدم والحشم.
"فأذن هرقل لعظماء الروم في دسكرةٍ له"، "في دسكرة: أي في دخولها، يقول: وجمعه: دساكِر، كما في "المصابيح"، قال ابن الملقن: الدسكرة ليس بعربي، الدسكرة ليس بعربي، وهي: بيوت الأعاجم، وأنشد ابن سيده للأخطل:

في قباب حول دسكرة

 

حولها الزيتون قد ينعا

في قباب حول دسكرة

 

حولها الزيتون قد ينعا

والدسكرة: الصومعةُ، كما جاء عن أبي عمرو، وهذا كله من المحكم، وعزى غيره هذا البيت"، ابن سيده، صاحب "المحكم" عزى البيت للأخطل، "غيره عزا هذا البيت إلى الأحوص، إلى الأحوص، والتصحيف وارد في مثل هذا؛ لتشابه الاسمين، وإن كان فيه فرق واضح لكن أخطل وأحوص، ممكن، قريبة.
طالب:....
نعم، لكن دواوين الأخطل كلها ما فيها، ولا قصيدة على هذا الوزن.
"وعزا غيره هذا البيت إلى الأحوص، وبعضهم إلى يزيد بن معاوية، وصححه الأخفش في كلامه على "المبرد"، وقال ابن السيد: إنَّه لأبي دَهْبَل الجُمَحِي أيضًا". فيه أبو دَهْبل، وفيه أبو دعْبَل، لكن هذا جُمَحي وذاك خُزَاعي، فرق بينهما.
طالب:..
لا.
طالب:...
نعم، دعيل، صحيح، صحيح؛ لأنَّه يشتبه بدهبل هذا، لكن ذاك أشهر، أشهر نعم.
وفي "جامع القزاز": "الدسكرة أيضًا: الأرض المستوية"، ابن سيده البطليوسي معروف هذا، معروف
أم لا؟ والسِّيد معناه أيش؟ الآن يخففونها من سيِّد، تجده يقول: يا سيدي.
طالب:...
هو يريد بها السيِّد، والسِّيْد في الأصل: الذئب، السِّيد في الأصل: الذئب.
طالب:....
لا، هم قالوا: الذئب، المقصود به: الذئب.
وفي "جامع القزاز": "الدسكرة أيضًا: الأرض المستوية، وقال ياقوت: إنها أصلها، وقال التبريزي: الدَّسْكرة مجمع البساتين والرِّياض، مجمع البساتين والرِّياض، وفي "عمدة القارئ"، وفي "الجامع" –جامع القزاز-، الدَّسْكرة: تكون للملوك تتنزه فيها، للملوك تتنزه فيها، والجمع: الدَّساكرة، وقيل: الدَّساكر. وقيل: الدَّساكر: بيوت الشراب، وقال مغلطاي بعد أن نقل أن البيت المذكور للأخطل: وفيه نظر من حيث إنَّ هذا البيت ليس للأخطل؛ وذلك أنِّي نظرت عدة روايات من شعره ليعقوب بن السِّكِّيت، ليعقوب أبي عبيدة، والأصمعي، والسكري، والحسن بن المظفر النيسابوري، فلم أرَ هذا البيت ولا شيئا على روِيِّه، قلتُ –القائل من؟ العيني، العيني "عمدة القارئ"- قلت: قائله يزيد بن معاوية بن أبي سفيان من قصيدةٍ يتغزَّلُ بها في نصرانية كانت قد ترهبت في دير خراب عند الماطرون، وهو بستانٌ بظاهر دمشق، وأولها:

آب هذا الليل فاكتنعا

 

وأمر الليل فامتنعا

راعيًا للنجم أرقبه

 

فإذا ما كوكبٌ طلعا

حان حتى إنني لا أرى

 

أنه بالغور قد رجعا

ولها بالماطران طبعة "عمدة القارئ" فيها أخطاء: ولها بالماطرون..

ولها بالماطرون إذا

 

أكل النمل الذي جمعا

خزقة حتى إذا ارتبعت

 

ذكرت من جُّلَّقا بيعا

في قباب حول دسكرة

 

حولها الزيتون قد ينعا

أولًا: مثل هذه الأشعار التي تنسب لقومٍ لهم خصوم، هو ما يبعد أن يكون ليزيد؛ لأن يزيد معروف بالفسق، معروف بالفسق، صرَّح جمعٌ من أهل العلم بجواز لعنه، هو معروف بالفسق، ولا يبعد أن يقول مثل هذا الكلام، لكن أيضًا: ما دام له خصوم، يُسْألون، ما زالوا يُسْألون إلى الآن في برامج تضاهي نورًا على الدرب عندنا، يُسأَل: يقول: هل نلعن يزيد؟ فيكون الجواب: لماذا لا نلعنُ يزيد وأبا يزيد الذي يقول: لا خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل. ومثل هذه الأمور التي ملأت الكتب، وهذه الأخبار لا بدَّ أن يُتحسَّس منها، ويتأكَّد منها، وهو مظنَّة لأن يقول هذا الكلام، وأعظم من هذا الكلام، لكن مع ذلك ما يجيء في كتبِ الأدب لا بدَّ من التأكُّد منه، والقائل هو العيني، وله يد، له باع في الأدب.
طالب:.....
نعم.
طالب:......
ما هو بعيد، وقفت عليه؟
طالب:.....
منسوبة إلى يزيد.
طالب:....
نعم، هيا.
الكلام في نسبتها إلى يزيد، مدى صحة ذلك، الأخطل ما فيه إشكال، هو يقول مثل هذا الكلام؛ لأنَّه ماشٍ على ما هو عليه من نصرانية، لكن يزيد بن معاوية هو في الأصل مسلم، يعني يوجد الإنسان وإن كان عنده فسق وعنده عظائم من عظائم الأمور مثل ما قلنا: صرَّح جمع من أهل العلم بجواز لعنه، وسُئل الإمام أحمد - سأله عبد الله- فذكر من شأنه ما شاء، وسأله عن جواز لعنه فأجاز، فقيل له: لماذا لا تلعنه؟ قال: وهل سمعت أباك لعَّانًا! يقول الإمام أحمد–رحمه الله-.
طالب:....
نعم.
طالب:....
عليه أن يُصْلح قلبَه، ويسعى لإزالة في ما نفسه؛ لأنَّه صحابي، الصَّحابة شأنُهم عظيم.
طالب:...
{وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ} [الحشر:10].
طالب:...
نعم، {لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ} [الحشر:10]
في عموم المؤمنين، فكيف بالصحابة –رضوان الله عليهم-.
طالب:.....
لا شك أنَّه يتناول غيره، يعاقَب.
قال: "وهي من الرَّمَل –أي من بحر الرمل-، آب: أي رجع، فاكتنعا، أي: فرسا، قوله: خزْقَ بكسر الخاء، الخاء المعجمة: ما يختزق من التمر، أي: يجتنى، قوله: ينعا بفتح الياء آخر الحروف، والنون، من ينع الثمر يينع من باب ضرب يضرب، ينعنًا وينعن، وينوعًا: إذا نضج، وكذلك أينع.
"ثم أمر بأبوابها، ثم أمر بأبوابها فغلِّقَت، ثمَّ أمر بأبوابها فغلقت"، أي: أمر هرقل بأبواب الدسكرة فغلقت بتشديد اللام لأبي ذر، وكأنه دخلها ثم أغلقها وفتح أبواب البيوت التي حولها، وأذن للروم في دخولها ثمَّ أغلقها".
"ثم اطلع، ثم اطلع، قال: يا معشر الرُّوم، ثم اطَّلع فقال يا معشر الرُّوم"، يقول الكرماني: "قوله: ثم اطلع، أي: خرج من الحرم، وظهر على الناس". ما المراد بالحرم؟ حرم الدسكرة.
طالب:....
نعم.
طالب:....
وثبَ إليه، وثب عليهِ، وإذا ضَمَّنتَ الفعل: وثبَ، همّوا به أو ما أشبه ذلك، أو يوقعوا به، ما فيه إشكال إن شاء الله.
طالب:....
ماذا؟
طالِب:....
لا، ويمكن أن يثبوا وما المانع، الآن ما عنده جيش، يريد أن يدخل وجوه الناس وأعيانهم ويختلطوا بهم، ومع ذلك ما فعَل.
طالِب:....
نعم، معروف عندهم تسليم مثل ما مرَّ بنا، يعني البابا الذي عندهم، أمور من خصائص الرب– جل وعلا-.
طالِب:.....
عندهم على حسب اطلاعهم.
طالِب:...
نعم.
لا، نحن ما نسميه ابتداءً، لكن على حسب زعمهم وعلى حد زعمهم، لكن هل أنت تقول: من سموه بابا، هل نقول: نسميه بهذا الاسم؟ نحن ننقل كلامهم، لكن الكلام في ماذا؟ هل يجوز للطفل من أطفال المسلمين أن يقول لوالده: بابا؟ هذا الذي يمكن أن يُبحث، أمَّا كونهم اصطلحوا على تسمته، فهذا أمر يخصهم.
قوله: "ثم اطلع، أي: خرج من الحرم وظهر على الناس، والمعشر: هم الجمع الذين شأنهم واحد، فالإنس معشر، والجنُّ معشر، والأنبياء معشر. قول الكرماني، قوله: "ثم اطلع، أي: خرج"، لو كانت المسألة: طلع، بدون: اطلع، لقلنا: طلع بمعنى خرج، "زاد ابن الملقن والفقهاء معشر، والجمع: معاشر، وقال القسطلاني: ثم اطلع عليهم من عُلُو؛ خوف أن ينكروا مقالته فيقتلوه كما قتلوا ضغاطر".
"هل لكم في الفلاح والرُّشْد، أو: والرَّشد"، قال الكرماني: "الفلاح: الفوز والنجاة، ويُقال ليس شيءٌ أجمع لخصالِ الخيرِ من لفظ: الفلاح، أجمع لخصال الخير من لفظِ الفلاح، والرُّشد، يقال بضم الراء وسكون الشِّين وبفتحهما لغتان، وهو خلاف الغي، والرُّشْدُ: إصابةُ الخير".
قال الهروي: هو الهدى، وهو الدَّلالة الموصلة إلى البغية، وفي "مصابيح الجامع" للدماميني: الرشد خلاف الغَي، وفيه لغتان، كقُفْل رُشْد، وفَرَح رَشَد". هذا كلام الدماميني، سبق النَّقل عن الهروي في كلام الكرماني هو: "الهدى، وهو الدلالة الموصلة إلى البغية".
ونقل عنه ابن الملقن: "الرُّشد هو: الهدى والاستقامة، الرشد: هو الهدى والاستقامة، وهو بمعناه يقال: رَشَد يرشَد، ورشِد يرشُدُ، لغتانِ، والرَّشد كالرُّشد، وهما  مصدران".
"هل لكم في الفلاح والرشد، أو الرَّشد، وأن يثبتَ ملككم، وأن يثبت ملككم". ثباتُ الملكِ، هو الآن يخاطبهم بثبات ملكهم، المُلْك يهمه هو أو يهمهم هم؟
طالب:....
هو يريد أن يثبَّت ملكَهُ، ويغريهم بثبات الملك بمثل هذا الكلام، وهو يريدُ نفسَه بالدَّرجة الأولى، لكن هل ثبات المُلْك لهرقل ثباتٌ لمُلْك الرُّوم أو بدَل هرقل يأتي غيره؟ كلاهما، كلاهما؛ لأنَّ عدم ثبات المُلْك مَفْسدته راجِعَةٌ إلى الجميع، مَفْسدته راجعَةٌ إلى الجميع، لا المَلِك ولا المملوكين، لا الرئيس ولا المرؤوس، ومَن أراد الشَّواهد فالشَّواهدُ كثيرةً في كثيرٍ من الأقطار تولَّى الرِّئاسات بسببِ انقلابات أو ما أشبهها مَن بكى النَّاسُ منه، وسامهم سوءَ العذابِ، ثم بعدَ ذلكَ بعدَ أنْ راح وانتهى، هل هدأت الأحوال وزانت؟ الثقة بالله –جل وعلا- عظيمة –ثقة المسلم-، لكن يبقى أنَّ الفتن إذا بدأت وصعُبت السَّيْطرة عليها آثارها عظيمَة، وعودَةُ الأمن والاستقرار بعد انفلاتِه منَ الصُّعوبَة بما لا يحتاجُ إلى استدلال.
طالِب:.....
نعم، ملاحظ في هذا، مرتَّب عليه.
قوله: "وأن يثبت ملككم، يقول ابن حجر: لأنَّهُم إن تمادوا على الكفرِ كان سببًا لذهابِ مُلْكِهِم كما عرفَ هو ذلك من الأخبار السَّابِقَة، وفي ذلك دليلٌ على أنَّ الاتِّباع ..-انتهى كلامه من الأقوال السابقة- أقول: وفي ذلك دليل على أن الاتباع لهدي الرسل مما يضمن ثبات الملك، وأنَّ من خالَفَ ذلكَ فمُلكه معرَّضٌ للزَّوال كما هو الحاصل على مرِّ التاريخ".
ذكر القسطلاني قال: "ونُقِلَ في التَّوراةِ: ونبيًّا مثلكَ أرسِله، أيُّ إنسان لم يقبل كلامي الذي يؤديه عني فإني أهلكه. نُقِل في التوراة: ونبيًّا مثلكَ أرسِله، أيُّ إنسان لم يقبل كلامي الذي يؤديه عني فإني أهلكه".
الكتب التي يسمونها مقدسة من التوراة والإنجيل الموجودة الآن بأيدي النَّاس فيها من ركَّةِ اللفظ ما لا يقبله أعجمي فضلًا عن عربي.
"ونبيًّا مثلكَ أرسِله، أيَّ إنسان لم يقبل كلامي الذي يؤديه عني فإنِّي أهلكه".
نعم.
طالب:......
ماذا؟
طالِب:....
هي عُرِّبَت، ما كانت بالعربية، لكن مع ذلك فيها ما فيها، حتى هذه النَّسخ المعرَّبة للعرب قراءتها فيها صعوبَة.
طالب:....
نعم.
طالب:...
نعم، قال: نقل في التوراة. ذكرنا مرارًا أن السَّخاوي له كتاب اسمه "الأصلُ الأصيل في ذكر الإجماع على تحريم النقل من التَّوراة والإنجيل" في ذكر الإجماع على تحريم النَّقل من التوراة والإنجيل، لكن يبقى أنَّه إذا كان النَّظرُ فيها من أجلِ الرَّد على أرْبابها كما فعل شيخ الإسلام وغيره من أهلِ العلم؛ ينقلون من التوراة والإنجيل؛ من أجل الرد، من أجل الرد عليهم، وإلا فكيف يتسنى الرد عليهم من غير نَظرٍ فيه، أمَّا لمجرد الاطلاع فهذا حرامٌ بالإجماع، وغضب النبي –عليه الصلاة والسلام- غضبًا شديدًا على عمر لمَّا وجد في يده أو معه صحيفة من التوراة، غضب غضبًا شديدًا، وقال: «أفي شك أنت يا ابن الخطاب».

 المقصود: أن هذه الأمور التي تعرض الإنسان للانحراف سواء كانت من كتب أصلها منزَّل وطرأ عليها ما طرأ من التَّحريف، وما بقي منها فهو منسوخ أو كتب بدَع؛ لأنَّ بعض النَّاس يقول: حب الاستطلاع، بل سمعنا ممن يقول ممن يُعَلِّم، يقول: اقرأ كل شيء، ولك عقل تميز به. العقل ما يكفي، لو كان العقل يكفي ما ضلَّ هؤلاء الذين كتبوا هؤلاءِ الكتب، والله المستعان.
طالب:....
نعم.
طالِب:....
نعم.
طالب:....
ومُلكه، وهو مُلْكه، يدخلون في حكم الإسلام وتستمر الولاية بأيدهم..
طالب:....
وإذا لم يوجد سبب للعزل، الأصل..
طالب:....
نعم.
طالب:....
نعم، أبقاهم على ملكهم.
"فتبايعون". نعم.
طالب:.....
هذا يحتاج إلى نقل؛ لأنَّ لهم مشاركة في المُلْك، يعني ملكُكم: يدلُّ على أنهم لهم مشاركة في المُلْك، لا شكَّ أنَّ كل من يستفيد من الملك لهُ شرِكَةٌ فيه بقدرِ هذه الإفادَة.
"فتبايعوا: بمثنَّاة فوقيَّة مضمومة، ثم موحدةٍ وبعد الألفِ مثنَّاة تحتيَّة منصوبَة، فتبايعوا: بحذفِ النُّون بأنْ مقدرة في جوابِ الاستفهام". يعني كما جاء في قوله –جلَّ وعلا-: {فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا} [الأعراف:53]، وفي نسخةٍ من فرعِ "اليونينية"، وفي نسخة بفرع "اليونينية" كأصلها، هذا كلُّه كلام القسطلاني، وفي نسخة من فرع "اليونينية" كأصلها: فبايعوا: بإسقاط المثناة قبل الموحدة، في رواية الأصيلي نبايع: بنون الجمع، ثم موحدة، وفي أخرى لأبي الوقت: نتابع، بنونٍ، بنونِ الجمع أيضا ثم بمثنَّاة فوقية فألف فموحدة، ولأبي ذرِّ عن الكشميهني: فتتابعوا، فتتابعوا: بمثناتين فوقيتين وبعد الألف موحدة، فالثلاثة الأول من البيعة،  والتي بعدها من الاتباع كالرواية الأخرى، ولابن عساكر في نسخة: فنتبع، ذكر هذا كله القسطلاني".
وقال النووي: قوله: فتتابعوا هذا النبي، كذا هو في أكثر الأصول، فتتابعوا: من المتابعة، وهي: الاقتداء، وفي بعضها فنتابع، وهو بمعناه، وفي بعضها: فتبايعوا: بالباء الموحدة، من البيعة، وكله صحيح".
"هذا النبي"، نعم.
طالب:....
عموم، لم يفهم عموم السَّلامة المرتبة على الإسلام، ولو فهم لشملت هذه السلامة بقاء ملكه.
طالب:....
أين؟
طالب:....
المقصود: أنَّهُ الفهم الذي لا يَنفعُ، وجوده مثل عدمه، الفهم الذي لا ينفع، هو ما انتفع من هذا الفهم، فلما لم ينتفع من هذا الفهم عُدَّ كأنَّهُ لم يفهم.
وقال النووي: "قوله: فتبايعوا هذا النبي، أو: فتتابعوا هذا النبي، كذا هو في أكثر الأصول: فتتابعوا من المتابعة، وهي: الاقتداء، وفي بعضها: فنتابع، وهو: بمعناه، وفي بعضها: فتبايعوا: بالباء الموحدَّة، من البيعة. وكله صحيح".
"هذا النبي" "ولأبي ذر: لهذا النبي، قاله ابن حجر"، هنا، "هذا النبي" رقم أربعة عشر، لهذا، "والأصل أنَّ الفعل يتعدى بنفسه، الأصل أنَّ هذا الفعل: فتبايعوا، يتعدَّى بنفسِهِ، فلماذا عُدِّيَ باللام"؟ لأنَّهُ يجوز تضمينه تنقادُ، فتبايعوا فتنقادوا لهذا النَّبي، أو تستجيبوا، المعنى واحد.
وقال القسطلَّاني: "وفي "اليونيينة" بين الأسْطر من غير رقم –صلى الله عليه وسلم-" خمسة عشر، "هذا النَّبي" خمسة عشر –صلى الله عليه وسلم، قال: كذا في "اليونينية" بين الأسطر من غير رقم"، "في رواية ابن عساكر وأبي ذر: لهذا، باللام".
"فحاصوا حيصةَ حمر الوحش إلى الأبواب، فحاصوا حيصةَ حمر الوحش إلى الأبواب فوجودها قد غلقت". قال الخطابي في "أعلام الحديث": "حاصوا حيصة حمر الوحش، معناه: نفروا، معناه: نفروا وحادوا، يُقال: حاصَ في "شرح الخطابي": جَاص، حاص وجاص بمعنًى واحد، مع أن جاء ضبطه عند غيره جاض بالضاد، يقال: حاص وجاص  بمعنى واحد، وقال النووي: هو بالحاء، والصاد المهملتين، أي: نفروا، ويقال: جاضَ بالجيم والضاد المُعجمتين بمعنى: حاص، قاله أبو عبيد والخطابي وغيرهما، قال أبو عبيد: معناهما عَدَل عن الطَّريق، وقال أبو زيد: معناه بالحاء رجع، معناه بالحاء –حاص- رجَعَ، وفي "مصابيح الجامع" للدماميني،  فحاصوا: بحاء وصاد مهملتين، أي: نفروا وكرُّوا راجعِين، وقيل: جالُوا، والمعنى قريب وبمعناهُ: جاض، بجيمٍ وضاد معجَمَة، ونقل العيني عن الفارسي في "مجمع الغرائب"، هو: الرَّوَغان، الحيص: هو الروغان والعدول عن طريق القصد. وقال ابن حجر: شبههم بالوحوش؛ لأنَّ نفرَتها أشدُّ من نفرة البهائِم الإنسيَّة". حمر الوحش نفرتها، أي حيوان وحشي نفرته من الإنس، أشدُّ من نفرةِ الحيوان الإنسي، "شبَّهَهُم بالوحوش؛ لأنَّ نفرتها أشد من نفرة البهائم الإنسية، وشبههم بالحُمُر دون غيرها من الوحوش؛ لمناسبة الجهلِ وعدمِ الفطنةِ، بل هم أضلّ".
يعني: وجه الشَّبه بينهم وبينَ الحُمُر مِن جهةِ الجهْل، وعدمِ الفطنة، وكون هذه الحُمر وحشيَّة؛ لأنّ نفرةَ الحمر، أو الحيوانات الوحشيَّة أشد من نفرة الحيوانات الإنسيَّة، وقال العيني: حيصة حمر الوحش، أي: كحيصة حمر الوحش، شبه نفرتهم وجهلهم مما قال لهم هرقل وأشار إليهم باتباع الرسول –صلى الله عليه وسلم- بنفرةِ حمر الوحش، بنفرة حمر الوحش؛ لأنَّها أشد نفرة من سائر الحيوانات، ويضرب المثل بشدَّة نفرتها، وقال بعضهم –ويعني بذلك- ابن حجر: شبَّههم بالحمر دون غيرها من الوحوش؛ لمناسبةِ الجهل في عدم الفطنة، بل هم أضل، قلتُ –العيني-: هذا كلامُ من لا وقوفَ له في علمي المعاني والبيان، ولا يخفى وجه التَّشبيه ههنا على من له أدنى ذوق في العلوم".
الآن: ابن حجر يقول بأنَّ تشبيهَهُم بالوحشيَّة لأنَّها أشد من الإنسيَّة، وتشبيههم بالحُمُر لمناسبةِ الجهل وعدمِ الفطنَة، أي هُم لو فطنوا إلى حقيقة الأمر من خلال ما عندهم من بقايا نبوَّة، لو فطنوا لهذا ما فعلوا هذا لأنَّهُم، ما فعلوا هذا لكِن لجهلهم وعدم فطْنتهم وغبائِهم ما تفطَّنوا لهذا فأنكروا، لكنْ قد يُصرّ الذَّكي الذي يفهم؛ يفهم ما يُراد ويصرُّ على ضلاله.

ولقد علمتُ بأن دين محمد

 

من خير أديان البرية دينا

لولا المذمة أو حذار مسبة

 

لوجدتني سمحا بذاك مبينا

لكن قد يقول قائل: إنَّ إيثار عدم المذمَّة على اتَّباع الحقِّ غباء، فتعودُ المسألة إلى أصلها، العيني يقول: هذا كلام مَنْ لا وقوفَ له في علمي البيان، المعاني والبيان، ولا يخفى وجه التشبيه ههنا على من له أدنى ذوق في العلوم"، يريد العيني أنْ لا يتعرَّض لمسألة الجهل ولا الغباء، إنما يتعرض لشدة النفرة، وأنَّ حمر الوحش أشدُّ نفرةً من غيرها من الوحشيَّات، يضرب المثل بشدة  نفرتها، ولا يكون لما أبداه ابن حجر وجه مِنْ كونِها فيها شيء مِنْ الغَفْلة والغباء وعدم الفطنة، يقول: ما له مجال هنا، له مجال بين واقعهم وبين ما تتصف به الحمر من عدم الفطنة؟ كل من آثر المرجوح على الراجح صار غبيًّا، يعني لو أنَّ إنسانًا استبدل سلعة مرتفعة القيمة بسلعةٍ قيمتها أقل، أو استبدل مائة بمائتين، استبدال، قال: أعطني هذه المائة وخذ المائتين، فهذا النَّاس كلهم بدون استثناء يشهدون عليه بعدم الفطنة.
طالب:.....
نعم.
طالب:....
نعم، يعني وجه الشَّبه فقط في النُّفرة؟
طالب:...
ما يوجد شكّ أنَّ الحِمارَ يُضرب به المثل في عدمِ الفطنَة، معروف، فأنتَ إذا نظرتَ إلى هذه المفردة كما نظر ابن حجر تُقول: إن ذِكْر الحُمُر لهُ ارتباط بعدم الفطْنة، يعني العيني نظر إلى الكَلام المركَّب، وابن حجر نظر إلى مفرداتِهِ، نَظر إلى مفرداته.
طالِب:....
أشدُّ نفرَة، لا، قالوا: إنَّ نُفرة الحمر الوحشيَّة يُضرب بها المثل، فاختيارها دونَ غيرها لا شكَّ أنَّ لهُ وقْع
ًا، لكن هل يُنظر إلى جزئَي المُركَّب أو، يعني الصَّفة مع موصوفها أو إلى الصفة فقط مفردةً، والموصوف فقط مفردًا؟
طالِب:....
وقد يكون وجه الشَّبه من وجهٍ دونَ وجه، من وجهِ دون وجه، ولا يلزم مطابقة المشبه للمشبه به من كلِّ وجه كما هو معلوم وكررناه مرارًا.
طالب:....
نعم.
طالب:....
ماذا؟
طالب:....
نعم، ما فيه شك، لكن يبقى أنَّ هذه النفرة، يعني لو الطير عمومًا، بعض الطيور تكاد أن... فذكر نوع من الطُّيور معروف بالخفَّة، لكن من جهة أخرى التَّشبيه كلما كان أقرب إلى المطابقة كان أبلغ، فهل مطابقة هؤلاء وقُرْبُهم في وجه الشبه للطُّيور؟
طالِب:....
نعم؟
طالب:....
نعم، يعني الطُّيور يختلفون في وجه الشَّبه عن هؤلاءِ في نفرتهم، الحمر الوحشيَّة شديدة النُّفرة وهي على الأرض فهي أقرب إلى وجه الشبه من الطيور.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وصحبه.

"