كتاب الجهاد من سبل السلام (4)

بسم الله الرحمن الرحيم.

 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

قال -رحمه الله تعالى- في البلوغ وشرحه في كتاب الجهاد:

"وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إذَا أَرَادَ غَزْوَةً وَرَّى بِفَتْحِ (الْوَاوِ) وَتَشْدِيدِ (الرَّاءِ) أَيْ سَتَرَهَا بِغَيْرِهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَدْ جَاءَ الِاسْتِثْنَاءُ فِي ذَلِكَ بِلَفْظِ إلَّا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَإِنَّهُ أَظْهَرَ لَهُمْ مُرَادَهُ."

لأنَّه زمن شدة وعسرة، فلا ينبغي أن يُقدم الإنسان عليه وهو مُقدم على غزوة تبوك، غزوة العسرة أن يحتاط المسلمون لهذه العُسرة، ولهذا الحر الشديد، ولهذا البُعد يحتاطون إذا أخبروا به على وجهه، لو وَرَّى بجهة أخرى لظُنَّ أنَّ أمرها أسهل، فلا يكون الاحتياط اللازم.

أحسن الله إليك.

"وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَزَادَ فِيهِ وَيَقُولُ: «الْحَرْبُ خَدْعَةٌ»، وَكَانَتْ تَوْرِيَتُهُ.."

(خَدعة) بفتح (الخاء) كما في سنن أبي داود لغة النبي- صلى الله عليه وسلم-، «الْحَرْبُ خَدْعَةٌ».

"وكانت توريته أَنَّهُ إذَا أَرَادَ قَصْدَ جِهَةٍ سَأَلَ عَنْ طَرِيقِ جِهَةٍ أُخْرَى إيهَامًا أَنَّهُ يُرِيدُهَا، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَتَمُّ فِيمَا يُرِيدُهُ مِنْ إصَابَةِ الْعَدُوِّ وَإِتْيَانِهِمْ عَلَى غَفْلَةٍ مِنْ غَيْرِ تَأَهُّبِهِمْ لَهُ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ مِثْلِ هَذَا وَقَدْ قَالَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْحَرْبُ خَدْعَةٌ»."

وأيضًا تبوك بعيدة، تبوك بعيدة يعني لو أخبرهم بالمدينة أنَّه يقصد تبوك قد لا يصل الخبر إلى تبوك من جهة العيون والجواسيس، بخلاف غيرها من الجهات.

أحسن الله إليك.

"وَعَنْ مَعْقِلِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ بِضَمِّ (الْمِيمِ) وَفَتْحِ (الْقَافِ) وَتَشْدِيدِ (الرَّاءِ) (فَنُونٌ)، لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ الْأَثِيرِ مَعْقِلَ بْنَ مُقَرِّنٍ فِي الصَّحَابَةِ، إنَّمَا ذَكَرَ النُّعْمَانُ بْنُ مُقَرِّنٍ، وَعَزَا هَذَا الْحَدِيثَ إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ أَخْرَجُوهُ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ، فَيُنْظَرُ فَمَا أَظُنُّ لَفْظَ مَعْقِلٍ إلَّا سَبْقَ قَلَمٍ، وَالشَّارِحُ وَقَعَ لَهُ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ مَعْقِلُ بْنُ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ الْمُزَنِيّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ النُّعْمَانَ هُوَ ابْنُ مُقَرِّنٍ، فَإِذَا كَانَ لَهُ أَخٌ فَهُوَ مَعْقِلُ بْنُ مُقَرِّنٍ لَا ابْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: النُّعْمَانَ هَاجَرَ ومعه سَبْعَةُ إخْوَةٍ له، يُرِيدُ أَنَّهُمْ هَاجَرُوا كُلُّهُمْ مَعَهُ، ثم رَاجَعْت التَّقْرِيبَ لِلْمُصَنِّفِ، فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ صَحَابِيًّا يُقَالُ لَهُ مَعْقِلُ بْنُ النُّعْمَانِ، وَلَا ابْنُ مُقَرِّنٍ، بَلْ فِيهِ النُّعْمَانُ بْنُ مُقَرِّنٍ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ لَفْظَ مَعْقِلٍ فِي نُسَخِ بُلُوغِ الْمَرَامِ سَبْقُ قَلَمٍ، وَهُوَ ثَابِتٌ فِيمَا رَأَيْنَاهُ مِنْ نُسَخِهِ قَالَ: شَهِدْت رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-"

المُعلِّق يقول: وجدت في نسخ صحيحة من بلوغ المرام فيها عن معقل أنَّ النعمان بن مُقرِّن قال، هنا يرتفع الإشكال.

أحسن الله إليك.

"قال: شَهِدْت رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذَا لَمْ يُقَاتِلْ أَوَّلَ النَّهَارِ أَخَّرَ الْقِتَالَ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، وَتَهُبَّ الرِّيَاحُ، وَيَنْزِلَ النَّصْرُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالثَّلَاثَةُ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَأَصْلُهُ فِي الْبُخَارِيِّ، فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ بِلَفْظِ: إذَا لَمْ يُقَاتِلْ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ انْتَظَرَ حَتَّى تَهُبَّ الْأَرْوَاحُ، وَتَحْضُرَ الصلوات.

 قَالُوا: وَالْحِكْمَةُ فِي التَّأْخِيرِ إلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ أنَّه مَظِنَّةُ إجَابَةِ الدُّعَاءِ، وَأَمَّا هُبُوبُ الرِّيَاحِ فَقَدْ وَقَعَ بِهِ النَّصْرُ فِي الْأَحْزَابِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [سورة الأحزاب:9]، فَكَانَ تَوَخِّي هُبُوبِهَا مَظِنَّةً لِلنَّصْرِ"

والنبي- عليه الصلاة والسلام- كما قال: «نُصرت بالصبا» ريح، «وأهلكت عاد بالدبور»، أيضًا ريح.

أحسن الله إليك.

"وَقَدْ علل بِأَنَّ الرِّيَاحَ تَهُبُّ غَالِبًا بَعْدَ الزَّوَالِ، فَيَحْصُلَ بِهَا تَبْرِيدُ حَدِّ السِّلَاحِ لِلْحَرْبِ وَالزِّيَادَةُ في النشاط، وَلَا يُعَارِضُ هَذَا مَا وَرَدَ مِنْ أَنَّهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُغِيرُ صَبَاحًا؛ لِأَنَّ هَذَا فِي الْإِغَارَةِ، وَذَاكَ عِنْدَ الْمُصَافَّةِ لِلْقِتَالِ.

وَعَنْ الصَّعْبِ بْنِ جُثَّامَةَ تَقَدَّمَ ضَبْطُهَما فِي.."

جَثَّامة.

أحسن الله إليك.

"وَعَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ تَقَدَّمَ ضَبْطُهَما فِي الْحَجِّ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَوَقَعَ فِي صَحِيحِ ابْن حِبَّانَ أنَّ السَّائِلُ هُوَ الصَّعْبُ، وَلَفْظُهُ: سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَسَاقَهُ بِمَعْنى ما هنا عَنْ الدَّارِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يُبَيِّتُونَ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ مِنْ بَيَّتَهُ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ، فَيُصِيبُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ، فَقَالَ: «هُمْ مِنْهُمْ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

 وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَهْلِ الدَّارِ، وَهُوَ تَصْرِيحٌ بِالْمُضَافِ الْمَحْذُوفِ.

 وَالتَّبْيِيتُ الْإِغَارَةُ عَلَيْهِمْ فِي اللَّيْلِ عَلَى غَفْلَةٍ مَعَ اخْتِلَاطِهِمْ بِصِبْيَانِهِمْ وَنِسَائِهِمْ، فَيُصَابُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِقَتْلِهِمْ ابْتِدَاءً. وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ الصَّعْبِ بن جثامة، وَزَادَ فِيهِ: ثُمَّ نَهَى عَنْهُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَهِيَ مُدْرَجَةٌ فِي حَدِيثِ الصَّعْبِ. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد زِيَادَةٌ فِي آخِرِهِ: قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: ثُمَّ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَيُؤَيِّدُ أَنَّ النَّهْيَ فِي حُنَيْنٍ مَا فِي الْبُخَارِيِّ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَحَدِهِمْ: «أَلْحِقْ خَالِدًا فَقُلْ لَهُ: لَا يقْتُلْ ذُرِّيَّةً وَلَا عَسِيفًا»، وَأَوَّلُ مَشَاهِدِ خَالِدٍ مَعَهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَزْوَةُ حُنَيْنٍ، كَذَا قِيلَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ قَدْ شَهِدَ مَعَهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتْحَ مَكَّةَ قَبْلَ ذَلِكَ.

وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَّةَ أُتِيَ بِامْرَأَةٍ مَقْتُولَةٍ فَقَالَ: «مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتِلُ، وَنَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ»، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورُ إلَى جَوَازِ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فِي الْبَيَات عَمَلًا بِرِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ."

يعني في البيات تبعًا للمُقاتلة، فإذا بُيِّت المُقاتلة وتبعًا لتبيتهم وقتلهم حصل قتل للنساء والصبيان فإنَّه يثبت تبعًا ما لا يثبت استقلالًا، وكذا لو تترسوا بهم. أمَّا أن يُقصد النساء والصبيان بالقتل فإنَّ هذا لا يجوز، وقد ثبت النهي عنه.

القارئ: أحسن الله إليكم يا شيخ، الآن في بعض الحروب يستخدمونهم كضغط إذا كان عندهم عوائل، هل هم أضعف، ما أدري سائق هذا يا شيخ.

يمتنع المُقاتل.

الطالب: نعم، أو يضعف يراه القتل تضعف عزيمته.

المقصود أنَّ، هذا إذا أُسِروا ثم..

القارئ: لا لا، لمَّا يُبيَّتون يُحاصرون يعني في بعض الحروب يُخرجون النساء والأطفال حتى يتفرغ المقاتلون لـ..

هو لا يخلو إمَّا أن يكون هذا القتال بحق أو بغير حق، بغيًا وعدوانًا لا يجوز على أي حال، لكن إذا كان القتال بحق، جهادًا في سبيل الله، ثم إذا التحم الصفان قٌدِّم النساء والأطفال كدروع للمقاتلة بحيث يُقتل المسلمون، ولا يُقتل المشركين بسبب اتقائهم أنفسهم بالنساء والصبيان، يُقتلون معهم.

أحسن الله إليك.

"وَقَوْلُهُ: «هُمْ مِنْهُمْ» أَيْ فِي إبَاحَةِ الْقَتْلِ تَبَعًا لَا قَصْدًا إذَا لَمْ يُمْكِنْ انْفِصَالُهُمْ عَمَّنْ يَسْتَحِقُّ الْقَتْلَ.

وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ بِحَالٍ، حَتَّى إذَا تَتَرَّسَ أَهْلُ الْحَرْبِ بِالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، أَوْ تَحَصَّنُوا بِحِصْنٍ أَوْ سَفِينَةٍ هُمَا فِيهِمَا مَعَهُمْ لَمْ يَجُزْ قِتَالُهُمْ، وَلَا تَحْرِيقُهُمْ"

لكن لو كان هذا الحصن أو هذه السفينة مصدرًا لقنص المسلمين، فهل يترك المسلمون الرد على هؤلاء الذين يقنصونهم بالأسلحة ويرمونهم بالسهام وغيرها ويُترك الرد عليهم من أجل النساء والصبيان؟ هذا لا يتأكد.

أحسن الله إليك.

طالب: ..........

نعم.

طالب: ..........

يعني يقع لهم منهم.

"وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْهَادَوِيَّةُ إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا فِي التَّتَرُّسِ: يَجُوزُ قَتْلُ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ حَيْثُ جُعِلُوا تُرْسًا، وَلَا يَجُوزُ إذَا تَتَرَّسُوا بالمسلمين إلَّا مَعَ خَشْيَةِ الاسْتِئْصَالِ، وَنَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ اتِّفَاقَ الْجَمِيعِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْقَصْدِ إلَى قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ.

وَفِي قَوْلِهِ: «هُمْ مِنْهُمْ» دَلِيلٌ بِإِطْلَاقِهِ لِمَنْ قَالَ: «هُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ»، وَهُوَ ثَالِثُ الْأَقْوَالِ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَالثَّانِي أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَهُوَ الرَّاجِحُ فِي الصِّبْيَانِ، وَالْأَوْل الْوَقْفُ.

وَعَنْ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-"

الخلاف في أطفال المشركين، هل هم في النار تبعًا لأبائهم، أو في الجنة باعتبار أنَّ قلم التكليف لم يجرِ عليهم، أو التوقف في ذلك، أو أنَّهم يُمتحنون كما قال جمع من أهل العلم، الله أعلم بما كانوا عاملين، هذه مسألة خلافية بين أهل العلم، من أراد تفصيلها ففي أواخر كتاب طريق الهجرتين لابن القيم.

أحسن الله إليك.

"وعن عائشة أنَّ النبي- صلى الله عليه وسلم- قَالَ لِرَجُلٍ أَيْ مُشْرِكٍ تَبِعَهُ يَوْمَ بَدْرٍ: «ارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلَفْظُهُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قِبَلَ بَدْرٍ، فَلَمَّا كَانَ بِحَرَّةِ الْوَبَرَةِ أَدْرَكَهُ رَجُلٌ قَدْ كَانَ تُذْكَرُ فِيهِ جُرْأَةٌ وَنَجْدَةٌ، فَفَرِحَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ رَأَوْهُ، فَلَمَّا أَدْرَكَهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: جِئْت لِأَتْبَعَك وَأُصِيبَ مَعَك، قَالَ: «أَتُؤْمِنُ بِاَللَّهِ»، قَالَ: لَا، قَالَ: «فَارْجِعْ، فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ، فَلَمَّا أَسْلَمَ أَذِنَ لَهُ».

 وَالْحَدِيثُ مِنْ أَدِلَّةِ مَنْ قَالَ: لَا يَجُوزُ الِاسْتِعَانَةُ بِالْمُشْرِكِينَ فِي الْقِتَالِ، وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَذَهَبَت الْهَادَوِيَّةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إلَى جَوَازِ ذَلِكَ، قَالُوا: لِأَنَّهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَعَانَ بِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَاسْتَعَانَ بِيَهُودِ بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَرَضَخَ لَهُمْ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا، وَمَرَاسِيلُ الزُّهْرِيِّ ضَعِيفَةٌ. قَالَ الذَّهَبِيُّ: لِأَنَّهُ كَانَ خَطَّاءً، فَفِي إرْسَالِهِ شُبْهَةُ تَدْلِيسٍ، وَصَحَّحَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ رَدَّهُمْ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ بِأَنَّ الَّذِي رَدَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ تَفَرَّسَ فِيهِ الرَّغْبَةَ فِي الْإِسْلَامِ، فَرَدَّهُ؛ رَجَاءَ أَنْ يُسْلِمَ، فَصَدَقَ ظَنُّهُ، أَوْ أَنَّ الِاسْتِعَانَةَ كَانَتْ مَمْنُوعَةً فَرَخَّصَ فِيهَا، وَهَذَا أَقْرَبُ، وَقَدْ اسْتَعَانَ يَوْمَ حُنَيْنٍ بِجَمَاعَةٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ تَأَلَّفَهُمْ بِالْغَنَائِمِ، اشْتَرَطَ الْهَادَوِيَّةِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مُسْلِمُونَ يَسْتَقِلُّ بِهِمْ فِي إمْضَاءِ الْأَحْكَامِ.

 وَفِي شَرْحِ مُسْلِم أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ: إنْ كَانَ الْكَافِرُ حَسَنَ الرَّأْيِ فِي الْمُسْلِمِينَ وَدَعَتْ حَاجَةُ إلَى الِاسْتِعَانَةِ اُسْتُعِينَ بِهِ وَإِلَّا فَيُكْرَهُ.

وَيَجُوزُ الِاسْتِعَانَةُ بِالْمُنَافِقِ إجْمَاعًا؛ لِاسْتِعَانَتِهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَأَصْحَابِهِ."

الاستعانة بغير المسلمين لا شك أنَّ ضررها كبير؛ لأنَّهم قد يخونونهم في أحوج أو في أحلك الظروف، لكن هذه المسائل تقدَّر بقدرها، والضرورات لها أحكامها، إذا كانت النتائج معروفة سلفًا، وأنَّ المسلمين لا قدرة لهم بحال من الأحوال في الجيش المقابل لهم، فلهم أن يستعينوا دفعًا لهذه الضرورة. وأمَّا إذا كانوا يستطيعون فالاستعانة بالمشرك لا شك أنَّه لا تؤمن خيانته، ففي أضيق الأوقات يتخلى عنك، أو يكر عليك مع خصمك، كما كان المنافقون يفعلون.

أمَّا إذا وجدت الضرورة، ووجدت العهود والمواثيق والضمانات التي تضمن من خيانتهم، وكانوا مجربين في مثل هذا، والضرورة داعية؛ لأنَّه لا بديل لهم، فأهل العلم يفتون بجواز مثل هذا، ومن ذلك ما حصل في الحرب بين العراق والكويت، وإخراج العراق من الكويت استعدوا قوات كافرة، واستُعين بها؛ نظرًا لهذه الضرورة، وأفتى أهل العلم بها؛ لأنَّها ضرورة، لأنَّ المقابل لا يذهب لمقاومته، والذي اجتاح الكويت يستطيع أن يجتاح غيرها، يعني بالمقاييس المادية، يعني إذا غفلنا عن {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً} [سورة البقرة:249]، لكن الخلل موجود يعني، الخلل موجود لا يستطيع إنسان أن يقاوم جيشًا لا قدرة له به مع وجود الخلل الذي هو موجود في أفراد الناس، وفي عمومهم، وفي محافلهم، وفي اجتماعاتهم، ومجتمعاتهم الخلل موجود، فالنصر أسبابه ضعيفة، النصر الإلهي والقوة المعنوية التي جاء في ضمن كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة، فلم يبقَ إلا الاستعانة؛ لأنَّها صارت حال صرورة؛ ولذا أفتى بها العلماء من أجل هذه الضرورة، وإلا فالأصل أنَّ الكافر لا يُستعان به؛ لأنَّه لا يؤمن أن يخون، وأن يلتفت على من استعان به مع خصمه.

طالب: ...........

أولًا: الاستعانة بالكافر يعني في دفع الصائل، في دفع صائل هذه حكمها حكم الصائل، والاستعانة بدفع الصائل بأي شيء يُعين يعني هذا من باب الوسيلة إلى الخلاص من هذا الصائل الذي لا قدرة لك، ولا طاقة لك به هذه حال ضرورة، تُقدَّر بقدرِها؛ ولأنَّ هذا يفتح الباب والمجال للأُمَّة في جميع أوقاتها، وأطوارها، وأماكنها كل من احتاج إلى قتال أحد سواء كان عدو أو من جنسه من المسلمين استدعى من يستعين به على إخوانه أو على غيرهم ولا هذا لا يجوز.

طالب: .........

لا، لا يجوز إبرام اتفاقيات طويلة الأجل؛ لأنَّ الضرورات ليست دائمة، إنَّما في وقتها في ظرفها تُدري بقدرِها. أمَّا طويل الأجل فلا يجوز بحال.

طالب: .........

هو ما فيه شك، إذا وُجِد من يعينه من المسلمين، وترتفع به الضرورة لم يكن هناك ضرورة.

طالب: .........

وعلى المسلمين أيضًا أن ينتبهوا لمثل هذه الظروف؛ لئلا تتكرر هذه الضرورة، يعني إذا أُفتوا بأنَّ هذا العمل يجوز للضرورة لا يجوز أن أوقع نفسي في ضرورة أخرى، وأنا أستطيع دفع هذه الضرورة.

أحسن الله إليك.

"وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى امْرَأَةً مَقْتُولَةً فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ فَأَنْكَرَ قَتْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، َقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ أَنَّهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ أُتِيَ بِامْرَأَةٍ مَقْتُولَةٍ فَقَالَ: «مَا كَانَتْ هَذِهِ لتُقَاتِلُ». أَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا هَذِه،ِ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد.."

ومفهوم الحديث أنَّ المرأة إذا قاتلت، شاركت في القتال أنَّها تُقتل، تُقاتل حتى تُقتل، وكذلك الشيوخ الكبار إذا شاركوا في القتال أو في آرائهم، أو ما أشبه ذلك كما هو شأن دريد بن الصمة، أو غيره إذا شارك بالرأي يُقتل.

"وأخرجه أبو داود فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى امْرَأَةً مَقْتُولَةً بِالطَّائِفِ فَقَالَ: «أَلَمْ أَنْهَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ؟ مَنْ صَاحِبُهَا؟» فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرْدَفْتهَا فَأَرَادَتْ أَنْ تَصْرَعَنِي فَتَقْتُلَنِي، فَقَتَلْتهَا فَأَمَرَ بِهَا أَنْ تَوَارَى.

وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: «لِتُقَاتِلُ» وَتَقْرِيرُهُ لِهَذَا الْقَاتِلِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا إذَا قَاتَلَتْ قُتِلَتْ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ رَبَاحِ بْنِ رَبِيعٍ التَّمِيمِيِّ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزْوَةٍ فَرَأَى النَّاسَ مُجْتَمَعِينَ، فَرَأَى امْرَأَةً مَقْتُولَةً فَقَالَ: «مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ».

وَعَنْ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اُقْتُلُوا شُيُوخَ الْمُشْرِكِينَ وَاسْتَبْقُوا شَرْخَهُمْ» (بِالشِّينِ) الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ (الرَّاءِ) (وَالْخَاءِ) الْمُعْجَمَةِ وهُمْ الصِّغَارُ الَّذِينَ لَمْ يُدْرِكُوا، ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.."

 الذين هم الصبيان، الصبيان الذين جاء النهي عن قتلهم في أحاديث سابقة.

"وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحٌ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، وَفِيهَا مَا قَدَّمْنَاهُ.

وَالشَّيْخُ مَنْ اسْتَبَانَتْ فِيهِ السِّنُّ، أَوْ مَنْ بَلَغَ خَمْسِينَ سَنَةً أَوْ إحْدَى وَخَمْسِينَ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَالْمُرَادُ هُنَا الرِّجَالُ الشُبَّان أَهْلِ الْجَلَدِ وَالْقُوَّةِ عَلَى الْقِتَالِ، وَلَمْ يُرِدْ الْهَرَمِى"

لم يرد الهرمى، إنَّما أراد من يُقاتل، أو من يتحمل ويستطيع القتال ممن ليس بصبي.

"وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِالشُّيُوخِ مَنْ كَانُوا بَالِغِينَ مُطْلَقًا فَيُقْتَلُ، وَمَنْ كَانَ صَغِيرًا فلَا يُقْتَلُ فَوَافق مَا تَقَدَّمَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الصِّبْيَانِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِالشَّرْخِ مَنْ كَانَ فِي أَوَّلِ الشَّبَابِ، فَإِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ حَسَّانُ:

إنَّ شَرْخَ الشَّبَابِ وَالشَّعْرِ الْأَسْوَدِ      

مَا لَمْ يُعَاصَ كَانَ جُنُونًا

فَإِنَّهُ يُسْتَبْقَى رَجَاءَ إسْلَامِهِ، كَمَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: الشَّيْخُ لَا يَكَادُ يُسْلِمُ، وَالشَّبَابُ أَقْرَبُ إلَى الْإِسْلَامِ، فَيَكُونُ الْحَدِيثُ مَخْصُوصًا بِمَنْ يَجُوزُ تَقْرِيرُهُ عَلَى الْكُفْرِ بِالْجِزْيَةِ."

اللهم صلِّ على محمد وسلم وبارك.

هذا يقول: متى يُدرك المأموم تكبيرة الإحرام؟ هل بوقوعه في الصف حال التكبيرة الأولى للإمام، أم إذا أدرك شيئًا من الفاتحة مع الإمام؟

يُدرك تكبيرة الإحرام ما لم يشرع الإمام في الركن الذي يليه وهو قراءة الفاتحة، ومنهم من يقول: إنَّه يُدرك التكبيرة ما لم يفرغ من قراءة الفاتحة؛ لقول بلال: لا تسبقوني بـ آمين. وعلى كل حال المعروف أنَّ الركن يستمر إلى الركن الذي يليه، فإذا شرع الإمام في قراءة الفاتحة تكون تكبيرة الإحرام قد انتهت.

وأيضًا هل يذكر المسبوق دعاء الاستفتاح إذا أدرك الإمام في أثناء القراءة، أو الركوع، أو السجود؟

دعاء الاستفتاح محله قبل القراءة، فإن أدرك القراءة يستفتح قبلها، وإذا كان ممن لا يرى القراءة خلف الإمام فترك دعاء الاستفتاح من باب أولى.