شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1425 هـ) - 05

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين، أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 وأهلاً بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، ولا زلنا في كتاب الصوم، وبالتحديد في باب فضل الصوم، يسرنا مع بداية حلقتنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبدالله الخضير، فأهلاً ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: في حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- الذي أنهينا الحديث عن ألفاظه، وما جاء فيه، وأقوال العلماء فيه، توففنا عند أطراف هذا الحديث- أحسن الله إليك-  نبدأ الحلقة بذكر أطراف الحديث.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحديث خرَّجه الإمام البخاري –رحمه الله تعالى- في خمسة مواضع؛ الموضع الأول: هنا في كتاب الصيام، في باب فضل الصوم، قال- رحمه الله تعالى- حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال:« الصيام جنة .... الحديث»، وسبق الكلام عن ربطه بالباب والباب بالكتاب.

والموضع الثاني: في كتاب الصوم أيضًا، باب هل يقول: إني صائم إذا شتم؟ قال الإمام البخاري- رحمه الله تعالى- حدثنا إبراهيم بن موسى قال: أخبرنا هشام بن يوسف عن ابن جريج قال: أخبرني عطاء عن أبي صالح الزيات أنه سمع أباهريرة- رضي الله عنه- يقول: «قال الله: كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به». فالمناسبة ظاهرة، هل يقول إني صائم؟ نعم فإن قاتله...

المقدم: أكمل الحديث.

فليقل إني صائم؟

المقدم: نعم.

نعم موجود في الحديث

المقدم: في آخره.

المناسبة ظاهرة. الموضع الثالث: في كتاب اللباس: باب ما يذكر في المسك، يقول الإمام –رحمه الله تعالى- حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا هشام قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك». باب ما يذكر في المسك، فالمناسبة ظاهرة، خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك مناسب لقوله: ما يذكر في المسك؛ لأنه ذكر، لكن مناسبة ما يذكر في المسك لكتاب اللباس، أقول مناسبة الحديث للباب ظاهرة لذكر المسك في الحديث، ومناسبة الباب لكتاب اللباس أن المسك كما يستعمل في البدن.

المقدم: يستعمل في اللباس.

يستعمل في اللباس، هذا ظاهر. الموضع الرابع: في كتاب التوحيد في باب قول الله تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ} [سورة الفتح 15]، إنه لقول فصل حق، وما هو بالهزل أي باللعب، يعني الإمام البخاري كما جرت عادته أنه يفسر الكلمات الواردة من القرآن والسنة لأدنى مناسبة. يقول الإمام البخاري-رحمه الله تعالى- حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة - رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم-  قال: «يقول الله- عز وجل- الصوم لي وأنا أجزي به، للصائم فرحتان فرحة حين يفطر وفرحة حين يلقى ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك». كتاب التوحيد باب قول الله- تعالى- يريدون أن يبدلوا كلام الله، يعني داخل في أي أنواع التوحيد؟ الآية يريدون أن يبدلوا كلام الله، توحيد أيش؟ توحيد الكلام.

المقدم: الأسماء والصفات.

توحيد الأسماء والصفات نوع من أنواع التوحيد.

المقدم: وين دلالة الحديث؟

دلالة الحديث قال: يقول الله- عزوجل-

المقدم: الصوم لي.

عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم-  قال: «يقول الله- عزوجل- الصوم لي وانا أجزي به»، يقول ابن بطال: أراد البخاري بهذه الترجمة وأحاديثها ما أراده في الأبواب قبلها أن كلام الله تعالى صفة قائمة، أن كلام الله صفة قائمة به، وأنه لم يزل متكلمًا ولا يزال.

المقدم: يعني الذين أنكروا يقول، وإنما يريدون قال الله.

نعم.

المقدم: هل أنكر أحد من السلف لفظة يقول الله من الأحاديث القدسية؟

 من سلف الأمة لا.

المقدم: لا يمكن.

لا أبدًا.

المقدم: لكن الخلاف وقع من غيرهم.

سلف هذه الأمة يعترفون بأن كلام الله صفة من صفاته، وإن كان قديم النوع إلا أنه متجدد، الآحاد يتكلم متى شاء كيفما يشاء، لكن الحافظ ابن حجر ملحظه آخر، الحافظ ابن حجر يقول: والذي يظهر لي أن غرضه أن كلام الله لا يختص بالقرآن، فإنه ليس نوعًا واحدًا، وفي أحاديث الباب يقول الله –عز وجل- يعني الله كلامه في القرآن وفي غير القرآن من الأحاديث القدسية كهذا مثل هذا الحديث. يقول: والذي يظهر لي أن غرضه أن كلام الله تعالى لا يختص بالقرآن فإنه ليس نوعًا واحدً؛ لأن منه ما في القرآن ومنه ما في غيره كالأحاديث القدسية. الخامس: في كتاب التوحيد أيضًا، باب ذكر النبي- صلى الله عليه وسلم- وروايته عن ربه،  حدثنا آددم قال: حدثنا شعبة قال: حدثنا محمد بن زياد قال: سمعت أبي هريرة عن النبي- صلى الله عليه وسلم-  يرويه عن ربكم قال: «لكل عمل كفارة والصوم لي وأنا أجزي به...الحديث». قال ابن بطال: معنى هذا الباب أن النبي- صلى الله عليه وسلم- روى عن ربه السنة كما روى عنه القرآن. يعني يدل على ذلك قوله تعالى: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى}، معنى هذا أن النبي- صلى الله عليه وسلم-  روى عن ربه السنة كما روى عنه القرآن. يقول ابن حجر: والذي يظهر لي أن مراده تصحيح ما ذهب إليه من أن كلام الله لا يختص بالقرآن، يعني كما تقدم في الذي قبله، لكن الترجمة هو روايته عن ربه، لو قال: إن مراده تصحيح ما ذهب إليه من أن رواية النبي عن ربه لا تختص بالقرآن، لتطابقت الترجمة، ترجم البخاري–رحمه الله تعالى- في كتابه خلق أفعال العباد بلفظ: ما كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يذكر ويروي عن ربه، قال ابن حجر: وهو أوضح. البخاري- رحمه الله- ذكر بعد هذا الحديث حديث حذيفة في الفتن، يقول: حدثنا علي بن عبدالله قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا جامع عن أبي وائل عن حذيفة  قال: قال عمر- رضي الله عنه- من يحفظ حديثًا عن النبي- صلى الله عليه وسلم- في الفتنة، قال حذيفة: أنا سمعته يقول: فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفرها الصلاة والصيام والصدقة. والترجمة باب الصوم كفارة. نعم الصوم كفارة. المختصر ذكر هذا الباب ولا ما ذكره؟

المقدم: ما ذكره.

ذكر الحديث ولا لما ذكره؟

المقدم: ما ذكره.

لم يكره، لماذا؟ لأنه تقدم ذكره في كتاب الصلاة باب الصلاة كفارة، وهو لا يكرر، والشاهد في الحديث للترجمتين، قوله: فتنة الرجل في أهله وماله تكفرها الصلاة والصوم والصدقة، فلم يذكره المختصر لهذا، لماذا؟ لأنه تقدم. نقرأ الحديث الذي يليه.

المقدم: قال- رحمه الله- عن سهل- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «إن في الجنة بابًا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أُغلق فلم يدخل منه أحد».

راوي الحديث سهل بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة الأنصاري الساعدي أبو العباس، ويقال أبويحيى، له ولأبيه صحبة، تُوفي النبي- صلى الله عليه وسلم- وله من العمر خمس عشرة، مات سنة إحدى وعشرين، والحديث ترجم عليه الإمام البخاري بقوله: باب الريان للصائمين. ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة.

إن في الجنة بابًا يقال له.

المقدم: الريان.

الريان يدخل منه الصائمون، باب الريان للصائمين يعني لا لغيرهم، فالمطابقة ظاهرة. « إن في الجنة بابًا» يقول الزين بن المنير: إنما قال: ( في الجنة)، ولم يقل: (للجنة)؛ ليشعر بأن في الباب المذكور من النعيم والراحة في الجنة، فيكون أبلغ في التشوق إليه. نقله الحافظ، يقول إنما قال: ( في الجنة) إن في الجنة بابًا ما قال إن للجنة بابًا، نعم يعني في الظرفية تقتضي أنه بعد الدخول من أبواب الجنة، نعم  ليشمله نعيم الجنة، ظاهر ولا مو بظاهر؟

الأخ الحاضر: ما يعارض حديث إن للجنة ثمانية أبواب، حديث أبوبكر بن الصديق؟

سيأتي شيء من هذا. يقول الزين ابن المنير: إنما قال: ( في الجنة)، ولم يقل: ( للجنة)؛ ليشعر بأن في الباب المذكور من النعيم والراحة في الجنة؛ لأنه داخل الأبواب، فيكون أبلغ في التشوق إليه. نقله الحافظ وقال: قلت: قد جاء الحديث من وجه آخر بلفظ: إن للجنة ثمانية أبواب، منها باب يُسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون. أخرجه الجوزقي، وقال العيني: قلت: إنما لم يقل للجنة؛ ليشعر أن باب الريان غير الأبواب الثمانية التي للجنة، وفي الجنة أبواب أُخر غير الثمانية؛ منها باب الصلاة، وباب الجهاد، وباب الصدقة، على ما سيأتي في الحديث الذي يليه، الحديث الذي يليه: «من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة يا عبدالله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد... » إلى آخره، يقول العيني: وفي الجنة أبواب أُخر غير الثمانية منها باب الصلاة وباب الجهاد وباب الصدقة على سيأتي في الحديث الذي يليه، وقد دلت الأحدايث الصحيحة أن أبواب الجنة ثمانية؛ ففي صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب –رضي الله تعالى عنه- قال: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-  قال: « ما منكم أحد يتوضأ  فيبلغ أو فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إلا فُتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء». يعني كون الريان من هذه الثمانية.

المقدم: لا يقتضي أن يكون للصائمين فقط.

نعم، لا يدل على أنه للصائمين فقط، وسياق الخبر لا يدخله منه غيرهم، نعم يقول الحافظ بن كثير في تفسيره: يعني في قوله- جلا وعلاه- {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا} [ سورة الزمر 73].

المقدم: إلى الجنة زمرة.

نعم، {حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا}    

الأخ الحاضر: فُتِحَتْ.

لا.

المقدم: وَفُتِحَتْ.

وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ، بينما أبواب النار.

المقدم: فتحت.

فتحت بدون واو. يقول الحافظ بن كثير في تفسيره: ومن زعم أن الواو في قوله وفتحت أبوابها واو الثمانية  واستدل بذلك على أن الأبواب ثمانية فقد أبعد النجعة وأغرق في النزع لأنها دخلت في الجنة وهي ثمانية ولم تدخل على أبواب النار لأنها سبعة، فكونها ثمانية دخلت عليها الواو، واو الثمانية أثبتها بعض أهل العم، ولها ما يدل لها من القرآن، من ذلك: { سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ ۖ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْۚ } [ سورة الكهف 22]، دخلت الواو هنا، في آية التوبة {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ} [ سورة التوبة 112]. دخلت على الثامن.

في آية التحريم : {عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} [ سورة التحريم 5].

المقدم: { مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا}

المقدم: ما صاروا ثمانية.

لا هي ثمانية.

المقدم: { مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا}

نعم، بمجموع هذه النصوص وبغيرها أثبت بعضهم هذه الواو وسماها واو الثمانية، والحافظ ابن كثير–رحمه الله تعالى- في تفسيره قال: ومن زعم أن الواو في قوله: وفتحت أبوابها واو الثمانية، واستدل على أن الأبواب ثمانية فقد أبعد النجعة، وأغرق في النزع، لكن كونها ثمانية ثابت في النصوص الصحيحة لا مجال للجدال فيه، نعم الذي يثبت أبواب أُخر غير هذه الثمانية كباب الريان وباب الصلاة وباب الصدقة وباب.

المقدم: يزيد.

 يجعلها أبواب.

المقدم: خاصة.

نعم أبواب فرعية، غير الأبواب الثمانية التي هي الأبواب الأصلية. وجاء في سعة أبوابها، نسأل الله العظيم أن يجعلنا من أهلها.

المقدم: آمين.

في الصحيحين من حديث أبي هريرة في حديث الشفاعة الطويل: فيقول الله: « يا محمد أدخل من لا حساب عليه من أمتك من الباب الأيمن، وهم شركاء الناس بالأبواب الأخر، والذي نفس محمد بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة - ما بين عضادتي الباب – لكما بين مكة وهجر- أو هجر ومكة »، وفي رواية :" مكة وبصرى، مسافات. وفي صحيح مسلم، عن عتبة بن غزوان أنه خطبهم خطبة فقال فيها: ولقد ذكر لنا أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة، مسيرة أربعين سنة، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام. يقال له الريان بفتح الراء وتشديد التحتانية، على وزن فعلان من الري، اسم علم على باب من أبواب الجنة، يختص بدخوله الصائمون، وهو مما وقعت المناسبة فيه بين لفظه ومعناه، نعم وهو مما وقعت المناسبة فيه بين لفظه ومعناه؛ لأنه مشتق من الري وهو مناسب لحال الصائمين، قال القرطبي: اكتفى بذكر الري عن الشبع؛ لأنه يدل عليه من حيث إنه يستلزمه، إذا شبع إنسان لابد أن يشرب، هكذا قال. وقال ابن حجر: أو لكونه أشق على الصائم من الجوع؛ لأن الصائم قد يصبر على الجوع، لكن لا يصبر على العطش، يدخل منه الصائمون الذين أظمؤوا أجوافهم بصوم الهواجر جزاءً وفاقًا، والجزاء من جنس العمل. «يوم القيامة لا يدخل منه غيرهم»: هذا دفع لتوهم دخول غيرهم معهم؛ لأن الجملة لا تفيد الحصر، يدخل منه الصائمون، لكن ما يمنع أن يدخل معه غيرهم لولا الجملة الثانية، لا يدخل منه غيرهم. «فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد» كرر نفي دخول غيرهم منه تأكيدًا، يقول ابن حجر: قوله: ( فلم يدخل) فهو معطوف على (أغلق) أي: لم يدخل منه غير من دخل. معطوف على ( أغلق) فلم يدخل، وقال العيني: القياس فلا يدخل؛ لأن لم يدخل للماضي، ولكنه عُطف على قوله: ولا يدخل، فيكون في حكم المستقبل، القياس فلا يدخل؛ لأن المسألة مسألة مستقبلة، ومعلوم أن لم إذا دخلت على المضارع، لم تقلب معناه إلى المضي، نعم؛ لأنها حرف نفي وجزم وقلب، تقلب المعنى من المضارع المستقبل إلى المضي، هذا وجه قول العيني القياس فلا يدخل؛ لأنه لم يدخل للماضي، ولكنه عُطف على قوله ولا يدخل فيكون في حكم المستقبل.  وقال بعضهم يعني ابن حجر: فلم يدخل معطوف على أُغلق أي لم يدخل منه غير من دخل

المقدم: بعد أن أغلق...

نعم.

المقدم:  بعد أن أغلق أي فلم يدخل منه أحد بعد أن أُغلق.

يقول: (فلم يدخل) معطوف على (أغلق) أُغلق فلم يدخل.

أي لم يدخل منه غير من دخل، هذا كلام ابن حجر. قلت:- العيني يستدرك- يقول: هذا أخذه من الكرماني؛ لأنه قال: هو عطف على الجزاء، فهو في حكم المستقبل، ثم تفسيره بقوله: أي لم يدخل منه غير من دخل غير صحيح؛ لأن غير من دخل أعم من أن يكون من الصائمين وغيرهم، وليس المراد أن لا يدخل إلا الصائمون، وقول الكرماني أيضًا عُطف على الجزاء فيه نظر لا يخفى. كلام العيني ظاهر ولا مو بظاهر؟

المقدم: نصف ظاهر.

ولا ربع ظاهر. وقال بعضهم- هذا كلام العيني- يعني ابن حجر.

فلم يدخل معطوف على أغلق أي لم يدخل منه غير من دخل، قلت: هذا أخذه من الكرماني؛ لأنه قال هو عطف على الجزاء فهو في حكم المستقبل، ثم تفسيره بقوله: أي لم يدخل منه غير من دخل، لا يدخل منه غيرهم، يعني غير من دخل، غير من دخل ليس صحيح؛ لأن غير من دخل  أعم من أن يكون من الصائمين وغيرهم، وليس المراد أن لا يدخل إلا الصائمون.

المقدم: يعني كأنه يريد أن يقول: لماذا قال: غير من دخل؟ لماذا لم يقل: فلم يدخل منه غير الصائمين الذين دخلوا؟

نعم.

المقدم: كأنه يريد هذا؟

أعم من أن يكونوا من الصائمين ليش يقول من دخل؟

المقدم: نعم ليش ما يقول الصائمين الذين دخلوا؟

هذا معروف، هذا ما يحتاج إلى بيان، ولا يحتاج إلى استدراك؛ لأنه لا يدخل معه إلا الصائمون، من دخل يساوي.

المقدم: الصائمون.

الصائمون. وليس المراد أن لا يدخل إلا الصائمون. وقول الكرماني أيضًا: عُطف على الجزاء فيه نظر لا يخفى. وعقب الحافظ في انتقاد الاعتراض قلت: وماذا يضر. نعم؛ لأن المعنى واحد غير من دخل، من دخل  هم الصائمون، ولم يذكر صاحب المبتكرات شيء، ما عقب شيء علي هذا.  وقال الحافظ: وقع عند مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن خالد بن مخلد شيخ البخاري فيه قال: فإذا دخل آخرهم أغلق، هكذا، فإذا دخل آخرهم أغلق، هكذا في بعض النسخ من مسلم، وفي الكثير منها:  فإذا دخل أولهم أغلق، فيها إشكال ولا لا؟

المقدم: بل جدًّا.

فإذا دخل أولهم أغلق. يعني دون

المقدم: البقية.

 باقيهم.

الأخ الحاضر: دون آخرهم.

قال عياض:  وغير هذا وهم، والصواب آخرهم. قلت- ابن حجر-: وكذا أخرجه ابن أبي شيبة في مسنده، وأبو نعيم في مستخرجه معًا من طريقه، وكذا أخرجه الإسماعيلي والجوزقي من طريق خالد بن مخلد، وكذا أخرجه النسائي، وابن خزيمة من طريق سعيد بن عبد الرحمن وغيره، وزاد: من دخل شرب، ومن شرب لا يظمأ أبدا، وللترمذي من طريق هشام بن سعد، عن أبي حازم نحوه، وزاد: ومن دخله لم يظمأ أبدا ونحوه للنسائي والإسماعيلي من طريق عبد العزيز بن حازم عن أبيه، لكنه وقفه، وهو مرفوع قطعا؛ لأن مثله لا مجال للرأي فيه. وتعقب العيني بن حجر في قوله في الكثير، وفي الكثير منها، في الكثير من نسخ مسلم فإذا دخل أولهم أغلق. فقال: قلت: الأمر بالعكس، ففي الكثير: فإذا دخل آخرهم، ووقع في بعض النسخ التي لا يعتمد عليها: فإذا دخل أولهم، وهو غير صحيح؛ ولذلك قال شراح مسلم وغيرهم إنه وهم. وقال شيخنا زين الدين- رحمه الله تعالى- زين الدين أيش؟ الحافظ العراقي- رحمه الله- وهو شيخ للحافظ ابن حجر وشيخ للعيني، قال: وقد استشكل بعضهم الجمع بين حديث باب الريان وبين الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم من حديث عمر عن النبي- صلى الله عليه وسلم-  قال: «ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو يسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء» قالوا: فقد أخبر النبي أنه يدخل من أيها شاء، وقد لا يكون فاعل هذا الفعل من أهل الصيام بأن لا يبلغ وقت الصيام الواجب أو لا يتطوع بالصيام. وهو مخير يدخل من أي الأبواب بما فيها باب الريان، لكن باب الريان هل هو من الأبواب الثمانية أو من الأبواب الزائدة عن الثمانية كباب الصلاة وباب الصدقة؟

المقدم: الأصل أنه من الثمانية.

يقول: والجواب عنه من وجهين أحدهما: أنه يصرف عن أن يشاء باب الصيام، إذا لم يكن من أهل الصيام يُصرف عن أن يختار باب الصيام، فيتحقق أنه لا يدخله إلا الصائمون، نعم  فلا يشاء الدخول منه ويدخل من أي باب شاء غير الصيام، فيكون قد دخل من الباب الذي شاءه. والثاني: أن حديث عمر- رضي الله تعالى عنه- قد اختلفت ألفاظه، فعند الترمذي: فتحت له ثمانية أبواب من الجنة يدخل من أيها شاء، فهذه الرواية تدل على أن أبواب الجنة أكثر من ثمانية منها وقد لا يكون باب الصيام من هذه الثمانية ولا تعارض حينئذ. وتقدمت الإشارة إلى أنه لا مانع من أن تكون هناك الأبواب الثمانية الكبرى والأبواب الأخرى الفرعية.

والحديث أخرجه الإمام البخاري من موضعين هنا، الأول: هنا في كتاب الصوم، باب الريان للصائمين، قال: حدثنا خالد بن مخلد قال: حدثنا سليمان بن بلال قال: حدثني أبو حازم عن سهل أبو حازم اسمه؟ الذي يروي عن سهل بن سعد اسمه سلمة بن دينار، سلمة بن دينار إمام في الزهد، زاهد مشهور، عن سهل - رضي الله تعالى عنه-، عن النبي- صلى الله عليه وسلم-  قال: « إن في الجنة بابا يقال له الريان ... » فذكره، وتقدم ذكر المناسبة.

والموضع الثاني: في كتاب بدء الخلق، في باب صفة أبواب الجنة وقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «من انفق زوجين دعي من باب الجنة»، ففيه عُبادة عن النبي- صلى الله عليه وسلم- ... ، قال الإمام البخاري- رحمه الله تعالى- حدثني سعيد بن أبي مريم حدثنا محمد بن المطرف قال: حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد- رضي الله تعالى عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم-  قال: « في الجنة ثمانية أبواب فيها باب يُسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون». بدء الخلق بالنسبة لصفة أبواب الجنة، بالنسبة لأبواب الجنة معروف؛ لأنها من الخلق من الخلق الذي يستحق الذكر والتنصيص.

فمناسبة الباب للكتاب ظاهرة، لكن ما مناسبة ذكر باب الريان لصفة أبواب الجنة، يقول ابن حجر: هكذا ترجم بالصفة، ولعله أراد بالصفة العدد موصوفة بأن عددها ثمانية، أو التسمية موصوف هذا الباب من أبوابها بأنه الريان.

وهناك تلازم بين الاسم والصفة.

المقدم: نعم أحسن الله إليكم، والحديث عند مسلم أيضًا؟

نعم، متفق عليه الحديث.

المقدم: جزاكم الله خيرًا، وأحسن إليكم، ونفع بعلمكم، أيها الإخوة والأخوات نستكمل بإذن الله بقية حديث كتاب الصوم في حلقة قادمة مع ضيفنا الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، حتى ذلكم الحين نستودعكم الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.