شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1426 هـ) - 28

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وآله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في شرح كتاب الصوم من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

بداية نرحب بضيفنا صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً بكم فضيلة الدكتور.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: قال -رحمه الله تعالى-: عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنها- أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: أأصوم في السفر؟ وكان كثير الصيام فقال: «إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر».

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد،

الحديث من رواية أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديقة بنت الصديق، وقد مر ذكرها مرارًا، والصحابي حمزة بن عمرو الأسلمي المذكور في الحديث على ما سيأتي من بيان أن الحديث من مسنده أو من مسند عائشة، على كل حال هو حمزة بن عمرو بن عويمر الأسلمي أبو صالح أو أبو محمد المدني، قال ابن حجر: صحابي جليل، مات سنة إحدى وستين، وله إحدى وسبعون، وقيل: ثمانون، وهو من خيار الصحابة وعبادهم، وفي الحديث بيان أنه كان كثير الصيام، كثير الصيام، فيدل على أنه صاحب عبادة، ولذا أسند الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في ترجمته من التاريخ الكبير عنه أنه قال: كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر، فتفرقنا في ليلة ظلماء، فأضاءت أصابعي حتى جمعوا عليها ظهرهم وما هلك منهم، وأن أصابعي لتنير.

هذه الكرامات تحصل لمثل هذا، صاحب العبادة، لا سيما أن من كانت صلته بالله وثيقة بأي عبادة مشروعة شريطة أن تكون في حدود المشروع لا يتعدى ذلك إلى أن يزيد على ما شرعه الله -جلَّ وعلا- يدخل في حيز البدعة، فمثل هذا يحصل له مثل هذه الكرامات مع الاتباع لا بد من الاتباع.

الحديث ذكره البخاري، أو ترجم عليه البخاري الترجمة السابقة، فالحديث في ضمن الترجمة السابقة، باب الصوم في السفر والإفطار، وذكر البخاري الحديث من طريقين طريق مختصرة وطريق تامة، الأولى: عن مسدد قال: حدثنا يحيى عن هشام قال: حدثني أبي عن عائشة -رضي الله عنها- أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال:
يا رسول الله إني أسرد الصوم، إني أسرد الصوم.

والثانية قال: حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- فذكره، ذكر الحديث كما عندنا.

أأصوم في السفر؟ وكان كثير الصيام، قال: «إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر»، ولا موضع ثالث للحديث غير هذين في الصحيح، ولذا نكتفي بهذا عن ذكر أطرافه ومواضع تخريجه.

يقول الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: قوله: أن حمزة بن عمرو الأسلمي، هكذا رواه الحفاظ عن هشام، يقول: أخبرنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن عائشة، عن عائشة -رضي الله عنها- أن حمزة بن عمرو الأسلمي، والطريق الأولى أن حمزة بن عمرو الأسلمي، فعلى هذا؛ الحديث من مسند عائشة، وعائشة تحكي قصة...

المقدم: حمزة.

حمزة، هكذا رواه الحفاظ، وقال عبد الرحيم بن سليمان عند النسائي والدراوردي عند الدارقطني، ويحيى بن عبد الله بن سالم عند الدارقطني ثلاثتهم عن هشام عن أبيه عن عائشة عن حمزة بن عمرو، وجعلوه من مسند حمزة، والمحفوظ أنه من مسند عائشة، ويحتمل أن يكون هؤلاء لم يقصدوا بقولهم: عن حمزة الرواية عنه، وإنما أرادوا الإخبار عن حكايته، فالتقدير عن عائشة عن قصة حمزة أنه سأل.

يعني الصحيح بالنسبة لحديث عائشة، في حديث عائشة أنه من مسندها لكن جاء عند النسائي وعند الطبراني والدارقطني عن عائشة عن حمزة، فيكون من مسنده هو، وعائشة تروي عنه.

يحتمل أن هؤلاء لم يقصدوا بقولهم عن حمزة الرواية عنه، وإنما أرادوا الإخبار عن حكايته، فالتقدير عن عائشة عن قصة حمزة أنه سأل، لكن إلى آخره، يأتي هذا.

التعبير بالعنعنة بلفظ (عن) عن القصة لا أنها أداة من أداة الرواية أو من صيغ الأداء، يعني في مثل قولهم: عن أبي الأحوص أنه خرج عليه خوارج فقتلوه.

المقدم: ما يمكن.

ما يمكن، إنما يتحدثون عن قصة؟

المقدم: أبي الأحوص.

أبي الأحوص، لا أنهم يروون عن أبي الأحوص، وهنا الثلاثة يتحدثون عن قصة حمزة بن عمرو الأسلمي.

يقول ابن حجر: لكن قد صح مجيء الحديث من رواية حمزة، فأخرجه مسلم من طريق أبي الأسود عن عروة عن أبي مراوح عن حمزة، وكذلك رواه محمد بن إبراهيم التيمي عن عروة، لكن أسقط أبا مراوح والصواب إثباته، وهو محمول على أن لعروة فيه طريقين: سمعه من عائشة، وسمعه من أبي مراوح عن حمزة.

ما دام ثبت أنه من مسند حمزة، لماذا يجيب ابن حجر عما يُروى من طريق الثلاثة عن حمزة، عن عائشة عن حمزة، وأن المراد بعن هذه القصة لا أداة الرواية؟ كيف أجاب ابن حجر عن رواية عائشة عن حمزة بأن المراد القصة؟ وضحت هذا في قصة أبي الأحوص.

ثم قال: لكن قد صح مجيء الحديث من رواية حمزة.

يعني إذا كان صح روايته من مجيء حمزة، مجيئه من رواية حمزة ما نحتاج إلى..

المقدم: أن نورد ما سبق.

نعم، هو يريد أن يبين أن الحديث من رواية عائشة ومن مسندها...

المقدم: يصح.

يعني ثابت من روايتها ومن مسندها، وهو أيضًا ثابت من روايته ومن مسنده، فيكون حديثًا واحدًا أو حديثين؟ يكون حديثين.

ومطابقة الحديث للترجمة من حيث إن سرد الصوم يتناول الصوم في السفر أيضًا كما هو الأصل في الحضر.

أأصوم في السفر؟ ظاهر في شق الترجمة الأول، شق الترجمة الأول باب الصوم في السفر، فالحديث مطابق، وإذا كان يسرد، فلن يسرد في السفر ويترك في الحضر، لكن هو شاهد للصيام، لكن هل هو شاهد للإفطار؟

المقدم: نعم.

من أي جهة؟

المقدم: في قوله -عليه الصلاة والسلام-: «وإن شئت فأفطر» ما يدل على الإفطار.

ما يدل على جواز؟

المقدم: الإفطار.

الإفطار في السفر، وفي؟

المقدم: السفر، أنا كثير السفر يا رسول الله، أأصوم في السفر؟

نعم، لكن كثير الصيام هل يدل على أن هذا في رمضان أو تطوع؟ 

المقدم: لا، يدل على التطوع جزمًا.

نعم؛ إذن يصوم ويفطر في السفر والحضر؛ لأنه أحاله إلى مشيئته، لكن المسؤول عنه السفر، وإذا جاز له أن يصوم ويفطر في السفر، فمن باب أولى أن يجوز له ذلك في الحضر إذا كان الصيام غير واجب.

يقول: ومطابقة الحديث للترجمة من حيث إن سرد الصوم يتناول الصوم في السفر أيضًا كما هو الأصل في الحضر.

قوله: إِنِّي أسرد الصَّوْم، قوله: إِنِّي أسرد الصَّوْم، أَي: أتابعه يَعْنِي: آتِي بِهِ متواليًا، وَهُوَ من سَرَد يسْرد من بَاب نصر ينصر، سرد يسرد من باب نصر ينصر -يعني بضم ثالثه في المضارع-، وَقَالَ ابْن التِّين: ضبط فِي بعض الْأُمَّهَات بِضَم الْهمزَة، ماذا يكون النطق؟ حديث أَسرد؟

المقدم: أُسرد، أُسرد.

كيف؟

المقدم: بضم، يُسرد.

قَالَ ابْن التِّين: ضبط فِي بعض الْأُمَّهَات بِضَم الْهمزَة، كيف؟

قال: وَلَا وَجه لَهُ فِي اللُّغَة إلاَّ أَن يُرِيد بِفَتْح السِّين وَتَشْديد الرَّاء على التكثير.

المقدم: أُسرّد.

أُسرِّد، أُسرِّد الصوم، والصيغة التفعيل التسريد تدل على التكثير.

يقول العيني: لَا يحْتَاج إِلَى هَذَا التَّطْوِيل؛ لِأَنَّهُ حِين قيل بِضَم الْهمزَة علم أَنه من: بَاب التفعيل، تَقول: سرّد يسْرّد تسريدًا، وَصِيغَة الْمُتَكَلّم وَحده لَا تَجِيء إلاَّ بِضَم الْهمزَة، صِيغَة الْمُتَكَلّم وَحده لَا تَجِيء إلاَّ بِضَم الْهمزَة أُسرِّد، مع التخفيف لا يمكن، أُسرَد أو أُسرِد ما تجي.

قَوْله: أأصوم في السفر؟ أأصوم، بهمزتين الأولى هِيَ همزَة الِاسْتِفْهَام، وَالْأُخْرَى همزَة الْمُتَكَلّم، وكلتاهما مفتوحتان، أَأَ، وكلتاهما مفتوحتان.

قال ابن دقيق العيد: في الحديث دليل على التخيير بين الصوم والفطر في السفر، وليس فيه تصريح بأنه صومٌ، أو صوم رمضان، وربما استدل به من يجيز صوم رمضان في السفر، فمنعوا الدلالة من حيث ما ذكرناه من عدم الدلالة على كونه صوم رمضان.

يعني كونه قدم بهذه المقدمة أأصوم في السفر؟ والروايات الأخرى أسرد، هذه معناها أنه كثير الصيام، وظاهرها أنه من غير رمضان، في الحديث دليل على التخيير بين الصوم والفطر في السفر، وليس فيه تصريح بأنه صوم رمضان، وربما استدل به من يجيز صوم رمضان في السفر، فمنعوا الدلالة من حيث ما ذكرناه من عدم الدلالة على كونه صوم رمضان.

قال ابن حجر: هو كما قال بالنسبة إلى سياق حديث الباب، قال ابن حجر: هو كما قال بالنسبة إلى سياق حديث الباب، لكن في رواية أبي مراوح عند مسلم أنه قال: يا رسول الله! أجد بي قوة على الصيام في السفر، فهل علي جناح؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «هي رخصة من الله، فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه»، وهذا يشعر بأنه سأل عن صيام الفريضة، وذلك أن الرخصة إنما تطلق في مقابلة ما هو واجب.

كونه رخصة، كون الصيام رخصة.

نعود إلى كلام ابن حجر: هو كما قال بالنسبة إلى سياق حديث الباب. يعني ابن دقيق العيد بالنسبة لسياق حديث الباب ما فيه ما يدل على أنه رمضان؛ قال: هو كما قال بالنسبة إلى سياق حديث الباب، لكن في رواية أبي مراوح عند مسلم أنه قال: يا رسول الله! أجد بي قوة على الصيام في السفر، فهل علي جناح؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «هي رخصة من الله، فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه»، وهذا يشعر بأنه سأل عن صيام الفريضة، وذلك أن الرخصة إنما تطلق في مقابلة ما هو واجب.

يعني إن ارتكبت الرخصة فحسن، وإن ارتكبت العزيمة وهو وجوب الصوم في السفر، وجوب صوم رمضان حتى في السفر فحسن.

قال: وأصرح من ذلك ما أخرجه أبو داود والحاكم من طريق محمد بن حمزة بن عمرو عن أبيه أنه قال: يا رسول الله! إني صاحب ظهر أعالجه، أسافر عليه وأكريه، وأنه ربما صادفني هذا الشهر -يعني رمضان- وأنا أجد القوة، وأجدني أن أصوم أهون علي من أن أؤخره فيكون دينًا علي، فقال: «أي ذلك شئت يا حمزة».

هذا يدل دلالة صريحة على أنه ربما صادفني هذا الشهر يعني رمضان فـ(ال) هنا للعهد، الشهر المعهود صيامه، لكن رواية حديث الباب: وكان كثير الصيام، يسرد الصيام، هل يتعين أن يكون رمضان؟ ما يتعين؛ إذ لو كان رمضان ما مُدح بهذا، المسلمون كلهم يصومون رمضان، ولا يقال: إن هذا كثير الصيام لمن يصوم رمضان فقط، على أن ظاهر حديث الباب يدل على أنه في غير رمضان، لكن الحديث الذي أورده الحاكم فيما أخرجه أبو داوود، الحافظ ابن حجر يقول: أخرجه أبو داوود والحاكم من طريق محمد بن حمزة بن عمرو عن أبيه أنه قال: يا رسول الله! إني صاحب ظهر، صاحب ظهر يعني صاحب إبل لحمل الأمتعة عليها، فيكريها للناس، إني صاحب ظهر أعالجه، أسافر عليه وأكريه، وأنه ربما صادفني هذا الشهر -يعني رمضان-، وأنا أجد القوة، وأجدني أن أصوم أهون علي من أن أؤخره، فيكون دينًا علي، فقال: «أي ذلك شئت يا حمزة»، هذا ظاهر في أن المراد شهر رمضان.

وكان كثير الصيام، لا شك أنها منقبة، كان يكثر الصيام في السفر، وإذا كان يكثره ويسرده في السفر، ففي الحضر من باب..

المقدم: من باب أولى.

أولى، والصيام من أفضل الأعمال، «من صام يومًا في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا»، و«كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به».

وذكرنا فيما تقدم ما ذكره الإمام البخاري في ترجمته من أنه قال: كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر، فتفرقنا في ليلة ظلماء فأضاءت أصابعي حتى جمعوا عليها ظهرهم -جمعوا أمتعتهم وإبلهم- وما هلك منهم -يعني ما تفرق من أمتعتهم- وإن أصابعي لتنير.

فمثل هذه الكرامات تحصل للصحابة بكثرة، وحصلت لمن بعدهم ولمن دونهم ممن عُرف بشيء أو بصلة بالله -جلَّ وعلا-، فقد كان عمران بن حصين يُسلَّم عليه في مرضه، يعني تسلم عليه الملائكة، عمران بن حصين في مرضه كان يُسلَّم عليه في الصحيح، فلما اكتوى انقطع التسليم، انقطع التسليم، والتسليم إنما كان بسبب تمام التوكل، وهنا كان -والله أعلم- أن الكرامة هذه حصلت بكثرة صيامه، فلما ندم عمران بن حصين عاد التسليم، عاد التسليم.

واستدل بسرده الصيام وكثرة صيامه على أنه لا كراهية في صيام الدهر، على أنه لا كراهية في صيام الدهر.

قال ابن حجر: ولا دلالة فيه؛ لأن التتابع يصدق بدون صوم الدهر، الذي يسرد شهرًا كاملًا، يفطر شهرًا كاملًا يصدق عليه أنه يسرد الصوم، ولكن هل يصدق عليه أنه يصوم الدهر؟ لا.

قال ابن حجر: لا دلالة فيه؛ لأن التتابع الذي هو السرد يصدق بدون صوم الدهر، فإن ثبت النهي عن صوم الدهر لم يعارضه هذا الإذن بالسرد، بل الجمع بينهما واضح.

قلت: جاء السرد عنه -صلى الله عليه وسلم- في وصفه أنه كان -عليه الصلاة والسلام- يصوم حتى يقال..

المقدم: لا يفطر.

لا يفطر، وكان يفطر حتى يقال: لا يصوم، يعني يسرد هذا وهذا، ويصلح فيه أنه يسرد، ويصلح فيه أيضًا أنه كان كثير الصيام؛ لأن الكثرة والقلة أمور نسبية.

فإن قلت: هذا الحديث، يقول العيني: فَإِن قلت: هذا الحديث يُعَارضهُ نَهْي النبي -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، عبد الله بن عمرو بن العاص حينما حلف ألا ينام الليل، وأن يصوم النهار، يقوم الليل كاملًا، ويصوم النهار، وأن يقرأ القرآن في يوم، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال له: «اقرأ القرآن في شهر»، ثم ما زال به حتى قال له: «اقرأ القرآن في سبع ولا تزد»، وهذا، وعبد الله بن عمرو لما قال: إنه يصوم النهار، نهاه عن ذلك، قال: «صم ثلاثة أيام من كل شهر»، صم كذا صم كذا إلى أن قال: «صيام داود، صم يومًا وأفطر يومًا»، قال: إنه يطيق أفضل من ذلك، قال: «لا أفضل من ذلك»، وقال مثل ذلك في الصلاة، قيام داود، فنهاه عن السرد، وأذن لحمزة بن عمرو بالسرد.

يقول العيني: قلت: يحمل نَهْيه على ضعف عبد الله عَن ذَلِك، وَحَمْزَة ذكر قُوَّةً ولم يذكرهَا غَيره.

يعني عرف النبي -عليه الصلاة والسلام- من حال ابن عمرو أنه لا يطيق، فنهاه عن ذلك، وعرف من حال حمزة أنه يطيق ذلك فأذن له بالسرد.

المقدم: لكن هل يفهم أنه إذن له بالسرد التتابع يا شيخ؟

هو المفهوم من السرد التتابع، لكن هل يفهم منه أنه يصوم الدهر مثل ما حلف عليه ابن عمرو أن يصوم النهار باستمرار؟

المقدم: يعني هذا موضع الإشكال.

ما يلزم.

المقدم: ما يلزم.

ما يلزم، الأمر الثاني: أن عبد الله بن عمرو على طريقته وصنيعه من قيام الليل كله، وصيام النهار بحيث لا يفطر ترتب عليه تضييع حقوق من ذلك حق الزوجة، حتى جاء أبوه عمرو بن العاص يشتكيه إلى النبي- عليه الصلاة والسلام-، شكاه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأنه خطب له ابنة وزوجه إياها ثم ضيعها، فإذا ترتب على مثل هذا ترك للحقوق الواجبة مثل هذا ينهى، على أنه لا معارضة بينهما، فيحمل  طلب عبد الله بن عمرو على أنه يصوم الدهر، ويحمل طلب حمزة بن عمرو الأسلمي على أنه يتابع الصيام، وأنه يفطر في كثير من الأيام فلا معارضة.

 الأمر الثاني: أن عبد الله بن عمرو جاء مندفعًا، لما عنده من حب للعبادة اندفع فقال: إنه يصوم النهار ويقوم الليل بحيث لا ينام، وقال: إنه يقرأ القرآن، فمثل هذا يعالج بالتخفيف والتيسير، بخلاف ما لو كان منصرفًا عن العبادة معرضًا عن الله -جلَّ وعلا-، مثل هذا يعالج بما هو أشد، يعني لو وجدنا شخصًا يمر عليه الشهر ما قرأ القرآن، هل نقول له: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لعبد الله بن عمرو: «اقرأ القرآن في شهر»؟ أو نقول: كان السلف يختمون في ثلاث؟ في يوم؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لعبد الله: «اقرأ القرآن في سبع»، يعني يُعالَج بما يداوي مرضه من التسهيل على نفسه، والإعراض عن هذه العبادات العظيمة، بخلاف من جاء مندفعًا، فإن مثل هذا يعالج بالتخفيف على نفسه.

المقدم: أحسن الله إليكم، ننتهي من الحديث يعني نبدأ في حديث ابن عباس في الحلقة القادمة -إن شاء الله-؟

إن شاء الله، إن شاء الله.

المقدم: جزاكم الله خيرًا، وأحسن إليكم، ونفع بعلمكم، أيها الإخوة والأخوات بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من شرح كتاب الصوم في كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، لقاؤنا بكم -بإذن الله- يتجدد في حلقة قادمة، وأنتم على خير، شكرًا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.