عمدة الأحكام - كتاب الرضاع (1)

قال -رحمه الله تعالى-:

كتابُ الرَّضاعِ

عَنْ عبد الله بنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : (( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بِنْتِ حَمْزَةَ : لاتَحِلُّ لِي , يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ , وَهِيَ ابْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ )) .

"كتاب الرضاع"

كتاب الرضاع، الرضاع هو ارتضاع اللبن الذي ثاب عن حمل، وهو ما كان في الحولين من المجاعة، والخلاف في رضاع الكبير معروف، الجمهور على أنه لا يحرم، والظاهرية تبعاً لعائشة -رضي الله عنها- تقول: يحرم رضاع الكبير، شيخ الإسلام يقصره على الحاجة، والأصل فيه سالم مولى أبي حذيفة احتيج إلى رضاعه، احتيج إلى إرضاعه فرضع وهو كبير، وأذن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فرضاع الكبير عند الجمهور لا يحرم، والتحريم إنما يكون في الحولين، خمس رضعات، فلا تحرم المصة والمصتان، وإنما المحرم ما كان في الحولين خمس رضعات، ولا بد أن يكون هذا اللبن قد ثاب عن حمل كما يقول الجمهور، لكن إذا وجد لبن من امرأة ليست ذات بعل، وفيه خواص اللبن المغذي لا شك أنه لبن، والمرتضع راضع للبن، وله خواص اللبن إذاً يحرم، لكن الجمهور يقولون حكمهم على الغالب، أنه لا يوجد لبن إلا من حمل، فحكمهم على الغالب، وامرأة عجوزة كبيرة جداً في الثمانين من عمرها، اتصلت تسأل تقول: إنها فيها لبن وأرضعت أكثر من واحد، نقول: إذا كان اللبن فيه خواص اللبن المحرم، فيه خواصه، وما المانع أن يكون له أم بدون أب؟ شريطة أن يكون لبن، ما هو بأي شيء غير اللبن؛ لأنه قد يخرج من الثدي شيء غير اللبن، هذا مشاهد مجرب، يذكره الأطباء، لكن يبقى أنه إذا كان لبن بخواصه فهو محرم.

عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بنت حمزة: ((لا تحل لي، يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وهي ابنة أخي من الرضاعة)).

حمزة أخ للنبي -عليه الصلاة والسلام-؟ نعم؟

طالب:......

عمه، لكن أخ له من الرضاعة وإلا لا؟ على أن مقتضى الحديث: ((ابنة أخي من الرضاعة)) نص، ابنة أخيه من الرضاعة، لا تحل له؛ لأنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، واستثنى بعض أهل العلم صور أربع، أربع صور، وبعضهم استثنى ست صور، لكن الحافظ ابن كثير يقول: "التحقيق أنه لا يستثنى شيء من ذلك؛ لأنه يوجد مثل بعضها في النسب، وبعضها إنما يحرم من جهة الصهر، فلا يرد على الحديث شيء أصلاً ألبتة" يعني لو تأملت الصور المستثناة ليس نظيرها من النسب، إنما نظيرها من المصاهرة، والنص إنما هو فيما يحرم من النسب، نعم.

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الرضاعة تحرم ما يحرم من الولادة)).

وهذا كسابقه، يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب، وهنا يقول: ((الرضاع يحرم ما يحرم من الولادة)) وقد جاء النص في المحرمات {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ} [(23) سورة النساء] فجاء النص على التحريم بالرضاعة، لكن لا بد من توافر الشروط، وأن يكون خمساً في الحولين عند الجمهور، نعم، يقول:

"وعنها قالت: إن أفلح أخا أبي القعيس استأذن عليّ بعد ما أنزل الحجاب، فقلت: والله لا آذن لك" بعد ما أنزل الحجاب، ونساء النبي -عليه الصلاة والسلام- جاء في حقهن فيما يتعلق بالحجاب أشد مما جاء في غيرهن، وإن كان الحجاب مفروض على الجميع {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [(59) سورة الأحزاب] هذه آية في غاية القوة في اللزوم بالحجاب، أو الإلزام بالحجاب، وأن الذي ينادي بنزع الحجاب هو المخاطب في الآية الثانية التي تليها {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ} [(60) سورة الأحزاب] يعني الذين يطالبون بإلغاء الحجاب هم المنافقون، ولذا عقبت هذه الآية بهذه الآية، فالحجاب مفروض على كل مسلمة مكلفة.

"والله لا آذن له حتى استأذن النبي -عليه الصلاة والسلام- فإن أخا أبي القعيس ليس هو أرضعني" هي تظن أن الرضاعة خاص بالمرضعة، يعني بين المرتضع والمرضع فقط، ولا يسري إلى ما يسري إليه تحريم النسب "فإن أخا أبي القعيس ليس هو أرضعني، ولكن أرضعتني امرأة أبي القعيس، فدخل عليّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت له: إن الرجل ليس هو أرضعني" يعني ما له علاقة "ولكن أرضعتني امرأته" هي ظنت أن الرجل لا أثر له في اللبن، اللبن لبن المرأة وش دخل الرجل؟ "إن الرجل ليس هو أرضعني، ولكن أرضعتني امرأته" تبقى العلاقة بين المرتضع والمرضعة، الرجل وش علاقته؟

طالب:......

نعم؟

طالب:......

لا، لا.

"فقال: ((ائذني له، فإنه عمك، تربت يمينك)) قال عروة: ففي ذلك كانت عائشة تقول: حرموا من الرضاع ما يحرم من النسب" خلاص ما دام هذا عم؛ لأني ارتضعت من زوجة أخيه إذاً حكم، هذا حكم النسب، "حرموا من الرضاع ما يحرم من النسب، وفي لفظ: استأذن علي أفلح فلم آذن له، فقال: أتحتجبين مني وأنا عمك؟" من أين جاءت العمومة هذه؟ من كونها رضعت من زوجة أخيه "فقلت: كيف ذلك؟ قال: أرضعتك امرأة أخي بلبن أخي" يعني هل الزوج له أثر في اللبن؟ نعم له أثر، ولذا يقول العلماء في تعريف اللبن، اللبن الذي ثاب عن حمل، ولا حمل بدون زوج، هذا كلام الجمهور "بلبن أخي، قالت: فسألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((صدق أفلح، ائذني له، تربت يمينك))" يعني بعد أن تتأكد أن هناك رضاع، نعم يكون عم "((ائذني له، تربت يمينك)) أي: افتقرت" من تفسير المؤلف، والعرب تدعو على الرجل ولا تريد  وقوع الأمر به، كثيراً ما يقول: تربت يمينك، ((فاظفر بذات الدين تربت يداك)) لا يريدون حقيقة هذا الدعاء وهو المقصود به أن تلصق اليد بالتراب من الفقر، لا تراد حقيقته ((ثكلتك أمك)) هل يراد أنك تموت؟! أحياناً في مساق المدح يقال: ثكلتك أمك، نعم؟ إذاً لا يراد معناه، ولا تريد وقوع الأمر به.

"وعنها -رضي الله عنها- قالت: دخل علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعندي رجل فقال: ((يا عائشة من هذا؟))" استنكر، والرجل له أن يسأل، إذا استغرب شيئاً في بيته يسأل عنه، نعم لا سيما فيما يتعلق..، نبيهٌ في هذا الباب، لكن يحذر كل الحذر من الوساوس والشكوك والأوهام، ولا يبني على مثله أحكام، لكن لا يكون مغفل، يدخل على بيته وهو موجود ونائم، وأحياناً وهو مستيقظ، بعض الناس يبلغ به حد من التغفيل إلى هذا الحد، النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((يا عائشة من هذا؟)) قالت: أخي من الرضاعة، فقال: ((يا عائشة أنظرن من أخوانكن؟ - تأكدنّ- فإنما الرضاعة من المجاعة)) يعني في وقت المجاعة، التي لولا هذه الرضاعة لجاع الطفل، وهو ما كان في الحولين عند الجمهور، وحديث سالم مولى أبي حذيفة يستدل به شيخ الإسلام في جواز رضاع الكبير للحاجة، وهو جزء أو بعض من مذهب عائشة التي تراه محرم مطلقاً، نعم هذا عقبة بن الحارث تزوج أم يحيى بنت إيهاب، فجاءت أمة سوداء، فقالت: قد أرضعتكما، نعم أمة، هل هذه شهادة وإلا خبر؟ خبر يطلب فيه الصدق، ولا تطلب فيه الحرية؛ لأنه فرق بين الخبر والشهادة، على أن بعضهم يقول: وإن كانت شهادة فتقبل شهادة الأمة كما يقبل خبرها؛ لأنها مكلفة، ومطالبة بالتثبت كما تطالب الحرة، فذكرت ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: فأعرض عني، قال: فتنحيت فذكرت ذلك له، تزوج وانتهى، الآن العقد ثبت، فهل يرتفع هذا العقد بمثل قول هذه الأمة؟ المسألة مسألة صدق وكذب، إذا غلب على الظن صدقها، نعم يعمل به، إذا غلب على الظن خلاف ذلك، يعني من الناس من يستأجر ليفسد النكاح هذا، لرغبة في الزوج من قبل بعض النساء، أو لرغبة في الزوجة من قبل بعض الرجال، فإذا وجد مثل هذا الظن، أو إذا غلب على الظن وقوع مثل هذا لا يلتفت إلى الخبر، وإذا خلت المسألة عن هذا وهذا يتثبت؛ لأن المسألة رفع أمر واقع، فلا بد من التثبت فيه، ولذا تنحى أو أعرض عنه النبي -عليه الصلاة والسلام-، نكاح ثبت نعم، "فتنحيت، فذكرت ذلك له فقال: وكيف وقد زعمت أن قد أرضعتنا؟ في بعض الروايات: كيف وقد قيل؟ لست بحاجة إلى تعيش عمرك كله هل هي أختي أو ليست بأختي؟ نعم إذا وجد مثل هذا الشك، ووجد مثل هذه الريبة، ووجد مثل هذا، نعم الحكم الشرعي شيء، ثبت العقد الصحيح ما يرفع إلا ببينة، إذا شُك في هذه البينة، إن كان مرد الفرقة ما يراود القلب من أحاسيس ومن أوهام أختي أو ليست أختي؟ هذه كيف وقد قيل؟ اتركها، النساء غيرها كثير، لكن العقد إذا ثبت لا يرفع إلا بأمر بين.

نعم يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم-" يعني من مكة، وقصة الهجرة ضبطها البراء بن عازب نقلاً عن؟ أبي بكر؟ القصة في الصحيح، نعم؟ المقصود ما يعنينا من هذا الحديث "قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعني من مكة- مهاجراً، فتبعتهم" هذا في الهجرة وإلا في عمرة القضية؟

طالب:......

لا في عمرة القضية هذا، في عمرة القضية؛ لأن معه علي وجعفر وزيد، يعني الهجرة ما معه إلا أبو بكر، لا هذه في عمرة القضية، نعم هذا الحديث الأخير يقول:

"عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني من مكة، وهذا في عمرة القضية "فتبعتهم ابنة حمزة تنادي: يا عم يا عم" وحمزة أخوه من الرضاعة كما تقدم، "فتناولها علي -رضي الله عنه- فأخذها بيدها" لأنه ابن عمها "وقال لفاطمة: دونك ابنة عمك" يعني هي قريبة لمن؟ للزوج وقريبة للزوجة، فصار لهما حقان، ابنة عمه، وهي ابنة عمها، فمن الجهتين "فتناولها علي -رضي الله عنه- فأخذ بيدها، وقال لفاطمة: دونك ابنة عمك فاحتملتها، فاختصم فيها علي وجعفر وزيد، فقال علي: أنا أحق بها، وهي ابنة عمي، وأيضاً زوجتي ابنة عمها، وقال جعفر أيضاً: أنا كذلك، ابنة عمي، وخالتها تحتي، وقال زيد: ابنة أخي" لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- آخى بين المهاجرين وهذه منهم، زيد وحمزة من المهاجرين، فآخى بين المهاجرين ثم لما هاجروا آخى بين المهاجرين والأنصار، فبينهما أخوة، بالمؤاخاة "بنت أخي، فقضى بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لخالتها" نعم وقال: ((الخالة بمنزلة الأم)) قضى بها، الحكم الشرعي صار لمن؟ للخالة بغض النظر عن الرجال كلهم، الخالة بمنزلة الأم، ثم عاد لا بد من تطييب خواطر الرجال "قال لعلي: ((أنت مني وأنا منك، ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى)) يعني تطييب الخاطر خلقه -عليه الصلاة والسلام- ((أنت مني وأنا منك)) وقال لجعفر: ((أشبهت خلقي وخُلقي)) جعفر الآن يحتاج إلى أن يطيب خاطره؟ يحتاج ما قضى بها له، القضاء ليس لجعفر وإنما لزوجته التي هي الخالة، فيحتاج إلى تطييب، وقال لزيد: ((أنت أخونا ومولانا)) فالخالة بمنزلة الأم، الأم أحق بالحضانة بقيد أن لا تتزوج، وهذه خالة ومتزوجة، إذا كانت الأم أحق بالحضانة ما لم تتزوج، وهذه خالة تشبه الأم، ليست أم إنما هي بمنزلة الأم ومتزوجة، كيف يكون لها حق في الحضانة؟ لأن زوجها راضٍ، يعني لو لم يرض الزوج قلنا: هذه متزوجة ولا حق لها في الحضانة، فالزواج أثره فيما إذا لم يرض الزوج، فالأم أحق بالحضانة يعني إذا لم يرض الزوج، وعلى كل حال الحضانة حق للمحضون، فيجب أن يراعى فيه الأصلح له، الأصلح للمحضون، ولذا يقرر شيخ الإسلام ابن تيمية أنه ليست هناك قاعدة مستقرة، النبي -عليه الصلاة والسلام- خير هذه أمك وهذا أبوك، اختار ما تشاء، نعم، لكن هذا عند اتحاد المصلحة، لكن إذا كان الأب ليس أهلاً للحضانة بيضيع الطفل عنده، يحكم به للأم، إذا كانت الأم ليست بأهل ولا تستطيع حفظ البنت يحكم بها للأب، فيراعى في ذلك حق المحضون ومصلحة المحضون، لكن إذا تساووا فهناك ترتيب، كلهم أكفاء وكلهم أهل للحضانة الأم، الخالة بمنزلة الأم، الجدة أم الأم بمنزلة الأم وهكذا، والله أعلم.

 

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.