التعليق على الموافقات (1429) - 08

السلام عليكم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول المؤلف الإمام الشاطبي -رحمه الله تعالى-: المسالة السادسة: العمل إذا وقع على وفق المقاصد التابعة، فلا يخلو أن تصاحبه المقاصد الأصلية أو لا. فأما الأول؛ فعمل بالامتثال بلا إشكال، وإن كان سعيًا في حظ النفس. وأما الثاني؛ فعمل بالحظ والهوى مجردًا. والمصاحبة إما بالفعل، ومثاله".

مصاحبته المقاصد الأصلية يكون الأصل فيه أنه لحظ النفس، فإن صاحب حظ النفس مقصد أصلي يبتغى به وجه الله -جل وعلا-، فهذا لا إشكال فيه، وأنه يؤجر عليه، لكن إذا تجرد عن ذلك، حظ النفس تجرد فلا شك أنه عمل بالهوى؛ لأن النفس تهواه وتميل إليه دون حث من الشارع..

طالب: "والمصاحبة إما بالفعل، ومثاله أن يقول مثلاً: هذا المأكول، أو هذا الملبوس، أو هذا الملموس، أباح لي الشرع الاستمتاع به، فأنا أستمتع بالمباح، وأعمل باستجلابه؛ لأنه مأذون فيه، وإما بالقوة ومثاله: أن يدخل في التسبب إلى ذلك المباح من الوجه المأذون فيه، لكن نفس الإذن لم يخطر بباله".

إذًا هنا شيء يقال: له الفعل، وشيء يقال له: القوة القريبة من الفعل، فالذي يتناول المباحات مستحضرًا أن هذا مأذون له شرعًا في استعماله، ولو لم يؤذن فيه لم يقربه؛ هذا يؤذن على هذه النية، وشخص يستعمل المباحات من غير استحضار لهذه النية، لكنه عدل عن المحرمات، عدوله عن المحرمات إلى المباحات أيضًا هذا استحضار بالقوة القريبة من الفعل، يعني الفعل أن تكون النية موجودة في باله حينما استعمل هذا المباح، استعمل هذا المباح؛ لأنه مأذون له، ولو لم يؤذن فيه لم يقربه، استحضار مثل هذا لا شك أنه يؤجر عليه، عدول المكلف عن المحرم إلى المباح؛ هذا استحضار بالقوة القريبة من الفعل وإن لم من الفعل. لكن بين النية وبين الغفلة، بينهما تضاد، يعني غفل عن النية الصالحة، نعم هو لو كان محرمًا ما قرب منه ولا تناوله ولا استعمله، هذا كونه يشتغل بالمباح عن المحرمات من غير أن يخطر المحرم بباله ومن غير أن تخطر نية التقرب بفعل المباح على باله، هذا يؤجر عليه أو لا يؤجر؟ هل نقول: إنه متقرب بالقوة القريبة من الفعل أو نقول: إنه ما دام لا هذا، ولا هذا يخرج كفافًا لا له ولا عليه، يكفيه أنه استمتع بهذا المباح، وتعجله في دنياه؟

كلامه يدل على أن ما بالقوة القريبة من الفعل يُلحق بالفعل، يعني الإنسان حينما يستعمل المباح يستحضر أمورًا: أولاً أنه مأذون له به شرعًا.

 الثاني: أنه يتقرب به إلى الله -جل وعلا-.

 الثالث: أنه يستغني به عما حرم الله.

هذه أمور إذا استحضرها الإنسان فحظه وافر من الأجر، لكن إذا استحضر بعضها دون بعض إما لكونه مأذونًا به فقط، ولم يستحضر أنه ينشغل به عن محرم، أو لكونه يستمتع به ويتقوى به على طاعة الله -جل وعلا- بغض النظر عن كونه ينشغل به عما حرم الله عليه، فكل له نصيبه من هذه الأمور.

طالب: "وإنما خطر له أن هذا يُتوصل إليه من الطريق الفلاني، فإذا توصل إليه منه فهذا في الحكم الأول، إذا كان الطريق التي تُوصِل إلى المباح من جهته مباحًا إلا أن المصاحبة بالفعل أعلى، ويجري غير المباح مجراه في الصورتين".

نعم. "يجري غير المباح"، الواجب، المستحب، المكروه، المحرم، كلها يؤجر فيها بقدر نيته المصاحبة له بالفعل، أو بالقوة القريبة من الفعل على ضوء ما تقدم.

طالب: "فإذا تقرر هذا، فبيان كونه عاملاً بالحظ والامتثال أمران؛ أحدهما: أنه لو لم يكن كذلك، لم يجز لأحد أن يتصرف في أمر عادي حتى يكون القصد في تصرفه مجرد امتثال الأمر، من غير سعي في حظ نفسه ولا قصد في ذلك".

يعني مصاحبة هذه الأمور المباحة لما ينتفع به الإنسان، لما ينتفع به الإنسان، هذه أمور مباحة. كون الإنسان يعدل عن الحرام إلى المباح، وكونه يمتثل فيها هذا الحكم الشرعي الذي هو الإباحة، وكونه يستعين بها على طاعة الله؛ هذه أمور مفروغ منها. لكن كون هذه الأمور المباحة فيها نفع دنيوي يؤثر في هذا القصد وفي هذه النية أو لا؟ يعني أنت عدلت من الحنظل إلى السكر لماذا؟ هل هما مستويان عندك؟ ليسا بمستويين، أنت عدلت لأن هذا تتلذذ به، وهذا تتضرر به، هذا النفع المعجل هل يؤثر على القصد الأصلي؟ يؤثر أم ما يؤثر؟ يعني كونها تشتمل على ما ينتفع به الإنسان في دنياه مؤثر على النية الأصلية أو غير مؤثر؟ لا يؤثر، لو كانت مؤثرة لما جعله الله -جل وعلا- فيها.

 ونظير ذلك ما جاء مع الترغيب في بعض الأعمال أو الأقوال من نفع دنيوي، يعني كون الإنسان يصل رحمه امتثالاً لأمر الله -جل وعلا- وأمر رسوله، وخوفًا من غضبه وعقابه، هذا هو الأصل، لكنه كونه يلتفت إلى ما جاء بالخبر: «من سره أن ينسأ له في أجله، ويبسط له في رزقه»، هذا يؤثر في النية أم ما يؤثر؟ لا يؤثر، لماذا؟ لأنه لو كان مؤثرًا لما نُص عليه من قِبل الشارع، ونص عليه من قبل الشارع؛ ليقصد، إضافة إلى القصد الأصلي، وإلا فيكون الأمر فيه استحاله، يعني كونك ترغب في شيء تذكره بحرفه ثم تقول: لا تقصده، هذا. مثل ما قالوا: إن قصد النية مستحيل، يعني لو أمر الناس، كلف الناس أن يقصدوا النية، النية أصلها مقصودة، يعني أنت ما عملت هذا العمل متقربًا به إلا الله -جل وعلا- إلا بنية الامتثال، يعني أنت ذهبت إلى المواضئ وتوضأت، النية موجودة، فكونك توجد الموجود مستحيل، ولذا شرطوا في الواجب ما يجب فعله أن يكون معدومًا، أما إذا كان موجودًا فلا يمكن أن يوجد، إذا كان موجودًا لا يمكن أن يكون موجودًا.

 يعني إنسان صلى صلاة مجزئة مسقطة للطلب، فيقال له: صل، يقول: صليت! يجب عليك أن تصلي الظهر؟ صليت. إيجاد الموجود مستحيل، لكن الذي يُطلب وجوده هو المعدوم، فكونك توجد نية موجودة هذا مستحيل، وكونك أيضًا تنصرف عن شيء جعلك الشرع تلاحظه فيكون هذا من باب التناقض، يعني أنت جاء في الخبر: «من سره أن يبسط في رزقه، وينسأ له في أثره»، نقول: لا تستحضر هذا، خلها خالصة لله -جل وعلا-، اجعل نيتك خالصة لله- جل وعلا-، اترك أمر الدنيا. الشارع جعلني ألحظه؛ ولذلك نص عليه، فكيف يصرفني عنه؟ هذا لا يمكن أن يحصل.

ومما يُذكر عند بعض الطوائف أنك تعبد الله -جل وعلا- لا تنظر إلى مسألة جنة أو نار! يعني لماذا ذُكرت الجنة وعظِّم من شأنها، وذكرت النار وهوِّل من أمرها؟ إلا أن قصدها لا يؤثر، يستدلون بآخر آية في سورة الكهف: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]، يقولون: لا يلتفت لا إلى جنة ولا إلى نار. نقول: هذا مستحيل، ولولا أنه يجوز الالتفات إليها لما ذُكرت في النصوص.

الأمر الثاني أن الالتفات للجنة هل هو التفات للجنة لذاتها بدون موجدها، والالتفات إلى النار لذاتها بدون موجدها؟ هذا لا يمكن، يعني إذا رأيت شخصًا بيده عصا أو سيف، أنت تخاف من السيف أو من بيده السيف؟ من بيده السيف، أنت لا تخاف من السيف، أنت لا تخاف من السيف. فأنت لا تخاف من النار لذاتها، إنما تخاف ممن يعذب بالنار، وتخاف أيضًا وترجو من يمنحك هذا النعيم المقيم في دار كرامته.

طالب: "أحدهما: أنه لو لم يكن كذلك لم يجز لأحد أن يتصرف في أمر عادي حتى يكون القصد في تصرفه مجرد امتثال الأمر، من غير سعي في حظ نفسه ولا قصد في ذلك، بل كان يمتنع للمضطر أن يأكل الميتة حتى يستحضر هذه النية، ويعمل على هذا القصد المجرد من الحظ، وهذا غير صحيح باتفاق".

العكس، يعني لو حصل الأكل من الميتة بحضور المذكاة، لو حصل الأمر الشرعي بالأكل من الميتة التي تغيرت، يعني الميتة التي يأكلها الناس من غير المسلمين ولا يفرقون بينها وبين المذكاة، هذا الجبلة قد تدعو إليه. لكن الأكل من الميتة المتغيرة التي تكرهها النفوس وتعافها وبجوارها مذكاة طيبة. يعني لو أُمر شرعًا أن يأكل من هذه الميتة، استحضاره لنية الامتثال حتمي، لماذا؟ لأنه لا يوجد لهذا الفعل ما يدفعه من غريزة وطبيعة وجبلة، لكن أكل الميتة للمضطر قد يغفل؛ لأن همه بقاء نفسه، بقاء النفس، ومع ذلك عليه أن يمتثل؛ ليكون أجره أوفر، وإذا قصد بقاء النفس وبقاءُ النفس مطلوب شرعًا، فهو أيضًا مقصد شرعي، لكنه دون المقصد الذي هو أصل ما أُمر به والامتثال.

طالب: ويدل على الامتثال أنه لا يأكل إلا ما يبقي نفسه منها.

هذه مسألة خلافية هل يشبع أو لا يشبع، أو يتزود أو لا يتزود؟ هذه المسألة معروفة عند أهل العلم.

طالب: .......

لا، هو عندك ثلاث نوايا مثل ما ذكرنا، ثلاثة أمور: قصد المباح وأنه مأذون له فيه شرعًا، الأمر الثاني التقرب به إلى الله -جل وعلا-، والثالث؟

طالب: الاستغناء به عن الحرام.

الاستغناء به عن الحرام، هذه نيته قد تزيد؛ لأن بعض الناس يوفق لاستحضار أمور أكثر من بعض، فإذا استحضر الأمور مكتملة كان أجره أوفر، ومتى نقص من هذه الأمور. مثل مقاصد النكاح: الناس يتفاوتون في أغراضهم وأهدافهم، منهم من يستحضر جميع الحكم والمصالح التي من أجلها شُرع النكاح، فيؤجر بقدرها، ومنهم من همه شيء واحد يؤجر بقدره.

طالب: .......

إذا كان فعله للمباح مقرونًا بالقوة القريبة من الفعل، قلنا: الفعل نية الامتثال لهذه الإباحة، في قرارته هو استحضر هذه النية، في الصورة الثانية في القوة القريبة من الفعل هو غافل عن هذه النية بلفظها، لكن معناها موجود أنها لو كانت، يعني مضمونه: أنها لو كانت محرمة ما اقترب منها.

طالب: .......

كيف؟

طالب: .......

هذه أمور النوايا أمور خفية والمقاصد، يعني تختلف وتتباين بين الناس تباينًا تامًّا، فهذه الأمور بقدر ما يقرب في قلبك من امتثال ومن استعانة ومن غفلة عما حرم الله يكون أجرك أوفر. قد لا تستحضر النية بحروفها، أنك تستعمل هذا؛ لأنه مأذون فيه شرعًا، إنما عدولك عن المحرم، نعم، عدولك عن المحرم إليه هو في ذاته نية، لكن ليست مثل النية المستحضرة بدقة، يعني قريبة من الفعل.

طالب: "ولم يأمر الله تعالى ولا رسوله بشيء من ذلك، ولا نهى عن قصد الحظوظ في الأعمال العادية على حال، مع قصد الشارع للإخلاص في الأعمال وعدم التشريك فيها، وأن لا يلحظ فيها غير الله تعالى، فدل على أن القصد للحظ في الأعمال إذا كانت عاديةً لا ينافي أصل الأعمال".

يعني مثل ما ذكرنا في الأمور التي فيها مصالح قريبة، ودلت النصوص عليها أو دلت طبيعتها عليها، مثل ما مثلنا بالحلو والمر.

طالب: "فإن قيل: كيف يتأتى قصد الشارع للإخلاص في الأعمال العادية وعدم التشريك فيها؟ قيل: معنى ذلك أن تكون معمولةً على مقتضى المشروع، لا يُقصد بها عمل جاهلي، ولا اختراع شيطاني، ولا تشبُّه بغير أهل الملة، كشرب الماء أو العسل في صورة شرب الخمر، وأكل ما صُنع لتعظيم أعياد اليهود أو النصارى وإن صنعه المسلم، أو ما ذُبح على مضاهاة الجاهلية، وما أشبه ذلك مما هو نوع من تعظيم الشرك. كما روى ابن حبيب عن ابن شهاب أنه ذكر له أن إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي أجرى عينًا، فقال له المهندسون عند ظهور الماء: لو أهرقت عليها دمًا كان أحرى أن لا تغيض ولا تهور فتقتل من يعمل فيها. فنحر جزائر حين أرسل الماء".

عندي: "لا تغيض ولا تهور ولا تزيد في فورانها فتقتل من يقترب منها"، نعم، تكون بقدر الحاجة.

طالب: "فنحر جزائر حين أُرسل الماء، فجرى مختلطًا بالدم، وأمر فصنع له ولأصحابه منها طعام، فأكل وأكلوا، وقسم سائرها بين العمال فيها، فقال ابن شهاب: بئس والله ما صنع، ما حل له نحرها ولا الأكل منها، أمَا بلغه أن رسول الله نهى أن يذبح للجن؛ لأن مثل هذا وإن ذكر اسم الله عليه مضاهٍ لما ذُبح على النصب وسائر ما أهل لغير الله به".

يعني كونه يلحظ هذا الملحظ، ويذبح ما أُمر بذبحه من أجل أن يخرج الماء بقدر الحاجة من غير زيادة ولا نقص ولا ضرر بسبب القلة، ولا ضرر بسبب الزيادة، ما الذي يجعلها تكون على هذا المستوى؟ هو الله -جل وعلا-، إن استحضر أنه هو الله -جل وعلا-، وأن الذبح إنما هو لشكر الله -جل وعلا-، يختلف عما إذا قصد بذلك، لم يلحظ أن الله -جل وعلا- هو الذي يجعلها على هذه الصفة ولم يتقرب إلى الله بهذه الذبائح لتكون على هذه الصفة شكرًا لله- جل وعلا- الذي جعلها. كونه يذبح قبل أن تكون، هذا دليل على أنه شكر أم بذل سبب؟

طالب: بذل سبب.

نعم. بذل سبب، يدل على أنه بذل سببًا. لكن لو مشت لمدة سنة على وجه لا زيادة ولا نقص ثم ذبح شكرًا لله -جل وعلا-، ووزع على الفقراء والمساكين، فيه إشكال أم ما فيه إشكال؟

طالب: ما فيه إشكال.

نعم. شكرًا لله -جل وعلا- ما فيه إشكال، يعني بعد سنة جُربت، ووجدت على المطلوب، فهذه نعمة حصلت له يشكر الله -جل وعلا-، لكن كونه يذبح قبل ذلك لتكون هذا سبب، وهل هو سبب شرعي أو عادي لتكون على هذا المستوى؟ ليس بسبب لا شرعي ولا عادي، وإنما هو محض الشرك إذا ذبح لتكون، هذا هو محض الشرك.

طالب: "وكذلك جاء النهي عن معاقرة الأعراب، وهي أن يتبارى الرجلان فيعقر كل واحد منهما يجاود به صاحبه، فأكثرهما عقرًا أجودهما".

يعني لا لله -جل وعلا-، ما ذُبح لله ولا قُصد به التقرب إلى الله، وإنما هو للمباهاة.

طالب: "نُهي عن أكله؛ لأنه مما أهل لغير الله به، قال الخطابي: وفي معناه ما جرت به عادة الناس من ذبح الحيوان بحضرة الملوك والرؤساء عند قدومهم البلدان، وأوان حوادث يتجدد لهم، وفي نحو ذلك من الأمور".

يعني فرق بين أن يُذبح للملوك والرؤساء من باب الإكرام والضيافة من غير زيادة فيما على الكفاية فيدخل في حيز السرف، هذا شيء مما يُذبح للضيافة، هذا ما فيه إشكال، وما يُذبح بمناسبة قدومهم، ولم يُلحظ فيه الضيافة، يعني جُعل سبب الذبح هو القدوم لا الإكرام والاستضافة، فهذا من هذا النوع.

طالب: "وخرج أبو داود: «نهى -عليه الصلاة والسلام- عن طعام المتباريين أن يؤكل»، وهما المتعارضان ليُرى أيهما يغلب صاحبه، فهذا وما كان نحوه إنما شُرع على جهة أن يُذبح على المشروع بقصد مجرد الأكل، فإذا زِيد فيه هذا القصد، كان تشريكًا في المشروع، ولحظًا لغير أمْر الله تعالى، وعلى هذا وقعت الفتيا من ابن عتاب.

من ابن عتَّاب.

من ابن عتَّاب بنهيه عن أكل اللحوم في النيروز، وقوله فيها: إنها مما أُهل لغير الله به، وهو باب واسع.

والثاني: أنه لو كان قصد الحظ مما ينافي الأعمال العادية، لكان العمل بالطاعات وسائر العبادات رجاءً في دخول الجنة، أو خوفًا من دخول النار، عملاً بغير الحق، وذلك باطل قطعًا، فيبطل ما يلزم عنه. أما بيان الملازمة؛ فلأن طلب الجنة أو الهرب من النار سعي في حظ".

يعني لا يدخل مثل هذا ما يُعرف بالتداخل، ويكون المذبوح لأكثر من قصد، اجتمعت أضحية وعقيقة، اجتمع كفارات يقصد بها أكثر من شيء، هذه كلها مما يُتقرب به إلى الله -جل وعلا- سواء كانت بنية واحدة أو بنيات، لا يدخل فنقول: هذا تشريك، لكن لو جاءه ضيف ثم ذبح عقيقة لولده، وقدمها لهذا الضيف من غير أن يخبره، والضيف والحضور كلهم يظنون أنها إنما قُدمت لإكرام هذا الضيف، وهي في الأصل عقيقة، وهذا يفعله بعض الناس، يعني إن قال: هذه عقيقة لفلان، ولدي فلان أو بنتي فلانة، هذا ما فيه إشكال، لكن تُقدم على أنها ضيافة يُمدح بها وهي في الحقيقة عقيقة، تكون النية فيها ما فيها، وحينئذ لا يبرأ من العتب حتى يبين.

طالب: "أما بيان الملازمة، فلأن طلب الجنة أو الهرب من النار سعي في حظ، لا فرق بينه وبين طلب الاستمتاع بما أباحه له الشارع، وأذن له فيه من حيث هو حظ، إلا أن أحدهما عاجل، والآخر آجل، والتعجيل والتأجيل في المسألة طردي، كالتعجيل والتأجيل في الدنيا لا منافسة فيها، ولما كان طلب الحظ الآجل سائغًا كان طلب العاجل أولى بكونه سائغًا، ولما كان طلب الحظ الآجل سائغًا كان طلب العاجل أولى بكونه سائغًا".

"ولما كان طلب الحظ الآجل سائغًا"، "الحظ الآجل" مثل النعيم في الجنة، يعني بعض الناس يجعل همه في أموره كلها أن يدخل الجنة، ويتلذذ بما فيها، غافلاً عن كونه يعمل بما يرضي الله -جل وعلا-، ويقربه إليه، ووُجد دورة تتعلق بالجنة وأحكامها وكُتب عنوان الدورة: غايتي! بالإعلانات موجود، كُتب: غايتي، وأنا تكلمت في بداية ما يخصني من أحكام الجنة عن هذا العنوان، وأنه يختلف؛ لأن الغاية هي رضا الله -جل وعلا-، مع استحضار ما جعله الله -جل وعلا- نتيجة لهذه الغاية من النعيم المقيم والخلاص من العذاب. بعض الناس يستحضر في عبادته أنه يحصل في الجنة على الحور، ولا عنده أكثر من هذا؛ لأن همه أو جل همه وقصده النساء، وجاء في أوصاف الحور ما يغري بهن، وهذا قصد، لولا أنه مأذون به، لما نُص عليه. لكن هل جعلُ الحور غاية أولى من جعلِ التلذذ بالنظر إلى وجه الله الكريم الذي هو أعظم ما يُتلذذ به بالجنة، أيهما أولى؟ لا شك أن النظر إلى الله -جل وعلا- في دار كرامته أولى ما ينبغي أن يُجعل نصب العينين، وما يأتي من ذلك تبع له.

"ولما كان طلب الحظ الآجل سائغًا كان طلب العاجل أولى بكونه سائغًا"، نقول: أولى طلب العاجل في أمور، في امتثال الأوامر الشرعية إذا كان مما نُص عليه لا يؤثر، وإذا كان غير منصوص عليه فإنه يؤثر، ولو كان لا يؤثر لما نُص عليه. أما في أمور الدنيا والمقاصد التبعية التي يُقصد فيها الحظ للنفس، فهذا لا يؤثر مطلقًا.

طالب: ........

هذا قصد الامتثال. نعم.

طالب: ........

لا، ما تداخل؛ لأنه يُظهر للناس أن هذه العقيقة إنما هي لهذا الضيف، نظير لو أن شخصًا مثل ما نذكره في مثال إظهار خلاف ما في الواقع، الظاهر قربة، والواقع ليس بقربة، يعني مثل هذا اليوم لو أن شخصًا دخل الآن، ومعه كيس، وفيه تمر وقهوة وسماط وأشياء وماء، وجعل السماط بجهة، وانتظر حتى يؤذن وقال: تفضلوا الله يحييكم وهو ما صام، هو يريد إكرامكم بهذا، إكرامكم ما فيه شك أنه قربة ويؤجر عليه، لكن إظهاره أن هذا التقرب إلى الله -جل وعلا- على هذه الكيفية وهذه الطريقة، هل هو مناسب للواقع أو غير مناسب؟ الظاهر أنه صائم وهو غير صائم؛ لأن هذه أمور وخفايا ودقائق، الأكل المسجد مباح، والانتظار إلى الأذان أيضًا مباح، لا أحد يلزمه بأن يأكل قبل الأذان، لا أحد يلزمه، يقال: والله ما أنا محتاج إلى الأكل والشرب إلا إذا أذن، نقول: كونك تقرن هذا بهذا دليل على أنك تظهر للناس خلاف ما تبطن، فيُذم من هذه الحيثية.

فإذا قدم العقيقة لضيوف، يعني قدموا من بعيد، والأصل أنهم يكرمون، يعني لو ذبح هذه العقيقة وقدمها لأناس يكرمهم بها ولم تجر العادة بأنهم يُكرَمون على هذه الطريقة، ذبح العقيقة واستدعى الجيران والأقارب وكذا وعزمهم، يعني أقل مما لو أكرم بها ضيفًا قريبًا؛ لأن النيات تقرب وتبعد عن المقصود، يعني بيتسائلون الناس: لماذا ذبح الذبيح وعزم الجيران والأقارب وكذا؟ يعرفون أنه ما جرت عادته بذلك، لكن جرت عادته أنه إذا جاء ضيف يكرمه غريب هنا يؤثر.

طالب: "وأما بطلان التالي، فإن القرآن قد جاء بأن من عمل جوزي، واعملوا يدخلكم الجنة، واتركوا تدخلوا الجنة، ولا تعملوا كذا فتدخلوا النار، ومن يعمل كذا يُجز بكذا، وهذا بلا شك تحريض على العمل بحظوظ النفوس، فلو كان طلب الحظ قادحًا في العمل، لكان القرآن مذكرًا بما يقدح في العمل، وذلك باطل باتفاق، فكذلك ما يلزم عنه. وأيضًا، فإن النبي كان يسأل عن العمل الذي يدخل الجنة ويُبعد من النار، فيخبر به من غير احتراز ولا تحذير من طلب الحظ في ذلك، وقد أخبر الله تعالى عمن قال: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [الإنسان: 9]، بقولهم: {إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا} [الإنسان: 10]".

يعني هذه غاية ما يكرم به وما يطعم به من يحتاج إلى الطعام: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [الإنسان: 9]، لو أن شخصًا قدم إلى بلده غريبٌ، فأكرمه، خرج هذا الغريب من عنده يسبه ويذمه، وآخر خرج منه يمدحه ويثني عليه، إن تأثر بالسب أو بالمدح ما دخل في هذه الآية: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [الإنسان: 9]، لا مدح ولا، تأثر بالذم فنقص هذا خدش في تقربه إلى الله -جل وعلا-، إن تأثر بالمدح وزاد، صار ما يمدحه بالمجالس قال: الله يحييك غدًا، من أجل أنه مدح، أو سمع الذم، فجاءه مرة ثانية فلم يكرمه؛ هذا تأثر بالذم لا يدخل في هذه الآية. ولذا يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى-، وإن كان هذا من أشق الأمور على النفوس، ابن القيم يقول: "إذا حدثتك نفسك بالإخلاص فاعمد إلى حب المدح والثناء فاذبحه بسكين يقينك أنه لا أحد ينفع مدحه ولا يضر ذمه إلا الله- جل وعلا-"، دعه يمدح أو يذم على كيفه، ولا تتأثر لا زيادة ولا نقص.

ولما قال الأعرابي للنبي -عليه الصلاة والسلام-: أعطني يا محمد فإن مدحي زين وذمي شين، قال: «ذاك الله». فإن كان الإنسان يتأثر بمثل هذه الأمور، ولا أظن أنه ينفك منها إلا القليل النادر، الناس التي تتأثر المتورطون فيها منغمسون من أخمص القدمين إلى الهام، ولا أظن أن ينفك منها إلا القليل النادر؛ لأن حياتنا كلها صارت مبنية على مراعاة المدح ومجانبة الذم، حتى صار بعض من ينتسب إلى العلم لا يقبل النقد؛ لأنه يظنه ذمًّا، تنقيصًا من مقامه، يعني الآن النقد ثقيل على النفوس لماذا؟ هو في الأصل نصيحة يُهدي إليك عيوبك، فينبغي أن تفرح به أشد الفرح، الآن لا يصير عداوة، لو تنتقد أحدًا وتبين له شيئًا من عيوبه صارت عداوة.

طالب: تنزل من مقامه.

ما هو مسألة، خلاص انتهي ولو كان أحب الناس إليه.

طالب: هو يرى ذلك أنه نقصًا من منزلته عند الناس عندما تنصحه بهكذا.

لا، النية مدخولة في الطرفين، حتى الطرف الثاني تجد عنده شيء، يعني لا يبرأ الثاني، قد لا يكون هدفه النصح بقدر ما يكون عنده شيء من إرادة هضم هذا الشخص والتعالي عليه وإحراجه؛ لأن الأمور مدخولة من كل الجهات، وما كان الناس يرضون بكلمة مدح أو كلمة ثناء، وينكرونها أشد الإنكار لا سيما في بلادنا هذه التي عرفناها من أن شأن أمر البلدان الأخرى ما ندري عنهم، لكن لما وفد علينا من وفد وصار المدح سهلًا، كل واحد يمدح في وجهه صارت عادة، وساهمت هذه الشهادات والرسائل وغيرها ساهمت في تضخيم هذا الأمر، تجد المشرف يمدح الطالب والطالب يمدح المشرف والمناقش يمدح، ويُمدح، وإذا أُبدي أدنى ملاحظة غضب الطالب، وغضب المشرف! ما يقبلونها بارتياح، هذا من هذا النوع، يعني إلى أن وصل الأمر بشخص من الشباب عنده محاضرة، فالذي يقدم، كلاهما جالس يعني على الطاولة، وطالب العلم الذي يحاضر وهذا المقدم، بدأ يقدم فناوله ورقة، هذه الورقة فيها ترجمة لهذا الشاب، وليته سكت بعد، لما قرئت الترجمة وله من الأعمال والأفعال مؤلفاته ومشارك في كذا وكذا، لما انتهى قال له: هداك الله يا أخي، ألا تدري أن المدح كذا وكذا، قطعت عنق صاحبك، وأنا لا أرضى بمثل هذا الكلام!

 يعني غاية في السوء، يعني إذا كان هناك، لا شك أن النيات لا يعلمه،ا وما في القلوب لا يعلمه إلا علام الغيوب، لكن هناك قرائن تدل على خبث في النيات، يعني إذا وصل بنا الأمر إلى هذا الحق فماذا بقي لنا؟ لأن مدار الأعمال كلها على النيات؛ «إنما الأعمال بالنيات».

طالب: ........

كيف؟

طالب: ........

هو جاءت بعض النصوص وفيها أن النبي مدح بعض الصحابة في وجهه، وقالوا: إن هذا في حق من لا يتأثر بالمدح، كونه تأثر لا شك أن هذا أثر في نفسيته، ورأى أن له مما يستحقه من هذه الأمور، لكن المطلوب في المقابل هضم النفس، هضم النفس هو المطلوب. الشيخ ابن سعدي -رحمه الله- في تفسيره في أواخر سورة آل عمران: {وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} [آل عمران: 188]، يقول: إذا مُدح بما يفعل، يعني مفهوم الآية: إذا أحب أن يُمدح بما لم يفعل فهذا مذموم، لكن إذا أحب أن يُمدح بما فعل بمفهوم الآية أنه لا يُذم وجاء في ذلك بشرى أو «عاجل بشرى المؤمن». لكن على الإنسان أن هذا مزلق خطير إذا تطور لا شك أن له أثرًا كبيرًا على القلب.

طالب: لو قلنا.......

يعني نظير ما حصل لأبي بكر مع مسطح، لما ساهم وشارك مسطح في قصة الإفك، وكان أبو بكر ينفق عليه، آل وحلف أن لا ينفق عليه، فجاء قول الله -جل وعلا-: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا} [النور: 22]، فكفر عن يمينه واستمر ينفق عليه. لا شك أن مثل هذا يؤثر على النفس، النفس مجبولة على هذا، لكن لا يسترسل في مثل هذا، ولا يبادله بمثل ما وقع منه، ولا يتغير تصرفه تجاهه لا سلب ولا إيجاب.

طالب: "وفي الحديث: «مثلكم ومثل اليهود والنصارى كمثل رجل استأجر قومًا...» إلى آخر الحديث، وهو نص في العمل على الحظ. وفي حديث بيعة الأنصار قولهم للنبي : اشترط لربك، واشترط لنفسك، فلما اشترط، قالوا: فما لنا؟ قال: «الجنة»، الحديث. وبالجملة، فهذا أكثر من أن يحصى، وجميعه تحريض على العمل بالحظ".

يعني جاء في بعض النصوص من الكتاب والسنة أن الجزاء {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}، يعني الجزاء بالجنة {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 43]، وجاء عنه -عليه الصلاة والسلام-: «إنه لن يدخل أحدٌ -أو أحدًا- منكم عمله الجنة»، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله بفضله ورحمته، بفضل منه ورحمة». أصل الدخول إنما هو برحمة الله -جل وعلا-، والمنازل المتفاوتة: {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 43]، هذا للتوفيق بين هذه النصوص.

طالب: "وإن لم يقل: اعمل لكذا، فقد قال: اعمل يكن لك كذا، فإذا لم يكن مثله قادحًا في العبادات، فأولى أن لا يكون قادحًا في العادات. فإن قيل: بل مثل هذا قادح في العمل بالنص والمعقول. أما المعقول، فإن العامل بقصد الحظ قد جعل حظه مقصدًا، والعمل وسيلةً؛ لأنه لو لم يكن مقصدًا لم يكن مطلوبًا بالعمل، وقد فرضناه كذلك، هذا خُلْف. وكذلك العمل لو لم يكن وسيلةً لم يُطلب الحظ من طريقه، وقد فرضناه أنه يعمله ليصل به إلى غيره، وهو حظه، فهو بالنسبة إلى ذلك الحظ وسيلة، وقد تقرر أن الوسائل من حيث هي وسائل غير مقصودة لأنفسها، وإنما هي تبع للمقاصد، بحيث لو سقطت المقاصد سقطت الوسائل، وبحيث لو تُوصل إلى المقاصد دونها لم يُتوسل بها، وبحيث لو فرضنا عدم المقاصد جملةً لم يكن للوسائل اعتبار، بل كانت كالعبث، وإذا ثبت هذا فالأعمال المشروعة إذا عُملت للتوصل بها إلى حظوظ النفوس، فقد صارت غير متعبَّد بها إلا من حيث الحظ، فالحظ هو المقصود بالعمل لا التعبد، فأشبهت العمل بالرياء لأجل حظوظ الدنيا من الرياسة والجاه والمال وما أشبه ذلك، والأعمال المأذون فيها كلها يصح التعبد بها إذا أُخذت من حيث أُذن فيها، فإذا أُخذت من جهة الحظوظ سقط كونها متعبَّدًا بها، فكذلك العمل بالأعمال المأمور بها والمتعبَّد بها كالصلاة والصيام وأشباههما، ينبغي أن يَسقط التعبد بها.

 وكل عمل من عادة أو عبادة مأمور به فحظ النفس متعلق به، فإذا أُخذ من ذلك الوجه لا من جهة كونه متعبَّدًا به سقط كونه عبادةً، فصار مهمل الاعتبار في العبادة، فبطل التعبد فيه، وذلك معنى كون العمل غير صحيح. وأيضًا، فهذا المأمور أو المنهي بما فيه حظه، يا ليت شعري ما الذي كان يصنع لو ثبت أنه عري عن الحظوظ؟!".

يعني "الحظوظ" العاجلة والآجلة، يعني هذا عمل مأمور به عارٍ عن الحظ العاجل والآجل، ما فائدة امتثال هذا الأمر؟ يعني هل يتصور مثل هذا؟

طالب: صعب.

نعم، هو لا يوجد في الشريعة، ما وُجد في الشريعة، لكن لو تُصور وقوعه: ما فيه حظ لا عاجل ولا آجل ولا ثواب ولا عقاب، ما قيمة الامتثال؟ له قيمة الامتثال؟

طالب: .......

الآن ما فيه لا رضا ولا غضب، لا فيه حظ ثواب لا عاجل ولا آجل ولا فيه عقاب، ما يُتصور.

طالب:

"هل كان يلزمه التعبد لله بالأمر والنهي أم لا؟ فإذا كان من المعلوم أنه يلزمه، فالمأمور به والمنهي عنه بلا بُدٍّ مقصود في نفسه لا وسيلة، وعلى هذا نبه القائل بقوله:

هب البعث لم تأتنا رسله ... وجاحمة النار لم تُضرم

أليس من الواجب المستحق ... ثناء العباد على المنعم"

يعني افترضنا أنه ليس هناك جنة ولا نار، لكن وُجد خالق رازق مدبر محيي مميت، يعني أليس من حقه أن يُشكر ولو لم يكن هناك جنة ولا نار؟

طالب: "ويعني بالوجوب بالشرع، فإذا جُعل وسيلةً أُخرج عن مقتضى المشروع، وصار العمل بالأمر والنهي على غير ما قصد الشارع، والقصد المخالف لقصد الشارع باطل، والعمل المبني عليه مثله، فالعمل المبني على الحظ كذلك. وإلى هذا، فقد ثبت أن العبد ليس له في نفسه مع ربه حق، ولا حجة له عليه، ولا يجب عليه أن يطعمه، ولا أن يسقيه، ولا أن يُنعمه، بل لو عذب أهل السماوات والأرض لكان له ذلك بحق الملك: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} [الأنعام: 149]، فإذا لم يكن له إلا مجرد التعبد، فحقه أن يقوم به من غير طلب حظ، فإن طلب الحظ بالعمل لم يكن قائمًا بحقوق السيد بل بحظوظ نفسه. وأما النصوص الدالة على صحة هذا النظر، فالآيات والأحاديث الدالة على إخلاص الأعمال لله، وعلى أن ما لم يُخلص لله منها فلا يقبله الله، كقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]، وقوله: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]، وفي الحديث: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك»، وفيه: «فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه»، أي: ليس له من التعبد لله بالأمر بالهجرة شيء، فإن كل أمر ونهي عقل معناه أو لم يعقل معناه، ففيه تعبد حسبما يأتي إن شاء الله، فالعامل لحظه مسقِط لجانب التعبد.

 ولذلك عد جماعة من السلف المتقدمين العاملَ للأجر خديم السوء وعبد السوء، وفي الآثار من ذلك أشياء، وقد جمع الأمر كله قوله تعالى: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر: 3]. وأيضًا: فقد عد الناس من هذا ما هو قادح في الإخلاص ومدخل للشوب في الأعمال، فقال الغزالي: كل حظ من حظوظ الدنيا تستريح إليه النفس، ويميل إليه القلب قل أم كثر، إذا تطرق إلى العمل تكدر به صفوه وقل به إخلاصه".

يعني من باب أن هذا التلذذ من باب تعجيل بعض الأجر، يعني فيقل بذلك إخلاصه وتبعًا لذلك يقل أجره، من باب تعجيل بعض الأجر. لكن ماذا عمن يتلذذ بالعبادة ويراها متعته وأنسه: «وجُعلت قرة عيني في الصلاة»، إذا كان ... كلام الغزالي، إذا كان يتلذذ بالعبادة، ولن يصل إلى هذه المرحلة حتى يجاوز مرحلة شاقة، وهي الامتحان والابتلاء، إذا تجاوز هذه المرحلة الجهاد جهاد النفس وقع في التلذذ وصارت الصلاة متعته وأحب إليه من كل حبيب، وكذلك سائر العبادات إذا كان جاهد نفسه على الصيام تجده يتلذذ بالصيام، على التلاوة على الذكر على الحج على الجهاد تجده يتلذذ به، هذا نقول: لأنه لكونه غير شاق على النفس ينقص أجره ويخدش في إصلاحه؛ لأنه يزاول ما يتلذذ به ويستمتع به؟ لا.

أهل العلم يختلفون فيمن تكون العبادة عليه شاقة، يعني ما زال في مرحلة المجاهدة، وبين من يتلذذ بالعبادة أيهما أفضل؟ وبعضهم يقول: إذا كانت العبادة شاقة كان أفضل؛ لأنه يؤجر على المجاهدة وعلى العبادة، والثاني تجاوز مرحلة المجاهدة فلا يؤجر عليها. لكن الصواب أنه إذا وصل إلى مرحلة التلذذ كان أجره أعظم، وهذه حاله -عليه الصلاة والسلام-، ومثله مثل القرآن الذي يقرأه وهو شاق عليه له أجران، والماهر به مع السفرة الكرام البررة، لا يوجد مشقة، بل قد يتلذذ بقراءة القرآن.

طالب: .......

ومثله العلم، إذا كان يجاهد نفسه على العلم له أجر طلب العلم، وله أجر هذا الجهاد، لكن إذا كان يتلذذ فلا شك أنه تجاوز المرحلة، يعني مرحلة ثانية بعد مرحلة المجاهدة. ونجد من يُعلم، بعض من يعلم فُتح له في هذا الباب وصار يتلذذ فيه، وعنده استعداد أن يعلم الناس جميع الأوقات، وبعضهم من يحتاج إلى جهاد في كل درس، بل في كل جملة بل في كل حرف، يجاهد نفسه: نقف، انتهى الوقت، ينظر للساعة كل شوي، ويُدفع دفع إلى الدرس، الناس يتفاوتون بلا شك، والله المستعان.

طالب: .......

ما تؤثر ما تؤثر.

طالب: نعم، ولكن هل الأفضل عدم.....

يعني إذا وصل إلى مرحلة بحيث يصل إلى أن هذا الجزاء لا شيء بالنسبة لما هو فيه من النعيم، قد يغطي هذا عنده النظر، لكنه لا يُطلب منه شرعًا.

طالب: .......

لا لا، ليست بعبرة.

طالب: "قال: والإنسان منهمك في حظوظه ومنغمس في شهواته، قلما ينفك فِعل من أفعاله وعبادة من عباداته عن حظوظ ما، وأغراض عاجلة من هذه الأجناس، ولذلك قيل: من سلم له من عمره خطرة واحدة خالصة لوجه الله نجا، وذلك لعز الإخلاص، وعسر تنقية القلب عن هذه الشوائب، بل الخالص هو الذي لا باعث عليه إلا طلب القرب من الله تعالى".

لكن هذا الكلام ليس بصحيح؛ لأنه قد تحصل له هذه الخطرة في وقت من الأوقات، ثم يسوء عمله فيما بعد ذلك، وتسوء نيته، هذا الكلام ليس بصحيح.

طالب: "ثم قال: وإنما الإخلاص تخليص العمل عن هذه الشوائب كلها قليلها وكثيرها، حتى يتجرد فيه قصد التقرب، فلا يكون فيه باعث سواه. قال: وهذا لا يتصور إلا من محب لله مُستهتر مستغرق الهم بالآخرة".

يعني استعمال الاستهتار هنا ليس على ما نعرفه من كلمة الاستهتار والاستخفاف، هذا يختلف، إنما مرادهم به الاستغراق.

طالب: "بحيث لم يبق لحب الدنيا في قلبه قرار، حتى لا يحب الأكل والشرب أيضًا، بل تكون رغبته فيه كرغبته في قضاء الحاجة من حيث إنه ضرورة الجبلة، فلا يشتهي الطعام لأنه طعام؛ بل لأنه يقويه على العبادة، ويتمنى أن لو كفي شر الجوع حتى لا يحتاج إلى الأكل، فلا يبقى في قلبه حظ من الفضول الزائدة على الضرورة، ويكون قدر الضرورة مطلوبًا عنده لأنه ضرورة دينية".

نعم. قد يحتاج إلى مثل هذه من يستغرق في محبوبات أخرى، يعني منهمك في طلب علم مثلاً ومن كتاب إلى كتاب ومرجع ومسألة كذا، يقال له الآن الأكل جاهز، فيتمنى أنه يستطيع الاستغناء عنها عن الأكل. أما إنسان جالس ما عنده شغل يتمنى أنه يستغني عن الأكل، هذا لا قيمة له. نعم. هذا ليس بعقل ولا نقل.

طالب: "فلا يكون له هَم إلا الله تعالى، فمثل هذا الشخص لو أكل أو شرب أو قضى حاجته، كان خالص العمل صحيح النية في جميع حركاته وسكناته، فلو نام مثلاً حتى يُريح نفسه ليتقوى على العبادة بعده؛ كان نومه عبادةً وحاز درجة المخلصين، ومن ليس كذلك فباب الإخلاص في الأعمال كالمسدود عليه إلا على سبيل الندور. ثم تكلم على باقي المسألة، وله في الإحياء من هذا المعنى مواضع يعرفها من زواله، فإذا كان كذلك، فالعامل الملتفت إلى حظ نفسه على خلاف ما وقع الكلام عليه. فالجواب أن ما تُعُبِّدَ العباد به على ضربين؛ أحدهما: العبادات المتقرَّب بها إلى الله بالأصالة، وذلك الإيمان وتوابعه من قواعد الإسلام وسائر العبادات.

والثاني: العادات الجارية بين العباد التي في التزامها نشر المصالح بإطلاق، وفي مخالفتها نشر المفاسد بإطلاق، وهذا هو المشروع لمصالح العباد ودرء المفاسد عنهم، وهو القسم الدنيوي المعقول المعنى، والأول هو حق الله من العباد في الدنيا، والمشروع لمصالحهم في الآخرة ودرء المفاسد عنهم. فأما الأول، فلا يخلو أن يكون الحظ المطلوب دنيويًّا أو أخرويًّا، فإن كان أخرويًّا، فهذا حظ قد أثبته الشرع حسبما تقدم، وإذا ثبت شرعًا فطلبه من حيث أثبته صحيح؛ إذ لم يتعد ما حده الشارع، ولا أشرك مع الله في ذلك العمل غيره، ولا قصد مخالفته؛ إذ قد فهم من الشارع حين رتب على الأعمال جزاءً أنه قاصد لوقوع الجزاء على الأعمال".

يعني مثل ما ذكرنا مرارًا أن ما نُص عليه من جزاء دنيوي أو أخروي لا يؤثر قصده في العمل؛ لأنه لو كان مؤثرًا لما نُص عليه من قبل الشارع، فإما أن يُنص عليه ويقال: لا تلتفت إليه، هذا محال.

طالب: "فصار العامل ليقع له الجزاء عاملاً لله وحده على مقتضى العلم الشرعي، وذلك غير قادح في إخلاصه؛ لأنه علم أن العبادة المنجية والعمل الموصل ما قُصد به وجه الله لا ما قُصد به غيره؛ لأنه -عز وجل- يقول: {إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40) أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ} إلى قوله: {فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [الصافات: 40-43] الآية. فإذا كان قد رتب الجزاء على العمل المخلص، ومعنى كونه مخلصًا أن لا يشرك معه في العبادة غيره؛ فهذا قد عمل على وفق ذلك، وطلب الحظ ليس بشرك؛ إذ لا يعبد الحظ نفسه".

يعني مثل ما قلنا: إن الذي يخاف من النار أو يرجو الجنة، هو لا يخاف النار نفسها، وإنما يخاف من يعذب بها، ولا يرجو الجنة نفسها؛ لأن الجنة ليس بيدها شيء من هذا النعيم توصله بذاتها إلى هذا الراجي، ولا في النار ما يكون بذاته يصل إلى هذا الخائف، إنما الأمر كله لله.

طالب: "إذ لا يعبد الحظ نفسه، وإنما يعبد من بيده بذل الحظ المطلوب، وهو الله تعالى، لكن لو أشرك مع الله من ظن بيده بذل حظ ما من العباد، فهذا هو الذي أشرك، حيث جعل مع الله غيره في ذلك الطلب بذلك العمل، والله لا يقبل عملاً فيه شرك، ولا يرضى بالشرك، وليست مسألتنا من هذا. فقد ظهر أن قصد الحظ الأخروي في العبادة لا ينافي الإخلاص فيها".

نظير ذلك يعني حينما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين»، ثم قال: «حتى من نفسك»، يجب أن نجعل محبة النبي- عليه الصلاة والسلام- فوق محبتنا لأنفسنا ومن أولادنا ووالدينا والناس أجمعين. قد يقول قائل: لماذا أحب الرسول -عليه الصلاة والسلام-؟ لأنجو، أحبه لأنجو، لأنال الجنة، وأنجو من النار. إذًا أحببته لنفسه، ما أحببته لذاته -عليه الصلاة والسلام-، فهل يكون من يستحضر مثل هذا قد أحب النبي -عليه الصلاة والسلام- أكثر من نفسه؟ يعني الإنسان حينما يفعل فعلًا ينظر في أرباحه وخسائره، إذا أراد أن يدخل في الإسلام، لماذا يدخل في الإسلام؟ ليدخل الجنة، وينجو من النار، هذا مقصد، والشرع جعله مقصدًا، وأشار إليه في النصوص، ولا يمكن أن يصد الناس عنه.

أنت حينما أحببت الرسول -عليه الصلاة والسلام- لأنه دلك على الخير، وحذرك من الشر، وجُعل اتباعه موصلاً إلى الجنة ومنجيًا من النار، فأنت إذا نظرت إلى هذه المسألة في النهاية أنك أحببته من أجلك. لكن هذه النظرات لا تؤثر في المحبة الشرعية التي مقتضاها أن تقدم ما يحبه الله ورسوله على ما تحبه أنت، فلو تعارضت مصلحتك مع ما يحبه الله ورسوله، وقدمت ما يحبه الله ورسوله فقد حققت؛ لأن المقصود المحبة الشرعية.

طالب: أحسن الله إليك. يقول.......

على كل حال ما نُص عليه وأن فيه حفظ مثل آية الكرسي و«أعوذ بكلمات الله التامة»، وما أشبه ذلك ما يؤثر. لكن عليه أن يستحضر الامتثال والتصديق للخبر.

طالب: يجمع بين......

يجمع يجمع، نعم، ما فيه شيء؛ لأنه لو كان مؤثرًا ما نُص عليه.

طالب: "فقد ظهر أن قصد الحظ الأخروي في العبادة لا ينافي الإخلاص فيها، بل إذا كان العبد عالمًا بأنه لا يوصله إلى حظه من الآخرة إلا اللهُ تعالى، فذلك باعث له على الإخلاص، قوي لعلمه أن غيره لا يملك ذلك. وأيضًا، فإن العبد لا ينقطع طلبه للحظ لا في الدنيا ولا في الآخرة، على ما نص عليه أبو حامد -رحمه الله-؛ لأن أقصى حظوظ المحبين التنعم في الآخرة بالنظر إلى محبوبهم والتقرب منه والتلذذ بمناجاته، وذلك حظ عظيم؛ بل هو أعظم ما في الدارين، وهو راجع إلى حظ العبد من ذلك، فإن الله تعالى غني عن العالمين، قال تعالى: {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت: 6]".

"بل هو أعظم حظ في الدارين"، يعني التلذذ بالمناجاة في الدنيا، والتلذذ بالنظر في الآخرة. يعني إدراك حظ الدنيا بالتلذذ في المناجاة لا شك أنه حُرم منه خلائق لا يُحصون، وكثير من طلاب العلم، والإنسان يتحدث عن نفسه مع غيره، ودخول المرء في خطابه ظاهر وواضح، يعني لم نصل إلى حد نتلذذ فيها، بل حُرمنا من هذه اللذة العاجلة، نرجو أن لا يحرمنا الله تعالى من اللذة الآجلة من النظر إلى وجهه، وأن يرزقنا ما يعيننا على التلذذ بمناجاته وذكره وشكره.

أكمل.

طالب: "وإلى هذا، فإن كون الإنسان يعمل لمجرد امتثال الأمر نادر قليل إن وُجد، والله -عزَّ وجلَّ- قد أمر الجميع بالإخلاص، والإخلاص البريء عن الحظوظ العاجلة والآجلة عسير جدًّا، لا يصل إليه إلا خواص الخواص، وذلك قليل، فيكون هذا المطلوب قريبًا من تكليف ما لا يُطاق، وهذا شديد. وعلى أن بعض الأئمة قال: إن الإنسان لا يتحرك إلا بحظ، والبراءة من الحظوظ صفة إلهية، ومن ادعاه فهو كافر. قال أبو حامد: وما قاله حق، ولكن القوم إنما أرادوا به -يعني: الصوفية- البراءة عما يسميه الناس حظوظًا، وذلك الشهوات الموصوفة في الجنة فقط، فأما التلذذ بمجرد المعرفة والمناجاة، والنظر إلى وجه الله العظيم، فهذا حظ هؤلاء، وهذا لا يعده الناس حظًّا، بل يتعجبون منه. قال: وهؤلاء لو عُوضوا عما هم فيه من لذة الطاعة والمناجاة، وملازمة الشهود للحضرة الإلهية سرًّا وجهرًا نعيم الجنة، لاستحقروها ولم يلتفتوا إليها، فحركتهم لحظ وطاعتهم لحظ، ولكن حظهم معبودهم دون غيره.

هذا ما قاله، وهو إثبات لأعظم الحظوظ، ولكن هؤلاء على ضربين؛ أحدهما: من يسبق له امتثال أمر الله الحظ، فإذا أُمِرَ أو نُهِي لبَّى قبل حضور الحظ، فهم عاملون بالامتثال لا بالحظ، وأصحاب هذا الضرب على درجات، ولكن الحظ لا يرتفع خطوره على قلوبهم إلا نادرًا، ولا مقال في صحة إخلاص هؤلاء".

يعني هل معرفة الحكم والعلل، الحكم والمصالح والعلل المرتبة على الأعمال، هل هي مما يزيد في الحظ أو مما ينقص في الحظ؟ يعني فرق بين طالب علم يعرف العلل والحكم المرتبة والمصالح والفوائد المرتبة على هذه الأوامر والنواهي، وبين عامي لا يعرف شيئًا من ذلك. هل نقول: إن هذا حظه الامتثال المجرد من غير نظر إلى حظ فهو أفضل بالنسبة للعامي، العامي ما يعرف الحكم ولا المصالح ولا شيئًا، أُمر فائتمر، امتثال محض. طالب العلم أو العالم عرف الآثار والمصالح المترتبة على هذا العمل في أمور الدنيا والآخرة، فهو نصيب أو قسم من هذا العمل يحركه هذا الحظ، فخدش في امتثال الأمر من هذه الحيثية، فيكون العامي حينئذٍ أفضل من هذه الجهة، لكن ما يصاحب معرفة العلة والحكمة، من قوته من امتثال وعدم مساومة عليه؛ لأن العامي لو حصل له أدنى عائق قد يتأثر، أو شُوش عليه في هذا الأمر تركه، لكن من عرف الأمر والآمر والعلل والحكم والمصالح رسخ وثبت فهو أقوى من هذه الحيثية.

طالب: "والثاني: من يسبق له الحظ الامتثال، بمعنى أنه لما سمع الأمر أو النهي خطر له الجزاء، وسبق له الخوف أو الرجاء، فلبى داعي الله، فهو دون الأول. ولكن هؤلاء مخلصون أيضًا؛ إذ طلبوا ما أُذن لهم في طلبه، وهربوا عما أُذن لهم في الهرب عنه، من حيث لا يقدح في الإخلاص كما تقدم".

 

اللهم صل على محمد.

"