التعليق على تفسير القرطبي - سورة لقمان (03)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلي الله وبارك علي عبده ورسوله نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين.

ذكر الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- حديث أبي هريرة قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم-يقول: « كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه».

 قوله: إلا المجاهرين، كذا للأكثر، وكذا في رواية مسلم ومستخرج الإسماعيلي وأبي نعيم بالنصب، وفي رواية النسفي: إلا المجاهرون بالرفع، وعليه شرح ابن بطال وابن التين، قال: وكذا وقع وصوابه عند البصريين بالنصب، وأجاز الكوفيون بالرفع بالاستثناء المنقطع، كذا قال، وقال ابن مالك: إلا على هذا بمعنى لكن، وعليه خرجوا قراءة ابن كثير وأبي عمرو: {ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك} أي لكن امرأتك إنه مُصيبُها ما أصابهم، وكذلك هنا المعنى، لكن المجاهرون بالمعاصي لا يعافون فالمجاهرون مبتدأ، والخبر محذوف.

 وقال الكرماني: حق الكلام النصب إلا أن يقال: العفو بمعنى الترك، وهو نوع من النفي، ومحصل الكلام كل واحد من الأمة يعفى عن ذنبه، ولا يؤخذ به لا الفاسق والمعلن، انتهي. واختصره من كلام الطيب فإنه قال: كتبت في نسخة المصابيح: المجاهرون بالرفع، وحقه النصب، وأجاب بعض شراح المصابيح  بأنه مستثنى من قوله: معافى، وهو في معنى النفي، أي كل أمتي لا ذنب عليه إلا المجاهرون، وقال الطيبي: والأظهر أن يقال: المعنى كل أمتي يتركون في الغِيبة أو في الغَيبة إلا المجاهرون، والعفو هنا بمعنى الترك.

 الغيبة، والأظهر أن يقال المعني: كل أمتي يتركون في الغيبة إلا المجاهرون، والعفو بمعنى الترك، وفيه معنى النفي، كقوله: {ويأبى الله إلا أن يتم نوره}، والمجاهر هو الذي أظهر إلى آخره.

 المقصود أن أكثر الروايات على النصب، وهو الأصل والجاري على القواعد استثناء تام موجب، وجاء في رواية النسفي في صحيح البخاري: إلا المجاهرون، وهذا كثير متداول، تداولها كثير من أهل العلم ينقلونها هكذا بالرفع.

 وعلى كل حال إذا خرِّجت إلا بمعنى لكن استقام الكلام.

هذا يقول: ما المقصود بالغناء المحرم هل هو الذي بالمعازف؟ وهل ثم فرق بين المعازف ومحسنات الصوت الذي يصاحبها قصائد؟

الغناء المحرم إذ كان اللفظ محرمًا، إذا كان لفظه محرمًا، ولو لم تصحبه آلة لكان اللفظ محرمًا، محرمًا الكلام سواء أدي بصوت حسن أو بصوت قبيح، إذا كان اللفظ محرمًا، وإذا صاحبته آلة حرم من أجل الآلة، ولو كان لفظه مباحًا، وإذا أدي بلحون الأعاجم وأهل الفسق حرم؛ للتشبه بهم.

 هذا أوجه التحريم الثلاثة وما عدا ذلك فالكلام الشعر أنشد بين يدي النبي-عليه الصلاة والسلام-، ولا إشكال فيه.

 محسنات الصوت التي يسمونها اجتماع أصوات، يجمعون أصواتًا كثرة بحيث تؤثر في النفس ما تؤثره الآلات تأخذ حكم الآلات.

هذا من كان ذا يقول: قد أنكر علي أحد الإخوة؛ لأني قلت كفارة المجلس، وقال: إن الأحاديث الخاصة بكفارة المجلس ضعيفة، مع أنه لدي أدلة صحيحة بالحديث الذي أشرت الذي ذكره الإمام أحمد بمسنده، والترمذي بسننه، ولفظ رواية الترمذي: «من جلس في مجلس وكثر فيه لغطه» إلى أن قال: وصححه الألباني بالقول الصحيح؟

على كل حال البخاري أعل الحديث- رحمه الله -وصححه غيره، فالذي يغلب على الظن ثبوته إن شاء الله تعالى.

يقول: لا تسعر هل تأتي بمعنى تذلل للناس أي بعكس التكبر؟

لا شك أن التسعير منهي عنه في الآية، لا يأتي بمعنى التذلل للناس، وإنما يأتي بمعنى التكبر فقط .

طالب: ......

نعم

طالب: .......

جاء في بعض الدعاء بعد الوضوء اشتباك واشتباه كفارة المجلس مع دعاء الوضوء في بعض اللفظ ما هو بكامل.

طالب: .......

يقول: أيضًا هل يجوز معاشرة الشيعة الذين يسبون الصحابة؟

لا شك أن سب الصحابة من المنكرات العظيمة، وإذا التزم باللازم، وأنهم هم الذين بلغونا الدين، ولولاهم ما وصلنا الدين ثم سبه مع اعترافه بهذا اللازم فإنه يكفر بهذا، نسال الله العافية؛ لأنه بهذا ينكرون الدين الذي وصلنا بسببهم، وسبه من أعظم المنكرات الظاهرة، فإذا سبهم فلا يجوز مجالستهم ولا مصاحبتهم والعيش معهم، بل تجب منابذتهم ومنافرتهم، والبراء منهم ومن أعمالهم، هذا في الأعمال الظاهرة، أما في البواطن فعندهم غير ذلك، عندهم أشياء كثيرة هي مكفرة أيضًا، منه أنهم يدعون أئمتهم من دون الله- جل وعلا- وهذا هو الشرك الأكبر، نسأل الله العافية، ويزعمون نقص القرآن الذي أجمعت عليه الأمة ويقذفون عائشة بعد أن برأها الله من سبع سموات، هذه كلها مكفرات –نسأل الله السلامة والعافية-.

يقول: هذا من المغرب يقول: ما أهم التفاسير التي ينبغي أن يقتنيها طالب العلم وتكفيه عن غيرها؟

هذه ذكرتها في أشرطة كثيرة في المناسبات، ومكتبة طالب العلم في خمسة أشرطة فيها تفصيل لكل العلوم منها التفسير.

يقول: ما معنى البيع بالعينة؟ وما رب النسيئة؟ وما معني ربا الفضل؟

هذه من مصر سمت نفسها محبة الأمر بالمعروف.

البيع بالعينة أن يرجع للبائع عين ماله فبيع سلعة نسيئة بسعر مرتفع، ثم يشتريه نقدًا ممن باعها عليه بثمن أقل، هذه مسألة العينة، فإن باعها المشتري على غيره لطرف ثالث فهي التورق، والتورق جائز عند عامة أهل العلم، وأما العينة فهي محرمة، وجاء فيها الحديث الصريح، ربا النسيئة أن تبيع الربوي بجنسه من غير تقابض؛ لأنه إذا اتحد الجنسان فإنه لابد من التماثل والتقابض، فإن أخر أحدهما عن المجلس فهو ربا النسيئة، وإن زاد أحدهما على الآخر ولو كان يدًا بيد فهو ربا الفضل.

ما التفسير الذي ينصح به للمبتدأ في طلب العلم؟

 كلهم من المغرب الذين يسألون عن التفاسير.

 على كل حال التفاسير كثيرة؛ منها تفسير الشيخ فيصل بن المبارك، وهذا مختصر وخلاصة لتفسير الطبري والبغوي وابن كثير، ومنها أيضًا تفسير الشيخ ابن سعدى، تفسير نافع للمبتدئين، وتفسير سهل ميسر لطلاب العلم، وهو موجود ومتداول، تفسير الجلالين أيضًا تفسير متين يربي عليه أيضًا طلاب العلم، لكنه فيه مخالفات عقدية ينتبه لها.

نعم.

                                 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلي الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ}.

 ذَكَرَ نِعَمَهُ عَلَى بَنِي آدَمَ، وَأَنَّهُ سَخَّرَ لَهُمْ" مَا فِي السَّماواتِ" مِنْ شَمْسٍ وَقَمَرٍ وَنُجُومٍ وَمَلَائِكَةٍ تَحُوطُهُمْ، وَتَجُرُّ إِلَيْهِمْ مَنَافِعَهُمْ، {وَما فِي الْأَرْضِ} عَامٌّ فِي الْجِبَالِ وَالْأَشْجَارِ وَالثِّمَارِ وَمَا لَا يُحْصَى، {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ} أَيْ أَكْمَلَهَا وَأَتَمَّهَا. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَيَحْيَى بْنُ عُمَارَةَ:" وَأَصْبَغَ" بِالصَّادِ عَلَى بَدَلِهَا مِنَ السِّينِ؛ لِأَنَّ حُرُوفَ الِاسْتِعْلَاءِ تَجْتَذِبُ السِّينَ مِنْ سُفْلِهَا إِلَى عُلُوِّهَا فَتَرُدَّهَا صَادًا."

نعم السين والصاد والزاي حروف متقاربة في المخارج، ينوب بعضها عن بعض، كما قيل في الصراط.

" وَالنِّعَمُ: جَمْعُ نِعْمَةٍ كَسِدْرَةٍ وَسِدَرٍ بِفَتْحِ الدَّالِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ نَافِعٍ وَأَبِي عَمْرٍو وَحَفْصٍ، والْبَاقُونَ:" نِعْمَةً" عَلَى الْإِفْرَادِ، وَالْإِفْرَادُ يَدُلُّ عَلَى الْكَثْرَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوها} [إبراهيم: 34]."

الإفراد يدل هنا على الكثرة؛ لأنها نكرة في سياق الامتنان، فتفيد العموم.

 "وَهِيَ قِرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ وُجُوهٍ صِحَاحٍ. وَقِيلَ: إِنَّ مَعْنَاهَا الْإِسْلَامُ، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِابْنِ عَبَّاسٍ وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: «الظَّاهِرَةُ الْإِسْلَامُ وَمَا حَسُنَ مِنْ خُلُقِكَ، وَالْبَاطِنَةُ مَا سُتِرَ عَلَيْكَ مِنْ سيئ عملك»."

تخريجه، تخريجه ماذا قال؟

طالب: ..................

على كل حال رفعه ضعيف، ويبقى النظر في كونه موقوفًا.

"قال النَّحَّاسُ: وَشَرْحُ هَذَا أَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 6] قَالَ: يُدْخِلُكُمُ الْجَنَّةَ. وَتَمَامُ نِعْمَةِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، فَكَذَا لَمَّا كَانَ الْإِسْلَامُ يَئُولُ أَمْرُهُ إِلَى الْجَنَّةِ سُمِّيَ نِعْمَةً. وَقِيلَ: الظَّاهِرَةُ الصِّحَّةُ وَكَمَالُ الْخَلْقِ، وَالْبَاطِنَةُ الْمَعْرِفَةُ وَالْعَقْلُ. وَقَالَ الْمُحَاسِبِيُّ: الظَّاهِرَةُ نِعَمُ الدُّنْيَا، وَالْبَاطِنَةُ نِعَمُ الْعُقْبَى. وَقِيلَ: الظَّاهِرَةُ مَا يُرَى بِالْأَبْصَارِ مِنَ الْمَالِ وَالْجَاهِ وَالْجَمَالِ فِي النَّاسِ وَتَوْفِيقِ الطَّاعَاتِ، وَالْبَاطِنَةِ مَا يَجِدُهُ الْمَرْءُ في نفسه من العلم بالله، وَحُسْنِ الْيَقِينِ، وَمَا يَدْفَعُ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْعَبْدِ مِنَ الْآفَاتِ. وَقَدْ سَرَدَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي هَذَا أَقْوَالًا تِسْعَةَ، كُلُّهَا تَرْجِعُ إِلَى هَذَا."

الفرق بين النعم الظاهرة والباطنة أن ما يرى ظاهرًا للعيان هي النعم الظاهرة، وما يخفى عن نظر الناس وما يتمتع به الإنسان فهذا من النعم الباطنة سواء كانت في الدنيا أو الآخرة.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} تَقَدَّمَ مَعْنَاهَا فِي {الْحَجِّ} وَغَيْرِهَا نَزَلَتْ فِي يَهُودِيٍّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنِي عَنْ رَبِّكَ، من أي شيء هُوَ؟ فَجَاءَتْ صَاعِقَةٌ فَأَخَذَتْهُ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي" الرَّعْدِ" وَقِيلَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ، كَانَ يَقُولُ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ.

" يُجادِلُ" يُخَاصِمُ، {بِغَيْرِ عِلْمٍ} أَيْ بِغَيْرِ حُجَّةٍ، {وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ} أَيْ نَيِّرٍ بَيِّنٍ".

يعيي هذا حكاية واقع الشخص وواقع الحال أنه يجادل في الله بغير علم، ولا يعنى هذا أنه قد يأتي من يجادل مثل هذه المجادلة لكن بعلم؛ لأن العلم ما جاء عن الله وعن رسوله- عليه الصلاة والسلام- فلا يدخل تحت الجدال لاسيما وهو من الغيبيات مما يتعلق بالله –جل وعلا-فالذي عنده شيء من العلم يسلم لما جاء عن الله وعن رسوله ولا يجادل، اللهم إلا إذا كان يجادل غيره ممن يخالف ما جاء به الكتاب والسنة.

 "إِلَّا الشَّيْطَانُ فِيمَا يُلْقِي إِلَيْهِم، {وَإِنَّ الشَّياطِينَ يلوحون إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ} [الأنعام: 121] وَإِلَّا تَقْلِيدَ الْأَسْلَافِ كَمَا فِي الْآيَةِ بَعْدُ {أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ} يتبعونه.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ} أَيْ يُخْلِصُ عِبَادَتَهُ وَقَصْدَهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، {وَهُوَ مُحْسِنٌ}؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ مِنْ غَيْرِ إِحْسَانٍ وَلَا مَعْرِفَةِ الْقَلْبِ لَا تَنْفَعُ".

يعني ولو كثرت كما قال الله –جل وعلا-: {ليبلوكم أيكم أحسن} أيكم أحسن عملاً فالعبادة ما لكم تكن حسنة موافقة لما جاء عن الله وعن رسوله لا تنفع صاحبها، فلابد من شرط الإخلاص مع المتابعة أن تكون على مقتضى ما جاء به النبي-عليه الصلاة والسلام-.

 "نَظِيرُهُ: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [طه: 112]. وَفِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِحْسَانُ؟ قَالَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» {فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَةِ"، وَقَدْ قَرَأَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طالب -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ- وَالسُّلَمِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ:" وَمَنْ يُسلمْ". قال النَّحَّاسُ: وَ" يُسلمُ" فِي هَذَا أَعْرَفُ، كَمَا قَالَ -عَزَّ وَجَلَّ-: {فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ} [آل عمران: 20] وَمَعْنَى:" أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ" قَصَدْتُ بِعِبَادَتِي إِلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَيَكُونُ" يُسَلِّمُ" عَلَى التَّكْثِيرِ، إلا أن المستعمل فِي سَلَّمْتُ أَنَّهُ بِمَعْنَى دَفَعْتُ، يُقَالُ: سَلَّمْتُ فِي الْحِنْطَةِ، وَقَدْ يُقَالُ أَسْلَمْتُ. قال الزَّمَخْشَرِيُّ: قَرَأَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طالب- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ-:" وَمَنْ يُسَلِّمْ" بِالتَّشْدِيدِ".

السلم وهو دفع المال مقدمًا في مقابل عوض عين مؤخرة كما ذكر، سلمت في الحنطة، وأسلمت، السلم من أسلم، والتسليم من سلم، والمستعمل السلم من أسلمت كانوا يسلمون، كانوا يسلفون، وأما سلمت فهو مصدره التسليم، فإذا أخذ المزارع القيمة مقدمًا وأخر السلعة إلى زمن معلوم فهذا يقال له: السلم، ويقال له: السلف بلغة أهل الحجاز.

 "يُقَالُ: أَسْلِمْ أَمْرَكَ وَسَلِّمْ أَمْرَكَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ قُلْتَ: ماله عُدِّيَ بِإِلَى، وَقَدْ عُدِّيَ بِاللَّامِ فِي قَوْلِهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: {بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} [البقرة: 112] قُلْتُ: مَعْنَاهُ مَعَ اللَّامِ أَنَّهُ جَعَلَ وَجْهَهُ وَهُوَ ذَاتُهُ وَنَفْسُهُ سَالِمًا لِلَّهِ، أَيْ خَالِصًا لَهُ وَمَعْنَاهُ مَعَ إِلَى رَاجِعٍ إِلَى أَنَّهُ سَلَّمَ إِلَيْهِ نَفْسَهُ كَمَا يُسَلَّمُ الْمَتَاعُ إِلَى الرَّجُلِ إِذَا دُفِعَ إِلَيْهِ. وَالْمُرَادُ التَّوَكُّلُ عَلَيْهِ وَالتَّفْوِيضُ إِلَيْهِ، {وَإِلَى اللَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ} أَيْ مصيرها.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا} أَيْ نُجَازِيهِمْ. {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ} {نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا} أَيْ نُبْقِيهِمْ فِي الدُّنْيَا مُدَّةً قَلِيلَةً يَتَمَتَّعُونَ بِهَا، {ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ} أَيْ نُلْجِئُهُمْ وَنَسُوقُهُمْ. {إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ} وَهُوَ عَذَابُ جَهَنَّمَ."

ثم نضطرهم يعني ليس لأحد خيار إذا سيق إلى جهنم ليس له خيار، لا يتجه لا يمينًا ولا شمالًا، كما يصنع أهل الدنيا إذا اضطروا إلى ما يسوؤهم فإن منهم من يتجه يمينًا، ومنهم من يتجه شمالاً، ومنهم من يفوت على السائق، ومنهم يفوت على القائد، وأما بالنسبة للآخرة فإنهم لا نظر ولا اتجاه إلى غير الجهة التي يساقون إليها اضطرارًا.

" وَلَفَظُ" مَنْ" يَصْلُحُ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ، فَلِهَذَا قَالَ:" كُفْرُهُ" ثُمَّ قَالَ:" مَرْجِعُهُمْ" وَمَا بَعْدَهُ عَلَى الْمَعْنَى."

من كفر يصلح للواحد ويصلح للجمع، فيفرد باعتبار لفظه، ويجمع باعتبار معناه، ولذا قال: {ولا يحزنك كفره} ما قال: كفرهم نظر إلى اللفظ، ثم قال: {إلينا مرجعهم}، نظر إلى المعنى كما في بقية الآيات.


"فَلِهَذَا قَالَ:" كُفْرُهُ"، ثُمَّ قَالَ:" مَرْجِعُهُمْ" وَمَا بَعْدَهُ عَلَى الْمَعْنَى.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} أي هم يعترفون بأن الله خالقهن فَلِمَ يَعْبُدُونَ غَيْرَهُ. {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} أَيْ عَلَى مَا هَدَانَا لَهُ مِنْ دِينِهِ، وَلَيْسَ الْحَمْدُ لِغَيْرِهِ {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} أَيْ لا ينظرون ولا يتدبرون {لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} أَيْ مُلْكًا وَخَلْقًا. {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ} أَيِ الْغَنِيُّ عَنْ خَلْقِهِ وَعَنْ عِبَادَتِهِمْ، وَإِنَّمَا أَمَرَهُمْ لِيَنْفَعَهُمُ {الْحَمِيدُ} أي المحمود على صنعه".

الله- جل وعلا- لما كلم الجن والإنس بالعبادة لا لينتفع بعبادتهم، وإنما لينتفعوا بها، وإلا فلو كان الناس كلهم الإنس والجن كانوا على أتقى قلب رجل ما زاد في ملك الله شيئًا، كما أنهم لو كانوا على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكه شيئًا.


"قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {27}} لَمَّا احْتَجَّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِمَا احْتَجَّ بَيَّنَ أَنَّ مَعَانِيَ كَلَامِهِ سُبْحَانَهُ لَا تَنْفَدُ، وَأَنَّهَا لَا نِهَايَةَ لَهَا."

معنى الكلام في الأصل أن الكلام هو الكلام الذي يصدر عن الله -جل وعلا- بصوت وحروف، والله المتكلم حقيقة بصوت وحروف، والحيد عن إثبات الكلام الذي هذه صفته إلى إثبات المعاني لا شك أنه جنوح عن مذهب السلف الصالح في هذه المسألة، والله –جل وعلا- يتكلم متى شاء إذا شاء بكلام يُسمع، كلامه يسمعه جبريل، يلقيه على من يشاء من أنبيائه، ويسمعه الملائكة أحيانًا.

 المقصود أنه يُسمع صوته، سمعه موسى -عليه السلام-، وكلم محمدًا ليلة الإسراء.

 على كل حال الله -جل وعلا- يتكلم متى شاء إذا شاء، وكلامه –جل وعلا- كما يقرر أهل العلم قديم النوع متجدد الآحاد لا أنه كلام قديم أزلي، ولا يتكلم بعد ذلك، كما يقوله بعض المبتدعة.

 "وَقَالَ الْقَفَّالُ: لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ سَخَّرَ لَهُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ، وَأَنَّهُ أَسْبَغَ النِّعَمَ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ الْأَشْجَارَ لَوْ كَانَتْ أَقْلَامًا، وَالْبِحَارَ مِدَادًا فَكُتِبَ بِهَا عَجَائِبُ صُنْعِ اللَّهِ الدَّالَّةُ عَلَى قُدْرَتِهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ لَمْ تَنْفَدْ تِلْكَ الْعَجَائِبُ، قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: فَرَدَّ مَعْنَى تِلْكَ الْكَلِمَاتِ إِلَى الْمَقْدُورَاتِ، وَحَمْلُ الْآيَةِ عَلَى الْكَلَامِ الْقَدِيمِ أَوْلَى".

وهذا أيضًا حيد عن إثبات صفة الكلام.

 " وَحَمْلُ الْآيَةِ عَلَى الْكَلَامِ الْقَدِيمِ أَوْلَى، " وَالْمَخْلُوقُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نِهَايَةٍ"

حمل الآية على الكلام الذي هو كلام الله -جل وعلا- الذي يسمعه من شاء من عباده هذا أولى، لكن اقترانه بالقديم حيد عن إثبات الجديد المتجدد الآحاد؛ لأنهم يثبتون الكلام القديم فقط، وأن الله تعالى- جل وعلا- تكلم في الأزل، ولا يتكلم بعد ذلك، كما هو معروف عند بعض طوائف المبتدعة، لكنه -جل وعلا – كلامه قديم النوع تكلم في الأزل، ويتكلم، متجدد الآحاد والأفراد متى شاء إذا شاء كيف شاء –جل وعلا-.

" وَحَمْلُ الْآيَةِ عَلَى الْكَلَامِ الْقَدِيمِ أَوْلَى"، وَالْمَخْلُوقُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نِهَايَةٍ، فَإِذَا نُفِيَتِ النِّهَايَةُ عَنْ مَقْدُورَاتِهِ فَهُوَ نَفْيُ النِّهَايَةِ عَمَّا يُقَدَّرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى إِيجَادِهِ، فَأَمَّا مَا حَصَرَهُ الْوُجُودُ وَعَدَّهُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَنَاهِيهِ، وَالْقَدِيمُ لَا نِهَايَةَ لَهُ عَلَى التَّحْقِيقِ. وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي مَعْنَى " كَلِماتُ اللَّهِ" فِي آخِرِ الْكَهْفِ".

مثل هذا الكلام، والكلام في مسألة الحوادث وصلتها بالله -جل وعلا-، وأنها لابد من تناهيها في المستقبل أو في الماضي، أولاً صفات الله -جل وعلا- لا تدخل في هذا الكلام؛ لأن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، أما تأويل الكلام بما يقدر عليه من المقدورات والمفعولات وأنها لابد لها من نهاية فهذا على قول من يقول: إن الحوادث لا تتسلسل لا في الماضي ولا في المستقبل.

 أولاً: الكلام عن الصفات، وأنها من الحوادث، لا، فالكلام عن الصفات فرع عن الكلام في الذات، فكما أنه لا يجوز أن يقال: البداية والنهاية بالنسبة لله -جل وعلا-، فلا يقال ذلك بالنسبة لصفاته، اللهم إلا الصفات المتعدية، الخلق بمعنى المخلوق، أما بالنسبة للكلام الذي هو صفة ذات من جهة باعتبار تجدده، أنه صفة فعل مثل هذا لا يقال في كلام الله -جل وعلا-، والكلام في تسلسل الحوادث من أهل العلم من يمنعه مطلقًا في الماضي والمستقبل، ومنهم من يمنعه  في الماضي دون المستقبل، وهذا يرجحه كثير من أهل التحقيق، ومنهم من يجيزه مطلقًا في الماضي والمستقبل.

 علي كل حال هذا الكلام كله مبني على أن صفة الكلام يراد بها المتعدي لا ما ينتج عنها، فقولنا المخلوق حصل بكن، فاقترنت كن بالمخلوق، فصارت مثله، وهذا الكلام يقوله بعض المبتدعة، لكنه قول مردود مرذول، وكلام الله الذي هو صفة من صفاته، ومنه القرآن، هذا معروف أن الله –جل وعلا- متصف به بإجماع من يعتد بقوله من أهل العلم، ومن يتأوله من المبتدعة فلا عبرة به.

" وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ: الْمُرَادُ بِالْكَلِمَاتِ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- مَا فِي الْمَقْدُورِ دُونَ مَا خَرَجَ مِنْهُ إِلَى الْوُجُودِ. وَهَذَا نَحْوٌ مِمَّا قَالَهُ الْقَفَّالُ".

ما في المقدور دون ما خرج منه إلى الوجود، يعني لأن ما خرج منه إلى الوجود ممكن حصره على حد كلامه، وأما ما في المقدور، وهو ما يقدر الله -جل وعلا- عليه فهذا لا يمكن حصره؛ لأن القدرة لا تتناهي، وأما ما خرج إلى الوجود فالقرآن يمكن حصره، التوراة يكن حصرها، الزبور يمكن حصره، الإنجيل يمكن حصره، وجميع ما أنزل على الأنبياء يمكن حصره من كلام الله- جل وعلا-، لكن ما في المقدور فهذا لا يمكن حصره.

 وعلى كل حال هم يريدون أن يحصروا كلام الله –جل وعلا- بما أنزله على أنبيائه، مع أن الله– جل وعلا- يتكلم متى شاء وكيف شاء بشيء لا نحيطه ولا ندركه إلا بقدر ما أنزل علينا منه، وأما ما عدا ذلك ما تكلم به -جل وعلا- لا ندرك منه إلا ما بلغنا منه بواسطة نبيه –عليه الصلاة والسلام-.

طالب: ..........

نعم.

طالب: ..........

خلق إيش؟

طالب: كن.

هذا كلام إذا قال كن فهو كلامه –جل وعلا-.

طالب: هذا من الموجود.

حصر الموجود بما يطلع عليه الإنسان مهما بلغت سعة اطلاعه، وأنه يمكن حصره فهذا ليس بصحيح؛ لأنه يمكن حصر الموجود، بخلاف المقدور، هذا كلام ليس بصحيح.

" وَإِنَّمَا الْغَرَضُ الْإِعْلَامُ بِكَثْرَةِ مَعَانِي كَلِمَاتِ اللَّهِ، وَهِيَ فِي نَفْسِهَا غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ، وَإِنَّمَا قُرِّبَ الْأَمْرُ عَلَى أَفْهَامِ الْبَشَرِ بِمَا يَتَنَاهَى؛ لِأَنَّهُ غَايَةُ مَا يَعْهَدُهُ الْبَشَرُ مِنَ الْكَثْرَةِ، لَا أَنَّهَا تَنْفَدُ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الْأَقْلَامِ وَالْبُحُورِ."

يعني هل لهذا الكلام مفهوم؟ {لو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر} يعني لو أمده بثمانية أبحر تنفد كلمات الله؟ يعني هل هذا الكلام له مفهوم؟ ليس له مفهوم، لكن غاية ما يدركه البشر من هذا الأمر هذه الكثرة.

" وَمَعْنَى نُزُولِ الْآيَةِ: يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَلِمَاتِ الْكَلَامُ الْقَدِيمُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ سَبَبَ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الْيَهُودَ قَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ، كَيْفَ عُنِينَا بِهَذَا الْقَوْلِ: {وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}؟".

لأنهم لما سألوا النبي-عليه الصلاة والسلام-عن الروح أجابهم بقول الله-جل وعلا-: {وما أوتيتم من العمل إلا قليلاً}، ثم يقول اليهود: كيف ما أوتينا من العلم إلا قليلاً وعندنا التوراة التي جاء مدحها في كتابك وعلى لسانك، ومع ذلك ما أوتوا من العلم إلا قليلاً.

" كَيْفَ عُنِينَا بِهَذَا الْقَوْلِ: {وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلً} [الاسراء: 85] وَنَحْنُ قَدْ أُوتِينَا التَّوْرَاةَ فِيهَا كَلَامُ اللَّهِ وأحكامه، وعندك أنها تبيان كل شيء؟ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «التَّوْرَاةُ قَلِيلٌ مِنْ كَثِيرٍ»، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَالْآيَةُ مَدَنِيَّةٌ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: فقد تبين أن الكلمات ها هنا يُرَادُ بِهَا الْعِلْمُ وَحَقَائِقُ الْأَشْيَاءِ؛ لِأَنَّهُ- عَزَّ وجل- علم قبل أن يَخْلُقَ الْخَلْقَ مَا هُوَ خَالِقٌ فِي السَّمَاوَاتِ والأرض من كل شيء، وَعَلِمَ مَا فِيهِ مِنْ مَثَاقِيلَ الذَّرِّ، وَعَلِمَ الْأَجْنَاسَ كُلَّهَا، وَمَا فِيهَا مِنْ شَعْرَةٍ وَعُضْوٍ، وَمَا فِي الشَّجَرَةِ مِنْ وَرَقَةٍ، وَمَا فِيهَا مِنْ ضُرُوبِ الْخَلْقِ، وَمَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ مِنْ ضُرُوبِ الطَّعْمِ وَاللَّوْنِ، فَلَوْ سَمَّى كُلَّ دَابَّةٍ وَحْدَّهَا، وَسَمَّى أَجْزَاءَهَا عَلَى مَا عَلِمَ مِنْ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا وَمَا تَحَوَّلَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْأَحْوَالِ، وَمَا زَادَ فِيهَا فِي كُلِّ زَمَانٍ، وَبَيَّنَ كُلَّ شَجَرَةٍ وَحْدَّهَا وَمَا تَفَرَّعَتْ إِلَيْهِ، وَقَدْرَ مَا يَيْبَسُ مِنْ ذَلِكَ فِي كُلِّ زَمَانٍ، ثُمَّ كُتِبَ الْبَيَانُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَا أَحَاطَ اللَّهُ -جَلَّ ثَنَاؤُهُ- بِهِ مِنْهَا، ثُمَّ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِذَلِكَ الْبَيَانِ الَّذِي بَيَّنَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ لَكَانَ الْبَيَانُ عَنْ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ أَكْثَرَ".

يعني إخراج المراد بالكلام إلى العلم هذا أيضًا جنوح وميل عن إثبات صفة الكلام، ولسنا بحاجة إلى جميع ذلك، وإنما كلام الله على ظاهره، ما نفدت كلمات الله، ولسنا بحاجة لنخرج هذا إلى قدرة الله -جل وعلا – وإلى مخلوقات الله -جل وعلا-، بل نبقيها على ما جاءت، ونثبت كلام الله -جل وعلا-، وأنه لا يمكن أن يحاط به، ولا يمكن أن يحويه ديوان، أو يكتبه أقلام، ولا يستوعبه مداد، والله المستعان.

" قُلْتُ: هَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْقَفَّالِ، وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّ قُرَيْشًا قَالَتْ: سَيَتِمُّ هَذَا الْكَلَامُ لِمُحَمَّدٍ وَيَنْحَسِرُ، فَنَزَلَتْ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: قَالَتْ قُرَيْشُ مَا أَكْثَرَ كَلَامَ مُحَمَّدٍ! فَنَزَلَتْ."

كلام البشر ينتهي، العالم مهما بلغ من العلم والإحاطة فلا بد أن ينقطع، ولا بد أن ينتهي كلامه، وقالوا عن النبي– عليه الصلاة والسلام- أنه سوف ينتهي كلامه بناءً على أن ما يجيء به من تلقاء نفسه، ينقطع، لكن نزلت هذه الآية لبيان أنه من عند الله -جل وعلا-، وأن كلام الله –جل وعلا- لا ينفد.

" قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ} قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَخَبَرُهُ فِي الْجُمْلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا، وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَالْبَحْرُ هَذِهِ حَالُهُ، كَذَا قَدَّرَهَا سِيبَوَيْهِ، وَقَالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ: هُوَ عَطْفٌ عَلَى" أَنَّ"؛ لِأَنَّهَا فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ:" وَالْبَحْرَ" بِالنَّصْبِ عَلَى الْعَطْفِ عَلَى " مَا"، وَهِيَ اسْمُ " أَنَّ". وَقِيلَ: أَيْ وَلَوْ أَنَّ الْبَحْرَ يَمُدُّهُ أَيْ يَزِيدُ فِيهِ."

باعتبار أن ما موصولة، ولو أن الذي في الأرض من شجرة أقلام يكون البحر معطوفًا عليها ويكون منصوبًا؛ لأنها اسم إن، ورفعه على ما قال: والبحر هذه حاله، باعتبار أن الواو استئنافية، وليست عاطفة، البحر مبتدأ وهذه حاله أو يمده ما نحتاج إلى هذه حاله، والبحر يمده خبره، الجملة من الفعل والفاعل والمفعول خبر البحر، وتكون الواو استئنافية، ويجوز النصب على العطف على ما باعتبار أنها موصولة وهي اسم أن.

" وَقَرَأَ ابْنُ هُرْمُزَ وَالْحَسَنُ:" يُمِدُّهُ"، مِنْ أَمَدَّ قَالَتْ فِرْقَةٌ: هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ."

يفرق أهل العلم بين مد وأمد، مد يَمُد في العذاب والمكروه، وأمد يُمِد الرباعي في الخير والمطلوب وما يتنعم به، نمد له من العذاب مدًّا وأمددناكم إلى آخره. المقصود أنه يقول هنا: قيل: إنه بمعنى واحد، والأكثر كما جاء في النصوص على التفريق بين مد وأمد.

"وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: مَدَّ الشَّيْء بَعْضَهُ بَعْضًا، كَمَا تَقُولُ: مَدَّ النِّيلُ الْخَلِيجَ، أَيْ زَادَ فِيهِ. وَأَمَدَّ الشَّيْءَ مَا لَيْسَ مِنْهُ وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي" الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ"."

أي زاد فيه من جنسه، زاد فيه ماءً.

 "وَأَمَدَّ الشَّيْءَ مَا لَيْسَ مِنْهُ. وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي" الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ. وَقَرَأَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ:" وَالْبَحْرُ مِدَادُهُ"."

يعني حبره، البحر مداده يعني حبره.

"{مَا نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ} تَقَدَّمَ. {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} تَقَدَّمَ أيضًا. وَقَالَ أبو عبيدة: البحر ها هنا الْمَاءُ الْعَذْبُ الَّذِي يُنْبِتُ الْأَقْلَامَ، وَأَمَّا الْمَاءُ الملح فلا ينبت الأقلام".

كيف ما ينبت الأقلام؟ يعني الماء المالح ما ينبت شجرًا؟ لأن الأقلام مأخوذة من القصب من الشجر، يعني الماء المالح ما ينبت شجرًا؟ ينبت.

 "قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ}، قَالَ الضَّحَّاكُ: الْمَعْنَى مَا ابْتِدَاءُ خَلْقِكُمْ جَمِيعًا إِلَّا كَخَلْقِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَمَا بَعْثُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا كَبَعْثِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَكَذَا قَدَّرَهُ النَّحْوِيُّونَ بِمَعْنَى إِلَّا كَخَلْقِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، مثل: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لِأَنَّهُ يَقُولُ لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كُنْ فَيَكُونُ. وَنَزَلَتِ الْآيَةُ فِي أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ وَأَبِي الْأَسدَيْنِ وَمُنَبِّهٍ وَنُبَيْهٍ ابْنَيِ الْحَجَّاجِ بْنِ السَّبَّاقِ، قَالُوا لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ خَلَقَنَا أَطْوَارًا، نُطْفَةً ثُمَّ عَلَقَةً ثُمَّ مُضْغَةً ثُمَّ عِظَامًا، ثُمَّ تَقُولُ: إِنَّا نُبْعَثُ خَلْقًا جَدِيدًا جَمِيعًا فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ! فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ}؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَصْعُبُ عَلَيْهِ مَا يَصْعُبُ عَلَى الْعِبَادِ، وَخَلْقُهُ لِلْعَالَمِ كَخَلْقِهِ لِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ. {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ} لِمَا يَقُولُونَ {بَصِيرٌ} بِمَا يَفْعَلُونَ."

هؤلاء الذين قالوا للنبي-عليه الصلاة والسلام، الذين هم سبب نزول الآية، مخرج عندكم؟

طالب: ..........

 ما خرجه؟

طالب: ..........

 نزلت الآية في أبي بن خلف قالوا للنبي كذا فنزلت الآية ما خرج؟

طالب: ..........

نعم.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ} تَقَدَّمَ في {الحج} و{آل عِمْرَانَ}."

يولج يعني يدخل الليل في النهار، ويدخل النهار في الليل، وهذا ظاهر في الشتاء وفي الصيف، في الشتاء: يدخل الليل على النهار، فيطول، وفي الصيف: يدخل النهار على الليل، فيطول، وهكذا.

" {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} أَيْ ذَلَّلَهُمَا بِالطُّلُوعِ وَالْأُفُولِ تَقْدِيرًا لِلْآجَالِ، وَإِتْمَامًا لِلْمَنَافِعِ. {كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى} قَالَ الْحَسَنُ: إِلَى يَوْمِ القيامة قتادة: إِلَى وَقْتِهِ فِي طُلُوعِهِ وَأُفُولِهِ، لَا يَعْدُوهُ وَلَا يَقْصُرُ عَنْهُ.

 {وَأَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} أَيْ مَنْ قَدَرَ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِهَا، وَالْعَالِمُ بِهَا عَالِمٌ بِأَعْمَالِكُمْ. وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ" تَعْمَلُونَ" بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ. وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ وَنَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ وَالدُّورِيُّ عَنْ أَبِي عَمْرٍو بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَرِ. {ذلِكَ} أَيْ فَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ؛ لِتَعْلَمُوا وَتُقِرُّوا" بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ، وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ" أَيِ الشَّيْطَانُ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَقِيلَ: مَا أَشْرَكُوا بِهِ اللَّهَ تَعَالَى مِنَ الْأَصْنَامِ وَالْأَوْثَانِ. {وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} الْعَلِيُّ فِي مَكَانَتِهِ، الْكَبِيرُ فِي سلطانه."

يعني عبادتهم لأصنامهم وأوثانهم هي في الحقيقة عبادة للشيطان الذي دعاهم إلى هذه العبادة، وأن ما يدعون من دونه الباطل الشيطان باطل بلا شك، والأصنام والأوثان التي عبدوها من دون الله -جل وعلا- هذه أيضًا باطل؛ لأنها عبدت من غير حق.

"{وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} الْعَلِيُّ فِي مَكَانَتِهِ، الْكَبِيرُ فِي سلطانه. قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ} أَيِ السُّفُنَ" تَجْرِي" فِي موضع الخبر" فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ" أَيْ بِلُطْفِهِ بِكُمْ وَبِرَحْمَتِهِ لَكُمْ فِي خَلَاصِكُمْ مِنْهُ. وَقَرَأَ ابْنُ هُرْمُزَ:" بِنِعْمَاتِ اللَّهِ" جَمْعُ نِعْمَةٍ، وَهُوَ جَمْعُ السَّلَامَةِ، وَكَانَ الْأَصْلُ تَحْرِيكَ الْعَيْنِ فَأُسْكِنَتْ."

نعمات، نعمات، كما يقال: خطوات، خطوات، ولذا كتبت في الرسم بالتاء المفتوحة بنعمة الله، التاء مفتوحة؛ لتحتمل القراءتين.

" {لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ} مِنْ" لِلتَّبْعِيضِ، أَيْ لِيُرِيَكُمْ جَرْيَ السُّفُنِ، قَالَهُ يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ، وَقَالَ ابْنُ شَجَرَةَ:" مِنْ آياتِهِ" مَا تُشَاهِدُونَ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ، وقال النَّقَّاشُ: مَا يَرْزُقُهُمُ اللَّهُ مِنْهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: مِفْتَاحُ الْبِحَارِ السُّفُنُ، وَمِفْتَاحُ الْأَرْضِ الطُّرُقُ، وَمِفْتَاحُ السَّمَاءِ الدُّعَاءُ. {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} أَيْ صَبَّارٍ لِقَضَائِهِ، شَكُورٍ عَلَى نَعْمَائِهِ، وَقَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: أَرَادَ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ بِهَذِهِ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ الصَّبْرَ وَالشُّكْرَ مِنْ أَفْضَلِ خِصَالِ الْإِيمَانِ، وَالْآيَةُ: الْعَلَامَةُ، وَالْعَلَامَةُ لَا تَسْتَبِينُ فِي صَدْرِ كُلِّ مُؤْمِنٍ، إِنَّمَا تَسْتَبِينُ لِمَنْ صَبَرَ عَلَى الْبَلَاءِ، وَشَكَرَ عَلَى الرَّخَاءِ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: الصَّبْرُ نِصْفُ الْإِيمَانِ، وَالشُّكْرُ نِصْفُ الْإِيمَانِ، وَالْيَقِينُ الْإِيمَانُ كُلُّهُ، أَلَمْ تَرَ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}، وقوله: {وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ} [الذاريات: 20]، وَقَالَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: «الْإِيمَانُ نِصْفَانِ نِصْفٌ صَبْرٌ، ونصف شكر».

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ}".

خرج؟

طالب: ............

أشار إلى موضعه.

طالب: ذكره السيوطي في الجامع الكبير والرواية....

واضح ما خرجه إلا هؤلاء فهو ضعيف.

" قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ}" قَالَ مُقَاتِلٌ: كَالْجِبَالِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: كَالسَّحَابِ، وَقَالَهُ قَتَادَةُ- جَمْعُ ظُلَّةٍ، شُبِّهَ الْمَوْجُ بِهَا لِكِبَرِهَا وَارْتِفَاعِهَا. قَالَ النَّابِغَةُ فِي وَصْفِ بَحْرٍ:

يُمَاشِيهِنَّ أَخْضَرُ ذُو ظِلَالٍ ... عَلَى حَافتاهِ فِلَقُ الدِّنَانِ".

على حافتاه مبني على الضم.

 على إيش؟

طالب: ..........

لا ما يجيء.

" يُمَاشِيهِنَّ أَخْضَرُ ذُو ظِلَالٍ ... عَلَى حَافتاه فِلَقُ الدِّنَانِ".

على حافاته، يعني على حافتيه إذا كان مثنى. جمع على حافاته فلق الدنان.


"...............................          عَلَى حَافاتِهِ فِلَقُ الدِّنَانِ

وَإِنَّمَا شُبِّهَ الْمَوْجُ وَهُوَ وَاحِدٌ بِالظِّلِّ وَهُوَ جمع؛ لأن الموج يأتي شيئًا بعد شيء، وَيَرْكَبُ بَعْضُهُ بَعْضًا كَالظُّلَلِ. وَقِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى الْجَمْعِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُجْمَعْ؛ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ. وَأَصْلُهُ مِنَ الْحَرَكَةِ وَالِازْدِحَامِ، وَمِنْهُ: مَاجَ الْبَحْرُ، وَالنَّاسُ يَمُوجُونَ. قَالَ كَعْبٌ:

فَجِئْنَا إِلَى مَوْجٍ مِنَ الْبَحْرِ وَسْطَهُ ... أَحَابِيشُ مِنْهُمْ حَاسِرٌ وَمُقَنَّعٌ
وَقَرَأَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ:" مَوْجٌ كَالظِّلَالِ" جَمْعُ ظِلٍّ".

الظلل جمع ظلة، عندكم يقول: وإنما شبه الموج وهو واحد بالظلل وهو جمع، الظل واحد كالموج، وإذا كان الموج يأتي شيئًا بعد شيء فالظل كذلك، يعني لو كان تشبيه الموج بالظل كان مطابقًا ولا احتاج إلى أن يشير إلى مثل هذا، لكنه شبه الموج وهو واحد بالظلل، أو بالظلال على قراءة ابن الحنفية.

" {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} مُوَحِّدِينَ لَهُ لَا يَدْعُونَ لِخَلَاصِهِمْ سِوَاهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ} يَعْنِي مِنَ الْبَحْر {إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مُوفٍ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ اللَّهَ فِي الْبَحْرِ النَّقَّاشُ: يَعْنِي عَدَلَ فِي الْعَهْدِ، وَفَى فِي الْبَرِّ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ اللَّهَ فِي الْبَحْرِ."

لكنه مقتصد لم يزد على ما أوجب الله عليه، ولم يترك سوى المحرمات، بخلاف السابق بالخيرات الذي يضيف إلى الواجبات سائر الطاعات من المستحبات والمندوبات وغيرها، ويترك المكروهات والشبهات، إضافة إلى المحرمات.

"وَقَالَ الْحَسَنُ: " مُقْتَصِدٌ" مُؤْمِنٌ مُتَمَسِّكٌ بِالتَّوْحِيدِ وَالطَّاعَةِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ:" مُقْتَصِدٌ" فِي الْقَوْلِ مُضْمِرٌ لِلْكُفْرِ وَقِيلَ: فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، وَالْمَعْنَى: فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ كَافِرٌ. وَدَلَّ عَلَى الْمَحْذُوفِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} الْخَتَّارُ: الْغَدَّارُ وَالْخَتْرُ: أسوأ الغدر. قال عمرو بن معد يكرب:

فَإِنَّكَ لَوْ رَأَيْتَ أَبَا عُمَيْرٍ ... مَلَأْتَ يَدَيْكَ مِنْ غَدْرٍ وَخَتْرٍ
وَقَالَ الْأَعْشَى:

بِالْأَبْلَقِ الْفَرْدِ مِنْ تَيْمَاءَ مَنْزِلُهُ ... حِصْنٌ حَصِينٌ وَجَارٌ غَيْرُ ختار
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْخَتْرُ الْغَدْرُ، يُقَالُ: خَتَرَهُ فَهُوَ خَتَّارٌ. قال الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ عَطِيَّةُ: إِنَّهُ الْجَاحِدُ. وَيُقَالُ: خَتَرَ يَخْتُرُ وَيَخْتِرُ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ خَتْرًا، ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيُّ. وَجَحْدُ الْآيَاتِ إِنْكَارُ أعيانها، والجحد بالآيات إنكار دلائلها".

نعم جحد الشيء إنكاره، أخذ المتاع فجحده أي أنكره، وإذا اعترف بالشيء وجحده، يعني جحد بدلالته على المطلوب، يعترف بأن هذا الحديث... أولاً من يقول: هذا الحديث لا يثبت أو لم يرد حديث بهذا يكون جحد الحديث، لكن إذا قال: يثبت الحديث، لكن لا دلالة له على ما تقول مما تستدل به عليه، يكون جحد به، لا جحده، هو أثبته، لكنه لم يجحده، لكن جحد دلالته على المراد، يكون جحد به، {وما يجحد بآيتنا إلا كل ختار كفور } يجحد بالآيات يعني ينكر دلالتها على المراد، وإنكاره من غير حق، من أنكر دلالتها على المطلوب من قبل خصمه ومنازعه وعنده ما يدل على قوته ورجحانه هذا بحق.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ} يَعْنِي الْكَافِرَ وَالْمُؤْمِنَ، أَيْ خَافُوهُ وَوَحِّدُوهُ، {وَاخْشَوْا يَوْماً لَا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً} تَقَدَّمَ مَعْنَى " يَجْزِي" فِي الْبَقَرَةِ وَغَيْرِهَا.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثَةً مِنَ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ»، وَقَالَ: «مَنِ ابْتُلِيَ بِشَيْءٍ مِنْ هذا الْبَنَاتِ فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنَ النَّارِ».

 قِيلَ لَهُ: الْمَعْنِيُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ لَا يَحْمِلُ وَالِدٌ ذَنْبَ وَلَدِهِ، وَلَا مَوْلُودٌ ذَنْبَ وَالِدِهِ، وَلَا يُؤَاخَذُ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ."

نعم، ولا تزر وازرة وزر أخرى، وأما كون الإنسان يؤجر إذا مات له ولد، أو إذا رباه تربية حسنة وحفظه أو ربى البنات، كل هذا يؤجر عليه، يؤجر على كسبه وفعله، إنما يؤجر على كسبه وفعله، فلا تعارض بين الآية والأحاديث.

طالب: حل القسم بالنسبة للأولاد ..... مع حديثنا أن أولاد المسلمين في الجنة.

هو ما له علاقة بالأولاد الآن، تمسه أي تمس الأب، لا تمسه إلا تحلة القسم، الذي مات له ثلاثة من الولد ليس المراد به الولد، لا، الكلام على والده الذي أصيب به.

طالب: ..........

 نعم.

طالب: ..........

 مازال إشكال؟

طالب: ..........

طالب: ..........

هذه جنايته.

طالب: يقال: ما ذنب أهله إذا هو ارتكب الذنب.

لابد أن يكون لهم ذنب، لا بد أن يكون لهم مباشرة في السبب.

طالب: يُقدر يعني...

لابد أن يكون لهم دور في الجريمة، يكون من كسبهم، يعني هو بالنسبة للمصيبة التي أصابته بسبب أهله لما اجتاله واقترفه، والمصيبة التي حلت بالأهل لابد أن يكون لهم نصيب منها ولو لم يكن زنا، إنما عقوبة، قد يكون مبادرة منهم، واضح؟

طالب: لكن هل يسلم بهذا يعني يزني ..

ما يلزم، لا يلزم، لكنه سبب، سبب من باب الجزاء من جنس العمل، جزاء سيئة سيئة مثلها الجزاء من جنس العمل، واضح هذا.

طالب: .......

لكن كونه عقوبة على الأهل من غير جناية منهم لا بد أن تكون لهم دور في الجناية {وما ربك بظلام للعبيد}، لكن نصيبه منها بسبب جنايته هو، ونصيبهم منها بسبب جناية منه.

طالب: هذا التائب وغير ............

من تاب، تاب الله عليه، التوبة تهدم من كان قبلها.

طالب: ..........

نعم.

طالب: ..........

طالب: ولا تزر وازرة وزر أخرى.

إذا الولد عمل المعصية وقد بذل الأب جميع الأسباب على منعه فما عليه منه، الابن يحمل ذنوبه، ما يحمل، لكن لو فرط تحمل جراء تفريطه.

طالب: كذلك العقوق يا شيخ قال: من كان عاقًّا لوالديه حق عليه.

نعم نفس الشيء.

" وَالْمَعْنِيُّ بِالْأَخْبَارِ أَنَّ ثَوَابَ الصَّبْرِ عَلَى الْمَوْتِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْبَنَاتِ يَحْجُبُ الْعَبْدَ عَنِ النَّارِ، وَيَكُونُ الْوَلَدُ سَابِقًا لَهُ إِلَى الْجَنَّةِ".

أهل العلم يبحثون مسألة ما إذا كان الميت قد بلغ الحنث ومصيبته على أبيه أكثر من مصيبته بالصغير الذي لم يحن نفعه إلى الآن، ولا يدري ما مصيره، يعني طفل في السنة أو السنتين هل هو مثل الولد الشاب اليافع الذي في العشرين وما حولها، ونشأ نشأة صالحة، ونفع أبويه، وبرهم وخدمهم؟ أيهم أعظم مصيبة؟ الثاني أعظم، لكن لا يدخل في هذا الوعد، هذا الوعد للذين لم يبلغوا الحنث، فمن أهل العلم من يقول: إن ذلك أجره أعظم من باب قياس الأولى، وأنه أعظم وأشد، ومنه من يقول: إن هذا خاص بالصغار؛ لأن الشفقة عليهم، وتعلق القلوب بهم أكثر، وعلى كل حال المؤمن إذا ابتلي وصبر فإنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب سواء كان في الكبار أو الصغار.

طالب: ..........

إذا نفخت فيه الروح.

" {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} أَيِ الْبَعْثَ {فَلا تَغُرَّنَّكُمُ} أي تخدعنكم {الْحَياةُ الدُّنْيا} بزينتها وما تدعوا إِلَيْهِ فَتَتَّكِلُوا عَلَيْهَا وَتَرْكَنُوا إِلَيْهَا وَتَتْرُكُوا الْعَمَلَ لِلْآخِرَةِ {وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ هنا وفي سورة الملائكة  والحديد  بِفَتْحِ الْغَيْنِ، وَهُوَ الشَّيْطَانُ فِي قَوْلِ مُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الَّذِي يَغُرُّ الْخَلْقَ وَيُمَنِّيهِمُ الدُّنْيَا وَيُلْهِيهِمْ عَنِ الْآخِرَةِ، وَفِي سُورَةِ" النِّسَاءِ": {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ}، وَقَرَأَ سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو حَيْوَةَ وَابْنُ السَّمَيْقَعِ بِضَمِّ الْغَيْنِ، أَيْ لَا تَغْتَرُّوا كَأَنَّهُ مَصْدَرٌ غَرَّ يَغُرُّ غُرُورًا. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ أَنْ يَعْمَلَ بِالْمَعْصِيَةِ وَيَتَمَنَّى المغفرة."

الغرور هو الشيطان، غرور فعول هو الشيطان، والغرور هو الاغترار، لا يغرنكم بالله –جل وعلا- الاغترار، أن تغتروا بسعة رحمته وفضله وجوده، وأن رحمته وسعت كل شيء، لا تغتروا بهذا، ولذا جاء بالحديث الصحيح «من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلي ركعتين لا يحدث بهما نفسه دخل الجنة من أي أبواب الجنة الثمانية ولا تغتروا» لا تغتر بمثل هذا الوعد، وأنت مصر على المعاصي والمنكرات، وتارك للواجبات، وتقول: أنا أدخل في هذا الوعد، ولا تنظر إلى غيره، لا تغتر بمثل هذا.

طالب: هل يمكن أن يصلي الواحد ركعتين لا يحدث بهما نفسه...

والله في الظروف التي نعيشها فيها صعوبة، لكن يوجد من عباد الله من هذه صفته، وأما بالنسبة لنا فما مر علينا شيء من ذلك أبدًا.

"قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.

 زَعَمَ الْفَرَّاءُ أَنَّ هَذَا مَعْنَى النَّفْيِ، أَيْ مَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ إِلَّا اللَّهَ تَعَالَى."

الآية لو لم يرد غيرها ما تدل على النفي، لو لم يرد ما يفسرها من الحديث الصحيح الآية تثبت بالتأكيد أن الله –جل وعلا- يعلم هذه الأمور، ولا تنفي أن غيره يعلم هذه الأمور، لكن في الحديث الصحيح المخرج في البخاري وغيره: بخمس لا يعلمهن إلا الله، فذكر هذه الخمس.

" قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: وَإِنَّمَا صَارَ فِيهِ مَعْنَى النَّفْيِ وَالْإِيجَابِ بِتَوْقِيفِ الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فِي قَوْلِهِ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ} [الانعام: 59]: «إِنَّهَا هَذِهِ».

 قُلْتُ: قَدْ ذَكَرْنَا فِي سُورَةِ" الْأَنْعَامِ" حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ فِي هَذَا، خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَفِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: «أَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، هُنَّ خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ، وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ، وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذا تَكْسِبُ غَدًا» قَالَ: «صَدَقْتَ»."

نعم يعني أن الله عنده علم الساعة جاءت النصوص القطعية من الكتاب والسنة أن الساعة لا يعلم مجيئها إلا الله –جل وعلا-، وما جاء في قوله –جل وعلا-: {أكاد أخفيها} مما قد يفهم منه أنه أظهرها، لكنه إظهار ليس لكل أحد، وإنما كاد وقرب من إخفائها، فأهل العلم يقولون: أكاد أخفيها حتى عن نفسه، وأما عن المخلوق فهذا ما فيه إشكال، ثبتت به النصوص التي لا مراء فيها ولا جدال، هذا بالنسبة لعلم الساعة.

 ينزل الغيث الله –جل وعلا- هو الذي ينزل الغيث، ولا يعلم أحد متى ينزل، ولا أين ينزل، وأما مسائل الاستمطار واستنزال الغيث على ما يقولون واستمطاره الذي يزعمون فإنه ليس هذا لهم، إنما هو لله- جل وعلا-، {أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن}؟ استنكار هذا وإنكار عليه.

 ويعلم ما في الأرحام، ومعلوم أن الآن الأطباء بآلاتهم يزعمون أنهم يعلمون ما في الأرحام من ذكورة وأنوثة، وغيرها من بعض الصفات، لكنهم لم يعلموا ذلك قبل علم الملك، ما دام في دائرة الغيب لم يعلموه مهما بذلوا من الأسباب، وكم من شخص في الأيام الأخيرة من الحمل قيل له: إن الذي في بطن امرأتك ولد، ثم تبين أنه بنت.

 على كل حال في مرحلة الغيض ما تغيض الأرحام لا يعلمه إلا الله –جل وعلا-، وما بعد ذلك إذا علمه الملك علمه غيره، فالأمر فيه سهل، خرج عن دائرة الغيب.

 ما تدري نفس ماذا تكسب غدًا، ما يدري هل يكسب أو يخسر، أو يربح أرباحًا طائلة أو أرباح يسيرة، لا يعلم شيئًا، {ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير}، وأهل التجارات يعرفون هذا حق المعرفة، والله المستعان.

 وما تدري نفس بأي أرض تموت، وكم من إنسان يتعجب كيف يذهب إلى هذه الأرض، وإنما هو ليقضي حتفه فيها، يعني ليس له به أدني حاجة، لكن الله قدر عليه أن يموت في هذه الأرض، ليس في باله أن يذهب إلى هذا المكان سواء بعد ذلك يطرأ عليه هذا الأمر من تلقاء نفسه أو من تحسين أو تزيين غيره له، يمر واحد يقول له: ما رأيك نروح اليوم الكويت أو البحرين أو الشرقية أو الغربية؟ ما عنده، ما في باله شيء أن يسافر اليوم، ثم بعد ذلك يوافق ليموت هناك، ما تدري نفس بأي أرض تموت، والله المستعان.

طالب: ..........

نعم.

طالب: ....

الزمن داخل في الساعة، ساعة كل إنسان موته، كل إنسان له ساعة قيامته.

طالب: يعني الجمع بين الزمان والمكان.

نعم الجمع.

" لَفْظُ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود: كل شيء أُوتِيَ نَبِيُّكُمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-غَيْرَ خَمْسٍ:" إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ"، الْآيَةَ إِلَى آخِرِهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذِهِ الْخَمْسَةُ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا يَعْلَمُهَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، فَمَنِ ادَّعَى أَنَّهُ يَعْلَمُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ فَقَدْ كَفَرَ بِالْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَهُ. ثُمَّ إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ يَعْلَمُونَ كَثِيرًا مِنَ الْغَيْبِ بِتَعْرِيفِ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهُمْ".

بهذا الشرط، لا يعلمون من تلقاء أنفسهم، وإنما يعلمون ما أعلمهم الله-جل وعلا- إياهم، وما حجبه عنهم فهم كغيرهم لا يعلمون شيئًا من غيب الله -جل وعلا –،لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله –جل وعلا –، لا يعرفه أحد لا نبي مرسل، ولا ملك مقرب، الغيب لا يعلمه إلا الله.

" وَالْمُرَادُ إِبْطَالُ كَوْنِ الْكَهَنَةِ وَالْمُنَجِّمِينَ وَمَنْ يَسْتَسْقِي بِالْأَنْوَاءِ، وَقَدْ يَعْرِفُ بِطُولِ التَّجَارِبِ أَشْيَاءَ مِنْ ذُكُورَةِ الْحَمْلِ وَأُنُوثَتِهِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، حَسْبَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْأَنْعَامِ، وَقَدْ تَخْتَلِفُ التَّجْرِبَةُ، وَتَنْكَسِرُ الْعَادَةُ، وَيَبْقَى الْعِلْمُ لِلَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ".

يعني المرأة التي أنجبت عشرة منهم الذكور ومنهم الإناث، إذا حملت بعد الخامس والسادس والسابع وما أشبه ذلك وجاءت حركة مشابهة وشبيهة بحركة الذكر غلب على ظنها أن الذي في بطنها ذكر، وإذا كانت الأحوال حالها ومزاجها وآلامها وأتعابها قريبة مما حصل في حملها ببنتها تلك غلب على ظنها أنها بنت، قد يوافق، وقد يختلف الأمر، ولذلك قال: وقد تختلف التجربة، وقد يعرف بطول التجارب أشياء من ذكور الحمل وإناثه، إلى غير ذلك، يعني المسألة غلبة ظن لا يقين، وقد تختلف التجربة، وتنكسر العادة، ويبقي العلم لله وحده، والعبرة بهذا.

طالب: ....معرفة بعلم الشيء هذا.

بالنسبة للذي عنده آلات دقيقة وثبت ..

طالب: بالنسبة للأطباء يعني ..

إذا ثبت ذلك مطردًا عندهم يصير ... ما فيه إشكال.

طالب: واضح في الأجهزة التي عندهم الأعضاء التناسلية الطفل واضح جدًّا.

والله إنه اختلف بعضهم قالوا: ذكر، طلعت بنتًا، والعكس.

"وَرُوِيَ أَنَّ يَهُودِيًّا كَانَ يَحْسُبُ حِسَابَ النُّجُومِ، فَقَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنْ شِئْتَ نَبَّأْتُكَ نَجْمَ ابنك، وأنه يموت بعد عشرة أيام، وأنك لَا تَمُوتُ حَتَّى تَعْمَى، وَأَنَا لَا يَحُولُ عَلَيَّ الْحَوْلُ حَتَّى أَمُوتَ. قَالَ: فَأَيْنَ مَوْتُكَ يَا يَهُودِيُّ؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: صَدَقَ اللَّهُ: {وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} فَرَجَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَوَجَدَ ابْنَهُ مَحْمُومًا، وَمَاتَ بَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ. وَمَاتَ الْيَهُودِيُّ قَبْلَ الْحَوْلِ، وَمَاتَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَعْمَى".

وهذا الخبر لا يثبت عن ابن عباس -رضي الله عنه-؛ لأن فيه تصديق هذا المنجم، قال ابن عباس: صدق الله؛ كأنه أقره على ما قال، والله –جل وعلا- صادق مصدق من دون كلام هذا المنجم اليهودي الكذاب، وإن وقع ما أخبر به فهو كذاب، ولا يجوز الذهاب إليه؛ لاستخباره، ولا يجوز تصديقه إذا أخبر.

طالب: فتح القناة هل يعتبر من .......

من أجل إيش فتح؟ لشيء في نفسك تريد أن تطلع عليه، لعله يوافق ما في نفسك، أو تريد أن تستشفي بما يقولون، أو تستدل بقولهم على ما عندك من مشكلة أو شيء من هذا، هذا لا شك أنه ذهاب إليهم، أما مجرد الاطلاع على أخبارهم مع استصحاب تكذيبهم فهذا كما يستخبر الإنسان وكما يطلع على غيرها من المنكرات والجرائم والمعاصي إن كان بنية الإنكار فلا بأس، وإن كان مع عدم نية الإنكار فلا يجوز الاطلاع على ما حرم الله -جل وعلا-.

طالب: كثير يقول أشاهد.

يتفرج على ما حرم الله من غير إنكار؟ لا.

طالب: يخشى عليه الفتنة يا شيخ.

على كل حال هو يخشى على الإنسان الفتنة باعتبار أنهم قد يأتون بشيء حصل له، فيستروح إلى تصديقهم، وهذا شأنه عظيم، نسأل الله السلامة والعافية، ومع الأسف أنه وجد حافظ للقرآن وإمام جامع، تزوج امرأة فصرف عنها، ثم ذهب إلى ساحر وقال له هذه قصتي، قال: نعم، أنت لما دخلت، دخلت عليك امرأة سوداء وبيدها شيء من الطيب فطيبتك أنت والزوجة فحصل ما حصل، وهذا باقي الطيب الذي معها، وهذه صورتها، وهذه صورتك أنت وزوجتك لما دخلت عليكم، فقال له: صدقت -نسأل الله السلامة والعافية-.

فمثل هذه الأمور لا شك أنها فتنة، إنما نحن فتنة، هذه فتنة إذا أخبروك بشيء وبتفصيله وقع لك، يعني قد تجد نفسك مضطرًّا إلى تصديقه، وليس عند الإنسان من اليقين ما يكذب به ما يرى بعينه إذا وجد اليقين قال: كذبت، هذا لا بأس، إذا أراد أن يمقت سحره، وأن يرد عليه بالنصوص الشرعية فهذا جيد، لكن إما أن يطلع على ما حرم الله -جل وعلا- لا بنية الرد، ولا بنية الإنكار إنما مجرد إطلاع، فهذا لا يجوز، المعاصي العادية التي ما هي بكفر ما يجوز الاطلاع عليها من غير إنكار والذهاب إلى أماكنها.

طالب: ......

بمجرد الذهاب.

طالب: الشاشات بمجرد ما يشاهدها يعني لو أعلم..

لا، لا هذا الذي ذهب في نفسه شيء، الذي ذهب إلى هذا الساحر في نفسه شيء.

طالب: لقطع الباب حتى لا يدخل عليها أبدًا.

هذا إن جاء في نفسه شيء، ذهب يستفتيه ولا صدقه هذا لا تقبل له صلاة أربعين، إن صدقه قد كفر –نسأل الله العافية-.

طالب: مجرد السؤال.

أما مجرد النظر لما يحصل من غير سؤال هذا مشاهدة منكر من أعظم المنكرات، مشاهدة الشرك، مثل الذين يسافرون إلى البلاد التي يكثر فيها الابتداع والطواف على القبور وكذا، يقول: نشاهد هؤلاء هذا لا يجوز مشاهدته، ولا يجوز الذهاب إليه.

طالب: ..........

نعم.

طالب: إذا كان للعبرة أو لم يسيروا......

العبرة ما تكفي لمثل هذا؛ لأنه يخشى عليه الفتنة، لا ما يكفي.

" قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ: هَذَا أَعْجَبُ الْأَحَادِيثِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ اسمه الوارث بن عَمْرِو بْنِ حَارِثَةَ، أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنَّ امْرَأَتِي حُبْلَى فَأَخْبِرْنِي مَاذَا تَلِدُ، وَبِلَادَنَا جَدْبَةٌ فَأَخْبِرْنِي مَتَى يَنْزِلُ الْغَيْثُ، وَقَدْ عَلِمْتُ مَتَى وُلِدْتُ فَأَخْبِرْنِي مَتَى أَمُوتُ، وَقَدْ عَلِمْتُ مَا عَمِلْتُ الْيَوْمَ فَأَخْبِرْنِي مَاذَا أَعْمَلُ غَدًا، وَأَخْبِرْنِي مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ.

وَرَوَى أَبُو الْمَلِيحِ عَنْ أَبِي عَزَّةَ الْهُذَلِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى قَبْضَ رُوحِ عَبْدٍ بِأَرْضٍ جَعَلَ لَهُ إِلَيْهَا حَاجَةً فَلَمْ يَنْتَهِ حَتَّى يَقْدُمَهَا» ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} إِلَى قَوْلِهِ: {بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَخَرَّجَهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِمَعْنَاهُ. وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ التَّذْكِرَةِ مُسْتَوْفًى.

 وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ:" وَيُنَزِّلُ" مُشَدَّدًا."

مخرج؟

طالب: ..........

ماذا؟

طالب: ..............الحديث الثاني .... صريح أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وأحمد والترمذي وصححه ابن حبان والحاكم من حديث أبي عزة قال الحاكم: حديث صحيح، رواته ثقات عن آخره، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: صحيح، وقرره الترمذي والطيالسي والحاكم وفريق آخر عن ...... في السلمي مرفوع، وصححه على شقهما، ووافقه الذهبي، وأخرجه ابن ماجه والحاكم وابن أبي عاصم في السنة من حديث ابن مسعود وقال الحاكم: احتج الشيخان في رواية هذا الحديث عن آخرهم ووافقه الذهبى، وقال البوصيري في الزوائد: هذا إسناده صحيح رجاله ثقات.

نعم.

وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ:" وَيُنَزِّلُ" مُشَدَّدًا، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ مُخَفَّفًا. وَقَرَأَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ:" بِأَيَّةِ أَرْضٍ"، والْبَاقُونَ" بِأَيِّ أَرْضٍ". قَالَ الْفَرَّاءُ: اكْتَفَى بِتَأْنِيثِ الْأَرْضِ مِنْ تَأْنِيثِ أَيٍّ. وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْأَرْضِ الْمَكَانَ فذكر. قال الشَّاعِرِ:

فَلَا مُزْنَةَ وَدَقَتْ وَدْقَهَا ... وَلَا أَرْضَ أَبْقَلَ إِبْقَالَهَا
وَقَالَ الْأَخْفَشُ: يَجُوزُ مَرَرْتُ بِجَارِيَةٍ أَيِّ جَارِيَةٍ، وَأَيَّةِ جَارِيَةٍ. وَشَبَّهَ سِيبَوَيْهِ تَأْنِيثَ" أَيٍّ" بِتَأْنِيثِ كُلٍّ فِي قَوْلِهِمْ: كُلَّتُهُنَّ.

 {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} " خَبِيرٌ" نَعْتٌ لِـ"-عَلِيمٌ" أَوْ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. "

اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

طالب: مسألة الاستمطار...

لا، لا ما ينفع.

طالب: مسألة الاستمطار هذا سبب......إن دل الدواء الذي يصحبه الميت.

لا، لا هذا اختص به الله -جل وعلا-، {أأنتم أنزلتموه من المزن} ....

"