التعليق على تفسير القرطبي - سورة الحديد (01)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

 قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى:

"سورة الحديد: مَدَنِيَّةٌ فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ، وَهِيَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ آيَةً، عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ بِالْمُسَبِّحَاتِ قَبْلَ أَنْ يَرْقُدَ وَيَقُولَ: «إِنَّ فِيهِنَّ آيَةً أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ آيَةٍ»، يَعْنِي بِالْمُسَبِّحَاتِ: (الْحَدِيدَ) وَ( الْحَشْرَ) وَ(الصَّفَّ) وَ( الْجُمُعَةَ ) وَ(التَّغَابُنَ)."

وهذه الآية هي قوله -جل وعلا- في سورة الحديد: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ}...

هذا إذا صح الخبر. ماذا قال عنه؟

مرسل ينجبر...إن كان ليس فيه إلا هذه العلة مع العلة الأولى وقصره البقية بالتحديث... يعني حسن لغيره إن شاء الله.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أَيْ: مَجَّدَ اللَّهَ وَنَزَّهَهُ عَنِ السُّوءِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: صَلَّى لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ مِمَّنْ خَلَقَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ فِيهِ رُوحٌ أَوْ لَا رُوحَ فِيهِ. وَقِيلَ: هُوَ تَسْبِيحُ الدَّلَالَةِ."

يعني جميع ما في السموات والأرض يسبح لله. {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء:44]، ويدل على أنه تسبيح مناسب لهذه المخلوقات لكنه من جهتها لا من جهة الاعتبار بها، وكأنه بلسان مقالها، لا بلسان حالها، وإلا ما كان لمعنى قوله: {وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}، لو كان تسبيح بلسان الحال، لا يفقه إلا مع بعد من الناظر المتدبر المتأمل، ولا يدركه كثير من الناس إلا من وفق إلى النظر والتدبر والتفكر، ولا يخاطب به عموم الناس {لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}، عموم الناس ما تفقه إذا لم يكن بلسانه مقال.

"وَأَنْكَرَ الزَّجَّاجُ هَذَا وَقَالَ: لَوْ كَانَ هَذَا تَسْبِيحُ الدَّلَالَةِ وَظُهُورِ آثَارِ الصَّنْعَةِ لَكَانَتْ مَفْهُومَةً."

يعني يريدونه من باب قول الشاعر: في كل شيء له آية تدل على أنه واحد. هذا يتبين من خلال التفكر والاعتبار، والنظر. وهذا أمر مندوح مرغب فيه ومطلوب: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ} [آل عمران:190- 191]، فالإكثار من الذكر والاتصال بالله -جل وعلا- لا شك أنه يؤدي إلى هذه النتيجة التي هي التفكر في مخلوقات الله من أجل أن يرسخ الإيمان في قلبه واليقين، وجاء: تفكر ساعة خير من عبادة سنة. المقصود أن التفكر فيه فوائد عظيمة، وليس هو المراد بالتسبيح المنسوب لهذه المخلوقات لجميع هذه المخلوقات جميع من في السموات وما في الأرض أن هذا التسبيح قدر زائد على ذلك.

"فَلِمَ قَالَ: {وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} وَإِنَّمَا هُوَ تَسْبِيحُ مَقَالٍ. وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ}"

لو كان هذا تسبيح بلسان الحال لما خص داود، لكان تسبح مع الناس كلهم.

"فَلَوْ كَانَ هَذَا تَسْبِيحُ دَلَالَةٍ فَأَيُّ تَخْصِيصٍ لِدَاوُدَ؟!"

وقد يقول قائل: أنها ما دامت تسبح كغيرها من مخلوقات السموات والأرض فلم خص داود؟ قيل: أنها تجيبه وتسبح معه بلفظ يفهمه ويسمع، بخلاف ما عداه، وإلا تسبح مع المخلوقات كلها، لكن تسبح مع داود بلسان يفهمه داود وهذا وجه تخصيصه.

"قُلْتُ: وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَقَدْ مَضَى بَيَانُهُ وَالْقَوْلُ فِيهِ فِي (سُبْحَانِ) عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}. قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أَيِ: انْفَرَدَ بِذَلِكَ. وَالْمُلْكُ عِبَارَةٌ عَنِ الْمَلْكِ وَنُفُوذِ الْأَمْرِ فَهُوَ سُبْحَانَهُ الْمَلِكُ الْقَادِرُ الْقَاهِرُ. وَقِيلَ: أَرَادَ خَزَائِنَ الْمَطَرِ وَالنَّبَاتِ وَسَائِرِ الرِّزْقِ، {يُحْيِي وَيُمِيتُ}، يُمِيتُ الْأَحْيَاءَ فِي الدُّنْيَا وَيُحْيِي الْأَمْوَاتَ لِلْبَعْثِ. وَقِيلَ: يُحْيِي النُّطَفَ وَهِيَ مَوَاتٌ وَيُمِيتُ الْأَحْيَاءَ. وَمَوْضِعُ (يُحْيِي وَيُمِيتُ) رُفِعٌ عَلَى مَعْنَى: وَهُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ."

على أنه الخبر لمبتدأ محذوف تقديره هو.

"وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَصْبًا بِمَعْنَى: لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مُحْيِيًا وَمُمِيتًا عَلَى الْحَالِ مِنَ الْمَجْرُورِ فِي " لَهُ " وَالْجَارُّ عَامِلًا فِيهَا، {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أَيِ: اللَّهُ لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} اخْتُلِفَ فِي مَعَانِي هَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَقَدْ بَيَّنَّاهَا فِي (الْكِتَابِ الْأَسْنَى). وَقَدْ شَرَحَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرْحًا يُغْنِي عَنْ قَوْلِ كُلِّ قَائِلٍ، فَقَالَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْر» عَنَى بِالظَّاهِرِ الْغَالِبَ، وَبِالْبَاطِنِ الْعَالِمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ."

يعني ما نتعدى ما فسره النبي عليه الصلاة والسلام به. الظاهر فليس فوقك شيء معلوم صفة العلو لله -جل وعلا- ثابتة بنصوص الكتاب والسنة المقطوع بها من وجوه كثيرة جدًا بينها أهل العلم الحافظ الذهبي في كتاب له اسمه "العلو للعلي الغفار" وابن القيم في نونيته وغيرها من كتبه. ليس فوقه شيء، على العرش استوى، «وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ»، أنت أقرب إلى كل شيء من نفسه، «أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ»، كان الله ولا شيء معه «وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ»، هو الذي يرث الأرض ومن عليها. (كل من عليها فان)، كل مخلوق يبلى ويفنى إلا الرب -جل وعلا-... كون السورة تفضل أو مجموعة سور تفضل بشيء لا يعني أننا نقتصر على هذا شيء وإلا ما قرأنا سورة البقرة. نقرأ آية الكرسي وخلاص لأنها فضلت بها...

"{وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} بِمَا كَانَ أَوْ يَكُونُ فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ."

طالب:.....

لا كون السورة تفضل أو مجموعة السور تفضل بشيء لا يعني أننا نقتصر على هذا الشيء وإلا ما قرأنا سورة البقرة قرأنا آية الكرسي لأنها فضلت بها.

طالب:.....

التفسير ما يلزم أن يكون بمرتبة الخبر في الصحة ما يلزم، لكن هذا جاء في بعض الروايات واعتمده الحافظ ابن كثير وغيره.

"{وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} بِمَا كَانَ أَوْ يَكُونُ فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} تَقَدَّمَ فِي الْأَعْرَافِ مُسْتَوْفًى. قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ} أَيْ : يَدْخُلُ فِيهَا مِنْ مَطَرٍ وَغَيْرِهِ {وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} مِنْ نَبَاتٍ وَغَيْرِهِ {وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ} مِنْ رِزْقٍ وَمَطَرٍ وَمَلَكٍ {وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} يَصْعَدُ فِيهَا مِنْ مَلَائِكَةٍ وَأَعْمَالِ الْعِبَادِ {وَهُوَ مَعَكُمْ} يَعْنِي: بِقُدْرَتِهِ وَسُلْطَانِهِ وَعِلْمِهِ {أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}."

السلف فسروا المعية العامة فسروها بالعلم، والخاصة بالحفظ والنصر والتأييد.

"{وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} يُبْصِرُ أَعْمَالَكُمْ وَيَرَاهَا وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا. وَقَدْ جَمَعَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بَيْنَ: {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} وَبَيْنَ: {وَهُوَ مَعَكُمْ} وَالْأَخْذُ بِالظَّاهِرَيْنِ تَنَاقُضٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ التَّأْوِيلِ، وَالْإِعْرَاضُ عَنِ التَّأْوِيلِ اعْتِرَافٌ بِالتَّنَاقُضِ. وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْمَعَالِي: إِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ لَمْ يَكُنْ بِأَقْرَبَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى حِينَ كَانَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ. "

مثل هذا التأويل وهنا التأويل معروف؛ أنه صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى المرجوح لدليل يقتضيه، وهو مرفوض عند أهل الحق، والسلف وأهل الأمة وأئمتها، إلا ما جاء عنهم، اتفقوا عليه بتأويل المعية بالعلم، هنا لابد من التأويل وليس بتأويل، هذا معناها عندهم، تكون هذه حقيقتها عندهم، وهو الاحتمال الراجح فيها، حقيقة شرعية، جاءت عن سلف هذه الأمة وأئمتها الذين هم قدوة في هذا الباب، فيكون استواؤه على عرشه على حقيقته بائن من خلقه، وليس معنى ها أن العرش يقله. والمقصود أنه في جهة العلو مستو على عرشه وبائن من خلقه، بائن من عرشه، وغيره ومع ذلك هو مع خلقه بعمله وعموم خلقه بعلمه ومع خواصهم بنصره وتأييده وهذا لا يسمى تأويلا لأنه جاء عن السلف وما عدا ذلك لا يجوز ارتكابه إلا أن يؤثر عن سلف هذه الأمة الذين هم قدوة في هذا الشأن. لا يقول أن السلف أولوا المعية بالعلم فلنا أن نؤول الغضب بإرادة الانتقام، أو المحبة بإرادة الإنعام، لا أبدًا، لأن هذه نصوص سمعية تتعلق بأسماء الله -جل وعلا- وصفاته. نؤمن بها ونمرها كما جاءت ولا نعتقد أن لها معاني وليست طلاسم، وإنما كيفياتها منقولة إلى الله جل وعلا.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} هَذَا التَّكْرِيرُ لِلتَّأْكِيدِ أَيْ: هُوَ الْمَعْبُودُ عَلَى الْحَقِيقَةِ {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} أَيْ: أُمُورُ الْخَلَائِقِ فِي الْآخِرَةِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَالْأَعْرَجُ وَيَعْقُوبُ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو حَيْوَةَ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَحُمَيْدٌ وَالْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ "تَرْجِعُ" بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ. الْبَاقُونَ تُرْجَعُ. "

أيهما أكثر الذين عدهم من القراء، أو الذين تركهم؟ الذي يعد في العادة هم الأقل.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} تَقَدَّمَ فِي آلِ عِمْرَانَ. {وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} "

يولج؛ يدخل الليل في النهار، والنهار في الليل، وهذا شيء مشاهد على مر الأيام طوال العام. بعض الأيام يزيد النهار على الليل، وبعضها يزيد الليل ويأخذ من النهار والنهار يأخذ من الليل وهكذا.

"{وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} أَيْ: لَا تَخْفَى عَلَيْهِ الضَّمَائِرُ، وَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْبَدَ مَنْ سِوَاهُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} أَيْ: صَدِّقُوا أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ {وَأَنْفِقُوا} تَصَدَّقُوا. وَقِيلَ: أَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ: الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ: غَيْرُهَا مِنْ وُجُوهِ الطَّاعَاتِ وَمَا يُقَرِّبُ مِنْهُ {مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَصْلَ الْمُلْكِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ."

والإنفاق أعظم وأعم من أن يكون المال وحده، بل ينفق مما أوتي. فالتاجر ينفق من ماله، والغني ينفق من ماله، والقوي يتصدق على غيره بشيء من قوته ويحمل متاعه على دابته، والعالم ينفق مما أتاه الله من علم، وهكذا. فالإنفاق أعم لكنه قد يطلق ويراد به المعنى الأخص، وهو الإنفاق بالمال وهذا هو الأكثر، لكن إذا أريد بالإنفاق بالمعنى الأعم فكل من أوتي ما يتعدى نفعه عليه أن يبذل منه وينفع غيره، «تعين صانعا أو تصنع لأخرق»، تعين أخاك وتحمل متاعه على دابته، هذا صدقة، كما جاء في الحديث صدقة من الصدقات.

"دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَصْلَ الْمُلْكِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ لَهُ فِيهِ إِلَّا التَّصَرُّفُ الَّذِي يُرْضِي اللَّهَ فَيُثِيبُهُ عَلَى ذَلِكَ بِالْجَنَّةِ."

كما قال الله -جل وعلا-: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور:33]، ليس مال لك، كون الإنسان يقول هذا مالي، نعم تصح النسبة إليه لكن ما هو ماله ملك تام حقيقي، يتصرف فيه كما شاء، لا، يتصرف به بحدود وضوابط، على مقتضى نظر الشرع.

"وَأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ لَهُ فِيهِ إِلَّا التَّصَرُّفُ الَّذِي يُرْضِي اللَّهَ فَيُثِيبُهُ عَلَى ذَلِكَ بِالْجَنَّةِ. فَمَنْ أَنْفَقَ مِنْهَا فِي حُقُوقِ اللَّهِ وَهَانَ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ مِنْهَا، كَمَا يَهُونُ عَلَى الرَّجُلِ النَّفَقَةَ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ إِذَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ كَانَ لَهُ الثَّوَابُ الْجَزِيلُ وَالْأَجْرُ الْعَظِيمُ."

بل ينبغي أن ينفق الرجل ويهون عليه الإنفاق أكثر من إنفاقه من مال غيره إذا أذن له فيه، لأنه بإنفاقه من ماله يرجو ثواب الله -جل وعلا-، ويرجو المضاعفات الكثيرة، الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، {كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ} [البقرة:261] فإذا تصور هذا الأجر العظيم كان إنفاقه من ماله أكثر من إنفاقه من مال غيره إذا أذن له فيه، لأن رجاؤه للثواب أقل من رجاءه للثواب إذا أنفق من مال نفسه.

"وَقَالَ الْحَسَنُ: مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ بِوِرَاثَتِكُمْ إِيَّاهُ عَمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِأَمْوَالِكُمْ فِي الْحَقِيقَةِ، وَمَا أَنْتُمْ فِيهَا إِلَّا بِمَنْزِلَةِ النُّوَّابِ وَالْوُكَلَاءِ، فَاغْتَنِمُوا الْفُرْصَةَ فِيهَا بِإِقَامَةِ الْحَقِّ قَبْلَ أَنْ تُزَالَ عَنْكُمْ إِلَى مَنْ بَعْدَكُمْ. {فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} وَهُوَ الْجَنَّةُ."

إضافة (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) لأنها جاءت في آيات كثيرة، في نصوص كثيرة من الكتاب والسنة، لأنه لو آمن ما صح أن يقال له آمن حتى يعمل الصالحات، لأن العمل شرط لصحة الإيمان، ولا تقبل منه نفقته إذا لم يصلي وهكذا.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} اسْتِفْهَامٌ يُرَادُ بِهِ التَّوْبِيخُ. أَيْ: أَيُّ عُذْرٍ لَكُمْ فِي أَلَّا تُؤْمِنُوا وَقَدْ أُزِيحَتِ الْعِلَلُ؟ {وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ} بَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُ لَا حُكْمَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرَائِعِ. قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو: "وَقَدْ أُخِذَ مِيثَاقُكُمْ" عَلَى غَيْرِ مُسَمَّى الْفَاعِلِ. وَالْبَاقُونَ عَلَى مُسَمَّى الْفَاعِلِ، أَيْ: أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَكُمْ. "

{وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ} استفهام يراد به التوبيخ، كيف لا تؤمنون وقد قامت عليكم الحجة؟ وجاءكم رسول من عند ربكم يدعوكم إلى هذا الإيمان وأخذ عليكم الميثاق الأول. والميثاق الأول الذي لما كانوا في ظهور آدم في ظهر آدم، في ظهر آبائهم وأصلابهم، أخذ عليهم الميثاق، فجاءهم من يحيي فيهم جذوة هذا الميثاق، فلماذا لا يؤمنون، وما عذرهم في ترك الإيمان، قبل مجيء الرسول إليهم فإهم لا يؤاخذون، كما قال -جل وعلا-: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء:15]، لكن من هذه حاله في فترة من الفترات بعد اندراس العلم الأول وقبل مجيء الثاني من الرسل، هؤلاء أهل فترة، كالذين بعث فيهم النبي عليه الصلاة والسلام، المرجح من أقوال أهل العلم أنهم يفتنون ويمتحنون في القيامة، فإذا تجاوزوا هذه الفتنة وهذه المحنة نجوا وإلا فلا.

"قَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ الْمِيثَاقُ الْأَوَّلُ الَّذِي كَانَ وَهُمْ فِي ظَهْرِ آدَمَ بِأَنَّ اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا إِلَهَ لَكُمْ سِوَاهُ. وَقِيلَ: أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ بِأَنْ رَكَّبَ فِيكُمُ الْعُقُولَ، وَأَقَامَ عَلَيْكُمُ الدَّلَائِلَ وَالْحُجَجَ الَّتِي تَدْعُو إِلَى مُتَابَعَةِ الرَّسُولِ {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} أَيْ: إِذْ كُنْتُمْ. وَقِيلَ: أَيْ: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بِالْحُجَجِ وَالدَّلَائِلِ. وَقِيلَ: أَيْ: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بِحَقٍّ يَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ، فَالْآنَ أَحْرَى الْأَوْقَاتِ أَنْ تُؤْمِنُوا لِقِيَامِ الْحُجَجِ وَالْإِعْلَامِ بِبَعْثَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ صَحَّتْ بَرَاهِينُهُ. وَقِيلَ: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ خَالِقِكُمْ. وَكَانُوا يَعْتَرِفُونَ بِهَذَا. وَقِيلَ: هُوَ خِطَابٌ لِقَوْمٍ آمَنُوا وَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِيثَاقَهُمْ فَارْتَدُّوا. وَقَوْلُهُ: {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} أَيْ: إِنْ كُنْتُمْ تُقِرُّونَ بِشَرَائِطِ الْإِيمَانِ. "

يعني كثيرًا لما يأتي في القرآن ما يستثير الهمم: افعل هذا إن كنت مؤمنًا، افعلوا كذا إن كنتم مؤمنين، ويثير فيهم الحمية الدينية، ويحثهم على فعل ما أراده منهم بإحياء وإذكاء هذه الجذوة في قلوبهم.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} يُرِيدُ الْقُرْآنَ. وَقِيلَ: الْمُعْجِزَاتُ، أَيْ: لَزِمَكُمُ الْإِيمَانُ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِمَا مَعَهُ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ، وَالْقُرْآنُ أَكْبَرُهَا وَأَعْظَمُهَا. {لِيُخْرِجَكُمْ} أَيْ: بِالْقُرْآنِ. وَقِيلَ: بِالرَّسُولِ. وَقِيلَ: بِالدَّعْوَةِ. {مِنَ الظُّلُمَاتِ} وَهُوَ الشِّرْكُ وَالْكُفْرُ {إِلَى النُّور}ِ وَهُوَ الْإِيمَانُ. {وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}، فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ:

الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ يَمْنَعُكُمْ مِنَ الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَفِيمَا يُقَرِّبُكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْتُمْ تَمُوتُونَ وَتَخْلُفُونَ أَمْوَالَكُمْ وَهِيَ صَائِرَةٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى. فَمَعْنَى الْكَلَامِ: التَّوْبِيخُ عَلَى عَدَمِ الْإِنْفَاقِ، {وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أَيْ: أَنَّهُمَا رَاجِعَتَانِ إِلَيْهِ بِانْقِرَاضِ مَنْ فِيهِمَا كَرُجُوعِ الْمِيرَاثِ إِلَى الْمُسْتَحَقِّ لَهُ، الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ..."

يعني في قوله: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}، {وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، يعني أن له السموات والأرض وما فيهما ابتداءً ونهاية، بخلاف ملك غيره الذي قد يكون ابتدائه لغيره ونهايته لغيره، وإن ملكه في وقت فقد ورثه من غيره، ثم في النهاية ورثه غيره. أما بالنسبة لملك الله -جل وعلا- لهذه الأشياء فهو مالكٌ لها ابتداءً وانتهاءً.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَتْحِ فَتْحُ مَكَّةَ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَالزُّهْرِيُّ: فَتْحُ الْحُدَيْبِيَةِ. قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ قِتَالَانِ أَحَدُهُمَا أَفْضَلُ مِنَ الْآخَرِ، وَنَفَقَتَانِ إِحْدَاهُمَا أَفْضَلُ مِنَ الْأُخْرَى، كَانَ الْقِتَالُ وَالنَّفَقَةُ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ أَفْضَلُ مِنَ الْقِتَالِ وَالنَّفَقَةِ بَعْدَ ذَلِكَ. وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، أَيْ: لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ وَمَنْ أَنْفَقَ مِنْ بَعْدِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ، فَحُذِفَ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ. وَإِنَّمَا كَانَتِ النَّفَقَةُ قَبْلَ الْفَتْحِ أَعْظَمَ، لِأَنَّ حَاجَةَ النَّاسِ كَانَتْ أَكْثَرَ لِضَعْفِ الْإِسْلَامِ، وَفِعْلُ ذَلِكَ كَانَ عَلَى الْمُنْفِقِينَ حِينَئِذٍ أَشَقُّ وَالْأَجْرُ عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ."

الفتح الذي ذكر فيه الخلاف هل أنه فتح مكة، أو صلح الحديبية؟ هو في هذا الموضع فتح مكة، ونزول سورة الفتح بسبب الصلح، لأن مقدمات الفتح فتح، لكن في هذا الموضع الحاجة قبل فتح مكة وبعد صلح الحديبية التي من أجلها فضلت النفقة قبل الفتح موجودة، يعني ما ارتفعت الحاجة إلا بفتح مكة التي فضل بها الإنفاق قبل الفتح على الإنفاق بعده.

"الثَّالِثَةُ: رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ أَهْلُ الْفَضْلِ وَالْعَزْمِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَفِيهَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى تَفْضِيلِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَتَقْدِيمِهِ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ بِسَيْفِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَلِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ أَنْفَقَ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعَلَيْهِ عَبَاءَةٌ قَدْ خَلَّلَهَا فِي صَدْرِهِ بِخَلَالٍ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! مَا لِي أَرَى أَبَا بَكْرٍ عَلَيْهِ عَبَاءَةٌ قَدْ خَلَّلَهَا فِي صَدْرِهِ بِخَلَالٍ؟ فَقَالَ: «قَدْ أَنْفَقَ عَلَيَّ مَالَهُ قَبْلَ الْفَتْحِ» قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لَكَ: اقْرَأْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ السَّلَامَ وَقُلْ لَهُ: أَرَاضٍ أَنْتَ فِي فَقْرِكَ هَذَا أَمْ سَاخِطٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ: أَرَاضٍ أَنْتَ فِي فَقْرِكَ هَذَا أَمْ سَاخِطٌ؟» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَأَسْخَطُ عَلَى رَبِّي؟ إِنِّي عَنْ رَبِّي لَرَاضٍ! إِنِّي عَنْ رَبِّي لَرَاضٍ! إِنِّي عَنْ رَبِّي لَرَاضٍ! قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لَكَ: قَدْ رَضِيتُ عَنْكَ كَمَا أَنْتَ عَنِّي رَاضٍ، فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ يَا مُحَمَّدُ بِالْحَقِّ، لَقَدْ تَخَلَّلَتْ حَمَلَةُ الْعَرْشِ بِالْعُبِيِّ مُنْذُ تَخَلَّلَ صَاحِبُكَ هَذَا بِالْعَبَاءَةِ وَلِهَذَا قَدَّمَتْهُ الصَّحَابَةُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَأَقَرُّوا لَهُ..."

هذا ليس بصحيح. ماذا قال؟

طالب:......

بطلانه واضح.

 "وَلِهَذَا قَدَّمَتْهُ الصَّحَابَةُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَأَقَرُّوا لَهُ بِالتَّقَدُّمِ وَالسَّبْقِ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سَبَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ وَثَلَّثَ عُمَرُ.."

يعني كما قالوا: السابق هو الأول، والمصلي هو الثاني، كما سميت الصلاة بالصلاة لأنها ثاني أركان الإسلام، وهذا أصله في سباق الخيل، يسمون الثاني مصليا.

"فَلَا أُوتَى بِرَجُلٍ فَضَلَّنِي عَلَى أَبِي بَكْرٍ إِلَّا جَلَدْتُهُ حَدَّ الْمُفْتَرِي ثَمَانِينَ جَلْدَةً، وَطَرَحَ الشَّهَادَةَ. فَنَالَ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنَ الْمَشَقَّةِ أَكْثَرَ مِمَّا نَالَ مَنْ بَعْدَهُمْ، وَكَانَتْ بَصَائِرُهُمْ أَيْضًا أَنْفَذَ،

الرَّابِعَةُ: التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ قَدْ يَكُونُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا، فَأَمَّا فِي أَحْكَامِ الدِّينِ فَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُنْزِلَ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ. وَأَعْظَمُ الْمَنَازِلِ مَرْتَبَةً الصَّلَاةُ...؟

حديث عائشة في أمرنا أن ننزل الناس منازلهم في مقدمة مسلم، وفي سنن أبي داوود، وهو حديث حسن قابل للاحتجاج. بعضهم ضعفه لكن أظنه حسن. ماذا قال؟

طالب:.......

التدليس: يحدث عن راو أدركه لكن لم يسمع منه. أنت أدركت ابن باز إدراكا بينا لكن لو تقلت كلاما عنه وما سمعته عنه هل يقدح في ثقتك؟ ما يقدح.

"وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» الْحَدِيثَ. وَقَالَ: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ» وَقَالَ: «وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا» مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَقَدْ تَقَدَّمَ."

كيف تظبط؟ «وَلْيَؤُمَّكُمَا»؟ الميم ما ضبطه؟ اللام لام الأمر، وهي تقتضي الجزم. كيف يجزم المضعف؟ ها مضمومة أو هاء مفتوحة؟ أطال النويوي في تقرير هذا «إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلاَّ أَنَّا حُرُمٌ»، يعني لكن إعادة الفعل إلى ما قبل العامل كأن فيه إلغاء للعامل، وتحريكه بغير ما يقتضيه العامل وفيه أيضًا مخالفة لكن أي المخالفتين أعظم؟ هل نحركه بغير ما يقتضيه العامل لندل على أنه خرج عن طبعه قبل دخول العامل وخرج عن عادته قبل دخول العامل، أو نتركه على ما كان قبل دخول العامل فيفهم منه إلغاء العامل؟ الأفضل أن نردَّه أو لم نردُّه؟ يعني إذا التقى ساكنان والفعل مجزوم يحركونه بالكسر، مع أن الفعل لا يكسر، {يَرْفَعِ اللَّهُ} [المجادلة:11] لماذا؟ لبيان أن الفعل أثر فيه العامل، لكن لو قال: "يرفعُ اللهُ" ألغينا مفعول، نعم نلغي مفعول الأثر العامل، وإلغاء أثر العامل لاشك أنه أشد من تحريكه بحركة غير ما يقتضيه العامل، ويبقى أننا لم نردَّه لم نردَّها لا فرق، وهنا: «وَلْيَؤُمَّكُمَا».

طالب:........

ما يمكن أن نعمل العامل بما يقتضيه العامل يقتضي الجزم ولا نستطيع أن نجزم، مثل: {يَرْفَعِ اللَّهُ} التقاء ساكنين، أو هنا مضاعف ما تقدر تجزم، لأن المضعف عبارة عن حرفين أولهما ساكن، فلا تستطيع أن تسكن الثاني فلابد من تحريكه. فهل يحرك بإرجاع الكلمة إلى أصلها قبل دخول العامل: لم نردُّه، فكأننا ألغينا العامل، أو نحركه بحركة أخرى لينتبه القارئ والسامع أنه العامل أثر فيه، لكن كيف أثر؟

أنه أطال على ذلك وأبطل: لم نردُّه.

نقول نعم لو كانت الهاء مفتوحة لم نردَّها كانت المناسبة أن نحرك بالفتح، لكن أنا لا أرى فرقا بين المفتوحة والمضمومة، لأننا إذا حركناه، التزمنا بأن العامل عمل، لكن أين أثر العامل؟ أثر العامل منع منه مانع، أفضل من كوننا نلغي العامل بالكلية، لأن الذي يقرأه بالضم يجزم بأن العامل ملغى ما له أثر. الفعل أصله مضموم، لكن إذا أعملناه بغير ما يقتضيه يأتي هنا التساؤل: كيف كسر الفعل؟ لكن لو قال: "يرفعُ اللهُ" انتهى وما فيه عامل أصلًا، كأن ما في عامل ألغينا ووجوده مثل عدمه، لكن إذا قلنا: {يَرْفَعِ اللَّهُ} القارئ يفهم أن الفعل ما يمكن أن يكسر. الجر من خواص الأسماء فيبحث عن السبب فيجد. أما إذا أرجعته عن أصله فلا نبحث عن سبب.

"وَقَالَ: «وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا» مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَفَهِمَ مِنْهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ أَرَادَ كِبَرَ الْمَنْزِلَةِ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْوَلَاءُ لِلْكِبَرِ» وَلَمْ يَعْنِ كِبَرَ السِّنِّ."

يعني: يسلم الصغير على الكبير. هذه قاعدة شرعية جاء بها النص، لكن ما المراد بالصغر والكبر؟ الواضح أنه السن، لكن لو جاء عالم ومتعلم، يعني كبر وصغر معنوي، لو جاء جندي وظابط هذه الذي ما فيها حل، حتى لو كان هذا الكبير وهذا الصغير ما فيه عندهم. لو جاء جندي بالستين من عمره، وظابط بالخمسين، هل يمكن أن تخترق قواعدهم وأنظمتهم؟ الأصل م تخترق، الرسول يقول: يسلم الصغير على الكبير، وكذلك لو كان هذا عالم ولو كان من طلابه، ما المانع؟ يسلم الصغير على الكبير. فالمنظور إليه عمومًا الظاهر المتبادر من اللفظ، ولا نترك هذا الظاهر المتبادر من اللفظ إلا بنص آخر يقتضيه.

"وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ: إِنَّ لِلسِّنِّ حَقًّا. وَرَاعَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ أَحَقُّ بِالْمُرَاعَاةِ، لِأَنَّهُ إِذَا اجْتَمَعَ الْعِلْمُ وَالسِّنُّ فِي خَيِّرَيْنِ قُدِّمَ الْعِلْمُ، وَأَمَّا أَحْكَامُ الدُّنْيَا فَهِيَ مُرَتَّبَةٌ عَلَى أَحْكَامِ الدِّينِ، فَمَنْ قَدَّمَ فِي الدِّينِ قَدَّمَ فِي الدُّنْيَا. وَفِي الْآثَارِ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ»."

ماذا قال عنه؟

"وَمِنَ الْحَدِيثِ الثَّابِتِ فِي الْأَفْرَادِ: «مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ سِنِّهِ مَنْ يُكْرِمُهُ»."

طالب:........

الشيخ المؤلف يقول: وَمِنَ الْحَدِيثِ الثَّابِتِ، هذا من الأدلة ضمن ما تقدم كثيرًا أن بضاعته في الحديث مزجاة. ليس له يد في الحديث. 

 "وَأَنْشَدُوا:

يَا عَائِبًا لِلشُّيُوخِ مِنْ أَشَرِ دَاخَلَهُ فِي الصِّبَا وَمِنْ بَذَخِ    اذْكُرْ إِذَا شِئْتَ أَنْ تُعَيِّرَهُمْ

   جَدَّكَ وَاذْكُرْ أَبَاكَ يَا ابْنَ أَخِ                  وَاعْلَمْ بِأَنَّ الشَّبَابَ مُنْسَلِخٌ

      عَنْكَ وَمَا وِزْرُهُ بِمُنْسَلِخِ                  مَنْ لَا يَعِزُّ الشُّيُوخَ لَا بَلَغَتْ

    يَوْمًا بِهِ سِنُّهُ إِلَى الشَّيَخِ"

دعا عليه أنه لا يصل إلى هذه المنزلة منزلة المشيخة بكبر السن، وهؤلاء الشباب الذين هداهم الله صاروا يتنقصون كبار السن بل بعضهم يتعدى أو يسيء إليهم إما بالكلام أو بعض الأفعال، هو لا يذكر أباه ولا جده، ومن الطرائف، من شدة الغفلة أن شخصًا حمل على شخص واسمه هو مسمى باسم حيوان من الحيوانات، فذهب هذا الشخص يبحث عن أصل هذه التسمية وعن هذا الحيوان، وطباع هذا الحيوان وأنه حيوان من أقل الحيوانات إنشاء أنه كذا وكذا، عرض عليه البحث كتب في ورقتين وثلاث، قلت: يا أخي أبوك ما اسمه؟ نفس الاسم أبوه، يريد أن يطعن في هذا الشخص وفي اسمه  وأن الإنسان له نصيب من اسمه وكذا، لما قرأت المكتوب قلت أبوك ما اسمه؟ هو نفس الاسم، هذه غفلة، يعني الذي لا يتصور ما سيؤول إليه بعد الكبر أخف من مثل هذا. نعم قد تتصور عندك أب وأم كبار في السن أو جد أو ما أشبه ذلك، فكيف تتعدى وتتنقص الكبار وأن عندك مثلهم أعز الناس عليك، وأوجب الناس حقًا عليك، ورأى شخص من الشباب رأى شيخًا كبيرًا يقارب الخطى فقال له: يا عم كأنك مقيد، قال: الذي قيدني هو يفتل قيدك الآن، إن طال الله عمرك...  وإن قسم الله عمرك وأخذك في شبابك يعني أمر أعظم، فالإنسان يتدبر وينظر فيما يقول ويفعل، ولا يقدم على شيء إلا شيء مدروس تكون الآثار والعواقب حميدة في حياته.

"الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} أَيِ: الْمُتَقَدِّمُونَ الْمُتَنَاهُونَ السَّابِقُونَ، وَالْمُتَأَخِّرُونَ اللَّاحِقُونَ، وَعَدَهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا الْجَنَّةَ مَعَ تَفَاوُتِ الدَّرَجَاتِ. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ "وَكُلٌّ" بِالرَّفْعِ، وَكَذَلِكَ هُوَ بِالرَّفْعِ فِي مَصَاحِفِ أَهْلِ الشَّامِ. والْبَاقُونَ "وَكُلًّا" بِالنَّصْبِ عَلَى مَا فِي مَصَاحِفِهِمْ، فَمَنْ نَصَبَ فَعَلَى إِيقَاعِ الْفِعْلِ عَلَيْهِ أَيْ: وَعَدَ اللَّهُ كُلًّا الْحُسْنَى. وَمَنْ رَفَعَ فَلِأَنَّ الْمَفْعُولَ إِذَا تَقَدَّمَ ضَعَّفَ عَمَلَ الْفِعْلِ، وَالْهَاءُ مَحْذُوفَةٌ مِنْ " وَعَدَهُ "."

يعني ضعف عمل الفعل فيه في هذا المفعول المقدم. ظاهر أو غير ظاهر؟...عمله فيه أضعف مما لو تأخر...

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} نَدَبَ إِلَى الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَقَدْ مَضَى فِي (الْبَقَرَةِ) الْقَوْلُ فِيهِ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِكُلِّ مَنْ فَعَلَ فِعْلًا حَسَنًا: قَدْ أَقْرَضَ، كَمَا قَالَ: وَإِذَا جُوزِيتَ قَرْضًا فَاجْزِهِ إِنَّمَا يَجْزِي الْفَتَى لَيْسَ الْجَمَلْ، وَسُمِّيَ قَرْضًا، لِأَنَّ الْقَرْضَ أُخْرِجَ لِاسْتِرْدَادِ الْبَدَلِ، أَيْ: مَنْ ذَا الَّذِي يُنْفِقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ."

الأصل في القرض بين الناس أنه يخرجه الإنسان ليرد بدله بالتساوي لا يقضى عليه زائد أقرض ألفا يستوفي ألفا. لا يجوز له أن يطلب أكثر من ذلك. وإن تنازل عن بعضه فالأمر لا يعدوه. وإن دفع المقرض زيادة من غير اشتراط ولا طلب من المقرض فهذا حسن قضاء، فالنبي عليه الصلاة والسلام استسلف بكرًا ورد خيارًا رباعيًا. هذا من حسن القضاء لكن لا يشترط. يسمون الآن في لغتهم وعرفهم الدارج الدين قرض، وهذا من التلبيس يسمونه قرضا. البنك يقرض بنسبة خمسة في المائة هذا دين ليس بقرض. لو كان قرضًا لما جازت الزيادة. والذي يقرض الله قرضًا حسنًا، هذا يرجو زيادة أو ما يرجو؟ التعامل مع الله -جل وعلا- والمتاجرة مع الرب -جل وعلا- تختلف اختلافًا جذريًا عن التعامل مع الناس. يعني إذا كانت المداينة بين الناس بنسبة خمسة عشرة عشرين خمسين مائة بالمائة، فالله -جل وعلا- يضاعف لبعض عباده الحسنة بألفي ألف حسنة، يعني أقل تقدير الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، لكن التحديد بألفي ألف حسنة الحسنة بمليونين حسنة هذا جاء في حديث مسند، وفيه كلام لأهل العلم لكن فضل الله لا يحد، والطمع في فضله أعظم من هذا. والله المستعان.

 "أَيْ: مَنْ ذَا الَّذِي يُنْفِقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يُبَدِّلَهُ اللَّهُ بِالْأَضْعَافِ الْكَثِيرَةِ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: قَرْضًا أَيْ: صَدَقَةً حَسَنًا أَيْ: مُحْتَسِبًا مِنْ قَلْبِهِ بِلَا مَنٍّ وَلَا أَذًى، {فَيُضَاعِفَهُ لَهُ} مَا بَيْنَ السَّبْعِ إِلَى سَبْعِمِائَةٍ إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ مِنَ الْأَضْعَافِ."

بين السبع أو العشر؟ أقل شيء عشر {كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ} سبعمائة حبة، فصارت السبع ومضاعفاتها كم؟ مائة، {سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ} سبعمائة ضعف. ما أدري ما الذي جعل المؤلف يقول ما بين السبع إلى سبعمائة كأنه نظر إلى سبع سنابل وفي كل سنبلة مائة صارت سبعمائة، فهي في الأصل حبة واحدة، صارت سبعمائة حبة، {حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ} فالحبة سبعمائة حبة، فما بين السبع إلى سبعمائة هو المضمون، الحسنة بعشر أمثالها هذا أقل شيء، إلى سبعمائة ضعف فيكون المراد ما بين العشر إلى سبعمائة يضاعفه له ما بين العشر إلى سبعمائة إلى أضعاف إلى ما يشاء الله -جل وعلا- إلى أضعاف كثيرة... من السبع هذه تحتاج إلى....

لو يعطيك شخص سبع ظروف في كل ظرف مائة ريال تقول أعطاني سبع؟أو أعطاك سبعمائة؟

طالب:........

لا شك أن إتقان العمل بسلامة النية وصحتها والاقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام...كل ما كان تحقيق شرطين أعظم كانت المضاعفة أعظم.

"وَقِيل: الْقَرْضُ الْحَسَنُ هُوَ أَنْ يَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، رَوَاهُ سُفْيَانُ عَنْ أَبِي حَيَّانَ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: هُوَ النَّفَقَةُ عَلَى الْأَهْلِ... "

كل النسخ الأصل التفسير كلها عن أبي حيان، وظاهر كما قال: صوبه ابن حيان، وماذا قال عندك؟

طالب:........

"وقال الْحَسَنُ: التَّطَوُّعُ بِالْعِبَادَاتِ. وَقِيلَ: إِنَّهُ عَمَلُ الْخَيْرِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: لِي عِنْدَ فُلَانٍ قَرْضُ صِدْقٍ وَقَرْضُ سُوءٍ. قال الْقُشَيْرِيُّ: وَالْقَرْضُ الْحَسَنُ أَنْ يَكُونَ الْمُتَصَدِّقُ صَادِقَ النِّيَّةِ طَيِّبَ النَّفْسِ، يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ دُونَ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ، وَأَنْ يَكُونَ مِنَ الْحَلَالِ. وَمِنَ الْقَرْضِ الْحَسَنِ أَلَّا يَقْصِدَ إِلَى الرَّدِيءِ فَيُخْرِجُهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} وَأَنْ يَتَصَدَّقَ فِي حَالٍ يَأْمُلُ الْحَيَاةَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ أَفْضَلِ الصَّدَقَةِ فَقَالَ: «أَنْ تُعْطِيَهُ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَأْمُلُ الْعَيْشَ وَلَا تُمْهَلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ قُلْتَ: لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا وَأَنْ يُخْفِيَ صَدَقَتَهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}."

يعني جاء في حديث السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله «الذي تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه»، لاشك أن الصدقة في السر أفضل هذا هو الأصل وهو أقرب إلى الإخلاص، لكن قد تدعو الحاجة إلى إعلان الصدقة من أجل أن يقتدى به، فيكون له أجره وأجر من اقتدى به. فقد يعرض لمفوق ما يجعله فائقًا، «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها»، وهذا ورد في حق متصدق أظهر صدقته واقتدى به الناس، قالوا: مثل الصدقة القرآن، «الْجَاهِرُ بالْقُرْآنِ كاَلْجَاهِرِ بالصّدَقَةِ وَالمُسِرّ بالْقُرْآنِ كَالمُسِرّ بالصّدَقَةِ»،  حديث في سنن أبي داوود حسن، فإذا عرفنا أن السر في الصدقة أفضل من الجهر بها وإعلانها فإن الإسرار بالقرآن أفضل من الجهر به، ولكن يبقى هل يراد الجهر بالقرآن رفع الصوت، والإسرار خفض الصوت؟ أو أن المراد إخفاء القراءة عن الناس أو إظهار القراءة للناس كما هو النظير المطابق لإعلان الصدقة والإسرار بها أيهما أولى؟ يحتمل لكن الجهر والإسرار من صفات الصوت، واضح هذا. والإعلان والإخفاء هذه من علامات الفعل. الإعلان والإخفاء فيما يفعل ويرى، والإسرار والجهر من سمات الصوت، فالجاهر بالقرآن هل المراد به صوته، والمسر به، أو المراد به المعلن بقراءته، والمخفي لقراءته؟ يعني مقتضى اللفظ يقتضي رفع الصوت وخفضه، وتنظيره بالصدقة يقتضي إعلانه وإخفاؤه، فأيهما أرجح؟ لأن كثير من طلاب العلم يعتبون على العلماء والمشايخ يقولون: ما نشوفهه يقرؤون، ما نشوف أن لهم ورد مرتب ويقرؤون. هو ما يدري أن منهم من يختم في سبع في قيام الليل، ومنهم من يقرأ في الليلة القدر الكبير من كلام الله -جل وعلا-، ويتدبره ويردده، ويتأثر به، أفضل من الذي يقرأ أمام الناس، لكن من حرم من قيام الليل ما له إلا هذا، يعني يهجر القرآن؟ يعني لا يقرأ في نظر الناس سواء كانوا من أهله، أو من جماعته، ويبقى أن تربية طلاب العلم على شيء من هذا وأن العالم يعني لو أظهر بعض أعماله من أجل أن يقتدى به صار بحكم من سن في الإسلام سنة، المتصدق، فنرجع إلى أصل المسألة. معنى الحديث: «الْجَاهِرُ بالْقُرْآنِ كاَلْجَاهِرِ بالصّدَقَةِ وَالمُسِرّ بالْقُرْآنِ كَالمُسِرّ بالصّدَقَةِ»، الجهر والإسرار من سمات الأصوات، والإعلان والإخفاء... ما يمكن تجهر بصدقة، يمكن تجهر بصدقة؟ ما يمكن أن تجهر، لأنها من صفات الأصوات، نعم إن كانت الدراهم ذهب وفضة وعددتها علي وتركت لها صوت لكن هذا بعيد، ما يمكن أن يراد مثل هذا، فأقول أن التصريح بالجهر والإسرار وهما من صفات أو من سمات الأصوات يقتضي أن الإنسان إذا قرأ بين الناس أن لا يرفع صوته، ويكون أفضل من الذي يرفع صوته. ومقتضى التنظير بالصدقة يقتضي أن إخفاء القراءة أفضل من إعلانها أمام الملأ... مسائل الإخلاص وما يتعلق بها هذه هي الأصل، لكن هل نحلل لفظ الجاهر والمسر؟ ما المراد به؟ التنظير إنما يطابق مع الصدقة إذا قلنا الإعلان هو السر، يعني يقرأ بمفرده ولا يقرأ أمام الناس مثل الصدقة، لكن قد يعرض للمفوق ما يجعله فائقا. إذا رأى طلاب أعرضوا عن القرآن أو نمى إلى علمه أن الناس يقولون أن المشايخ ما يقرؤون ولو كان الهجر ما تركه أهل العلم عليه أن يقرأ أمام الناس. ما المانع؟

طالب:......

لا أحد يقول إذا تقدم إلى الصلاة قبل الناس وفتحت المصحف: لا تقرأ لكن كونك تجلس بعد الناس وتقرأ في المسجد أفضل أو أن تقرأ في بيتك؟ المسألة يقتضى هذا من سن في الإسلام سنة حسنة... وأيضا المكث في المصلى بعد الصلاة مع ذكر الله والملائكة تصلي عليه وتدعو له وتستغفر له هذه مسائل عوارض لكن أصل المسألة هل الأفضل أن يقرأ في بيته بعيدا حتى عن أولاده وزوجته أو يقرأ عندهم لكن لا يرفع صوته؟ لا شك أن الإخفاء أقرب إلى الإخلاص والمعول عليه...لا

قد يكون في البيت أصوات ومشاغل...شخص بيته صغير فإما أن يبرز للأولاد فلا يتركون له فرصة أو ينزوي في مكتبته وينشغب بنظره إلى كتبه يمينا ويسارا فلا يجتمع عليه قلبه لا سيما الناس يخرجون ولا يبقى فيه أحد. على كل حال هذه مسائل كل إنسان أدرى بنفسه والمعول على إخلاص العمل لله جل وعلى...

 "وَأَلَّا يَمُنَّ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} وَأَنْ يَسْتَحْقِرَ كَثِيرَ مَا يُعْطِي، لِأَنَّ الدُّنْيَا كُلَّهَا قَلِيلَةٌ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ أَحَبِّ أَمْوَالِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وَأَنْ يَكُونَ كَثِيرًا، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ الرِّقَابِ أَغْلَاهَا ثَمَنًا وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا»، فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ "فَيُضَعِّفَهُ" بِإِسْقَاطِ الْأَلِفِ إِلَّا ابْنَ عَامِرٍ وَيَعْقُوبَ نَصَبُوا الْفَاءَ. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ " فَيُضَاعِفَهُ " بِالْأَلِفِ وَتَخْفِيفِ الْعَيْنِ إِلَّا أَنَّ عَاصِمًا نَصَبَ الْفَاءَ. وَرَفَعَ الْبَاقُونَ عَطْفًا عَلَى يُقْرِضُ. وَبِالنَّصْبِ جَوَابًا عَلَى الِاسْتِفْهَامِ. وَقَدْ مَضَى فِي (الْبَقَرَةِ) الْقَوْلُ فِي هَذَا مُسْتَوْفًى، {وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} يَعْنِي الْجَنَّةَ..."

وَبِالنَّصْبِ جَوَابًا عَلَى الِاسْتِفْهَامِ

فيضاعفه جوابًا على الاستفهام، يعني بأن مضمرة بعد الفاء، لأنها وقعت بعد الاستفهام.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} الْعَامِلُ فِي " يَوْمَ " {وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ}، وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ أَيْ: وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ فِي يَوْمٍ تَرَى فِيهِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُومِنَاتِ {يَسْعَى نُورُهُمْ} أَيْ يَمْضِي عَلَى الصِّرَاطِ فِي قَوْلِ الْحَسَنِ..."

غالبًا ما يقدرون اذكر، قبل اليوم المنصوب يقدرون اذكر {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}. ولا مانع من نصبه على ما ذكر.

طالب:......

 الْعَامِلُ فِي " يَوْمَ " {وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ}، يعني منصوب على الظرفية في ذلك الظرف في ذلك الوقت، الذي يوفى فيه أجره الكريم يوم ترى المؤمنين، يعني بالجر.

طالب:......

"{يَسْعَى نُورُهُمْ} يَمْضِي عَلَى الصِّرَاطِ فِي قَوْلِ الْحَسَنِ، وَهُوَ الضِّيَاءُ الَّذِي يَمُرُّونَ فِيهِ {بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} أَيْ: قُدَّامَهُمْ. {وَبِأَيْمَانِهِمْ} قَالَ الْفَرَّاءُ: الْبَاءُ بِمَعْنَى "فِي"، أَيْ: فِي أَيْمَانِهِمْ. أَوْ بِمَعْنَى "عَنْ" أَيْ: عَنْ أَيْمَانِهِمْ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: {نُورُهُمْ} هُدَاهُمْ {وَبِأَيْمَانِهِمْ} كُتُبُهُمْ، وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيُّ. أَيْ: يَسْعَى إِيمَانُهُمْ وَعَمَلُهُمُ الصَّالِحُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَفِي أَيْمَانِهِمْ كُتُبُ أَعْمَالِهِمْ. فَالْبَاءُ عَلَى هَذَا بِمَعْنَى "فِي". وَيَجُوزُ عَلَى هَذَا أَنْ يُوقَفَ عَلَى  "بَيْنِ أَيْدِيهِمْ" وَلَا يُوقَفَ إِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى "عَنْ". وَقَرَأَ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ وَأَبُو حَيْوَةَ "وَبِإِيمَانِهِمْ " بِكَسْرِ الْأَلِفِ، أَرَادَ الْإِيمَانَ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْكُفْرِ وَعَطَفَ مَا لَيْسَ بِظَرْفٍ عَلَى الظَّرْفِ، لِأَنَّ مَعْنَى الظَّرْفِ الْحَالُ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ. وَالْمَعْنَى يَسْعَى كَائِنًا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَكَائِنًا بِأَيْمَانِهِمْ، وَلَيْسَ قَوْلُهُ: بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مُتَعَلِّقًا بِنَفْسِ يَسْعَى. وَقِيلَ: أَرَادَ بِالنُّورِ الْقُرْآنَ. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: يُؤْتَوْنَ نُورَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْتَى نُورَهُ كَالنَّخْلَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْتَى نُورَهُ كَالرَّجُلِ الْقَائِمِ ، وَأَدْنَاهُمْ نُورًا مَنْ نُورُهُ عَلَى إِبْهَامِ رِجْلِهِ فَيُطْفَأُ مَرَّةً وَيُوقَدُ أُخْرَى. وَقَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يُضِيءُ نُورُهُ كَمَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَعَدَنٍ أَوْ مَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَصَنْعَاءَ وَدُونَ ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ مِنْهُمْ مَنْ لَا يُضِيءُ نُورُهُ إِلَّا مَوْضِعَ قَدَمَيْهِ»."

مخرج؟

طالب:........

قتادة تابعي. يشهد لبعض لا بلفظ

"قَالَ الْحَسَنُ: لِيَسْتَضِيئُوا بِهِ عَلَى الصِّرَاطِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: لِيَكُونَ دَلِيلًا لَهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} التَّقْدِيرُ يُقَالُ لَهُمْ: بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ دُخُولُ جَنَّاتٍ. وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ حَذْفِ الْمُضَافِ، لِأَنَّ الْبُشْرَى حَدَثٌ، وَالْجَنَّةُ عَيْنٌ فَلَا تَكُونُ هِيَ هِيَ. {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} أَيْ: مِنْ تَحْتِهِمْ أَنْهَارُ اللَّبَنِ وَالْمَاءِ وَالْخَمْرِ وَالْعَسَلِ مِنْ تَحْتِ مَسَاكِنِهَا."

يعني عكس، يعني الآن يقول: وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ حَذْفِ الْمُضَافِ، دخول جنات لأن البشرى حدث والدخول حدث والجنات عين، فلا يخبر بالعين عن الحدث.

طالب:........

ولا يكون اسم الزمان خبرًا عن جثة. الآن العكس، الجثة هي المبتدأ، والجنة عين، الجثة هي الخبر، البشرى هي المبتدأ والعين هي الخبر فالجنة هي الخبر وهي عين، لأن اسم الزمان معنى اسم الزمان خبر عن جثة... ما ذكر مثالا، لكن الآن على العكس، العين هو الخبر، وفي بيت ابن مالك العكس، العين هو المبتدأ عكس ما عندنا.

طالب:.........

{بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ} ولابد من تقدير حذف مضاف، {بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ} دخول جنات، لأن ركني الجملة بشراكم جناتٌ، اليوم ما له علاقة. ركني الجملة "بشراكم جنات" البشرى معنى والجنات عين، يقول: لابد من تقدير مضاف يضاف إلى هذه العين ليصح الإخبار بها عن المعنى.

طالب:.......

ما فيه إشكال من حيث المعنى مفهوم ولا يشكل ولا يلبس، لكن من باب تمرير القواعد...

طالب:........

"{خَالِدِينَ فِيهَا} حَالٌ مِنَ الدُّخُولِ الْمَحْذُوفِ، التَّقْدِيرُ: بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ دُخُولُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ مُقَدَّرِينَ الْخُلُودَ فِيهَا وَلَا تَكُونُ الْحَالُ مِنْ بُشْرَاكُمْ، لِأَنَّ فِيهِ فَصْلًا بَيْنَ الصِّلَةِ وَالْمَوْصُولِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ الْبُشْرَى، كَأَنَّهُ قَالَ: تُبَشَّرُونَ خَالِدِينَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الظَّرْفُ الَّذِي هُوَ "الْيَوْمَ" خَبَرًا عَنْ بُشْرَاكُمْ وَ"جَنَّاتٌ" بَدَلًا مِنَ الْبُشْرَى عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ الْمُضَافِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَ"خَالِدِينَ" حَالٌ حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ. وَأَجَازَ الْفَرَّاءُ نَصْبَ "جَنَّاتٍ" عَلَى الْحَالِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْيَوْمَ خَبَرًا عَنْ بُشْرَاكُمْ وَهُوَ بَعِيدٌ؛ إِذْ لَيْسَ فِي "جَنَّاتٌ" مَعْنَى الْفِعْلِ. وَأَجَازَ أَنْ يَكُونَ " بُشْرَاكُمْ" نَصْبًا عَلَى مَعْنَى يُبَشِّرُونَهُمْ بُشْرَى وَيَنْصِبُ "جَنَّاتٌ" بِالْبُشْرَى وَفِيهِ تَفْرِقَةٌ بَيْنَ الصِّلَةِ وَالْمَوْصُولِ."

حتى لو قلنا إن اليوم هي الخبر خبر بشرى، ليس بخبر عن جثة. الإشكال في قوله: "جنات" يجوز أن تكون حالا، لأنه قال هنا: وَأَجَازَ الْفَرَّاءُ نَصْبَ "جَنَّاتٍ" عَلَى الْحَالِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْيَوْمَ خَبَرًا عَنْ بُشْرَاكُمْ وَهُوَ بَعِيدٌ؛ إِذْ لَيْسَ فِي "جَنَّاتٌ" مَعْنَى الْفِعْلِ، فيه اشتقاق من الفعل، لكن الجنة؟ الجنة اسم... مشتقة لكن لا تعمل عمل الفعل؟ هل هذا مرادهم أنه كونه مشتق يعني عمل عمل الفعل؟

اللهم صلِّ على محمد.

"