التعليق على تفسير القرطبي - سورة التغابن

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه. قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى:

سورة التغابن مدنية في قول الأكثرين. وقال الضحاك: مكية. وقال الكلبي: هي مكية ومدنية. وهي ثماني عشرة آية. وعن ابن عباس أن سورة التغابن نزلت بمكة، إلا آيات من آخرها نزلت بالمدينة في عوف بن مالك الأشجعي، شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جفاء أهله وولده، فأنزل الله عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [سورة التغابن:14] إلى آخر السورة. وعن عبد الله بن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود يولد إلا وفي تشابيك رأسه مكتوب خمس آيات من فاتحة سورة التغابن».."

طالب: ............

واضح، قول منكر جدا.

"بسم الله الرحمن الرحيم {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [سورة التغابن:1] تقدم في غير موضع. قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [سورة التغابن:2] قال ابن عباس: إن الله خلق بني آدم مؤمنا وكافرا، ويعيدهم في يوم القيامة مؤمنا وكافرا. وروى أبو سعيد الخدري.."

لأنهم يبعثون على ما ماتوا عليه، المؤمن يبعث مؤمنا والكافر يبعث كافرا.

"وروى أبو سعيد الخدري قال: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم عشية فذكر شيئا مما يكون فقال: «يولد الناس على طبقات شتى يولد الرجل مؤمنا ويعيش مؤمنا ويموت مؤمنا ويولد الرجل كافرا ويعيش كافرا ويموت كافرا ويولد الرجل مؤمنا ويعيش مؤمنا ويموت كافرا ويولد الرجل كافرا ويعيش كافرا ويموت مؤمنا» وقال ابن مسعود: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «خلق الله فرعون في بطن أمه كافرا وخلق يحيى بن زكريا في بطن أمه مؤمنا»."

ماذا قال عن الحديثين؟

طالب: ............

أيهم؟

طالب: ............

على طبقات موافق لحديث ابن مسعود، يعني معناه يشهد له حديث ابن مسعود الآتي. ما هو حديث ابن مسعود خُلق إن أحدكم ليجمع... هذا يشهد له والذي بعده قال ابن مسعود..

طالب: ............

خلق الله فرعون..

طالب: ............

ما خرّجه؟

"وفي الصحيح من حديث ابن مسعود: «وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع أو باع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع أو باع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها». خرجه البخاري والترمذي وليس فيه ذكر الباع. وفي صحيح مسلم عن سهل ابن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  «إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة»."

هذا القيد المذكور في حديث سهل بن سعد من قوله: «فيما يبدو للناس» الجادّة في مسائل الأحكام أنه يحمل المطلق على المقيد، لكن في مجال الترهيب أو الترغيب كما هنا كأن السلف لم يلتفتوا إلى هذا القيد وخافوا خوفًا شديدًا من سوء العاقبة ولم يلتفتوا إلى ما جاء من قوله: «فيما يبدو للناس» لأن شهادة المرء لنفسه أن عمله في حقيقة الأمر من عمل أهل الجنة وإن كان يبدو للناس غيره، هذا لا شك أنه تزكية للنفس ولا يقولها لا أحد من الأئمة ولا من سلف هذه الأمة ولا من صالحيها حتى من المتأخرين، لأنه إذا قال بالقيد قال إن عملك يا فلان عمل أهل النار ليس له أن يقول هذا فيما يبدو لك ويظهر لك من هذا القيد الذي جاء في حديث سهل لو قال ذلك لزكى نفسه وهو منهي عن تزكية نفسه. ولذلك الأئمة والسلف ما التفتوا إلى هذا القيد وإنما استمروا على الخوف من سوء العاقبة وحرصوا على إخلاص العمل لله جل وعلا والبعد عن عمل أهل النار.

"قال علماؤنا: والمعنى تعلق العلم الأزلي بكل معلوم، فيجري ما علم وأراد وحكم. فقد يريد إيمان شخص على عموم الأحوال، وقد يريده إلى وقت معلوم. وكذلك الكافر. وقيل في الكلام محذوف: فمنكم مؤمن.."

طالب: ............

وكذلك الكفر.

الكفر؟

إي.

"وكذلك الكفر. وقيل في الكلام محذوف: فمنكم مؤمن ومنكم كافر ومنكم فاسق، فحذف لما في الكلام من الدلالة عليه، قاله الحسن وقال غيره: لا حذف فيه، لأن المقصود ذكر الطرفين. وقال جماعة من أهل العلم: إن الله خلق الخلق ثم كفروا وآمنوا. قالوا: وتمام الكلام هو الذي خلقكم. ثم وصفهم فقال: {فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ} [سورة التغابن:2] كقوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاءٍ فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ} [سورة النــور:45] الآية. قالوا.."

فتكون الفاء في (منكم) و(منهم) الذي يسمونها التفريعية التفصيلية. ومنهم من يقول: يمكن أن تكون هذه الفاء الفصيحة التي أفصحت بالتفصيل عن الكلام المجمل ووقعت في سؤال مقدَّر كأنه قيل: فمن الكافر ومن المؤمن أو بعد في المثال الثاني: فمنكم مؤمن ومنكم كافر، منكم كافر ومنكم مؤمن. هذا تفصيل لما تقدم: هو الذي خلقكم. على أي شيء خلقنا؟ أو على أي وصف خلقنا؟ فجاء الإفصاح بأن منا من هو كافر ومنا من هو مؤمن.

"قالوا: فالله خلقهم، والمشي فعلهم. واختاره الحسين بن الفضل قال: لو خلقهم مؤمنين وكافرين لما وصفهم بفعلهم في قوله: {فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ}.[سورة التغابن:2] واحتجوا بقوله -عليه الصلاة والسلام: «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه» الحديث. وقد مضى في الروم مستوفى. قال الضحاك."

على كل حال، حاله من الشقاء والسعادة تُكتَب عليه مع نفخ روحه ثم يؤمر بأربع: بكتب أجله ورزقه وعمله وشقي أو سعيد. هذا مكتوب عليه وهو في بطن أمه.

"قال الضحاك: فمنكم كافر في السر مؤمن في العلانية كالمنافق، ومنكم مؤمن في السر كافر في العلانية كعمار وذويه..."

وكل من أُكرِه على كلمة الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان.

"وقال عطاء بن أبي رباح: فمنكم كافر بالله مؤمن بالكواكب، ومنكم مؤمن بالله كافر بالكواكب، يعني في شأن الأنواء. وقال الزجاج- وهو أحسن الأقوال، والذي عليه الأئمة والجمهور من الأمة: إن الله خلق الكافر، وكفره فعل له وكسب، مع أن الله خالق الكفر.."

لأن الله خالق العبد وخالق فعله. {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [سورة الصافات:96] ومع ذلك لا جبر فالعبد له مشيئة واختيار، لكنه تابع لمشيئة الله جل وعلا واختياره، لكنه يحس من نفسه أنه إذا ارتكب المخالفة والخطيئة والمعصية أنه يقدر على تركها. ما أُجبر عليها. هل حاول تارك الصلاة أن يقوم إليها فعجز؟! هل حاول تارك الزكاة أن ينفق من ماله فمُنِع؟! كل شيء بيد الله، لكن العبد له مشيئة فلا جبر، كما أن المشيئة والاختيار للعبد إنما هي تابعة لمشيئة الله جل وعلا واختياره فلا استقلال تام وليس العبد يخلق فعله، كما تقوله المعتزلة القدرية.

"وخلق المؤمن، وإيمانه فعل له وكسب، مع أن الله خالق الإيمان. والكافر يكفر ويختار الكفر بعد خلق الله إياه، لأن الله تعالى قدر ذلك عليه وعلمه منه. ولا يجوز أن يوجد من كل واحد منهما غير الذي قدر عليه وعلمه منه، لأن وجود خلاف المقدور عجز، ووجود خلاف المعلوم جعل، ولا يليقان بالله تعالى..."

لو أن الله جل وعلا قدر على إنسان أن يكفر ثم آمن ومات على الإيمان مع أنه في قدر الله وفي علمه السابق أنه يموت كافرا، كأن هذه مغالبة لله جل وعلا فظهر العجز وكأن ما حصل في حال الموافاة على خلاف ما علمه الله جل وعلا وقدّره وهذا يلزم منه الجهل. والله جل وعلا بريء منهما ولا يليقان بالله جل وعلا فلا يقع إلا ما يريد ولا يحدث إلا ما يشاؤه.

"وفي هذا سلامة من الجبر والقدر، كما قال الشاعر:

يا ناظرا في الدين ما الأمر ... لا قدر صح ولا جبر

وقال سيلان: قدم أعرابي البصرة فقيل له: ما تقول في القدر؟ فقال: أمر تغالت فيه الظنون، واختلف فيه المختلفون، فالواجب أن نرد ما أشكل علينا من حكمه إلى ما سبق من علمه. قوله تعالى: {خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ} [سورة الأنعام:73] تقدم في غير موضع، أي خلقها حقا يقينا لا ريب فيه. وقيل: الباء بمعنى اللام أي خلقها للحق وهو أن يجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى. {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} [سورة غافر:64] يعني آدم عليه السلام، خلقه بيده كرامة، له، قاله مقاتل. الثاني: جميع الخلائق. وقد مضى معنى التصوير، وأنه التخطيط والتشكيل. فإن قيل: كيف أحسن صورهم؟ قيل له: جعلهم أحسن الحيوان كله وأبهاه صورة بدليل أن الإنسان لا يتمنى أن تكون صورته على خلاف ما يرى من سائر الصور. ومن حسن صورته أنه خلق منتصبا غير منكب، كما قال عز وجل: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [سورة التين:4] على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى."

لأنه قد يقول قائل: صوركم فأحسن صوركم، ونحن نرى في بني آدم من صورته حسنة ومن صورته متوسطة ومن صورته فيها شيء مما ينافي الحسن. صوركم فأحسن صوركم. بعض الناس صورته ليست حسنة لكن المراد بالحسن هنا ما يقابل خلق غير الإنسان ولا شك أن هيئة الإنسان أفضل من هيئة غيره من جميع المخلوقات.

"كما قال عز وجل: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [سورة التين:4] على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى. {وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} أي المرجع فيجازي كلًّا بعمله. قوله تعالى: {يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [سورة التغابن:4] تقدم في غير موضع فهو عالم الغيب والشهادة لا يخفى عليه شيء. قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [سورة التغابن:5] الخطاب لقريش أي ألم يأتكم خبر كفار الأمم الماضية. {فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ} أي عوقبوا. {وَلَهُمْ} في الآخرة {عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي موجع. وقد تقدم."

أليم فعيل بمعنى اسم الفاعل مؤلِم مؤلِم أي موجِع.

"قوله تعالى: {ذَٰلِكَ} أي هذا العذاب لهم بكفرهم بالرسل تأتيهم بالبينات أي بالدلائل. {فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} [سورة التغابن:6] أنكروا أن يكون الرسول من البشر. وارتفع بشر على الابتدائ. وقيل: بإضمار.."

يحتمل الإنكار إنكار أن يكون الرسول من البشر أو يكون البشر يهدي، لأنه إن ثبتت له الهداية فإنه ليس ببشر إن ثبتت له الهداية انتفت عنه البشرية وإن ثبتت له البشرية انتفت عنه الهداية على حد زعمهم. يستفهمون استفهام إنكار {فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا}.

"وقيل: بإضمار فعل، والجمع على معنى بشر، ولهذا قال: يهدوننا ولم يقل يهدينا. وقد يأتي الواحد بمعنى الجمع فيكون اسما للجنس، وواحده إنسان لا واحد له من لفظه. وقد يأتي الجمع بمعنى الواحد، نحو قوله تعالى:{مَا هَذَا بَشَراً} [سورة يوسف:31] {فَكَفَرُوا} أي بهذا القول، إذ قالوه استصغارا ولم يعلموا أن الله يبعث من يشاء إلى عباده. وقيل: كفروا بالرسل وتولوا عن البرهان وأعرضوا عن الإيمان والموعظة. {وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ} أي بسلطانه عن طاعة عباده، قاله مقاتل. وقيل: استغنى الله بما أظهره لهم من البرهان وأوضحه لهم من البيان، عن زيادة تدعو إلى الرشد وتقود إلى الهداية."

يعني ما نحتاج إلى أن ينزل غير ما نزل من أجل هداية الناس. فالله جل وعلا أنزل ما يقطع العذر والرسول -عليه الصلاة والسلام- بلَّغ البلاغ المبين فالذي لا ينتفع بالقرآن ولا يهتدي بالقرآن هذا لو قرأ كل ما كتب وكل ما أنزل وكل ما قيل ما يزيده إلا ضلال. نسأل الله العافية. فالله جل وعلا استغنى وهو الغني الحميد فلا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية. «يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا» وبالمقابل لو كانوا «على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا» فالله جل وعلا غني عن عباده.

"قوله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا} [سورة التغابن:7] أي ظنوا. والزعم.."

هذا الموضع الثالث الذي يأمر الله جل و علا نبيه أن يقسم على البعث: في سورة يونس: {وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي} [سورة يونس:53] وفي سورة سبأ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي} [سورة سبأ:3] والموضع الثالث هنا: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي } [سورة التغابن:7] هي ثلاثة مواضع لا رابع لها.

"الزعم هو القول بالظن. وقال شريح: لكل شي كنية وكنية الكذب زعموا. قيل: نزلت في العاص بن وائل السهمي مع خباب حسب ما تقدم بيانه في آخر سورة مريم، ثم عمت كل كافر.. {قُلْ} يا محمد { بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ}."

جاء في الخبر: بئس مطية الكذب مطية الكذب زعموا. ولا شك أنها تقال في الكلام المشكوك فيه حينما لا تجزم بنسبة الشيء إلى فلان تقول: زعم فلان. وقد تقال فيما يقابل القول زعم فلان، يعني قال فلان. كثيرا ما يقول سيبويه في كتابه زعم الكسائي ثم يوافقه وهو لا يشكك في قوله. إنما يوافقه عليه فتأتي بمعنى القول وتأتي بمعنى التشكيك.

طالب: ............

ما هو؟

طالب: ............

قالوا أنه مرفوع بفعل يفسره المذكور.

طالب: ............

يلزمون باعتبار أن..

طالب: ............

على كل حال، المسألة من أهل العلم من يرى أنه مرفوع على الابتداء ومنهم وهم الأكثر وهو المعمول به أنه مرفوع بفعل محذوف يفسره المذكور.

"{ قُلْ} يا محمد {بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ}أي لتخرجن من قبوركم أحياء. {ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ} لتخبرن. {بِمَا عَمِلْتُمْ} أي بأعمالكم. {وَذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} إذ الإعادة أسهل من الابتداء. قوله تعالى: {فَآمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} أمرهم بالإيمان بعد أن عرفهم قيام الساعة. {وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا} وهو القرآن، وهو نور يهتدى به من ظلمة الضلال. {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}.

قوله تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [سورة التغابن:9] فيه ثلاث مسائل:

الأولى- قوله تعالى:{يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ} [سورة التغابن:9] العامل في يوم لتنبؤن أو خبير لما فيه من معنى الوعيد،.."

لتنبؤن يوم يجمعكم لتنبؤن متى؟ يوم يجمعكم ليوم الجمع أو أن الله جل وعلا خبير والله بما تعملون خبير متى؟ يوم يجمعكم. والأكثر في مثل هذه الموضع يقدرون اذكر أو اذكروا.

"أو خبير لما فيه من معنى الوعد، كأنه قال: والله يعاقبكم يوم يجمعكم. أو بإضمار اذكر. والغبن: النقص. يقال: غبنه غبنا إذا أخذ الشيء منه بدون قيمته. وقراءة العامة يجمعكم بالياء، لقوله تعالى:{وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [سورة البقرة:234] فأخبر فأخبر.."

ولذكر..

"ولذكر اسم الله أولا. وقرأ نصر وابن أبي إسحاق والجحدري ويعقوب وسلام نجمعكم بالنون، اعتبارا بقوله: {وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا}. ويوم الجمع يوم يجمع الله الأولين والآخرين والإنس والجن وأهل السماء وأهل الأرض..."

والإنسَ والإنسَ..

"وقيل: هو يوم يجمع الله بين كل عبد وعمله. وقيل: لأنه يجمع فيه بين الظالم والمظلوم. وقيل: لأنه يجمع فيه بين كل نبي وأمته. وقيل: لأنه يجمع فيه بين ثواب أهل الطاعات وعقاب أهل المعاصي.."

وكل ما ذكر يجتمع فيه ويجمع فيه.

"{ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} [سورة التغابن:9] أي يوم القيامة. قال:

وما أرتجي بالعيش في دار فرقة

 

ألا إنما الراحات يوم التغابن

وسمى يوم القيامة يوم التغابن، لأنه غبن فيه أهل الجنة أهل النار.."

وأي غبن أعظم من هذا؟ أي غبن أعظم من هذا؟ إذا كان الإنسان إذا فاته شيء يسير من أمر الدنيا قيل مغبون. فإذا غبن السعادة الأبدية وحل محلها الشقاوة الأبدية، هل هناك غبن أعظم من هذا؟ يعني لو أن إنسانًا فرط بجميع ماله وباعه بثمن بخس وعاش بعده عيشًا فيه شدة طيلة عمره البالغ ستين أو سبعين أو ثمانين سنة، هذا مآله إلى الانتهاء ووقت يسير وزمن يسير يتحمل، لكن المغبون من يدخل النار وأبوه أو ولده يدخل الجنة بسببه. قد يدخل الجنة بسببه. المغبون من يجمع الأموال من الحلال والحرام فيحاسَب بها ويعذَّب بذلك وولده ينتفع به وينفقه في سبيل الله في وجوه الخير ووجوه البر فيستحق به النعيم والجزاء الحسن من الله جل وعلا. {ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} أما الدنيا لو فاتت كلها وفرّط فيها الإنسان مع أنه ممنوع من إضاعة المال، لكان الأمر لا شيء بالنسبة لأهوال يوم القيامة.

"أي أن أهل الجنة أخذوا الجنة، وأخذ أهل النار النار على طريق المبادلة، فوقع الغبن لأجل مبادلتهم الخير بالشر، والجيد بالرديء، والنعيم بالعذاب. يقال: غبنت.."

السعيد إذا سئل في قبره وأجاب يفتح له باب إلى الجنة ويأتيه من روحها ويفتح له مد البصر ويشاهد ما يسره. وجاء في بعض الآثار ما يدل على أنه يفتح له أيضا باب من النار ليراه فيقال: هذا مكانك لو كفرت. وبضد ذلك الشقي يرى منزله من الجنة فيقال: هذا منزلك لو آمنت ثم يفتح له باب إلى النار. نسأل العافية. يأتيه من سمومها وحرها ويضيق عليه قبره. المقصود أن هذا هو الغبن الحقيقي وإلا الدنيا كلها لو فاتت أمرها سهل. قلنا مرارا أن السبب في قوله -عليه الصلاة والسلام- «من نفّس كربة من نفّس عن أخيه كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة» الستر مطلوب في الدنيا والآخرة، لكن الكرب ينفس عنه كربة من كرب يوم القيامة لأن جميع كرب الدنيا كلا شيء بالنسبة لكربة واحدة من كرب يوم القيامة.

"يقال: غبنت فلانا إذا بايعته أو شاريته فكان النقص عليه والغلبة لك. وكذا أهل الجنة وأهل النار، على ما يأتي بيانه. ويقال:غبنت الثوب غبنتَ الثوب.."

غبنتُ غبنتُ الثوب وخبنتُه..

"ويقال: غبنتُ الثوب وخبنتُه إذا طال عن مقدارك فخطت منه شيئا، فهو نقصان أيضا."

الخبن معروف. إذا طال الثوب أو طالت العباءة أو البشت وما أشبه ذلك يخبن، يعني أنه يؤخذ من طوله فهو نقصان فيه وكأنه يرى أن الغبن والخبن أصلهما واحد ولا شك أن الغبن نقصان، بل هو نقصان شديد.

"والمغابن: ما انثنى من الخلق."

الخِلَق.

"ما انثنى من الخِلَق نحو الإبطين والفخذين. قال المفسرون.."

لأنه يطول ويقصر. إن شئت مددت وإن شئت قصرت.

طالب: ............

هي الخِلَق نحن نقول الخِلَق.

طالب: ............

لا لا لا.

"قال المفسرون: فالمغبون من غبن أهله ومنازله في الجنة ويظهر يومئذ غبن كل كافر بترك الإيمان، وغبن كل مؤمن بتقصيره في الإحسان وتضييعه الأيام. قال الزجاج: ويغبن من ارتفعت.."

كل واحد سيندم ويرى أنه مغبون بما أضاع من عمره ومن صحة وشبابه. «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ». هذا الفراغ نعمة من نعم الله جل وعلا ينبغي أن يستغل بما يقرب إليه. والصحة كذلك والشباب كذلك. «اغتنم خمسا قبل خمس» وأما إذا أضعت هذه الأمور بدون فائدة فأنت مغبون وأي غبن.

"قال الزجاج: ويغبن من ارتفعت منزلته في الجنة من كان دون منزلته. الثانية- فإن قيل: فأي معاملة وقعت بينهما حتى يقع الغبن فيها. قيل له: هو تمثيل الغبن في الشراء والبيع، كما قال تعالى:{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى} [سورة البقرة:16]. ولما ذكر أن الكفار اشتروا الضلالة بالهدى وما ربحوا في تجارتهم بل خسروا، وذكر أيضا أنهم غبنوا، وذلك أن أهل الجنة اشتروا الآخرة بترك الدنيا، واشترى أهل النار الدنيا بترك الآخرة. وهذا نوع مبادلة اتساعا ومجازا. وقد فرق الله سبحانه وتعالى الخلق فريقين: فريقا للجنة وفريقا للنار. ومنازل الكل موضوعة في الجنة والنار. فقد يسبق الخذلان على العبد- كما بيناه في هذه السورة وغيرها- فيكون من أهل النار، فيحصل الموفق على منزل المخذول ومنزل الموفق في النار للمخذول، فكأنه وقع التبادل فحصل التغابن. والأمثال موضوعة للبيان في حكم اللغة والقرآن. وذلك كله مجموع من نشر الآثار وقد جاءت مفرقة في هذا الكتاب. وقد يخبر عن هذا التبادل بالوراثة كما بيناه في:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [سورة المؤمنون:1] والله أعلم."

في قوله: {أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ} [سورة المؤمنون:10] ماذا يرثون حطام الدنيا؟! يرثون حطام الدنيا لا يلبث أن يزول؟! أو يستعمل فيما يضر؟! ماذا يرثون؟ يرثون يرثون الفردوس أعلى الجنة وسقفها عرش الرحمن.

"وقد يقع التغابن في غير ذلك اليوم على ما يأتي بيانه بعد، ولكنه أراد التغابن الذي لا جبران لنهايته. وقال.."

التغابن المؤثِّر، هناك تغابن في الدنيا يبيع السلعة بنصف قيمتها، هذا غبن وهذا تغابن في الدنيا، لكن ما نسبة هذا الغبن لمن غُبن في يوم القيامة وبعد أن يدخل الجنة لو أطاع الله ودخل النار. هذا هو الغبن الحقيقي. فالحصر هنا ذلك يوم التغابن المراد به التغابن الحقيقي المؤثِّر كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- عن المفلِس: «أتدرون من المفلس؟» قالوا المفلس من لا درهم له ولا متاع. هذا الكلام صحيح هذا فلس «ومن وجد ماله عند رجل قد أفلس» هذا معناه، لكنه يريد أن ينبههم إلى الفلس المؤثِّر تأثيرا حقيقيا الذي يتعب ويأتي بأعمال صالحة كأمثال الجبال ثم في النهاية يلقى في النار. نسأل الله العافية.

"وقال الحسن وقتادة: بلغنا أن التغابن في ثلاثة أصناف: رجل علم علما فعلمه وضيعه هو ولم يعمل به فشقي به، وعمل به من تعلمه منه فنجا به. ورجل اكتسب مالا من وجوه يسأل عنها وشح عليه، وفرط في طاعة ربه بسببه، ولم يعمل فيه خيرا، وتركه لوارث لا حساب عليه فيه، فعمل ذلك الوارث فيه بطاعة ربه. ورجل كان له عبد فعمل العبد بطاعة ربه فسعد، وعمل السيد بمعصية ربه فشقي. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله تعالى يقيم الرجل والمرأة يوم القيامة بين يديه فيقول الله تعالى لهما قولا فما أنتما بقائلَين فيقول الرجل يا رب أوجبت نفقتها علَيّ فتعسفتها من حلال وحرام وهؤلاء الخصوم يطلبون..»"

العبارة مستقيمة؟ فما أنتما بقائلَين؟ يعني ما بمعنى ليس؟

أو بقائلِين أو بقائلِين.

أو المراد بها النفي نفي القول أو قولا ما أنتما قائلَين قائلان. ما العبارة؟

طالب: ............

فما أنتما بقائلَين يعني نفي؟ ثم يقول الرجل..

طالب: ............

يأمرهما أن يقولا وينفي عنهما القول ثم يقولان. هذا يمكن؟!

طالب: ............

فيقول الرجل... إي، لكن يؤمر بالقول ويُنفى عنه القول ثم يقول! يُمكن؟! لأن ما أنتما بقائلَين بمعنى ليس لستما بقائلَين نفي.

طالب: ............

ما أنتما بقائلِين أو قائلَين فما أنتما بقائلَين، هذا نفي بمعنى ليس لوجود الباء في خبرها مثل ليس... على كل حال، مبني على صحته الذي لا يصح لا يُتَكَلَّف.

"«فيقول الرجل يا رب أوجبت نفقتها علي فتعسفتها من حلال وحرام وهؤلاء الخصوم يطلبون ذلك ولم يبق لي ما أوفي به فتقول المرأة يا رب وما عسى أن أقول اكتسبه حراما وأكلته حلالا وعصاك في مرضاتي ولم أرض له بذلك فبعدا له وسحقا فيقول الله تعالى قد صدقت فيؤمر به إلى النار ويؤمر بها إلى الجنة فتطلع عليه من طبقات الجنة..»"

تطّلِع.

فتطْلُع.

تطِّلع تطِّلع.

"«فتطَّلِع عليه من طبقات الجنة وتقول له غبناك غبناك سعدنا بما شقيت أنت به» فذلك يوم التغابن.

الثالثة- قال ابن العربي: استدل علماؤنا بقوله تعالى:{ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} [سورة التغابن:9] على أنه لا يجوز الغبن في المعاملة الدنيوية، لأن الله تعالى خصص التغابن بيوم القيامة فقال: {ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} [سورة التغابن:9] وهذا الاختصاص يفيد أنه لا غبن في الدنيا، فكل من اطلع على غبن في مبيع فإنه مردود إذا زاد على الثلث."

هذا يدل على أن هناك غبن في الدنيا وأنه مؤثِّر في العقد. كلامه يدل على أنه موجود في الدنيا ومؤثر في العقد، يبطل العقد ويثبت خيار الغبن، لكن مقتضى قوله: {ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ}هذا الحصر أن الدنيا لا غبن فيها. فمن باع السلعة بنصف قيمتها هذا ما يسمى غبن. إنما التغابن أو بربع قيمتها التغابن يوم القيامة والدنيا ما فيها تغابن. هذا ما فهمه بعضهم وإن كان الأدلة تدل على وجود خيار الغبن وأن الغبن الحقيقي إنما هو في الآخرة والغبن في الدنيا وإن سمي غبنا وحكم به فإنه كلا شيء بالنسبة لغبن يوم القيامة.

"واختاره البغداديون واحتجوا عليه بوجوه: منها قوله صلى الله عليه وسلم لحبان بن منقذ: «إذا بايعت فقل لا خلابة ولك الخيار ثلاثا». وهذا فيه نظر طويل بيناه في مسائل الخلاف. نكتته أن الغبن في الدنيا ممنوع بإجماع في حكم الدين، إذ هو من باب الخداع المحرم شرعا في كل ملة، لكن اليسير منه لا يمكن الاحتراز عنه لأحد، فمضى في البيوع، إذ لو حكمنا برده ما نفذ بيع أبدا، لأنه.."

الشيء اليسير لا بد من وجوده، لذلك لا تجد السلع بقيمة واحدة في جميع المحلات وفي جميع البلدان، بعضهم يكسب الشيء اليسير وبعضهم يزيد قليلا وبعضهم يزيد قليلا إلى أن يصل إلى حد يسمى غبن. فهذا التفاوت اليسير لا بد من وجوده، وإلا لما صححنا عقدا.

"لأنه لا يخلو منه، حتى إذا كان كثيرا أمكن الاحتراز منه فوجب الرد به. والفرق بين القليل والكثير أصل في الشريعة معلوم، فقدر علماؤنا الثلث لهذا الحد، إذ رأوه في الوصية وغيرها.."

لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لسعد: «الثلث والثلث كثير» دل على أن ما دونه قليل.

" ويكون معنى الآية على هذا: ذلك يوم التغابن الجائز مطلقا من غير تفصيل. أو ذلك يوم التغابن الذي لا يستدرك أبدا، لأن تغابن الدنيا يستدرك بوجهين: إما برد في بعض الأحوال، وإما بربح في بيع آخر وسلعة أخرى. فأما من خسر الجنة فلا درك له أبدا. وقد قال بعض علماء الصوفية: إن الله كتب الغبن على الخلق أجمعين، فلا يلقى أحد ربه إلا مغبونا، لأنه لا يمكنه الاستيفاء للعمل حتى يحصل له استيفاء الثواب. وفي الأثر قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يلقى الله أحد إلا نادما إن كان مسيئا إن لم يحسن وإن كان محسنا إن لم يزدد»."

يعني ندم، لأنه لم يحسن. هذا في المسيء. والمحسن يندم أيضًا ويستعتب ليطلب المزيد من الإحسان. الحديث الذي سبق الذي وقفنا عنده في أول الأمر روي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- «إن الله تعالى يقيم الرجل والمرأة» تخريجه..

طالب: ............

إي، هو يقلد الثعلبي ويأخذ منه. وعرفنا مرارا أنه في الحديث بضاعته مزجاة. ليس من أهل الحديث، وإنما يأخذ ما يجد عند من تقدم.

سم.

"قوله تعالى: {وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ}  قرأ نافع وابن عامر بالنون فيهما، والباقون بالياء.

 قوله تعالى:{وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا} [سورة التغابن:10] يعني القرآن {أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [سورة التغابن:10]. لما ذكر ما للمؤمنين ذكر ما للكافرين كما تقدم في غير موضع. قوله تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ} [سورة التغابن:11] أي بإرادته وقضائه. وقال الفراء: يريد إلا بأمر الله. وقيل: إلا بعلم الله. وقيل: سبب نزولها أن الكفار قالوا: لو كان ما عليه المسلمون حقا لصانهم الله عن المصائب في الدنيا، فبين الله تعالى أن ما أصاب من مصيبة في نفس أو مال أو قول أو فعل، يقتضي هما أو يوجب عقابا عاجلا أو آجلا فبعلم الله وقضائه. قوله تعالى:{وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ } [سورة التغابن:9] أي يصدق ويعلم أنه لا يصيبه مصيبة إلا بإذن الله. {يَهْدِ قَلْبَهُ} للصبر والرضى."

والإيمان أخص من مطلق التصديق، لأن له قيود. التصديق مضبوط بقيود، يعني مع يقين مع يقين وعمل بما يقتضيه. هذا التصديق.

"وقيل يثبته على الإيمان. وقال أبو عثمان الجيري."

الجيزي.

"وقال أبو عثمان الجيزي: من صح إيمانه يهد الله قلبه لاتباع السنة. وقيل: ومن يؤمن بالله يهد قلبه عند المصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، قاله ابن جبير. وقال ابن عباس: هو أن يجعل الله في قلبه اليقين ليعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه. وقال الكلبي: هو إذا ابتلي صبر، وإذا أنعم عليه شكر، وإذا ظلم غفر. وقيل: يهد قلبه إلى نيل الثواب في الجنة. وقراءة العامة يهد بفتح الياء وكسر الدال، لذكر اسم الله أولا. وقرأ السلمي وقتادة: (يهد قلبه) بضم الياء وفتح الدال على الفعل المجهول ورفع الباء، لأنه اسم فعل لم يسم فاعله.."

اسم فعل أو اسم فاعل؟ ولا اسم فاعل لأنه يكون نائب عن الفاعل ورفع الباء قلبُه (يُهدَ قلبُه) فقلبُه نائف فاعل للفعل الذي لم يُسمَّ فاعله.

"وقرأ طلحة بن مصرف والأعرج (نهد) بنون على التعظيم قلبه بالنصب. وقرأ عكرمة (يهدأ قلبه) بهمزة ساكنة ورفع الباء، أي يسكن ويطمئن. وقرأ مثله مالك بن دينار، إلا أنه لين الهمزة. {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.."

يعني لم يحقق اللهمز (يَهدَ قلبُه).

"لا يخفى عليه تسليم من انقاد وسلم لأمره، ولا كراهة من كرهه. قوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [سورة التغابن:12-13] أي هونوا على أنفسكم المصائب، واشتغلوا بطاعة الله، واعملوا بكتابه، وأطيعوا الرسول في العمل بسنته، فإن توليتم عن الطاعة فليس على الرسول إلا التبليغ. {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ}  أي لا معبود سواه، ولا خالق غيره، فعليه توكلوا. قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [سورة التغابن:14] فيه خمس مسائل:

الأولى- قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [سورة التغابن:14] قال ابن عباس: نزلت هذه الآية بالمدينة في عوف بن مالك الأشجعي، شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم."

وهذا ما تقدم في أول السورة.

"شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم جفاء أهله وولده، فنزلت. ذكره النحاس. وحكاه الطبري عن عطاء بن يسار قال: نزلت سورة التغابن كلها بمكة إلا هؤلاء الآيات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ} [سورة التغابن:14] نزلت في عوف بن مالك الأشجعي كان ذا أهل وولد، وكان إذا أراد الغزو بكوا إليه ورققوه فقالوا: إلى من تدعنا؟ فيرق فيقيم، فنزلت."

يعني يميل إليهم. يميل إليهم ويعطف عليهم ويترك الجهاد بسببهم. ولا شك أنهم تسببوا في تركه لاسيما إذا تعين الجهاد في تركه لأمر تعيَّن عليه فيأثم بسببه فيكون فتنة له وهم أيضًا مشغلة من الأولاد من الأزواج والأولاد، يعني بعضهم لأن من للتبعيض مشغلة عن تحصيل ما يقرب إلى الله جل وعلا.

"فنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ} [سورة التغابن:14] الآية كلها بالمدينة في عوف بن مالك الأشجعي. وبقية الآيات إلى آخر السورة بالمدينة. وروى الترمذي عن ابن عباس- وسأله رجل عن هذه الآية:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [سورة التغابن:14] قال: هؤلاء رجال أسلموا من أهل مكة وأرادوا أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم رأوا الناس قد فقهوا في الدين هموا أن يعاقبوهم، فأنزل الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [سورة التغابن:14] الآية. هذا حديث حسن صحيح."

نعم، لأنهم العداوة هذه لأن فعلهم نشأ عنه وتسبب عن شيء فيه ضرر عليه كعمل العدو فيه، ثم إذا تبين له أن هذا العمل الذي لم يحصل بسببهم وأنهم أعاقوه عن تحصيل هذا العمل الصالح قد يثير حميته وغضبه فيؤذيهم أو يتسبب في أذاهم جاء الأمر بالعفو والصفح: {وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [سورة التغابن:14] لأن الإنسان إذا انتبه وقد فاته شيء من الأمور بسبب شيء عاد على السبب باللوم وقد يتعدى ذلك إلى الأذى.

"الثانية- قال القاضي أبو بكر بن العربي: هذا يبين وجه العداوة، فإن العدو لم يكن عدوا لذاته وإنما كان عدوا بفعله. فإذا فعل الزوج والولد فعل العدو كان عدوا، ولا فعل أقبح من الحيلولة بين العبد وبين الطاعة. وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.."

قد تكون الأم عدو على هذا التقدير. الأم عدو. كيف؟ الأب عدو إذا أراد الولد أن يفعل شيئا ينفعه في دينه ليخرج لصلاة الفجر مثلا ومنعته أمه خوفا عليه وشفقة عليه، هذا فعل العدو الذي يمنعه من فعل ما ينفعه.

طالب: ............

نفس الشيء، لا، وعاتبوهم على طلب العلم.

طالب: ............

يمنعه وهذا وارد وموجود ويمنعه من طلب العلم ويمنعه من الاستقامة، لاسيما في البلدان التي يكثر فيها التضييق على أهل الدين تجده. يقول: احلق لحيتك وطول ثوبك وافعل واترك، يعني يأمره بأن يعصي. هذا في الحقيقة عدو وإن كان قصده الشفقة عليه والخوف عليه.

"وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الشيطان قعد لابن آدم في طريق الإيمان فقال له أتؤمن وتذر دينك ودين آبائك فخالفه فآمن ثم قعد له على طريق الهجرة فقال له أتهاجر وتترك مالك وأهلك فخالفه فهاجر ثم قعد له على طريق الجهاد فقال له أتجاهد فتقتل نفسك فتنكح نساؤك ويقسم مالك فخالفه فجاهد فقتل فحقَّ على الله..»"

فحقٌّ فحقٌّ..

"«فحقٌّ على الله أن يدخله الجنة». وقعود الشيطان يكون بوجهين.."

طالب: ..........

هي عند البخاري في التاريخ وليس في الصحيح. يحصل خلط أحيانا يكون عند البخاري لكنه في تاريخه أو في الأدب المفرد ثم يأتي من يخرج ويقول رواه البخاري. هذا تدليس أو جهل وتقليد لمن خرّج.

طالب: ..........

والله على تخريجه يقول لا، في التاريخ.

"وقعود الشيطان يكون بوجهين: أحدهما: يكون بالوسوسة. والثاني- بأن يحمل على ما يريد من ذلك الزوج والولد والصاحب، قال الله تعالى:{وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} [سورة فصلت:25]. وفي حكمة عيسى عليه السلام: من اتخذ أهلا ومالا وولدا كان للدنيا عبدا. وفي صحيح.."

لأنه إذا حصل ما حصل ودعي إلى ما ينفعه في دينه قال: ما أترك هؤلاء، لمن أترك هؤلاء؟ وما تكاسل الناس عن الذود والذب عن دين الله إلا بسبب من خلفهم من النساء والذراري، خشية أن يضيعوا.

"وفي صحيح الحديث بيان أدنى من ذلك في حال العبد، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبد الخميصة تعس عبد القطيفة تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش». ولا دناءة أعظم من عبادة الدينار والدرهم، ولا همة أخس من همة ترتفع بثوب جديد. الثالثة- كما أن الرجل يكون له ولده.."

يعني إذا لبس الثوب الجديد أو لبس شيء تميز به على غيره رأى أنه أفضل من غيره. هذه همة دنيئة خسيسة. ينبغي أن تكون همة المسلم المؤمن إلى ما هو أعظم من ذلك.

" الثالثة- كما أن الرجل يكون له ولده وزوجه عدوا كذلك المرأة يكون لها زوجها وولدها عدوا بهذا المعنى بعينه. وعموم قوله: (من أزواجكم) يدخل فيه الذكر والأنثى لدخولهما في كل آية. والله أعلم.."

الزوج يطلق على الذكر وعلى الأنثى، ففلان زوج فلانة وفلانة زوج فلان. فلانة زوج زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أما التفريق بين الذكر والأنثى بالتاء فالزوج هو الذكر والزوجة بالتاء هي الأنثى، هذا من أجل التمييز بينهما في المواريث .لو قيل: توفي عن زوج... ماذا نعطيه زوج وابن وبنت. نحن ما نفرق بين الذكر والأنثى، ما ندري كم نعطيه لأنا ما نعرف أهو ذكر أم أنثى، لكن إذا قيل: توفي عن زوج بالتفريق في باب الفرائض خاصة أو توفي عن زوجة عرفنا ما قدر له شرعا بالتحديد.

"الرابعة- قوله تعالى: (فاحذروهم) معناه على أنفسكم. والحذر على النفس يكون بوجهين: إما لضرر في البدن، وإما لضرر في الدين. وضرر البدن يتعلق بالدنيا، وضرر الدين يتعلق بالآخرة. فحذر الله سبحانه العبد من ذلك وأنذره به.

الخامسة- قوله تعالى:{وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [سورة التغابن:14] روى الطبري عن عكرمة في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [سورة التغابن:14] قال: كان الرجل يريد أن يأتي النبي -صلى الله عليه وسلم- فيقول له أهله: أين تذهب وتدعنا؟ قال: فإذا أسلم وفقه قال: لأرجعن إلى الذين كانوا ينهون عن هذا الأمر، فلا فعلن ولأفعلن، قال: فأنزل الله عز وجل: {وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}. [سورة التغابن:14] وقال مجاهد في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [سورة التغابن:14] قال: ما عادوهم في الدنيا ولكن حملتهم مودتهم على أن أخذوا لهم الحرام فأعطوه إياهم. والآية عامة في كل معصية يرتكبها الإنسان بسبب الأهل والولد. وخصوص السبب لا يمنع عموم الحكم. قوله تعالى.."

يعني لا يقتصر هذا المعنى الوارد في الآية على صورة من الصور، وإنما يشمل جميع ما يندرج فيه ذلك ما يمكن أن تتناوله الآية، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

"قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [سورة التغابن:15] أي بلاء واختبار يحملكم على كسب المحرم ومنع حق الله تعالى فلا تطيعوهم في معصية الله. وفي الحديث: «يؤتى برجل يوم القيامة فيقال أكل عياله حسناته». وعن بعض السلف: العيال سوس الطاعات. وقال القتيبي: فتنة

أي إغرام، يقال: فتن الرجل بالمرأة أي شَغُف بها.."

شُغِف.

"أي شُغِف بها وقيل: فتنة محنة ومنه قول الشاعر:

لقد فتن الناس في دينهم

 

وخلى ابن عفان شرًّا طويلا

وقال ابن مسعود: لا يقولن أحدكم اللهم اعصمني من.."

يعني خلى ابن عفان: ترك ابن عفان خلفه شرا طويلا لأنه حصل بسببه وإن لم يكن مباشرا له. وعمر رضي الله عنه لما قتل كسر الباب الذي دون الفتن، يعني صار قتله سببا في تتابع هذه الفتن. فقد ينسب الشيء إلى مباشره وهو الأصل وقد ينسب إلى متسبِّبه.

"وقال ابن مسعود: لا يقولن أحدكم اللهم اعصمني من الفتنة، فإنه ليس أحد منكم يرجع إلى مال وأهل وولد إلا وهو مشتمل على فتنة، ولكن ليقل: اللهم إني أعوذ بك من مضلات الفتن. وقال الحسن في قوله تعالى:{إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} [سورة التغابن:14] أدخل من.."

فتكون الاستعاذة من المضلات التي تضر وليست من جميع الفتن التي منها الأموال والأولاد. الأموال والأولاد كلها مطلوبة والسعي إليها مطلوب والتسبب في وجودها مطلوب، فكيف تتعوذ من شيء سعيت في جلبه وكسبه؟!

طالب: ...........

فتنة المحيى والممات،  هو إذا أطلقت الفتنة أريد بها ما يضر من الفتن وإلا كيف يطلب الولد ويستعيذ بالله منه؟!

طالب: ...........

المراد بها الفتنة الضارة التي تصرف الإنسان عن دينه.

طالب: ...........

والله هو إذا كان في تقديره الفتن الضارة فقد جاء الاستعاذة منها بإطلاق وإذا كان عموم الفتن التي منها الأولاد والأموال،  هذا ليس بمطلوب،  لأن الأموال والأولاد مطلوب البحث عنهم والتسبب فيهم.

"وقال الحسن في قوله تعالى: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} [سورة التغابن:14] أدخل من للتبعيض، لأن كلهم ليسوا بأعداء."

لأن بعض الأزواج وبعض الأولاد وبعض الأموال عَون للإنسان على ما يفعله مما يرضي به الرب جل وعلا وليس بعَون على فعل ما يعوق ويحول دونه ودون ربه.

"ولم يذكر من في قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [سورة التغابن:15] لأنهما لا يخلوان من الفتنة واشتغال القلب بهما."

من معاني الفتنة الانشغال بالشيء كما جاء في حديث الأنبجانية وكون النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر بردها إلى أبي جهيم، لأنها كادت أن تفتنه في صلاته، يعني تشغله عن صلاته.

"روى الترمذي وغيره عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فجاء الحسن والحسين عليهما السلام- وعليهما قميصان أحمران، يمشيان ويعثران، فنزل صلى الله عليه وسلم فحملهما ووضعهما بين يديه، ثم قال: «صدق الله عز وجل: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [سورة التغابن:15] نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما» ثم أخذ في خطبته.

{وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [سورة التغابن:15] يعني الجنة، فهي الغاية، ولا أجر أعظم منها في قول المفسرين. وفي الصحيحين واللفظ للبخاري- عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يقول لأهل الجنة يا أهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك فيقول هل رضيتم؟ فيقولون وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من خلقك فيقول ألا أعطيكم أفضل من ذلك قالوا يا رب وأي شيء أفضل من ذلك فيقول أحلُّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا». وقد تقدم ولا شك في أن الرضا غاية الآمال. وأنشد الصوفية في تحقيق ذلك:

امتحن الله به خلقه

 

فالنار والجنة في قبضته

فهجره أعظم من ناره

 

ووصله أطيب من جنته

قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ} [سورة التغابن:16] فيه خمس مسائل:

الأولى- ذهب جماعة من أهل التأويل إلى أن هذه الآية ناسخة لقوله تعالى: {اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [سورة آل عمران:102] منهم قتادة والربيع بن أنس والسدي وابن زيد. ذكر الطبري: وحدثني يونس بن عبد الأعلى قال أخبرنا ابن وهب: قال قال ابن زيد في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [سورة آل عمران:102] قال: جاء أمر شديد، قالوا: ومن يعرف قدر هذا أو يبلغه؟ فلما عرف الله أنه قد اشتد ذلك.."

نعم، (حق تقاته) (اتقوا الله حق تقاته) من يعرف القدر الذي يصل فيه الإنسان أنه اتقى الله حق تقاته. شق عليهم مشقة عظيمة فأنزل الله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [سورة التغابن:16] اتقوا الله ما استطعتم لأنه علقت بالاستطاعة والاستطاعة أمر محدود عند الإنسان فيما يقدر عليه.

طالب: ...........

ما هو؟

طالب: ...........

البيتين.

امتحن الله به خلقه

 

فالنار والجنة في قبضته

فهجره أعظم من ناره

 

ووصله أطيب من جنته

أعظم نعيم لأهل الجنة النظر إلى وجه الله جل وعلا. هذا أعظم نعيم ووصله، يعني نظره إليهم ونظرهم إليه أعظم من جنته، كما أن إعراضه عنهم أعظم من ناره.

ماذا فيه؟

طالب: ...........

انتهى؟ طيب. على أنه يمكن الجمع بين (اتقوا الله حق تقاته) وبين (اتقوا الله ما استطعتم). اتقوا الله ما استطعتم في الأوامر «إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم» اتقوا الله حق تقاته في النواهي «إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه».

طالب: ...........

إي، وهذا منهجهم الصوفية هم يقتصرون على المحبة، لكن كون أعظم نعيم أهل الجنة النظر إلى وجهه الكريم أعظم من جنته.

"فلما عرف الله أنه قد اشتد ذلك عليهم نسخها عنهم وجاء بهذه الآية الأخرى فقال:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [سورة التغابن:16]. وقيل: هي محكمة لا نسخ فيها. وقال ابن عباس: قوله تعالى: {اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [سورة آل عمران:102] إنها لم تنسخ، ولكن حق تقاته أن يجاهد لله حق جهاده، ولا يأخذهم في الله لومة لائم، ويقوموا لله بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم. وقد تقدم."

يعني مقتضى هذا أن يعمل الإنسان لاسيما في حق نفسه بالعزائم ولا يلجأ بالرخص إلا إذا عجز، فيتقي الله حق تقاته، لكن العزيمة هي الأصل وهي مطلوبة من المسلم وأن يحمل نفسه عليها، لكن قد يحتاج إلى شيء من الرخص فيكون تكون هي الأفضل في حقه.

"الثانية- فإن قيل: فإذا كانت هذه الآية محكمة غير منسوخة فما وجه قوله في سورة التغابن:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [سورة التغابن:16] وكيف يجوز اجتماع الأمر باتقاء الله حق تقاته والأمر باتقائه ما استطعنا. والأمر باتقائه حق تقاته إيجاب القرآن بغير خصوص ولا وصل بشرط، والأمر باتقائه ما استطعنا أمر باتقائه موصولا بشرط. قيل له: قوله:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [سورة التغابن:16] بمعزل مما دل عليه قوله تعالى: {اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [سورة آل عمران:102] وإنما عنى بقوله.."

لأن من فروع التقوى من فعل الأوامر وترك النواهي يمكن أن يتقى الله فيه حق تقاته، لأنه مقدور أوالمكلف ومنه ما لا يمكن أن يتقى الله فيه حق تقاته فيتناوله (اتقوا الله ما استطعتم) لأنه غير مقدور أو غيرالمكلف.

"وإنما عنى بقوله :{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} اتقوا الله أيها الناس وراقبوه فيما جعل فتنة لكم من أموالكم وأولادكم أن تغلبكم فتنتهم، وتصدكم عن الواجب لله عليكم من الهجرة من أرض الكفر إلى أرض الإسلام، فتتركوا الهجرة ما استطعتم، بمعنى وأنتم للهجرة مستطيعين. وذلك أن الله جل ثناؤه قد كان عذر من لم يقدر على الهجرة بتركها بقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} [سورة النساء:97] إلى قوله: {فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ} [سورة النساء:99]. فأخبر أنه قد عفا عمن لا يستطيع حيلة ولا يهتدي سبيلا بالإقامة في دار الشرك، فكذلك معنى قوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [سورة التغابن:16] في الهجرة من دار الشرك إلى دار الإسلام أن تتركوها بفتنة أموالكم وأولادكم. ومما يدل على صحة هذا أن قوله:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [سورة التغابن:16] عقيب قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [سورة التغابن:14]."

المقيم في دار الكفر تجب عليه الهجرة والانتقال إلى دار الإسلام، لكن إذا لم يستطع، وبذل كل الوسائل حتى الحيل بذلها ولم يستطع، حينئذ يكون معذورًا.

"ولا خلاف بين السلف من أهل العلم بتأويل القرآن أن هذه الآيات نزلت بسبب قوم كفار تأخروا عن الهجرة من دار الشرك إلى دار الإسلام بتثبيط أولادهم إياهم عن ذلك، حسب ما تقدم. وهذا كله اختيار الطبري. وقيل: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [سورة التغابن:16] فيما تُطُوِّع به من نافلة أو صدقة فإنه لما نزل قوله تعالى: {اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [سورة آل عمران:102] اشتد على القوم فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم، فأنزل الله تعالى تخفيفا عنهم: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [سورة التغابن:16] فنسخت الأولى، قاله ابن جبير. قال الماوردي: ويحتمل إن لم يثبت هذا النقل أن المكره على المعصية غير مؤاخذ بها، لأنه لا يستطيع اتقاءها. الثالثة."

وهذا يرد على الشق الثاني من مما تقتضيه التقوى، يعني الإنسان يأتي من الأوامر ما يستطيع «إذا أمرتكم بأمر منه بأمر فائتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه»، لكن قد ينهى عن شيء ولا يستطيع تركه، لأنه مكرَه، لأن المكرَه على المعصية غير مؤاخَذ بها، لأنه لا يستطيع اتقاءها. والمكرَه بالتفصيل عند أهل العلم بالإكراه الذي يحصل إلى حد الإلجاء غير مؤاخَذ. فهناك إكراه على الكفر بكلمة وجاء فيها ما جاء، إكراه على الردة إكراه على ترك الصلاة إكراه على ترك الأركان، لكن هناك إكراه على ما ينافي الإكراه كالإكراه على الزنا. أكثر أهل العلم ينفي أن يكون هناك إكراه على الزنا، لأن المكرَه لا يستطيع أن يقارف الزنا خلقة، لا يستطيع لا ينتشر فلا إكراه فإن انتشر فهو غير مكرَه باختياره. ومن أهل العلم يرى أنه يمكن إكراهه على ذلك بأن إذا رأى بداية الفعل فيما هدد به وأراد أن يتخلص مما هدد به تناسى هذا الإكراه وفعل الفاحشة خوفا من أن يقع عليه ما هدد به. وهذه وجهة نظر من يقول أن الإكراه قد يدخل حتى في هذا.

"الثالثة- قوله تعالى:{وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا} [سورة التغابن:16] أي اسمعوا ما توعظون به وأطيعوا فيما تؤمرون به وتنهون عنه. وقال مقاتل: اسمعوا أي اصغوا إلى ما ينزل عليكم من كتاب الله، وهو الأصل في السماع. وأطيعوا لرسوله فيما أمركم أو نهاكم. وقال قتادة: عليهما بويع النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة. وقيل: واسمعوا أي اقبلوا ما تسمعون، وعبر عنه بالسماع لأنه فائدته. قلتُ.."

والمراد القبول كون الإنسان يسمع ولا يقبل أو يسمع ولا يعمل. هذا سماعه مثل عدمه. (لهم آذان لا يسمعون بها) هم يسمعون، لكن لا يترتب عليها الأثر الذي من أجله وُجِد السمع، لا ينتفعون بهذا السمع، فالسمع وجوده مثل عدمه حينئذ. والسمع والطاعة هي التي بويع عليها النبي -عليه الصلاة والسلام- كما في حديث عبادة: بايعْنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره إلى آخر الحديث.

"قلتُ  وقد تغلغل في هذه الآية الحجاج حين تلاها وقصرها على عبد الملك بن مروان فقال: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا} [سورة التغابن:16] هي لعبد الملك بن مروان أمين الله وخليفته، ليس فيها مثنوية، والله لو أمرت رجلا أن يخرج من باب المسجد فخرج من غيره لحل لي دمه. وكذب في تأويلها بل هي للنبي صلى الله عليه وسلم أولا ثم لأولي الأمر من بعده. دليله: {أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [سورة النساء:59]."

لا تصل العقوبة في مثل هذه المعصية إلى حد القتل إلا عند مثل هذا الظالم الحجاج. لو قال له: اخرج من هذا الباب وخرج مع الباب الثاني، حل لي دمه. أعوذ بالله. نسأل الله العافية.

"الرابعة- قوله تعالى: {وأنفقوا} قيل: هو الزكاة، قاله ابن عباس. وقيل: هو النفقة في النفل. وقال الضحاك: هو النفقة في الجهاد. وقال الحسن: هو نفقة الرجل لنفسه. قال ابن العربي: وإنما أوقع قائل هذا قوله: لأنفسكم وخفي عليه أن نفقة النفل والفرض في الصدقة هي نفقة الرجل على نفسه، قال الله تعالى: {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [سورة الإسراء:7]."

نعم الأصل هو النفس ثم بعد ذلك يتعدى من تجب مؤونته وإلا النفس لا يقدَّم عليها شيء.

طالب: .........

نعم، يؤمر بالنفقة على نفسه، يعني لو ترك الأكل والشرب وترك الإنفاق على نفسه حتى مات هو آثم.

"وكل ما يفعله الرجل من خير فإنما هو لنفسه. والصحيح أنها عامة. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له رجل: عندي دينار؟ قال: «أنفقه على نفسم» قال: عندي آخر؟ قال: «أنفقه على عيالك» قال: عندي آخر؟ قال:«أنفقه على ولدك» قال: عندي آخر؟ قال: «تصدق به» فبدأ بالنفس والأهل والولد وجعل الصدقة بعد ذلك. وهو الأصل في الشرع."

نعم، وكفى بالمرء أن يضيع من يمون، يضيع نفسه يضيع أهله ومن تحت يده ويبذل في أبواب هي دون هذا الباب فضلا عن كونه يبذل فيما لا نفع له فيه.

"الخامسة- قوله تعالى:{خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ} [سورة التغابن:16] خيرا نصب بفعل مضمر عند سيبويه، دل عليه وأنفقوا كأنه قال: ايتوا في الإنفاق خيرا لأنفسكم، أو قدموا خيرا لأنفسكم من أموالكم. وهو عند الكسائي والفراء نعت لمصدر محذوف، أي أنفقوا إنفاقا خيرا لأنفسكم. وهو عند أبي عبيدة خبر كان مضمرة، أي يكن خيرا لكم. ومن جعل الخير المال فهو منصوب ب أنفقوا. قوله تعالى: {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة الحشر:9] تقدم الكلام فيه. وكذا: {إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ} [سورة التغابن:17] تقدم الكلام فيه أيضا في البقرة وسورة الحديد. {وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ} [سورة التغابن:17] تقدم معنى الشكر في البقرة. والحليم: الذي لا يعجَل. قوله تعالى.."

أيضا في سبب نزول قول اليهود: (إن الله فقير ونحن أغنياء) أنه يطلب القرض ولا يطلب القرض إلا فقير. نسأل الله العافية. نعوذ بالله.

طالب: .........

العيال من يعولهم من الأولاد وغيرهم... أعم.

"قوله تعالى:{عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [سورة التغابن:18] {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [سورة الأنعام:73] أي ما غاب وحضر. وهو {الْعَزِيزُ} أي الغالب القاهر. فهو من صفات الأفعال، ومنه قوله عز وجل:{تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [سورة الزمر:1] أي من الله القاهر المحكم خالق الأشياء. وقال الخطابي: وقد يكون بمعنى نفاسة القدر، يقال منه: عز يعز (بكسر العين) فيتناول معنى العزيز على هذا أنه لا يعادله شي وأنه لا مثل له. والله أعلم. {الْحَكِيمُ} في تدبير خلقه. وقال ابن الأنباري: الحكيم هو المحكم لخلق الأشياء، صرف عن مفعل إلى فعيل، ومنه قوله عز وجل:{الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} [سورة يونس:1] معناه المحكم، فصرف عن مفعل إلى فعيل. والله اعلم."

الحكيم الذي تأتي أفعاله على مقتضى حكمته، هذا هو الحكيم أو المحكِم لخلقه المتقن لهم. والصيغة تحتمل هذا وهذا. وهذا إن شاء الله آخر درس من دروس التفسير ونقف على الطلاق إن شاء الله.

طالب: .........

ما هو ممدينا نأخذ الطلاق. الطلاق طويل حدود ثلاثين أو أكثر من ثلاثين صفحة. ما هو ممدينا عليه ولا نقف على نصفها. ما يصلح.

طالب: .........

هذا آخر درس. التفسير آخر درس. بارك الله فيكم.

"
هذا يسأل ويقول: كثر الكلام في هذه الأيام في الصحف عن رضاعة الموظف من الموظفة وقد ذكروا أن بعض العلماء أفتى بذلك. نرجو إيضاح هذا الأمر.

المسألة عند عامة أهل العلم أن الرضاع بعد الحولين لا يحرّم ولا ينشر الحرمة وأن الرضاع المحرم خاص بما قبل الفطام. حصل قصة خاصة في زمانه -عليه الصلاة والسلام- لسالم مولى أبي حذيفة نظرًا لحاجتهم إليه الحاجة الشديدة فارتضع سالم من زوجة أبي حذيفة وكان كانت حاجتهم إليه ماسة ووجهم النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى أن ترضعه زوجته - زوجة أبي حذيفة - من أجل أن يرتفع الحرج. وهذه القصة قضية عين خاصة عند عامة أهل العلم وأن رضاع الكبير لا ينشر الحرمة وأن الرضاع هو ما قبل الفطام، لأنه هو الذي يغذي وينفع ينشز العظم ويستفيد منه اللحم والجسم. عائشة رضي الله عنها رأت أن رضاع الكبير... وليس في الأئمة من يقول به. عائشة رضي الله عنها رأت أن رضاع الكيبر يحرّم أخذًا من هذا الحديث ولم يوافقها أحد لا من الصحابة ولا من الأئمة ولا من التابعين. بعد ذلك جاء شيخ الإسلام رحمه الله ورأى أن رضاع الكبير يحرّم مقصورًا على الحاجة، يعني مثل حاجة أبي حذيفة لمولاه. فإذا وجدت الحاجة وجد التحريم وإلا فالأصل أن رضاع الكبير لا يحرّم وهو قول عامة أهل العلم لا لحاجة ولا لغيرها، لكن عائشة تراه يحرم على إطلاق وشيخ الإسلام يراه يحرم مع الحاجة. فالقول به شاذ بلا شك كما أن القول بالتضحية بالصغيرة التي لم تبلغ السن كما في قصة أبي بردة لما ذبح قبل الصلاة وقال له النبي -عليه الصلاة والسلام: «شاتك شاة لحم». ذبح شاة مجزئة قبل الصلاة يعني كبيرة في السن فأمره النبي -عليه الصلاة والسلام- بإعادتها فقال: ما عندي إلا هذه الصغيرة، فقال: «ضح بها». جميع أهل العلم لا يرون التضحية بمثل هذه الصغيرة، لكن هذا ضحى لكنه ضحى قبل الوقت فأُمر بالإعادة وليس عنده غيرها. شيخ الإسلام رحمه الله كأنه يميل إلى من كان ظرفه مثل ظرف أبي بردة بأن ضحى قبل الصلاة وأمر بالإعادة وليس عنده إلا صغيرة أنه يضحي به. هذه المسائل التي العمل على خلافها عند عامة أهل العلم وتتبع مثل هذه المسائل هذه شواذ شواذ المسائل عند أهل العلم ولا يتتبعها ويعمل بها إلا من في قلبه شيء، لأنها أقرب ما تكون إلى المتشابه. وعندنا المحكم الذي فيه النصوص الصحيحة الثابتة الواضحة فيأتي إلى الموظف ويرتضع منها لتزول الحرمة ثم يأتي من يقول وقد قيل: إذا أعجبته وأعجبها يتزوجها بناء على رأي الجمهور. هذا لعب. هذا تلاعب في الدين. والله المستعان.
طالب: ............
قال ولا تجزئ على أحد غير بعدك.
طالب: ............
لكن شيخ الإسلام كأنه مال إلى أن الظروف إذا كانت واحدة فما المانع أن تتعدد، لكن هذا الكلام لا يقبل من شيخ الإسلام ولا من غير شيخ الإسلام.
طالب: ............
لا، إذا نص على أنها لا تجزئ وعندهم نصوص أخرى يعملون بها. الظاهرية يعظمون النصوص.