شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1425 هـ) - 08

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة ضمن برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، مع مطلع حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لا زلنا في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- في باب هل يقال: رمضان أو شهر رمضان؟ ومن رأى كله واسعًا، كنا أسلفنا مع فضيلتكم الكلام عن ألفاظ الحديث، توقفنا عند بعض أقوال أهل العلم في مسألة فتح أبواب الجنة، وغلق أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين، هل هذا معنوي أو حسي حقيقي؟ وذكرتم بعض الأقوال، نرجع إليها إذا تفضلتم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

لا زلنا في نقل الأقوال وتوجيهها والتوفيق بينها.

نقل الحافظ ابن حجر عن الحليمي -الحليمي هذا صاحب ماذا؟ المنهاج في شعب الإيمان، الذي هو أصل كتاب شعب الإيمان للبيهقي.

المقدم: البيهقي أخذ منه؟

أخذ منه، وأسنده، وزاد عليه.

قال الحليمي: يحتمل أن يكون المراد من الشياطين، يحتمل أن يكون المراد من الشياطين مسترقي السمع، وأن تسلسلهم يقع في ليالي رمضان دون أيامه؛ لأنهم كانوا منعوا في زمن نزول القرآن من استراق السمع، فزيدوا التسلسل مبالغة في الحفظ.

لماذا قال: في ليالي رمضان؟

المقدم: ولم يقل: في نهاره مثلًا؟

نعم، يقول: دون أيامه، تسلسل يقع في ليالي رمضان دون أيامه؟

المقدم: لأنه في نهار رمضان من أجل أن الصائم أصلًا متلبس بالعبادة، فيكون الأمر عليه أسهل؟

لا، لا، هو ربط التسلسل هذا، أو السلسلة بنزول القرآن، ونزول القرآن إنما كان بالليل.

المقدم: { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ } [القدر: 1].

نعم.

لأنهم كانوا منعوا في زمن نزول القرآن من استراق السمع، فزيدوا التسلسل مبالغة في الحفظ، ويحتمل أن يكون المراد أن الشياطين لا يخلصون من افتتان المسلمين إلى ما يخلصون إليه في غيره؛ لاشتغالهم بالصيام الذي فيه قمع الشهوات.

المقدم: يعني هذا ما ذكرتُه أنا؟

نعم.

وبقراءة القرآن والذكر.

وفي التنقيح للزركشي: قوله: «فتحت» بتخفيف التاء المثناة فوق وتشديدها، ثم الأظهر أنه على الحقيقة.

لا يوجد حقيقةً ما يمنع من الحقيقة، إنما يلجأ إلى المجاز -عند من يقول به-، أو الحمل على المعنى المعنوي لا الحسي إذا وُجد ما يمنع من إرادة الحقيقة، إذا وُجد ما يمنع من ذلك.

المقدم: ولو لم نعلم فائدة هذا الأمر الحقيقي ما يضر؟

إذا ما أدركناه، ما ندركه نؤمن به ونعمل به، وما لا ندركه من الأمور المتشابهة التي لا نصل إلى كنهها ولا حقيقتها، مثل هذا نؤمن به.

ثم الأظهر أنه على الحقيقة لمن مات فيه، أو عمل عملًا لا يفسد عليه.

من مات في رمضان تفتح له أبواب الجنة، من عمل عملًا لم يفسده هو، أو لم يأت بما يبطله ويفسده تفتح له أبواب الجنة مباشرة.

وقيل: على المجاز، فإن العمل فيه يؤدي إلى ذلك، أو كثرة الرحمة والمغفرة؛ بدليل رواية مسلم: «فتحت أبواب الرحمة»، «فتحت أبواب الرحمة».

المقدم: هذا يؤيد أنه معنوي؟

على هذا نعم، لكن فيه استدراك.

يقول: إلا أن يقال: إن الرحمة من أسماء الجنة.

وذكر البخاري هذا الحديث صحيحًا محتجًّا به لجواز قولهم: رمضان بدون شهر، لكن الترمذي رواه بذكر الشهر، وزيادة الثقة مقبولة، فتحمل رواية البخاري على الاختصار.

يعني الذي حذف الشهر الراوي؛ لأنها زيدت في رواية الترمذي، لكن الذي يراه ابن العربي في العارضة عكس ما يراه الزركشي.

الآن؛ لما ذكر الشهر في رواية الترمذي، قال الزركشي: إن رواية البخاري تصرف فيها الراوي، وابن العربي يرى العكس، يقول: ما في البخاري أثبت مما في الترمذي، لماذا لا نقول: إن الراوي تصرف في رواية الترمذي وزاد الشهر؟ وهذا ملحظ جميل.

جاء في تفسير الإمام الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-: في تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وَجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران: 107]؛ لأن الذي جرنا إلى هذا الكلام قول الزركشي: إلا أن يقال: إن الرحمة من أسماء الجنة.

المقدم: قال: { فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ } [آل عمران: 107].

نعم.

في، { وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وَجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [آل عمران: 107]، يعني الجنة، يعني الجنة ماكثون فيها أبدًا، لا يبغون عنها حولًا.

وقبله ابن جرير الطبري في تفسيره يقول: فهم في {رَحْمَةِ اللَّهِ } [آل عمران: 107]، يعني: جنته ونعيمه وما أعد الله لأهلها فيها، { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران: 107]، أي: باقون فيها أبدًا بغير نهاية ولا غاية.

فكل من ابن جرير وابن كثير يرون أن الرحمة هنا هي الجنة.

القرطبي في تفسيره -تفسير الآيات المذكورة من سورة آل عمران-: {فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ} [آل عمران: 107] يقول: أي: في جنته ودار كرامته خالدون باقون، جعلنا الله منهم، وجنبنا طرق البدع والضلالات، ووفقنا لطريق الذين آمنوا وعملوا الصالحات. آمين.

يعني لا بد مع هذا، إذا قلنا المراد بالرحمة هنا الجنة، لا بد مع هذا من الإقرار بصفة الرحمة لله -عز وجل- على ما يليق بجلالته وعظمته؛ كما جاءت بذلك النصوص من نصوص الكتاب والسنة، يعني لا يعني أنهم بهذا فروا من إثبات صفة الرحمة.

المقدم: يعني بعض الناس يقول: الرحمة هنا الجنة؛ ليهرب من إثبات صفة الرحمة؟

نعم، ممكن؛ كما يقولون في قوله -عليه الصلاة والسلام-: «والذي نفسي بيده» روحي في تصرفه، يفرون من إثبات صفة اليد لله -جل وعلا-، لكن الذي يثبت الصفات على ما جاء في النصوص ويقول مثل هذا الكلام، يعني مثل ابن جرير، ومثل ابن كثير يُقبل منه.

جاء في الأدب المفرد للإمام البخاري في باب من كره أن يقال: اللهم اجعلني في مستقر رحمتك، يقول: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا أبو الحارث الكرماني قال: سمعت رجلًا قال لأبي رجاء -يعني العطاردي-: أقرأ عليك السلام، وأسأل الله أن يجمع بيني وبينك في مستقر رحمته، قال: وهل يستطيع أحد ذلك؟ قال: فما مستقر رحمته؟ قال: الجنة، قال أبو رجاء: لم تصب، قال: فما مستقر رحمته؟ قال: رب العالمين.

المقدم: ذاته؟

نعم؛ لأنها صفة من صفاته.

المقدم: والخبر يصح؟

الخبر صحيح، نعم، إلى أبي رجاء، ولعله أراد، يعني تعرف أن أبا رجاء من المخضرمين، ولعله أراد أن يثبت هذه الصفة لله -جل وعلا-، ويخشى أن يكون كلام هذا الرجل الذي ناقشه، هذا الرجل الذي ناقشه يخشى أن يكون بادرة أو نابتة لنفي الصفات، فهذا من احتياطهم.

وفي شرحه -لفضل الله الجيلاني، فضل الله الصمد-: مستقر ما يقر فيه الشيء، أي: يوجد فيه، والصفة إنما تستقر في الموصوف، وتعلقها بغيرها ليس استقرارًا لها بذلك الغير على الحقيقة، والجنة مستقر رحمة الله تعالى مجازًا-، أي: مستقر آثار رحمته، ثم جاء بالآية، آية آل عمران، وقد قال الله -عز وجل-: { وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وَجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران: 107].

المقدم: فضيلة الدكتور يعني نلحظ في بعض النصوص ربط أبواب السماء بأبواب الجنة، أو على الأقل فتح أبواب السماء للمؤمنين وتغليقها في وجوه الكافرين، {لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ } [الأعراف: 40]، وهنا: «فتحت أبواب السماء»، «وفتحت أبواب الجنة».

نعم، مثل هذا يستدل به من يقول: إن النار في الأرض، وأن الجنة في السماء.

المقدم: يعني قوله: {لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ} [الأعراف: 40]، معنى ذلك: خلودهم في النار، وعدم إتيانهم للسماء، هذا استدلالهم؟

هذا يستدل به من يربط بين السماء والجنة، يقول: لأن الجنة في السماء، وتقدم الإشارة إليه هنا.

في عارضة الأحوذي لابن العربي شرح الترمذي، وهو كتاب جميل، نفيس، وفيه طرائف لا توجد في غيره، وتحريرات وتحقيقات، لكن هو في باب الصفات مؤول، ابن العربي في باب الصفات مؤول، ويبقى أن الطبعة الأولى للكتاب والتي أُخذ عنها جميع الطبعات الموجودة اللهم إلا قطعة طُبعت في الهند قديمًا، الطبعة في غاية السوء.

المقدم: أخطاء كثيرة؟

أخطاء، أحيانًا تكون كأنه كلام أعجمي من التحريف، والمطبعة التي طبعته مطبعة التازي والصاوي، يعني حرف جميل وورق طيب، لكن مع ذلك الطبعة في غاية السوء، حتى إن الشيخ أحمد شاكر ذكر في مقدمته لتحقيقه على كتاب جامع الترمذي أنهم استعاروا نسختهم من جامع الترمذي ليقابلوا بها النسخ التي يطبعون عنها، يقول: لما خرج الجزء الأول من طبعتهم وجدتهم أدخلوا بعض كلامي في كلام الترمذي.

المقدم: كلام الترمذي أم الشارح؟

كلام الترمذي، نعم، يقول: حتى إني أخرج أحاديث، أقول: أخرجه أبو داود، أخرجه كذا، أدخلوه في كلام الترمذي.

المقدم: قال الترمذي: أخرجه أبو داود؟

أخرجه أبو داود، هذا لا شك أنه سوء في الطباعة، يقول الشيخ أحمد شاكر: سحبت نسختي منهم؛ لئلا أساهم في تحريف الكتاب.

المقدم: ولم يطبع طباعة جيدة إلى الآن؟

إلى الآن؛ لأن المطبوعات التي طُبعت صف جديد في بيروت مأخوذ من هذه الطبعة، والكتاب فيه نفائس، وفيه لطائف، لكن يحتاج إلى عناية وجمع نسخ.

المقدم: ما تعرفون من طلبة العلم من تصدى له الآن؟

والله ما أعرف.

المقدم: ولا رسائل علمية؟

ما أعرف والله إلى الآن.

المقدم: تنصحون أنه يكون فيه رسائل يا شيخ؟

مشكلته أنه طابعه فقهي، يعني الرواية فيه والصناعة قليلة جدًّا، فهذه مشكلة تحتاج إلى من يتصدى له في غير الرسائل العلمية، ويحتاج أيضًا إلى من يعلق فيه على مسائل المخالفات العقدية، والكتاب جدير بالعناية، نعم شرحه مختصر ليس بمطول، لكن أحيانًا يطيل إطالات نافعة.

المقدم: لكنه شرح كامل الكتاب يا شيخ؟

نعم، كامل الكتاب.

المقدم: في كم مجلدًا؟

ثلاثة عشر جزء صغار، أحيانًا يمر بعض الأحاديث بدون شرح.

في عارضة الأحوذي لابن العربي، يقول: فيه مسائل: الأولى: قوله: «إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة»، يقتضي أنها مخلوقة، أن الجنة مخلوقة، ردًّا على القدرية الذين يقولون: إنها لم تخلق بعد، لماذا يقولون: إنها لم تخلق بعد؟ لأن خلقها قبل وقت الجزاء عبث عندهم-، والأخبار في ذلك كثيرة، وقد بلغت من الاستفاضة حدًّا يقرب من التواتر. إلى أن قال: الرابعة: «صفدت الشياطين» يعني شُدت بالصفاد، وهو الآلة التي تعقد بها اليدان والرجلان، والشياطين خلق من خلق الله، وهم ذرية إبليس، أجسام يأكلون ويطؤون ويشربون ويولدون ويموتون ويُعذبون ولا ينعّمون بحال، يعني الشياطين، لا يعني بذلك الجن؛ لأن مؤمنهم يُنعم، ويُعذبون ولا ينعمون بحال، وأنكرت ذلك القدرية؛ لإضمارهم عقيدة الفلاسفة، أنكروا ذلك، جعلوها أشياء معنوية وليست حسية؛ لأن الفلاسفة ينكرونهم بالكلية، ويوجد من الكُتَّاب الآن ممن ينتسب إلى الإسلام من يتطرق لمثل هذا أو يقول ببعض هذا، من إنكار بعض ما جاءت النصوص القطعية، نصوص الكتاب والسنة بإثباته قد يوجد من ينكره -مع الأسف الشديد- من الكتاب الذين ينتسبون إلى الإسلام.

الخامسة: قوله: «فتحت أبواب الجنة» دليل على أنها مغلقة، وهنا فيه كلام طويل، يقول: قوله: «فتحت أبواب الجنة» دليل على أنها مغلقة. السادسة: قوله: «غلقت أبواب النار» دليل على أنها -الأبواب-.

المقدم: كانت مفتوحة.

نعم، مفتحة.

وقد غلط في ذلك بعض المعتدين على كتاب الله تعالى، فقال: إن قوله تعالى: { حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } [الزمر: 73]، دليل على أن أبوابها

المقدم: كانت مغلقة.

ماذا؟

 مفتحة أبدًا.

المقدم: { وَفُتِحَتْ } [الزمر: 73].

{ وَفُتِحَتْ } [الزمر: 73]، في كلام ابن العربي يقول: «فتحت أبوابها» دليل على أنها مغلقة، ثم تفتح في رمضان، معناه أنها تغلق في بقية العام، هنا يقول الذي ينتقده ابن العربي، يقول: غلط في ذلك بعض المعتدين على كتاب الله، فقال: إن قوله تعالى: { حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } [الزمر: 73]، دليل على أن أبوابها مفتحة.

المقدم: يعني «فتحت» معناه أنها مفتحة؟

{ وَفُتِحَتْ } [الزمر: 73].

المقدم: الواو يدل على أنها كانت مفتوحة؟

واو الحال، والحال أنها مفتوحة بخلاف أبواب النار، يعني عكس ما قرره ابن العربي أخذًا من هذا الحديث.

دلالة الحديث على كلام ابن العربي ظاهرة.

المقدم: أنها فتحت، كانت مغلقة؟

كانت مغلقة، وتلك أغلقت دليل على أنها كانت مفتوحة.

نسمع بقية الكلام: دليل على أن أبوابها مفتحة أبدًا؛ إذا لم يجعل جواب الجزاء، وقوله في النار: { حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } [الزمر: 71] بدون واو، دليل على أنها مغلقة، فقلب الحقيقة، وتكلم في كتاب الله برأيه.

المقدم: يرد عليه؟

نعم، يقول: والحق الصحيح المقبول المعلوم ما قال -صلى الله عليه وسلم-: «آتي باب الجنة، فآخذ بحلقة الباب، فأقرع، فيقول الخازن: من؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أُمرت ألا أفتح لأحد قبلك»، دلالته لكلام ابن العربي..

المقدم: أقوى.

ظاهرة.

وإنما تُفتح أبواب الجنة؛ ليعظم الرجاء، ويكثر العمل، وتتعلق بها الهمم، ويتشوق إليها الصابر. وتغلق أبواب النار؛ لتخزى الشياطين، وتقل المعاصي، ويصد بالحسنات في وجوه السيئات، فتذهب سبيل النار -إلى أن قال، هذا الشخص الذي أشار إليه ابن العربي...

المقدم: في فهمه للنص.

نعم، الرجل الذي قال، من المعتدين على كتاب الله، هذا الشخص، هذا الكلام الذي أشار إليه ابن العربي، نقله ابن الجوزي في زاد المسير عن أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد بن شاقلاء الحنبلي، المتوفى سنة (369)، قال: إن أهل الجنة جاؤوها وقد فتحت أبوابها؛ ليستعجلوا السرور والفرح إذا رأوا الأبواب مفتحة، وأهل النار يأتونها وأبوابها مغلقة ليكون أشد في حرها.

يعني تغلق، إذا فتحت الأبواب تنفست، لكن إذا أغلقت كتمت، فتكون الواو كما قال ابن الجوزي: واو الحال، فالمعنى: جاؤوها وقد فتحت أبوابها، فدخلت الواو؛ لبيان أن الأبواب كانت مفتحة قبل مجيئهم، وحذفت من قصة أهل النار؛ لبيان أنها كانت مغلقة قبل مجيئهم، ونقل ابن الجوزي عن بعض مشايخه في حكمة فتح أبواب الجنة، وغلق أبواب النار أن الوقوف على الباب المغلق نوع ذل.

يعني كون الإنسان يأتي مباشرة ويدخل، يجد الباب مفتوحًا..

المقدم: أكرم له.

أكرم له من أن يقف وراء الباب يستأذن، لكن إذا كان محمد -عليه الصلاة والسلام- يستأذن؟

المقدم: أين الذل هنا؟

ما فيه، نقل ابن الجوزي عن بعض مشايخه في حكمة فتح أبواب الجنة، وغلق أبواب النار أن الوقوف على الباب المغلق نوع ذل، فصين أهل الجنة عنه، وجعل في حق أهل النار.

على كل حال؛ دلالة الحديث لكلام ابن العربي ظاهرة، وأما ما أخذه هؤلاء من آية الزمر، فهو استنباط، استنباط على أنه قيل في الواو: أنها واو الثمانية، أنه قيل: أنها واو الثمانية، ومرت بنا.

المقدم: في مواضع نعم.

يقول، إلى أن قال ابن العربي: الثامنة: قال مستريب: إنا نرى المعاصي في رمضان كما هي في غيره، فما أفاد تصفيد الشياطين؟ وما معنى هذا الخبر؟ يقول ابن العربي: قلنا له: كذبت أو جهلت، إن المعاصي أقل منها في غيره، ومن زعم أن رمضان في الاسترسال على المعاصي وغيره سواء، فلا تكلموه، فقد سقطت مخاطبته، بل تقل المعاصي، ويبقى منها ما بقي؛ وذلك لثلاثة أوجه.

يعني لئلا يقول واحد: إن مقتضى تصفيد الشياطين ألا يوجد معاصٍ أصلًا، يقول: بل تقل المعاصي، ويبقى منها ما بقي؛ وذلك لثلاثة أوجه: أحدهما: أن يكون المعنى: «صفدت»: سلسلت المردة، وبقي من ليس بمارد ولا عفريت، ويدل عليه الحديث الآخر الذي رواه أبو عيسى وغيره، الذي فيه: «صفدت مردة الشياطين» عند الترمذي.

 ثانيها: أن يكون المعنى أنها بعد تصفيدها كلها، وسلسلتها، تَحمل على المعاصي بالوسوسة، فإنه ليس من شرط الوسوسة التي يجدها المرء في نفسه من الشيطان للاتصال -يعني يستطيع الوسوسة من بعد، وهو مصفد-، فإنه ليس من شرط الوسوسة التي يجدها المرء في نفسه من الشيطان للاتصال، بل هي من العبد صحيحة، فإن الله هو الذي يخلقها في قلب العبد عند تكلم الشيطان بها؛ كما يخلق في قلب المسحور عند تكلم الساحر، وعند تكلم العائن في جسم المعين.

يعني كون الشيء يخلق في وقته، عليه ملاحظة أم ما عليه ملاحظة؟

المقدم: ملاحظة.

من جهة..

المقدم: يعني كأنه يرى أن.. هي ملاحظة عقدية؟

نعم بلا شك، لكن يخلق الشيء في وقته.

المقدم: إن الله -عز وجل- لا يعلم الأشياء إلا عند حصولها، الجزئيات؟

لا، لا، الكلام عند الأشاعرة في مسألة الاستطاعة والقدرة.

المقدم: الاستطاعة يعني قبلية أم بعدية؟

نعم.

المقدم: أشعري هو؟

هو أشعري.

ثالثها: أن المعاصي ربما زالت بوسواس الشيطان، وبقيت المعاصي أن تكون من قبل شهوات الإنسان وأعراضه الفاسدة.

يعني المعاصي التي تكون بسبب الشيطان زالت، لكن بقي أنه هناك دوافع ومغريات غير الشياطين، من شياطين الإنس مثلًا، نعم، وشياطين الإنس.

وأجاب ابن حجر عن الإشكال نقلًا عن القرطبي: بأنها إنما تقل عن الصائمين -ننتبه لهذا، وهذا مهم جدًّا-، بأنها إنما تقل عن الصائمين الصوم الذي حوفظ على شروطه، وروعيت آدابه.

المقدم: تقل.

بلا شك؛ لأنه هذا، هذا النوع من الصيام هو الذي تترتب عليه آثاره، والفائدة العظمى من الصيام ماذا؟

المقدم: التقوى.

كما في آية؟

المقدم: { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [البقرة: 183].

{ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [البقرة: 183]، التقوى، فإذا كان هذا الصيام الذي حافظ عليه صاحبه، وهو في الحقيقة جُنة، الصيام الذي لا يحافظ عليه صاحبه، ويكون بنفسه قد خرق هذه الجنة، «الصيام جُنَّة، فلا يخرقها»؛ كما جاء في بعض الروايات، فإذا خرقها، انتهى، ما صار جنة، وهذا كلام نفيس.

الصيام، هو الصوم الذي حوفظ على شروطه، وروعيت آدابه، أو المصفد بعض الشياطين، وهم المردة، لا كلهم؛ كما تقدم في بعض الروايات، أو المقصود تقليل الشرور فيه، وهذا أمر محسوس، فإن وقوع ذلك في غيره، فإن وقوع ذلك فيه -يعني في رمضان- أقل من غيره؛ إذ لا يلزم من تصفيد جميعهم ألا يقع شر ولا معصية؛ لأن لذلك أسبابًا غير الشياطين؛ كالنفوس الخبيثة، والعادات القبيحة، والشياطين الإنسية، وقال غيره في تصفيد الشياطين في رمضان: إشارة إلى رفع عذر المكلف.

الآن المؤثر الخارجي مصفد، ما بقي إلا من نفسك.

إشارة إلى رفع عذر المكلف؛ كأنه يقال له: قد كُفت الشياطين عنك، فلا تعتل بهم، لا تعتل بهم، يعني لا تعتذر بأنك مسلط عليك شياطين، فلا تعتل بهم في ترك الطاعة ولا فعل المعصية.

على أنها في بقية العام والشياطين لم تصفد، له أن يتعلل؟

المقدم: أبدًا.

لا، بُين له، تبين له الطريقان.

المقدم: أحسن الله إليك، فضيلة الدكتور نستأذنك في أن نستكمل -بإذن الله- ما تبقى في حلقة قادمة، أيها الإخوة والأخوات بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة، نستكمل -بإذن الله تعالى- ما تبقى في حلقة قادمة حول هذا الحديث وذكر أطرافه، وأنتم على خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.