التعليق على تفسير القرطبي - سورة عبس (01)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، قال الإمام القرطبي- رحمه الله تعالى-:

سورة عبس مكية في قول الجميع، وهي إحدى وأربعون آية، بسم الله الرحمن الرحيم، قوله تعالى: عبس: ١ - ٤  فيه ست مسائل؛ الأولى: قوله تعالى: عبس: ١  أي كلح بوجهه، يقال: عبس وبسر، وقد تقدم. عبس: ١  أي أعرض بوجهه. عبس: ٢  أن في موضع نصب؛ لأنه مفعول له، والمعنى لأن جاءه. "

يعني سبب هذا العبوس أنه من أجل أن جاءه هذا الرجل الأعمى، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- مشغول ببعض كبار القوم؛ لأنه إذا أسلم واهتدى اهتدى بسببه خلق، وأما هذا الرجل الأعمى فإنه مسلم ووقر الإيمان في قلبه، وإذا أُخِّر فإن هذا مقدور عليه في أمر قد لا يفوت، وهذا في تقدير الناس كلهم أمر عادي ومقبول، لكن الله- جل وعلا- عاتب نبيه -عليه الصلاة والسلام- على هذا التصرف؛ ليبين أن الناس سواء في هذا الدين كبيرهم وصغيرهم غنيهم وفقيرهم شريفهم ووضيعهم، كلهم سواء، هذا تقدم يُقدَّم، وهذا تأخر يُؤخَّر، بخلاف ما يصنعه بعض الناس، ومع الأسف أن منهم من هو من أهل العلم تجد في مجلسه طلاب علم ومن خيار الناس، ثم يدخل عليه مسؤول يوليهم ظهره، ويلتفت إليه بكليته، لا شك أن هذا خلل كبير في التصور للدين وفي معاملة المتدينين، هذا موجود، وحضرت مجالس للشيخ ابن باز- رحمة الله عليه- تجد عنده الكبار من المسؤولين عن يمينه وعن شماله، ثم يأتي شخص لا يؤبه له ولا يُذكر بشيء من بلد ما، فيلتفت إليه يسأله عن بلده وعن الدعوة وعن كذا، ما ينشغل بالكبير عن الصغير ولا بالصغير عن الكبير، صحيح أننا أُمرنا أن ننزل الناس منازلهم، لكن ينبغي، بل يجب العدل بين الناس؛ «إنما أنا قاسم والله المعطي»، ففي القسمة لا بد من العدل ومن القسمة أيضًا قسمة العلم والدين كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يعلم الناس الخير بالسوية ما يقدم أحد على أحد.

" المعنى: لأن جاءه الأعمى أي الذي لا يبصر بعينيه، فروى أهل التفسير أجمع أن قومًا من أشراف قريش كانوا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد طمع في إسلامهم، فأقبل عبد الله بن أم مكتوم، فكره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقطع عبد الله عليه كلامه، فأعرض عنه، ففيه نزلت هذه الآية، قال مالك: إن هشام بن عروة حدثه عن عروة أنه قال نزلت: عبس: ١ ، في ابن أم مكتوم، جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فجعل يقول: يا محمد استدنني، وعند النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل من عظماء المشركين فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يعرض عنه ويقبل على الآخر ويقول: يا فلان، هل ترى بما أقول بأسًا؟ فيقول: لا والدمى ما أرى بما تقول.. "

يعني التماثيل والأصنام التي يعبدونها، يقسم بها.

" لا أرى بما تقول بأسًا، فأنزل الله: عبس: ١ ، وفي الترمذي مسندًا قال.. "

مخرّج هذا؟

طالب: ............

نعم.

" قال: حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي: حدثني أبي قال: هذا ما عرضنا على هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: نزلت عبس: ١  في ابن أم مكتوم الأعمى، أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجعل يقول: يا رسول الله، أرشدني، وعند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجل من عظماء المشركين، فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعرض عنه ويقبل على الآخر ويقول: أترى بما أقول بأسًا؟ فيقول: لا، ففي هذا نزلت، قال: هذا حديث غريب. "

طالب: أحسن الله إليك.

ماذا يقول؟

" طالب: الأول قال: مرسل أخرجه مالك عن عروة مرسلاً، والثاني قال: أخرجه الترمذي وابن حبان والحاكم والطبري والواحدي من حديث عائشة وصححه الحاكم، وصححه على شرطهما، لكن أشار إلى بعضهم أرسله قال الذهبي: وهو الصواب، وقال المحقق: لكن له شواهد كثيرة... "

المفسرون قاطبة يذكرون قصة ابن أم مكتوم في سبب نزول الآية، وأنه هو المراد بالأعمى، هذا شيء اتفقوا عليه، لكن تفصيل هذه القصة هي التي يختلف فيها النقل، ففي هذا المرسل وغيره المقصود أن العدل لا بد منه في التعليم وفي تبليغ الرسالة، وقد يستشف من الآية أن المسلم مقدم على غيره أيًّا كان، ولو كان المسلم وضيعًا في نسبه، وغيره شريفًا في نسبه.

" الثانية: الآية عتاب من الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم- في إعراضه وتوليه عن عبد الله بن أم مكتوم، ويقال: عمرو بن أم مكتوم، واسم أم مكتوم عاتكة بنت عامر بن مخزوم. "

مصروف.

" عاتكة بنت عامر بن مخزوم، وعمرو هذا. "

عاتكةُ بنتُ عامرِ بنِ.

" عاتكةُ بنتُ عامرِ بنِ مخزوم، وعمرو هذا هو ابن قيس بن زائدة بن الأصم، وهو ابن خال خديجة- رضي الله عنها- وكان قد تشاغل عنه برجل من عظماء المشركين، يقال: كان الوليد بن المغيرة، قال ابن العربي. "

الوليدَ الوليدَ.

" يقال: كان الوليدَ بن المغيرة قال ابن العربي: قال المالكية من علمائنا وقال قتادة: هو أمية بن خلص. "

خلف.

" هو أمية بن خلف، وعنه: أبي بن خلف، وقال مجاهد: كانوا ثلاثة عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبي بن خلف، وقال عطاء: عتبة بن ربيعة، وقال سفيان الثوري: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- -صلى الله عليه وسلم- مع عمه العباس، قال الزمخشري: كان عنده صناديد قريش عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب وأمية بن خلف والوليد بن المغيرة يدعوهم إلى الإسلام؛ رجاء أن يسلم بإسلامهم غيرهم، قال ابن العربي: أما قول علمائنا: إنه الوليد بن المغيرة، فقد قال آخرون: إنه أمية بن خلف والعباس، وهذا كله باطل وجهل من المفسرين.. من المفسرين الذين لم يتحققوا الدين، ذلك أن أمية بن خلف والوليد كانا بمكة، وابن أم مكتوم كان بالمدينة ما حضر معهما، ولا حضرا معه، وكان موتهما كافرين أحدهما قبل الهجرة، والآخر ببدر، ولم يقصد قط أمية المدينة، ولا حضر عنده مفردًا ولا مع أحد. "

الأسماء مما أبهم في السورة لا حاجة إلى تعيينها؛ لأن المقصود من الآيات واضح، وأنه لا يقدم أحد على أحد في الدين لاسيما في تبليغه مهما كانت منزلته، نعم التأليف له باب والمؤلفة قلوبهم يعطون من الزكاة؛ رجاء أن يسلم، ويسلم بإسلامهم نفر كثير، لكن المسلم لا يقدم عليه أحد كائنًا من كان، وقد كنا أو كما في حديث عائشة أُمرنا أو أُمر الناس، أُمرنا أن ننزل الناس منازلهم، وفي بعض ألفاظها بصريح الأمر: «أنزلوا الناس منازلهم»، وهذا لا يعني أنه يقدم صاحب المنزلة على غيره فيما تجب فيه التسوية، فالقسمة تجب فيها، أو يجب فيها العدل والقسمة في كل شيء في قسمة المال، وفي قسمة المعاملة، والأدب مع الناس، يجب مع كل أحد مثل ما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «إنما أنا قاسم، والله المعطي»، ففي مثل هذا ولو قُصِر على محل الورود وسبب وروده فيما إذا تعامل مع مسلم وكافر فيقدم المسلم مهما كان وضعه، ويؤخّر الكافر مهما كانت منزلته، وهذا ما يقتضيه السياق، يقدم المسلم على الكافر، ومهما كانت منزلة هذا الكافر، ومهما رجي بإسلامه، لكن المسلم مقدم عليه، والإسلام يعلو ولا يعلى عليه، وإذا كان بين مسلمين، فالأول، الأولية لها نصيب في الأولوية كما يقول أهل العلم.

طالب: ............

أين؟

طالب: ............

أُمرنا أن ننزل الناس منازلهم، متى ننزل الناس منازلهم؟ في الواجبات الناس سواسية أمام التشريع العام، ما يقال لهذا صلِّ ثلاثًا أو صلِّ أربعًا، وهذا صم شهرًا، وهذا صم شهرًا ونصف الواجبات، الناس سواسية، لكن قد يلاحظ ظروف بعض الناس لمنزلته، فأنت لا تستطيع أن تأمر شخصًا عاش في بيئة معيّنة بأمر ينفره ولا يطيقه بحسب ما جُبل عليه، كما تأمر شخصًا آخر تروَّض على العبادة وتمرَّن عليها، هذا عايش في بيئة ملك، هل تعاتبه مثل ما تعاتب شخصًا عاش في بيئة دين وعلم وفضل؟ هذا يعامل معاملة، وهذا يعامل معاملة، ولكل نصيبه وذكرنا مرارًا أنك قد تلوم شخصًا لتركه مستحبًا، ولا تلوم آخر لتركه مستحبًا أو ارتكاب مكروه، بينما في ارتكاب المحرمات الكل يلامون، فمثل ما قال أهل العلم: حسنات الأبرار سيئات المقربين، وقلنا: لو أن الإمام لما انصرف من صلاته وجد شخصًا فاتته ركعة، ووجد شخصًا آخر يقضي الصلاة كلها، وثالثًا فاتته تكبيرة الإحرام يمكن يعاتب هذا الذي فاتته تكبيرة الإحرام أكثر مما يعاتب من فاتته الصلاة كلها؛ لأن الناس منازل، وإن كانوا في التشريع سواءً، لكنهم منازل، هذا قصّر حقيقة؛ لأن منزلته فوق ذلك، وهذا أتى بالواجب، وصلى الصلاة مع الجماعة وإن فاتته الجماعة، لكنه أراد الجماعة وأدرك ما أدرك منها، فهذا خير أن حصل منه ما حصل، وذاك يعاتب؛ لئلا يتكرر منه ما حصل.

طالب: ............

ماذا يقول؟

طالب: ............

لأنه يقول: إن ابن أم مكتوم كان بالمدينة، وأبو حيان يقول: هو أيضًا كان بمكة قبل الهجرة وقديم الإسلام ابن أم مكتوم لا شك أن تعقبه وارد ومقبول.

طالب: ............

على كل حال مصلحة الدعوة لا بد من ملاحظتها، لكن إذا أحسَّ أن شخصًا حصل له شيء من الهضم في حقه فلا بد أن يعتذر إليه بما يزيل ذلك مع أنه الأصل ألا يحصل، لكن لو حصل من غير قصد واعتذر له، طيب خاطره بالكلام الطيب، لا بأس إن شاء الله.

" الثالثة: أقبل ابن أم مكتوم والنبي -صلى الله عليه وسلم- مشتغل بمن حضره من وجوه قريش يدعوهم إلى الله تعالى، وقد قوي طمعه في إسلامهم، وكان في إسلامهم إسلام من وراءهم من قومهم، فجاء ابن أم مكتوم وهو أعمى فقال: يا رسول الله علمني مما علمك الله، وجعل يناديه ويكثر النداء، ولا يدري أنه مشتغل بغيره، حتى ظهرت الكراهة في وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقطعه كلامه، وقال في نفسه: يقول هؤلاء إنما أتباعه العميان والسفلة والعبيد فعبس وأعرض عنه، فنزلت الآية، قال الثوري: فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك إذا رأى ابن أم مكتوم يبسط له رداءه ويقول: مرحبًا بمن عاتبني فيه ربي، ويقول: هل من حاجة، واستخلفه على المدينة مرتين في غزوتين غزاهما قال أنس: فرأيته يوم القادسية راكبًا وعليه درع ومعه راية سوداء، الرابعة: قال علماؤنا. "

لكن لو حصل من أحد، وقدر هذا التقدير في مصلحة الدعوة، وفعل ما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- أولاً ما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- وعوتب عليه لا شك أنه لا يصل إلى درجة المحرم ولا المكروه، بل هو خلاف الأولى عند أهل العلم، ولو حصل من أحد من غيره ارتكاب خلاف الأولى، نعم الأولى ألا يحصل، لكن إذا حصل وقدر أن مصلحة الدعوة تقتضي الإقبال على هذا، ثم الالتفات إلى الآخر والاعتذار منه؛ لأنه يسلم بإسلامه جمع غفير أو على الأقل يكف شره وشر من تبعه، فالمصالح والمفاسد لا شك أنها مراعاة في الشريعة، ومثل ما ورد فيه النص ينبغي ألا يحصل.

" الرابعة: قال علماؤنا: ما فعله ابن أم مكتوم كان من سوء الأدب لو كان عالمًا بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- مشغول بغيره، وأنه يرجو إسلامهم، ولكن الله- تبارك وتعالى- عاتبه حتى لا تنكسر قلوب أهل الصفة، أو ليُعلم أن المؤمن الفقير خير من الغني، وكان النظر إلى المؤمن أولى، وإن كان فقيرًا أصلح وأولى من الأمر الآخر، وهو الإقبال على الأغنياء؛ طمعًا في إيمانهم، وإن كان ذلك أيضًا نوعًا من المصلحة، وعلى هذا يخرّج قوله تعالى:          الأنفال: ٦٧  الآية على ما تقدم، وقيل: إنما قصد النبي -صلى الله عليه وسلم- تأليف الرجل ثقة بما كان في قلب ابن أم مكتوم من الإيمان كما قال: «إني لأصل الرجل وغيره أحب إلي منه؛ مخافة أن يكبه الله في النار على وجهه»."

في الشق الأول إنما قصد النبي -صلى الله عليه وسلم- تأليف الرجل؛ ثقة بما في قلب ابن أم مكتوم، يعني كما حصل له -عليه الصلاة والسلام- في قسمة الغنائم، فأعطى أناسًا وأكثر، ولم يعط آخرين؛ ثقة بما في قلوبهم من إيمان، وفي حديث سعد في صحيح البخاري أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أعطى رهطًا وسعد جالس فقال: يا رسول الله، ما لك عن فلان؟ قال للنبي -عليه الصلاة والسلام- ما لك عن فلان؟ قال: «إني لأعطي القوم؛ مخافة أن يكبوا على وجههم في النار، وأكِل إلى ما في قلبه من إيمان»، والرجل الذي لم يُعط قالوا اسمه جُعيل، وكان من فقراء المسلمين، وأقبل ذات يوم والنبي -عليه الصلاة والسلام- جالس، فسأل عنه قال: من هذا؟ قال فلان: قالوا فلان لو خطب ما زُوِّج، ولو استأذن لم يُؤذن له، وبدؤوا يذكرون من حاله ووضعه، ثم أقبل آخر فقالوا: هذا فلان لو خطب زُوج، ولو شفع شُفِّع، ولو استأذن لأذن له، إلى آخره قال: «ذاك خير من ملء الأرض من مثل هذا»، فالعبرة بالدين وما يقر في القلوب من تقوى وإيمان وعلى الأبدان من أعمال صالحة، هذا هو الميزان الشرعي، أما المظاهر ومتع الدنيا ومظاهرها وزيفها فهذا لا عبرة له. سعيد بن المسيب لما خُطبت ابنته من ابن الخليفة رده وزوجها طالبًا من طلابه فقيرًا جدًّا، لا يملك شيئًا ألبتة، ولما قيل له: جاءتك الدنيا بحذافيرها، ابن الخليفة يخطب البنت، قال: إذا كانت الدنيا لا تسوى عند الله جناح بعوضة، فماذا ترى أن يقص لي من هذا الجناح؟ على المسلم أن ينظر إلى هذه الدنيا بعين البصيرة، وأنها لا تسوى شيئًا عند الله- جل وعلا-، وأن موضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما فيها، هذا المقياس الشرعي.

طالب: ............

إذا لم يوجد المقتضي فهذا لا إشكال في أنه ممنوع، إذا لم يكن بهذا التأويل، وأن مصلحة الدعوة تقتضي هذا، فهذا مذموم وجهًا واحدًا، أما إذا كان هناك تأويل، ورجي أن يسلم هذا أو يسلم بإسلامه قوم أو يكف شره عن المسلمين، فباب التأليف معروف في الشريعة، لكنه في مثل هذه الصورة لاسيما وأن الرجل أعمى لا يدرك ما يدور في الموقع والمجلس، أما إذا كان يعرف ويقدِّر فقد تزول العلة بهذا.

الخامسة: قال ابن زيد.

والغالب أن العميان عندهم حساسية زائدة؛ لأنهم لا يدرون ما الذي يدور حولهم، فتجده يتحسس من كل شيء، فيقع في نفسه أكثر مما يقع في نفس المبصر؛ لأنه يدرك بعض الأمور ويعذر.

" قال ابن زيد: إنما عبس النبي -صلى الله عليه وسلم- لابن أم مكتوم وأعرض عنه؛ لأنه أشار إلى الذي كان يقوده أن يكفه فدفعه ابن أم مكتوم وأبى إلا أن يكلم النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى يعلمه، فكان في هذا نوع جفاء منه، ومع هذا أنزل الله في حقه على نبيه -صلى الله عليه وسلم- عبس: ١  بلفظ الإخبار عن الغائب؛ تعظيمًا له، ولم يقل: عبست وتوليت، ثم أقبل عليه بمواجهة الخطاب تأنيسًا له فقال: عبس: ٣  أي يعلمك، عبس: ٣  يعني ابن أم مكتوم عبس: ٣  بما استدعى منك تعليمه إياه من القرآن والدين بأن يزداد طهارة في دينه وزوال ظلمة الجهل عنه، وقيل: الضمير. "

وفي هذا تعليم للعالم والمربي والمؤدّب أن يصبر على من يعلمه أو يؤدبه، عليه أن يصبر ويحتسب، كما أن الطرف الآخر مطالب بألّا يضجر شيخه، بعض الطلاب ما يلاحظ الظروف، تجده يسأل كلما يطرأ له سؤال، يسأل وقد لا تكون الطريقة طريقة إلقاء السؤال مناسبة، فالعالِم مطالب بأن يصبر على المتعلمين، والمتعلمون مطالبون بأن يرفقوا بشيخهم، وألا يضجروه، وألا يعنتوه، وإذا رأوا وضعهم غير مناسب، وصحته لا تساعد، وأحيانًا تجد الطلاب يمسكون الشيخ بعد درس أو درسين يمسكونه إلى أن يتعب من الوقوف، وأحيانًا قد يكون بحاجة إلى قضاء الحاجة، فما يتركونه، مثل هذا لا ينبغي لا من المعلم ولا من المتعلم، والمعلم عليه أن يصبر أيضًا على حاجات المتعلمين وأسئلتهم، ويرفق بهم، ويوجههم، ويلطف بهم، والله المستعان.

" وقيل: الضمير في لعله للكافر، يعني إنك إذا طمعت في أن يتزكى بالإسلام أو يذكَّر فتقربه الذكرى إلى قبول الحق، وما يدريك أن ما طمعت فيه كائن، وقرأ الحسن: أأنجاءه الأعمى. "

آأن.

" آأن جاءه الأعمى، بالمد على الاستفهام، فـ(إن) متعلقة بفعل محذوف دل عليه عبس وتولى، التقدير آأن جاءه أعرض عنه وتولى، فيوقف على هذه القراءة على: وتولى، ولا يوقف عليه على قراءة الخبر، وهي قراءة العامة. "

بعض من يتكلم على السورة من المعاصرين ينكر أن يكون الخطاب والعتاب للنبي -عليه الصلاة والسلام- وأن ما جاء في قصة ابن أم مكتوم من المأثور لا يقتضي ولا العتاب، بل هو المشروع والمقرر لمصلحة الدعوة، ويطيل على هذا، لكن عامة أهل العلم من المفسرين وغيرهم أن السورة نزلت في هذه القصة، فلا بد من توجيهها مع ما يتفق مع سياق القرآن.

" السادسة: نظير هذه الآية في العتاب قوله تعالى في سورة الأنعام: الأنعام: ٥٢ ، وكذلك قوله في سورة.. "

إذا كان العتاب بسبب أمر ظهر على ملامح الوجه وتقسيمه من دون تصرف لا بقول ولا بفعل في مقابلة رجل أعمى لا يدري ما حصل، الآن العتاب بسبب أي شيء؟ عبس وتولى أعرض بوجهه عنه، ما تكلم بكلام ولا فعل فعلاً، ولا قال قولًا، ولا تصرف أي تصرف غير هذا الذي حصل، تغيّر وجهه وأعرض به قليلاً عن هذا الرجل، هذا الأعمى، والأعمى لا يحس بذلك؛ لأنه أعمى، فكيف بمن يحصل منه ما فوق ذلك من كلام بذيء أو ترفع على هذا المتعلم أو زجر له، مما يجعله يستنكف ويترك التعليم؟ وكم من شخص ترك التعليم وترك القرآن وترك حفظ القرآن؛ بسبب تصرف المعلم، نعم المباشر في الترك هو المسؤول، الأول ما يقال والله فلان ترك القرآن، فلا يلام؛ لأن شيخه أو أستاذه أو معلمه فعل كذا، هو المباشر للترك، لكن المتسبب أيضًا عليه نصيب من اللوم، في هذا تنبيه بهذا التصرف على ما فوقه، وأنه من باب أولى.

" وكذلك قوله في سورة الكهف   ﭣﭤ الكهف: ٢٨ ، وما كان مثله، والله أعلم. عبس: ٤  يتعظ بما تقول. عبس: ٤  أي العظة وقراءة العامة: فتنفعُه بضم العين عطفًا على يزكَّى، وقرأ عاصم وابن أبي إسحاق وعيسى: فتنفعَه نصبًا، وهي قراءة السُّلَمي وزر بن حبيش على جواب لعل؛ لأنه غير موجب كقوله تعالى: غافر: ٣٦ ، ثم قال: غافر: ٣٧. "

يعني منصوب بأن مضمرة بعد الفاء في سياق الترجي.

" قوله تعالى     عبس: ٥  أي كان ذا ثروة وغنى. عبس: ٦  أي تعرض له وتصغي لكلامه، والتصدي الإصغاء، قال الراعي:

تصدى لوضاح كأن جبينه         

 

سراج الدجى يحني إليه الأساور   .

وأصله تتصدى من الصد وهو ما استقبلك وصار قبالتك، يقال: داري صدد داره أي قبالتها، نُصب على الظرف، وقيل: من الصدى، وهو العطش أي تتعرض له كما يتعرض العطشان للماء، والمصاداة المعارضة، وقراءة العامة: تصدى بالتخفيف على طرح التاء الثانية؛ تخفيفًا، وقرأ نافع وابن محيصن بالتشديد على الإدغام. "

تصّدى.

"    عبس: ٧  أي لا يهتدي هذا الكافر ولا يؤمن، إنما أنت رسول ما عليك إلا البلاغ. قوله تعالى: عبس: ٨  يطلب العلم لله.   عبس: ٩  أي يخاف الله. عبس: ١٠  أي تعرض عنه بوجهك وتُشغَل بغيره، وأصله تتلهى يقال: لهيت عن الشيء. "

ألهى.

" ألهى أي تشاغلت عنه، والتلهِّي التغافل، ولهيت عنه وتليت بمعنى. "

ومنه ما جاء في قوله- جل وعلا-: التكاثر: ١  يعني شغلكم التكاثر بالأموال والأولاد والاستمتاع بالدنيا التكاثر: ٢ ؛ لأن المقابر تنسي الدنيا، وتذكر الآخرة لمن كان في قلبه نوع حياة، أما من كان قلبه ميتًا فـ

................................           .

 

ما لجرح بميت إيلام              .

ونحن نرى من يأتي إلى المقابر، ويشارك في الدفن ويشيع الجنائز، ويحملها، تجد القلب لا حضور له، تجده يتكلم ويضحك، وقد يغتاب، وتدور الأحاديث التي لا تليق بالاستراحات فضلاً عن المقابر والقبر وما فيه لا يحرك ساكنًا في قلوب كثير من الناس، وقد رأيت بنفسي من يدخّن على شفير القبر، نسأل الله العافية، فعلى الإنسان أن يعالج نفسه، ولا شك أن زيارة القبور تذكر الآخرة لمن كان في حياته في قلبه شيء من الحياة، أما من تجاوز هذا، مات قلبه لا تذكره الآخرة، فيقول القرطبي في تفسيره على ما سيأتي إن مثل هذا ينشغل بحضور المحتضرين، فإن هذا أمره على القلوب أشد من كل شيء، يعني الأصل أن المسلم يتعظ بما يسمع من القرآن، وكفى بالقرآن واعظًا، ق: ٤٥ ، لكن إذا كان الإنسان يقرأ القرآن كما يقرأ جريدة مثلاً لا فرق هذا يزور القبور، لكن إذا كانت القبور لا تفيد، وينظر في القبر كأنه حفرة زيت لا فرق، هذا حاصل، مثل هذا يترقى إلى إما تغسيل الأموات أو حضور المحتضرين أو ما أشبه ذلك مما هو أشد من مجرد تشييع ميت لف في لفافة، وأودع في هذه الحفرة، مع أن الأصل أن المسلم يتذكر بما دون ذلك، يتذكر بالقرآن، يتذكر إذا قام بين يدي ربه في صلاته، إذا تلا القرآن، إذا شيَّع الميت، إذا ذُكر الموت، هذا الأصل، لكن ﭹﭺ ﭻﭼ ﭿ المطففين: ١٤ ، نعم الكسب ران على القلوب وغطاها، فلا تجد ما كنت تجده أنت فضلاً عن غيرك من التأثر بكلام الله، أو إذا وقفت بين يديه خاشعًا مخبتًا له، وإذا لم تجد قلبك في هذه المواطن كما يقول ابن القيم، فاعلم أن الباب مغلق، طيب إذا كان الباب مغلقًا ماذا تفعل؟ عليك أن تسعى لفتحه، وبم يفتح؟ في تدبر القرآن يفتح إذا تدبرت القرآن.

فتدبر القرآن إن رمت الهدى          .

 

فالعلم تحت تدبر القرآن                .

وليستعن على ذلك بقراءة ما كتبه الأئمة المحققون لاسيما مثل ابن القيم وابن رجب، وفي بعض كتابات بعض من عنده شيء من التخليط كالغزالي يوجد أيضًا فوائد تنفع في هذا الباب، والله المستعان.

" قوله تعالى:              عبس: ١١  كلا كلمة ردع وزجر، أي ما الأمر كما تفعل مع الفريقين، أي لا تفعل بعدها مثلها من إقبالك على الغني وإعراضك عن المؤمن الفقير، والذي جرى من النبي -صلى الله عليه وسلم- كان ترك الأولى كما تقدم، ولو حُمل على صغيرة لم يبعد قاله القشيري، والوقف. "

حمل على صغيرة يعني الذنوب تتقسم كما قال أهل العلم إلى صغيرة وكبيرة، والكبائر لا تقع من الأنبياء بالإجماع، والخلاف في الصغائر، ويريد أن يجعل هذا منها، لكن الصواب أنه لا يصل إلى حد أن يكون ذنبًا، بل هو من باب خلاف الأولى، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لمنزلته العالية يعاتب على مثل هذا.

" والوقف على هذا الوجه جائز، ويجوز أن تقف على تلهَّى، ثم تبتدئ كلا على معنى حقًّا ﮋﭼﮊ عبس: ١١  أي السورة أو آيات القرآن      عبس: ١١  أي موعظة وتبصرة للخلق ﭿ عبس: ١٢  أي اتعظ بالقرآن، قال الجرجاني:       عبس: ١١  أي القرآن، والقرآن مذكر إلا أنه لما جعل القرآن تذكرة أخرجه على لفظ التذكرة، ولو ذكّره لجاز كما قال تعالى في موضع آخر:          المدثر: ٥٤ ، ويدل على أنه أراد القرآن قوله: ﭿ ﮂﮊ عبس: ١٢  أي كان حافظًا له غير ناسٍ، وذكّر الضمير؛ لأن التذكرة في معنى الذكر والوعظ، وروى الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى: ﭿ عبس: ١٢  قال: من شاء الله تبارك وتعالى ألهمه، ثم أخبر عن جلالته فقال: عبس: ١٣  جمع صحيفة.    عبس: ١٣  أي عند الله، قاله السدي، وقال الطبري:    عبس: ١٣  في الدين؛ لما فيها من العلم والحكم، وقيل: مكرمة؛ لأنها نزل بها كرام الحفظة، أو لأنها نازلة من اللوح المحفوظ، وقيل: مكرمة؛ لأنها نزلت من كريم؛ لأن كرامة الكتاب من كرامة صاحبه. "

ولذا يجب على كل مسلم متدين بهذا الدين أن يعظم هذا القرآن وأن يكرمه ويحترمه ولا يعرّضه للإهانة بوجه من الوجوه، وفي مقدمة هذا التفسير ذكر أشياء من وجوه تعظيم القرآن وبعض الأشياء التي يفعلها الناس وفيها شيء من امتهانهم، وفي كتب الأدب أيضًا الأدب الشرعي شيء كثير في الآداب الشرعية لابن مفلح وغذاء الألباب وغيرهما من الكتب، إضافة إلى ما صنف في هذا الشأن مثل التبيان للنووي أو التذكار للقرطبي أو غيرهما من الكتب، كلها تذكر في هذا الباب من احترام القرآن وتعظيمه، وتذكر أيضًا أنه لا يجوز بحال تعريضه لشيء من الامتهان أو ما يشم منه رائحة الامتهان، فذكروا مثلاً إلقاء المصحف، وأن هذا شأنه عظيم، وذكروا أيضًا مد القدم إليه، أو جعله وراء الظهر، أو جعله تحت أشياء دونه في المنزلة، كما أنهم ذكروا مما يكره أن يجعل القرآن منشورًا، وهذا يفعله كثير من الناس عند إرادة السجود، إذا أراد أن يسجد ترك المصحف منشورًا هكذا وسجد، ورأينا من هو أشد من ذلك من يثني الورق إذا أراد أن يسجد يثني الورق أو يكب المصحف على وجهه، هذا كله امتهان للقرآن، تعريض له للتلف في حال ثني الورق يتقطع، فإذا كانت تعظيم الشعائر من تقوى القلوب، فما بالكم بالمصحف الذي هو كلام الله، وكلامه صفة من صفاته حكمها حكمه جل وعلا؟

طالب: ...........

والله، المصحف مادام في جوفه، ما هو بارز على الشاشة، فهو نظير ما في جوف الحافظ ما فيه شيء لمسه حمله كذا ما فيه شيء، وأما إذا برز على الشاشة فهو نظير ما يكتب على الورق لا بد أن يتطهر للمسه، ولا يدخل به في الدورات ولا غيرها.

طالب: ...........

لا، لكن بينك وبينه حاجز؟

طالب: ...........

يعني أنت تتكئ على الدولاب، والدولاب وجهه على الصف الثاني ما هو على الصف الأول، مثل هذا أمره سهل، لكن لو تورع الإنسان عنه لكان أولى.

طالب: ...........

على القرآن أم على الدولاب؟

طالب: ...........

لا لا، ما يجوز، هذا ما يجوز.

طالب: ...........

لا، بهذا لم تتكئ على القرآن، بل اتكأت على الحامل على الدولاب.

طالب: ...........

لا لا، هذا نفس سؤال الأخ، أحيانًا يكون مثال الحرمين الدواليب الحديد التي فيها المصاحف قوية، وتحتمل الاعتماد عليها، إذا كنت من جهة المصاحف ما يجوز، الجهة الثانية أمرها أخف، لكن ينبغي أيضًا أن يتورع طالب العلم عن مثل هذا، وأحيانًا تكون على الجانب هذا أو على الجانب ذاك، عند الحاجة تزول الكراهة.

طالب: ...........

ما باشره القرآن لا يصل إلى العورة، ولا يراق في مكان غير نظيف.

طالب: ...........

كذلك تخطيه حتى لو وضع المصحف على الأرض، ثم جاء واحد وتخطاه برجله فيه إهانة للمصحف.

طالب: ...........

يتقي مواضع العورات..

" وقيل: المراد كتب الأنبياء، دليله:     الأعلى: ١٨ - ١٩   عبس: ١٤  رفيعة القدر عند الله، وقيل: مرفوعة عنده تبارك وتعالى، وقيل: مرفوعة في السماء السابعة، قاله يحيى بن سلام، قال الطبري: مرفوعة الذكر والقدر، وقيل: مرفوعة من الشبه من الشبه. "

عن.

"وقيل: مرفوعة عن الشبه والتناقض، عبس: ١٤  قال الحسن: من كل دنس، وقيل: مصانة عن أن ينالها الكفار، وهو معنى قول السدي، وعن الحسن أيضًا: مطهرة من أن تنزل على المشركين، وقيل: أي القرآن أثبت للملائكة في صحف يقرؤونها، فهي مكرمة مرفوعة مطهرة،    عبس: ١٥  أي الملائكة الذين جعلهم الله سفراء بينه وبين رسله، فهم بررة لم يتدنسوا بمعصية، وروى أبو صالح عن ابن عباس قال: هي مطهرة تجعل التطهير لمن حملها،    عبس: ١٥  قال كتبة، وقاله مجاهد أيضًا، وهم الملائكة الكرام الكاتبون لأعمال العباد في الأسفار التي هي الكتب، واحدهم سافر، كقولك كاتب وكتبة، ويقال: سفرت أي كتبت، والكتاب هو السِّفْر، وجمعه أسفار، قال الزجّاج: وإنما قيل للكتاب سفْر بكسر السين، وللكاتب سافر؛ لأن معناه أنه يبين الشيء ويوضحه، يقال: أسفر الصبح إذا أضاء وسَفِرت المرأت إذا كشفت النقاب عن وجهها، قال: ومنه سفرت بين القوم أسفر سفارة أصلحت بينهم، وقال الفراء وأنشد:

فما أدع السفارة بين قومي               .

 

ولا أمشي بغش إن مشيت"                .

ومنه السفر، والسفور كما ذكر المؤلف- رحمه الله- إذا أبدت وكشفت وأبرزت شيئًا من محاسنها فهي سافر، والمسافر إذا برز وخرج عن بلده سُمِّي مسافرًا؛ لأنه أبرز نفسه عن بلده برز وهذه أبرزت شيئًا من محاسنها فهي سافر، فالسفور والسفر من هذا أيضًا.

طالب: ...........

باذام؟

طالب: ...........

أبو صالح باذام؟

طالب: ...........

تقصد صحتها؟ أو معناها؟

طالب: ...........

مطهرة الآية عبس: ١٣ ، والمعنى في الكلام المنسوب لابن عباس مطهرة؛ لأن هذا التطهير يتعدى منها إلى غيرها لمن حملها.

طالب: ...........

فهي مطهِّرة، والذي في الآية مطهَّرة يعني مقدسة، طهرها الله- جل وعلا- فالمعنى يختلف.

" والسفير الرسول والمصلح بين القوم والجمع سفراء مثل فقيه وفقهاء، ويقال للوراقين سفراء بلغة العبرانية، وقال قتادة: السفرة هنا هم القراء؛ لأنهم يقرؤون الأسفار، وعنه أيضًا كقول ابن عباس، وقال وهب بن منبه:                 عبس: ١٥ - ١٦  هم أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- قال ابن العربي: لقد كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سفرة كرامًا بررة، ولكن ليسوا بمرادين بهذه الآية، ولا قاربوا المرادين بها، بل هي لفظة مخصوصة بالملائكة عند الإطلاق، ولا يشاركهم فيها سواهم، ولا يدخل معهم. "

يعني كما في آية الواقعة    الواقعة: ٧٧.

طالب: ...........

نعم       الواقعة: ٧٩  وهم الملائكة، وهم الملائكة؛ لأنهم مطهرون جنس لا يقبلون خلاف هذا الوصف، لا يمكن أن يتصفوا بخلافه، مطهرون طهرهم الله من الأدناس والأرجاس الحسية والمعنوية، فهذا وصفهم الملازم لهم، من أهل العلم من يقول: إنه ليس فيها دليل على وجوب الطهارة لمس المصحف، وشيخ الإسلام يقرر أن فيها دليلاً على وجوب الطهارة لمس المصحف، وإن كان السياق في اللوح المحفوظ وأن المطهّرون هم الملائكة، يقول: إذا نُص على الملائكة وأنهم لا يمسونه إلا مع هذا الوصف الملازم لهم، فكيف بغيرهم ممن يقبل الوصف به وبعدمه؟ فيكون هذا من باب أولى.

طالب: ...........

والأصل كلاهما بالنسبة للمس منهما.

" بل هي لفظة مخصوصة بالملائكة عند الإطلاق، لا يشاركهم فيها سواهم، ولا يدخل معهم في متناولها غيرهم، وروي في الصحيح عن عائشة- رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة، ومثل الذي يقرؤه وهو يتعاهده وهو عليه شاق، وهو عليه شديد، فله أجران» متفق عليه، واللفظ للبخاري. "

مثل الذي يقرؤه ويتتعتع فيه، يعني ما يكون شاقًّا مع التعاهد، إنما مشقته مع التعتعة، ما أدري يتعاهده هي ثابتة أم..؟

طالب: ...........

نعم، لكن نقله أو النسخ والنساخ.... أعطنا التاسع.  

طالب: ...........

وما عندكم رقم؟ ماذا يقول؟

طالب: ...........

تسع مئة؟

طالب: ...........

فضائل القرآن بالتاسع، لكن يبدأ من ثمان وسبعين، هات الرقم الذي يقول إن وجدناه بالثامن، آخر الثامن...

هات يا أبا عبد الله...

طالب: ...........

نعم نفس اللفظ الصحيح، لكن يتتعتع فيه ثابت أيضًا، وهو الموافق للمشقة.

طالب: ...........

لفظ مسلم.

"       عبس: ١٦  أي كرام على ربهم قاله الكلبي، وقال الحسن: كرامٌ عن المعاصي فهم يرفعون أنفسهم عنها، وروى الضحاك عن ابن عباس في كرام قال: يتكرمون أن يكونوا مع ابن آدم إذا خلا بزوجته أو تبرّز لغائطه، وقيل: أي يؤثرون منافع غيرهم على منافع أنفسهم، بررة جمع بارّ مثل كافر وكفرة، وساحر وسحرة، وفاجر وفجرة ،يقال برٌّ وبارٌّ إذا كان أهلًّا للصدق، ومنه. "

لأن الصدق يهدي إلى البر، والكذب يهدي إلى الفجور.

" ومنه بر فلان في يمينه أي صدق، وفلان يبر خالقه ويتبرره أي يطيعه، فمعنى بررة مطيعون لله صادقون لله في أعمالهم، وقد مضى في سورة الواقعة قوله تعالى:               الواقعة: ٧٧ - ٧٩  أنهم الكرام البررة في هذه السورة. "

اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه...

"
يقول: هل يمكن أن يوجَّه قوله تعالى:((وَغَدَوْا عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ)) القلم: ٢٥ أن المشي على الحرد دلالة على الإسراع، والإنسان إذا أسرع يطأ على حرده ولا يطأ على قدمه كلها من شدة السرعة أم أن هذا غير متوجه؟

أولاً: متى يقال للرجل أحرد؟ إذا كان يطأ على ظهر قدمه، فهل مشيهم كذلك؟ وهل هذا له أثر في السرعة وعدمها؟ ما له أثر في السرعة، لكن ما معنى قوله: ((وَغَدَوْا عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ)) القلم: ٢٥ أما قادرين حال كونهم يزعمون قدرتهم على بستانهم ومزرعتهم، أما كونهم يمشون على حرد، ماذا قال القرطبي عنهم؟
في نفس الجزء لا لا، ابدأ من الجن يبدأ من الجن الجزء الذي معي التاسع عشر يبدأ من الجن، قبله الثامن عشر الثامن عشر.
يقول ((وَغَدَوْا عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ)) القلم: ٢٥ أي على قصد وقدرة في أنفسهم ويظنون أنهم تمكنوا من مرادهم، قال معناه ابن عباس وغيره، والحرد القصد حرَد يحرد بالكسر حرْدًا قصد، تقول: حردت حردك أي قصدت قصدك، وقال قتادة ومجاهد: على حرد أي على جد على حاجة وفاقة على حرد على منع، قاله أبو عبيدة، حاردت الإبل حرادًا حاردت الإبل أي قلت ألبانها.

هذا أيضًا يقول: كيف يجاب على قول من يقول: إن جلسة الاستراحة سنة لمن يحتاجها بدليل أنه ما ذكرها إلا مالك بن الحويرث- رضي الله عنه- وقد جاء متأخرًا، وكان رسول الله وقتها قد احتاج إليها، أما وائل فلم يذكرها مع أنه ذكر صفة صلاة رسول الله

هذا أيضًا يقول: كيف يجاب على قول من يقول: إن جلسة الاستراحة سنة لمن يحتاجها بدليل أنه ما ذكرها إلا مالك بن الحويرث- رضي الله عنه- وقد جاء متأخرًا، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقتها قد احتاج إليها، أما وائل فلم يذكرها مع أنه ذكر صفة صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلها؟
هذا كلام ابن القيم- رحمه الله-، وأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- لما بدّن احتاج إليها، لكن لم ينفرد مالك بن الحويرث بذكرها، بل جاءت في بعض طرق حديث المسيء، وهو في صحيح البخاري، فهل المسيء يحتاج إليها؟ المسيء من أين أتي؟ من عجلته وخفته، هل نقول إنه بدّن ويحتاج إليها؟ وأيضًا جاءت في بعض طرق حديث أبي حميد في صفة صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- كما قال ذلك ابن القيم وابن حجر، أما قولهم لمن احتاج إليها، فأنا أقول: إن الحاجة تدعو إلى تركها لا إلى فعلها؛ لأنها زيادة تكليف، ونحن ننظر عند من يكبر في السن وتضعف حركته أو يصاب بمرض في ركبته أو رجليه يحتاج إلى تركها، ما يحتاج إلى فعلها، تنظرون كبار السن أول ما ينهض بمقعدته مباشرة من السجود أو ثنيه رجليه ويجلس عليها ثم يقوم هذا من أصعب الأمور عليه.

هذا يقول: ما رأيك فيمن يستدل بكلام الشاطبي: لا يستطيع أحد تعلم المقاصد إلا من كان ريان بأصول الشريعة وفروعها على أن يجعل قراءة الموافقات من آخر العلوم قراءة، وإن كثيرًا لا يجيد تعلم وفهم المقاصد في هذا الزمن، وتصنيف بعض المؤلفين يجعل كل إمام له مقاصد خاصة

هو ما فيه شك أن كتاب الموافقات من أصعب المصنفات في أصول الفقه، بدليل أنك تفرغ من المسألة التي يقررها، وأنت في الغالب لا تستطيع أن تلم بأطرافها ومقصده منها، فليس على سَنن التأليف في أصول الفقه الذي جرت العادة عليه، والتدرج فيه من المتون الصغيرة إلى المتوسطة إلى الطويلة، يمكن ضبطها وإتقانها، بل هو كلام عام ومرسل وطويل، فكثير من طلاب العلم قد لا يستفيد منها، لكن إذا وفقوا بأحد يبين لهم بعض الإشكالات في الكتاب أدركوا منه خيرًا كثيرًا.