التعليق على الموافقات (1433) - 16

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

طالب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

أما بعد، فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "المسألة الخامسة: تعريف القرآن بالأحكام الشرعية أكثره كلي لا جزئي، وحيث جاء جزئيًّا، فمأخذه على الكلية إما بالاعتبار، أو بمعنى الأصل، إلا ما خصه الدليل مثل خصائص النبي ".

اللهم صلِّ على محمد.

"ويدل على هذا المعنى بعد الاستقراء المعتبر أنه محتاج إلى كثير من البيان، فإن السنة على كثرتها، وكثرة مسائلها، إنما هي بيان للكتاب، كما سيأتي شرحه، إن شاء الله تعالى، وقد قال الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44]".

نعم. ما جاء في الكتاب على أن الله -جل وعلا- قال: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38]، إنما هو كلي إجمالي، وأما الجزئي والتفصيلي، ففي بيانه من قِبل النبي -عليه الصلاة والسلام-. ولو أخذنا ما يتعلق بالصلاة مثلًا أو بالزكاة أو بالصيام أو بالحج، ولو سورة كاملة تقع في نصف جزء من القرآن، سورة الحج، وله آيات في البقرة، هل فيه من شروط الحج شيء؟

ما فيه إلا لـ{مَنِ اسْتَطَاعَ} [آل عمران: 97]، شرط الاستطاعة، هل فيه من أركان الحج؟ نعم، {أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158]، {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29]، لكن بعض التفاصيل لهذه الأركان، وبقية الأركان بينتها السنة، فما يأتي بالقرآن إجمالي. الصلاة فيها إجمال: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]، {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20]، {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204]، كلام إجمالي ينازَع في تنزيله على محلات على التفصيليات. لكن البيان جاء والتفصيل، كله جاء في سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- التي هي وظيفة النبي -عليه الصلاة والسلام-: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44]. نعم.

طالب: "وفي الحديث: «ما من نبي من الأنبياء إلا أُعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر»".

يعني من المعجزات، يأتي النبي ومعه معجزات تناسب عصره وقومه فيؤمنون، فيؤمن من أراد الله الهداية له؛ بسبب هذه المعجزات، معجزات مؤقتة تنتهي بانتهاء مدة هذه الأمة. لكن والنبي -عليه الصلاة والسلام- مرسل إلى الناس كافة، ودينه هو الخاتم إلى قيام الساعة، جاء بمعجزة لا أمد لها، ولا تنقطع، وهي القرآن.

طالب: "«وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إليَّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة». وإنما الذي أعطي القرآن، وأما السنة، فبيان له. وإذا كان كذلك، فالقرآن على اختصاره جامع، ولا يكون جامعًا إلا والمجموع فيه أمور كليات؛ لأن الشريعة تمت بتمام نزوله لقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} الآية [المائدة: 3]. وأنت تعلم أن الصلاة والزكاة والجهاد وأشباه ذلك لم يتبين جميع أحكامها في القرآن، إنما بينتها السنة، وكذلك العاديات من الأنكحة والعقود والقصاص والحدود وغيرها.

وأيضًا، فإذا نظرنا إلى رجوع الشريعة إلى كلياتها المعنوية، وجدناها قد تضمنها القرآن على الكمال، وهي الضروريات والحاجيات والتحسينيات، ومكمل كل واحد منها، وهذا كله ظاهر أيضًا، فالخارج من الأدلة عن الكتاب هو السنة والإجماع والقياس".

وجميع العلوم التي يحتاج إليها البشر كلها في القرآن إجمالًا، ولو انبرى عالم متفنن مطلع موسوعي على ما يقولون، وأُعطي عمرًا مديدًا، وتناول تفسير القرآن من جميع الوجوه؛ لاكتُفي به عن كل كتاب؛ لأنه يستطيع أن يُدخل السنة كلها في بيان القرآن، ويستطيع أن يُدخل مسائل الاعتقاد كلها في تفسير آيات القرآن، ويستطيع أن يجعل الاستنباط الفقهي كله في القرآن، فيه إشارات.

 إذا كان ابن هُبيرة في شرح الصحيحين في الكتاب المسمى الإفصاح أدخل الفقه كله من الطهارة إلى الإقرار في شرح حديث، «من يرد الله به خيرًا يفقه في الدين».

وابن عروة في الكواكب الدراري أدخل كتب شيخ الإسلام برمتها وابن القيم في هذا الكتاب، ولأدنى مناسبة يدخل الكتاب. فكيف بكتاب الله الذي نزل من عند الله العالم الحكيم علام الغيوب، الحكيم الخبير الذي يعرف ما يحتاج إليه، وما يصلح الناس، وما يصلح الخلق، لو وُجد مثل من ذكرت: عالم متفنن لاستطاع أن يُدخل جميع الفنون في تفسير القرآن. وإذا نظرنا إليها من جهة الأفراد، مفردات العلوم، وجدناها دخلت في القرآن، فما من علم إلا وفُسِّر القرآن من طريقه، المحدثون وأهل الأثر لهم تفاسير، الفقهاء لهم تفاسير، الكلام وأهل النظر لهم تفاسير، اللغويون والنحاة لهم تفاسير، أدخلوا العلم كله في هذا التفسير. فإذا ضُمت هذه الجهود وصيغت صياغة مناسبة فما نحتاج إلى شيء.

طالب: "فالخارج من الأدلة عن الكتاب هو السنة والإجماع والقياس، وجميع ذلك إنما نشأ عن القرآن، وقد عدّ الناس قوله تعالى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّه} [النساء: 105] متضمنًا للقياس، وقوله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوه} [الحشر: 7] متضمنًا للسنة، وقوله: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115] متضمنًا للإجماع، وهذا أهم ما يكون.

وفي الصحيح عن ابن مسعود، قال: «لعن الله الواشمات والمستوشمات...» إلى آخره، فبلغ ذلك امرأةً من بني أسد يقال لها: أم يعقوب، وكانت تقرأ القرآن، فأتته، فقالت: ما حديث بلغني عنك أنك لعنت كذا وكذا؟ فذكرته. فقال عبد الله: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله وهو في كتاب الله؟ فقالت المرأة: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف، فما وجدته! فقال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه، قال الله -عز وجل-: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] الحديث، وعبد الله من العالمين بالقرآن.

فصل: فعلى هذا لا ينبغي في الاستنباط من القرآن الاقتصار عليه دون النظر في شرحه وبيانه وهو السنة؛ لأنه إذا كان كليًّا وفيه أمور جملية، كما في شأن الصلاة والزكاة والحج والصوم ونحوها، فلا محيص عن النظر في بيانه، وبعد ذلك يُنظر في تفسير السلف الصالح له إن أعوزته السنة، فإنهم أعرف به من غيرهم".

هذه أفضل طرق التفسير: أن يفسر القرآن بالقرآن، ثم بالسنة التي هي في الأصل بيان للقرآن، ثم بما جاء عن الصحابة، ثم عن التابعين، ثم ما يعرفه العرب من لغتهم. نعم.

طالب: "وإلا فمطلق الفهم العربي لمن حصله يكفي فيما أعوز من ذلك، والله أعلم".

لكن يبقى أن من يفسِّر القرآن بفهمه من خلال لغة العرب، أن يكون عارفًا بالقرآن من جهة، وعارف بلغة العرب من جهة. كما أن الذي يفسر الحديث ويشرح الحديث من خلال كتب اللغة، يجب أن يكون عارفًا بالسنة وعارف بلغة العرب؛ لأن لغة العرب في مفرداتها وفي شرح مفرداته كلام كثير ومعاني لمفردة واحدة متعددة، فإذا كان جاهلًا بالحديث مثلًا وأراد أن يفسر كلمة من لغة العرب والكلمة لها عشرين معنى في لغة العرب، كيف يختار اللفظ المناسب للسياق وهو لا يعرف الحديث؟ لا يستطيع. وقل مثل هذا فيمن أراد أن يفسر القرآن من خلال لغة العرب، لا بد أن يعرف القرآن والحديث الذي هو بيان له.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

نعم.

طالب: ....... للآية.

نعم.

طالب: هل يقال عنه....... القرآن بالقرآن؟

لا، هذا على حسب فهمه إذا كان معتمدًا في فهم الفكرة على تفسير السلف مثل ما يفعل الشيخ ابن سعدي، كلام مجمل لا يفسر لفظه، وإنما يفسر الآية بكاملها، لكن منطلق من تفسير السلف من فهم السلف، ما جاء بفهم جديد. فلا بد أن يعتمد على ما جاء عن سلف هذه الأمة وأئمتها.

طالب: "المسألة السادسة: القرآن فيه بيان كل شيء على ذلك الترتيب المتقدم، فالعالم به على التحقيق عالم بجملة الشريعة، ولا يُعوزه منها شيء، والدليل على ذلك أمور؛ منها: النصوص القرآنية، من قوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} الآية [المائدة: 3]، وقوله: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْء} [النحل: 89]، وقوله: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْء} [الأنعام: 38]".

يعني على أن المراد بالكتاب القرآن، مع أنه قيل فيه أقوال أخرى، منها أنه اللوح المحفوظ. نعم.

طالب: "وقوله: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9]، يعني: الطريقة المستقيمة، ولو لم يكمل فيه جميع معانيها، لما صح إطلاق هذا المعنى عليه حقيقة. وأشباه ذلك من الآيات الدالة على أنه هدًى وشفاء لما في الصدور".

شخص دخل محلًا تجاريًّا مكتوبًا عليه: محل كل شيء، محل بيع كل شيء، فسأل عن حاجة؟ قالوا: واللهِ ما عندنا، ثم سأل عن أخرى، قالوا: ليست موجودة. هذه الأشياء التي يسأل عنها لها أسماء وحقائق عرفية في بلد في قرية نائية بعيدة عن هذا المكان الذي في هذا المحل يختلف في أعرافهم وعاداتهم وحتى متطلباتهم، يمكن ما يحتاجونها هم، فيه كل شيء مما يحتاجه أهل البلد، وهذا أيضًا فيه تجوز. فقال لهم: ما دام سألتك عن عشرة أشياء ما فيه ولا واحد ما تستحي أن تكتب: كل شيء، تغرر بالناس؟ هذا فيما يتعلق بتصرفات البشر، لا يمكن الإحاطة بكل شيء، وحتى في جميع متطلبات الشيء الواحد لا يمكن الإحاطة بها من قبل البشر؛ لأن شأنهم القصور.

طالب: "وأشباه ذلك من الآيات الدالة على أنه هدًى وشفاء لما في الصدور، ولا يكون شفاءً لجميع ما في الصدور إلا وفيه تبيان كل شيء. ومنها: ما جاء من الأحاديث والآثار المؤذنة بذلك، كقوله -عليه الصلاة والسلام-: «إن هذا القرآن حبل الله، وهو النور المبين، والشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاةً لمن تبعه، لا يعوج فيُقوَّم، ولا يزيغ فيُستعتب، ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلَق على كثرة الرد...» إلى آخره".

نعم. إلى آخر الحديث الطويل الذي يرويه الحارث الأعور عن علي عند الترمذي وغيره، وهو حديث ضعيف.

طالب: "فكونه حبل الله بإطلاق، والشفاء النافع إلى تمامه دليل على كمال الأمر فيه. ونحو هذا في حديث علي عن النبي . وعن ابن مسعود: «إن كل مؤدب يحب أن يؤتى أدبه، وإن أدب الله القرآن». وسئلت عائشة عن خُلق رسول الله فقالت...".

وهذا أيضًا حديث ابن مسعود مضعف.

طالب: "فقالت: «كان خلقه القرآن»، وصدَّق ذلك قوله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]. وعن قتادة: ما جالس القرآن أحد إلا فارقه بزيادة أو نقصان".

إما "بزيادة" في إيمانه، "أو نقصان" في إيمانه؛ لأنه قد يشك في مدلول آية؛ لقصوره أو تقصيره في فهمها، فيختل عنده اليقين، أو زيادة في حسناته إذا قرأ القرآن على الوجه المأمور به، أو نقص في حسناته إذا خالف ذلك.

طالب: "ثم قرأ: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء: 82]. وعن محمد بن كعب القرظي في قول الله تعالى".

طالب: .......

نعم.

طالب: .......

طيب، وما الاختلاف؟

طالب: .......

{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 55]، هذا المبني على الغالب، وإلا انتفع به غير المؤمنين، وإلا فكيف يدعون ويؤجلون ويمهلون حتى يسمعوا كلام الله؟ من أجل أن ينتفعوا، لكن الغالب أن الذي ينتفع به هو المعترف بصدقه، وأنه من عند الله، هذا الأصل الذي ينتفع به.

طالب: "وعن محمد بن كعب القرظي في قول الله تعالى: {إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ} [آل عمران: 193]، قال: هو القرآن، ليس كلهم رأى النبي . وفي الحديث: «يؤم الناس أقرؤهم لكتاب الله»، وما ذاك إلا أنه أعلم بأحكام الله، فالعالم بالقرآن عالم بجملة الشريعة. وعن عائشة: «أن من قرأ القرآن، فليس فوقه أحد»".

«خيركم من تعلم القرآن وعلمه»، «إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين»، نعم.

طالب: "وعن عبد الله، قال: «إذا أردتم العلم فأثيروا القرآن، فإن فيه علم الأولين والآخرين». وعن عبد الله بن عمرو، قال: «من جمع القرآن، فقد حمل أمرًا عظيمًا، وقد أُدرجت النبوة بين جنبيه، إلا أنه لا يوحى إليه»".

وقد ثبت عن ابن عمر أنه قال: «كيف يكون عييَّا من في جوفه كتاب الله؟!».

طالب: يا شيخ هنا....... «أثيروا القرآن»؟

«أثيروا» يعني: أثيروا أسئلته وإشكالاته، أنت تقرأ مجرد كلام عابر؟ لا، لكن لو قلت: لماذا قُدمت هذه الكلمة؟ لماذا جيء بهذا الحرف؟ تثير الإشكالات حوله، بعد أن تكون عندك من الخلفية وقراءة كتب أهل العلم، لا تكون معتمدًا على كتب شبهات أو شيء، لا، إنما تعتمد على كلام أهل العلم وأهل التحقيق الموثوقين، وتجد أشياء تحتاج إلى حل، فأنت تثيرها ثم تحاول أن تجيب عنها.

طالب: قراءة كتب التفسير يعني الموثوقة؟

نعم، كتب التفسير الموثوقة.

طالب: "وفي رواية عنه: «من قرأ القرآن، فقد اضطربت النبوة بين جنبيه». وما ذاك إلا لأنه جامع لمعاني النبوة، وأشباه هذا مما يدل على هذا المعنى. ومنها: التجربة، وهو أنه لا أحد من العلماء لجأ إلى القرآن في مسألة إلا وجد لها فيه أصلًا، وأقرب الطوائف من إعواز المسائل النازلة أهل الظواهر الذين ينكرون القياس".

لأنه إذا أنكر القياس، وأراد أن يستدل لكل ما يريد بشيء منصوص يعوزه ذلك كثيرًا، يعوزه ذلك، وهم أهل تعظيم للقرآن وتعظيم للنصوص أهل الظاهر، لكن المسألة تحتاج إلى سعة في الأفق والاستدلال، ولذلك يتخذ مثل هذا بعض المبغضين حجة، إذا أنكر عليه شيء قال: هات دليلًا من القرآن، يريد الدليل على كل صغير وكبير من القرآن الذي فيه بيان كل شيء، لكن على سبيل الإجمال، والله المستعان.

يقول ابن العربي في العارضة في حق أهل الظاهر، يقول: لما جاء القوم، وصفهم بوصف شنيع. قال: لما جاء القوم الذين هم كالحمير يطلبون الدليل بكل صغير وكبير، معنى هذا ما يقبل من ابن العربي؛ لأن طلب الدليل مدح، منقبة أنهم يطلبون الدليل، فكيف تذمهم بما يُمدحون به، يعني عندهم من الأشياء أن يُذموا به، لكن من هذه الحيثية، واحد على المنبر يصف طائفة أو فرقة ضلت الصراط المستقيم وأحدثت ما أحدثت ثم قال: وعلامتهم تقصير الثياب وحمل كتب الحديث! فمن يسمع هذا؟ كلٌّ بريدونهم، وأنت تنفر منهم؟ سبحان الله! بعض الناس ما يحسن، وابن العربي يذم أهل الظاهر لطلب الدليل في كل صغير وكبير، هذا ما يُذم به. وقد جاء عن بعض السلف أنه قال: إن استطعت أن لا تحك رأسك إلا بأثر فافعل.

طالب: يقصد التنطع يعني يا شيخ؟

ماذا؟

طالب: يقصد التنطع؟

ما هي مسألة تنطع، يلغون القياس، ويلغون أصولًا أخرى، ويبغون دليلًا في كل صغيرة وكبيرة بالنص لا بالفهم.

طالب: "ولم يثبت عنهم أنهم عجزوا عن الدليل في مسألة من المسائل، وقال ابن حزم الظاهري: كل أبواب الفقه ليس منها باب إلا وله أصل في الكتاب والسنة، نعلمه والحمد لله، حاش القراض، فما وجدنا له أصلًا فيهما ألبتة، إلى آخر ما قال. وأنت تعلم أن القراض نوع من أنواع الإجارة، وأصل الإجارة في القرآن ثابت، وبيَّن ذلك إقراره -عليه الصلاة والسلام- وعمل الصحابة به".

"القراض"، ما المقصود به؟

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

لا، المضاربة، شركة المضاربة.

طالب: "ولقائل أن يقول: إن هذا غير صحيح، لما ثبت في الشريعة من المسائل والقواعد غير الموجودة في القرآن، وإنما وُجدت في السنة، ويصدق ذلك ما في الصحيح من قوله- عليه الصلاة والسلام-: «لا أُلفين أحدكم متكئًا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه»، وهذا ذم، ومعناه اعتماد السنة أيضًا. ويصحِّحه قول الله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} الآية [النساء: 59] ".

يعني كلمة حق أريد بها باطل: «ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه»، مثل ما قاله الخوارج: بيننا وبينكم كتاب الله. هذه كلمة حق أريد بها باطل؛ لأن السنة وحي: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4]، وما يتفرع عن أدلة الكتاب والسنة أيضًا شرع، والله المستعان.

طالب: "قال ميمون بن مهران: الرد إلى الله الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول إذا كان حيًّا، فلما قبضه الله فالرد إلى سنته. ومثله: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36]. ولا يقال: إن السنة يؤخذ بها على أنها بيان لكتاب الله لقوله: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44], وهو جمع بين الأدلة".

إذا كانت مجرد بيان للكتاب، فليس فيها مزيد أحكام على ما في الكتاب، والمقرر أن فيها أحكامًا زائدة على ما في القرآن.

طالب: "لأنا نقول: إن كانت السنة بيانًا للكتاب، ففي أحد قسميها، فالقسم الآخر زيادة على حكم الكتاب، كتحريم نكاح المرأة على عمتها أو على خالتها، وتحريم الحمر الأهلية، وكل ذي ناب من السباع. وقيل لعلي بن أبي طالب: «هل عندكم كتاب؟ قال: لا، إلا كتاب الله، أو فهم أعطيه رجل مسلم، أو ما في هذه الصحيفة. قال: قلت: وما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر»".

وفيه رد على الروافض الذين يزعمون أن عندهم وعند أئمتهم من العلم ما لم يطلع عليه غيرهم.

طالب: "وهذا وإن كان فيه دليل على أنه لا شيء عندهم إلا كتاب الله، ففيه دليل على أن عندهم ما ليس في كتاب الله، وهو خلاف ما أصَّلت".

لكن أين هو مما يدعيه الرافضة من المسائل والقضايا والأحكام والشيء الكثير الذي يؤلفون فيه عشرات المجلدات في مئات من المصنفات، وهو يقول: «ما عندنا إلا هذه الصحيفة: العقل، فكاك الأثير»، ثلاث مسائل فقط بسطر واحد، وأين هذا مما في كتبهم مما سودوا به الورق مما ينسبونه إلى أهل البيت، وأن هذا لا يشاركهم فيه أحد.

طالب: .......

"«العقل»" الدية، نعم.

طالب: "والجواب عن ذلك مذكور في الدليل الثاني، وهو السنة بحول الله. ومن نوادر الاستدلال القرآني ما نُقل عن علي: أن أقل الحمل ستة أشهر انتزاعًا من قوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] مع قوله: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14]".

إذا طرحت العامين من الثلاثين، أربع وعشرون من ثلاثين، يكون الناتج ستة أشهر.

طالب: "واستنباط مالكِ بن أنس أن من سب الصحابة فلا حظ له في الفيء من قوله: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا} الآية [الحشر: 10]، وقوله من قال..".

لأنه في سورة الحشر خص الفيء بثلاثة أصناف، الأول: المهاجرين، الثاني: الأنصار {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ} [الحشر: 9]، ثم بعد ذلك القسم الثالث: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: 10] بشرط قولهم: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا} [الحشر: 10]، وهذا وصف كاشف، الذين لا يقولون: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} [الحشر: 10] لا يستحقون من الفيء شيئًا، والروافض يلعنون الذين سبقوهم بالإيمان وهم خير الناس بعد الأنبياء، الصحابة.

طالب: "وقولِه من قال: الولد لا يملك".

طالب: "وقولُه".

"وقولُه".

طالب: "وقولُه من قال: الولد لا يملك"، كأنه راجع إلى "مالكٍ" يا شيخ؟

ماذا؟

طالب: أنه "وقولِه".

نعم.

طالب: .......

كيف؟

طالب: كأنه راجع إلى "مالكٍ"، "وقولِه" أحسن؟

من قولِه؟

طالب: نعم.

"استنباط مالكٍ أن من سب"؟ لا، من قوله هذا تابع للمسألة.

طالب: تابع.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

لا، فيه وقت.

طالب: .......

"قولُه من قال: الولد لا يملك"، لا، الهاء ما لها سند.

طالب: ما لها، الهاء ما لها.

ما لها سند.

طالب: نعم.

"قول من قال: الولد لا يملك".

طالب: "وقول من قال: الولد لا يملك، {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} [الأنبياء: 26]. وقول ابن العربي: إن الإنسان قبل أن يكون علقةً لا يُسمى إنسانًا، من قوله: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} [العلق: 2]. واستدلال منذر بن سعيد على أن العربي غير مطبوع على العربية بقوله: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [النحل: 78]. وأغرب من ذلك استدلال ابن الفخار القرطبي على أن الإيماء بالرءوس إلى جانب عند الإباية والإيماء بها سفلًا عند الإجابة".

وهذا مستعمل، إذا أردت أن تنفي تقول هكذا برأسك يمينًا وشمالًا، جاء فلان؟ تقول هكذا يعني ما جاء، ونعم إلى السفل، ويدل له حديث صلاة الكسوف حينما دخلت أسماء والناس يصلون، في البخاري، فاستغربت، هذا ما هو بوقت صلاة، فأشارت عائشة -رضي الله عنها- إلى السماء، فقالت أسماء: آية؟ فأشارت عائشة برأسها أن نعم، يعني بالإشارة.

طالب: "والإيماء بها سفلًا عند الإجابة أولى مما يفعله المشارقة من خلاف ذلك بقوله تعالى: {لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ} الآية [المنافقون: 5]. وكان أبو بكر الشبلي الصوفي إذا لبس شيئًا خرق فيه موضعًا، فقال له ابن مجاهد: أين في العلم إفساد ما يُنتفع به؟ فقال: {فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} [ص: 33]".

وهذا إتلاف من سليمان حيث قتلها؛ لأنها شغلته عن الصلاة حتى فاتته، ونظيره ما حصل من قتل الحمامة التي بسببها وُضع على النبي -عليه الصلاة والسلام- الحديث: «لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر»، زاد: «أو جناح»، فقتلها الخليفة؛ لأنه كُذب بسببها على النبي -عليه الصلاة والسلام-. "إذا لبس شيئًا خرق فيه موضعًا"، ووُجد تخريق الأكفان، الأكفان إذا كُفن لفي بها الميت خُرقت مزقت؛ لأنهم في عصر كانت الأكفان تُسرق من القبور، تُسرق من القبور فيقطعون الطريق على هذا السارق إذا وجدها مخرقة تركها، والله المستعان.

طالب: "ثم قال الشبلي: أين في القرآن أن الحبيب لا يعذب حبيبه؟ فسكت ابن مجاهد وقال له: قل: قال قوله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} الآية [المائدة: 18]".

{قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ} [المائدة: 18]، وهم يزعمون أنهم أبناء الله {قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ} [المائدة: 18]، فدل على أن الأب لا يعذب ولده.

طالب: "واستدل بعضهم على منع سماع المرأة بقوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} الآية [الأعراف: 143]، وفي بعض هذه الاستدلالات نظر".

بل بعيد جدًّا، لا سيما الاستدلال الأخير: "على منع سماع المرأة بقوله: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف: 143]"، موسى لم يرَ الله -جل وعلا-، والمرأة يجب عليها أن تحتجب عن الرجل، فلا يجوز سماع كلامها. "على منع سماع المرأة بقوله: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف: 143]"، بعض الاستدلال هذا بعيد جدًّا، يعني لم يره ومع ذلك سمع كلامه، فدل على أن عدم الرؤية لا يمنع من السماع، هذا المناسب، لكن الشيخ المعلق دراز المعلق على الموافقات يقول: رتب موسى -عليه السلام- طلب النظر على تكليم الله له، ففهم هذا البعض أن موسى بنى هذا على أن من يجوز سماع كلامه يجوز النظر إليه وبالعكس، يعني من لا يجوز سماع كلامه لا يجوز النظر إليه، وحيث إن المرأة لا تجوز رؤيتها بالاتفاق، فلا يجوز سماع كلامها، وما أبعد هذا لا سيما مع ملاحظة الفرق في مادة الجواز. أنه المسألة المستدل به يتعلق بالله -جل وعلا-، والمستدل له يتعلق بمخلوق، وفرق بين الأمرين.

طالب: "فصل: وعلى هذا لا بد في كل مسألة يراد تحصيل علمها على أكمل الوجوه أن يُلتفت إلى أصلها في القرآن، فإن وُجدت منصوصًا على عينها أو ذِكر نوعها أو جنسها فذاك، وإلا فمراتب النظر فيها متعددة، لعلها تذكر بعد في موضعها، إن شاء الله تعالى. وقد تقدم في القسم الأول من كتاب الأدلة قبل هذا أن كل دليل شرعي فإما مقطوع به، أو راجع إلى مقطوع به، وأعلى مراجع المقطوع به القرآن الكريم، فهو أول مرجوع إليه، أما إذا لم يرد من المسألة إلا العمل خاصة، فيكفي الرجوع فيها إلى السنة المنقولة بالآحاد، كما يكفي الرجوع فيها إلى قول المجتهد، وهو أضعف، وإنما يُرجع فيها إلى أصلها في الكتاب؛ لافتقاره إلى ذلك في جعلها أصلًا يُرجع إليه، أو دينًا يدان الله به، فلا يُكتفى بمجرد تلقيها من أخبار الآحاد كما تقدم".

يعني أن العقائد لا تثبت بالآحاد، وهذه طريقة المتكلمين، ومرادهم بذلك نفي ما يتعلق بالله- جل وعلا-. هذا الكلام باطل؛ لأن الآحاد إذا صحت لزم العمل بها في جميع أبواب الدين، في العقائد وفي الأعمال وفي كل شيء.

والله أعلم.