شرح نخبة الفكر (10)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

سم.

قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: ثم الإسناد إما أن ينتهي إلى النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم- تصريحاً أو حكماً من قوله أو فعله أو تقريره أو إلى الصحابي كذلك، وهو من لقي النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- مؤمناً به ومات على الإسلام، ولو تخللت ردة في الأصح، أو إلى التابعي وهو من لقي الصحابي كذلك، فالأول المرفوع، والثاني الموقوف، والثالث المقطوع، ومن دون التابعي فيه مثله، ويقال للأخيرين: الأثر، والمسند مرفوع صحابي بسند ظاهره الاتصال".

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "ثم الإسناد إما أن ينتهي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- تصريحاً أو حكماً من قوله أو فعله أو تقريره"، لما أنهى الحافظ -رحمه الله تعالى- ما يتعلق بالمتن من حيث القبول والرد أردفه بما يتعلق بالإسناد، والإسناد: هو الطريق الموصل للمتن، أو سلسلة الرواة الذين يذكرهم المحدث ابتداءً بشيخه وانتهاءً بمن يسند إليه الخبر، والمتن غاية ما ينتهي إليه الإسناد من الكلام، ثم شرع المصنف -رحمه الله تعالى- في تقسيم آخر للخبر باعتبار النسبة والإضافة.

وما سبق الحديث فيه فتقسيمات أخرى بحسب تعدد الطرق، وباعتبار القوة والضعف، فإن انتهى الإسناد إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- تصريحاً بأن كانت الإضافة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- صريحة لا تحتمل من قوله كقول عمر -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) وقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: "حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق: ((أن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه)) الحديث، أو يقول الصحابي أو غير: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال كذا، هذا مرفوع صراحة من قوله -عليه الصلاة والسلام-.

المرفوع:

ومثال المرفوع من فعله تصريحاً ما نقله عنه الصحابة من رمله في الطواف، وسعيه الشديد في السعي، ومنه قول الصحابي: "كان آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء مما مسته النار"، ومنه قول الصحابي أو غيره: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعل كذا أو يترك كذا؛ لأن كلاً من فعله وتركه -عليه الصلاة والسلام- شرع يقتدى به فيه، ومثال المرفوع من التقرير تصريحاً كأن يقول الصحابي: فعلت أو فعل بحضرة النبي -صلى الله عليه وسلم- كذا، ولا يذكر إنكاره لذلك، ومنه قول الصحابي: "أكل الضب على مائدة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، خالد بن الوليد اجتر الضب فأكله والنبي -عليه الصلاة والسلام- ينظر إليه، فلم ينكر عليه، وهذا من تقريره -عليه الصلاة والسلام-، هذا إذا كانت الإضافة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- صريحة، أو تكون الإضافة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- حكماً لا صراحة، ومن ذلك قول الصحابي: "كنا نفعل كذا أو كنا نقول كذا في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، فقد قطع أبو عبد الله الحاكم وغيره من أهل الحديث أن ذلك من قبيل المرفوع، قال ابن الصلاح: "وبلغني عن أبي بكر البرقاني: أنه سأل أبا بكر الإسماعيلي عن ذلك فأنكر كونه من المرفوع"، والأول هو الذي عليه الاعتماد؛ لأن ظاهر ذلك مشعر بأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اطلع على ذلك وقررهم عليه، وتقريره أحد وجوه السنن المرفوعة.

وقد استدل جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- على جواز العزل بأنهم كانوا يفعلونه والقرآن ينزل، ولو كان مما ينهى عنه لنهى عنه القرآن، هذا إذا أضاف الوقت إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أما إذا قال الصحابي: كنا نفعل كذا من غير إضافة إلى زمن النبي -عليه الصلاة والسلام- فجزم ابن الصلاح بأنه من قبيل الموقوف، لكن ذهب العراقي وابن حجر والسيوطي إلى أنه مرفوع أيضاً، وهو اختيار النووي.

إذا قال الصحابي: "كنا نفعل كذا" مع الإضافة إلى عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- فهذا مرفوع عند الجماهير، وإن حكم أبو بكر الإسماعيلي الإمام بأنه موقوف ولا يعتبر من المرفوع، إذا أضيف إلى زمن النبي -عليه الصلاة والسلام-، أما إذا لم يضف إلى زمنه -عليه الصلاة والسلام- بأن قال الصحابي: كنا نفعل كذا، أو كنا نرى كذا، أو كنا نقول كذا، فجزم ابن الصلاح بأنه من قبيل الموقوف، بأنه من قبيل الموقوف، لكن العراقي وابن حجر والسيوطي ذهبوا إلى أنه مرفوع أيضاً، وإن لم يضف إلى عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو اختيار النووي والرازي والآمدي؛ لأن الظاهر من مثل قول الصحابي أنه يحكي الشرع، لا سيما إذا كان يستدل به على حكم شرعي، إذا كان يستدل بذلك على حكم شرعي، ويقول: كنا نفعل كذا، لا شك أنه يريد أن ينسب ذلك إلى زمن الشارع وإن لم يصرح به.

قول الصحابي: "أمرنا بكذا، أو نهينا عن كذا" من نوع المرفوع عند أصحاب الحديث، وهو قول أكثر أهل العلم، إذا صرح الصحابي بالآمر فلا إشكال في كونه مرفوع، إذا قال الصحابي: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا خلاف في كونه مرفوع صراحة، أما إذا قلنا: أمرنا ولم يصرح بالآمر، أو نهينا ولم يصرح بالناهي فكذلك هو من قبيل المرفوع عند أكثر أهل العلم وخالف في ذلك فريق منهم أبو بكر الإسماعيلي، وأبو الحسن الكرخي.

قال ابن الصلاح: "والأول هو الصحيح؛ لأن مطلق ذلك ينصرف إلى من إليه الآمر والنهي، وهو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إذا قال الصحابي: أمرنا أو نهينا، لا ينصرف هذا الأمر والنهي إلا إلى من له الأمر والنهي وهو الرسول -عليه الصلاة والسلام-، إذا كانت المسألة شرعية لا شك أن الآمر والناهي للصحابة هو الرسول -عليه الصلاة والسلام-، أم عطية تقول: "أمرنا أن نخرج العواتق والحيض وذوات الخدور إلى صلاة العيد" من الآمر لهن؟ لا شك أنه الرسول -عليه الصلاة والسلام-، "نهينا عن اتباع الجنائز" هذا أيضاً لا شك أن الناهي هو الرسول -عليه الصلاة والسلام-.

أبو بكر الإسماعيلي الإمام وأبو الحسن الكرخي خالفا في ذلك وقالا: إنه من قبيل الموقوف لاحتمال أن يكون الآمر والناهي غير الرسول -عليه الصلاة والسلام-، قال ابن الصلاح: "والأول هو الصحيح؛ لأن مطلق ذلك ينصرف إلى من إليه الآمر والنهي وهو الرسول -عليه الصلاة والسلام-"، إذا صرح الصحابي بالآمر والناهي فقال: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" لا شك أنه مرفوع صراحة، مرفوع صراحة قطعاً، لكن دلالته على الأمر والنهي هل هو مثل قوله: افعلوا، أو لا تفعلوا؟ هل قول الصحابي: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" هو كتصريح النبي -عليه الصلاة والسلام- بقوله: افعلوا؟ يعني هل قول عائشة: أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، أو أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ننزل الناس منازلهم، مثل قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أنزلوا الناس منازلهم))؟ مثله وإلا لا؟ نعم، دلالته على الأمر والنهي خالف فيها داود الظاهري وبعض المتكلمين، أما الجماهير على أنه لا فرق بين أن يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: افعلوا، أو يقول الصحابي: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كلاهما من قبيل الأمر وهو دال على الوجوب، خالف في ذلك داود الظاهري وبعض المتكلمين، قالوا: لأن الصحابي قد يسمع كلام يظنه أمر وهو في الحقيقة ليس بأمر، وقد يسمع كلاماً يظنه نهياً وهو في الحقيقة ليس بنهي، لكن هذا الكلام مردود، هذا الكلام مردود؛ لأن الصحابة -رضوان الله عليهم-، إذا لم يعرفوا مدلولات الألفاظ الشرعية، من يعرفها بعدهم؟ لا أحد يعرف إذا كان الصحابة لا يعرفون الخطاب الشرعي، إذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أمرت)) ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم)) ((نهيت عن قتل المصلين)) فالآمر والناهي من؟ من؟ هو الله -سبحانه وتعالى-، فهو من قبيل الخبر الإلهي والقدسي.

ثالثاً: قول الصحابي: من السنة كذا، الأصح أنه مرفوع؛ لأن الظاهر أنه لا يطلق ذلك إلا مريداً به سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وما يجب اتباعه، نقل ابن عبد البر الاتفاق على ذلك وفي نقله نظر، فعند الشافعي في المسألة قولان، وذهب أبو بكر الصيرفي وأبو بكر الرازي وابن حزم إلى أنه غير مرفوع، لكن الصحيح الأول، قال الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:

قول الصّحابيّ: (من السّنّة) أو
بعد النّبيّ قاله بأعصرِ

 

نحو: (أمرنا) حكمه الرّفع ولو
على الصّحيح وهو قول الأكثرِ

قد روى البخاري في صحيحه من حديث ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه في قصته مع الحجاج حين قال له: إن كنت تريد السنة فهجر بالصلاة يوم عرفة، قال ابن شهاب: فقلت لسالم: أفعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: وهل يعنون بذلك إلا سنته -صلى الله عليه وسلم-؟ فنقل سالم وهو أحد الفقهاء السبعة من أهل المدينة وأحد الحفاظ من التابعين عن الصحابة أنهم إذا أطلقوا السنة لا يريدون بذلك إلا سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن إذا قال الصحابي: ليس من السنة كذا، ليس من السنة كذا، هل نستدل به على أن هذا العمل مبتدع؟ أو يحتمل أن هناك سنة لم تبلغ هذا الصحابي؟ احتمال، احتمال أنه لا يوجد سنة أصلاً؛ لأنه نفى، وهذا يقوى الظن إذا لم نجد له مخالف من الصحابة، ويحتمل أن هناك سنة في الباب لكنها خفيت على هذا الصحابي، فالنفي ليس مثل الإثبات هنا.

رابعاً: من المرفوع حكماً أن يقول الصحابي الذي لم يعرف بالأخذ عن أهل الكتاب ما لا مجال للرأي فيه، و لا مدخل للاجتهاد فيه، ولا تعلق له ببيان لغة أو شرح غريب، كالإخبار عن الأمور الماضية من بدأ الخلق وأخبار الأنبياء أو الآتية كالملاحم والفتن، وأحوال يوم القيامة، وكذا الإخبار عما يحصل بفعله ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص، قال ابن حجر في النزهة: "وإنما كان له حكم المرفوع؛ لأن إخباره بذلك يقتضي مخبراً له، لا بد أن يكون لهذا الصحابي مخبر، ولا مجال للاجتهاد فيه يقتضي موقفاً للقائل به، ولا موقف للصحابة إلا النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو بعض من يخبر عن الكتب القديمة، فلهذا وقع الاحتراز عن القسم الثاني.

يعني المسألة مفترضة في صحابي لم يعرف بالأخذ عن الإسرائيليات وذكر كلاماً غيبياً أو ذكر كلاماً لا مجال للاجتهاد فيه، إذن لا يمكن أن يتلقاه إلا عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإذا كان كذلك؛ فله حكم ما لو قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فهو مرفوع سواء، سواء كان مما سمعه عنه بدون بواسطة، أو ما كان مما سمعه بواسطة.

من ذلكم تفسير الصحابي للقرآن الكريم، تفسير الصحابي للقرآن الكريم جزم الحاكم بأن له حكم الرفع، وحمله ابن الصلاح على ما يتعلق بسبب نزول آية يخبر به الصحابي أو نحو ذلك كقول جابر -رضي الله عنه-: "كانت اليهود تقول: من أتى امرأته من دبرها في قبلها جاء الولد أحول، فأنزل الله -عز وجل- {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ} [(223) سورة البقرة] فأما سائر تفاسير الصحابة التي لا تشتمل على إضافة شيء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فمعدودة في الموقوفات، يقول الحافظ العراقي:

وعدّ ما فسّره الصّحابي

 

رفعاً فمحمول على الأسبابِ

الحاكم حينما قال: إن تفسير الصحابي مرفوع حكماً لما عرف من الوعيد الشديد من تفسير القرآن بالرأي، والصحابة مع شدة ورعهم وتحريهم لا يمكن أن يفسروا القرآن بآرائهم مع شدة هذا الوعيد: "من قال بالقرآن برأيه فقد أخطأ ولو أصاب" فالمقصود أن الصحابة مع شدة تحريهم وورعهم وتثبتهم وعلمهم بالنهي الشديد لتفسير القرآن بالرأي لا يمكن أن يفسروا شيئاً من تلقاء أنفسهم إلا وقد سمعوه من النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذه حجة الحاكم، لكن القرآن منه ما يدرك بلغة العرب مثلاً والصحابي قد يفسر الكلام -كلام الله -عز وجل- بلغة العرب، ومنه ما لا بد فيه من التوقيف من النبي -عليه الصلاة والسلام- فمثل هذا لا يدرك فيكون من قبيل ما لا مجال للاجتهاد فيه، ونظراً لوجود هذا النوع وهذا النوع قال الحاكم: أن له حكم الرفع، والأكثر على أنه ليس له حكم الرفع؛ لأن الصحابي قد يفسر برأيه اعتماداً على لغة أو استنباط حكم، أو ما أشبه ذلك، ابن الصلاح حمل قول الحاكم على ما يتعلق بأسباب النزول وأسباب النزول لها حكم الرفع، لماذا؟ لأن النزول الرسول -عليه الصلاة والسلام- طرف فيه، ذكر أو لم يذكر، الرسول طرف في التنزيل؛ لأنه عليه ينزل القرآن، ذكر أو ولم يذكر، ولذا جاء في ألفية العراقي:

وعدّ ما فسّره الصّحابي

 

رفعاً فمحمول على الأسبابِ

قال ابن الصلاح: "من قبيل المرفوع الأحاديث التي قيل في أسانيدها عند ذكر الصحابي يرفع الحديث، أو يبلغ به، أو ينميه، أو رواية، مثال ذلك: سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رواية: ((تقاتلون قوماً صغار الأعين)) ((تقاتلون قوماً صغار الأعين)) عن أبي هريرة رواية، وبه عن أبي هريرة يبلغ به قال: ((الناس تبع لقريش)) أبو هريرة رواية يعني عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، أبو هريرة يبلغ به، يعني يبلغ به النبي -عليه الصلاة والسلام-، فكل ذلك وأمثاله كناية عن رفع الصحابي الحديث إلى رسول -صلى الله عليه وسلم-، وحكم ذلك عند أهل العلم حكم المرفوع صريحاً.

قال ابن الصلاح: "وإذا قال الراوي عن التابعي: يرفع الحديث، أو يبلغ به، فذلك مرفوع أيضاً، ولكنه مما رفعه التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فيكون له حكم المرسل"، فعلى هذا كل ما يضاف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من قول أو فعل أو تقرير أو وصف فهو مرفوع، وزاد بعضهم الهم، لأنه -عليه الصلاة والسلام- لا يهم إلا بما يجوز له فعله، ((لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، وآمر رجالاً يحتطبون حطب فأخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم)) هذا مرفوع، هذا هَمٌ منه -عليه الصلاة والسلام-، والهم مرتبة من مراتب القصد بعد الخاطر والهاجس وحديث النفس الهم، وآخرها العزم كما هو معروف.

اشترط الخطيب البغدادي لتسمية الخبر مرفوعاً: أن يكون مما أضافه الصحابي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فقط، فعلى هذا ما يضيفه التابعي فمن بعده إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يسمى مرفوعاً، ولفظه كما في الكفاية: "المرفوع ما أخبر فيه الصحابي عن قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو فعله"، لكن الحافظ ابن حجر توقف في كونه يشترط ذلك، يعني هل ما أضيف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا أضافه التابعي لا يسمى مرفوع؟ ذكروا عن الخطيب أنه يشترط ذلك، ولفظه في الكفاية يحتمل، لكن الحافظ ابن حجر توقف في كونه يشترط ذلك فإنه قال: يجوز أن يكون ذكر الخطيب للصحابي على سبيل المثال أو الغالب لكون غالب ما يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- هو من إضافة الصحابي، لا أنه ذكره على سبيل التقييد، فلا يخرج حينئذ عن الأول ويتأيد بكون الرفع إنما ينظر فيه إلى المتن دون الإسناد، المتن هل هو من قول الرسول؟ أضافه من أضافه مرفوع، ما دام من قول النبي -عليه الصلاة والسلام-، أما إذا كان من قول من دونه على ما سيأتي فإن كان من الصحابة فهو موقوف، وإلا فالمقطوع.

قال السخاوي: "وفيه نظر، وقد يطلق المرفوع ويراد به المتصل لا سيما عند مقابلته بالمرسل"، فإذا قيل: رفعه فلان وأرسله فلان، يعني أن أحدهما وصل إسناده والآخر قطعه، وحينئذٍ فهو رفع مخصوص، على أن ابن النفيس مشى على ظاهر هذا فقيد المرفوع بالاتصال.

 وسمّ مرفوعاً مضافاً للنّبي
ومن يقابله بذي الإرسالِ

 

واشترط (الخطيب) رفع الصّاحبِ
فقد عنى بذاك ذا اتّصالِ

كما يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-.

ثم قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "أو إلى الصحابي كذلك، وهو من لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- مؤمناً به ومات على الإسلام، ولو تخللت ردة في الأصح".

لما فرغ الحافظ -رحمه الله تعالى- من بيان المرفوع، وقدمه لشرف النسبة؛ لأنه يضاف إلى أشرف الخلق، أردفه بالموقوف، فقال: أو تنتهي غاية الإسناد إلى الصحابي كذلك، أي مثلما تقدم مما يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من قول أو فعل، وإن منه ما هو قول، ومنه ما هو فعل، ومنه ما هو تقرير، و(أو) هنا للتقسيم، "أو إلى الصحابي" هذا تقسيم وليست شك، وليست للإضراب، إنما هي للتقسيم.

خير أبح قسم بـ(أو) وأبهمِ

 

..................................

فمن معانيها التقسيم وهو المراد هنا، ثم عرف الصحابي بأنه: من لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- مؤمناً به ومات على الإسلام، ولو تخللت ردة، هذا ما رجحه ابن حجر -رحمه الله-، والمراد باللقاء ما هو أعم من المجالسة والمماشاة ووصول أحدهما إلى الآخر، وإن لم يكالمه، قال الحافظ: "والتعبير باللقي أولى من قول بعضهم: الصحابي من رأى النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه يخرج ابن أم مكتوم ونحوه من العميان، وهم صحابة بلا تردد"، وقوله: "مؤمناً" يخرج من حصل له اللقاء المذكور لكن في حال كونه كافراً، وقوله: (به) يخرج من كان مؤمناً لكن بغيره من الأنبياء، يخرج من كان مؤمناً لكن بغيره من الأنبياء، وهل يمكن أن يقال لغير المؤمن بالنبي -عليه الصلاة والسلام- أنه مؤمن؟ يقال لليهودي الذي يؤمن بموسى مؤمن؟ ويقال للنصراني الذي يؤمن بعيسى أنه مؤمن؟ لا، الإيمان في شرعنا يقتضي الإيمان بجميع الأركان، وإذا انتفى ركن من هذه الأركان، أو بعض ركن انتفى الإيمان.

فلا بد من الإيمان بالرسل كلهم، فاليهودي الذي لا يؤمن بالنبي -عليه الصلاة والسلام- ويصدق به ويتبعه لا يسمى مؤمن، والنصراني الذي لا يؤمن بالنبي -عليه الصلاة والسلام- لا يسمى مؤمن؛ لأن من أركان الإيمان الإيمان بالرسل، والكفر بواحد منهم كفر بجميعهم، والله المتسعان، لكن هل يخرج من لقيه مؤمناً بأنه سيبعث ولم يدرك البعثة؟ لقي النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمن بأنه سيبعث ومعترف بأنه نبي لكن قبل البعثة، قال الحافظ: "فيه نظر، قلت: ومثال ذلك: ورقة بن نوفل حيث ذكره الطبري والبغوي وابن قانع وابن السكن وغيرهم في الصحابة، قال الحافظ في الإصابة: "وفي إثبات الصحبة له نظر، لقوله في قصة بدء الوحي: "فلم ينشب ورقة أن توفي" فهذا ظاهره أنه أقر بنبوته ولكنه مات قبل أن يدعو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناس إلى الإسلام.

ثم ذكر الحافظ خبراً مرسلاً وصفه بأنه جيد يدل على أن ورقة عاش إلى أن دعا النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى الإسلام حتى أسلم بلال، ثم قال: والجمع بينه وبين حديث عائشة أن يحمل قوله: "ولم ينشب ورقة أن توفي" أي قبل أن يشتهر الإسلام.

ثم ذكر الحافظ خبراً ضعيفاً يدل على أن ورقة مات على نصرانيته، لكن الصواب أنه آمن بالنبي -عليه الصلاة والسلام- وصدقه لما قص عليه خبر بدء الوحي، لكنه مات قبل أن يدعو النبي -عليه الصلاة والسلام- الناس إلى الإسلام، وعلى هذا كونه مقطوع بنجاته وأنه من أهل الجنة هذا ما فيه إشكال، لكن هل هو معدود في هذه الأمة أو ممن قبلها؟ هذه مسألة محل نظر، هل يثبت في الصحابة فيكون من هذه الأمة؟ أو لا تثبت صحبته؛ لأن الحد لا ينطبق عليه، لكنه آمن وصدق بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، وكان على دين صحيح في وقته، والقول بنجاته مبني على ثبوت ما نقل في ترجمته من أن النبي -عليه الصلاة والسلام- رآه في بطنان الجنة، وعليه ثياب السندس، وأن عليه أيضاً ثياب بيض، فإن ثبتت هذه الأخبار وإلا فهو على الرجاء كغيره من مسلمي هذه الأمة وغيرهم، والله أعلم.

قوله: "ومات على الإسلام" ليخرج من ارتد بعد أن لقيه مؤمناً به ومات على الردة؛ كعبيد الله بن جحش وابن خطل، قوله: "ولو تخللت ردة" أي: بين لقيه له مؤمناً به وبين موته على الإسلام؛ فإن اسم الصحبة باق له، سواء رجع إلى الإسلام في حياته -صلى الله عليه وسلم- أو بعده، و سواء لقيه ثانياً أم لا كالأشعث بن قيس فإنه كان ممن ارتد وأتي به أبو بكر أسيراً فعاد إلى الإسلام، فقبل منه ذلك وزوجه أخته، ولم يتخلف أحد عن ذكره في الصحابة، ولا عن تخريج أحاديثه في المسانيد وغيرها.

الردة محبطة للعمل {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [(65) سورة الزمر] لكن هل الموت على الردة شرط في حبوط العمل؟ أو أن مجرد حصول الردة محبط للعمل؟ القيد المذكور في الآية الأخرى {فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} [(217) سورة البقرة] نعم {فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} قيد يجعل الردة لا تحبط العمل إلا إذا مات وهو مرتد، أما إذا ارتد ثم رجع إلى الإسلام فإن عمله باق لا يحبط، ومن ذلكم الصحبة، وهذه المسألة مسألة خلافية بين كثير من أهل العلم مع الحنفية، ولذا إذا حج ثم ارتد ثم رجع إلى الإسلام هل يلزم بحجة ثانية أو لا يلزم؟ والمسألة الخلاف فيها معروف ومبسوط عند أهل العلم.

ولا تظنون أن الردة لا بد أن يكفر بالله أو برسوله أو بكتبه، أو..، يترك الصلاة فيصير مرتد، هل عليه أن يعيد الحج أو لا يعيد؟ هذه المسألة الخلافية، ومقتضى قوله تعالى: {فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} [(217) سورة البقرة] أنه لا يحبط عمله إلا إذا مات كافر.

قال الحافظ ابن حجر في الإصابة: "ويدخل في قولنا مؤمناً به كل مكلف من الجن والإنس فحينئذ يتعين ذكر من حفظ ذكره من الجن الذين آمنوا به بالشرط المذكور؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- مرسل إليهم، مرسل إلى الجن أيضاً، وأما إنكار ابن الأثير على أبي موسى تخريجه لبعض الجن الذين عرفوا في كتابه الصحابة فليس بمنكر لما ذكرته".

وقال ابن حزم في المحلى: "من ادعى الإجماع فقد كذب، من ادعى الإجماع فقد كذب على الأمة، فإن الله تعالى قد أعلمنا أن نفراً من الجن آمنوا وسمعوا القرآن من النبي -صلى الله عليه وسلم- فهم صحابة فضلاء، فمن أين للمدعي إجماع أولئك؟"، ابن حزم يقول: أي شخص يدعي الإجماع على مسألة من المسائل كذاب، لماذا؟ لأنه إن أحاط بأقوال الإنس لم يحط بأقوال الجن، يقول: "من ادعى الإجماع فقد كذب على الأمة، فإن الله تعالى قد أعلمنا أن نفراً من الجن آمنوا وسمعوا القرآن من النبي -صلى الله عليه وسلم- فهم صحابة فضلاء، فأين للمدعي إجماع أولئك؟".

قال ابن حجر في الإصابة: "وهذا الذي ذكره في مسألة الإجماع لا نوافقه عليه، وإنما أردت نقل كلامه بكونهم صحابه"، ومثل هذا الكلام هو الذي جعل ابن حزم بكل سهولة يخالف جماهير الأمة، بل قد يخالف الإجماع، الأمة كلها في جهة وابن حزم في جهة؛ لاحتمال أن يكون واحد من الجن قال بهذا القول، نعم، وهذا من شذوذ ابن حزم، معروف، نعم.

وهل تدخل الملائكة فيمن لقي النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمناً به؟ محل نظر، قد قال بعضهم: إن ذلك ينبني على أنه هل كان مبعوثاً إليهم أو لا؟ وقد نقل الرازي الإجماع على أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يكن مرسلاً إلى الملائكة، لم يكن مرسلاً إلى الملائكة، ونوزع في هذا النقل، بل رجح الشيخ تقي الدين السبكي أنه كان مرسلاً إليهم، لكن كونه مرسل إليهم أو غير مرسل لا فائدة وراءه، هم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، هؤلاء الخلق أنفاسهم عبادة، جميع تصرفاتهم عبادة، ولا يتلبسون بالمعصية، حيل بينهم وبين الشهوات، فكونه مرسل إليهم أو غير مرسل الخلاف لفظي، قال ابن حجر: "وفي صحة بناء هذه المسألة على هذا الأصل نظر لا يخفى"، وقال بعضهم: لا يعد صحابياً إلا من وصف بأحد أوصاف أربعة: من طالت مجالسته للنبي -عليه الصلاة والسلام-، أو حفظت روايته، أو ضبط أنه غزا معه، أو استشهد بين يديه، واشترط بعضهم في صحة الصحبة بلوغ الحلم، أو المجالسة ولو قصرت، اختار البخاري في صحيحه أن من صحب النبي -صلى الله عليه وسلم- أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه، يعني مجرد رؤية حال كونه مؤمناً به يكون صحابي، ورجحه ابن حجر في الفتح إلا أنه هل يشترط في الرائي أن يكون بحيث يميز ما رآه أو يكتفى بمجرد حصول الرؤية؟ محل نظر، وعمل من صنف في الصحابة يدل على الثاني، أنه يكتفى بمجرد حصول الرؤية، يدل على الثاني فإنهم ذكروا مثل محمد بن أبي بكر الصديق وإنما ولد قبل وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بثلاثة أشهر وأيام، كما ثبت في الصحيح، أن أمه أسماء بنت عميس ولدته في حجة الوداع قبل أن يدخلوا مكة، ولدته في المحرم قبل أن يدخلوا مكة، وذلك في أواخر ذي القعدة سنة عشر، ومع ذلك فأحاديث هذا الضرب مراسيل بلا شك.

يستحيل أن يكونوا سمعوا من النبي -عليه الصلاة والسلام- مباشرة شيئاً، لكن في إثبات الصحبة لهذا الضرب نظر.

لما مات النبي -عليه الصلاة والسلام- عمره ثلاثة أشهر، عمره ثلاثة أشهر، هل يكون صحابي؟ لا، هل لقي النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمناً به؟ الجواب، لا، والخلاف الجاري بين الجمهور وبين أبي إسحاق الإسفرائيني ومن وافقه على رد المراسيل مطلقاً حتى مراسيل الصحابة لا يجري في أحاديث هؤلاء؛ لأن أحاديثهم لا من قبيل مراسيل كبار التابعين، ولا من قبيل مراسيل الصحابة الذين سمعوا من النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا مما يلغز به، فيقال: صحابي حديثه مرسل لا يقبله من يقبل مراسيل الصحابة، ومنهم من بالغ فكان لا يعد في الصحابة إلا من صحب النبي -عليه الصلاة والسلام- الصحبة العرفية، كما جاء عن عاصم الأحول قال: "رأى عبد الله بن سرجس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غير أنه لم يكن له صحبة" أخرجه أحمد، هذا مع كون عاصم قد روى عن عبد الله بن سرجس هذا عدة أحاديث وهي عند مسلم وأصحاب السنن، وأكثرها من رواية عاصم عنه، فهذا رأي عاصم، أن الصحابي من يكون صحب الصحبة العرفية، روي عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يعد في الصحابة إلا من أقام مع النبي -صلى الله عليه وسلم- سنة فصاعداً، أو غزا معه غزوة فصاعداً، قال ابن حجر: "والعمل على خلاف هذا القول؛ لأنهم اتفقوا على عد جمع جم من الصحابة ولم يجتمعوا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- إلا في حجة الوداع".

قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "أو إلى التابعي وهو من لقي الصحابي كذلك"، الخبر إما أن ينتهي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أو ينتهي إلى الصحابي، أو ينتهي إلى التابعي، والتابعي هو من لقي الصحابي كذلك، من لقي الصحابي مؤمناً بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، من لقي الصحابي مسلم -وهو مسلم- ومات على ذلك يسمى تابعي.

المقطوع:

لما فرغ -رحمه الله- من المرفوع والموقوف أردفه بالمقطوع فقال: أو تنتهي غاية الإسناد إلى التابعي، ثم عرف التابعي بقوله: هو من لقي الصحابي كذلك، أي كما تقدم في تعريف الصحابي، ولذا قال القاري في شرح النخبة: "التابعي هو من لقي الصحابي مؤمناً بالنبي -عليه الصلاة والسلام- ولو تخللت ردة في الأصح" كذا قال، لكن الحافظ نفسه قال: "هذا متعلق باللقي وما ذكر معه إلا قيد الإيمان به فذاك خاص بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وهو المختار".

يعني لو أن شخصاً لقي أحد الصحابة وهو غير مسلم ثم أسلم بعد ذلك ومات على الإسلام، لكنه لما لقي الصحابي لم يكن مسلماً هل يسمى تابعي أو لا؟ على كلام الحافظ يسمى تابعي، وواضح عبارته -أو ظاهر عبارته- وهو من لقي الصحابي كذلك، يعني بالقيود المذكورة، مؤمناً بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، وفي اليواقيت للمناوي: "ولا يلزم أن يكون مؤمناً حال ملاقاته للصحابي، بل لو كان كافراً ثم أسلم بعد موت الصحابي، وروى عنه سميناه تابعياً وقبلناه، ولا يشترط في التابعي طول الملازمة أو التمييز أو صحة السماع من الصحابي، قال الخطيب: "التابعي من صحب الصحابي".

قال ابن الصلاح: "ومطلقه مخصوص بالتابعي بإحسان"، ومطلقه مخصوص بالتابعي بإحسان، أما الذي يتبع الصحابة من دون إحسان، يتبع السلف من غير إحسان لا يستحق هذا الوصف، قال القاري: "والظاهر منه طول الملازمة إذ الاتباع بإحسان لا يكون بدونه"، واشترط ابن حبان: أن يكون رآه في سن من يحفظ عنه فإن كان صغيراً لم يحفظ عنه فلا عبرة برؤيته، كخلف بن خليفة فإنه لم يعده في التابعين وإن كان رأى عمر بن حريث لكونه صغيراً، قال ابن الصلاح: "وكلام الحاكم أبي عبد الله وغيره مشعر بأنه يكفي فيه أن يسمع من الصحابي أو يلقاه، وإن لم توجد الصحبة العرفية والاكتفاء في هذا لمجرد اللقاء والرؤية أقرب منه في الصحابي نظراً إلى مقتضى اللفظين فيهما"، يعني إذا لم نشترط طول الصحبة في الصحابي ولا الصحبة العرفية في الصحابي فلا تشترط في التابعي من باب أولى لما يقتضيه لفظ الصحبة.

قال ابن حجر: "بقي بين الصحابة والتابعين طبقة اختلف في إلحاقهم بأي القسمين وهم المخضرمون، الذين أدركوا الجاهلية والإسلام ولم يروا النبي -صلى الله عليه وسلم- فعدهم ابن عبد البر في الصحابة، وادعى عياض وغيره أن ابن عبد البر يقول: إنهم صحابة"، المخضرمون من أدركوا الجاهلية والإسلام ولم يروا النبي -عليه الصلاة والسلام- هؤلاء عدهم ابن عبد البر في الصحابة، يعني ذكرهم في الاستيعاب، ذكرهم في الاستيعاب، لكن هل مجرد الذكر يعني إثبات الصحبة؟ هل ذكر الرجل في الإصابة يثبت الصحبة له؟ أو أن ابن حجر ذكر أقوام اختلف في صحبتهم، والراجح عدم إثبات الصحبة لهم، وهم القسم الرابع.

هنا ابن عبد البر ذكر المخضرمين في الاستيعاب، ادعى عياض وغيره أن ابن عبد البر يقول: إنهم صحابة، وفيه نظر؛ لأن ابن عبد البر أفصح في خطبة كتابه بأنه إنما أوردهم ليكون كتابه جامعاً مستوعباً لأهل القرن الأول، لأهل القرن الأول وإن لم يكونوا صحابة، والصحيح أنهم معدودون في كبار التابعين، سواءً عرف أن الواحد منهم كان مسلماً في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- كالنجاشي أم لا، وذكر مسلم المخضرمين فبلغ بهم عشرين نفساً، منهم: أبو عمرو الشيباني، وسويد بن غفلة، وعمرو بن ميمون، وعبد خير بن يزيد، وأبو عثمان النهدي، وممن لم يذكرهم: أبو مسلم الخولاني، والأحنف بن قيس، والله أعلم.

ومن أكابر الصحابة السابقون الأولون، واختلف في المراد فيهم هل هم من صلى إلى القبلتين؟ أو أنفق قبل الفتح وهاجر دون من أنفق وهاجر بعد الفتح؟ أو هم أصحاب الشجرة السابقون الأولون؟ أو هم الذين أسلموا قبل الهجرة؟ المقصود مسألة خلافية بين أهل العلم، والأكثر على أنهم من صلى إلى القبلتين قبل نسخ القبلة إلى بيت المقدس، هؤلاء من الصحابة هم السابقون الأولون.

وفي الصحابة المهاجرون والأنصار وفيهم العبادلة الأربعة، وفيهم العشرة المبشرون بالجنة، وفيهم أهل بدر، وفيهم أهل بيعة الرضوان، المقصود أنهم متفاوتون في الفضل، فيهم العبادلة الأربعة وهم: ابن عمر، ابن عباس، ابن الزبير، عبد الله بن عمرو بن العاص، وليس فيهم ابن مسعود، وليس فيهم ابن مسعود، لماذا؟ لأن ابن مسعود تقدمت وفاته، وأما هؤلاء الأربعة فتأخرت وفياتهم حتى احتيج إلى علمهم، سئل الإمام أحمد هل ابن مسعود فيهم؟ فقال: لا، فإذا قيل: هذا قول العبادلة الأربعة فالمقصود بهم هؤلاء، ووهم صاحب الصحاح فأدخل فيهم ابن مسعود، المقصود أن هؤلاء يميزون في الصحابة.

من أكابر التابعين الفقهاء السبعة من أهل المدينة، هؤلاء من التابعين سبعة.

فخذهم عبيد الله عروة قاسم

 

سعيد أبو بكر سليمان خارجة

سبعة: سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، وخارجة بن زيد، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وسليمان بن يسار، وذكر ابن المبارك سالم بن عبد الله بن عمر بدل أبي سلمة، وذكر أبو الزناد أبا بكر بن عبد الرحمن بدل أبي سلمة وسالم، على كل حال السابع مختلف فيه.

فخذهم عبيد الله عروة قاسم

 

سعيد أبو بكر سليمان خارجة

 

سبعة.

اختلف في أفضل التابعين فقال أحمد بن حنبل: سعيد بن المسيب هو أفضل التابعين، فقيل له: فعلقمة والأسود؟ فقال: سعيد بن المسيب وعلقمة والأسود، وعنه أنه قال: لا أعلم في التابعين مثل أبي عثمان النهدي وقيس بن أبي حازم، وقال الشيخ أبو عبد الله بن خفيف الزاهد الشيرازي: "اختلف الناس في أفضل التابعين فأهل المدينة يقولون: سعيد بن المسيب، وأهل الكوفة يقولون: أويس القرني، وأهل البصرة يقولون: الحسن البصري، وهؤلاء كلهم أئمة فضلاء، لكن لو جئنا إلى النص المرفوع لأثبتنا أن أفضل التابعين على الإطلاق أويس؛ لأن الخبر فيه صحيح في صحيح مسلم، عمر -رضي الله عنه- طلب من أويس أن يدعو له، فعلى هذا هو أفضل التابعين على الإطلاق، نعم إن جئنا إلى العلم فسعيد لا يدانيه أحد.

ثم نشر الحافظ ما طواه في أول الأمر وما لفه فقال: "فالأول المرفوع، والثاني الموقوف، والثالث المقطوع، ومن دون التابعي فيه مثله"، فالأول: وهو ما أضيف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من قول أو فعل أو تقرير أو وصف يسمى المرفوع، وهو اسم مفعول من الرفع، والثاني: وهو ما أضيف إلى الصحابي من قول أو فعل يسمى الموقوف، اسم مفعول من الوقف ضد الرفع، والثالث: وهو ما أضيف إلى التابعي فمن دونه يسمى المقطوع، اسم مفعول من القطع، ويجوز في جمعه المقاطع والمقاطيع بإثبات الياء آخر الحروف وحذفها كالمساند والمسانيد، والمراسل والمراسيل، والمفاتح والمفاتيح، لكن المنقول في مثل المقاطيع عند البصريين سوى الجرمي الإثبات جزماً، والجرمي مع الكوفيين في جواز الحذف، واختاره ابن مالك.

المرفوع: ما أضيف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، والموقوف: ما أضيف إلى الصحابي، والمقطوع: ما أضيف إلى التابعي فمن دونه، قال ابن الصلاح في المقطوع: "هو غير المنقطع..، وقد وجدت التعبير بالمقطوع عن المنقطع غير الموصول في كلام الشافعي وأبي القاسم الطبراني وغيرهما، وعكس ما ذكره ابن الصلاح عن الشافعي ما حكاه الخطيب عن بعض أهل العلم بالحديث أن المنطقع ما روي عن التابعي ومن ودنه موقوف عليه من قوله أو فعله، قال ابن الصلاح: "وهذا غريب بعيد" يقول الحافظ العراقي:

وسمّ بالمقطوع قول التّابعي
تعبيره به عن المنقطعِ

 

وفعله وقد رأى للشّافعي
قلت: وعكسه اصطلاح البردعي

ويجوز إطلاق الموقوف على ما يروى عن التابعي فمن دونه لكن مع التقييد، إذا قيل: هذا موقوف فهو من قول صحابة، لكن إذا قيل: هذا موقوف على سعيد أو على الحسن البصري يجوز، يجوز إطلاق الموقوف على ما يروى عن التابعي فمن دونه لكن مع التقييد، فلك أن تقول: هذا الخبر موقوف على الحسن أو على سيعد أو نحوهما.

الآن المرفوع فيه المتصل والمنقطع، صح وإلا لا؟ الموقوف فيه الموصول والمنقطع، المقطوع ها؟ هل يمكن أن يقال: متصل مقطوع؟ نعم إذا كان كل واحد ممن رواه قد سمعه ممن فوقه إلى التابعي فهو مقطوع، لكن هل نستطيع أن نقول: متصل مقطوع؟ قال بعضهم: لا يمكن، لماذا؟ للتنافر اللفظي بين الكلمتين، التنافر اللفظي بين الكلمتين، كيف تقول: مقطوع متصل؟ يعني مثل ما تقول: جاء الطويل القصير، إذا جاء رجل طويل عمره، عمره مائة سنة وقامته قصيرة هل تقول: جاء الطويل القصير، وأن تنظر إليه من زاويتين إلى قامته فتقول: القصير، وإلى عمره فتقول: الطويل، لا شك أن هذا تنافر لفظي مثله مثلما تقول: المتصل المقطوع، هذا تنافر لفظي، فمنهم من يمنع إطلاق المتصل على المقطوع الذي أضيف إلى التابعي فمن دونه لوجود هذا التنافر ومنهم من ينظر إليه مع انفكاك الجهة، فيقول: لا مانع من أن يقال: هو مقطوع باعتبار الإضافة إلى التابعي فمن دونه، وهو متصل باعتبار أن إسناده ليس فيه انقطاع.

قال الحافظ -رحمه الله-: "ويقال للأخيرين: الأثر" يعني أنه يقال للأخيرين -وهما الموقوف والمقطوع-: الأثر، وهو في الأصل ما ظهر على الأرض من مشي الشخص، وهو في الأصل ما ظهر على الأرض من مشي الشخص، قال زهير:

والمرء ما عاش ممدود له أثرُ

 

لا ينتهي العمر حتى ينتهي الأثرُ

قال ابن الصلاح: "وهو موجود في اصطلاح الفقهاء الخرسانيين"، تعريف الموقوف بالأثر، قال أبو القاسم الفوراني: "منهم الفقهاء يقولون: الخبر ما يروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، والأثر ما يروى عن الصحابة -رضي الله عنهم- وقد وجد ذلك في كلام الأئمة كثيراً، ففي الرسالة للإمام الشافعي: وجهة العلم الكتاب والسنة والآثار"، وقال في الرسالة أيضاً: "وأما القياس فإنما أخذناه استدلالاً بالكتاب والسنة والآثار" وظاهر تسمية الإمام البيهقي كتابه المشتمل على الأنواع الثلاثة معرفة السنن والآثار، ومثله تسمية الطحاوي كتابيه: (شرح معاني الآثار) و(مشكل الآثار) يؤيد ما رآه المحدثون، كما عزاه إليهم النووي من إطلاق الأثر على الموقوف والمرفوع، فالأثر شامل لما يروى عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وما يروى عن الصحابة والتابعين، ويؤيده انتساب بعض المحدثين إلى الأثر كالحافظ العراقي يقول:

يقول راجي ربّه المقتدرِ

 

عبد الرّحيم بن الحسين الأثري

وفي الجامع للخطيب البغدادي من حديث عبد الرحيم بن حبيب الفاريابي عن صالح بن بيان عن أسد بن سعيد الكوفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده مرفوعاً: ((ما جاء عن الله فهو فريضة، وما جاء عني فهو حتم وفريضة، وما جاء عن أصحابي فهو سنة، وما جاء عن أتباعي فهو أثر، وما جاء عن من دونهم فهو بدعة)) والخبر باطل لا أصل له، والفاريابي هذا رمي بالوضع.

والمسند: مرفوع صحابي بسند ظاهره الاتصال، المسند: مرفوع صحابي بسند ظاهره الاتصال، المسند: مبتدأ خبره مرفوع صحابي أي ما رفعه الصحابي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بسند ظاهره الاتصال بأن يكون كل راوٍ من رواته قد تحمله عن من فوقه بطريق معتبر، قال ابن حجر: "فقولي مرفوع كالجنس"، مرفوع كالجنس، يعني يشمل المحدود وغير المحدود، "وقولي صحابي كالفصل يخرج ما رفعه التابعي فإنه مرسل" يعني وليس بمسند، أو من دونه فإنه معضل أو معلق، وقولي: "ظاهره الاتصال، يخرج ما ظاهره الانقطاع، ويدخل فيه الاحتمال وما يوجد فيه حقيقة الاتصال من باب أولى".

ويفهم من التقييد بالظهور أن الانقطاع الخفي كعنعنة المدلس والمعاصر الذي لم يثبت له اللقاء لا يخرج الحديث عن كونه مسنداً لإطباق الأئمة الذين خرجوا المسانيد على ذلك، وهذا التعريف موافق لتعريف الحاكم فإنه قال في المعرفة: "المسند ما رواه المحدث عن شيخ يظهر سماعه منه وكذا شيخه عن شيخه متصلاً إلى صحابي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" فعلى هذا يشترط لتسمية الخبر مسنداً الرفع مع الاتصال، وذهب ابن عبد البر في التمهيد إلى أن المسند المرفوع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- خاصة، المسند المرفوع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- خاصة، وقد يكون متصلاً كمالك عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو منقطعاً كمالك عن الزهري عن ابن عباس عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فهو وإن كان منقطعاً لأن الزهري لم يسمع من ابن عباس فهو مسند؛ لأنه قد أسند إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعلى هذا فالمسند والمرفوع شيء واحد، والانقطاع يدخل عليهما جميعاً، ويلزم من ذلك شموله المرسل والمعضل، قال ابن حجر في النكت: "وهو مخالف للمستفيض من عمل أئمة الحديث في مقابلة بين المرسل والمسند فيقولون: أسنده فلان وأرسله فلان"، وذهب الخطيب إلى أن المسند ما اتصل إسناده ولو كان موقوفاً على الصحابي أو غيره، وقد عزاه في الكفاية لأهل الحديث، ثم قال: "إلا أن أكثر استعمالهم له فيما أسند عن النبي -صلى الله عليه وسلم- خاصة".

على هذا يكون المسند فيه ثلاثة أقوال:

المسند المرفوع، المسند هو المرفوع سواءً كان متصل أو منقطع، ما رفع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- دون ما يضاف إلى غيره، سواءً كان متصلاً أو منقطعاً، وهذا قول ابن عبد البر، أو هو المرفوع مع الاتصال، وهذا ما يراه الحاكم، والمرفوع إذا كان متصلاً، والمرفوع إذا كان متصلاً وهو قول الحاكم، ابن عبد البر يرى أن المسند هو المرفوع سواءً كان متصلاً أو منقطعاً، والخطيب يرى أن المسند ما اتصل إسناده، سواءً كان مرفوعاً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أو موقوفاً على غيره، قال الحافظ العراقي:

والمسند المرفوع أو ما قد وصل
والثالث الرّفع مع الوصل معا

 

لو مع وقف وهو في هذا يقل
شرط به (الحاكم) فيه قطعا

سم.

"فإن قل عدده فإما أن ينتهي إلى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم" وصحبه وصحبه إن أضفت الآل فأضف الصحب، ذكرنا سابقاً أن الاقتصار على النبي -صلى الله عليه وسلم- يتأدى به الطلب في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب] فإذا اقتصرنا فلنقتصر على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن أضفنا الآل فلنضف الصحب؛ لأن الآل أوصى بهم النبي -عليه الصلاة والسلام-، كما في الأحاديث الصحيحة، والصحب لهم حق على الأمة فمن طريقهم وصلنا الدين، وهم الذين نصروا الدين، وهم الذين نشروه، وهم الذين حفظوه، وهم الذين أدوه وبلغوه، فإذا زدنا على النبي -عليه الصلاة والسلام- الآل فلنضف الصحب، لا سيما وأن الاقتصار على الآل صار شعاراً لبعض طوائف المبتدعة كالروافض، فلا نقتصر على الآل دون الأصحاب، كما أننا لا نقتصر على الأصحاب دون الآل؛ لأنه صار شعاراً لقوم آخرين من المبتدعة كالنواصب، فإذا أضفنا الآل فلنضف الصحب أو نقتصر على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإن قل عدده...

"فإن قل عدده فإما أن ينتهي إلى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- أو إلى إمام ذي صفة علية كشعبة، فالأول العلو المطلق، والثاني النسبي، وفيه الموافقة وهي الوصول إلى شيخ أحد المصنفين من غير طريقه، وفيه البدل وهو الوصول إلى شيخ شيخه كذلك، وفيه المساواة وهي استواء عدد الإسناد من الراوي إلى آخره مع إسناد أحد المصنفين، وفيه المصافحة وهي الاستواء مع تلميذ ذلك المصنف، ويقابل العلو بأقسامه النزول".

نعم، يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "فإن قل عدده" يعني إن قل عدد رجال الإسناد "فإما أن ينتهي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أو إلى إمام ذي صفة علية كشعبة، فالأول هو العلو المطلق، والثاني النسبي"، رجال الإسناد الموصل إلى المتن يتفاوتون من حديث إلى آخر قلة وكثرة، فبعض الأحاديث تروى بأسانيد قليلة، رجالهم عددهم قليل، وبعضها بأسانيد تطول ويكثر الرواة فيها، فالأول يسمى عند أهل العلم بالعالي، والثاني يسمى بالنازل، فالعالي ما قل عدد رواته، ما قَلَّت فيه الوسائط بين المصنف وبين النبي -عليه الصلاة والسلام-، والنازل: ضده ما كثر عدد رواته وكثرت الوسائط فيه بين المصنف والنبي -عليه الصلاة والسلام-، والمراد بقلة الرواة هنا بالنسبة إلى أي سند آخر يرد به ذلك الحديث بعينه بعدد أكثر، وقد عظمت رغبة المتأخرين في العلو حتى غلب ذلك على كثير منهم، بحيث أهملوا الاشتغال بما هو أهم منه من الثبوت والفهم والاستنباط، وإنما كان العلو مرغوباً فيه لكونه أقرب إلى الصحة وقلة الخطأ؛ لأنه ما من راوٍ من رجال الإسناد إلا والخطأ جائز عليه فكلما كثرت الوسائط وطال السند كثرت مظان التجويز، وكلما قلت قلت" قاله الحافظ، يعني ما من راوٍ من الرواة إلا ويحتمل أنه أخطأ فإذا كان عدد الرواة قليلاً كان الاحتمال قليلاً، وإذا كان عدد الرواة كثيراً كان هذا الاحتمال كثير.

قال ابن الصلاح: "طلب العلو سنة، ولذلك استحبت الرحلة في الحديث"، قال الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-: "طلب الإسناد العالي سنة عمن سلف"، وقد روينا أن يحيى بن معين قيل له في مرض موته: ما تشتهي؟ قال: "بيت خالي وسند عالي" هذه أمنيته، بيت خالي وسند عالي، بيت خالي ليخلو بربه، ويأنس بمناجاته وذكره، وسند عالي هذه غايته في هذه الدنيا، مش يتمنى..، يتمنى طول عمر، يتمنى قصور وضياع ومزارع، يتمنى أرصدة، لا، لا يتمنى هذا كله؛ لأن الدنيا لا شيء، لا تزن عن الله جناح بعوضة، والغنى الحقيقي غنى النفس، والله المستعان.

قال الحافظ: فإن كان في النزول مزية ليست في العلو كأن يكون رجاله أوثق أو أحفظ أو أفقه أو الاتصال فيه أظهر فلا تردد في أن النزول أولى، ونقل ابن كثير عن بعض المتكلمين أنه كلما طال الإسناد كان النظر في التراجم والجرح والتعديل أكثر فيكون الأجر على قدر المشقة، قال ابن كثير: "وهذا لا يقابل ما ذكرناه" معنى هذا الكلام عن بعض المتكلمين يقول: إن الإسناد النازل أفضل من الإسناد العالي، لماذا؟ لأنك وأنت تبحث في حديث رجاله ثلاثة مثلاً وكل واحد من هؤلاء الرواة يحتاج إلى ربع ساعة أنت في ساعة إلا ربع تنتهي من الحديث، صح وإلا لا؟ بينما لو كان الحديث تساعي تحتاج في تسعة كل واحد ربع ساعة نحتاج إلى ساعتين وربع، نعم، نحتاج إلى ساعتين وربع، فهذا أكثر مشقة، فهو أفضل والأجر على قدر النصب، نقول: لا، هذا أمر لا يعنيك وأنت من المتكلمين، أنت لا تفهم الصنعة، هؤلاء الثلاثة الذين روي من طريقهم كل واحد يحتمل أنه أخطأ من هؤلاء الثلاثة، وكل واحد من أولئك التسعة يحتمل أنه أخطأ، فاحتمال الخطأ في النازل أقوى من احتمال الخطأ في العالي، فالعلو أفضل، نعم.

طالب:......

نعم؟

طالب:......

أنت إذا نظرت إلى السند فوجدته برجال عدده أقل فهو عالي، وفي الغالب أن هؤلاء الثلاثة قد طالت أعمارهم، وإذا نظرت إلى الإسناد النازل وجدت أن رجاله أكثر، وفي الغالب أن أعمارهم المدد بينهم قصيرة

فإن قل عدد رجال السند وانتهى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك العدد القليل بالنسبة إلى أي سند آخر يرد به ذلك الحديث بعينه فهو العلو المطلق، يعني إذا كان العلو بين المصنف والنبي -عليه الصلاة والسلام- هذا علو مطلق، لكن إذا كان العلو بين المصنف وبين إمام من أئمة الحديث كشعبة مثلاً، فهو علو نسبي فإن اتفق أن يكون مع العلو سند صحيح كان الغاية القصوى وإلا فصورة العلو فيه موجودة ما لم يكن موضوعاً فهو كالعدم.

وإن قل عدد رجال السند وانتهى إلى إمام من أئمة الحديث ذي صفة علية كالحفظ والضبط والإتقان والفقه والتصنيف وغير ذلك كشعبة ومالك وسفيان الثوري والشافعي والبخاري ومسلم وغيرهم فهو العلو النسبي وهو ما يقل العدد فيه إلى ذلك الإمام، ولو كان العدد من ذلك الإمام إلى منتهاه كثيراً.

وأعلى ما في الكتب الستة الثلاثيات، ففي البخاري منها اثنان وعشرون حديثاً، غالبها عن المكي بن إبراهيم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع، أعلى ما في الكتب الستة الثلاثيات، في البخاري منها اثنان وعشرون حديثاً، وغالبها عن المكي بن إبراهيم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع، وليس في مسلم ولا حديث ثلاثي، وكذلك أبو داود والنسائي، ابن ماجه فيه شيء يسير وكذلك الترمذي، وفي المسند أكثر من ثلاثمائة حديث ثلاثي لقدم مؤلفه وهي مجموعة شرحها السفاريني في مجلدين كبيرين، شرح ثلاثيات المسند، وكثير من أحاديث الموطأ ثنائيات وثلاثيات لتقدم الإمام مالك على الإمام أحمد أيضاً.

في سنن أبي داود حديث اختلف فيه هل هو ثلاثي أو رباعي؟ كيف؟ السند أمامنا موجود، ولا نعرف أن نحسب كم عدد الرواة؟! حديث أبي برزة في الحوض اختلف فيه هل هو ثلاثي أو رباعي؟ أبو داود يروي أصل الخبر عن ثلاثة، يرويه عن أبي برزة بواسطة اثنين، فالقصة ثلاثية، لكن الخبر الذي هو المقصود المرفوع في الحوض رباعي؛ لأن الواسطة بين أبي برزة وبين الراوي عنه رجل مبهم، فهو رباعي وليس بثلاثي، وإن زعم بعضهم أنه ثلاثي لأن القصة ثلاثية.

قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "وفيه الموافقة" في العالي الموافقة، "وهي الوصول إلى شيخ أحد المصنفين من غير طريقه"، وهي الوصول إلى شيخ أحد المصنفين من غير طريقه، تصل إلى محمد بن بشار من غير طريق البخاري، تصل إلى قتيبة بن سعيد من غير طريق مسلم وهكذا.

"وفيه البدل، وهو الوصول إلى شيخ شيخه كذلك"، تصل إلى غندر -محمد بن جعفر- من غير طريق البخاري، ومن غير طريق محمد بن بشار وهكذا.

"وفيه المساواة وهو استواء عدد الإسناد من الراوي إلى آخره مع إسناد أحد المصنفين" المساواة يعني في البخاري حديث تساعي وعند الحافظ العراقي أحاديث تساعيات ساوى فيها البخاري هذه مساواة، لكن هل هو عالي عند البخاري وإلا نازل؟ تساعي؟ نازل جداً، عالي عند الحافظ العراقي وإلا نازل؟ عالي جداً؛ لأن البخاري -رحمه الله- مات سنة مائتين وستة وخمسين، والعراقي مات سنة ثمانمائة وستة، بينهم خمسة قرون ونصف، ويروي الحديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بواسطة تسعة، والعراقي يروي الحديث بواسطة تسعة، هذا عالي بالنسبة للعراقي وهذا نازل بالنسبة للبخاري.

"وفيه المصافحة وهي الاستواء مع تلميذ ذلك المصنف" فكأن الإمام العالم المتأخر صافح ذلك الإمام القديم؛ لأنه ساوى تلميذ ذلك المصنف القديم فكأنه صافحه، لما عرف الحافظ العلو ووضح المراد به، وذكر قسميه المطلق والنسبي، ذكر أقسام ثاني نوعيه وهو النسبي، فأول هذه الأقسام: الموافقة، وعرفها ابن الصلاح بقوله: هي أن يقع لك الحديث عن شيخ مسلم فيه مثلاً عالياً بعدد أقل من العدد الذي يقع لك ذلك الحديث عن ذلك الشيخ إذا رويته عن مسلم عنه، ومثل له الحافظ بما إذا روى البخاري عن قتيبة عن مالك حديثاً فلو رويناه من طريقه، يعني لو رويناه من طريق البخاري كان بيننا وبين قتيبة ثمانية، هذا كلام الحافظ، ولو روينا ذلك الحديث بعينه من طريق أبي العباس السراج عن قتيبة مثلاً لكان بيننا وبين قتيبة سبعة، فقد حصلت لنا الموافقة مع البخاري في شيخه بعينه مع علو الإسناد على الإسناد إليه.

هذه الأنواع يعتني بها كثير من الذين يصنفون في التراجم والسير، والحافظ الذهبي يعتني بذلك كثيراً في سير أعلام النبلاء وفي تاريخ الإسلام وفي تذكرة الحفاظ، ويذكر من أحاديث المترجم ما يقع له عالياً، يعتني بذلك كثيراً.

والثاني: البدل وهو كما قال ابن الصلاح: أن يقع لك هذا العلو عن شيخ غير شيخ مسلم، هو مثل شيخ مسلم في ذلك الحديث، ومثاله في الحديث السابق: أن يقع ذلك الإسناد بعينه من طريق أخرى إلى القعنبي عن مالك فيكون القعنبي بدلاً فيه من قتيبة، قال ابن الصلاح: "وقد يرد البدل إلى الموافقة فيقال فيما ذكرناه: إنه موافقة عالية في شيخ شيخ مسلم، ولو لم يكن ذلك عالياً فهو أيضاً موافقة وبدل، لكن لا يطلق اسم الموافقة والبدل لعدم الالتفات إليه".

أقول: هذه أمور تكميلية وليست من صميم علم الحديث، أقول: هذه أمور تكميلية وليست حاجية.

والثالث: المساواة وهي أن يقع بين الراوي من المتأخرين وبين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثلما وقع من العدد بين مسلم أو البخاري إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، قال ابن حجر: كأن يروي النسائي مثلاً حديثاً يقع بينه وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- أحد عشر نفساً وقد وجد، وجد عند النسائي حديث يرويه النسائي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بواسطة أحد عشر رجلاً، وهو أطول إسناد عنده، بل أطول إسناد في الكتب الستة، حديث يتعلق بفضل سورة الإخلاص، قال ابن حجر: "كأن يروي النسائي مثلاً حديثاً يقع بينه وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- أحد عشر نفساً فيقع لنا ذلك الحديث بعينه بإسناد آخر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يقع بيننا وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- أحد عشر نفساً، فنساوي النسائي من حيث العدد مع قطع النظر عن ملاحظة ذلك الإسناد الخاص".

يعني مثل ما مثلنا البخاري عنده حديث تساعي: ((ويل للعرب من شر قد اقترب)) هذا فيه تسعة بين البخاري والنبي -عليه الصلاة والسلام-، والحافظ العراقي وهو بعد البخاري بخمسة قرون ونصف عنده أحاديث تساعية فهذه مساواة.

والرابع: المصافحة: وهي أن تقع تلك المساواة مع تلميذ المصنف فتكون كأنك لقيت مسلماً أو البخاري في ذلك الحديث وصافحته به لكونك قد لقيت شيخك المساوي لمسلم، قال ابن الصلاح: "فإن كانت المساواة لشيخ شيخك كانت المصافحة لشيخك وهكذا"، ثم قال: "اعلم أن هذا النوع من العلو علو تابع لنزول إذ لولا نزول ذلك الإمام في إسناده لم تعلُ أنت في إسنادك" يعني لولا وجود التساعي في البخاري ما علا الحافظ العراقي؛ لأن المسألة نسبية هذا عالي بالنسبة للعراقي وهذا نازل بالنسبة للبخاري، لولا نزول البخاري في هذا الحديث التساعي لما علا الحافظ العراقي فيه، ثم ذكر ابن الصلاح أنواعاً من العلو منها:

العلو المستفاد من تقدم وفاة الراوي، ومثل له بما يرويه عن شيخ أخبره به عن واحد عن البيهقي الحافظ عن الحاكم أبي عبد الله أعلى من روايتي لذلك عن شيخ أخبرني به عن واحد عن أبي بكر بن خلف عن الحاكم وإن تساوى الإسنادان في العدد لتقدم وفاة البيهقي على وفاة ابن خلف، يعني علو ناشئ وناتج عن تقدم وفاة الراوي؛ لأن البيهقي مات سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، ومات ابن خلف سنة سبع وثمانين أكثر من ثلاثين سنة، يقرب من ثلاثين سنة الفرق بينهما، فتقدم وفاة البيهقي تورث علو، يعني عن كونك تروي مسألة عن شيخ تقدمت وفاته جداً بحيث لم يدركه كثير من أقرانك، والشيخ هذا يروي عن شيخ يروي عنه شيخ آخر تأخرت وفاته فأدركه زملاؤك ورفقاؤك أنت أعلى منهم؛ لأنك أدركت شيخاً تقدمت وفاته.

العلو المستفاد من تقدم السماع: مثل أن يسمع شخصان من شيخ واحد وسماع أحدهما من ستين سنة وسماع الآخر من أربعين سنة، فإذا تساوى السند إليهما في العدد فالإسناد إلى الأول الذي تقدم سماعه أعلى.

قال -رحمه الله-: "ويقابل العلو بأقسامه النزول" مقابل العلو السابق المرغوب فيه النزول، فكل قسم من أقسام العلو ضده قسم من أقسام النزول تدرك من التفصيل السابق، قال الحافظ: "خلافاً لمن زعم أن العلو قد يقع غير تابع للنزول"، وقال ابن الصلاح: "وأما قول الحاكم أبي عبد الله لعل قائلاً يقول: النزول ضد العلو فمن عرف العلو عرف ضده وليس كذلك، فإن للنزول مراتب لا يعرفها إلا أهل الصنعة" إلى آخر كلامه، فهذا ليس نفياً لكون النزول ضداً للعلو على الوجه الذي ذكرته، بل نفياً لكونه يعرف بمعرفة العلو، وذلك يليق بما ذكره هو في معرفة العلو فإنه قصر في بيانه وتفصيله -رحمه الله-، وليس كذلك ما ذكرناه نحن في معرفة العلو فإنه مفصل تفصيلاً مفهماً لمراتب النزول والعلم عند الله -تبارك وتعالى-.

ثم إن النزول حيث ذمه من ذمه كقول علي بن المديني وأبي عمرو المستملي: "النزول شؤم" وكقول ابن معين: "الإسناد النازل قرحة في الوجه" فهو محمول على ما إذا لم يكن مع النزول ما يجبره كزيادة الثقة برجاله على العالي، أو كونهم أحفظ أو أفقه، أو كونه متصلاً بالسماع، وفي العالي حضور أو إجازة أو مناولة أو تساهل من بعض رواته في الحمل ونحو ذلك، فإن العدول حينئذ إلى النزول ليس بمذموم ولا مفضول؛ لأن العبرة، العبرة في الأسانيد بنظافة الأسانيد، بثقة الرواة، وشدة الاتصال، فإذا تساوى الإسنادان العالي والنازل في ثقة الرواة وتمام الاتصال قدم العالي، لكن إذا تميز النازل بزيادة في ثقة رواته قدم على العالي؛ لأنه كما قلنا: إن العلو تكميلي، أقول: تكميلي، قد يصح السند وهو نازل، وقد يضعف السند وهو عالي.

يقول الحافظ العراقي في شرح ألفيته: "قد روينا عن وكيع قال: الأعمش أحب إليكم عن أبي وائل عن عبد الله أو سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله، أحب إليكم الواسطة باثنين أو بخمسة؟ نعم، فقلنا: الأعمش عن أبي وائل أقرب، الأعمش عن أبي وائل أقرب، فقال: الأعمش شيخ، وأبو وائل شيخ، وسفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة فقيه عن فقيه عن فقيه، يعني هؤلاء أئمة، أولئك شيوخ، لكن هؤلاء أئمة، روينا عن ابن المبارك قال: "ليس جودة الإسناد قرب الإسناد بل جودة الحديث صحة الرجال، ليس جودة الحديث قرب الإسناد بل جودة الحديث صحة الرجال، وروينا عن السلفي قال: "الأصل الأخذ عن العلماء، فنزولهم أولى من العلو عن الجهلة على مذهب المحققين من النقلة، والنازل حينئذ هو العالي في المعنى عند النظر والتحقيق، كما روينا عن نظام الملك قال: "عندي أن الحديث العالي ما صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإن بلغت رواته مائة" كما روينا عن السلفي من نظمه:

ليس حسن الحديث قرب رجال
بل علو الحديث بين أولي الحفظ
وإذا ما تجمعا في حديث

 

عند أرباب علمه النقادِ
والإتقان صحة الإسنادِ
فاغتنمه فذاك أقصى المرادِ

قال ابن الصلاح: "هذا ونحوه ليس من قبيل العلو المتعارف إطلاقه بين أهل الحديث وإنما هو علو من حيث المعنى فحسب، والله أعلم".

وكما ذكرنا أعلى حديث في البخاري الثلاثيات، وعدتها اثنان وعشرون حديثاً، وأنزل ما فيه التساعي، أنزل حديث في البخاري: ((ويل للعرب من شر قد اقترب)) وفي السنة حديث فضل سورة الإخلاص عند النسائي، ففيه ستة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، وهذا أنزل إسناد، ستة في طبقة واحدة يروي بعضهم عن بعض، نعم.

سم.

"فإن تشارك الراوي ومن روى عنه في السن واللقي فهو الأقران، وإن روى كل منهما عن الآخر فالمدبج، وإن روى عمن دونه فالأكابر عن الأصاغر، ومنه الآباء عن الأبناء، وفي عكسه كثرة، ومنه من روى عن أبيه عن جده".

يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "فإن تشارك الراوي ومن روى عنه في السن واللقي فهو الأقران، وإن روى كل منهما عن الآخر فالمدبج" الأقران هم المتقاربون في السن والإسناد، يعني الزملاء يتضح الأقران هنا في الدراسة في هذه الأيام في الدراسة النظامية، يعني الذين هم في سنة واحدة من الدراسة هم أقران، متقاربون في السن، يعني إن زاد واحد سنة أو نقص سنة هذا لا يفرق، لكن في الدراسة سابقاً في المساجد يوجد من عمره سبعون سنة، ويوجد من عمره عشر سنوات في حلقة الشيخ، هؤلاء نقول لهم: أقران؟ نعم، لا، هم زملاء صحيح، لكن ليسوا بأقران، فالأقران هم المتقاربون في السن والإسناد، قاله ابن الصلاح، وزاد العراقي في شرح ألفيته غالباً، قال الحاكم: "إنما القرينان إذا تقارب سنهما وإسنادهما"، وقال ابن الصلاح: "وربما اكتفى الحاكم أبو عبد الله بالتقارب في الإسناد، وإن لم يوجد التقارب في السن، وعلى هذا يمكن أن يسمى أقران وإن كان بينهم بون في أعمارهم.

والمدبج يعني إذا روى زيد عن عمرو وهم أقران نقول: هذه رواية أقران، روى زيد عن عمرو هذه رواية الأقران، فإن روى عمرو عن زيد أيضاً هذا المدبج، يعني كل واحد من الأقران يروي عن الثاني، عمرو يروي عن زيد وزيد يروي عن عمرو، هذا يسمونه إيش؟ المدبج، لكن رواية زيد عن عمرو أقران، رواية عمرو عن زيد أقران وهكذا.

والمدبج بضم الميم وفتح الدال وتشديد الباء الموحدة وآخره جيم إذا روى كل من القرينين عن الآخر هذا يسمى عند أهل العلم المدبج، وهو أخص من الأقران فكل مدبج أقران وليس كل أقرن مدبجاً، فعلى هذا فإن رواية القرين عن قرينة تنقسم إلى قسمين:

الأول: أن يروي أحد القرينين عن الآخر ولا يروي الآخر عنه فيما يعلم، ومثاله: رواية سليمان التيمي عن مسعر وهما قرينان، قال الحاكم: لا أحفظ لمسعر عن سليمان رواية، يعني سليمان التيمي يروي عن مسعر بن كدام ومسعر لا يروي عن سليمان، هذه رواية أقران، قال العراقي: "وقد يجتمع جماعة من الأقران في حديث واحد كحديث رواه الإمام أحمد بن حنبل عن أبي خيثمة زهير بن حرب عن يحيى بن معين عن علي بن المديني هؤلاء كلهم أقران، عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه عن شعبة عن أبي بكر بن حفص عن أبي سلمة عن عائشة قالت: "كنا أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- يأخذن من شعورهن حتى تكون كالوفرة" فأحمد والأربعة بعده خمستهم أقران، خمسة أقران يروي بعضهم عن بعض، ويلزم من هذا العلو وإلا النزول؟ يلزم منه النزول، وصنف في رواية الأقران أبو الشيخ الأصبهاني.

والثاني: أن يروي كل من القرينين عن الآخر وهو المدبج، وبذلك سماه الدارقطني وجمع فيه كتاباً حافلاً في مجلد، ومثاله في الصحابة رواية أبي هريرة عن عائشة ورواية عائشة عن أبي هريرة، وفي التابعين رواية الزهري عن أبي الزبير ورواية أبي الزبير عنه، وفي أبتاعهم رواية مالك عن الأوزاعي ورواية الأوزاعي عنه، قال الحافظ في النزهة: "وإذا روى الشيخ عن تلميذه صدق أن كلاً منهما يروي عن الآخر؛ فهل يسمى مدبجاً؟ فيه بحث، والظاهر لا"، المدبج رواية القرين عن قرينه والعكس، يروي كل واحد منهما عن الآخر، لكن إذا روى التلميذ عن شيخه الجادة، لكن إذا روى الشيخ عن تلميذه هل يسمى مدبج أيضاً؟ يقول الحافظ: "الظاهر لا؛ لأنه من رواية الأكابر عن الأصاغر على ما سيأتي".

والتدبيج مأخوذ من ديباجتي الوجه فيقتضي أن يكون ذلك مستوياً من الجانبين فلا يجيء فيه هذا، قال السيوطي: "من فوائد معرفة الأقران ألا يظن الزيادة في الإسناد أو إبدال (عن) بالواو" فائدة معرفة رواية الأقران إذا نظرت إلى الإسناد السابق الإمام أحمد عن أبي خيثمة زهير بن حرب عن يحيى بن معين عن علي بن المديني عن عبيد الله بن معاذ، يعني تعرف أن الأقران يروي بعضهم عن بعض، ما تأتي إلى (عن) هذه تظنها أنها واو، غلط الناسخ وكتبها (عن)، فتقول: روى الإمام أحمد وأبو خيثمة زهير بن حرب ويحيى بن معين وعلي بن المديني وعبيد الله بن معاذ عن أبيه عن شعبة ما تظن هذا؟ اللي ما يعرف يقول: كيف خمسة زملاء يروي بعضهم عن بعض؟ هؤلاء الخمسة كلهم يروون عن شخص واحد، الذي لا يعرف أن الأقران يروي بعضهم عن بعض قد يصحح، قال السيوطي: "من فوائد معرفة الأقران ألا يظن الزيادة في الإسناد أو إبدال (عن) بالواو".

قال الحافظ: "وإن روى عن من دونه فالأكابر عن الأصاغر ومنه الآباء عن الأبناء وفي عكسه كثرة ومنهم من روى عن أبيه عن جده"، إذا روى الراوي عن من دونه في السن أو في المقدار فليعلم أن هذا النوع يسمى رواية الأكابر عن الأصاغر، قال ابن الصلاح: "ومن الفائدة فيه: أن لا يتوهم كون المروي عنه أكبر وأفضل من الراوي نظراً إلى أن الأغلب كون المروي عنه كذلك فيجهل بذلك منزلتهما، وقد صح عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ننزل الناس منازلهم".

قال الحافظ العراقي في شرح ألفيته: "والأصل في هذا الباب رواية النبي -عليه الصلاة والسلام- عن تميم الداري، النبي -عليه الصلاة والسلام- روى عن تميم الداري حديث الجساسة، وهو في صحيح مسلم، هذه من رواية الأكابر عن الأصاغر، قال ابن الصلاح: "ثم أن ذلك –يعني رواية الأكابر عن الأصاغر- يقع على أضرب منها: أن يكون الراوي أكبر سناً وأقدم طبقة من المروي عنه كالزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري في روايتهما عن مالك، ومنها: أن يكون الراوي أكبر قدراً من المروي عنه بأن يكون حافظاً عالماً والمروي عنه شيخاً راوياً فحسب كمالك في روايته عن عبد الله بن دينار وأحمد بن حنبل وأسحق بن راهويه في روايتهما عن عبيد الله بن موسى، ومنها: أن يكون الراوي أكبر من الوجهين جميعاً كرواية كثير من العلماء والحفاظ عن أصحابهم وتلاميذتهم كالحافظ عبد الغني في روايته عن الصوري، وكرواية البرقاني عن الخطيب ورواية الخطيب عن بن ماكولا، ويندرج تحت هذا النوع ما يذكر من رواية الصحابي عن التابعي كرواية العبادلة وغيرهم من الصحابة عن كعب الأحبار، وكذلك رواية التابعي عن تابع التابعي وهكذا، ومن جملة هذا النوع وهو أخص من مطلقه، رواية الآباء عن الأبناء، الآباء عن الأبناء لا شك أن الآباء هم الأكابر، والأبناء هم الأصاغر، فرواية الآباء عن الأبناء داخلة في رواية الأكابر عن الأصاغر، لكنها مع نوع خصوصية، يعني بعيد أن يروي الأب عن ابنه لكنه موجود، وصنف فيه الخطيب كتاباً روى فيه من حديث العباس بن عبد المطلب عن ابنه الفضل أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جمع بين الصلاتين في المزدلفة، وقال ابن الصلاح: "وروينا عن وائل بن داود عن ابنه بكر بن وائل -وهما ثقتان- أحاديث منها: عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول -صلى الله عليه وسلم-: ((أخروا الأحمال فإن اليد معلقة والرجل موثقة)) قال الخطيب: لا يروى عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فيما نعلمه إلا من جهة بكر وأبيه، وعكس ذلك رواية الأصاغر عن الأكابر، هذه الجادة هذا هو الغالب رواية الأصاغر عن الأكابر، والجادة المسلوكة وأمثاله كثيرة جداً، لا يمكن أن يحاط بها لأنها الأصل في الرواية أن الصغير يروي عن الكبير.

ومنه رواية الأبناء عن الآباء: وصنف فيه أبو نصر الوائلي الحافظ، قال ابن الصلاح: "وأهمه ما لم يسم فيه الأب والجد وهو نوعان: أحدهما: رواية الابن عن الأب عن الجد، نحو: عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وله بهذا نسخة كبيرة أكثرها فقهيات جياد، وشعيب هو ابن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وقد احتج أكثر أهل الحديث بحديثه حملاً لمطلق الجد فيه على الصحابي عبد الله بن عمرو دون ابنه محمد والد شعيب، والاختلاف في هذه النسخة معروف عند أهل العلم، منهم من قال: لا يحتج برواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدة للاختلاف في مرجع الضمير في الجد هل يرجع إلى عمرو فيكون الجد محمد وعلى هذا يكون الخبر مرسل؟ أو يرجع إلى شعيب وحينئذ يكون الجد عبد الله بن عمرو؟ وقد صرح شعيب في المراد بالجد قال: عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو، ولذا الذي يراه جمع من أهل التحقيق أن الرواية بهذا الإسناد حسنة ليست........ على الصحيح وليست مردودة لوجود مثل هذا الخلاف.

ونحو بهز بن حكيم عن أبيه عن جده روي بهذا الإسناد نسخة كبيرة حسنة، وجده معاوية بن حيدة القشيرى، وقد اختلف في الاحتجاج بهذه السلسلة بهز بن حكيم عن أبيه عن جده لا للخلاف في الضمير فالجد من هو؟ بهز بن حكيم بن معاوية، الجد هو معاوية وليس حيدة؛ لأن حيدة ليس بمسلم فلا يختلف في المراد بالجد، لكن لأهل العلم كلام في بهز نفسه.

طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده، وجده عمرو بن كعب اليامي، ويقال: كعب بن عمرو، ومسألة الاحتجاج بعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وبهز بن حكيم عن أبيه عن جده، وطلحة بن مصرف عن أبيه عن جده معروفة عند أهل العلم، وجمع الحافظ صلاح الدين العلائي من المتأخرين مجلداً كبيراً في معرفة من روى عن أبيه عن جده عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقسمه أقساماً، فمنه ما يعود الضمير في قوله: عن جده على الراوي، ومنه ما يعود الضمير فيه على أبيه، بين ذلك وحققه وخرج في كل ترجمة حديثاً من مرويه.

وأكثر ما وقع فيه ما تسلسلت فيه الرواية عن الآباء أربعة عشر أباً، فلان ابن فلان عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه.. إلى آخره، أربعة عشر أباً، وصنف فيه ابن قطلوبغا كتاباً سماه: (من روى عن أبيه عن جده) وطبع محققاً، والله أعلم.

 

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"