شرح مختصر الخرقي - كتاب الطهارة (17)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.  

سم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

قال -رحمه الله تعالى-:

باب: الغسل من الجنابة

وإذا أجنب غسل ما به من أذى، وتوضأ وضوءه للصلاة، ثم أفرغ الماء على رأسه ثلاثاً، يروِّي بهن أصول الشعر، ثم يفيض الماء على سائر جسده، وإن غسل مرة وعم بالماء رأسه وجسده ولم يتوضأ أجزأه بعد أن يتمضمض ويستنشق وينوي به الغسل والوضوء، وكان تاركاً للاختيار، ويتوضأ بالمد، وهو رطل وثلث بالعراقي، ويغتسل بالصاع، وهو أربعة أمداد، فإن أسبغ بدونها أجزأه، وتنقض المرأة شعرها لغسلها من الحيض، وليس عليها نقضه من الجنابة إذا روَّت أصوله، والله أعلم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب: الغسل من الجنابة

هل هذا الغسل خاص بالجنابة أو المقصود به الغسل الواجب سواء كان من جنابة أو من حيض؟ وهل تختلف صفة الغسل بالنسبة للجنابة والحيض أو الغسل واحد؟ لأنه أدخل بعض أحكام غسل الحيض كنقض الشعر مثلاً، والتنصيص عليه يدل على أنه مراد وهو داخلٌ في هذا الباب، وصفته كصفة غسل الجنابة، ولا فرق عنده إلا في نقض الشعر، لو قال: باب صفة الغسل، ويندرج فيه الجنابة والحيض لكان أشمل، يدل على أن هناك باباً لغسل الحيض، الحيض سيأتي ذكره -إن شاء الله تعالى-، لكن هل غسله يختلف عن غسل الجنابة ليحتاج إلى أن يُفْرَد أو الغسل واحد من الجنابة والحيض؟ نعم، الفرق بينهما أن مدة الحيض تطول، فيحتاج فيه إلى مزيد من العناية، ومدة الجنابة لا تطول غالباً، فهي أخف من الحيض، ولذا جاء التفريق بين الشعر، في آخر الفصل قال: "وتنقض المرأة شعرها لغسلها من الحيض، وليس عليها نقضه من الجنابة إذا روَّت أصوله" دل على أن هناك فرقاً بين غسل الحيض وغسل الجنابة من هذه الحيثية، وإلا فالأصل أن الغسل الكامل في البابين واحد، والغسل المجزئ في البابين واحد.

باب: الغسل من الجنابة

(من) هذه سببية، يعني الناشئ بسبب الجنابة، قال -رحمه الله-: "وإذا أجنب الرجل" وهذا موجود في بعض النسخ دون بعض، هذه اللفظة الرجل موجودة في بعض النسخ دون بعض؛ لأن الحكم في الرجل والمرأة واحد، إلا ما يتعلق بشعر المرأة المظفور على ما سيأتي.

"وإذا أجنب الرجل" والمرأة في حكمه "غسل ما به من أذى، وتوضأ وضوءه للصلاة، ثم أفرغ على رأسه ثلاثاً" بدأ ببيان الغسل الكامل، وقبل ذلك ينوي، فلا غسل إلا بنية؛ لأنه من ضمن الأعمال التي تشترط لها النية، ينوي ثم بعد ذلك يسمي على خلاف في التسمية كالسابق في الوضوء، ولا يثبت فيها شيء، نعم يتجه القول على ما تقدم بالوضوء أكثر، التسمية مع الوضوء أكثر منها مع الغسل؛ لأن النص في الضوء ((لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه)) ومنهم من يقول: الحكم واحد، والغسل وضوء وزيادة، ينوي ثم يسمي، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، بأن يغسل يديه ثلاثاً قبل ذلك يغسل ما به من أذى من أثر الجنابة، ومن ذلك إن احتاج إليه في مسألة الاستنجاء والاستجمار، يغسل ما به من أذى سواء كان نجساً أو طاهراً، بأن كان من أثر الحدث أو من أثر الجنابة، إذا الحدث من بول أو غائط يغسل على ما تقدم من الخلاف في هذه المسألة من صحة الوضوء والتيمم قبل الاستنجاء والاستجمار أو عدم صحته، وتقدمت هذه المسألة والذي ظهر لنا في ذلك الموضع أنه لا يصح قبلهما وضوء ولا تيمم.

"غسل ما به من أذى" أماط مابه من أذى سواءً كان طاهراً أو نجساً "وتوضأ وضوءه للصلاة" هذا إذا كان الأذى على الفرج أو في الفرج لا بد من إزالته، أما إذا كان الأذى وهو يشمل النجاسة على غير المخرجين، بأن كانت على يده أو على رجله فله أن يتوضأ ويغتسل إذا لم تمنع هذه النجاسة من وصول الماء إلى البشرة، فإن منعت فإنه حينئذٍ لا يصح الوضوء، ولا يصح الغسل حتى تزال.

"غسل ما به من أذىً وتوضأ وضوءه للصلاة" فيغسل كفيه ثلاثاً، ثم يتمضمض ويستنشق ثلاثاً ثلاثاً، ثم يغسل وجه ثلاثاً، ثم يغسل يديه اليمنى ثم اليسرى ثلاثاً ثلاثاً، ويمسح برأسه مرةً واحدة، ورجليه ثلاثاً، هذا الوضوء الكامل، وإن توضأ مرةً مرة أجزأه، وإن توضأ مرتين مرتين كفى، وإن توضأ ملفقاً كفى، على ما تقدم في صفة الوضوء، وإن غسل رجليه مع وضوءه، وفرغ من وضوءه كاملاً، فقد جاء ما يدل عليه، وإن أخر غسل الرجلين حتى ينتهي من غسله فقد جاء ما يدل على ذلك، وإن غسل الرجلين مرتين مرة مع الوضوء ومرة بعد تمام الغسل بعد انتقاله من موضعه فالنصوص لا تأبى ذلك، على أنه يمكن التوفيق بين هذه النصوص بأنه إن كان المكان نظيفاً لا يلوث القدمين توضأ الوضوء الكامل، وإن كان المكان يمكن أن يلوث القدمين بطينٍ أو نحوه فإنه يؤخر غسل الرجلين حتى ينتهي من غسله وينتقل من مكانه، وبهذا تجتمع النصوص.

"وتوضأ وضوءه للصلاة"، "غسل ما به من أذى وتوضأ" الواو هذه تقتضي الترتيب أو لا تقتضي الترتيب؟ "غسل ما به من أذى وتوضأ وضوءه للصلاة".

طالب: تقتضي الترتيب.

الأصل أن الواو لا تقتضي الترتيب، لكن لو قال: ثم كما قال غيره؛ لأنه تقدم عنده أن التخلية قبل التحلية والإزالة إزالة النجاسة ومن ذلك ما يخرج من السبيلين قبل الوضوء.

"وتوضأ وضوءه للصلاة" يعني كوضوئه للصلاة "ثم أفرغ على رأسه ثلاثاً" ومع ذلك يبدأ بشقه الأيمن "أفرغ على رأسه ثلاثاً ثلاث مرات يروِّي بهن أصول الشعر" يروِّي بهن يعني الثلاث أصول الشعر، أو يروِّي بكل واحدة أصول الشعر؟ هناك فرق أو لايوجد فرق؟ قال: "يروِّي بهن أصول الشعر".

طالب: بالمجموع.

بالمجموع، يعني لو اغترف غرفة وغسل بها رأسه ما وصل إلى أصول الشعر في المرة الأولى، في المرة الثانية وصل إلى البعض، في المرة الثالثة عمَّ الجميع، كلامه يدل على أنه يروِّي بالثلاث، أو بكل واحدة من الثلاث.

طالب: بالثلاث يا شيخ بالمجموع.

بالمجموع، هذا ظاهر كلامه بهنّ، يعني بالمجموع، والاحتمال أيضاً قائم بأنه يروِّي بهن أي بكل واحدةٍ منهن أصول الشعر؛ لأنه إذا قلنا: إنه يروِّي بالجميع أصول الشعر صار الجميع في حكم الغسلة الواحدة، إذا قلنا: يروِّي بالجميع، أما إذا قلنا: يروي بكل واحدة من الثلاث أصول الشعر قلنا: ثلاث غسلات كل واحدة كاملة تامة، تؤدي الغرض، بحيث لو اقتصر عليها أجزأه، وعلى كل حال لا بد من إرواء أصول الشعر، وجاء في الحديث وهو حديث ضعيف مضعف عند أهل العلم: ((إن تحت كل شعرةٍ جنابة)) لكنه حديثٌ ضعيف، المقصود أنه يروِّي بهنّ أصول الشعر كما جاء في صفة غسله -عليه الصلاة والسلام- من حديث عائشة وميمونة وغيرهما.

"ثم يفيض الماء على سائر جسده" مرة أو ثلاث؟ نعم؟

طالب: ظاهره مرة.

"ثم يفيض الماء على سائر جسده" وإن غسل مرةً أجزأه، وكان تاركاً للاختيار، مفهوم هذا الكلام أنه يفيض الماء على سائر جسده ثلاثاً، وهذه روايةٌ معروفة في المذهب، بل هي الأشهر أنه يغسل شقه الأيمن ثلاثاً، ثم يغسل شقه الأيسر ثلاثاً، وكلامه ليس بصريح إلا إذا ضم بعضه إلى بعض، ثم يفيض الماء على سائر جسده، الظاهر من هذه الجملة أنه يكفيه مرة واحدة إذا أفاض على سائر الجسد، وسائر الجسد هو الباقي أو الجميع؟

طالب: الباقي، السور.

يترتب عليه أمور؛ لأنه الآن انتهى من غسل أعضاء الوضوء، وانتهى من غسل الرأس، فهل يغسل الرأس مع بقية الجسد، ويغسل معه أعضاء الوضوء لأنه سبق أن توضأ، أو نقول: إن أعضاء الوضوء غسلت والرأس غسل، ولا يفيض الماء إلاَّ على باقي جسده باستثناء أعضاء الوضوء، باستثناء الرأس؟

طالب:.......

السائر، سائر اسم فاعل من سار، أو هو مأخوذ من السؤر وهو البقية التي تبقى في الإناء بعد الشرب، أو من السؤر سؤر البلد، أو سور البلد الذي يحيط بها، فيشتمل على جميعه، والمسألة لغوية، فمن أهل العلم من يقول -من أهل اللغة-: إن السائر هو الباقي ولا يتناول الجميع، ومنهم من يقول: إنه يتناول الجميع، وهنا ثم يفيض الماء على سائر جسده، هل يتجه القول بأنه يفيض الماء على الجميع بما في ذلك أعضاء الوضوء، أو أنه الباقي وما غسل انتهى؟ نعم؟

طالب:.......

يعمم على الجميع بما في ذلك ما غسله سابقاً، بما في ذلك الرأس أو انتهى من الرأس؟ لأننا إذا قلنا: أعضاء الوضوء فكونه مسح على رأسه ضمن أعضاء الوضوء هذا لا يكفي عن غسله للغسل، وإذا أفرغ على رأسه ثلاثاً يروِّي بهن أصول الشعر كما قال المؤلف هذا من الغسل، فكونه يزيد رابعة مع بقية جسده هذه زيادة على القدر المشروع؛ لئن عندنا وضوء وعندنا غسل، وضوء منفصل كامل بما فيه مسح الرأس، ثم بعد ذلك إذا انتهى من الوضوء أفاض الماء على رأسه ثلاثاً، فكونه يفيضه ثلاثاً، ويزيد عليه رابعة مع غسل سائر بدنه هذا لا شك أن فيه زيادة على القدر المشروع.

طالب:.......

طيب.

طالب:.......

لا لا، إذا قلنا: إنه توضأ وضوءً يصير منفكا، مثل ما مسح رأسه ويغسله للجنابة ثلاثاً للغسل.

طالب:.......

لا، لا، يختلف هذا، نعم؟

طالب:.......

لكن المسألة مفترضة في الغسل الكامل، وأنه توضأ وضوءاً كاملاً.

طالب:.......

لا عندنا مسألة لفظة سائر هل نقول: إن سائر في الغسل فلا تدخل أعضاء الوضوء؟ ولا يستثنى من ذلك إلا الرأس؛ لأنه غسل للغسل، مع أنه قبل ذلك مسح للوضوء، انتبهوا يا إخوان المسألة تحتاج إلى انتباه؛ لأن عندنا سائر أكثر أهل اللغة على أنها الباقي، فهل نقول: سائر جسده للغسل بغض النظر عن الوضوء؟ أو نقول: إنه سائر بالنسبة للغَسل بكامله بما في ذلك الوضوء؟ ظاهر الفرق؟ لأننا إذا قلنا: سائر يعني باستثناء ما تقدم غسله فإنه حينئذٍ لا يحتاج إلى أن يفيض الماء على رأسه، ولا يحتاج أن يغسل ذراعيه، ولا يحتاج أن يغسل وجهه ولا رجليه، إذا قلنا: إن جميع ما تقدم غسله يستثنى من التعميم؛ لأن سائر يعني الباقي، وقد تقدم غسل أعضاء الوضوء، وتقدم غسل الرأس فلا يعاد، وإذا قلنا: سائر ينظر فيها إلى الغسل فقط، يعني باقي ما يجب غسله في الغسل، فقلنا: إنه ما يستثنى إلا الرأس، ومع ذلك تدخل أعضاء الوضوء في الغسل في التعميم؛ لأننا لو قلنا: سائر ما احتجنا إلى غسل الرأس؛ لأنه مسح مع الوضوء، لكن ننظر إلى الغسل على حدة والوضوء على حدة، يتوضأ وضوء كاملا، ثم بعد ذلك يأتي إلى الغسل، ومقتضى غسل البدن وتعميمه بما في ذلك أعضاء الوضوء، فنأتي إلى الغسل مستقلاً فيفيض الماء على رأسه ثلاثاً يروِّي بهن أصول الشعر، ثم يغسل سائر بدنه أو سائر جسده بما في ذلك أعضاء الوضوء؛ لأن الغسل الأول للوضوء والغسل الثاني للغسل، وهذا هو الظاهر.

"ثم يفيض الماء على سائر جسده" وليس فيه تنصيص على الثلاث، مع أن التنصيص على الثلاث رواية معروفة في المذهب، بل هي الأشهر ثلاثاً، وقوله: "إن توضأ مرة، إن غسل مرة وعمّ بالماء رأسه وجسده أجزأه، وكان تاركاً للاختيار" معناه أن الاختيار هو التثليث، التثليث هو الاختيار.

وإذا عمّ بدنه بالغسل مرةً واحدة أجزأه ذلك، وكان تاركاً للاختيار، وإن غسل مرة وعمّ بالماء رأسه وجسده ولم يتوضأ أجزأه، يعني الغسل الكامل بعد النية والتسمية على الخلافٍ فيها، يتمضمض ويستنشق ويتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يفيض الماء على رأسه ثلاثاً، ثم يغسل سائر بدنه بالماء، على الخلاف في ذلك ثلاثاً أو واحدة، والتعميم مرة واحدة هو الذي يدل عليه حديث عائشة، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، ورواية معروفة في المذهب مرة واحدة، وليس فيه ما يدل على غسله ثلاثاً.

"وإن غسل مرةً وعمّ رأسه وجسده ولم يتوضأ أجزأه" لأن الوضوء سنة، إفراد الوضوء سنة، ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه توضأ وضوءه للصلاة، ثم بعد ذلك أفاض الماء على رأسه ثلاثاً، ثم عمّ بدنه بهذه الطريقة، هذا الغسل الكامل، وأما المجزئ لا يلزم فيه وضوء؛ لأنه إذا اجتمعت عبادتان من جنسٍ واحد فيهما صغرى وكبرى يشترطون في هذا أنه لا تكون إحداهما مقضية والأخرى مؤداة تدخل الصغرى في الكبرى، وهنا يدخل الوضوء في الغسل.

"ولم يتوضأ أجزأه بعد أن يتمضمض ويستنشق" وعرفنا حكم المضمضة والاستنشاق، وأن من أهل العلم- وهو الذي مشى عليه المؤلف-من يرى أن المضمضة والاستنشاق بمسمى الوجه، فهما واجبان من واجبات الوضوء والغسل أيضاً، ومنهم من يفرق بين المضمضة والاستنشاق فيوجب الاستنشاق دون المضمضة؛ لأن ما ورد فيه أكثر، ومنهم من يفرق بين الطهارتين فيوجبهما في الكبرى دون الصغرى، على ما تقدم بيانه.

"وعمّ بالماء رأسه وجسده ولم يتوضأ أجزأه" هذا الغسل المجزئ أن يعمم جسده ورأسه بالماء بعد أن يتمضمض ويستنشق، وينوي به الغسل والوضوء، يعني ينوي به ارتفاع الحدثين الأكبر والأصغر، لا بد من نية رفع الحدث "وكان تاركاً للاختيار" تاركاَ للأفضل الذي هو الغسل الكامل.

"ويتوضأ بالمد وهو رطلٌ وثلث بالعراقي" وهو ملئ كفي الرجل المعتدل، هذا هو المد، المعتدل الخلقة، لا الكبير كبير اليدين ولا صغيرهما، هذا هو المد، والصاع أربعة أمداد، والمد رطل وثلث، فعلى هذا الصاع خمسة أرطال وثلث بالعراقي، وهم يفصلون بالأمداد وبالأرطال العراقية والدمشقية والقدسية وإلى غير ذلك مما لا داعي إلى التطويل بذكره، المقصود أن هذا أمرٌ معروف، ولا يحتاج إلى وزن، وإنما هو مكيل، والشرع يحيل إلى ما ليس بمستحيل ولا بمستبعد، إنما يحيل إلى ما يدركه الإنسان في كل مكان وزمان لا يفارقه، المد معروف، ما يملأ كفي الرجل المعتدل، فلا نحتاج إلى أن نزن كما تقدم في القلتين، ما نحتاج إلى مثل هذا، فيتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع، وهو أربعة أمداد، يعني ملئ كفي الرجل المعتدل أربع مرات.

فإن أسبغ الوضوء والغسل بدون المد والصاع أجزأه، قال: "فإن أسبغ بدونها أجزأه" ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع، وثبت عنه أنه توضأ بثلثي مد، فدل على أنه يجزئ أقل من ذلك شريطة أن يسبغ، فإذا أسبغ بدون ذلك أجزأه، والإسباغ أن يستوعب العضو، ويتردد عليه الماء بحيث لا يكون مسحاً، وبعض الناس يقتصد لكنه يخل بالوضوء، يعني عندنا احتياط للعبادة، وعندنا أيضاً اقتصاد واحتياط للماء، فعلى الإنسان أن يسدد ويقارب، لا يسرف، ولا يزيد على ما شرع الله -جل وعلا-، ولا أيضاً يقصر ويكون مفرطاً.

"ويغتسل بالصاع وهو أربعة أمداد، فإن أسبغ بدونها أجزأه" ومنهم من يقول: لا يجزئ بأقل من المد، ولا يتصور الإجزاء بأقل من المد وأقل من الصاع، الآن مع تيسر حصول الماء، وأيضاً وجود هذه المواصير التي تعين على إهدار الماء وتضييعه، لا سيما في الأوقات شديدة البرودة أو شديدة الحرارة، فإنه يضيع من الماء أكثر من هذا قبل أن يعتدل، تعتدل حرارة الماء، يعني في الشتاء يفتح الماء حتى يزن الحار مع البارد فيذهب أكثر من صاع قبل أن يبدأ، وفي الصيف كذلك، ولا شك أنه أيضاً غير مطالب بما يضره، لكن لو حفظ هذا الماء الذي أهدره ليستعمل في شيء آخر لا شك أنه أولى من أن يضيع، وتيسره بين يدي الناس جعله أرخص موجود، ولا شك أنه تبذل الأموال الطائلة لجلبه، يعني ما جاء بسهولة، وعلى كل حال الاقتصاد لا بد منه، والإسراف ممنوع.

"فإن أسبغ بدونها أجزأه" وكثيرٌ من المسلمين مبتلى بالإسراف في الوضوء وإهدار الماء، ولا سيما كبار السن من النساء، بعض النساء ما يكفيها قلتان للوضوء، وإذا قيل لها: لو رأيت وضوء أهل العلم، امرأة حاول ابنها أن يقنعها بأن هذا إسراف ويكفيك وضوء فلان من كبار أهل العلم، قالت: أبد يكفي، فجيء له بماء أقل من هذا وتوضأ به، وهي تنظر، فسئلت هل اقتنعت؟ فقالت: تسأل الله -جل وعلا- أن يعينها على قضاء ما صلت خلفه؛ لأنهم ما يقتنعون بمثل هذا، الحرص مع الجهل، ومن هنا ينشأ الوسواس.

"وتنقض المرأة شعرها لغسلها من الحيض، وليس عليها نقضه من الجنابة إذا روَّت أصوله" جاء ما يدل على نقض شعر المرأة لغسلها من الحيض، فقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- عائشة أن تنقض شعرها حينما أرادت أن تحرم بالحج وهي حائض أمرها أن تنقض الشعر، وأم سلمة ذكرت للنبي -عليه الصلاة والسلام- أنها كانت تشد ظفر رأسها، فقالت: أفأنقضه لغسل الجنابة؟ قال: ((لا، إنما يكفيك كذا)) المقصود أنه حصل التفريق بين الغسل من الحيضة ومن الجنابة، وجمعاً بين الحديثين حديث عائشة وحديث أم سلمة قال المؤلف: تنقض المرأة شعرها لغسلها من الحيض؛ استدلالاً بحديث عائشة، وليس عليها نقضه من الجنابة إذا روت أصوله، كأنه لمح هذا أن عائشة كانت حائض، وأم سلمة سألت عن الغسل من الجنابة، لكن هل غسل عائشة -رضي الله عنها- بعد انقضاء الحيض أو في أثنائه؟ في أثنائه، فهذا الغسل الذي أمرت فيه بنقض رأسها حكمه؟ حكم الغسل بكامله واجب أو سنة؟

طالب: مستحب.

مستحب وليس بواجب، وأما غسل أم سلمة فهو واجب، وعلى هذا المرجح أنه لا فرق بين غسل الحيض ولا الجنابة، وقد يكون الملحظ في التفريق بين عائشة وأم سلمة، وما رأيت من نبه عليه أن عائشة صغيرة وشعرها كثيف، وأم سلمة كبيرة جداً وشعرها خفيف لا يحتاج إلى نقض، قد يكون هذا هو المرد، وهو السبب في التفريق بينهما.

طالب:.......

لا، الشعر؟ لا، لا، معروف، أم سلمة شعرها خفيف وليس مثل عائشة، كل ما تكبر المرأة في سنها، إذا تعدت الخمسين بدأ يخف جداً.

طالب:.......

نعم ضفائر، لكن إيش عرضها الضفائر؟

طالب:.......

لا، لا، فرق كبير.

على كل حال نقضه لا شك أنه أكمل وأسهل إلى وصول الماء إلى أصول الشعر، لكنه لا يجب لا في الحيض ولا في الجنابة، إذا روَّت أصوله يكفي.

طيب الرجل إذا كان له ضفائر؟

طالب: لكن عفا الله عنك لو كان على رأس المرأة- كما تضع النساء على رؤوسهن- ما يمنع وصول الماء؟

لا، إذا وجد ما يمنع من وصول الماء إلى الشعر لا بد من إزالته، كأنواع من الصبغ يوجد طبقة مثل البلاستيك يغلف الشعر، مثل هذا لا بد من إزالته للوضوء وللغسل أيضاً، نعم؟

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

الحناء إذا كان طبقة يحول دون وصول الماء إلى الشعر لا بد من إزالته، أما إذا كان مجرد لون فلا.

طالب:.......

هم قالوا أشياء كثيرة في مثل هذا، قالوا: إن الحائض تستمر مدة طويلة ما تغتسل؛ لأنه لا يتكرر، يعني مرة واحدة للحيضة التي استمرت معها سبعة أيام أو أكثر أو أقل، بينما الجنابة لا تطول مدتها، وهي بيدها متى شاءت اغتسلت، الأمر الثاني أن الحيض لا يتكرر في الشهر إلا مرة واحدة غالباً، وأما الجنابة تتكرر، أحياناً تتكرر في اليوم فضلاً عن الأسبوع والشهر، فيشق نقضه، وعلى كل حال نقضه مثل ما ذكرنا العمدة فيه حديث عائشة، وحديث عائشة إنما أمرت بالغسل للإحرام لا للحيض، لا من أجل الحيض، ولذا لا يجزيها عن غسل الحيض، وهو أيضاً مسنون، فالنقض لا شك أنه أكمل وأولى ليصل الماء بسهولة إلى أصول الشعر، أما إيجابه فلا.

ترتيب الزوائد يختلف عن ترتيب الكتاب، كأنه يتبع في ترتيبها الهداية لأبي الخطاب، يقول:

 فصلٌ في نواقض الطهارة: ينقض الوضوء بلمس النساء لشهوة، ولمس الذكر بيده على المشهور من المذهب، وتقدم الكلام في المسألتين، ولا ينقض لمس الشعر والسن والظفر بناءً على الرواية المشهورة أن هذه الأشياء في حكم المنفصل لا في حكم المتصل، ولا ينقض لمس الشعر والسن والظفر والأمرد، ولا لمس الذكر بذراعه؛ لأنه لا يسمى إفضاء، وفي لمس الذكر المقطوع وجهان: الوجه الأول: أنه ينقض لأنه ذكر، والوجه الثاني: أنه لا ينقض لأنه بان عن محله، ولا شهوة بمسه، ولا تثور الشهوة بذلك، وإذا لمس ذكرَ الخنثى المشكل وقُبلَه انتقض وضوءه، يعني لمس الاثنين معاً، وإن لمس أحدهما لم ينتقض؛ لأنه على طهارة بيقين، ولمس أحدهما يحتمل أن لا يكون هو الأصلي الذي ينقض الطهارة إلا إن لمس الرجل ذكره والمرأة قبلها لشهوة... كيف؟ وإن لمس أحدهما لم ينتقض، يعني أحدهما أحد آلتي الخنثى، إلا إن لمس الرجل ذكره...

طالب:.......

إن لمس الرجل ذكره، ذكر من؟

طالب:.......

إلا إن لمس الرجل ذكره ذكر الخنثى؛ لأنه إن كان ذكراً فقد مس ذكره، وإن كان أنثى فقد مس الأنثى بشهوة، والمرأة قبلها كذلك لشهوة، وفي مسلم عن جابر بن سمرة أن رجلاً قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: أأتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: ((نعم، توضأ من لحوم الإبل)) وإن شرب من ألبانها فهل ينقض وضوؤه؟ على روايتين، وإن أكل من كبدها أو طحالها فعلى وجهين، وعرفنا أن المسألة مسألة أكل وأيضاً لحم، اللحم الظاهر أنه يشمل ما حواه الجلد مما يؤكل، فيخرج بذلك ما يشرب مما لا يؤكل، ومن تيقن الطهارة وشك في السابق منهما، يعني تيقن الطهارة يعني والحدث، كأن المقصود من تيقن الطهارة والحدث، وشك في السابق منهما نظر في حاله قبل ذلك فإن كان محدثاً فهو متطهر، وإن كان متطهراً فهو محدث؛ لأنه انتقض ما كان عليه مما تيقنه بيقين، ولم يرتفع هذا اليقين إلا بشك، فيكون على ضد حاله قبلهما، وإن كان متطهراً فهو محدث، وإن تيقن ابتداء نقض ماذا؟ وإن كان متطهراً فهو محدث، وإن تيقن ابتداء نقض وفعلها في حال –الكلام ركيك - أحد معه نسخة؟ وشك في السابق منهما، تيقن ابتداء نقض كيف وفعلها في حال؟ وشك في السابق منهما نظر في حاله قبلهما، فإن كان متطهراً فهو الآن متطهر، وإن كان محدثاً فهو الآن محدث.

معك الزوائد؟

يقول: وإن تيقن ابتداء نقضٍ -ليس بظاهر-، وإن تيقن ابتداء نقضٍ وفَعَلها في حالٍ، أو فِعْلها في حالٍ، وشك في السابق منهما نظر في حاله قبلهما فإن كان متطهراً فهو الآن متطهر، وإن كان محدثاً فهو الآن محدث، العبارة ركيكة، وليست بواضحة، مع أنهم أشاروا إلى مثل هذا، لكن ليس بمثل هذه الطريقة.

طالب: هو تقدم لنا لكن ليس بهذه الطريقة.

لا، ليس بهذا الأسلوب، الطباعة ما هي متقنة هنا.

ننتقل إلى الغسل.

فصل فيما يوجب الغسل

طالب: عندنا: ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث أو تيقن الحدث وشك في الطهارة فهو على ما تيقن، يتيقن منهما، تقدم لنا أنه ما.....

لا، هذا انتهينا منه، لكن هناك مسألتان: مسألة فيما إذا تيقن الطهارة والحدث وشك في السابق منهما -هذه واضحة هذه- فهو بضد حاله قبلهما، المسألة الثانية قريبة من هذه، لكن ليست بهذه الصورة.

طالب: تراجع يا شيخ.

على كل حال ننتقل إلى ما بعده.

فصلٌ: فيما يوجب الغسل، يقول: كل من لزمه الغسل حرم عليه قراءة آية فصاعداً، أما بعض آية فإنه لا يحرم عليه؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كتب إلى هرقل خطابه وفيه بعض آية، فأما بعض آية فعلى روايتين، ولا يحرم عليه العبور في المسجد، وإنما يحرم عليه اللبث {وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ} [(43) سورة النساء] ويحرم عليه اللبث فيه إلا أن يتوضأ، يعني إذا خفف الجنابة بالوضوء، جاز له اللبث، وجاز له الأكل، وجاز له النوم إذا خفف الجنابة، ويجب الغسل بتغييب الحشفة بفرجه قبلاً كان أو دبراً من كل حيوان ناطق، أو بهيمة حياً كان أو ميتاً؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا قعد بين شعبها الأربع، ومس الختان فقد وجب الغسل)) متفقٌ عليه، ويجب بإنزال المني بشهوة فإن خرج لغير شهوة نحو أن يخرج لمرضٍ أو بردٍ لم يجب الغسل، فإن أحس بانتقال المني عند الشهوة فأمسك ذكره فلم يخرج فعلى روايتين: فإن خرج بعد الغسل فهو ككيفية المني يخرج بعد الغسل، وفيه ثلاث روايات، إن أحس بانتقال المني عند الشهوة فأمسك ذكره فلم يخرج فعلى روايتين: الرواية الأولى: أنه لا يجب عليه الغسل؛ لأن الغسل إنما يجب بالشهوة واللذة، هذا من المستيقظ، أما النائم فلا يجب إلا بخروجه ((نعم، إذا رأت الماء)) ومجرد انتقاله من مكانه لا يجب به غسل، الرواية الثانية: أن الانتقال من مكانه وفي طريقه إلى الخروج إذا أمسكه فإنه يجب لغلبة الظن أنه سوف يخرج، لكن إن اغتسل قبل أن يخرج ثم خرج يلزمه إعادة الغسل وإلا فلا؟ لا يلزمه، فإن خرج بعد الغسل فهو ككيفية المني يخرج بعد الغسل، وفيه ثلاث روايات: إحداها: يجب الغسل، والثانية: لا يجب، والثالثة: إن ظهر قبل البول وجب الغسل وإن ظهر بعده لم يجب، يجب الغسل يعني مطلقاً لأنه علق الغسل بخروج المني وقد خرج، والثانية: لا يجب؛ لأنه اغتسل منه ولا يجب بخروجه غسلان، الثالثة: إن ظهر قبل البول دل على أنه بسبب الشهوة السابقة والانتقال السابق وجب الغسل، وإن ظهر بعده لم يجب؛ لأنه لو كان بسبب التحرك السابق والشهوة السابقة لما سبقه البول.

يقول: والأغسال المستحبة: ثلاثة عشر غسلاً، للجمعة، وهو غسلٌ مؤكد، ولذا جاء فيه: ((غسل الجمعة واجبٌ على كل محتلم)) والوجوب هنا بمعنى التأكد والتحتم، وأما التأثيم فلا، والأدلة الصارفة على ذلك كثيرة، لكن يجعلون ((من توضأ فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل)) ويستدلون أيضاً بقصة عثمان، وأنه اقتصر على الوضوء، ولم يأمره عمر -رضي الله تعالى عنه- بالإعادة، وأقره الصحابة كلهم على صلاته في هذا الوضوء وترك الغسل، لا شك أن هذه أدلة قوية تدل على عدم الوجوب، لكن لفظة واجب هل يأتي فيها الصرف من الوجوب إلى الاستحباب مثل صرف اغتسلوا للجمعة؛ لأنه حينما يصرف اللفظ الذي يدل على الوجوب، الصرف للأمر يعني أنه فرق بين أن يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: "اغتسلوا للجمعة" والأصل في الأمر الوجوب، ثم يأتي ما يصرف هذا الأمر من الوجوب إلى الاستحباب هذا ظاهر، لكن إذا قال: ((غسل الجمعة واجب)) هل هذا اللفظ يحتمل صرف؟ أو هو لا يحتمل الصرف اللفظي يحتمل الصرف المعنوي؟ "اغتسلوا" يحتمل الصرف اللفظي، اللفظ الذي هو الأمر يحتمل صرفه من أمر الوجوب إلى أمر الاستحباب، لكن ((غسل الجمعة واجب)) هذا الاحتمال في صرفها معنوياً لا لفظياً، اللفظ لا يمكن صرفه، يعني لا يمكن أن يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام- واجب وتقول: مستحب، لا يحتمل هذا، لكن صرفه من حيث المعنى نحمله على الوجوب، لكن لا على الوجوب الذي يقتضي التأثيم، بدليل ما ورد في ذلك من أدلة أخرى تقتضي عدم التأثيم، وهذه الاصطلاحات التي جاءت في النصوص الشرعية لا يلزم منها مطابقة الاصطلاحات العرفية عند أهل العلم، فالواجب عند أهل العلم في اصطلاحهم يأثم بتركه، ويلزمه فعله، لكن في مثل هذا النص هو عند عامة أهل العلم مختلف عن الاصطلاح العرفي عند أهل العلم، وقل مثل هذا في المكروه، المكروه جاء في النصوص ما يدل على إرادة التحريم، بل التحريم الشديد، وجاء استعماله أيضاً في لسان أهل العلم من المتقدمين على ذلك أيضاً، وأما بعد أن شاع الاصطلاح في تخصيصه فيما لا إثم فيه، بل هو مما يؤجر على تركه ولا يأثم بفعله، لا شك أن هذا الاصطلاح- يعني في كتب المتأخرين- جارٍ على الاصطلاح، لكن كلام المتقدمين جارٍ على ما جاء في النصوص {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [(38) سورة الإسراء] وفيها من عظائم الأمور ما فيها.

الشيخ ابن عثيمين -رحمة الله عليه- شدد في هذه المسألة وقال: إن الغسل واجب، ويأثم بتركه، ثم بعد ذلك قال: كيف تواجه النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي قال: "يجب غسل الجمعة" وأنت تقول: لا، يستحب، كيف تواجهه؟ يمكن أن يقال بعد: كيف تواجه الرب الذي قال: يكره الزنا ويكره كذا وكذا مما عده في سورة الإسراء وأنت تقول: لا، يحرم.

يعني جاء في النصوص اصطلاحات تختلف معها الاصطلاحات العرفية، يعني عندنا مخالفة الاصطلاح الشرعي لا شك أنه إن كان من باب المعاندة والمحادة هذا شيء، لكن إن كان من باب مخالفة العرف، يعني العرف جرى على شيء، والنص الشرعي جرى على شيء آخر، لا شك أن الأولى اتحاد العرف الشرعي والحقيقة الشرعية مع الحقيقة العرفية.

يعني في شيء أصفر هنا؟ نعم هذا أصفر، يعني {جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [(33) سورة المرسلات] لا، هذا يميل إلى البياض، يعني جاء وصف الجمال بأنها صفر في القرآن، لكن لو أقسم شخص أنه ما رأى جملا أصفر منذ أن ولد، والأصفر المراد به في القرآن موجود هنا ومستعمل، يعني موجود يراه كل أحد، لكن لو أقسم شخص أنه منذ أن ولد ما رأى جملا أصفر، شخص عمره مائة سنة، ورأى أنواع الجمال وأشكالها وألوانها هل نقول: تأثم أنت جئت بما يخالف القرآن؟ لا، الحقائق تُنزَّلُ منازلها، هو يريد الحقيقة العرفية، وما جاء في النص حقيقة شرعية بلا شك، وقل مثل هذا في غسل الجمعة إذا قلت: مستحب، أنت تريد حقيقة عرفية خاصة عند أهل العلم على اصطلاحهم، وما تعارفوا عليه، وما جاء في النص حقيقة شرعية لا تقتضي التأثم كما دلت على ذلك الأدلة الأخرى.

طالب:.......

هذا لو كنا في وقت الاصطلاحات استطعنا، أما الآن وقد استقرت الاصطلاحات هل بإمكانك أن تنقض جميع اصطلاحات أهل العلم؟ لا يمكن؛ لأنك تتعامل مع كتبهم، كيف تتعامل معها؟

طالب:.......

يعني منهم من يحمل الوجوب في مثل هذا الخبر على أصحاب المهن والحرف التي تقتضي مهنهم وحرفهم الروائح الكريهة التي... لكن ((محتلم)) يعني ليس هناك وصف يمكن أن يحال عليه الوجوب إلا ما نص عليه في الحديث وهو الاحتلام، وليس معنى هذا أنه محتلم يعني صدر منه الاحتلام قبل الجمعة، فيلزم أن يرفع هذا بالغسل؛ لأن هذا حينئذٍ يكون النص مؤكدا ما له قيمة؛ لأن حمله على التأسيس أولى، فالمحتلم هنا البالغ، كما جاء في حديث: ((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)) ليس المراد بها الحائض المتلبسة بالحيض، وإنما المراد بها من بلغت المحيض.

يقول: والأغسال المستحبة ثلاثة عشر غسلاً: الجمعة، والعيدين، والاستسقاء، والكسوف، والغسل لمن غسل الميت، وغسل المجنون المغمى عليه إذا أفاق من غير احتلام، وغسل المستحاضة لكل صلاة، والغسل للإحرام ولدخول مكة، والوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة، ولرمي الجمار والطواف، المقصود أن هذه الأغسال تأتي -إن شاء الله- في محلها.

صفة الغسل:

عن ميمونة قالت: وضعت للنبي -صلى الله عليه وسلم- ماءً يغتسل به، فأفرغ على يديه فغسلهما مرتين أو ثلاثاً، ثم أفرغ بيمينه على شماله فغسل مذاكيره، ثم دلك بيده الأرض، ثم تمضمض واستنشق، على ذكر الدلك هنا من أجل إزالة الرائحة التي تعلق باليد من غسل الأذى، وأما بالنسبة لدلك البدن مع غسله فالجمهور على أنه ليس بلازم، إنما يكفي أن يمر الماء ويتردد على البدن كاملاً دون دلك، ويوجب الإمام مالك -رحمه الله- الدلك، وأنه من مسمى الغسل، ولا يسمى غسلا إلا بدلك، مع أن اللغة لا تساعده على هذا، وإنما جاء في لغة العرب: غسله المطر، وغسله العرق، ولا يكون هذا مع دلك.

طالب:.......

إيش فيه؟

طالب:.......

يعني هذا في غسل الرجلين.

طالب:.......

لا، لا، إمام مجتهد مثل الشافعي ومثل مالك، إمام له تبع، لكنه انقرض.

"ثم تمضمض واستنشق ثم غسل وجهه ويديه ثم غسل رأسه ثلاثاً ثم أفرغ على سائر جسده، ثم تنحى عن مقعده وغسل قدميه" وعرفنا أن مثل هذا يستحب لا سيما إذا كان المكان يلوِّث القدمين، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.