شرح الموطأ – كتاب الكلام (1)

سم.

أحسن الله إليك.

كتاب الكلام:

باب ما يكره من الكلام:

حدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما)).

وحدثني مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا سمعت الرجل يقول: هلك الناس فهو أهلكهم)).

وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يقل أحدكم: يا خيبة الدهر، فإن الله هو الدهر)).

وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عيسى ابن مريم لقي خنزيراً بالطريق فقال عيسى له: أنفذ بسلام الله، فقيل له: تقول هذا لخنزير؟ فقال عيسى ابن مريم: إني أخاف أن أعود لساني النطق بالسوء.

يقول -رحمه الله تعالى-:

كتاب الكلام:

باب ما يكره من الكلام:

الألفاظ التي على المسلم أن يجتنبها، إما وجوباً أو استحباباً.

قال: "حدثني مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما))".

يعني إن كان من قيلت له أهل لهذه الكلمة فقد وقعت موقعها، والقائل صادق، لكن إن لم يكن أهلاً لها فإنها ترجع إلى قائلها، وليس معنى هذا أنه يكفر بالفعل، ويخرج من الملة، لكنه قال كلمة عظيمة يبوء بإثمها، وكفره هنا دون كفر، إلا إن استحل كفر المسلم بدون مكفر عليه من الله برهان.

قال: "وحدثني مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا سمعت الرجل يقول: هلك الناس فهو أهلكهم))" فهو أشدهم هلاكاً، يعني بعض الناس مغرم بالتشكي، ولا ينظر إلى الواقع إلا بعين واحدة، ينظر إلى المساوئ فقط، ويدب إليه اليأس، فتجده دائماً ينذر الناس ويحذرهم، ويقول: الناس هلكوا خلاص ما عاد فيهم خير، وبالمقابل بعض الناس لا ينظر إلا بالعين الأخرى، فلا ينظر إلا إلى المحاسن، ولا ينظر إلى شيء من المساوئ، فهو يطمئن الناس، لكنه مع ذلك لا بد من التوسط، لا بد من النظر بالعينين كلتيهما، لا ينظر إلى المساوئ فقط، ويؤيس الناس، ويقنط الناس، ولا ينظر إلى المحاسن فقط، فيجعل الناس يأمنون من مكر الله، ولا يتوبون، ولا يثوبون، ولا يرجعون، عليه أن بين هذا وهذا، عليه أن ينظر إلى المحاسن وإلى المساوئ، إلى المحاسن فيشيد بها ويذكرها، ويشجع أهلها، وإلى المساوئ فيحذر منها، ولا يتم الأمر إلا بها؛ لأنه ليس من الإنصاف أن تنظر إلى المساوئ فقط، ولا تذكر إلا المساوئ، وأيضاً ليس من النصح لا للراعي ولا للرعية، ألا ينظر إلا إلى المحاسن؛ لأنه إذا لم ينظر إلى المساوئ متى يرعوي الناس؟ متى يرتدعون؟ إذا طمئنوا، إذا أمنوا من مكر الله، قد يؤخذون على غرة وهم لا يشعرون، وكل من الأمن من مكر الله، واليأس والقنوط من رحمة الله من عظائم الأمور -نسأل الله السلامة والعافية-، فلا بد من التوسط ينظر إلى المساوئ لتعالج، وينظر إلى المحاسن ليشجع فاعلها، ويقتدى به.

((فهو أهلكهم)) يعني أشدهم هلاكاً، بعض الروايات يضبط ((أهلكَهم)) هو الذي أهلكهم، يعني هو الذي سعى في هلاكهم، حيث أيسهم وقنطهم.

قال: "وحدثني مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يقل أحدكم: يا خيبة الدهر، فإن الله هو الدهر))" جاء النهي عن سب الدهر، والعلة: ((فإن الله هو الدهر)) أنت إذا سببت الدهر تسب من؟ أنت تسب الدهر لما وقع فيه، وأنت في الحقيقة إنما تسب من أوقع هذه الأمور في هذا الظرف، الدهر أيام وليالي ونهار وليل وماشي، شهور وفصول وسنوات، ظروف، لا تصنع شيئاً بنفسها، إنما أنت في حقيقة الأمر إنما تسب من أوقع هذا الذي جعلك تسب الدهر، وابن حزم تبعاً لظاهريته وجموده على الظاهر، قال: إن الدهر من أسماء الله -جل وعلا-، هذا الكلام ليس بصحيح، إنما كونه يقول: ((فإن الله هو الدهر)) يعني هو المذموم بهذا الأسلوب، إذا قلت: يا خيبة الدهر كأنك ذممت الله -جل وعلا-؛ لأنه هو الموجد لهذه الأشياء في هذا الظرف، في هذا الدهر الذي ذممته من أجله.

قال: "وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد أن عيسى ابن مريم لقي خنزيراً بالطريق" القصة يحكيها يحيى بن سعيد، وهو من أتباع التابعين، ولم يشهدها، وفيها انقطاع طويل، وإعضال شديد، يقول: "إن عيسى ابن مريم لقي خنزيراً بالطريق" وهي محتملة للثبوت وعدمه "فقال له: أنفذ بسلام" يعني امض واذهب بسلام مني، بحيث لا أتعرض لك بسوء "فقيل له: تقول هذا لخنزير؟! فقال عيسى: إني أخاف أن أعود لساني النطق بالسوء" نعم على الإنسان أن يعود لسانه جميل الألفاظ، الشافعي سمع المزني يقول لشخص: كذب فلان، قال: يا أبا إبراهيم أكس ألفاظك أجملها، يعني لا تعود لسانك كل من تكلم قال: كذب وإلا فعل وإلا ترك، فهذا من الأدب الرفيع الذي جاءت به النصوص، واقتفاه أهل العلم.

والإمام أحمد ذكر بعض الأمراء وسأل، وذمه ذماً شديداً، فقال له ابنه عبد الله: ألا تلعنه؟ أو قال: يجوز لعنه؟ قال: نعم، هو من الظلمة المشهورين على مستوى الأمة، يعني معروف، فقال: وهل سمعت أباك لعاناً؟! أو هل عرفت أباك لعاناً؟! يعني حتى من يستحق تعف عن لعنه وسبه وشتمه، إلا إذا كنت في مقام يخشى من بعض السامعين أو الحاضرين أن يحسن به الظن؛ لأن من عظائم الأمور كما قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: "من عظائم الأمور أن يظن بأهل الفجور خيراً".

فعلى الإنسان أن يجعل لسانه عفيفاً، وكثيراً من الناس يرسل اللعن على عواهنه، وجاء في الحديث الصحيح: ((لعن المؤمن كقتله)) ((وليس المسلم باللعان ولا بالطعان، ولا بالفاحش البذيء)).

قال: "تقول هذا لخنزير؟! فقال: إني أخاف أن أعود لساني النطق بالسوء" يعني على الإنسان أن يخطم لسانه، ويزمه بزمام العفة والأدب، وجاء في النساء أنهن أكثر أهل النار، وجاء من الأسباب: ((يكثرن اللعن)) نعم؟

طالب:......

لا لا، هذا ليس..... إجماعاًَ عند أهل العلم.

طالب:......

لا، لا إذا عرفنا المعنى، المعنى بدقة واضح.

طالب:......

وتر واحد يعني، وتر واحد، هو الأحد، الفرد الصمد.

سم.

طالب:......

ويش هو؟

طالب:......

إيه جاء لعن الدابة، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر بتسييبها، ولا تصحبنا ملعونة، نعم؟

طالب:......

اللعن، لعن أي شيء هذا أمره عظيم.

طالب:......

لا، لا ما يجوز، شكله صنع الله الذي أتقن كل شيء، نعم.

طالب:......

الظاهر، هذه كثيراً ما يقولها أحد الزوجين حينما يحصل مشكلة، أحد الزوجين حينما يحصل مشكلة بينهما فإنه يسب اليوم الذي حصل التعارف، والوسيط أيضاً يناله ما يناله، نعم؟

طالب:......

الشيطان أمره سهل، نعم ما في إشكال.

طالب:......

إيه يجوز لعنه ما في إشكال.

طالب:......

جاء الأمر بلعن المتبرجات: ((فالعنوهن)) يعني ليس الكلام على إطلاقه، نعم لكن الإنسان يكون عفيف اللسان، بعض الناس كنا في مكان عام جلسنا فيه، اقتضى ظرف الحال أن نجلس فيه، وبجوارنا أناس من يوم جلسنا إلى أن قمنا وكثير منهم يلعن نفسه، ويلعن أمه، ويلعن أبوه، كل واحد يلعن الثاني من يوم جلسنا إلى يوم قمنا، نسأل الله العافية، وإذا عود الإنسان نفسه هذه الألفاظ خطر أن تطغى عليه في وقت الاحتضار، سمعنا في وقت الاحتضار، وفي العناية المركزة في المستشفيات ناس غابت عقولهم، لكن منهم من يؤذن، ومنهم من يقرأ القرآن، ومنهم من يلعن، ومنهم من يغني، يعني هذا كله موجود، فمن عاش على شيء شاب عليه، مات عليه، هذا ظاهر، والفواتح عنوان الخواتم، نعم.

أحسن الله إليك.

باب ما يؤمر به من التحفظ في الكلام:

حدثني عن مالك عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبيه عن بلال بن الحارث المزني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه)).

وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح السمان أنه أخبره أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقي لها بالاً يهوي بها في نار جهنم، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقي لها بالاً يرفعه الله بها في الجنة".

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب ما يؤمر به من التحفظ في الكلام:

قال: "حدثني مالك عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبيه عن بلال بن الحارث المزني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت))" تكون سبب لرضوان الله عليه وهي كلمة، وقد يفعل فعلة تكون هي السبب في دخوله الجنة، وإن كانت عنده مخالفات، كلمة ينتفع بها أقوام وهي كلمة واحدة، وتجري له الأجور بسبب نفعه هؤلاء الأقوام إلى قيام الساعة، وهي كلمة واحدة، ما يظن أن تبلغ ما بلغت، يعني في بعض الروايات: ((لا يلقي لها بالاً)) لا نقول: إنها لم يقصدها ولم ينوها، إنما الأعمال بالنيات، لكن لا يلقي لها بالاً يلقيها في موضع يظن أن أمرها سهل عند الله -جل وعلا-، وهو يعرف أنها نافعة ومطلوبة ومن رضوان الله، ولذا معرفة حكم الشيء لا بد منه، لكن معرفة ما يترتب عليه ليس بلازم، يعني من يعرف أن التسبيح فيه أجر عظيم، ومحبوب عند الله -جل وعلا-، ولا يعرف أن من قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة، حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر، نقول: تحط عنه ولو لم يعرف.

من عرف أن الجماع في نهار رمضان حرام، لكن ما يعرف أن فيه عتق رقبة، وصيام شهرين متتابعين، نقول: يلزمه، المقصود أنه عرف أنه حرام، فإذا عرف الحكم إجمالاً لزمته توابعه.

هذا يعرف أن هذه الكلمة مما يرضي الله -جل وعلا-، لكنها يسيرة، وكم من كلمة من رضوان الله نفع الله بها نفعاً عظيماً، وكم من كلمة من سخط الله حصل بها الضرر العظيم، ((وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يلقي لها بالاً تهوي به في النار سبعين خريفاً)) نسأل الله العافية.

وهذا الحديث في الصحيح، لا يقال: إن هذا ثواب عظيم رتب على أمر يسير أو العكس، لا؛ لأن هذا الضابط عند أهل العلم ليس على إطلاقه؛ لأنه من ضوابط معرفة الموضوع عندهم: أن يرتب الثواب العظيم على العمل اليسير أو العكس، لكن هذا إذا لم يوجد للخبر إسناد، إذا لم يوجد له إسناد نعم، تكون قرينة على أنه موضوع، لكن إذا عرفنا إسناده ففضل الله واسع، وعذابه شديد.

((وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه)) جاء في الحديث الصحيح عند البخاري: ((يهوي بها في النار سبعين خريفاً)) فعلى الإنسان أن يحفظ لسانه، لا يظن أن المسألة همل وإلا عبث، وإلا يعني هو متروك لسانه على كتفه كما يقول الناس، يتكلم بما شاء، لا، لا، كل شيء محاسب عليه، جاء في حديث معاذ: وإنا لمؤاخذون على ما نتكلم به؟ قال: ((نعم، وهل يكب الناس على وجوههم، أو قال: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم)).

قال بعد ذلك: "وحدثني مالك عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح السمان أنه أخبره أن أبا هريرة قال: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقي لها بالاً يهوي بها في نار جهنم" ما يلقي لها بالاً، وكم من كلمة تخرج من لسان شخص بالعشرات بالمئات بالألوف وهو لا يلقي لها بالاً، وهذا إذا كان الضرر في أمر الدنيا، أو في أمر يقدح في شخص في دنياه، فكيف إذا كانت الكلمة مما يضل بسببها فئام من الناس، يقول الكلمة وهو لا يشعر، ولا يظن أن تبلغ هذا المبلغ، فعليه أوزار من عمل بها إلى قيام الساعة، نسأل الله العافية، نعم؟

طالب:......

إذا كان ما يعرف حكم هذه الكلمة، إذا ما كان ما يعرف، لكن إذا عرف الحكم هذه حرام، حتى لو شك كما جاء في الحديث: ((من حدث عني بحديث يُرى أنه كذب)) يعني لو شك فيه أدنى شك يجب عليه أن يتوقف.

طالب:......

إيش لون العلم؟

طالب:......

لا، المهم أن يعرف أنها محرمة، يعرف أنها ممنوعة، ولا يعرف التفاصيل، ولا الأمر المترتب عليها يلزم باللوازم.

طالب:......

هناك كلمات واضحة يعرفها الخاص والعام، واضحة، لا يجهلها أحد، وهناك كلمات غامضة لا يعرفها إلا أهل العلم، مثل هذه لا بد من أن يعرف حكمها؛ لأن بعض الكلمات قد يخفى على كثير من الناس هل هي مدح وإلا ذم؟ نعم؟

طالب:......

الكلمة تطلق ويراد بها المفردة، وتطلق ويراد بها الجملة، وتطلق ويراد بها الكلام الكثير.

وكلمة بها كلام قد يؤم
 

 

 

...................................

 

 

يعني يقصد، نعم؟

طالب:......

لا، هذا بيان الواقع وإلا السخط صفة ثابتة لله -جل وعلا-، ومثله الغضب.

"وإن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقي لها بالاً يرفعه الله بها في الجنة" يعني ما يدري ويش الكلمة؟ صحيح أنها من رضوان الله، ويعرف أنها نافعة، لكن مع ذلك ما يقدر قدرها، ثم بعد ذلك تيسر له هذه الكلمة، وتلقى على لسانه فيفوز بسببها، نعم؟

طالب:......

كيف؟

طالب:......

ما يخفى على هذا، إن هذا الكلب قد بلغ به مثل ما بلغ بي، تعرف أن هذا في الجملة، تعرف إجمالاً أن هذا المسقي يستفيد، نعم.

أحسن الله إليك.

باب ما يكره من الكلام بغير ذكر الله:

حدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: قدم رجلان من المشرق فخطبا، فعجب الناس لبيانهما، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن من البيان لسحراً)) أو قال: ((إن بعض البيان لسحر)).

وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عيسى ابن مريم كان يقول: "لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسو قلوبكم، فإن القلب القاسي بعيد من الله، ولكن لا تعلمون، ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب، وانظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد، فإنما الناس مبتلى ومعافى، فارحموا أهل البلاء، واحمدوا الله على العافية".

وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت ترسل إلى بعض أهلها بعد العتمة فتقول: "ألا تريحون الكُتاب".

نعم يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب ما يكره من الكلام بغير ذكر الله:

والكراهية أعم من أن تكون للتنزيه أو للتحريم، في عرف المتقدمين تتناول التحريم.

قال: "حدثني مالك عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر أنه قال: قدم رجلان من أهل المشرق فخطبا، فعجب الناس لبيانهما" لا شك أن الخطيب البليغ الفصيح يعجب الناس، ويأخذ بعقولهم وألبابهم، فيتعجب الناس من بلاغته وفصاحته، لكن العبرة باستخدام هذا البيان، وهذه البلاغة، وهذه الفصاحة في نصر الحق، ودحض الباطل، إن استعملت في هذا فهي ممدوحة، وإن استعمل البيان في نصر الباطل، وغمط الحق، فهو مذموم.

الإمام -رحمه الله تعالى- جعل هذا الحديث تحت هذه الترجمة فيما يكره من الكلام، وحمله على هذا المحمل، وإن كان العلماء اختلفوا في المراد به، هل هو مدح وإلا ذم؟

"فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن من البيان لسحراً))" يعني بعض البيان سحر، لا سيما إذا استخدم في نصر الباطل، والبيان مشابه للسحر، باعتبار أنه يؤثر في الناس تأثير السحر، كم من خطيب أقنع الناس ببيانه، وغير قناعات الناس ببلاغته وفصاحته، كما يخيل الساحر على الرائي وعلى السامع ما يخيله، فتأثير الكلام نظير تأثير السحر، فهذا الكلام ليس على..، لا يذم مطلقاً، ولا يمدح مطلقاً، والتفصيل مثلما سمعتم، إن استعمل هذا البيان في نصر الحق وقمع الباطل فإنه حينئذٍ يكون ممدوحاً، وإن استعمل بالعكس فبالضد يكون مذموماً.

((إن من البيان)) هذه تبعيضية، ما يدل على أن منه ما هو ممدوح، يعني تشبيهه بالسحر يعني هل يقتضي التشبيه من كل وجه؟ لا، التشبيه لا يقتضي مطابقة المشبه مع المشبه به من كل وجه، قد يكون التشبيه من وجه دون وجه، كما شبه الوحي بصلصلة الجرس، الجرس مذموم، والوحي ممدوح؛ لأن صلصلة الجرس لها جهتان: جهة ممدوحة، وجهة مذمومة فهو يشبه به من الجهة الممدوحة لا المذمومة.

وهنا البيان له جهة مذمومة يشبه فيها بالسحر، وله جهة ممدوحة يمدح بها ويثنى على من نصر الحق ببيانه، ولذا قال: ((إن من البيان)) وفي الرواية الأخرى: ((إن بعض البيان لسحر)).

قال: "وحدثني مالك أنه بلغه أن عيسى ابن مريم كان يقول: "لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسو قلوبكم".

لا شك أن فضول الكلام من أخطر الأمور على القلب، إضافة إلى فضول الطعام، فضول السمع، فضول البصر، فضول النوم، فضول الخلطة بالناس، كل هذه مما يحجب القلب ويغطيه، كما ذكر ذلك ابن القيم -رحمه الله- في مدارج السالكين، فعلى الإنسان أن يقلل من الخلطة بقدر الإمكان، ويخلو بما ينفعه، وما يقربه إلى الله -جل وعلا-.

"لا تكثروا الكلام" لأنه إذا كان بمفرده لن يكثر الكلام، بغير ذكر الله، تجده يذكر الله إذا كان منفرداً، أو يقرأ ما ينفعه، وقد يوجد منه ما يضره، لكن الغالب أن القيل والقال إنما يكون في الخلطة، ولا يكون في العزلة.

"لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسو قلوبكم" تقسو: فعل مضارع منصوب بأن المضمرة بعد فاء السببية الواقعة في جواب النهي "فإن القلب القاسي بعيد من الله، ولكن لا تعلمون" كم من شخص تجده طالب للعلم، ملازم للعلم، وتظن به خيراً، وهو من هذا النوع، وأحياناً تذرف الدمعة من عينيه وهو من هذا النوع قلبه قاسي، إذا كان الحسن يقول: "ابحث عن قلبك في ثلاثة مواطن: في الصلاة، وعند قراءة القرآن، والذكر، فإن وجدته وإلا فاعلم بأن الباب مغلق" ومسخ القلوب لا شك أنه كما يقرر أهل العلم أعظم من مسخ الأبدان، كثير من الناس قلبه ممسوخ وهو لا يشعر، وإذا راجع الإنسان نفسه مع الأسف يجد أنه مع طول الوقت مع ملازمته للتعلم والتعليم والقراءة يجده مع طول الوقت لا يستفيد قلبه شيء، لماذا؟ للأسباب بعضها موجود، وبعضها مفقود، لكن الموانع أيضاً موجودة، {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم} [(14) سورة المطففين] نعم الكسب له شأن عظيم في هذا الباب، إضافة إلى ما ابتلي به الناس بعد انفتاح الدنيا من الفضول، كان الناس منشغلين بالمعيشة، وإذا فضل من الوقت شيء يطلب فيه العلم، لكن الآن ما في انشغال بالمعيشة، العلم له وقت يسير، والباقي قيل وقال، وخلطة، ونظر، وإرسال للبصر، وأكل كثير، ونوم كثير، هذه كلها مما يقسي القلب، فعلى الإنسان أن يحرص على علاج قلبه قبل علاج بدنه.

يعني لو أن الإنسان تحسس نفسه، وراجع نفسه، ونظر في وضعه قبل عشرين سنة، ووضعه اليوم وجد الفرق كبير، كل بحسبه اللي ما وصل الأربعين ينظر إلى نفسه قبل عشر سنوات يجد الفرق كبير، ولسنا نتقدم إلى ما ينفعنا، الإشكال أننا نتأخر، يعني وإن كان الظاهر ملازمة علم وتعليم وقراءة وتذكير، لكن المدار على القلب؛ لأنه هو الذي إذا صلح صلح الجسد كله، قد يكون الظاهر على السنة، لكن الكلام على الباطن، ((إن الله لا ينظر إلى صوركم وأبدانكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)) فالعبرة بالقلب.

"فإن القلب القاسي بعيد من الله، ولكن لا تعلمون" نعم قد يكون الإنسان ممن مسخ قلبه وهو لا يشعر.

"ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب" لا تنظروا في ذنوب الناس، يعني عليك بنفسك، وانشغل بعيبك عن عيوب الناس، ولست برب تحاسب الناس على أعمالهم.

"وانظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد" نعم أنت عبد مربوب لله -جل وعلا- حاسب نفسك.

"فإنما الناس -اثنان- مبتلى ومعافى، فارحموا أهل البلاء" ارحموهم، فإن كان البلاء في البدن ساعدوهم على ما يخفف عنهم هذا البلاء، وإن كان البلاء في القلب، أو في العمل، أو في الشكل فعليك أن تسعى إلى رفع هذا البلاء.

"فارحموا أهل البلاء" مو معناه ترحمه تشفق عليه، وتنظر إليه نظرة رحمة وإشفاق من دون أن تقدم له شيء، وأنت تستطيع مما يخفف عنه هذا البلاء.

"فارحموا أهل البلاء، واحمدوا الله على العافية" قد جاء الأمر بسؤال الله -جل وعلا- العافية.

قال: "وحدثني مالك أنه بلغه أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت ترسل إلى بعض أهلها بعد العتمة" يعني بعد صلاة العشاء، جاء النهي عن تسمية العشاء بالعتمة، لكنه إذا صار ديدناً لهذا المسمى بمعنى أنه لا يعرف بين الناس إلا بالعتمة، ولذلك قال: ((لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم العشاء)) يعني إذا كان لا يسميها إلا العتمة وإلا تسميته مرة أو مرات مع حفظ اسمها العشاء هذا لا يضر، وجاء ما يدل عليه.

"فتقول: "ألا تريحون الكتاب؟" ويكون إراحة الكتاب بأي شيء؟ بالنوم؛ لأن المستيقظ لا سيما إذا كان عنده أحد هذا هو الذي يشغل الكتاب بالقيل والقال.

وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يختم ليله قبل النوم بركعتين، وينام عليهما؛ لتكون كفارة لما بدر منه وحصل، نعم؟

طالب:......

إيه يكتبون الحسنات والسيئات.

طالب:......

إيه هذا من باب التوسع في الكلام.

طالب:......

ويش هو؟

طالب:......

لا، الأصل ما يكتب عليه شيء الطفل، لكن مخاطبة الطفل بهذا الكلام إنما هو من باب التوسع في الكلام.

طالب:......

إيه ريح ملائكتك.

طالب:......

يعني أنهم شقوا بذلك، لا ما يلزم.

طالب:......

لا ما يلزم.

طالب: يعني ما في بأس؟

ما في إشكال -إن شاء الله- نعم.

طالب:......

ما في جرس خير، الجرس كله شر.

طالب:......

منهي عنه، لا تصحبنا رفقة فيها جرس.

طالب: جرس السيارات، ومنبه السيارات.

نفس الشيء إذا كان صوته مثل جرس الدواب الذي جاء ذمه، فإن كان أمره أخف في الإطراب فالأمر سهل، إذا كان أشد فهو أعظم، نعم.

أحسن الله إليك.

باب ما جاء في الغيبة:

حدثني عن مالك عن الوليد بن عبد الله بن صياد أن المطلب بن عبد الله بن حنطب المخزومي أخبره أن رجلاً سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما الغيبة؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أن تذكر من المرء ما يكره أن يسمع)) قال: يا رسول الله وإن كان حقاً؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا قلت باطلاً فذلك البهتان)).

يقول -رحمه الله تعالى-:

باب ما جاء في الغيبة:

يعني ذكر الإنسان في حال غيبته بما يكره، ذكره بما يكره حال غيبته، وأما ذكره بما يكره في حال حضوره، هذا ليس بغيبة، لكن يلزم عليه أنه إذا كان يتأذى بذلك فإنه يأثم، والمواجهة بالكلام البذيء وإن أمكن دفعه، وإن أمكن الرد عليه، ليس من هدي النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإنه لم يواجه أحداً بما يكره ولو كان فيه.

قال: "حدثني مالك عن الوليد بن عبد الله بن صياد أن المطلب بن عبد الله بن حنطب" ابن صياد: هذا الذي في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، حتى قيل: إنه هو الدجال، وكان بعضهم يحلف عليه، لكن جاء ما يدل على أنه أسلم، وتسمى بعبد الله، لكن ممكن أن يكون هو المراد بالإسناد عبد الله بن صياد؟ الرواية عن الوليد بن عبد الله بن صياد، مالك أدرك التابعين، ولا يمنع أنه أدرك الوليد بن عبد الله بن صياد.

في شرح؟

طالب:......

قال عنه شيء؟ ما في شرح ثاني يصير؟

طالب:......

معك إسعاف المبطأ السيوطي، اللي معه تنوير الحوالك في آخره إسعاف المبطأ، وقد يذكر في تعجيل المنفعة يعني العادة أن الرجل الذي لم يذكر في تاريخ البخاري، ولا ابن أبي حاتم، ولا ثقات ابن حبان، أنه ميئوس منه، هذه موسوعات الرجال، نعم؟

طالب:......

إيه قضينا إيه بعده، حديث مرسل.

طالب: عنه.... فهو عن المطلب بن عبد الله بن حنطب.

بس يعني ما تعرض له؟

على كل حال رواية مالك عن الراوي تقوية له بلا شك؛ لأنه لا يروي إلا عن ثقة مالك، مع ذلك أنا أريد علاقة هذا الراوي بابن صياد الذي ذكر أنه هو الدجال، وهو محتمل، يعني بالنسبة للسن يحتمل.

طالب:......

على كل حال الله أعلم يمكن نرجع له.....

طالب:......

هو له عقب، لكن السن يحتمل الآن، السن يحتمل أنه ولده.

"أن المطلب بن عبد الله بن حنطب المخزومي أخبره أن رجلاً سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما الغيبة؟" أين الإرسال؟ نعم؟

طالب:......

لا، لا الرجل في المتن، ما هو في السند، المطلب ليس بصحابي، يعني يحكي قصة لم يشهدها.

"أن رجلاً سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما الغيبة؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أن تذكر من المرء ما يكره أن يسمع))" يعني في حال غيبته "قال: يا رسول الله وإن كان حقاً؟" هذا نعم، وإن كان حقاً هذه الغيبة، وإن كان حقاً، وإن كان فيه ما أقول؟ قال: نعم، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته، هذا البهتان.

"قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا قلت باطلاً))" يعني مما ليس فيه ((فذلك البهتان)).

وهو أعظم وأشد من الغيبة، نعم؟

طالب:......

لا الجهالة ما..، يعني إذا كان المغتاب المذكور ليس بمعلوم، ولا يؤول إلى العلم، ولا يعرفه أحد من الحاضرين؛ لأنه قد تكون القصة معروفة لأحد من الحاضرين، أو يذكر بوصف كاشف، يعني اشتهر بين الناس أن فلاناًَ من الناس أفتى بكذا، ثم يتعرض لهذه الفتوى وينال من قائلها، ولو لم يسم هذه غيبة، فإذا كان غير معلوم، ولا يؤول إلى العلم، ولا يعرفه أحد من الحضور لا يضره -إن شاء الله-، المجهول ما له غيبة.

طالب:......

يعني الكافر؟ الخلاف في الفاسق من المسلمين، جمع من أهل العلم يقول: لا غيبة لفاسق، لكن بعضهم يركز على ما يظهره مما يفسق به، الذي يظهره هو الذي أهدر عرضه، نعم؟

طالب:......

أشد، يعني أهل العلم ينظرون إلى مثل هذا ويبحثونه في القذف، يعني من قذف شخص بعينه زيد من الناس زاني، أو أهل بلد كامل قال: زناة، أيهم أشد؟

طالب:......

هذا يجب فيه الحد، إذا قذف شخص بعينه مسمى، أما أهل البلد فهناك قرائن تدل على كذب هذا القول، وإن كان يعزر، نعم قرائن تدل على كذبه؛ لأن فيهم الأخيار، وفيهم الصالحون، وفيهم..، تدل على كذبه، ولذلك الفرق بين التحديد بالشخص هل هو أشد؟ التحديد مع اليقين هل هو أشد من التعميم مع الظن؟ لأن يرمي أهل بلد، أو يتكلم في أهل بلد ما هو مثل ما يتكلم بشخص بعينه، والخلاف في كونهما كون هذا أشد أو ذاك يؤخذ من خرق السفينة، وقتل الغلام، خرق السفينة قال: إمراً، وقتل الغلام قال: نكراً، خرق السفينة ليس بمقطوع أن جميع من في السفينة يغرق، مظنون، وقتل الغلام، أولئك جماعة السفينة فيها يمكن مائة شخص، والغلام واحد، لكن قتله مقطوع به، ويختلفون في أيهما أشد إمرا ونكراً؟ مع أنه جاء في الحديث الصحيح قال: نكراً، وهذه أشد، يعني قتل الغلام قال: وهذه أشد في الحديث الصحيح، فهذه تقطع الخلاف بأن المقطوع به أقوى من المظنون وإن كان في جملته أشد وأعظم، ونستفيد من هذا أن كثير من الناس يقع في المحرم، مجزوم في تحريمه ويقع فيه، فإذا نوقش قال: أنا دفعت بهذا المحرم أمر أعظم، وأنت ما تدري، هذه حجة كثير من الناس ترى، أننا ندفع أمر أعظم، وأنتم ما تدرون، فيقع في المحرم بيقين ليدفع ما هو أعظم منه على حد زعمه؛ لأنه وهو مظنون، نقول: المقطوع به أولى بالاجتناب من المظنون، وإن كان أعظم منه، مثلما وقع من قوله: إمراً، أو نكراً، هذه يعني نناقش بعض المسئولين، لما يقال له: أنت كيف مر من عندك هذا المنكر وأنت على اطلاع منه وإقرار وهذا توقيعك؟ قال: نعم، أنت ما تدري، ما هو بأكيد أنه يقع المظنون المتوقع، وقد يعاقب الإنسان يكون وقوعه في المظنون الأعظم من باب العقوبة له لارتكابه المجزوم به، والمقطوع به.

نقف على هذا.

 

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك...