شرح الموطأ - كتاب قصر الصلاة في السفر (3)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
يقول: وحدثني عن مالك عن أبي النضر -سالم بن أبي أمية- مولى عمر بن عبيد الله عن بسر بن سعيد أن زيد بن خالد الجهني أرسله إلى أبي جهيم" بن الحارث بن الصمة، في بعض الروايات العكس أبو جهيم أرسل بسر بن سعيد إلى زيد بن خالد "يسأله ماذا سمع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المار بين يدي المصلي؟" يعني أمامه بالقربٍ منه "فقال أبو جهيم: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
((لو يعلم المار بين يدي المصلي -يعني بالقرب منه- ماذا عليه)) في رواية الكشميهني في صحيح البخاري: ((من الإثم)) وانتقد الحافظ -رحمه الله- انتقد الحافظ ابن حجر صاحب العمدة حينما أدخل هذه اللفظة في الحديث ونسبه إلى الصحيحين، هو لا يوجد إلا من رواية الكشميهني هذه، وهذه الزيادة التي لا توجد في شيء من الروايات وأدخلها الحافظ عبد الغني في العمدة، وانتقده الحافظ ابن حجر، ووقع فيما انتقده  في البلوغ، أدخلها في البلوغ: ((من الإثم)) وقال: متفق عليه.
الانتقاد إذا كان مع الأدب، والمراد منه بيان الحق أمر مطلوب، ولا يعني هذا أن الإنسان الذي ينتقد غيره ليترفع عليهم ويتعالم، ويظهر نفسه، أو يريد الحق من الآخرين، لا، له أن ينتقد لكن يستصحب الإخلاص في ذلك، وأن مراده من ذلك بيان الحق، وأنه كلٌ يؤخذ من قوله ويترك إلا المعصوم -عليه الصلاة والسلام-، لكن إذا صحب ذلك ازدراء المنتقد أو ترفع وتعاظم المنتقد لا بد أن يقع منه مثل هذا الخطأ وأشد، وليس معنى هذا أننا نشير إلى أن الحافظ حينما انتقد صاحب العمدة أنه يقصد بذلك هضم صاحب الكتاب أو الترفع عليه والتعالم عليه، لا، قد يحصل هذا من غير قصد كما حصل للأول.
طالب:......
هي في رواية الكشميهني، والكشميهني معروف أنه مجرد راوٍ، ليس من الحفاظ، فإذا اختلف مع غيره من الرواة يقدم غيره عليه.
((لكان أن يقف أربعين خيرًا له من أن يمر بين يديه)) يعني بين يدي المصلي "قال أبو النضر" سالم بن أبي أمية: "لا أدري أقال" بسر بن سعيد: "أربعين يومًا أو" أربعين "شهرًا أو" أربعين "سنة" جاء في الرواية عند البزار: ((أربعين خريفًا)) فتعين المتردد فيه، وترجح بأنه أربعين سنة، أربعين خريفًا، كل سنة فيها خريف واحد، إذًا أربعين سنة، وهذا الحديث متفق عليه، وفيه الوعيد الشديد الذي سمعناه لمن أراد أن يجتاز بين يدي المصلي وعليه أن ينتظر.
وبعض الناس من السرعان مجرد ما يسلم الإمام ينفر وينصرف من المسجد ويترتب على ذلك ما يترتب من الإخلال بصلاة الآخرين، فعلى مثل هؤلاء أن ينتظروا ولا يعرضوا أنفسهم لمثل هذا الوعيد.
يقول: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن كعب الأحبار قال: لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يخسف به خيرًا له من أن يمر بين يديه" نعم الخسف عقوبة وعذاب، لكن عذابه في الدنيا، وعذاب الدنيا مهما عظم أسهل من عذاب الآخرة؛ ولذا في قصة اللعان حينما ينصح الزوج يبين له أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، يتحمل الحد -حد القذف، وهو عذاب خيرٌ من أن يثبت عليه عذاب الآخرة بقذفه زوجته وهو كاذب، ثم بعد ذلك تنصح المرأة أن اعترافها بالزنا ورجمها أسهل لها من عذاب الآخرة، ولا شك أن مثل هذا كونه عليه من الإثم ما يكون دون الوقوف أربعين خريفًا لا شك أن الخسف أسهل منه، والله المستعان.
وهذا الخطاب متجه لمن يريد المرور بين يدي المصلي، أما بالنسبة لخطاب المصلي الذي يريد أن يدفع فهو مقيد باتخاذ السترة، الذي لم يتخذ سترة ليس له أن يدفع:
((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره فأراد أحدٌ أن يجتاز بين يديه فليدفعه)) لكن الطرف الآخر الذي هو المار مخاطب بهذه النصوص.
يقول: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر كان يكره أن يمر بين أيدي النساء وهن يصلين" إذا كان مرور المرأة بين يدي المصلي من الرجال مبطل لصلاته؛ وذلك لانشغال قلبه بها، فمرور الرجل بين يدي المرأة وبين أيدي النساء مثله أو قريبٌ منه؛ لانشغال قلب المرأة بالرجل، يعني مرور المرأة بين يدي المرأة والرجل بين يدي الرجل أسهل من مرور المرأة بين يدي الرجل والعكس؛ لتعلق قلب أحد الطرفين بالآخر، لا شك أن تعلق قلب الرجل بالمرأة أشد من تعلق قلبه برجل؛ لأن مرور الرجل مجرد انشغال يعرض ويزول، لكن قد يترتب على مرور المرأة بين يديها أمرٌ أعظم يقر في قلبه شيء، وكذلك الرجل إذا مر بين يدي النساء.
يقول الباجي: "خص النساء لأنهن في آخر الصفوف" فابن عمر يكره أن يمر بين يدي النساء وهن يصلين.
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يمر بين يدي أحد" يصلي سواءً كان من الرجال أو من النساء، وكان -رضي الله عنه- "لا يدع أحدًا يمر بين يديه" وهو يصلي، لا يترك أحد؛ لأنه مأمورٌ بالدفع.
طالب:......
نعم، ما فيه شك أن عبيد الله بن عمر لم يدرك عمر، فبينهما واسطة، الداخل غير عبيد الله.
طالب:......
يتخلل الصفوف ولا يمر بين يدي المصلي هذا أسهل، وإن كان فيه إشغال للمصلين، لكنه أسهل، يتجاوز عنه عند الحاجة، ليس بمرور، هو ليس بالمرور؛ لأن المرور من يأتي من اليمين إلى الشمال أو العكس.
"باب: الرخصة في المرور بين يدي المصلي:
حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أنه قال: أقبلت راكبًا على أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي للناس بمنى، فمررت بين يدي بعض الصف فنزلت فأرسلت الأتان ترتع ودخلت في الصف فلم ينكر ذلك علي أحد.
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن سعد بن أبي وقاص -رضي الله تعالى عنه- كان يمر بين يدي بعض الصفوف والصلاة قائمة.

قال مالك -رحمه الله-: وأنا أرى ذلك واسعًا إذا أقيمت الصلاة، وبعد أن يحرم الإمام ولم يجد المرء مدخلًا إلى المسجد إلا بين الصفوف.
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- قال: لا يقطع الصلاة شيء مما يمر بين يدي المصلي.
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- كان يقول: "لا يقطع الصلاة شيء مما يمر بين يدي المصلي".

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: الرخصة في المرور بين يدي المصلي" في الترجمة السابقة التشديد في أن يمر أحدٌ بين يدي المصلي، وهنا الرخصة، والتشديد محمول على حال، والترخيص محمول على أحوال، وليس هناك تعارض، وليس هناك تشديد في أول الأمر ثم ترخيص وتسهيل في آخره، بل الحكم الذي في الباب الأول من التشديد باقٍ، والحكم الذي في الباب الذي يليه من الترخيص باقٍ، فهذا محمول على حال وذاك محمولٌ على أحوال أخرى.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس أنه قال: أقبلت راكبًا على أتان" الأتان: هي أنثى الحمار "وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام" يعني قاربت الاحتلام، في البخاري في كتاب فضائل القرآن: قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا ابن عشر سنين، وقد قرأت المحكم" يعني المفصل، توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-..، القصة التي في حديث الباب في حجة الوداع، يعني في آخر أيامه -عليه الصلاة والسلام-، ابن عباس كما في الصحيح في فضائل القرآن يقول: "توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا ابن عشر سنين، قد قرأتُ المحكم" يعني المفصل، والمفصل كما هو معروف من (ق) إلى سورة الناس في قول الأكثر، وإن قال بعضهم: إنه من الحجرات، لكن ابن عباس عمره عشر سنين قرأ المحكم، فهل قوله: ناهزتُ الاحتلام عمره عشر سنين أو أقل من عشر سنين؟ هذا في الصحيح في البخاري قال: "توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا ابن عشر سنين، وقد قرأت المحكم" يعني قرأت المحكم وأنا ابن عشر سنين؟ قيل بهذا.
على كل حال الاختلاف في سنه عند وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- معروف عند أهل العلم، وفي المسألة ستة أقوال، وأشهر هذه الأقوال وأقواها: أنه ابن ثلاثة عشر سنة، هم يقولون: يجاب عن قوله: "وأنا ابن عشر سنين" يعني حال قراءته المحكم، لا حال وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقوله: "وأنا ابن عشر سنين" إشارةٌ لوقت حفظه المفصل لا إلى وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام-.
على كل حال قد ناهز الاحتلام يعني قاربه، وقد جاء راكبًا على أتان، فمرت هذه الأتان بين يدي بعض الصف، يقول: "ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي للناس بمنى" وهذا عند أكثر الرواة أن الصلاة كانت بمنىً، ووقع عند مسلم من رواية ابن عيينة: "بعرفة" قال النووي: يحمل ذلك على أنهما قضيتان، يعني مرتين، مرة بعرفة ومرة بمنى، وهذه طريقة النووي إذا اختلف الرواة ولو كان الخلاف مرده إلى الرواة، ولو كان اختلاف بعض الرواة غير مؤثر يقول بتعدد القصة، وذلك صيانةً للصحيح، وتعقب بأن الأصل عدم التعدد لا سيما مع اتحاد مخرج الحديث، فالحق أن قول ابن عيينة: "بعرفة" شاذ كما قال ذلك ابن حجر وغيره.
يقول: "فمررت بين يدي بعض الصف" في كتاب الحج من صحيح البخاري: "الصف الأول"، "فنزلت فأرسلت الأتان ترتع ودخلت في الصف فلم ينكر ذلك علي أحد" الأتان مرت بين يدي بعض الصف، نزل ابن عباس ودخل في الصف فلم ينكر ذلك عليه، استدل ابن عباس بترك الإنكار على الجواز، استدل بترك الإنكار، فلم ينكر ذلك عليه أحد، وترك الإنكار يدل من باب أولى عدم إعادة الصلاة، كونه لم ينكر عليه، هل يفهم من هذا أنهم أعادوا الصلاة؟ ما ينكر، لكن لو قال: فلم يعيدوا الصلاة نفى ذلك إعادة الصلاة، لا يمكن، يبقى أنه احتمال أنكر عليه، الاحتمال أنه أنكر عليه لكن يبقى أن الصلاة لم تعد، فاستدلاله بكون ذلك لم ينكر عليه، ولم يستدل بترك إعادتهم الصلاة؛ لأن ترك الإنكار أكثر فائدة، لأنه يتضمن ترك إعادة الصلاة وترك الإنكار أيضًا.
الإمام البخاري خرج الحديث في كتاب الصلاة في باب سترة الإمام سترة لمن خلفه، من أهل العلم من استدل بهذا الحديث على أن الحمار لا يقطع الصلاة، واستدل بحديث عائشة وأنها كانت تنام بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام- فإذا سجد غمزها فكفت رجلها، واستدل به على أن مرور المرأة لا يقطع الصلاة، والحديث الثابت في الصحيح أن الصلاة يقطعها المرأة والحمار والكلب الأسود من حديث أبي ذر مخرج في الصحيح، وهو أيضًا عن أبي هريرة التنصيص على أنه يقطعها الثلاثة، فمن أهل العلم من يرى أن الثلاثة كلها تقطع الصلاة، ومنهم من يرى أن الذي يقطع الصلاة هو الكلب الأسود فقط والمعروف هذا عند الحنابلة، يخرجون الحمار بحديث ابن عباس، ويخرجون المرأة بقصة عائشة، وأنها كانت تنكر ذلك وتقول: ساويتمونا بالكلاب والحُمر، فيبقى الكلب الأسود؛ لأنه خرج من مفردات الحديث الحمار من حديث ابن عباس والمرأة من حديث عائشة، ومنهم من يرى أنه لا يقطع الصلاة شيء على ما سيأتي
((وادرؤوا ما استطعتم)) لا يقطع الصلاة شيء مما يمر بين يدي المصلي، والصواب أن مرور هذه الثلاثة يقطع الصلاة، بمعنى أنه يبطلها، وإن قال بعضهم: إن معنى القطع تقليل الأجر نقص الأجر، ولا يلزم من ذلك الإعادة، لكن الأصل في القطع الإبطال، والحديث صحيح صريح في ذلك.
تبقى الإجابة عن حديث ابن عباس أن المرور بين يدي الصف والصف خلف الإمام، وسترة الإمام سترة لمن خلفه لا أثر له، لا أثر لمرور هذا الحمار بين يدي الصف؛ لأنه لم يمر بين يدي الإمام، ولم يمر بين يدي المنفرد، والمأموم سترته سترة إمامه، فلا دليل في استثناء الحمار.
عائشة -رضي الله عنها- وهي تنام بين يدي الرسول -عليه الصلاة والسلام- إذا سجد غمزها، عائشة قارة وليست مارة، القار ليس حكمه حكم المار، المحظور من ذلك والذي يقطع الصلاة هو مرور المرأة بين يدي المصلي، لا أنها تكون قارة بين يديه، باقية جالسة ماكثة أو مضطجعة هذا لا أثر له، على أن بعضهم يقيد المرأة بماذا؟ عائشة حائض، ما معنى حائض؟ الحائض: البالغة، بعضهم قيد المرأة بالأجنبية لتعلق القلب بها دون الزوجة، وعائشة زوجة، فلا تدخل في الحديث، والمراد مرور المرأة يعني الأجنبية، لكن هذا القيد لا يوجد ما يدل عليه، فإذا عرفنا أن حديث:
((يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود)) صحيح وصريح وإخراج الحمار بحديث ابن عباس لا يتجه؛ لأن الحمار لم يمر بين يدي الإمام ولا بين يدي المنفرد، وإنما مر بين يدي بعض المأمومين وسترة الإمام سترة لمن خلفه، وحديث عائشة..، إخراج المرأة بحديث عائشة أيضًا لا يتجه؛ لأن عائشة قارة وليست مارة، والكلام في المرور.
الجمهور على أن الصلاة لا يقطعها شيء، هنا الإمام البخاري -رحمه الله- يقول: "باب: سترة الإمام سترةٌ لمن خلفه" هذا واضح في أن الإمام إذا استتر، سترته سترة لمن خلفه، إذا لم يستتر ومر أحد الثلاثة بين يدي الإمام بطلت صلاته وصلاة من وراءه، من أهل العلم من يقول: الإمام نفسه سترة لمن خلفه، الإمام سترة لمن خلفه،.... ما يلزم أن يكون هذا؛ ولذا ترجم عليه الإمام البخاري مع دقته وتحريه: "باب: سترة الإمام سترة لمن خلفه".
على كل حال استدل بحديث ابن عباس على أن مرور الحمار لا يقطع الصلاة، فيكون ناسخًا لحديث أبي ذر الذي رواه مسلم في كون مرور الحمار يقطع الصلاة، وكذا مرور المرأة والكلب الأسود وتعقب بأنه مرور الحمار متحقق في حال مرور ابن عباس وهو راكبه، وقد تقدم أن ذلك لا يضر لكون سترة الإمام سترة لمن خلفه.
طالب:......
لا، هو الكلام في المرور هو الذي يؤثر، أما القرار لا يؤثر.
يقول: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن سعد بن أبي وقاص كان يمر بين يدي بعض الصفوف" يعني قدام بعض الصفوف أمامها ولا يؤثر ذلك والصلاة قائمة، فدل على جواز ذلك، لكن لا شك أن المرور وإن كان بين يدي الصفوف يشوش فينبغي اتقاؤه بقدر الإمكان، يعني إذا كان الخيار بين أن يدخل الإنسان مع الباب الأمامي أو مع الباب الخلفي، يدخل مع الباب الخلفي؛ لئلا يمر بين يدي بعض الصفوف؛ لأنه يشوش على المصلين، وإن كان لا أثر له في صلاتهم من حيث القطع.
"قال مالك: وأنا أرى ذلك واسعًا -أي جائزًا- إذا أقيمت الصلاة وبعد أن يحرم الإمام ولم يجد المرء مدخلًا إلى المسجد إلا بين الصفوف" يجوز ذلك أن يدخل مع الباب الأمامي، لكن كلام مالك "ولم يجد المرء مدخلًا" يدل على أن ذلك مقيد بما إذا لم يكن هناك مدخل غير ما يتطلب المرور بين يدي الصف، فالأفضل أن لا يمر بين أيديهم إذا وجد غير ذلك الطريق.
يقول: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن علي بن أبي طالب قال: لا يقطع الصلاة شيء مما يمر بين يدي المصلي" هذا موقوف، وهو أيضًا روي هذا البلاغ بإسناد صحيح عن علي -رضي الله عنه- وعثمان موقوف عليهما في سنن سعيد بن منصور، بأسانيد صحيحة، موقوفٌ عليهما، لا يقطع الصلاة شيء.
يقول: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر كان يقول: لا يقطع الصلاة شيء مما يمر بين يدي المصلي" شيء نكرة في سياق النفي فتعم كل الأشياء، بما في ذلك ما نص على أنه يقطع كالمرأة والحمار والكلب الأسود.
فمالك رواه موقوفًا على ابن عمر، وأخرجه الدارقطني من وجهٍ آخر عن سالم عن أبيه مرفوعًا، يعني إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، لكن إسناده ضعيف، وجاء أيضًا مرفوعًا عن أبي سعيد عند أبي داود وعن أنس وأبي أمامة عند الدارقطني وعن جابر عند الطبراني في الأوسط، وكلها ضعيفة، والصواب أن الصلاة يقطعها المرأة والحمار والكلب الأسود لحديث أبي ذر مرفوعًا:
((إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره مثل مؤخرة الرحل))، ((فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود)) [رواه مسلم] وله عن أبي هريرة مرفوعًا: ((يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب)) وجاء تقييد المرأة بالحائض، والمراد بالحائض المكلفة، وعرفنا أن الحنابلة أخرجوا الحمار بحديث ابن عباس والمرأة بحديث عائشة، وعرفنا الجواب عما قالوه، والجمهور على عدم القطع لما ذكر من حديث ابن عمر الموقوف والمرفوع، فيكون ناسخًا لحديث أبي ذر.
طالب:......
المسبوق إذا قام يقضي ما فاته من الصلاة حكمه حكم المنفرد، لا يجوز المرور بين يديه، حكمه حكم المنفرد.
"باب: سترة المصلي في السفر:
حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يستتر براحلته إذا صلى.
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة أن أباه كان يصلي في الصحراء إلى غير سترة".

يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: سترة المصلي في السفر" السفر قد لا يتيسر له شيء يستتر به في الفضاء، فالأمر فيه -إذا لم يجد- أخف.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر كان يستتر براحلته إذا صلى" خيفة أن يمر بين يديه أحد.
وفي الصحيحين من رواية عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يعرض راحلته فيصلي إليها، والراحلة هي الناقة التي تصلح لأن يوضع عليها الرحل، وقال الأزهري: الراحلة المركب النجيب ذكرًا كان أو أنثى، والهاء للمبالغة، فمثل هذا يصلح أن يكون سترة، ومثله السيارة لو صلى إلى السيارة وهي واقفة صلحت سترة، وأي شيء شاخص يصلح أن يكون سترة.
يقول -رحمه الله تعالى-: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة أن أباه كان يصلي في الصحراء إلى غير سترة" قد يكون لعدم تيسر السترة، ولأنه لا يخشى مرور أحد بين يديه، حديث ابن عباس إن جاء الحديث الذي سبق الذي أورده في الحديث السابق بعض الإخوان، حديث ابن عباس في البخاري قال: "أقبلت راكبًا حمار أتان وأنا يومئذٍ قد نهزت الاحتلام، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بمنى إلى غير جدار" هذا الذي استشكلناه سابقًا، وقلنا: يحتمل أن يكون قصة أخرى، هذه الرواية تدل على أنها نفس القصة، فدل على أن القصة واحدة، ويبقى أن الإمام عند بعض أهل العلم سترة للمأموم، ويبقى أن الإمام في مكانه لو مر أحدٌ بين يديه من الثلاثة قطع صلاته وهو لم يستتر، فالمرور من ابن عباس بين يدي الصف والإمام سترة لهذا الصف؛ لأن في بعض الروايات أنه الصف الأول، فالإمام سترة للصفوف، ويبقى أن عدم استتار الإمام هنا لبيان الجواز، وقول الإمام البخاري -رحمه الله-: "باب: سترة الإمام سترةُ من خلفه" هذا إذا استتر، فإذا لم يستتر كان الإمام نفسه سترة لمن خلفه، فالمطالب بالاستتار ودفع المرور هو الإمام والمنفرد.
طالب:......
معنى القطع يعني البطلان، يعيد الصلاة.
طالب:......
إلى غير جدار جاء مفسرًا يعني إلى غير سترة، وإذا قلنا: إلى غير جدار وهو ناصبٌ عصا أو رمح أو شيء من هذا، هذا إلغاء للخبر.
طالب:......
جعل الخبر عاريًا عن الفائدة.
طالب:......
عند جمع من أهل العلم أن صلاة المأموم مرتبطة بصلاة الإمام من جهة، والأمر الثاني: أنه ما دام مر بين يدي هذا الإمام وسترته سترة لمن خلفه كأنه مر بينه وبين سترته.
"باب: مسح الحصباء في الصلاة:
حدثني يحيى عن مالك عن أبي جعفر القارئ أنه قال: رأيت عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- إذا أهوى ليسجد مسح الحصباء لموضع جبهته مسحًا خفيفًا.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه أن أبا ذر -رضي الله تعالى عنه- كان يقول: مسح الحصباء مسحة واحدة، وتركها خير من حمر النعم".
"باب: مسح الحصباء في الصلاة"
الحصى المشوش على الساجد، وفي حكمه ما على وجه الأرض مما يشوش على الساجد صلاته، من رمل وتراب وحشيش وثيل، وما أشبه ذلك، كل ما يشوش على المصلي هل يمسح أو لا يمسح؟ هل يهيأ المكان؟ ينبغي أن يهيأ المكان قبل الدخول في الصلاة، وإذا كان مما على وجه الأرض يذهب الخشوع ينبغي أن يفرش على هذه الأرض ما يحصل الخشوع ويكمله.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن أبي جعفر القارئ" بالهمز المدني المخزومي "أنه قال: رأيت عبد الله بن عمر إذا أهوى للسجود" أهوى وهوى بمعنىً واحد يعني نزل "للسجود مسح الحصباء لموضع جبهته مسحًا خفيفًا" مسحًا خفيفًا ليزيل شغله عن الصلاة؛ لأن هذا الحصى يشغله عن صلاته؛ ليزيل شغله عن الصلاة بما يتأذى به، وبما يحصل على جبهته من التراب مما يؤذيه، قد يدخل في عينيه أو ما أشبه ذلك، وإن كان الاختيار تركه.
وحكى النووي اتفاق العلماء على كراهة مسح الحصباء وغيرها في الصلاة، أولًا: لأنه حركة في الصلاة، الأمر الثاني: جاء معللًا بأن الرحمة تواجهه.
"عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه أن أبا ذر كان يقول: مسح الحصباء مسحة واحدة" أي تسوية الموضع الذي يسجد عليه إنما يجوز مسحة واحدة في الصلاة "وتركها" والإقبال على الصلاة يعني ولا واحدة "خيرٌ من حمر النعم" والحمر من الإبل هي أحسن ألوانها، فهي المفضلة عند العرب، فترك هذا أعظم أجرًا مما لو كان عند الإنسان هذا النوع من الإبل، وتصدق به، أو حمل عليها في سبيل الله.
روى الخمسة عن سفيان عن الزهري عن أبي الأحوص أنه سمع أبا ذر يرويه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال:
((إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الرحمة تواجهه فلا يمسح الحصى)) ((فلا يمسح الحصى)) هذا نهي، والأصل في النهي التحريم، لكنه محمولٌ على الكراهة بدليل الإذن بالواحدة؛ لأن ما كان نهيه نهي تحريم لا يؤذن منه بشيء، ما دام أذن بواحدة دل على أن النهي محمولٌ على الكراهة.
وعند أحمد عن أبي ذر:
((واحدة أو دع)) وروى الشيخان وأصحاب السنن عن معيقيب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في الرجل يسوي التراب حيث يسجد قال: ((إن كنت فاعلًا فواحدة)) وهذا يصرف النهي من التحريم إلى الكراهة.
"باب: ما جاء في تسوية الصفوف:
حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- كان يأمر بتسوية الصفوف، فإذا جاءوه فأخبروه أن قد استوت كبر.
وحدثني عن مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه قال: كنت مع عثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنه- فقامت الصلاة وأنا أكلمه في أن يفرض لي، فلم أزل أكلمه وهو يسوي الحصباء بنعليه، حتى جاءه رجال قد كان وكلهم بتسوية الصفوف فأخبروه أن الصفوف قد استوت، فقال لي: استو في الصف ثم كبر".

يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في تسوية الصفوف" والمراد تعديل الصفوف لتكون على سمتٍ واحد، والمقياس في هذا المناكب والأقدام، فإذا تساوت المناكب وتساوت الأقدام هذه هي التسوية، وإلا فقد يكون الشخص نضو الخلقة نحيفًا وبجانبه شخصٌ ممتلئ الجسم يساويه بأمامه أم بآخره؟ إن تساوى معه في مقدمته تأخر عنه، تأخر عن الصف، وإن ساواه بمؤخرته تقدم عن الصف، فالمنظور إليه والمرد هو المناكب والأقدام، يبقى أنه قد يطلع مثل هذا البدين شيء منه قدام وشيء خلف، هذا أمرٌ غير مقدور عليه، ولا ينظر إليه، ولا يرتب عليه حكم، إنما المطلوب التسوية والمحاذاة في المناكب والأقدام، وأن تكون على سمتٍ واحد، ويراد أيضًا سد الخلل في الصفوف، هذا من تسويتها قبل الدخول في الصلاة.
روي في هذا الباب أحاديث كثرة من أجمعها حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه -صلى الله عليه وسلم- قال:
((أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل، ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفًّا وصله الله، ومن قطع صفًّا قطعه الله)) رواه أبو داود وصححه ابن خزيمة والحاكم، ((أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب -وفي رواية: الأقدام- وسدوا الخلل، ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفًّا وصله الله، ومن قطع صفًّا قطعه الله)).
قد يتطلب الأمر التنبيه على شيء مخل بالخشوع، أو مخل بكمال الصلاة مما يغلب على الظن وجوده، قد ينبه على أمور لم يرد بها سنة بعينها وإنما التنبيه بمثل هذا الكلام يدل عليها، فلو كان شخص معه طفل يؤذي الناس لا ينضبط بالصف، ولا يحسن يصلي فمثل هذا يقال له: هذا الطفل أبعده عن الصف؛ لأنه إذا صف أبوه مثلًا ودخل في الصلاة وتقدم هذا الطفل أمام المصلين وآذاهم وعبث بالمصاحف، يعني ينبه على الأب قبل ذلك، وهذا يحصل كثيرًا.
أيضًا مسألة الجوالات كونها تشغل المصلين، وتفتنهم عن صلاتهم، لا سيما إذا كان منبهها محرمًا كالأنغام، النغمات الموسيقية هذه فيها فتوى من اللجنة الدائمة بتحريمها، ومما يؤسف له أن بعض المساجد التي يكثر فيها الناس أشبه ما تكون بالكنائس، يصلون الناس وينتهون والموسيقى هذا يشتغل وهذا يطفئ، وبعض الناس يتخذ هذه النغمات المحرمة ومع ذلك ينتظر حتى تنتهي على حد زعمه حفظًا لصلاته؛ لئلا يتحرك في صلاته يغلق..، لا يا أخي هذا العبث يسير بالنسبة إلى ما ارتكبته من محرم، وشغلت الناس به، وأشغلت نفسك به، فالذي ينبه على هذه الآلات مأجور -إن شاء الله-، ويشهد له ما جاء في معناه من الأحاديث، الناس بحاجة إلى أن ينبهوا، كثير من الناس يأتي وهو غافل، يأتي إلى المسجد والجوال مفتوح فـيرن، غافل ينبغي أن ينبه مثل هذا، مع أن الأصل أن الإنسان إذا دخل في المسجد يغلق الجوال، خلاص يقبل على عبادته، ويترك مشاغل الدنيا وأمور الدنيا، فإذا نبه الناس إلى أمرٍ يحتاجونه دخل فيما يشهد له من هذه الجمل التي ذكرناها.
يعني مجرد التنبيه الجرس لمجرد التنبيه وليس فيه إطراب ما يدخل في هذا؛ لأن المحظور في الجرس جهته المطربة لا جهته المنبهة؛ ولذا جاء تشبيه الوحي به؛ لأنه لو كان مذمومًا من كل وجه ما شبه به المحمود وهو الوحي.
طالب:......
النغمات الموسيقية تمنع لأدلة كثيرة، واللجنة أفتت بتحريمها.
طالب:......
هو إذا كان صوتها مشبهًا لصوت الجرس المطرب اتجه ما قلت، وبعض الناس يدخل بصور للمسجد نسأل الله العافية.
طالب:......
نعم، مطرب، وجاء النهي عنه.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عمر بن الخطاب كان يأمر بتسوية الصفوف، فإذا جاءوه فأخبروه أن قد استوت كبّر" مقتضاه أن عمر كان يوكل من يسوي الناس في الصفوف وهذا مندوب، لا سيما إذا كثرت الصفوف، ولا يوصلهم صوت الإمام، يوكل بهم من يسوي صفوفهم.
روى البخاري وغيره عن أنس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال:
((سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة)) ولمسلم: ((من تمام الصلاة)) وتوعد على ترك ذلك بقوله: ((لتسون صفوفكم أو ليخالفنّ الله بين وجوهكم)) الحديث مخرج في الصحيح، فتسوية الصف من تمام الصلاة، والذي يخل بهذه التسوية معرض نفسه لهذا الوعيد ((لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم)).
((من وصل صفًّا وصله الله، ومن قطع صفًّا قطعه الله)) أوردنا سابقًا في درسٍ مضى أن من يأتي من المسبوقين ولا يجد مكانًا في الصف لو آثره أحد ورجع صف معه قلنا: هذا أنه من الإيثار ليصحح صلاة أخيه وهو محتاجٌ إليه فتصدق عليه، لكن قد يترتب على هذا قطع للصف، وجاء الوعيد على ذلك: ((من قطع صفًّا قطعه الله)) فعلى هذا لا ينبغي لشخصٍ أن يؤثر بمثل هذا لهذا الحديث: ((من قطع صفًّا قطعه الله)) الذي يتأخر عن مكانه يوجد قطعًا في الصف، ويوجد خللاً في الصف، على هذا لا ينبغي أن يحسن على أخيه ولو كان من باب الإيثار ومن باب الإحسان إلى أخيه بمثل هذا الذي يترتب عليه قطع للصف.
طالب:......
الطرف أمره أسهل، لكن يبقى أنه أيضًا قطع؛ ولذا عندما يكون الصف متصلاً يصير فيه قطع.
"وحدثني عن مالك عن عمه أبي سهيل نافع بن مالك عن أبيه -مالك بن أبي عامر- أنه قال: كنت مع عثمان بن عفان فقامت الصلاة وأنا أكلمه في أن يفرض لي" يعني في العطاء يعطيه من بيت المال، يخصص له مبلغ من بيت المال، يفرض له مبلغ معين من بيت المال "فلم أزل أكلمه وهو يسوي الحصباء بنعليه" ليسجد عليها من غير تشويش "حتى جاءه رجال كان قد وكَلهم -أو وكَّلهم- بتسوية الصفوف" يعني كما كان يصنع عمر -رضي الله عنه- "فأخبروه أن الصفوف قد استوت، فقال لي: استو في الصف" يعني قم في مكانك مع الصف، يعني واترك ما أنت بصدده حتى تنتهي الصلاة "استو في الصف ثم كبَّر" وفي بعض النسخ: "ثم كبِّر" يعني كبر عثمان بعد أن قال لهذا: استو في الصف، بعد أن جاءه هؤلاء الوكلاء الذين وكَلهم أو وكَّلهم بتسوية الصفوف قال له: استو في الصف، يعني قف مع الناس، واترك الموضوع إلى بعد الصلاة، ثم كبَّر عثمان -رضي الله عنه- بعد أن أخبر بتسوية هذه الصفوف.
والتراص جاء:
((ألا تصفون كما تصف الملائكة؟)) ثم سئل: كيف تصف الملائكة؟ قال: ((يتراصون في الصف)) التراص، في الصحيح معلق عن الصحابة أنهم كانوا يلزق بعضهم كعبه بكعب أخيه، وهذه سنة تنبغي المحافظة عليها، ولا تترك فرجات للشيطان، وليس معنى هذا أنه إذا كان بينك وبين أخيك فرجة أو خلل أن تمد رجلك وهو يمد رجله إلى أن يصل بعضكم إلى بعض، ما هو بالحل في سد الخلل وسد هذه الفرج أن الإنسان يمد رجليه ويباعد ما بينهما حتى يصل إلى رجل أخيه، لا؛ لأنه إذا حصلت المحاذاة بالأقدام في هذه الصورة لم تحصل المحاذاة بالمناكب، والمطلوب المحاذاة بالمناكب والأقدام، فالإنسان عليه أن يأخذ من الصف بقدر جسمه لتتم المحاذاة، وإلا إذا فحج بين رجليه ومد وباعد ما بينهما، الفُرج موجودة، ولا يتم امتثال المحاذاة محاذاة الرجلين فقط، بل لا بد أن تكون المحاذاة بالأقدام وبالمناكب أيضًا، وبعض الناس يحرص على تطبيق السنة ويؤذي الناس برجليه، وبعض الناس لا يحتمل مثل هذه التصرفات، بعضهم يصير حسّاسًا، قد يترك الصلاة إذا مست رجله، بعض الناس حساس، فالإنسان يختبر جاره إذا كان يرتب على تطبيق هذه السنة محظور أعظم يترك هذا، يترك بينه وبينه فرجة يسيرة جدًّا بحيث لا تكون خللاً في الصف، ولا يؤثر على صلاة أخيه، ولا شك أن الالتصاق بين الصفوف والتراص أمرٌ مطلوب، لكن بحيث لا يترتب عليه أثر أشد منه.
طالب:......
الأسئلة كثيرة عن هذه الخطوط، وأنها بدعة، ويجب أن تزال، وقام سببها في عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم تفعل، كل ما قام سببه ولم يفعل يكون بدعة، نقول: لا شك أن هذه الصفوف تحقق مصلحة، ولا يترتب عليها أدنى مفسدة، يعني إذا كان الخط الذي بمحاذاة الركن ترتب عليه مفاسد فيتنازعه أمران: المصلحة والمفسدة، هنا ليس فيه أدنى مفسدة، كون السبب قائم في عهده -عليه الصلاة والسلام-، نعم يقال: نعم السبب قائم، لكن ليس قيام السبب في عهده -عليه الصلاة والسلام- بالمستوى الذي هو السبب الموجود الآن، وإن كان تنفيذ الخط في عهده -عليه الصلاة والسلام- ليس بمستوى إمكان التنفيذ في هذا الوقت، أولًا الصفوف ليست طويلة بمسجده -عليه الصلاة والسلام- مثل ما هو موجود في بعض المساجد الآن، الأمر الثاني: أن مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- مفروش بالرمل فكيف يتسنى خط على الرمل؟ أيضًا وجود حرص الناس في عهده -عليه الصلاة والسلام- أنهم بمجرد ما يأمرهم أن يستووا يستووا، لكن الآن في المساجد الكبيرة التي لا يوجد فيها مثل هذه الصفوف..، لو ترى الناس في الحرمين مثلًا في مكة والمدينة، البعد ما بين الصفوف، تجد الخلل كبيرًا وهذا متقدم وهذا متأخر وهذا..، وأخيرًا ما وجد الحل إلا أن يوجد فرش فيها هذه الخطوط، وإلا الحرم المدني تعرفون وضعه في طول الصفوف، ثم بعد ذلك الآن يجهزونه بالفرش التي فيها هذه الخطوط التي تحقق هذه المصلحة، فلا شك أن إبقاءها فيه مصلحة، ولا يترتب عليه مفسدة، نعم السبب موجود في عهده -عليه الصلاة والسلام- لكنه ليس بمستوى السبب الداعي في وجودها في عصرنا، وإمكان تحقيقها وإيجادها وإن كان موجودًا في عصره -عليه الصلاة والسلام- إلا أنه ليس بنفس المستوى، فالمنازعة فيها أمرها سهل -إن شاء الله-.
"باب: وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة:
حدثني يحيى عن مالك عن عبد الكريم بن أبي المخارق البصري أنه قال: من كلام النبوة: إذا لم تستحي فأفعل ما شئت، ووضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة، يضع اليمنى على اليسرى، وتعجيل الفطر، والاستيناء بالسحور.
وحدثني عن مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد أنه قال: كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة.
قال أبو حازم: "لا أعلم إلا أنه ينمي ذلك".

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة" جمهور أهل العلم على ما دلت عليه الأحاديث، أحاديث الباب من وضع اليد اليمنى على اليسرى على ما سيأتي شرحه وبيانه، ولم يقل بالإرسال -إرسال اليدين- ممن يعتد بقوله إلا ما يروى عن مالك، وعمل به بعض المالكية، وكثيرٌ منهم، وإلا فهو معروف عند طوائف البدع عند الروافض والإمامية وغيرها؛ ولذا لما دخل ابن بطوطة نيسابور في رحلته الشهيرة ذكر هذا، أرسل يديه وهو مالكي المذهب، فشك فيه أهلها أنه رافضي، وهم سنة في ذلك الوقت، شكوا فيه واتهموه بالرفض، فدعوه إلى وليمة فيها أرنب؛ لأن الروافض لا يأكلون الأرانب كاليهود فأكل، فتعجبوا قالوا: هذه أرنب، قال: نعم نأكل أرنبًا، الأرنب حلال بالإجماع، اتهموه بالرفض؛ لأنه أرسل يديه، ثم بين لهم أن هذا قول عند المالكية، وهو معتبر عندهم، فبرئ الرفض بأكله الأرنب عندهم، وهو وإن سلم من هذا المذهب القبيح إلا أنه مبتلىً بأمور يصل بعضها إلى حدِّ الشرك الأكبر، من قرأ رحلته وجد الأمثلة المتوافرة لجميع ما ذكره الشيخ محمد -رحمه الله- وأحفاد الشيخ من أنواع الشرك في توحيد الألوهية، نسأل الله السلامة والعافية.
"باب: وضع اليدين إحداهما على الأخرى" يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن عبد الكريم بن أبي المخارق" البصري وهو ضعيف بالاتفاق، والإمام مالك معروفٌ بتحريه وتثبته لا يروي إلا عن ثقة كيف روى عن هذا الضعيف بالاتفاق؟ اغتر الإمام مالك بسمته وكثرة وطول جلوسه في المسجد، فخرج حديثه، الإمام مالك -رحمه الله- من أهل التحري والتثبت والتشديد في انتقاء الرواة إلا أنه اغتر بظاهر هذا الرجل حسن السمت طويل المكث في المسجد، ولا يلزم من هذا أن يكون ثقة في الرواية؛ لأن الرواية مطلوبٌ لها أمران: العدالة في الدين، والحفظ والضبط والإتقان، لا يكفي أن يكون الإنسان عدلاً في دينه، صالحًا تقيًّا، بل لا بد من الشرط الثاني وهو الحفظ والضبط والإتقان.

أجمع جمهور أئمة الأثر*** والفقه في قبول ناقل الخبر
بأن يكون ضابطًا معدلًا***أي يقظًا ولم يكن مغفلًا

لا بد أن يكون يقظًا في الرواية يضبط، يحفظ ما سمع ويؤدي كما سمع، والإمام مالك بشر ليس بالمعصوم، هو نجم السنن ومعروفٌ بتحريه وتثبته، لكن لا يعني أنه معصوم في كل ما يقول -رحمه الله- وكل ما يفعل.
"أنه قال: من كلام النبوة الأولى" يعني مما أدركه الناس من كلام النبوة الأولى، كما في الحديث:
((إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى)) أي مما اتفقت عليه النبوات والشرائع السابقة، وهذا مخرج في الصحيح، ((إذا لم تستحي فأفعل ما شئت)) الحديث مخرج في البخاري في كتاب الأنبياء، في كتاب الأدب أيضًا: "بابٌ: إذا لم تستح فاصنع ما شئت" الترجمة بدون ياء لأكثر الرواة، والحديث بالياء ((تستحي)) أيهما الصواب؟ على كل حال هما لغتان: لغة تميم بياءٍ واحدة، أصل الفعل بياءٍ واحدة {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحِي} ولغة قريش بياءين: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي} [(26) سورة البقرة] فعلى هذا إذا دخل الجازم على المضارع حذف الياء التي هي لام الكلمة، فإذا حذفت على لغة تميم ما يبقى شيء هي ياء واحدة، وإذا حذفت على لغة قريش حذف واحدة وبقي واحدة، فالنص بالياء: ((إذا لم تستحي)) والترجمة بدون ياء على لغة تميم في بعض النسخ، ((فافعل ما شئت)) هذا لفظه لفظ الأمر (افعل) ومعناه الخبر، يعني أن الذي لا يستحي من الناس يصنع ما شاء، هذا خبرٌ عنه، لا أنه يجوز له أن يفعل ذلك، ومنهم من يقول: إنه أمر تهديد كما في قوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [(40) سورة فصلت] تهديد، ومنهم من يرى أن العمل إذا كان لا يستحيا منه فإنه مباح، لا يستحيا من إظهاره فإنه مباح، والمقصود من ذلك الشخص السوي الذي ما زال على الفطرة، ليس المراد به الشخص الذي اجتالته الشياطين، وأعجب بالمخالفين، لا، هذا لا يستحي، الذي على الفطرة حياؤه موافق لما يجيء في الشرع إن كان على الفطرة، وعلى كل حال المعنى منه واضح، إما إن كان هذا العمل لا يستحيا منه دل على جوازه فافعله، أو يكون هذا المراد به التهديد والوعيد إذا وصلت إلى هذا الحد بحيث نزع منك الحياء فاصنع ما شئت، يعني لا حيلة فيك.
"ووضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة، اليمنى على اليسرى -يضع اليمنى على اليسرى-" هذا من قول مالك وليس من الحديث "يضع اليمنى على اليسرى" هذا من قول مالك، وهذا يضعف الرواية التي تنقل عنه من القول بإرسال اليدين في الصلاة، إنما يضع اليمنى على اليسرى، يقول عبد الوهاب -وهو من أئمة المالكية-: المذهب وضعهما تحت الصدر وفوق السرة، وهو من أئمة المالكية، وقال الحنفية والحنابلة: تحت السرة، والحكمة في هذه الهيئة أنها مناسبة لمثول العبد الضعيف بين يدي الجبار، صفةٌ للسائل الذليل الخائف الوجل المنكسر بين يدي خالقه -جل وعلا-، وهي أيضًا أقرب إلى الخشوع؛ لأنه إذا لم تقبض اليد اليسرى باليمنى تحركت اليدان يمينًا وشمالًا.
"وتعجيل الفطر" هذه هي السنة،
((ولا تزال الأمة بخير ما عجلت الفطر، وأخرت السحور)) وهو معنى الاستيناء، يعني تأخير السحور، ومن المخالفين من لا يفطر حتى تشتبك النجوم، وهؤلاء من كان ديدنهم مخالفة السنة الثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويوجد الآن بين أهل السنة مع الأسف الشديد بالنسبة لتأخير السحور توجد مخالفات، كثير من الناس يسهر حتى إذا بقي على الفجر ساعة أو ساعتين تسحر ونام، هذا طبق السنة؟ لا، هذا ما أخر السحور، فخالف السنة في صنيعه هذا.
والشاهد من الحديث وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة، وهذا عن الإمام مالك بدون واسطة، يعني ما هو بنقل بالوسائط عن الإمام مالك هذا كتابه، وكثير ما ينسب إلى الأئمة ما لا يوجد في كلامهم، يعني يوجد في كتب المذاهب ما لم يقله الأئمة صراحة، وإنما يخرج على أقوالهم وعلى قواعدهم من قبل أصحابهم.
طالب:......
أين؟ لا هو ثابت في البخاري:
((إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت)) هذا ما فيه إشكال.
طالب:......
أين؟ الإمام مالك -رحمه الله تعالى- لا يرى أدنى إشكال في الإرسال، وبينّا هذا مرارًا أن المرسل عنده مثل المرفوع ويحتج به، وبعض من تقدم يفضل الإرسال على الوصل، فمثل هذا لا إشكال فيه عند المالكية.

واحتج مالكٌ كذا النعمانُ***به وتباعوهما ودانوا

به -يعني بالمرسل- وتباعوهما ودانوا

ورده جماهر النقادِ***للجهل بالساقط في الإسنادِ

 

فعظمٌ يلي الإبهام كوعٌ وما يلي***لخنصره الكرسوع والرسغ ما وسط

يقول أيضًا: هذا حديث موجود عند أبي داود والنسائي وصححه ابن خزيمة وغيره، ولم يذكر محلهما من الجسد، محل اليدين من الجسد، وقد روى ابن خزيمة من حديث وائل أنه وضعهما على صدره، وللبزار: "عند صدره" وفي زيادات المسند من حديث علي أنه وضعهما تحت السرة، وإسناده ضعيف، ضعيف وضعهما تحت السرة.
طالب:......
من الذي يخالف؟ يخالفه أقوى منه؟
طالب:......
طيب، والرواية الراجحة ما هي؟ يعني الزيادة غير مخالفة، صححه ابن خزيمة ما له وجه....... لو عورضت بما هو أقوى منها....
طالب:......
يضع على ذراعه، على الإطلاق عندنا الذي في حديث الباب، وعلى كفه كأنه قابضها، المقصود أن المسألة فيها سعة "أنه وضعهما على صدره" يعني في القيام من الصلاة في حال القراءة واضح وظاهر، لكن في حال القيام من الركوع الأمر كذلك؛ لأنه في حديث أبي حميد رفع من ركوعه حتى عاد كل فقار إلى مكانه، ومكانه الأقرب هو ما كان قبل الركوع من القبض، يعني ما هو بعاد كل فقار إلى مكانه قبل الدخول في الصلاة، لا.
"باب: القنوت في الصبح:
حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان لا يقنت في شيء من الصلاة".

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: القنوت في الصبح" القنوت: هو الدعاء في الصلاة في محلٍّ مخصوص من القيام، من بين معاني القنوت العشرة التي ذكرها ابن العربي، ونظمها الحافظ العراقي، على كل حال القنوت يطلق ويراد به عشرة معانٍ، وهنا المراد به الدعاء، الدعاء في المحل المخصوص من الصلاة، يعني قبل الركوع أو بعده على ما جاء في الروايات، وليس المراد به الدعاء المطلق في الصلاة الذي يشمل دعاء السجود، واختيار من المسألة بعد الفراغ من التشهد، ليس المراد، إنما يراد به الدعاء في حال القيام في الوتر وفي الفرائض عند حصول النوازل.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يقنت في شيء من الصلاة" وهذا يتناول الفرائض، في شيء من الصلاة، لا الفرائض الخمس ولا الجمعة ولا النوافل بما في ذلك الوتر، بل روي عن ابن عمر أنه بدعة، أن القنوت بدعة.
أما القنوت في الفرائض فقد ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قنت شهرًا يدعو على رعلٍ وذكوان في الصبح وفي المغرب، وجاء في غيرهما من الصلوات في غير الصحيح، هذا القنوت في الفرائض، وهو محمولٌ عند الأكثر على النوازل، وما عدا ذلك لا قنوت، والشافعية يرون استمرار القنوت في صلاة الصبح، ويذكرون في هذا الحديث المعروف: "فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا" وفي الصحيح: "قنت شهرًا ثم تركه" ثم تركه -عليه الصلاة والسلام-، وهذا أصح، هذا بالنسبة للقنوت في الفرائض.
طالب:......
نعم إذا وجد سببه والنازلة التي تنزل بالمسلمين من عدوٍّ أو مرض، تفشي مرض، يستثني من ذلك أهل العلم الطاعون؛ لأنه لا يقنت لرفعه لأنه شهادة، فإذا نزل بالمسلمين نازلة شرع القنوت قنوت النوازل في الفرائض، وأيضًا القنوت في الوتر ما ذكر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قنت، لكن في السنن مما صححه الترمذي وغيره أن النبي -عليه الصلاة والسلام- علم الحسن ما يقوله في القنوت:
((اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت)).. إلى آخره، وهذا مصحح عند الترمذي وغيره.
يقول ابن عبد البر -رحمه الله تعالى-: لم يَذكر في رواية يحيى غير ذلك، يعني ما ذكره عن ابن عمر، وفي أكثر الموطآت بعد حديث ابن عمر: مالك عن هشام بن عروة أن أباه كان لا يقنت في شيء من الصلاة ولا في الوتر، إلا أنه كان يقنت في صلاة الفجر قبل أن يركع الركعة الأخيرة إذا قضى قراءته، ثبت أن النبي كما ذكرنا -عليه الصلاة والسلام- قنت شهرًا يدعو على رعلٍ وذكوان، وهذا في الصحيح، وثبت أيضًا أنه تركه، فلا ينبغي فعله في الفرائض إلا عند حصول سببه وهو النازلة، وأما بالنسبة للنوافل فلا قنوت في شيء منها إلا الوتر استدلالًا بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- علم الحسن ما يقوله في قنوته، والمداومة على القنوت أيضًا خلاف السنة، ما ذُكر شيء فقط إنه علم الحسن ما يقوله في قنوت الوتر، وهذا بالنسبة للأمة يكفيهم الاستدلال بهذا، ما دام شرعه لواحدٍ من الأمة إذًا حكمه حكم الجميع، لكن يبقى أنه هل يداوم عليه أو لا يداوم؟ الأولى أن لا يدوام عليه، بعض السلف بعض الصحابة ينقل عنه أنه لا يقنت إلا في النصف الثاني من رمضان، وعلى كل حال ما دام وجد أصله وجدت المشروعية، فالقنوت في الوتر مشروع.
طالب:......
في تعليمه القنوت؟ نعم.
على كل حال الذي يضعفه ما عاد له أي دليل يدل على القنوت في الوتر، يصلي ركعات ويقطعها على وتر ولا يدعو في هذا المكان، المقصود أنه ما فيه شيء مرفوع، ما يذكر في شيء مرفوع، نعم؟
طالب:......
ما فيه شيء مرفوع.
طالب:......
"فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا" يصححونه بعض الشافعية صححوه، ونص بعض السلف أنه محدث أي بدعة.
طالب:......
كيف؟
طالب:......
إذا طالت النازلة ونسيها الناس فنسي الناس هي حكمها حكم المصيبة، يعني ما يذكر بها، والدعاء لا شك أنه سلاح ينبغي أن يكون ديدن المسلم سواءً كان منفردًا أو مع جماعة، هو سلاح لا ينبغي أن يغفل، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- قنت شهر، فلعل هذا هو الحد، وإذا تطلب الأمر الزيادة على ذلك فيرجى أنه لا بأس به عندما يستلزم ذلك.
طالب:......
نعم هو فسر القنوت في صلاة الصبح أنه لم يزل يقنت حتى فارق الدنيا بطول القيام، وهذا من معاني القنوت العشرة.
طالب:......
جاء هذا وهذا، يلتمسون لهذا موضعًا ولهذا موضعًا، الدعاء للرفع له موضع، والدعاء للطلب له موضع، المقصود أنه ما فيه ما يدل على التفريق، فيه ما يدل على أن الأمر فيه سعة.
"باب: النهي عن الصلاة والإنسان يريد حاجته:
حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن عبد الله بن الأرقم -رضي الله تعالى عنه- كان يؤم أصحابه فحضرت الصلاة يومًا فذهب لحاجته ثم رجع، فقال: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:
((إذا أراد أحدكم الغائط فليبدأ به قبل الصلاة)).
وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- قال: "لا يصلين أحدكم وهو ضام بين وركيه".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: النهي عن الصلاة والإنسان يريد حاجته" يريد حاجته والحاجة يكنى بها عن الألفاظ المستبشعة التي ينبغي للمسلم أن يترفع عن ذكرها، وقضاء الحاجة معروف، الحاجة المقضية معروفة، فلا يحتاج أن يصرح بها، فإذا احتاج الإنسان إلى قضاء هذه الحاجة وصارت حاجته إلى ذلك قوية بحيث ينشغل بها عن صلاته، فالأولى أن ينصرف ويقضي حاجته ثم يقبل على صلاته بالخشوع التام، يفرغ قلبه لصلاته، ويتفرغ من كل ما يشغل باله عن صلاته، سواءً كان من حاجة أو غيرها، حتى لو جاء وذهنه مشغول بأمور الدنيا ينبغي أن يطرح ذلك وراءه فيقبل على صلاته، وقل مثل هذا في كل ما يذهب الخشوع؛ حر شديد، برد شديد، جوع شديد كل هذا ينبغي أن يتخلص منه ويقبل على صلاته، ويؤديها كما أمر.
طالب:......
إذا وصل إلى حدٍّ بحيث يتشوش ذهنه ولا يحضر قلبه في صلاته الحكم واحد، العلة معقولة.
"حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن عبد الله بن الأرقم" القرشي الزهري الصحابي المعروف مات في خلافة عثمان "كان يؤم أصحابه فحضرت الصلاة يومًا فذهب لحاجته ثم رجع" كثيرٌ من الناس يحمل على نفسه من أجل أن لا تفوته الصلاة، ويصلي وهو يدافع الأخبثين، وجماهير العلماء على أن صلاته صحيحة، لكن ليس له من صلاته إلا ما عقل، يذهب بعضهم إلى إبطالها، إلى إبطال الصلاة؛ لأنه تعارض الأمر بالصلاة والنهي عن الصلاة وهو يدافع الأخبثين، إذا تعارض الأمر مع النهي وكل نهي يبطل العبادة عند أهل الظاهر.
((إذا أراد أحدكم الغائط فليبدأ به قبل الصلاة)) والغائط المعروف المكان المطمئن المنخفض الذي تقضى فيه الحاجة، ثم نقل إلى الحاجة نفسها من باب: إطلاق المحل وإرادة الحال، وفي الحديث: أنه لا يصلي وهو حاقن، فإن فعل فقال ابن القاسم عن مالك: أحبُّ أن يعيد في الوقت وبعده، وقال أبو حنيفة والشافعي وهو المعروف عند الحنابلة: إنه لا إعادة عليه إذا لم يترك شيئًا من فرائضه، من فرائض الصلاة، أحيانًا قد يضطر في آخر الصلاة أن يترك ركنًا، ويتجوز في صلاته بحيث يترك ما لا تتم الصلاة إلا به فهذا لا بد من الإعادة، لكن إذا أتى بها بأركانها وشروطها وواجباتها صلاته صحيحة، ويبقى أنه ليس له من ثوابها إلا ما أدركه بعقله.
وقال أبو حنيفة والشافعية: لا إعادة إن لم يترك شيئًا من فرائضه، وقال الطحاوي: لا خلاف أنه لو شغل قلبه بشيء من أمور الدنيا أنه لا تستحب له الإعادة فضلًا عن أن تجب إذا شغل قلبه عن أمور الدنيا، وكذا لو شغله أي شاغل سواءً كان من أمور الدنيا أو من أمور الآخرة، نعم ليس له من صلاته إلا ما أعقل، جاء عن عمر أنه كان يجهز الجيوش وهو في الصلاة -رضي الله عنه وأرضاه-، وكما قال الله -جل وعلا-:
{إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [(4) سورة الليل] كلٌ يشتغل بما يهمه، فمن الناس من يهتم بأمور الدين، وقد تشغله حتى في صلاته وهذا ملاحظ، الذي يشتغل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو بصدد قضية معينة، ثم يدخل في صلاته تشغله هذه القضية، وهو خير على خير -إن شاء الله-، كما أن عمر يجهز الجيوش في الصلاة، وقد ينشغل بمباح وهذا كثير، وقد ينشغل بمحظور بمحرم.
من الصور التي تقع: الانشغال بأمرٍ مشروع، بما يشبه عمل المصلي، يعني افترض أن شخصًا خلف الإمام والإمام يقرأ بآيات مؤثرة فيبكي لا من قراءة الإمام، ولا من الآيات التي يقرأها، ولا بسبب الآيات التي يقرأها الإمام وهذا حصل، شخص في الدور الثاني في المسجد الحرام يطل على المطاف وفي أوقات الزحام، رأى الناس في المطاف يموج بعضهم في بعض فبكى من هذا المنظر، والإمام يقرأ آيات مؤثرة وبعض الناس يبكون بسبب القراءة هذا انشغال بأمر خير، لكن الأولى أن يقبل الإنسان على صلاته، ولا ينشغل بأي أمر ولو كان خيرًا؛ لأن الأجر المرتب على الصلاة غير الأجر المرتب على غيرها، فضلًا على أن ينشغل بمباح، فضلًا على أن ينشغل بمحرم، بعض الناس تشغله أموره العادية المباحة، وبعض الناس ممن -نسأل الله العافية- يشتغل بالمحرمات بالمنكرات تشغله هذه المحرمات حتى في صلاته.
ثم قال -رحمه الله تعالى-: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب قال: لا يصلين أحدكم وهو ضام بين وركيه" يعني من شدة الحقن والاحتقان والحصر، بعض الناس إذا أصيب بهذا ضم وركيه لئلا يخرج منه شيء، وقلنا: ثبت النهي من حديث عائشة وغيرها قال:
((لا يصلين أحدٌ بحضرة طعام، ولا وهو يدافع الأخبثان)) المقصود أن مثل هذا ينبغي أن يتقى بقدر الإنسان، ويفرغ الإنسان نفسه وقلبه ويقبل على صلاته بقلبٍ فارغ، نعم؟
طالب:......
يعني صارت عادته مطردة أو احتاج إليه في هذا الوقت؟ الكلام على الحاجة؛ لأن المسألة فيما يشغل القلب عن الصلاة بحيث لو صلى وهو محتاجٌ إلى طعامه، أو محتاجٌ إلى قضاء حاجته، أو محتاج إلى ما يلبسه ليدفع البرد أو الحر لم يعقل من صلاته شيء، هنا يشرع أن يفرغ من هذا الشاغل ثم يلتفت إلى صلاته.
طالب:......
هنا مسألة المفاضلة بين الصلاة في وقتها وبين تحصيل الخشوع، والخشوع عند الجمهور سنة وليس بواجب، وأوجبه جمعٌ من أهل العلم ابن رجب والغزالي وغيرهما أوجب الخشوع في الصلاة.
"باب: انتظار الصلاة والمشي إليها:
وحدثني يحيى عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
((الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ما لم يحدث: اللهم اغفر له، اللهم أرحمه)).
وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
((لا يزال أحدكم في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة)).
قال مالك: لا أرى قوله:
((ما لم يحدث)) إلا الإحداث الذي ينقض الوضوء.
وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
((لا يزال أحدكم في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة)).
وحدثني عن مالك عن سمي مولى أبي بكر أن أبا بكر بن عبد الرحمن كان يقول: من غدا أو راح إلى المسجد لا يريد غيره ليتعلم خيرًا أو ليعلمه، ثم رجع إلى بيته كان كالمجاهد في سبيل الله رجع غانمًا.
وحدثني عن مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر أنه سمع أبا هريرة -رضي الله تعالى عنه- يقول: إذا صلى أحدكم ثم جلس في مصلاه لم تزل الملائكة تصلي عليه: اللهم أغفر له، اللهم ارحمه، فإن قام من مصلاه فجلس في المسجد ينتظر الصلاة لم يزل في صلاة حتى يصلي.

وحدثني عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
((ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ إسباغ الوضوء عند المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط)).
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب قال: يقال لا يخرج أحد من المسجد بعد النداء إلا أحد يريد الرجوع إليه إلا منافق.
وحدثني عن مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن عمرو بن سليم الزرقي عن أبي قتادة الأنصاري -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
((إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس)).
وحدثني عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال له: ألم أر صاحبك إذا دخل المسجد يجلس قبل أن يركع، قال أبو النضر: يعني بذلك عمر بن عبيد الله، ويعيب ذلك عليه أن يجلس إذا دخل المسجد قبل أن يركع.
قال يحيى: قال مالك -رحمه الله-: "وذلك حسن وليس بواجب".

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: انتظار الصلاة والمشي إليها" انتظار الصلاة: يعني في مكانها، يعني في المسجد، والمشي إليها مما يرتب عليه الحسنات بعدد الخطى، انتظار الصلاة قد يقول قائل: إن بعض الناس يفرغ نفسه للصلاة لكنه جالس في بيته ينتظر الأذان ثم يخرج إلى الصلاة هل نقول: إنه في صلاة وهو في بيته؟ لا، والمشي إليها رتب عليه أجر، وفيه:
((بني سلمة دياركم تكتب آثاركم)) ومعلومٌ أن هذا للبعيد من المسجد، وهو أعظم أجرًا من القريب إذا كان المشي مما تطلبه العبادة، ليس معنى هذا أن الإنسان إذا خرج من بيته وبيته قريب من المسجد أنه يدور الحي لتكثير الخطى، نقول: لا يا أخي هذا ما فيه أجر؛ لأن الأجر الذي يرتب عليه الثواب ما تطلبه العبادة؛ لأن المشقة لذاتها ليست من مقاصد الشرع، لكن لو كان البيت بعيدًا قلنا: نعم.
"باب: انتظار الصلاة" يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
((الملائكة تصلي))" المعنى اللغوي: تدعو، تدعو لمن؟ لمن مكث في مصلاه ((تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه)) ما دام في مصلاه يعني ينتظر الصلاة، والمصلى يحتمل أن يراد به البقعة التي أدى فيها الصلاة، ويحتمل أن يكون المسجد الذي صلى فيه، هذان احتمالان، فالمسجد مصلى وقد صلى في هذا المسجد كما أن البقعة التي أدى فيها هذه الصلاة مصلى أيضًا، والحديث هل يتناول الاحتمالين أو يتناول أحدهما دون الآخر؟ لا شك أن الإنسان إذا مكث في البقعة التي أدى فيها الصلاة دخل في النص دخولًا قطعيًا، لكن إذا انتقل إلى مكانٍ آخر في المسجد ينتظر الصلاة أو جلس يذكر الله -جل وعلا- صلى بطرف المسجد أو في الصف الثاني الذي ليس فيه تكأة، وجلوسه في هذا المكان يتعبه، وانتقل إلى سارية أو إلى جدار أو إلى شيء يرتاح فيه، نقول: فضل الله واسع، ما دام ما يحبسه إلا الصلاة والذكر فضل الله واسع، وإن قال بعضهم: إن هذا لا يشمله، لكن فضل الله واسع.
ولو أن امرأة جلست في مصلاها في بيتها تنتظر الصلاة الثانية
((تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه)) ومعروف أن الخطاب للرجال يتناول النساء، فإذا جلست المرأة في مصلاها التي صلت فيه تذكر الله -جل وعلا- تنتظر الصلاة اللاحقة فالنص يتناولها -إن شاء الله تعالى-؛ لأنها حبست نفسها عن التصرف رغبةً في الصلاة.
يقول -عليه الصلاة والسلام-:
((الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ما لم يحدث)) وهناك: ((فجلس في المسجد ينتظر الصلاة)) ((جلس في مصلاه)) مما يدل على أن الجلوس مقصود، وهل المراد به حقيقة الجلوس أو المراد به المكث في المسجد متعبدًا لله -جل وعلا- بصلاة؟ لأنه إذا قلنا: إنه جلس معناه أنه لا يقوم ولا يصلي، المكث متعبدًا لله -جل وعلا- بصلاة أو ذكر أو تلاوة أو حضور درس كل هذه أمور مطلوبة، لكن لو غلبه النعاس مثلًا وأخذ يذكر الله وهو يمشي في المسجد مستحضرًا قول الله -جل وعلا-: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ} [(191) سورة آل عمران] فبدلًا من أن يجلس وينعس ولا يستحضر من قراءته ولا ذكره شيئًا يمشي في المسجد، أو كان محتاجًا إلى المشي مثلًا، منصوحًا بأن يمشي فقال: بدلًا من أن أمشي في شوارع أو غيرها أجلس في المسجد أنتظر الصلاة وأذكر الله -جل وعلا- وأقرأ القرآن وأنا أمشي، نقول: يؤجر -إن شاء الله تعالى- على هذه النية، وعلى هذا البقاء، وعلى هذا المكث وإن نقص أجره عن أجر الجلوس، المقصود أنه ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) يعني لو جلس من غير قصد المكان بارد....... الشموس، نعم، أو دافئ.......، هذا ما يؤجر عليه.
طالب:......
نعم، ما يؤجرون إلا على إجابة أمرها فقط.
طالب:......
لا، جلوسه ما له قيمة، المقصود أن يجلس الشخص في مصلاه متعبدًا لله -جل وعلا- بذلك.
طالب:......
لو قام يطوف؟ نعم هذه عبادة من أفضل العبادات.
طالب:......
وهو معد للصلاة؟ هذا المكان الذي جلس فيه معد للصلاة التي تلي هذه؟ هو مصلى، ما دام مصلى معد للصلاة التي صليت وما يصلى بعدها، هو ينتظر الصلاة في مصلاه، جلس في مصلاه مثل المرأة في مصلاها ما يلزم أن يكون المسجد
((ما لم يحدث)) هو ما دام في مصلاه ولو لم ينتظر الصلاة، المقصود أنه في مصلاه يذكر الله -جل وعلا- الذي صلى فيه ((ما لم يحدث)) سئل أبو هريرة -رضي الله عنه- عن الحدث فقال: "فساءٌ أو ضراط".
((اللهم اغفر له، اللهم ارحمه)) يعني هذا تفسير لقوله: ((تصلي على أحدكم)) يعني تستغفر له وتدعو له بالرحمة، وتمامه في البخاري: ((لا يزال أحدكم في صلاةٍ ما دامت الصلاة تحبسه، ولا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة)) وسيأتي هذا عند الإمام مالك مفصولًا عن الحديث، وهو في البخاري سياقه عند البخاري على أساس أنه حديث واحد.
طالب:......
مكث في مصلاه في بيته فاتته الصلاة وصلى في بيته، يكتب له -إن شاء الله- الملائكة تصلي عليه، لكن فاته من الأجر بقدر ما فاته من الجماعة إذا كان منفردًا.
"
((ما لم يحدث، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه)) قال مالك: لا أرى قوله: ما لم يحدث إلا الإحداث الذي ينقض الوضوء" وجاء في بعض الروايات: ((ما لم يحدث، ما لم يؤذِ)) ولا شك أن الحدث باليد واللسان أشد مما أشير إليه في الكتاب؛ لأن الأذى من اليد واللسان أشد من الأذى بالحدث، نعم الحدث فيه أذى، وفيه رائحة كريهة، لكن الأذى باليد واللسان أبلغ فهو أولى، والحديث مطابقٌ لقوله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ} [(7) سورة غافر] لمن؟
طالب:......
نعم
{لِلَّذِينَ آمَنُوا} [(7) سورة غافر].
يقول: "وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
((لا يزال أحدكم في صلاة))" في ثوابها لا في حكمها أنه يحرم عليه أن يتكلم، ليس المراد به أنه في صلاة من جميع الوجوه، لكن يمنع مما يمنع منه المصلي من بعض الوجوه فلا يشبك بين أصابعه ما دام ينتظر الصلاة، الآن الذي في طريقه إلى الصلاة في صلاة لا يشبك بين أصابعه، لكن بعد الفراغ من الصلاة وانتظار الصلاة الأخرى يشبك بين أصابعه أو لا يشبك؟ وهو ينتظر الصلاة الأخرى؟ ما يشبك، لكن لو كان لا ينتظر يريد أن يخرج يشبك كما في حديث ذي اليدين.
((ما كانت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة)) وهذا جزءٌ من الحديث السابق، وصنيع مالك يجعلهما حديثين، وأكثر الرواة ضم هذا إلى الأول فجعلوه حديثًا واحدًا، يقول ابن حجر: "ولا حجر في ذلك" يعني يجوز هذا وهذا.
طالب:......
ينتظر صلاة ماذا؟
طالب:......
مطلقة، حتى ولو كان في وقت نهي مثلًا وينتظر خروج وقت النهي ليصلي، فضل الله واسع، إذا كانت الصلاة تحبسه ولا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة، ويقتضي أنه إذا صرف نيته عن ذلك صارفٌ آخر انقطع عنه الثواب المذكور، وكذلك إذا شارك نية الانتظار أمرٌ آخر صار عنده موعد، طيب لو انقطعت هذه النية هو جالس ينتظر الصلاة صلى الظهر وجلس ينتظر العصر، ثم اتصل عليه واحد من التلفون قال: أنا أريد أن أقابلك، قال: خلاص حدد موعدًا، قال: موعدك المكان الفلاني، وهو يتأهب للخروج اتصل عليه مرة ثانية قال: لا، اجلس في المسجد أنا آتيك، هذا قطع النية.
طالب:......
نعم، لكنه قطع هذه النية، قطعها، أراد أن يخرج لمقابلة هذا الذي اتصل عليه، من نوى الإفطار أفطر.
طالب:......
لا، هذا نوى يخرج، خلاص تكلم ليقابله بالمكان الفلاني ويطلع، قبل أن يخرج من المسجد اتصل عليه مرة ثانية قال: اجلس في المسجد أنا آتيك، هذا انتهى هذا، قطع نيته، لكن تستمر نيته لو قال: لا، أنا والله ما أقدر أطلع، تأتيني في المسجد وإلا الموعد بعد الصلاة هذا يستمر أجره.
طالب:......
الضرورات تقدر بقدرها، ما منعه إلا أمرٌ ضروري، الضرورة تقدر بقدرها معروف.
يقول الناظم -رحمه الله- ابن عبد القوي:

وخير مقامٍ قمت به وحلية*** تحليتها ذكر الإله بمسجدِ

 

وكثيرًا ما يرد في الأحاديث أنه دخل على النبي في المسجد، فجاء إلى المسجد، المقصود أن هذا ديدنه -عليه الصلاة والسلام-.
"وحدثني عن مالك عن سمي مولى أبي بكر أن أبا بكر" يعني مولاه ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أحد الفقهاء السبعة "كان يقول: من غدا -الغدوة في أول النهار- أو راح -يعني في آخره من الزوال- إلى المسجد لا يريد غيره" غدا أو راح لا يريد غير المسجد، لكنه غدا هذا خرج من بيته غدوةً، أو راح من بيته يريد البقالة مثلًا ليقضي حاجة، ثم قابله ولده وقال له: اذهب اقض الحاجة أنت أنا سأذهب إلى المسجد، هذا ما غدا إلى المسجد، لكن عدوله عن هذا الأمر المباح إلى هذا الأمر الفاضل لا يحرم أجره -إن شاء الله تعالى-.
"إلى المسجد لا يريد غيره ليتعلم خيرًا -من غيره قاصدًا درسًا مثلًا- أو ليعلمه -يعلم غيره الخير- ثم رجع إلى بيته كان كالمجاهد في سبيل الله رجع غانمًا" يقول ابن عبد البر: وهذا لا يدرك بالرأي والاجتهاد؛ لأنه قطعٌ على غيبٍ من حكم الله وأمره في ثوابه، المقصود أن ابن عبد البر يريد أن يقرر أن مثل هذا لا يقال بالرأي، فله حكم الرفع.
طالب:......
هو بعيد من وجه باعتبار أن من أهل العلم من يجعل العلم بابًا من أبواب الجهاد، وأجرى عليه بعض أحكام الجهاد في جواز السفر، المقصود أنه باب من أبواب الجهاد، لكن هل يرجع كالمجاهد في سبيل الله الذي ذهب ليقاتل الأعداء، المقصود فضل الله واسع.
جاء في الخبر أيضًا المرفوع من حديث سهل بن سعد عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال:
((من دخل مسجدي هذا ليتعلم خيرًا أو ليعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله)) هذا مرفوع، حديث أبي أمامة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيرًا أو يعلمه كان كأجر حاجٍّ تامًّا حجه)) أخرجهما الطبراني، وإسناد كلٍ منهما حسن كما قال السيوطي.
المقصود أن التعلم والتعليم من أفضل أبواب الجهاد، وأجره عظيم لمن أخلص فيه؛ لأن تعلم العلم الشرعي من أمور الآخرة المحضة التي لا يجوز فيها التشريك، فإذا أخلص العبد لربه فليبشر وليؤمل خيرًا
((ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة)).
"وحدثني عن مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر أنه سمع أبا هريرة يقول: إذا صلى أحدكم" فرضًا أو نفلًا؛ لأن حذف المفعول يدل على التعميم، إذا قلت: لا تعط زيدًا أنت ما ذكرت لا تعطه ريالاً ولا عشرة ولا مائة ولا ألف، مقصوده لا تعطيه شيئًا من هذا كله، فحذف المفعول يدل على التعميم "إذا صلى أحدكم ثم جلس في مصلاه لم تزل الملائكة تصلي عليه" يعني تدعو له "اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، فإن قام من مصلاه -يعني البقعة التي صلى فيها- فجلس في المسجد ينتظر الصلاة لم يزل في صلاة -حكمًا- حتى يصلي" هناك لم تزل الملائكة تصلي عليه، هذا إذا جلس في البقعة التي جلس فيها، إن انتقل إلى مكانٍ آخر فهو في صلاة ما دام ينتظر الصلاة.
يقول ابن عبد البر أيضًا: هذا مثل حديثه المرفوع إلا أنه يشمل الاحتمالين السابقين ذكرهما في المراد بالمصلى، وعند النسائي مرفوعٌ من طريق مالك أيضًا؛ لأن هذا موقوف على أبي هريرة، لكن مثله لا يقال بالرأي فحكمه حكم الرفع.
على كل حال من جلس في المصلى البقعة التي صلى فيها دخل في هذه النصوص دخولًا قطعيًّا، فإن انتقل من هذا المكان إلى مكانٍ آخر في المسجد لمبررٍ واضح لا يستطيع أن يجلس بدون تكأة، هذا يرجى له أن يكون كما لو جلس في المصلى.
إذا انتقل إلى مكانٍ آخر من دون قصدٍ صحيح وغرضٍ صحيح بل انتقل من مكان إلى آخر لمجرد الانتقال فهذا لا شك أن ثوابه أقل، ومثله لو لم يجلس يعني انتقل من مكان ثم إلى ثالث إلى رابع وهكذا، ولو استغرق الوقت مشيًا وهو يذكر الله ويقرأ القرآن أو يصلي فإنه يرجى له الخير العظيم -إن شاء الله تعالى- ما دام جالس في المسجد في بيتٍ من بيوت الله ينتظر الصلاة فهو على خير -إن شاء الله تعالى-.
"وحدثني عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب -المدني- عن أبيه -عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني-.... أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
((ألا -هذا حرف تنبيه- ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا)) كناية عن غفران الذنوب والعفو عنها، أو محوها من كتب الحفظة ((بما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات)) المراد بها المنازل العالية في الجنة ((إسباغ الوضوء عند المكاره)) يعني في المشقات والشدائد كشدة الحر وشدة البرد ((إسباغ الوضوء عند المكاره، وكثرة الخطى -جمع خطوة- إلى المساجد)) ويكون ذلك ببعد الدار عن المسجد، وجاء في الحديث الصحيح: ((بني سلمة دياركم تكتب آثاركم))، ((وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط)) هذا رباط ومرابطة، وامتثال للأمر {وَرَابِطُواْ} [(200) سورة آل عمران] وإن كان الأصل في الرباط حقيقته الشرعية ملازمة الثغور، لكن الذي لا يتيسر له ذلك فليحرص على هذا؛ لأن المرابطة مأمور بها ((فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط)) يعني المرغب فيه، والحصر يدل على أن هذا النوع أفضل الرباط، وإذا قلنا: إن قوله: ((فذلكم الرباط)) من باب التشبيه يعني كالرباط اقتضى أنه دون الرباط في الثغور لكنه نوعٌ مرغبٌ فيه من أنواع الرباط.
يقول: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب قال: يقال: لا يخرج أحد من المسجد بعد النداء إلا أحد يريد الرجوع إليه" حيث خرج لحاجة، لضرورة، أحدث وأراد أن يجدد الوضوء هذا في حكم من بقي في المسجد، لو كان في درس مثلًا ومكث فيه إلى أن انتهى الدرس وخرج إلى مسجدٍ آخر فيه درس آخر، وأراد أن يدرك الدرس من أوله هذا أيضًا عذر في الخروج، وإن كان الأولى أن يخرج قبل الأذان.
"إلا أحدٌ يريد الرجوع إليه إلا منافق" يريد أن ذلك من أفعال المنافقين، يقول ابن عبد البر: مثل هذا لا يقال من جهة الرأي، ولا يكون إلا توقيفًا، مع أن بعض الصحابة حكم على بعض الناس من خلال بعض التصرفات بأنه منافق، فدل على أن الصحابي قد يجتهد في تطبيق هذه الصورة، ويرى أنها من عمل المنافقين وإن لم تكن كذلك، فيمكن أن يقال هذا من جهة الرأي؛ لأن المنافق هو الذي يرغب عن الصلاة ويخرج عنها بعد أذانها هذا من أفعال المنافقين.
فروى مسلم وأبو داود وأحمد عن أبي الشعثاء قال: كنا قعودًا في المسجد مع أبي هريرة، فأذن المؤذن فقام رجلٌ من المسجد يمشي فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد، فقال أبو هريرة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-، فالخروج من المسجد بعد الأذان بغير عذر لا يجوز، بل هو محرم، والصحابي صرح بأن هذه معصية.
طالب:......
هو إمامه مثلًا؟
طالب:......
لا ما هو مبرر هذا، ما هو مبرر لمخالفة هذه النصوص.
هناك خبر ذكروه عن سعيد قال: بلغنا أن من خرج بين الأذان والإقامة لغير الوضوء أنه يصاب، يعني يصاب بما يكره، وهذا من باب الترهيب من مثل هذا العمل، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"
هذا يقول: ينقل الزرقاني -رحمه الله- عن ابن عبد البر ويعزوه أحيانًا لكتاب التقصي فهل هو شرحٌ للموطأ؟

لا، ما هو بشرح، هذا أطراف الموطأ، يعني كأنه مجرد أو هو تجريد للتمهيد، أشبه ما يكون بالفرس للتمهيد، يعني ترتيبه لأحاديث الموطأ هو مجرد ترتيب على طريقة التمهيد، وعرفنا سابقًا أن التمهيد مرتب على شيوخ الإمام مالك.