كتاب الإيمان (38)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين يا ذا الجلال والإكرام.

 قال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: "باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال.

حدثنا إسماعيل قال: حدثنا مالكٌ عن عمرو بن يحيى المازني".

حدثني بالإفراد أم بالجمع؟

طالب: حدثنا.

عندي حدثني بالإفراد.

طالب:...

طالب: عندي بالجمع.

ما أشار إلى أن هناك نسخة أو شيئًا؟

طالب: لا ما أشار إلى شيء.

نعم.

"حدثني إسماعيل قال: حدثني مالكٌ عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «يدخل أهل الجنة الجنة، ويدخل ويدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، ثم يقول الله تعالى: أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبةٍ من خردلٍ من الإيمان، فيُخرَجون منها قد اسودوا فيُلقون في نهر الحيا أو الحياة -شكَّ مالكٌ-، فينبتون كما تنبت الحِبة في جانب السيل، ألم تر أنها تخرج صفراء ملتوية؟» قال وهيب: حدثنا عمروٌ: الحياة، وقال: خردل من خير.

 حدثنا محمد بن عبيد الله قال: حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح عن صالحٍ عن ابن شهابٍ عن أبي أمامة بن سهل بن حُنيف، أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: إنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «بينا أنا نائم رأيت الناس يُعرضون علي وعليهم قُمُص؛ منها ما يبلغ الثُدَيّ ومنها ما دون ذلك، وعُرِض علي عمر بن الخطاب وعليه قميصٌ يجُرُّه، قالوا: فما أوّلت ذلك يا رسول الله؟ قال: الدين»".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد، فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب تفاضل أهل الإيمان. ثم ذكر الحديثين، حديثي أبي سعيد كلاهما، قال الحافظ ابن حجر: قوله: باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال، باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال؛ لأن الإيمان المُجرَّد عن الأعمال ما يدل عليه شيءٌ ظاهر يتفاضلون به؛ لأن مُدعي الإيمان من غير عمل ليس له دليل يُصدِّق دعواه، وهو أيضًا أمر باطن، الله يعلم مقدار ما يقر في القلوب من الإيمان، لكن هذا التفاضل لا يعرفه الناس إلا من خلال ما يدل عليه من عمل، ولذا من يقول: إن الإيمان في القلب، وأنه يصحّ من غير عمل أو يقول: إن التقوى ها هنا كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويخالف هذه التقوى التي مفادها فعل المأمورات واجتناب المحظورات، يخالف حقيقة التقوى ويقول: التقوى ها هنا.

 أما إنه لو اتقى الله ما خالفه، لو اتقى الله ما خالف، كما ذُكِر ذلك عن قدامة بن عثمان بن مظعون أنه استدل بقوله: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}[المائدة:93] فاستدل به على أن شرب الخمر لا ينافي الإيمان، ولا ينافي التقوى، فردّ عليه عمر -رضي الله عنه- بكلامٍ قوي؛ لأن هذه مغالطة، كمن يدعي لونًا يخالف لونه الظاهر، أو يدعي غنى وهو مشهور بالفقر، دعاوى مقرونة بما يكذِّبها، يزعم الإيمان ويزعم التقوى ويشرب الخمر! أما إنك لو اتقيت الله ما شربت الخمر؛ لأن حقيقة التقوى فعل المأمورات واجتناب المحظورات، فالذي يزعم أن التقوى ها هنا.. الرسول نعم قال: «التقوى ها هنا» مقرها القلب، لكن ما الدليل على وجودها، فضلاً عن أن يوجد دليل على انتفائها وضعفها والإخلال بها؟

يقول: باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال، يقول: في ظرفية، ويحتمل أن تكون سببية، يعني عند التفاضل الحاصل في الإيمان بسبب الأعمال، فيكون نصيب المؤمن من هذا الوصف الخفي بقدر نصيبه من علامته الظاهرة التي هي الأعمال، ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلوب وصدّقه العمل.

أبو بكر -رضي الله عنه- ما سبق الناس بصلاة ولا بصيام، ولكن بما وقَرَ في قلبه من إيمان، قد يقول قائل: إن هذا دليل على أن العمل ليست دلالته قطعية على تفاضل الأعمال، الإيمان بالنسبة للأعمال، لكن هل يمكن أن يقال مثل هذا لكل أحد؟ أو هذا خاص بمن شهد له من لا ينطق عن الهوى؟ مثل ما شهد له حينما استرخى إزاره، قال: أنت لا تفعله خيلاء، لكن لو جاءنا شخص يجرّ إزاره ويقول: أنا لا أفعله خيلاء، نقول: هذا الكلام ليس بصحيح، هذا تزكية للنفس، لكن لو شهد له المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى قلنا: صحيح، وإيمانه أرجح من إيمان غيره، وإن كان عمله الظاهر أقل، لكن غير أبي بكر ما عندنا برهان ولا دليل نصدِّق الدعوى إلا العمل.

طالب:...

الأعمال كلها، نعم، لكن العلامات الظاهرة الدلالة الظاهرة الدلالة الظاهرة على زيادة الإيمان، الباطن الذي لا يُعلَم عنه ما في إلا العمل الظاهر، ودخول الجنة بفضل الله -جل وعلا- ورحمته، لكن منازل الجنة لا تُنال إلا بالأعمال.

طالب:...

أين؟

نعم معروف، لكن حتى أبو بكر العلامة الظاهرة قد يوجد من هو أكثر منه فيها.

طالب:...

أعمال ظاهرة وجليلة وكذا، لكن ما سبق بصيام ولا صلاة ولا كذا. ولذلك تجد من العبَّاد من يعمل من الأعمال الظاهرة أضعاف ما يعمله كثيرٌ من أهل العلم العاملين في نصر الدين وإعزاز الدين وإعزاز أهله والدفاع عن قاضاياه التي هي أفضل الأعمال، فيكون ما سبق بصلاة ولا صيام، لكن سبق في أمور نفعها أعظم ومتعدٍّ.

قوله: حدثنا إسماعيل هو ابن أبي أويس عبد الله بن عبد الله الأصبحي المدني ابن أخت مالك، خاله مالك بن أنس، وقد وافقه على رواية هذا الحديث عبد الله بن وهب ومعنُ بن عيسى القزّاز، له موطأ من موطآت مالك، أحد الرواة، وابن وهب كذلك، عن مالك وليس هو في الموطأ، وليس هو في الموطأ، قال الدارقطني: هو غريبٌ صحيح.

على كل حال يكفينا أنه غريب أنه صحيح. قوله: يدخلُ للدارقطني من طريق إسماعيل وغيره: يُدخِل الله، ومعلومٌ أن المدخِل هو الله -جل وعلا-، والفعل يُنسب إلى فاعله الحقيقي، وهذا هو الأصل، ويُنسب إلى المتلبس به على سبيل التوسع، وأيضًا هذا الداخل وهو عاقل له إرادة، يُنسب إليه الدخول حقيقةً، كما يقال: دخل زيد المسجد، دخل، لكن من الذي أدخله؟ الله -جل وعلا-، وزاد من طريق معن: «يُدخِل من يشاء برحمته» وكذا له وللإسماعيلي من طريق ابن وهب.

قوله: «من كان من كان في قلبه مثقال حَبة» بفتح الحاء، وهو إشارةٌ إلى ما لا أقل منه، مثقال حبةٍ ما فيه أقل من حبة الخردل، يعني لو كان مثقال حبة الحبة يحتمل أن تكون صغيرة، ويحتمل أن تكون كبيرة، وجاء ما يدل أو في بعض الروايات أنها بُرَّة، وجاء ما يزن ذرّة، على كل حال الشارح يمكن يذكر الروايات، بفتح الحاء وهو إشارة إلى ما لا أقل منه.

قال الخطابي: هو هو مَثلٌ ليكون عيارًا في المعرفة لا في الوزن، هو مثقال هو معيار أو مثل ليكون عيارًا في المعرفة لا في الوزن؛ لأن الإيمان معنوي، والوزن إنما يكون للحسيات، ولا يبعُد أن يكون للمعنويات ثِقَل يمكن أن يُوزَن كما توزن الأعمال؛ لأن ما يُشكِلُ كذا؟

طالب:...

بالفتح؟

طالب:...

في المعقول يُرَدُّ إلى المحسوس ليُفهَم؛ لأن المعقول ما يمكن وزنه ولا بيان مقداره إلا بشيء إلا بعد تمثيله بالمحسوس، وقال إمام الحرمين: الوزن للصحف المشتملة على الأعمال، للصحف المشتملة على الأعمال، كما في حديث البطاقة، لا إله إلا الله معنى من المعاني وليست حِسًّا، لكن يمكن أن يُوزَن ما تُكتب فيه هذه الكلمة أو يُكتَب الأجر المترتب على هذه الكلمة في بطاقة أو في سِجِل أو في ورقة أو في شيء ثم توزَن هذه الورقة.

وقال إمام الحرمين: الوزن للصحف المشتملة على الأعمال، ويقع وزنها على قدر أجور الأعمال، وقال غيره: يجوز أن تُجسَّد الأعراض فتُوزَن. وما ثبت من أمور الآخرة بالشرع لا دخل للعقل فيه. المعتزلة لما أعملوا عقولهم وقدّموها على النصوص أنكروا الميزان، غير معقول، الأجور تُوزَن؟ تُوزَن الأجور؟  

طيب، ختمة بثلاثة ملايين حسنة كم وزنها الثلاثة ملايين كم؟ فيما نعرف من تعاملنا الظاهر، يعني خلنا نتعامل مع المسألة عقلية دون شرع كما تتعامل المعتزلة يقولون: ما يمكن أن تُوزَن، الحسنات الله أعلم، ما، معاني هذه، مثل شاعر مدح ملكًا، وأعطاه مبلغًا كبيرًا من المال، هذا الشعر يمكن وزنه؟ وثانٍ أعطاه، مدحه فأعطاه أقل، الوزن هنا وزن هذه القصائد هل هو وزن حِسي؟ يعني شُكِّل لجنة من كبار الأدباء وقرروا أن هذا يستحق كذا، وهذا يستحق كذا بحسب ثِقل هذا المدح في معاييرهم، هذه معنوية. هم عاملوا جزاء الحسنات وما رُتِّب عليها من أجور على هذا المقياس، وقالوا: ما فيه شيء اسمه ميزان؛ لأن هذه الأمور ما يمكن وزنها، فأنكروا الميزان؛ لأنهم تعاملوا مع هذه الأمور المعنوية على ضوء ما يعرفونه في دنياهم.

 وقال غيره: يجوز أن تُجسَّد الأعراض فتُوزَن، مثل من تبع الجنازة كان له قيراط، قيراط من الأجر، قيراط وبعد؟ ما هو القيراط من الأجر؟ مثل الجبل العظيم، جُسِّد هذا المقدار من الأجر بالجبل العظيم، فهذا مثله، وقال غيره: يجوز أن تُجسَّد الأعراض فتُوزَن وما ثبت من أمور الآخرة بالشرع لا دخل للعقل فيه.

ومن أجل هذا ضلّ من ضلّ حينما استرسل وراء عقله وأقحمه في كل شيء، مع أن العقل طاقة محدودة، طاقة محدودة جدًّا حتى إن من يوصَف بكبر العقل وبالذكاء المُفرِط تجده أحيانًا يأتي بما يضحك، يأتي بما يضحك، أحد الفلاسفة الكبار يجلس في غرفة، يخلو فيها، وكان عنده قطة تدخل وتخرج، وأحيانًا يحتاج إلى إغلاق الباب، فحفر لها حفرة من تحت الباب صارت تدخل وتطلع، ولدت هذه القطة فحفر حفرة ثانية.

طالب:...

ما تكفي الحفرة الأولى؟ ثم قيل له: الذي يدخل الأم ما يدخل الابن؟ على أنه يزعم أنه حكيم وفيلسوف وعقل كبير، وأظن الذي استدرك عليه واحد ما هو بالحيل، أظنه مجنونًا على ما قيل. فكل إنسان يرى في نفسه شيئًا لا بد أن يُعاقَب، {كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى. أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى}[العلق6 :7] لكن لو استغنى فقط لكن ما رأى في نفسه هذا الرأي يعني ما رأى أن نفسه تستحق هذا الغنى.

 الحمد لله يوجد من أغنياء المسلمين من هو خير بكثير من غيره، لكن إذا رأى نفسه، العالم إذا رأى أن نفسه أنه صار عالمًا يعني كونه عالمًا ويُصنَّف مع العلماء لا بأس، لكن كونه يرى أنه صار عالمًا فهو جاهل، وهكذا.

 وما ثبت من أمور الآخرة بالشرع لا دخل للعقل فيه، والمراد بحبة الخردل هنا ما زاد من الأعمال على أصل التوحيد، ما زاد من الأعمال على أصل التوحيد؛ لقوله في الرواية الأخرى: «أخرجوا من قال: لا إله إلا الله وعمل من الخير ما يزن ذرة».

 قال: ومحل بسط هذا يقع في الكلام على حديث الشفاعة، حيث ذكره المصنف في كتاب الرقاق. فيُخرجَون منها اسودوا بسبب إحراقهم بالنار، نسأل الله العافية، فيلقوَن في نحر في نهر الحيا أو الحياة. في نهر الحيا كذا في هذه الرواية بالمد، ولكريمة وغيرها بالقصر، وبه جزم الخطابي وعليه المعنى؛ لأن المراد كل ما تحصل به الحياة، والحيا بالقصر هو هو المطر، وبه تحصل حياة النبات، فهو يقول بمعنى الحياة من الحياء الممدود الذي هو بمعنى الخجل، الحيا بالقصر قريب من حيث المعنى، بل هو يجتمع مع الحياة في أصل المادة، الحيا، والعرب تسمي العشب حيًّا؛ لأنه به تحيا نفوس، البهائم تحيا به، فهو أليق بمعنى الحياة من الحياء الممدود الذي هو بمعنى الخجل.

 قوله: الحِبة بكسر أوله، قال أبو حنيفة الدينوري: الحِبة جمع بذور النبات، واحدتها حبة، الحِبة جمع، والواحدة حبة، واحدتها حَبة بالفتح وأما الحَبُّ فهو الحنطة والشعير، واحدتها حَبة بالفتح أيضًا، وإنما افترقا في الجمع، الذي معنا وزنها أي جمعها حِبة، والثاني جمعها حَبّ.

وقال أبو المعالي في المنتهى: الحِبة بالكسر بذور بذور الصحراء مما ليس بقُوت. وقال وهيب في آخر الباب قال وهيب: حدثنا عمروٌ: الحياة يعني في رواية وهيب مما يختلف فيه عن مالك، الحياة بدون شك، وخردل من خير بدل من خردل من إيمان.

 قوله: قال وهيب: أي ابن خالد: حدثنا عمروٌ أي ابن يحيى المازني المذكور، قوله: الحياة بالخفض على الحكاية، يعني قال وهيب: حدثنا عمروٌ: الحياةِ، يعني لو عاملناها على أنها هي مقول القول لقلنا: الحياةُ، لكنه يريد أن يحكي الحديث، وهذه لفظةٌ منه، «فيُلقَون في نهر الحياةِ» فهي مخفوضة على الحكاية، بالخفض على الحكاية، ومراده أن وهيبًا وافق مالكًا في روايته لهذا الحديث عن عمرو بن يحيى بسنده، وجزم بقوله: في نهر الحياة، ولم يشك كما شكّ مالك، فائدة: أخرج مسلم هذا الحديث من رواية مالك فأبهم الشاكّ، فأبهم الشاكّ وقد يُفسَّر هنا.

 يقول المعلِّق: كذا ولعله: قد فُسِّرَ هنا؛ لأنه قال: شكَّ مالك، فسِّرَ الشكُّ، قوله: وقال خردل من خير، خردلٍ من خير؛ لأنه في الرواية الأصلية خردل من إيمان، هو على الحكاية أيضًا أي وقاله وهيب، وفي روايته: مثقال حبة من خردل من خير، فخالف مالكًا أيضًا في هذه الكلمة، وقد ساق المؤلف حديث وهيب الإمام البخاري -رحمه الله- ذكر هذه المتابعة من وهيب للإمام مالك من أجل هذه الفروق المذكورة، هذه الفروق المذكورة، فالإمام البخاري -رحمه الله- يعتني بمثل هذه الفروق لا سيما إذا ترتب عليها شيءٌ من الاختلاف في المعنى. بخلاف الإمام مسلم فإنه يذكر كل شيء، ولو لم يترتب عليه اختلاف في المعنى، وقد ساق المؤلف حديث وهيب هذا في كتاب الرقاق، عن موسى بن إسماعيل عن وهيب وسياقه أتمُّ من سياق مالك، لكنه قال: من خردل من إيمان كرواية مالك، فاعتُرِضَ على المصنف بهذا، ولا اعتراض عليه فإن أبا بكر بن أبي شيبة أخرج هذا الحديث في مسنده عن عفان بن مسلم عن وهيب فقال: من خردل من خير كما علَّقه المصنف، فتبين أنه مراده لا لفظ موسى فتبين أن وهيبًا يوافق مالكًا أحيانًا ويخالفه أحيانًا، وقد أخرجه مسلم عن أبي بكر هنا عن أبي بكر هذا، لكن لم يسق لفظه، الإمام مسلم يسوق الحديث في الموضع الأول، ثم يردفه بأسانيد لهذا الحديث ولا يذكر المتن، وإنما يحيل على السابق إما بمثله أو بنحوه.

 ووجه مطابقة هذا الحديث للترجمة ظاهر، تفاضل أهل الإيمان في الأعمال، «أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من الإيمان» يعني كلهم على هذا المستوى؟ فيهم من عنده أكثر من هذا، فهو دليل على تفاضل أهل الإيمان في أعمالهم. يبقى أنه هل يمكن أن يقال لمن ليس في قلبه إلا مثقال حبة من خردل مؤمن أو هو مسلم؟ والإيمان قدر زائد على ذلك؟

طالب:...

يعني لماذا قال: تفاضل أهل الإيمان في الأعمال؟ لأن الإمام البخاري لا يفرق بين الإيمان والإسلام، ووجه مطابقة هذا الحديث للترجمة ظاهر، وأراد بإيراده الرد على المرجئة، لما فيه من بيان ضرر المعاصي، يعني ما فيه من بيان ضرر المعاصي مع الإيمان؛ لأن الإيمان موجود، الإيمان موجود، وزيادة؛ لأن حبة الخردل قدر زائد على ما عنده من أصل التوحيد، فالإيمان موجود، وأُدخِل النار وعُذِّب واسود من شدة العذاب، ففيه ردّ على المرجئة الذين يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب، وإيمان أفجر الناس كإيمان جبريل.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

إذا أُفرِدَ الإيمان، لا ما هو بالإشكال هنا في إمكان إطلاق الإسلام مع إطلاقه هنا، الإشكال في إطلاق الإيمان على شخصٍ مُقصِّر تقصيرًا ظاهرًا مُفرِّط، هل يستحق الاسم اسم الإيمان؟

طالب:...

نعم فالإشكال ظاهر، لكن على مذهبه وأنه لا فرق بين اللفظين، وأن الإسلام هو الإيمان، وأن الإيمان هو الإسلام ما فيه إشكال.

طالب:...

لكن كلهم يستحقون وصف الإيمان.

طالب:...

قال: وأراد بإيراده الرد على المرجئة لما فيه من بيان ضرر المعاصي مع الإيمان، وعلى وعلى المعتزلة في أن المعاصي موجبة للخلود، لماذا؟ لأنه قال: «أخرجوا» على رأي المعتزلة ما يُخرَجون، يُخلدون في النار، فضلاً عن رأي الخوارج الذين يحكمون عليهم بالكفر، نسأل الله العافية. وفي الحديث الثاني.

طالب:...

نعم. على أصل التوحيد وإلا فأصل التوحيد الذي فيه لا إله إلا الله هل يمكن أن يُقدَّر بحبة خردل؟ لا.

 الحديث الثاني قال: حدثنا محمد بن عبيد الله قال: حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «بينا أنا نائم رأيت الناس يُعرضون علي، وعليهم قُمُص، منها ما يبلغ الثُدي ومنها ما دون ذلك، وعُرِض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجُرُّه» سابغ وافٍ، «قالوا: فما أوّلت ذلك يا رسول الله؟ قال: الدين».

هل معنى هذا أن عمر أفضل من غيره؟ أو ما فيه تعرُّض لغير عمر؟ لئلا يقول قائل: أين أبو بكر الذي تقولون: أفضل من عمر؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

نعم، تفضيل فاضل بمزية أو بخصلة لا يعني أنه أفضل مطلقًا، يعني جاء في فضائل عمر ما لا يوجد في فضائل أبي بكر، لكن أبو بكر أفضل بكثير من الصفات والمناقب. جاء في فضل إبراهيم، في مناقب إبراهيم -عليه السلام- أنه أول من يُكسى يوم القيامة، أول من يُكسى يوم القيامة، لكن هل هذا يقتضي أنه أفضل من محمد -عليه الصلاة والسلام-؟ لا.

 جاء أيضًا: «أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا، فإذا موسى آخذٌ بقائمة العرش ما أدري أبعث قبلي أم جوزي بصعقة الطور» هذه مزية لموسى -عليه السلام-، لكن وجود هذه المزية هل تقتضي أنه أفضل من محمد -عليه الصلاة والسلام-؟ لا.

طالب:...

ما فيه تعرُّض لأحد.

طالب:...

 قلنا: إنه تفرد، لكن حتى على سبيل التنزُّل أنه ما يلزم أن يكون أفضل بخصلة أن يكون أفضل مطلقًا.

قوله: حدثنا محمد بن عبيد الله هو أبو ثابت المدني وأبوه بالتصغير، قوله: عن صالح وابن كيسان تابعيٌ جليل، عن أبي أمامة بن سهل هو ابن حُنيف كما ثبت في رواية الأصيلي، وأبو أمامة مختلف في صحبته، ولم يصحّ له سماع، وإنما ذُكِر في الصحابة؛ لشرف الرؤية، وإنما ذُكر في الصحابة لشرف الرؤية، ومن حيث الرواية يكون في الإسناد ثلاثة من التابعين، أو تابعيان وصحابيان.

يعني إذا ثبتت صحبة أبي أمامة بن سهل بن حُنيف قلنا: فيه تابعيان وصحابيان، أو ثلاثة من التابعين وصحابي. ورجاله كلهم مدنيون، كالذي قبله، والكلام على المتن يأتي في التعبير؛ لأن هذا موضعه، لأنه رؤيا، وعبرها النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومطابقته للترجمة ظاهرة، من جهة تأويل القمُص بالدين، من جهة تأويل القُمُص بالدين، وقد ذكر أنهم متفاضلون في لُبسها، يعني في هذه القُمُص، فمنهم ما قميصه يبلغ الثُدي، ومنهم ما دون ذلك، ومنهم ما هو أكثر من ذلك وأسبغ إلى أن جاء عمر -رضي الله عنه- وعليه قميص يجره، فهم متفاوتون في هذه القمص التي أُوِّلت بالدين، ومطابقته للترجمة ظاهرة من جهة تأويل القمص بالدين، وقد ذكر أنهم متفاضلون في لبسها، فدل على أنهم متفاضلون في الإيمان، طيب الترجمة الدين، تفاضل أهل الإيمان نعم والتفاضل هنا في ماذا؟ في الدين.

طالب:...

عندك: أوّلت ذلك يا رسول الله، لو قال: الإيمان قلنا: مطابقة مع الترجمة، لكن الترجمة تفاضل أهل الإيمان في الأعمال وهنا قال: الدين. وإذا نظرنا إلى الترجمة: الإيمان، والأعمال التي هي داخلةٌ في الإيمان، والإسلام، فالإيمان والإسلام هما الدين، إذا ضُمَّ إليها الإحسان، كما جاء في حديث جبريل لما سأل عن الإيمان والإسلام والإحسان، قال: «هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم».

قوله: «بينا أنا نائم رأيت الناس» أصل بينا بين، ثم أشبعت الفتح، بين ثم أشبعت الفتحة، وفيه استعمال بينا بدون إذا وبدون إذ، وهو فصيحٌ عند الأصمعي ومن تبعه، وإن كان الأكثر على خلافه، وإن كان الأكثر على خلافه، فإن في هذا الحديث حُجة، فإن في هذا الحديث حجة.

ذكرنا مرارًا الاحتجاج بالحديث على قواعد العربية، وأن الاحتجاج به في على قواعد العربية فيه خلاف كبير بين أهل العلم، وفيه رسالة الاحتجاج بالحديث النبوي على قواعد العربية، فيه رسالة، طُبعت في مجلد، أظنها في العراق، لكن الرسالة موجودة، وفي مقدمة الخزانة كلام طويل في هذه المسألة، يحسن الرجوع إليه، خزانة الأدب في شرح شواهد شرح الكافية، في شرح شواهد شرح الكافية، وهذا الكتاب وأمثاله من كتب شروح الشواهد في غاية الأهمية لطالب العلم؛ لأن طالب العلم قد يقرأ في القواعد النظرية، في القواعد النظرية، وتُشرح له ويُستَشهد عليها، وتُذكَر لها الأمثلة والشواهد، وإذا انتهى على هذا الوجه قد يحصل عنده شيء من الخلل في تحصيل هذه القواعد، لكنه إذا راجع هذه القواعد، بطريقة عكسية، فأخذها طردًا ثم عاد إليها عكسًا ثبتت هذه القواعد في ذهنه.

 يعني مثل ما تقرأ كتب القواعد الفقهية، ثم تطبق عليها الأمثلة التي يذكرها العلماء، ثم تعود إليها مرة ثانية، بقراءة الأمثلة واستنباط القواعد منها، فالشواهد عبارة عن أمثلة من كلام العرب، يستنبط منها قواعد، فأنت على الطريقتين، إما استوعبت من، في الطريقة الأولى أكملت في الطريقة الثانية، وعلى هذا تأليف الأصول عند المتكلمين، ويقابلهم طريقة الحنفية، فيحسن بطالب العلم أن يقرأ على هذه الطريقة، ويقرأ على هذه الطريقة، فيكون إلمامه بهذا الفن أقوى، وأقعد، وإذا انضاف إلى ذلك تقرير هذه القواعد من خلال الأمثلة في مواطنها.

 يعني عندك قواعد يستدل لها بأمثلة من القرآن، وأمثلة من السُّنَّة، وأمثلة من كلام العرب، مرّت عليك هذه الآية، وتعرّض المفسرون في تفسيرها إلى هذه القاعدة التي وُجِدت في كتب النحو مثلاً، ثبتت عندك، أو جاء الحديث الذي يُطَبَّق عليه قاعدة أصولية مثلاً أو قاعدة من قواعد الفقه، فمرّ عليك هذا الحديث صار الحديث هو همك، وهذا الاستنباط أيضًا من أولوياتك، ثبتت هذه القاعدة في ذهنك، ولذلك تجدون من له عناية بكتب التفسير أو شروح الحديث، عنده من تفاصيل المسائل في جميع الفنون أكثر من المتخصِّصين الذين اقتصروا على كتب التخصص، ومرّ بنا من مسائل الاعتقاد في شروح البخاري وغيرها من الشروح وفي التفاسير ما لا يعرفه المتخصصون في مسائل العقيدة؛ لأنها تُذكَر على سبيل البسط مقرونة بدليلها الذي استنبطت منه، وهناك في المتن العقدي تُعصَر المسألة عصرًا، فتؤخذ نظرية جافة، لكن هنا تؤخذ مبسوطة مقرونة بأصلها.

فأقول من أنفع الأمور لطالب العلم أن يقرأ العلوم على جميع الطرق الممكنة، ما يقتصر على المتون المتبعة ويقرأ شروحها وينتهي، لا بد أن يحصل عنده شيء من الخلل؛ لأنه لن يحفظ كل شيء، لكن إذا قرأها طردًا ثم كرّ إليها عكسًا استفاد، مثل ما تذهب مع طريق، تذهب مع طريق، تحفظ بعض ما فيه من المعالم، لكن إذا رجعت عليه مرة ثانية استقرّ في ذهنك انتهى ما فيه إشكال؛ لأنك مرتين وعلى طريقتين مرة مع طريقة الرائح ومرة مع الطريق الجاي، تستوعب أكثر.

وهو فصيح عند الأصمعي ومن تبعه وإذا كان، وإن كان الأكثر على خلافه فإن في هذا الحديث حجة، ابن حجر يُرجِّح أن الحديث يحتَجُّ به في قواعد العربية، ولو معنا كتاب ابن مالك شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح نجده يتكلم على هذه المسألة.

وقوله: الثُدِيّ بضم المثلثة وكسر الدال المهملة، وتشديد الياء التحتانية جمع ثَدْي بفتح أوله وإسكان ثانيه والتخفيف، وهو مذكَّرٌ عند معظم أهل اللغة، الثَدي مُذكَّر، عند معظم أهل اللغة، وحُكِي أنه مؤنث، والمشهور أنه يُطلق في الرجل والمرأة، يقال: ثدي المرأة وثدي الرجل، لكن منهم من يخصّ الثدي بالمرأة ويقال لما يقابله في الرجل: ثُنْدُوة، وقيل: يختصُّ بالمرأة، وهذا الحديث يرده، ولعل قائل هذا يدعي أنه أُطلق في الحديث مجازًا.

 والله أعلم.

اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

طالب:...

ماذا؟

طالب: .......

 تصغير؟

طالب:...

هو أنت، من عندك هذا.

 طالب:...

ماذا؟

طالب:...

على طريقته -رحمه الله- في الإغراب، في الإغراب البخاري قد يعمد إلى الغامض مع وجود ما هو أوضح منه، هو في صحيحه من أجل شحن الذهن، ما يجعل الطالب يقرأ كلامًا مرسلاً، سهلاً واضحًا، هذا ما يربي طالب علم.

طالب:...

مثل ما قلنا مرارًا: إن تدريس العلوم من خلال كتب المعاصرين التي ما فيها أدنى إشكال هذا ما يخرج طلاب علم، وليس من باب التعذيب لطلاب العلم أن تُوعَّر العبارات في الكتب، والمتون، وتُصعَّب على الطلاب ليس هذا تعذيبًا لهم، وإنما هو تربية لهم؛ لأن الطالب إذا ختم الفن على هذه الطريقة ما يشكل عليه شيء.

طالب:...

نعم.

طالب:...

أنه مجرد التصديق؟

طالب:...

الذي يقول: التقوى ها هنا هو يستدل بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قالها، لكن هل تخلف العمل عنده -عليه الصلاة والسلام-؟

تجد الصورة الظاهرة تُكذِّب هذه الدعوى عند من يقول: التقوى ها هنا وهو مسرف على نفسه ويقول: أنتم تهتمون بالمظاهر، ومن ربى لحيته صار ديّنًا، وصار تقيًّا، وصار، هذا كلام، من يثبت دعواك؟ هذا وجدنا ما يثبت دعواه، لكن أنت من يثبت دعواك؟

طالب:...

مأخوذٌ منه.

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك.