هدي النبي في رمضان (26)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحلقة السادسة والعشرون.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله، محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

مستمعينا الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً بكم إلى هذا اللقاء في هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في رمضان هذه اللقاءات التي تجمعنا بفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير وفقه الله، فحيا الله فضيلته وأهلاً وسهلاً به معنا.

حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

أيها الإخوة المستمعون الكرام: ولا يزال الحديث عن هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصيام وقد أورد ابن القيم -رحمة الله عليه- في الهدي في كتابه زاد المعاد في هدي خير العباد فصلاً قال فيه فصل في هديه -صلى الله عليه وسلم- في صيام التطوع وذكر نبذًا عن صيام التطوع فهلا تفضلتم فضيلة الشيخ باستعراض ما ذكره الإمام ابن القيم -رحمة الله تعالى عليه- خاصة فيما له علاقة بصيام ست من شوال وما إلى ذلك.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى-: فصل في هديه -صلى الله عليه وسلم- في صيام التطوع، يقول: كان -صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى يقال لا يفطر ويفطر حتى يقال لا يصوم وما استكمل صيام شهر غير رمضان وما كان يصوم في شهر أكثر مما يصوم في شعبان ولم يكن يخرج عنه شهر حتى يصوم منه ولم يصم الثلاثة الأشهر سردًا كما يفعله بعض الناس، ولا صام رجب قط ولا استحب صيامه بل روي عنه النهي عن صيامه ذكره ابن ماجه. صيام التطوع جاء في أيامٍ ومناسبات جاءت بها السنّة بينها ابن القيم -رحمه الله تعالى- فمن ذلكم صيام الست من شوال يسن صيام الست من شوال لقول النبي -عليه الصلاة والسلام- «من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال فكأنما صام الدهر كله» وهذه الست -الحديث مخرج في الصحيح- وهذه الست تجزئ من أول الشهر وأوسطه وآخره وأنت تكون متتابعة ومتفرقة على أن تكون في شوال وبعد تمام صيام رمضان على عند جمع من أهل العلم، وبعضهم لا يشترط تقدم القضاء على على صوم الست ولا غيرها من التنفل، والمسألة خلافية، يسنُّ أيضًا صيام أيام البيض الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر، وسميت بيضًا؛ لأن لياليها تكون بيضاء بنور القمر وهي تغني عن صيام ثلاثة أيام من كل شهر، الذي قال فيه النبي -عليه الصلاة والسلام- «صيام ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله» متفق عليه، وذلكم لأن الحسنة بعشر أمثالها، وجاء الأمر بصيام البيض فيما رواه أحمد والنسائي من حديث أبي ذر -رضي الله عنه- قال قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من كان منكم صائمًا من الشهر ثلاثة أيام فليصم الثلاث البيض» وسنده حسن، كما يسن أيضًا صيام الاثنين والخميس والعلة في ذلك أنهما يومان تعرض فيهما الأعمال على الله -عز وجل- قال -عليه الصلاة والسلام- «فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم» وهو حديث حسن خرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي، والاثنين آكد من الخميس ففي صحيح مسلم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- سئل عن صوم يوم الاثنين فقال «ذاك يوم ولدت فيه وبعثت فيه أو أنزل عليه فيه» فيستحب صيامه لهذه العلل التي ذكرها النبي -عليه الصلاة والسلام- وليس في هذا الحديث حجة لأهل البدع الذي تمسكوا به وتشبثوا به واحتجوا به على شرعية الاحتفال بالمولد مولد النبي -عليه الصلاة والسلام- ويقولون أن النبي -عليه الصلاة والسلام- شرع صيام يوم الاثنين؛ لأنه ولد فيه فكذلك يشرع الاحتفال بمولده نقول لو كان خيرًا لسبقنا إليه خيار هذه الأمة من الصحابة والتابعين والأئمة ومن تبعهم بإحسان على يوم الدين فلا يعرف عن أحد منهم أنه احتفل بمولده -عليه الصلاة والسلام- وإنما أحدثه الفاطميون وهم أهل بدع وضلال وجهالة -نسأل الله العافية-، يسن أيضًا صيام الصيام في شهر الله المحرم وآكده العاشر ثم التاسع لما رواه مسلم في صحيحه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم» وسئل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن صوم يوم عاشوراء فقال «أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله» وقال -عليه الصلاة والسلام- «لئن بقيت أو لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع» يعني مع العاشر يسن أيضًا صيام تسع ذي الحجة وآكدها التاسع لقوله -عليه الصلاة والسلام- «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر» خرجه البخاري والصوم من العمل الصالح وسئل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن صوم يوم عرفة فقال «أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده» وهذا لغير الحاج أما الحاج فإنه لا يصوم ولا يسن له ذلك على خلاف بين العلماء فإن النبي -عليه الصلاة والسلام- شرب من لبن بقدح ضحى يوم عرفة والناس ينظرون إليه، وأما حديث نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة ففيه كلام رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه لكن الحديث فيه كلام، فالأولى الفطر في يوم عرفة اقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، وقال بعض العلماء بتحريم صومه لمن وقف بعرفة وإثم فاعله وأما حديث عائشة المخرج في صحيح مسلم أنه -عليه الصلاة والسلام- لم يكن يصوم العشر فهذا إخبار عن علمها، وقوله مقدم على شيء لم يعلمه الراوي، أو لعله أفطر لأمر أهم من أمور يتعدى نفعها، وقد رجح الإمام أحمد -رحمه الله- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يصوم عشر ذي الحجة؛ لأنه مروي عن بعض أزواج النبي -عليه الصلاة والسلام- والمثبت مقدم على النافي عند أهل العلم وأفضل صوم التطوع صوم يوم وفطر يوم لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال حينما قال لأصومن النهار ولا أفطر وأقومن الليل ولا أنام فبلغ ذلك النبي -عليه الصلاة والسلام- فسأله «أنت الذي قلت كذا؟» قال نعم فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام- «صم كذا صم كذا» حتى قال له «صم يومًا وأفطر يومًا فذلك أفضل الصيام وهو صيام داود عليه السلام» يكره أيضًا..، مما يكره في هذا الباب إفراد رجب على ما تقدم والجمعة والسبت والشك وعيد الكفار، فكل ما يروى في فضل رجب أو الصلاة فيه أو الصوم فهذا لا يصح باتفاق أهل العلم، وقد ألّف أبو الخطاب ابن دحية كتابًا أسماه أداء ما وجب في بيان وضع الوضاعين في فضل رجب، وللحافظ ابن حجر رسالة سماها تبيين العجب فيما ورد في فضل رجب وعلى هذا لو صامه مع غيره فلا بأس أما إفراده فلا، وكذا لا يخص بأي عمل شرعي يتعبد بإفراده كالعمرة وزيادة في القيام ونحوه، وأما الجمعة فيكره إفراد الجمعة بالصوم لحديث «لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا يوما قبله أو يوما بعده» وهذا الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة روى مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعًا «لا تخصوا يوم الجمعة بصيام ولا ليلتها بقيام» وعن جويرية بنت الحارث أم المؤمنين -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال «أصمت أمس؟» قالت لا قال «أتريدين أن تصومي غدًا» قالت لا قال «فأفطري» رواه البخاري، يكره أيضًا إفراد يوم السبت وأما جمعه مع الجمعة فلا بأس لقوله -عليه الصلاة والسلام- لجويرية «أتصومين غدا؟» وفي المسند وأبي داود والترمذي وحسنه وغيرهم من حديث عبدالله بن بُسْر عن أخته الصماء -رضي الله عنهما- قالت قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «لا تصوموا يوم السبت إلا ما افترض عليكم ولو لم يجد أحدكم إلا لحاء شجر» والحديث مختلف في حكمه حسنه الترمذي وصححه الحاكم وقال بعضهم إنه منسوخ وحكم عليه بعض العلماء بالشذوذ، ولذا يختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لا يكره إفراد يوم السبت بالصوم، أيضًا يكره عند أهل العلم بل يحرم صيام يوم الشك وفيه قول عمار -رضي الله عنه- من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم- يكره أيضًا صيام أو موافقة الكفار في أعيادهم كموافقة صيام يوم السبت؛ لأنه عيد اليهود أو صيام يوم الأحد لأنه عيد النصارى فلا شك أن هذا فيه نوع تعظيم وموافقة لهؤلاء في تعظيم أعيادهم مما يحرم صومه يوم العيدين فصوم يوم العيدين حرام بإجماع العلماء فلا يجوز لإنسان أن يصوم يوم العيد؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- نهى عن صوم يومي العيدين عيد الفطر وعيد الأضحى كما أنه لا يجوز صيام أيام التشريق؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال فيها «هي أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل» فهذا يدل على أن هذه الأيام لا تصلح أن تكون أيام إمساك وهي ثلاثة أيام بعد عيد الأضحى لكن من لم يجد هدي المتعة والقران يجوز له أن يصوم أيام التشريق لحديث عائشة وابن عمر -رضي الله عنهما- أنهما قالا لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي أخرجه البخاري.

 

أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ ونفع بما قلتم، أيها الإخوة المستمعون الكرام: بهذا نصل إلى ختام هذه الحلقة التي تحدث فيها فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير وفقه الله حول صيام التطوع وحول صيام الست خاصة، ست شوال نسأل الله تبارك وتعالى أن يختم لنا رمضان بخير وبعتق من النار وبالقبول من لدنه إنه سميع مجيب، أيها الإخوة نتقدم في ختام هذه الحلقة بالشكر الجزيل لفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير وفقه الله، ولكم أنتم مستمعينا الكرام نلقاكم بإذن الله تعالى في اللقاء المقبل بإذن الله تعالى وأنتم بخير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.