كتاب الوضوء (39)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم علمنا ما ينفعنا، وارفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علمًا، واغفر لنا ولشيخنا وللأمة الإسلامية وعلماء المسلمين يا رب العالمين.

 قال الإمام الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-: "قوله: (عن أنس) زاد الأصيلي "ابن مالك".

لو قرأت الحديث.

طالب: نعم.

لطول العهد ما يدرون ما الحديث المشروح.

أحسنت، قال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: "باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها، وصلى أبو موسى في دار البريد والسِّرقين والبرية إلى جنبه، فقال: ها هنا وثَمَّ سواء".

البريةُ.

"والبريةُ إلى جنبه، فقال: ها هنا وثمَّ سواء.

 حدثنا سليمان بن حرب قال: حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قدم أناس من عُكْلٍ أو عُرَينة، فاجتووا المدينة، فأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بلقاح، وأن يشربوا من أبوالها وألبانها، فانطلقوا، فلما صحوا قتلوا راعي النبي -صلى الله عليه وسلم- واستاقوا النعم، فجاء الخبر في أول النهار، فبعث في آثارهم، فلما ارتفع النهار جيء بهم فأمر فقطع أيديهم وأرجلهم وسمرت أعينهم، وألقوا في الحرة يستسقون فلا يسقون.

 قال أبو قلابة: فهؤلاء سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله.

 حدثنا آدم قال: حدثنا شعبة قال: أخبرنا أبو التَّياح يزيد بن حميد عن أنس -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي قبل أن يبنى المسجد في مرابض الغنم".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

يقول الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها، الإمام البخاري بهذه الترجمة وبما ذكرها من حديث العرنيين، والحديث الذي يليه يقرِّر أن ما ذُكِر من أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها، كل ذلك طاهر، وليس بنجس، والخلاف في المسألة سيأتي في كلام الشارح، لكن الدليل حديث العرنيين واضح في طهارتها؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمرهم أن يشربوا من ألبانها وأبوالها، ولا يدخل في عموم لا يستنزه من البول الذي تقدَّم مما يدل على نجاسة البول، لكن بول ما يؤكل لحمه طاهر، بدلالة هذا الحديث.

 وقال بعضهم: إن الحديث إنما أُبيح للضرورة والعلاج، وأجيب عن ذلك كما سيأتي أنه لو كان للضرورة لأُمروا بغسل أفواههم، قالوا: النهي عن الصلاة في مرابض الإبل ليس لنجاسة أرواثها عند من يقول في كلام البخاري ومرابضها عطف على الأبوال، كل ذلك طاهر، وإنما هو لعلة سيأتي ذكرها، إن شاء الله تعالى. ولذا قال: وصلى أبو موسى في دار البريد، دار البريد التي يربط فيها الدواب التي تحمل الأشياء من بلد إلى بلد، والسرقين الذي هو الزبل زبل ما يؤكل لحمه، والبريّة إلى جنبه يعني ما هناك ضرورة، ما يقال ما فيه مكان ثانٍ، البرّية إلى جنبه فقال: ها هنا، قيل له: البريّة عندك ما فيها زبل ولا فيها روث ولا شيء، قال: ها هنا وثمَّ يعني هناك سواء ما فيه فرق كلها طهارة، وهي داخلة في عموم: «جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا» هذا ما يتعلق بالترجمة، وقرئ أو شُرِح صدر الباب، ثم بعد ذلك قال -رحمه الله-: قوله: عن أنس.

"قوله: (عن أنس) زاد الأصيلي "ابن مالك"، قوله: (قدم أناس) وللأصيلي والكُشْمِيهَني والسرخسي: "ناس" أي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".

انظر العناية بالفروق بفروق الروايات الحافظ يعتني بها، ولذلك الرواية التي عندنا عن أنس في رواية الأصيلي ابن مالك، لو ما نُسب يلتبس؟ ما يلتبس، أنس المراد به ابن مالك سواء نُسب أو لم ينسب، وكذلك قوله: ناسٌ في رواية الأصيلي والكشميهني والسرخسي ورواية الكتاب: أناس، ولا فرق بينهما، لكن هذا من دقة الشراح الذين منهم الحافظ ابن حجر، علمًا بأن الحافظ إنما يشير إلى فروق الروايات في الأصل عند الحاجة، ليس مثل القسطلاني في إرشاد الساري يشير إلى كل فرق يوجد بين الروايات، ولذلك قد يوجد في بعض الروايات فروق لا يذكرها الحافظ؛ لأنه اعتمد على رواية أبي ذر، يقول: وأشار إلى ما عداها عند الحاجة، عند الحاجة، أما القسطلاني في إرشاد الساري فيشير إلى كل الفروق سواء كان لها فائدة أو لا فائدة فيها.

"أي على رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، وصرَّح به المصنف في الديات من طريق أبي رجاء عن أبي قلابة".

وهذا مما يحذف مثله للعلم به، حينما يقول أنس: قدم أناس، قدموا لمن؟ هم قدموا إلى المدينة من أجل من؟ من أجل النبي -عليه الصلاة والسلام-.

"قوله: (من عُكْل أو عُرَينة) الشك فيه من حماد، وللمصنف في المحاربين عن قتيبة عن حماد "أن رهطًا من عُكْل، أو قال من عُرينة ولا أعلمه إلا قال: من عُكل".

يعني المترجح عنده أنه عُكْل.

"وله في الجهاد عن وهيب عن أيوب: "أن رهطًا من عكل" ولم يشك، وكذا في المحاربين عن يحيى بن أبي كثير، وفي الديات عن أبي رجاء كلاهما عن أبي قلابة، وله في الزكاة عن شعبة عن قتادة عن أنس: "أن ناسًا من عرينة"، ولم يشك أيضًا، وكذا لمسلم من رواية معاوية بن قرة عن أنس، وفي المغازي عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة "أن ناسًا من عُكْل وعرينة" بالواو العاطفة وهو الصواب، ويؤيده ما رواه أبو عوانة والطبري من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس قال: كانوا أربعة من عرينة وثلاثة من عُكْلٍ، ولا يخالف هذا ما عند المصنف في الجهاد من طريق وهيب عن أبي أيوب، وفي الديات من طريق حجاج الصواف عن أبي رجاء كلاهما عن أبي قلابة عن أنس "أن رهطًا من عُكْل ثمانية"؛ لاحتمال أن يكون الثامن من غير القبيلتين وكان من أتباعهم فلم يُنسَب، وغفل من نسب عدتهم ثمانية لرواية أبي يعلى، وهي عند البخاري وكذا عند مسلم".

يعني الرواية في الصحيحين فكونها تنسب لأبي يعلى هذا إبعاد في التخريج، ولا شك أن مثل هذا يجعل القارئ يظن أو يغلب على ظنه أن الرواية ليست في الصحيحين وهي في الحقيقة في البخاري ومسلم.

"وزعم ابن التين تبعًا للداودي أن عرينة هم عُكْل وهو غلط، بل هما قبيلتان متغايرتان: عُكْل من عدنان وعرينة من قحطان. وعُكْل بضم المهملة وإسكان الكاف قبيلة من تَيم الرباب. وعُرينة بالعين والراء المهملتين والنون مصغرة حي من قُضاعة وحي من بَجيلة، والمراد هنا الثاني، كذا ذكره موسى بن عقبة في المغازي، وكذا رواه الطبري من وجه آخر عن أنس، ووقع عند عبد الرزاق من حديث أبي هريرة بإسناد ساقط أنهم من بني فَزارة، وهو غلط؛ لأن بني فَزارة من مضر لا يجتمعون مع عُكْل ولا مع عُرينة أصلاً. وذكر ابن إسحاق في المغازي أن قدومهم كان بعد غزوة ذي قَرَد، وكانت في جمادى الآخرة سنة ست. وذكرها المصنف بعد الحديبية وكانت في ذي القَعدة منها".

هكذا تضبط قَرَد بفتحتين، وضبطها بعضهم بضمتين، وبعضهم بضم الأولى بضم القاف وفتح الراء، ولكن الأكثر على أنها بفتحتين.

"وذكرها المصنف بعد الحديبية وكانت في ذي القَعدة منها وذكر الواقدي أنها كانت في شوال منها، وتبعه ابن سعد وابن حبان وغيرهما والله أعلم. وللمصنف في المحاربين من طريق وهيب عن أيوب أنهم كانوا في الصُّفة قبل أن يطلبوا الخروج إلى الإبل".

الصُّفة مأوى الفقراء والوافدين إلى المدينة ممن لا مأوى لهم، يبيتون في الصُّفة، شأنهم شأن فقراء المسلمين الذين لا طعام لهم ولا مأوى، بحيث يتصدَّق عليهم؛ لقربهم من المسجد.

"قوله: (فاجتووا المدينة) زاد في رواية يحيى بن أبي كثير قبل هذا "فأسلموا" وفي رواية أبي رجاء قبل هذا "فبايعوه على الإسلام" قال ابن فارس: اجتويت البلد إذا كرهتُ المقام فيه".

إذا كرهتَ.

"إذا كرهتَ المقام فيه وإن كنت في نعمة. وقيده الخطابي بما إذا تضرر بالإقامة وهو المناسب لهذه القصة. وقال القزاز: اجتووا أي لم يوافقهم طعامها".

ابن فارس كتابه معروف معجم مقاييس اللغة أو المجمل كلاهما له، والقزاز كتابه مرّ بنا عشرات المرات، نسيتوموه؟ اسمه الجامع نعم.

"وقال ابن العربي: الجوى داء يُؤخذ من الوباء".

يؤخذ؟

طالب: نعم.

يؤخذ أم يَأخذ؟

"داء يأخذ من الوباء، وفي رواية أخرى يعني رواية أبي رجاء المذكورة: "استوخموا" قال: وهو بمعناه. وقال غيره: الجوى داءٌ يصيب الجوف. وللمصنف من رواية سعيد عن قتادة في هذه القصة "فقالوا: يا نبي الله، إنا كنا أهل ضَرْع ولم نكن أهل ريف". وله في الطب من رواية ثابت عن أنس "أن ناسًا كان بهم سقم".

وإن انتقل الشخص أو الإنسان من المكان الذي تعوّد على العيش فيه إلى مكانٍ طارئ ما تعوّد العيش فيه يتأثر، ولذلك أهل البلدان الحارة إذا جاؤوا إلى البلدان الباردة مرضوا، والعكس، إلى غير ذلك، المقصود أن هذا أمرٌ معروف عند الناس كلهم أن الإنسان إذا تغيّر عليه الجو تغيّر عليه المناخ فإنه يتأثر، ويمرض، لا سيما إذا كان الفارق كبيرًا بين بلده وبين البلد الذي انتقل إليه.

" وله في الطب من رواية ثابت عن أنس: "أن ناسًا كان بهم سقم، فقالوا: يا رسول الله، آونا وأطعمنا، فلما صحوا قالوا: إن المدينة وخمة". والظاهر أنهم قدموا سقامًا فلما صحوا من السقم كرهوا الإقامة بالمدينة؛ لوخمها، فأما السقم الذي كان بهم فهو الهزال الشديد والجهد من الجوع فعند أبي عوانة من رواية غيلان عن أنس "كان بهم هزال شديد".

كرهوا المقام في المدينة بعد أن صحّوا ورجعت إليهم أبدانهم وسمنوا وتعافوا وأرادوا أن يخرجوا من المدينة؛ لأن المدينة تنفي خبثها، فمثل هؤلاء لا يطيب لهم المقام في المدينة.

"بد

وعنده من رواية أبي سعد عنه "مصفرة ألوانهم". وأما الوخم الذي شكوا منه بعد أن صحت أجسامهم فهو من حمى المدينة، كما عند أحمد من رواية حميد عن أنس وسيأتي ذكر حمى المدينة من حديث عائشة في الطب، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- دعا الله أن ينقلها إلى الجحفة".

النبي -عليه الصلاة والسلام- لما هاجر إلى المدينة وبها الحمى دعا الله أن ينقل حماها إلى الجحفة، والجحفة بلدٌ مأهول فدعا عليهم النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنهم من اليهود، لأنهم من اليهود.

طالب:...

أين؟ ما يلزم أن يكون الدعاء في هذا الوقت.

"ووقع عند مسلم من رواية معاوية بن قرة عن أنس "وقع بالمدينة المُوْم" أي بضم الميم وسكون الواو قال: وهو البِرسام أي بكسر الموحدة سُرياني مُعرَّب، أُطلق على اختلال العقل وعلى ورم الرأس وعلى ورم الصدر، والمراد هنا الأخير، فعند أبي عوانة من رواية همام عن قتادة عن أنس في هذه القصة "فعظُمت بطونهم".

ويطلق على البرسام هو اختلال في العقل وضعف في التصرف، الأصل أنه في الرأس إما أن نتيجة ورم أو يكون نتيجة خلل عقلي وعلى ورم الصدر قال: والمراد هنا الأخير فعند أبي عوانة من رواية همام عن قتادة عن أنس في هذه القصة: فعظمت بطونهم، يعني يقول: ورم الصدر هذا المراد، لما جاء في الرواية: فعظمت بطونهم، ومعلومٌ أن الصدر غير البطن، لكن قد يكون لقربه منه تأثر به، وإلا فالدليل لا يوافق المدلول.

"قوله: (فأمرهم بلقاح) أي فأمرهم أن يلحقوا بها، وللمصنف في رواية همام عن قتادة "فأمرهم أن يلحقوا براعيه" وله عن قتيبة عن حماد "فأمر لهم بلقاح"؛ بزيادة اللام فيحتمل أن تكون زائدة أو للتعليل أو لشبه الملك أو للاختصاص وليست للتمليك".

ليست للتمليك؛ لأنه لم يملكهم إياها، وإنما ملكهم المنافع بأن يشربها من ألبانها وأبوالها، واللام كما تأتي للملك تأتي لشبه الملك كما يقال: القفل للباب، والباب للدار وهكذا شبه ملك ليس بملك. نعم.

"وعند أبي عوانة من رواية معاوية بن قرة التي أخرج مسلم إسنادها "أنهم بدؤوا بطلب الخروج".

أو للاختصاص بمعنى أن يكونوا أولى بها من غيرهم بحيث لو جاء أحد يريد أن يشرب من ألبانها مما يضيق عليهم هذه اللام تعطي الاختصاص، فيكون أولى بها، لا أنها ملك لهم،.

"وعند أبي عوانة من رواية معاوية بن قرة التي أخرج مسلم إسنادها "أنهم بدؤوا بطلب الخروج إلى اللقاح فقالوا: يا رسول الله، قد وقع هذا الوجع فلو أذنت لنا فخرجنا إلى الإبل" وللمصنف من رواية وهيب عن أيوب أنهم قالوا: "يا رسول الله أَبغِنا رسلاً "أي اطلب لنا لبنًا"، قال: «ما أجد لكم إلا أن تلحقوا بالذَّود»، وفي رواية أبي رجاء: «هذه نَعَمٌ لنا تخرج فاخرجوا فيها». واللِقاح باللام المكسورة والقاف وآخره مهملة: النُّوق ذوات الألبان، واحدها لِقْحَة بكسر اللام وإسكان القاف، وقال أبو عمرو: يقال لها ذلك إلى ثلاثة أشهر ثم هي لبون".

أبو عمرو الشيباني من أئمة اللغة.

"وظاهر ما مضى أن اللقاح كانت للنبي -صلى الله عليه وسلم- وصرح بذلك في المحاربين عن موسى عن وهيب بسنده فقال: «إلا أن تلحقوا بإبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-»".

والرسول -عليه الصلاة والسلام- له إبل وله غنم بخلاف إبل الصدقة، له مائة من الغنم كما في سنن أبي داوود لا يريد ولا يرغب في زيادتها، بحيث إذا نُتجت واحدة ذبح مكانها أخرى، لا يريدها أن تزيد على المائة وهذا من زهده في الدنيا -عليه الصلاة والسلام-، وعلى كل حال النبي -عليه الصلاة والسلام- تملك الإبل وتملك الغنم ولم يثبت أنه تملك البقر، نعم. -عليه الصلاة والسلام-.

"وله فيه من رواية الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير بسنده: فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة، وكذا في الزكاة من طريق شعبة عن قتادة، والجمع بينهما أن إبل الصدقة كانت ترعى خارج المدينة، وصادف بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- بلقاحه إلى المرعى ما طلب هؤلاء النفر الخروج إلى الصحراء لشرب ألبان الإبل، فأمرهم أن يخرجوا مع راعيه فخرجوا معه إلى الإبل ففعلوا ما فعلوا وظهر بذلك مصداق قوله -صلى الله عليه وسلم-: «إن المدينة تنفي خبثها» وسيأتي في موضعه. وذكر ابن سعدٍ أن عدد لقاحه -صلى الله عليه وسلم- كانت خمس عشرة، وأنهم نحروا منها واحدة يقال لها: الحِنَّاء، وهو في ذلك متابع للواقدي".

الحِنَّاء أو الحَنَّاء؟ من الحنين؟

طالب: مضبوطة عندي الحِنَّاء بالكسر.

مضبوطة؟

طالب: نعم.

نعم.

"وهو في ذلك متابع للواقدي، وقد ذكره الواقدي في المغازي بإسناد ضعيف مرسل. قوله: (وأن يشربوا) أي وأمرهم أن يشربوا، وله في رواية أبي رجاء: «فاخرجوا فاشربوا من ألبانها وأبوالها» بصيغة الأمر، وفي رواية شعبة عن قتادة: فرخَّص لهم أن يأتوا الصدقة فيشربوا، فأما شربهم ألبان الصدقة فلأنهم من أبناء السبيل".

وأبناء السبيل من أهل الزكاة،.

"وأما شربهم لبن لقاح النبي -صلى الله عليه وسلم- فبإذنه المذكور، وأما شربهم البول فاحتج به من قال بطهارته، أما من الإبل فبهذا الحديث، وأما من مأكول اللحم فبالقياس عليه، وهذا قول مالك وأحمد وطائفة من السلف، ووافقهم من الشافعية: ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان والإصطخري والروياني، وذهب الشافعي والجمهور إلى القول بنجاسة الأبوال والأرواث كلها من مأكول اللحم وغيره".

يعني القول الأول قول مالك وأحمد وطائفة من السلف ثم قال: وذهب الشافعي والجمهور، في بعض الشروح والجمهور من أصحابه؛ لأن من الشافعية من قال بالقول الأول؛ لأنه إذا كان مالك وأحمد وطائفة من السلف في جهة ما يكون الباقي جمهور، ومن الشافعية ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان والإصطخري والروياني، جمع من الشافعية الذي لهم عناية بالحديث كلهم وافقوا على القول بطهارتها كقول مالك وأحمد، ولذا المتَّجِه أن يقال: وذهب الشافعي والجمهور من أصحابه في مقابل من ذُكِر من أصحابه فيَتَّجِه الكلام.

"واحتج ابن المنذر لقوله بأن الأشياء على الطهارة حتى تثبت النجاسة، قال: ومن زعم أن هذا خاص بأولئك الأقوام لم يصب؛ إذ الخصائص لا تثبت إلا بدليل قال: وفي ترك أهل العلم بيع الناس أبعار الغنم في أسواقهم، واستعمال أبوال الإبل في أدويتهم قديمًا وحديثًا من غير نكير دليل على طهارتها. قلتُ: وهو استدلال ضعيف؛ لأن المختلف فيه لا يجب إنكاره، فلا يدل ترك إنكاره على جوازه، فضلاً عن طهارته، وقد دل على نجاسة الأبوال كلها حديث أبي هريرة الذي قدمناه قريبًا.

 وقال ابن العربي: تعلق بهذا الحديث من قال بطهارة أبوال الإبل".

الحديث الذي استدلوا به على النجاسة: «وأما الثاني فكان لا يستنزه من البول»، واستدلوا بعموم البول، وأن ال جنسية يدخل فيها مأكول اللحم وغيره، ولكن الرواية الأخرى في الحديث تبين المراد، وأن ال بدل من الضمير في الرواية الأخرى: «كان لا يستنزه من بوله» نعم.

"وقال ابن العربي: تعلق بهذا الحديث من قال بطهارة أبوال الإبل، وعورضوا بأنه أذن لهم في شربها للتداوي، وتُعُقِّبَ بأن التداوي ليس حال ضرورة بدليل أنه لا يجب، فكيف يباح الحرام لما لا يجب؟ وأُجيب بمنع أنه ليس حال ضرورة، بل هو حال ضرورة إذا أخبره بذلك من يعتمد على خبره وما أبيح للضرورة لا يُسمى حرامًا وقت تناوله؛ لقوله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [سورة الأنعام: 119] فما اضطر إليه المرء فهو غير محرم عليه كالميتة للمضطر، والله أعلم".

لكن الرد عليهم من قِبَل الفريق الثاني أنه لو أبيح للتداوي لأمروا بغسل أفواههم وهذا لا يشق عليهم نعم.

"وما تضمنه كلامه من أن الحرام لا يباح إلا لأمر واجب غير مُسَلَّم، فإن الفطر في رمضان حرام ومع ذلك فيباح لأمر جائز كالسفر مثلاً. وأما قول غيره: لو كان نجسًا ما جاز التداوي به لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها» رواه أبو داود من حديث أم سلمة، وستأتي له طريق أخرى في الأشربة من هذا الكتاب إن شاء الله، والنجس حرام فلا يُتداوى به؛ لأنه غير شفاء، فجوابه أن الحديث محمول على حالة الاختيار، وأما في حال الضرورة فلا يكون حرامًا كالميتة للمضطر، ولا يَرِدُ قوله -صلى الله عليه وسلم- في الخمر: «إنها ليست بدواء، إنها داء» في جواب من سأله عن التداوي بها فيما رواه مسلم، فإن ذلك خاص بالخمر ويلتحق به غيرها من المُسكِر، والفرق بين المُسكِر وبين غيره من النجاسات أن الحد يثبت باستعماله في حالة الاختيار دون غيره؛ ولأن شربه يجر إلى مفاسد كثيرة، ولأنهم كانوا في الجاهلية يعتقدون أن في الخمر شفاءً، فجاء الشرع بخلاف معتقدهم، قاله الطحاوي بمعناه.

وأما أبوال الإبل فقد روى ابن المنذر عن ابن عباس مرفوعًا: «إن في أبوال الإبل شفاءً للذَّرِبة بطونهم» والذَّرِب".

والذَّرَبُ.

"والذَّرَبُ فساد المعدة، فلا يقاس ما ثبت أن فيه دواءً على ما ثبت نفي الدواء عنه والله أعلم. وبهذه الطريقة يحصل الجمع بين الأدلة، والعمل بمقتضاها كلها".

في تعليق الشيخ ابن باز -رحمه الله- يقول: ليس بين الأدلة في هذا الباب بحمد الله اختلاف، والصواب طهارة أبوال مأكول اللحم من الإبل وغيرها كما تقدَّم قريبًا قبل ورقة، وتقدَّم الجواب عما ذكره الشارح، ولو كانت الأبوال من الإبل ونحوها نجسة لأمرهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بغسل أفواههم منها، وأوضح لهم حكمها، يعني ما قال نجسة، واشربوا للضرورة أو شيء من هذا، وتأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز كما في علم الأصول والله أعلم.

طالب:...

ماذا؟ نعم، الخيل، التي..

طالب:...

ذوات الأربع، لكن المقصود الخيل التي تصلح للبريد.

طالب:...

أين؟ لكن المقصود مأكول اللحم؛ لاقترانه بالإبل والغنم.

طالب:...

نعم، يعني لو احتيج في علاج إنسان إلى جلد خنزير أو عظم خنزير بحيث لا يقوم غيره مقامه، فالفتوى على الجواز، الفتوى على الجواز؛ لأن هذه حال ضرورة، «تداووا عباد الله، ولا تتداووا بحرام»؟

طالب:...

محمول على حال الاختيار، يعني في جواب من سأله عن الخمر، في جواب من سأله عن الخمر.

طالب:...

البنج البنج؟

طالب:...

لا، يختلف عن الخمر وإن كان فيه تغطية للعقل إلا أنه ليس فيه إطراب كالخمر.

"قوله: (فلما صحّوا) في السياق حذف تقديره "فشربوا من أبوالها وألبانها فلما صحوا". وقد ثبت ذلك في رواية أبي رجاء، وزاد في رواية وهيب: "وسمنوا"، وللإسماعيلي من رواية ثابت: "ورجعت إليهم ألوانهم".

قوله: (واستاقوا النَّعَم) من السَّوْق، وهو السير العنيف. قوله: (فجاء الخبر) في رواية وهيب عن أيوب "الصريخ" بالخاء المعجمة، وهو فعيل بمعنى فاعل أي صرخ بالإعلام بما وقع منهم".

ولذا يطلق على الديك الصارخ، وجاء فيه خبر، جاء فيه حديث إذا سمع الصارخ يعني الديك، فعيل بمعنى فاعل.

"وهو فعيل بمعنى فاعل أي صرخ بالإعلام بما وقع منهم وهذا الصارخ أحد الراعيين كما ثبت في صحيح أبي عوانة من رواية معاوية بن قرة عن أنس، وقد أخرج مسلم إسناده ولفظه "فقتلوا أحد الراعيين وجاء الآخر قد جزع، فقال: قد قتلوا صاحبي وذهبوا بالإبل" واسم راعي النبي -صلى الله عليه وسلم- المقتول يَسار بياء تحتانية ثم مهملة خفيفة كذا ذكره ابن إسحاق في المغازي، ورواه الطبراني موصولاً من حديث سلمة بن الأكوع بإسناد صالح قال: "كان للنبي -صلى الله عليه وسلم- غلام يقال له يسار"، زاد ابن إسحاق: "أصابه في غزوة بني ثعلبة"، قال سلمة: "فرآه يحسن الصلاة فأعتقه، وبعثه في لِقاح له بالحرَّة فكان بها"، فذكر قصة العرنيين وأنهم قتلوه، ولم أقف على تسمية الراعي الآتي بالخبر، والظاهر أنه راعي إبل الصدقة، ولم تختلف روايات البخاري في أن المقتول راعي النبي -صلى الله عليه وسلم- وفي ذكره بالإفراد، وكذا لمسلم، لكن عنده من رواية عبد العزيز بن صهيب عن أنس: "ثم مالوا على الرعاة فقتلوهم" بصيغة الجمع، ونحوه لابن حبان من رواية يحيى بن سعيد عن أنس، فيحتمل أن إبل الصدقة كان لها رعاة فقتل بعضهم مع راعي اللقاح، فاقتصر بعض الرواة على راعي النبي -صلى الله عليه وسلم- وذكر بعضهم معه غيره، ويحتمل أن يكون بعض الرواة ذكره بالمعنى، فتجوز في الإتيان بصيغة الجمع، وهذا أرجح؛ لأن أصحاب المغازي لم يذكر أحد منهم أنهم قتلوا غير يسار، والله أعلم.

قوله: (فبعث في آثارهم) زاد في رواية الأوزاعي "الطلب" وفي حديث سلمة بن الأكوع: "خيلاً من المسلمين أميرهم كُرْز بن جابر الفهري"، وكذا ذكره ابن إسحاق والأكثرون، وهو بضم الكاف وسكون الراء بعدها زاي، وللنسائي من رواية الأوزاعي: "فبعث في طلبهم قافَة" أي جمع قائف، ولمسلم من رواية معاوية بن قرة عن أنس أنهم شباب من الأنصار".

ليقتصوا آثارهم، ويعرفوا مكانهم بقَصِّ الأثر، والقيافة معروفة في العرب، ويحصل من بعض القافة المهرة شيءٌ يبهر من لا خبرة له ولا معرفة، القيافة معروفة عندهم، والعمل بها جاء في حديث مُجَزِّز في الصحيحين لما شهد لأسامة أنه ولد لزيد لما رأى الأقدام.

"ولمسلم من رواية معاوية بن قرة عن أنس أنهم شباب من الأنصار قريب من عشرين رجلاً، وبعث معهم قائفًا يقتص آثارهم، ولم أقف على اسم هذا القائف، ولا على اسم واحد من العشرين، لكن في مغازي الواقدي أن السرية كانت عشرين رجلاً، ولم يقل من الأنصار، بل سمى منهم جماعة من المهاجرين منهم بُريدة بن الحُصيب وسلمة بن الأكوع الأسلميان، وجُنْدُب ورافع ابنا مكيث الجهنيان".

لكن هذا في مغازي الواقدي فيه جماعة من المهاجرين، والذي في مسلم أنهم من الأنصار، نعم.

"لكن في مغازي الواقدي أن السرية كانت عشرين رجلاً، ولم يقل من الأنصار، بل سمى منهم جماعة من المهاجرين منهم بُريدة بن الحُصيب وسلمةَ".

سلمةُ.

"وسلمةُ بن الأكوع الأسلميان، وجُنْدُب ورافع ابنا مَكيث الجُهَنيَّان، وأبو ذر وأبو رهم الغفاريان، وبلال بن الحارث وعبد الله بن عمرو بن عوف المُزنيان وغيرهم، والواقدي لا يُحتَجُّ به إذا انفرد، فكيف إذا خالف! لكن يحتمل أن يكون من لم يسمه الواقدي من الأنصار، فأُطلِق الأنصار تغليبًا، أو قيل للجميع: أنصار بالمعنى الأعم".

من النصرة؛ لأن هؤلاء وإن لم يكونوا من الأنصار بل من المهاجرين ومن غفار وغيرهما ممن نصر النبي -عليه الصلاة والسلام-، فيصحُّ إطلاق الأنصار عليهم بالمعنى الأعم.

"وفي مغازي موسى بن عقبة أن أمير هذه السرية سعيد بن زيد كذا عنده بزيادة ياء، والذي ذكره غيره أنه سعد بسكون العين بن زيد الأشهلي وهذا أيضًا أنصاري، فيُحتمل أنه كان رأس الأنصار وكان كُرْز أمير الجماعة. وروى الطبري وغيره من حديث جرير بن عبد الله البجلي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعثه في آثارهم، لكن إسناده ضعيف، والمعروف أن جريرًا تأخر إسلامه عن هذا الوقت بمدة، والله أعلم".

يعني أسلم بعد المائدة كما في حديث التيمم.

"قوله: (فلما ارتفع) فيه حذف تقديره: فأُدرِكوا في ذلك اليوم فأُخِذوا فلما ارتفع النهار جيء بهم أي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أسارى.

قوله: (فأمر بقطع) كذا للأصيلي والمستملي والسرخسي، وللباقين: فقطع أيديهم وأرجلهم. قال الداودي: يعني قطع يدي كل واحد ورجليه. قلت: ترده رواية الترمذي "من خلاف"، وكذا ذكره الإسماعيلي عن الفريابي عن الأوزاعي بسنده، وللمصنف من رواية الأوزاعي أيضًا: "ولم يَحسِمهُم" أي لم يكوِ ما قطع منهم بالنار لينقطع الدم، بل تركه ينزف".

لأن موتهم مقصود ومراد، فلو كان المقصود حياتهم وبقاءهم لحسمهم كما في الحدود.

"قوله: (وسُمِّرَت أعينهم) تشديد الميم وفي رواية أبي رجاء: "وسَمَر" بتخفيف الميم، ولم تختلف روايات البخاري في أنه بالراء، ووقع لمسلم من رواية عبد العزيز "وسمَل" بالتخفيف واللام قال الخطابي السمل: فقؤ العين بأي شيء كان، قال أبو ذؤيب الهذلي: والعين بعدهم كأن حداقها سُمِلت بشوك فهي عَوَرٌ تدمع".

عُوْرٌ.

"عُورٌ تدمع، قال: والسَّمْرُ لغة في السمل ومخرجهما متقارب. قال: وقد يكون من المسمار يريد أنهم كحلوا بأميال قد أُحمِيَت. قلتُ: قد وقع التصريح بالمراد عند المصنف من رواية وهيب عن أيوب، ومن رواية الأوزاعي عن يحيى كلاهما عن أبي قلابة ولفظه "ثم أمر بمسامير فأحميت فكحلهم بها "فهذا يوضح ما تقدم، ولا يخالف ذلك رواية السمل؛ لأن فقؤ العين بأي شيء".

لأنه فقؤ العين.

"لأنه فقؤ العين بأي شيء كان كما مضى".

يعني كما مضى في كلام الخطابي.

"قوله: (وأُلقُوا في الحرة) هي أرض ذات حجارة سود معروفة بالمدينة وإنما أُلقوا فيها؛ لأنها قرب المكان الذي فعلوا فيه ما فعلوا.

قوله: (يستسقون فلا يُسقَون) زاد وهيب والأوزاعي: "حتى ماتوا"، وفي رواية أبي رجاء: "ثم نبذهم في الشمس حتى ماتوا"، وفي رواية شعبة عن قتادة: "يعضون الحجارة"، وفي الطب من رواية ثابت قال أنس: "فرأيت الرجل منهم يَكدُمُ الأرض بلسانه حتى يموت"، ولأبي عوانة من هذا الوجه: "يعض الأرض ليجد بردها مما يجد من الحر والشدة". وزعم الواقدي أنهم صلبوا، والروايات الصحيحة ترده. لكن عند أبي عوانة من رواية أبي عقيل عن أنس: "فصلب اثنين وقطع اثنين وسمل اثنين"، كذا ذكر ستة فقط، فإن كان محفوظًا فعقوبتهم كانت موزعة.

ومال جماعة منهم ابن الجوزي إلى أن ذلك وقع عليهم على سبيل القصاص؛ لما عند مسلم من حديث سليمان التيمي عن أنس: "إنما سمل النبي -صلى الله عليه وسلم- أعينهم؛ لأنهم سملوا أعين الرعاة"، وقصّر من اقتصر في عزوه للترمذي والنسائي، وتعقبه ابن دقيق العيد بأن المُثلة في حقهم وقعت من جهات، وليس في الحديث إلا السمل فيحتاج إلى ثبوت البقية".

هل هذه مُثلى أم مماثلة؟

طالب: مماثلة.

مماثلة ليست مُثلى؛ لأنهم مثلوا بالراعي.

"قلتُ: كأنهم تمسكوا بما نقله أهل المغازي أنهم مثلوا بالراعي، وذهب آخرون إلى أن ذلك منسوخ، قال ابن شاهين عقب حديث عمران بن حصين في النهي عن المثلة: هذا الحديث ينسخ كل مثلة. وتعقَّبه ابن الجوزي بأن ادعاء النسخ يحتاج إلى تاريخ.

 قلت: يدل عليه ما رواه البخاري في الجهاد من حديث أبي هريرة في النهي عن التعذيب بالنار بعد الإذن فيه، وقصة العرنيين قبل إسلام أبي هريرة وقد حضر الإذنُ ثم النهي".

الإذنَ.

"الإذنَ ثم النهي، وروى قتادة عن ابن سيرين أن قصتهم كانت قبل أن تنزل الحدود ولموسى بن عقبة في المغازي: وذكروا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى بعد ذلك عن المثلة بالآية التي في سورة المائدة، وإلى هذا مال البخاري، وحكاه إمام الحرمين في النهاية عن الشافعي".

الآية التي في سورة المائدة: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا} [سورة المائدة: 45] آية القصاص.

"واستشكل القاضي عياض عدم سقيهم الماء؛ للإجماع على أن من وجب عليه القتل فاستسقى لا يُمنع.

وأجاب بأن ذلك لم يقع عن أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا وقع منه نهي عن سقيهم. انتهى.

وهو ضعيف جدًّا، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- اطلع على ذلك، وسكوته كافٍ في ثبوت الحكم. وأجاب النووي بأن المحارب المرتد لا حرمة له في سقي الماء ولا غيره، ويدل عليه أن من ليس معه ماء إلا لطهارته فليس له أن يسقيه للمرتد ويتيمم، بل يستعمله ولو مات المرتد عطشًا".

نعم؛ لأنه لا حرمة له.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

آية القصاص، ولا يمنع أن تُراد آية الحرابة؛ لأنها قريبة منها.

طالب:...

النفس بالنفس. نعم. لا يسقيه؛ لأنه بصدد أن يُقتَل، وهذا فرض أن يتوضأ إذا وجد الماء شرط لصحة الصلاة، الكلام في القدر الزائد على ما يحتاجه لصلاته.

"وقال الخطابي: إنما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- بهم ذلك؛ لأنه أراد بهم الموت بذلك وقيل: إن الحكمة في تعطيشهم؛ لكونهم كفروا نعمة سقي ألبان الإبل التي حصل لهم بها الشفاء من الجوع والوخم، ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- دعا بالعطش على من عطش آل بيته في قصة رواها النسائي".

فكيف بمن عطّشه -عليه الصلاة والسلام-؟ لأنه يؤتى له باللبن من هذه اللقاح.

"فيحتمل أن يكونوا في تلك الليلة منعوا إرسال ما جرت به العادة من اللبن الذي كان يراح به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من لقاحه في كل ليلة، كما ذكر ذلك ابن سعد والله أعلم.

قوله: (قال أبو قلابة فهؤلاء سرقوا) أي لأنهم أخذوا اللقاح من حرز مثلها، وهذا قاله أبو قلابة استنباطًا.

قوله: (وقتلوا) أي الراعي كما تقدم. قوله: (وكفروا) هو في رواية سعيد عن قتادة عن أنس في المغازي، وكذا في رواية وهيب عن أيوب في الجهاد في أصل الحديث وليس موقوفًا على أبي قلابة كما توهمه بعضهم، وكذا قوله: "وحاربوا" ثبت عند أحمد من رواية حميد عن أنس في أصل الحديث: "وهربوا محاربين"، وستأتي قصة أبي قلابة في هذا الحديث مع عمر بن عبد العزيز في مسألة القسامة من كتاب الديات إن شاء الله تعالى.

وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم: قدوم الوفود على الإمام، ونظره في مصالحهم، وفيه مشروعية الطب والتداوي بألبان الإبل وأبوالها، وفيه أن كل جسد يطبب بما اعتاده، وفيه قتل الجماعة بالواحد سواء قتلوه غيلة أو حرابة إن قلنا: إن قتلهم كان قصاصًا، وفيه المماثلة في القصاص وليس ذلك من المثلة المنهي عنها، وثبت".

ثبوت ثبوت.

"وليس ذلك من المثلة المنهي عنها، وثبوت حكم المحاربة في الصحراء، وأما في القرى ففيه خلاف".

فيه خلاف.

طالب:...

نعم؛ لوجود من يحميه إذا استصرخ، ولكن إذا كان لا يستطيع مع من يحميه الدفاع عنه فالبلد والصحراء واحد، ولذلك كثير من أهل التحقيق يرون أن الحرابة كما تثبت في الصحراء تثبت أيضًا في البلدان، وقد يكون الناس الذين يمكن إغاثتهم يكونوا في غفلة، في نوم أو لا يسمعون ما يحصل، بعيدون عنه، فالتقييد بالصحراء، نعم هي الأصل، لكن مع ذلك إذا حصل بالبلد الذي يمنع من وجود المصرخ والمغيث كان الحكم واحدًا.

طالب:...

 ماذا؟

طالب:...

مثل قطع الطريق نعم.

"وفيه جواز استعمال أبناء السبيل إبل الصدقة في الشرب وفي غيره قياسًا عليه بإذن الإمام، وفيه العمل بقول القائف وللعرب في ذلك المعرفة التامة".

بركة بركة، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد.