كتاب بدء الوحي (065)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

  "في غريب القرآن" للسجستاني يقول: "الميمنة والمشأمة من اليمين والشمال. ويُقال: أصحاب الميمنة: الذي يُعطون كتبهم بأيمانهم، وأصحاب المشئمة: الذين يعطون كتبهم بشمائلهم، والعرب تسمي اليد اليسرى الشؤمى، والجانب الأيسر الأشأم، ومنه اليُمن والشؤم، واليُمن ما جاء عن اليمين، والشؤم ما جاء عن الشمال، ومنه اليمن والشام؛ لأنهما عن يمين الكعبة وشمالها؛ لأنهما عن يمين الكعبة وشمالها". هذا في "نزهة القلوب في غريب القرآن" للسجستاني، في الكتب القديمة المؤلفة في "غريب القرآن" وهو على اختصاره فيه نفع كبير، وذكرناه في مناسبات كثيرة، ويُستفاد منه.
ما يستغرب في مسألة إعطاء الكتاب باليمين والشمال، يعني ما فيه إشكال في كون المؤمن يعطى كتابه بيمينه، والكافر يعطى كتابه بشماله، الغريب ما ذكره ابن حزم في مقدمة "المحلى" أن العصاة والفساق يُعطون كتبهم من وراء ظهورهم، يعني على ما جاء في سورة الانشقاق؛ لأن الفساق في كثيرٍ من الأحوال يُسكَت عنهم، يُذكَر الكافر والمنافق، ويُذكر المؤمن ثم يُسكت عن الفاسِق، ابن حزم أراد أن يحل هذا الإشكال فنزَّل عليه المنزلة المتوسطة بين اليمين والشمال من وراء الظهر، ما أعرف أحد قال بهذا غيره، مثل السؤال –سؤال الملكين في القبر- فأما المؤمن والموقن فيقول: ربي الله ونبي محمد وديني الإسلام، وأما الكافر أو المنافق أو المرتاب فيقول: كذا وكذا.
طالب:.....
نعم، ما شأنه؟ وضع الفاسق من المسلمين، من المؤمنين، لا شك أن هذا يعني مما تُرِك ليخاف الفاسق على نفسِهِ، خشيةَ أن يكون من أهلِ الارتياب؛ لأنه يعرف نفسه أنه ليس بكامل إيمان، خالص الإيمان، كالمؤمن الذي نُصَّ عليه.
طالب:....
هذا الفاسق،
نعم.
طالب:.....
لا، وأما الكافر فمعروف. الكافر والمنافق والمرتاب، هذا معروف شأنه وموضَّح في الحديث ومثله المؤمن والموقن الذي يجيب بالأجوبة السَّديدة، وأمَّا المرتبة المتوسِّطَة في الجملة من أهل النجاة –بإذن الله- وإن عُذِّبوا بقدر ذنوبهم، أو عُفي عنهم تحت المشيئة، لكن يبقى أن على هذا الفاسق الذي عنده مخالفات عليه أن يتقي الله ويخشى من سوء العاقبة.
طالب:....
نعم، شام من كلامه، شِمال الكعبة، أين؟
طالب:....
نعم، تسمية عربية، تسمية عربية.
يقول: فيما سبق ذكرتم من أنَّ أبا اليمان الحكم بن نافع من أكثر أصحاب شعيب مناولة.
هو من أكثر أصحاب، يعني أكثر روايته عن شعيب مناولة، أكثر روايته عن شعيب مناولة.
وأن حديث الباب الذي خرَّجه البخاري محمولٌ على أنَّ المناولة مقرونة بالإجازة، أليس الأولى أن يُقال: إن حديث الباب من القلَّة التي تحمَّلها أبو اليمان بالسماع مباشرةً، وإن كان أكثر ما يرويه عن شعيب مناولة؟
مادامت المناولة المقرونة بالإذن بالإجازة مصحَّحَة عند الإمام البخاري، واستدل لها في "صحيحه"، المناولة المقرونة بالإجازة مصححة، يصحح البخاري الرواية بها، فما المانع من أن تكون من هذا النوع؟ وذكرنا في الدَّرس السابق الذي فيه الكلام عن الحكم بن نافع أنَّ هناك ما يُسمَّى عرض المناولة، عرض المناولة، والمُراد به -لأنه حصل فيه لبس في الدرس السابق- المراد بعرض المناولة: أن الطالب يُحضر الكتاب ويَعرضه على شيخه، فيأخذه الشيخ ويتصفحه ثم يناوله الطالب فيقول: اروِهِ عنِّي؛ لأننا حملناه على مناولة العرض لا عرض المناولة، وفرقٌ بين الأمرين، الطالب يقرأ الكتاب كاملاً بطريق العرض ثم يناوله الشيخ ويعيده إليه، لا، هذا عرض؛ لأن الأعلى يقضي على الأدنى.
أما عرض المناولة فإن الطالب يأتي بالكتاب ويعرضُه على الشيخ، فيأخذه الشيخ ويتصفحه، ويقول: هذا من مرويِّ فاروِه عني، ويناوله إياه.
والبخاري حينما استدل للمناولة استدل بالكتاب الذي كتبه النبي –عليه الصلاة والسلام- ودفعه لأمير السرية وقال: «لا تقرأه إلا في  مكان كذا وكذا».
"باب ما يذكر في المناولة، وكتاب أهل العلم إلى البلدان" "وقال أنسٌ: نسخ عثمان المصاحف فبعث بها إلى الآفاق، قال: ورأى عبد الله بن عمر ويحيى بن سعيد ومالك ذلك جائزًا، واحتج بعض أهل الحجاز في المناولة بحديث النبي –صلى الله عليه وسلم- حيث كتب لأمير السرية كتابًا وقال: «لا تقرأه حتى تبلغ مكان كذا وكذا»، فلما بلغ ذلك المكان قرأه على النَّاس وأخبرهم بأمر النبي –صلى الله عليه وسلم-".
ثم أورد البخاري حديث ابن عباس "إن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بعث بكتابه رجلاً وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلما قرأه مزَّقه، فحسبت أن ابن المسيب، قال: فدعا عليهم رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن يمزقوا كل ممزق.
وأيضًا: في الكتابة قال: كتب النبي –صلى الله عليه وسلم- كتابًا أو أن أراد أن يكتب، فقيل له: إنهم لا يقرأون إلا كتاًبا مختومًا...
إلى آخره".
فهذه هي المناولة التي يجيزها الإمام البخاري ومعروف أنها لا بد أن تقترن بالإجازة، لا بد أن تقترن بالإذن –الإذن بالرواية- أما مجرد المناولة فلا يُدرى أعطاه الكتاب هدية
أم أعطاه إياه إعارة أم .... المقصود أنه إذا خلت عن الإذن، فهي باطلة كما يقول الحافظ العراقي –رحمه الله-:

وإن خلت عن إذنٍ المناولة

 

قيل تصح والأصح باطلة

لأن: أصل الإجازة فيها ضَعف، الإجازة فيها ضعف، تزداد ضعفًا بهذا التوسع.

طالب: ............
شعيب؟ شعيب بن أبي حمزة ناوله مرويَّه في هذا الكتاب، ثم إذا ناوله إياه وأعطاه إياه إما أن يكون على سبيل التمليك أو يكون على سبيل الإعارة، أو على سبيل الإجارة، هذا مع التمكين من النسخة، وبعضهم يُناوِلُه مع عدمِ التمكين من النُّسخة، يناوله إياه ويتصفحه الطالب، ثم بعد ذلك يأخُذُه منه الشيخ، هذه فيها ضعف شديد.
قالوا: ولا تختلف كثيرًا عن الإعلام، الإعلام، هذا طريق من طُرُق التحمُّل الضعيفة، الإعلام بأن يُعلم الشيخ الطالبَ بأن هذا الكتاب من مرويِّه، إذا قال الشَّيخ: أنا أروي صحيح البخاري بإسناد متصل للبخاري، فهل يرويه الطالب بمجرد الإعلام، وبمجرد الإخبار؟ هذه طريق مضعفة عند أهل العلم، وإن قال به بعضهم؛ لأنه ما قال له ذلك إلا ليروي عنه، ما الفائدة؟
يقول –رحمه الله تعالى- "أن سفيان بن حرب أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش، وكانوا تِجَارًا أو تُجّارًا في المدة التي كان –رسول الله –صلى الله عليه وسلم- مادَّ فيها أبا سفيان" في المدة التي مادّ فيها رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أبا سفيان.
 مادَّ بتشديد الدال أصلُهُ مادد، مادد، يعني: إذا فكَّ الإدغام صار مادد،
«لن يشادَّ الدين»، وله نظائر، والحرف المشدد هو في الأصل عبارة عن حرفين أولهما ساكن، ساكن قبل التشديد، قبل الإدغام أم بعده؟ قبل أم بعد؟ نقول: ماد مادَدَ لا يضارّ، لا يضارِرْ أو لا يُضارَرْ، هذا من المجمل، فيكون هذا الضبط عندهم، في قولهم: إن الحرف المضعف عبارة عن حرفين أولهما ساكن والثاني متحرك. بعد أم قبل؟ بعد، بعد؟
طالب:....
نعم، لكن مادَدَ.
طالب:...

طالب:....
أو حُرِّك من أجل الساكن الذي قبله؛ لئلا يجتمع ساكنان؟
طالب:......
نعم، مسألة الخلاف في مثل هذا لا شك، يعني يتوهمون أن الحرف الأول ساكن.
طالب:....
يتوهمون أن الحرف الأول ساكن، وهذا من العلل العليلة عندهم.
مثل ما قالوا في الإجازة والإقامة والإمامة.
طالب:....
قالوا: أصل الإجازة إجَوَاَزة، أو إجْوَازة، على الضبط الثاني قالوا: تحركت الواو وتُوهِّم انفتاح ما قبلها فقلبت ألِفًا، فصارت إجازة، تُوهم، هذا مثل..
هو متحرِّك سكَّنُوهُ من غير قدرة على النطق به ساكنًا، ولو قالوا: إنه ساكن وحُرك من أجل أن لا يجتمع ساكنان، علة ظاهرة، لو قالوا: إن الأصل فيه أنه ساكن، لكن تحريكه مادَدَ؛ لئلا يجتمع مع الألف الساكنة التي قبله، حُرك من أجل اجتماع الساكنين، هذه قاعدة عندهم مألوفة، لكن أيهما أولى الإدغام أو الفكّ؟ مما يخل بالفصاحة عندهم الفك إذا أمكن الإدغام، الحمد لله العظيم الأجلَلِ.
يمثلون بهذا في كتب البلاغة، مثل أن أقول: أجلّ، لكن ماذا عن: من يرتد ومن يرتدَدْ أيهما أفصح؟ أو كلاهما فصيح؛ لأنهما في التنزيل؟
طالب:....
كلاهما فصيح، ما نستطيع أن نقول: إن هذا أرجح أو ذاك، "مادَّ بتشديد الدال أصله مادَدَ فأدغم الأول في الثاني من المثلين، والمراد مدة صلح الحديبية سنة ستٍّ من الهجرة"، مادَّ فيها أبا سفيان وكفار قريش، مادَّ فيها أبا سفيان وكفار قريش، أي: مع كفار قريش على وضع الحرب عشر سنين، وكُفَّارَ: بالنصب على أنه مفعول معه، على أنه مفعول معه، أو عطف على المفعول به؛ لأنه أحيانًا يستوي هذا وهذا، إما أن يعطى فتكون الواو عاطفة، أو تكون الواو واوو المعية، إذا لم يختل المعنى، إذا على حدٍ سواء جاز هذا وذاك، مثل ما تقول هنا؛ لأن العطف على نية تكرار العامل، فإذا كررنا العامل واختلَّ المعنى تعيَّن أن تكون الواو للمعية، وإذا كان الفعل مُسلَّطًا على الأمرين على حدٍّ سواء، أو يقتضي الأمرين على حدٍّ سواء، فإنه يكون العطف هو المتعيِّن، فإذا قلت: تضارب زيدٌ وعمروٌ، هذا متعين العطف.

يقول: "أو عطف على المفعول به، وهو يعني في اللفظ أبا سفيان، والمفعول معه: هو الاسم المنتصب بعد واو بمعنى مع"، والمفعول معه، عندنا المفعول المطلق هذا غير مقيد بأي متعلَّق، الذي هو المصدر أصل الأصول، أصل كل شيء المصدر؛ لأنه ما قيد بشيء يسمونه مفعولًا مطلقًا، وقد يكون المفعول به؛ لأنه وقع عليه الفعل، وقد يكون فيه؛ لأنه ظرف للفعل، وقد يكون معه، وقد يكون له، يعني لأجله، المفعول معه: قالوا هو: الاسم المنتصب بعد واو بمعنى مع، والناصبُ لهُ ما تقدَّمه من الفعل أو شِبْهِهِ، إذا كان الناصب له ما تقدَّم مثل ما عندنا، مادَّ فيها أبا سفيان وكفارَ قريش، مادَّ فيها أبا سفيان وكفار قريش. يعني: هل مادَّ فيها، أي من المفاعلة مثل تضارب زيدٌ وعمروٌ مثله؟
من يقول: نعم؟

 أنت؟
طالب:.....
مثله
أم تختلف؟ لأنه فَرْقٌ بين أن تكون المُفَاعَلَة بين ما قبل الواو وما بعدها، الآن الممادَّة هذه بين أبي سفيان وكفار قريش أم بين الرسول –عليه الصلاة والسلام- وأبي سفيان وكفار قريش؟ إذًا هو مثل تضارب زيدٌ وعمرو؟ لا، يختلف. هذه لها أثر كبير في المعنى. "هو الاسم المنتصب بعد واو بمعنى مع، والناصب له ما تقدمه من الفعل أو شبهه. وزعم قومٌ أن الناصب له الواو، زعم قوم أن الناصب له الواو. يقول ابن عقيل: وهو غير صحيح؛ لأن كل حرفٍ اختصَّ بالاسم ولم يكن كالجُزْءِ منه لم يعمل إلا الجرّ كحروف الجر. الآن الواو؛ لأن كل حرفٍ اختص بالاسم ولم يكن كالجزء منه لم يعمل إلا الجر كحروف الجر". الآن الواو التي معنا، هل هي مختصة بالاسم؟
طالب:......  
مختصة بالاسم
أم غير مختصة؟ العاطفة شيء، وواو المعية شيء آخر، لا ننظر إلى أنَّ زيدٌ يقوم ويكتب ويقرأ ويفعل ويفعل، لا، هذه عاطفة، لكن واو المعيَّة من المختص من خصائص الاسم، قال: "وهو غير صحيح؛ لأن كل حرف اختص بالاسم ولم يكن كالجزء منه". يعني: مثل (أل). "لم يعمل إلا الجر كحروف الجر. وإنما قيل: ولم يكن كالجزء منه؛ احترازًا من الألف واللام فإنها اختصت بالاسم ولم تعمل فيه شيئًا"، أل تعمل في الاسم شيئًا، تؤثر على حركته؟ يعني تعمل فيه من حيث المعنى تعريف، والعهد، والصفة، والأصل، معانٍ كثيرة، لكن هل تعمل، تؤثر فيه كغيره من العوامل التي تُغيِّر أواخر الكلمة؟ لا؛ بدليل تخطِّي العامل لها، العامل يتخطّى (أل) ويعمل مع وجود (أل) ولو كانت عاملة ما تخطاها العامل، إذا قلت: مررت بالغلامِ، (أل) هذه حالت بين الباء ومدخولها، لكن هل حالت بينه من حيث العمل؟ لا، تخطاها العامل، فهي لا تؤثر في الاسم شيئًا.
يقول ابن مالك:

ينصب تالي الواو مفعولاً معه

 

..............

ينصب تالي الواو مفعولاً معه

 

في نحو: سيري والطريق مسرعة

سيري والطريق مسرعة، يعني: مع الطريق.

بما من الفعل وشبهه سبق

 

ذا النصب لا بالواو في القول الأحق

يعني ممن يرى أن الناصب له الواو، وإذا قلنا: إنه منصوب بالفعل الذي تقدَّمه، قلنا مثل عندنا: مادَّ فيها أبا سفيان وكفار قريش، صارت معطوفة على المفعول، صارت معطوفة على المفعول.
يقول النووي –رحمه الله- بشرح القطعة من "صحيح البخاري" من أوائله: "مادَّ بتشديد الدال وهو من المفاعلة، كضارب وحادَّ وشادَّ، يكون من اثنين، يقال: تمادَّ الغريمان، تمادّا الغريمان إذا اتفقا على أجلٍ وهو من المدة، وهي القطعة من الزمان تقع على القليل والكثير، وهذه المدة هي.. صلح الحديبية الذي جرى بين النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: وهذ المدة هي صلح الحديبية التي جرى بين النبي –صلى الله عليه وسلم- وبين كفار قريش سنة ستٍّ من الهجرة، صالحهم عشر سنين، ثم نقضت قريش العهد بقتالهم خزاعة، حلفاء رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: وسيأتي إيضاحه في بابه إن شاء الله تعالى".

 يعني من كتاب "المغازي" في "صحيح البخاري" باب "صلح الحديبية"، وعد النووي –رحمه الله- أن يوضح هذا الصلح في بابه –إن شاء الله تعالى- لكنه ما وصلَه، انتهى شرحه بنهاية كتاب "الإيمان" بدء "الوحي والإيمان" فقط، حتى العلم ما شرحه، ولذا لا يلزم أن الإنسان إذا قال: إن شاء الله، أن يتم له ما أراد.
الناس اتخذوها ذريعة، إذا بلغت المائة –إن شاء الله- لا ما يلزم، لكن إذا لم يقل: إن شاء الله، فهذا من الأسباب، من أسباب عدم الوصول لما أراد، لذلك في كتاب "الطهارة" من "الروض المربع" قال: "وما أُبين من حي فهو كميتته، إلا الطريدة، وستأتي في كتاب "الصيد" إلا مسكٌ في فأرته، والطريدة، وستأتي في كتاب الصيد". ما قال: إن شاء الله، وما جاءت، ما ذكرها. فالعلماء أصحاب الحواشي يقولون لو قال: إن شاء الله؛ لأنه وصل إلى كتاب الصيد وتعدَّاه، لكن ما ذكرها، {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا * إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف:23-24]  {إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ}.

 وللصاوي في حاشيته على "الجلالين" كلام حول هذا الاستثناء، وكلام غير مقبول جملةً وتفصيلًا، كلامه شنيع جدًّا فيما يتعلق بالتقليد، وتحريم الاجتهاد، ليس مجرد قفل، أو تقييد، لا، تحريم؛ لأنه قال: ولا يجوز الخروج عن المذاهب الأربعة ولو خالفت الكتاب والسنة وقول الصحابي، ثم قال: لأن الأخذ بظواهر النصوص من أصول الكفر. كلام شنيع –نسأل الله العافية-.
قال: "وسيأتي إيضاحه في بابه –إن شاء الله تعالى-". على كل حال العلماء وضحوه في كتب المغازي من كتب السنة وكتب السير أيضًا المفردة.

 يقول الكرماني: "فإن قلتَ: هذا في أواخر عهدِ البعثة، هذا في أواخر عهد البعثة، فما مناسبته لما تُرجِمَ عليه الباب وهي كيفية بَدء الوحي؟" يعني هذا بعد سنة ست في المدة بعد البعثة، بما يقرب من عشرين عامًا، فما مناسبته لـ "بدء" وننتبه لكلمة "بدء الوحي" ؟ يقول الكرماني: "فإن قلت: هذا في أواخر عهد البعثة، فما مناسبته لما تُرجم عليه الباب وهي كيفية "بدء الوحي"؟ قلتُ: المرادُ منه أن كيفية بدء الوحي يُعلَم من جميع ما في الباب، يُعلم من جميع ما في الباب لا من كل حديثٍ منه، يُعلم من جميع ما في الباب لا من كل حديثٍ منه، فيكفي في كلِّ حديثٍ مجرَّد أدنى مناسبة" مثل ما يُعلم من هذا الحديث أن في حال ابتداء، أن في حال ابتداء الوحي المتابعون للنبي –صلى الله عليه وسلم- الضعفاء، الآن لو حُذِف هذا الحديث من هذا الكتاب يُمكِن أن يخطُر على بال أحد أن يستدرك هذا الحديث على البخاري؟ يمكن؟
يمكن، لماذا؟ لأنه ما فيه رابط واضح بين الحديث وبين الباب، ولذا يقول: "المراد منه أن كيفية بدء الوحي يُعلَم من جميع ما في الباب لا من كلِّ حديثٍ منه، فيكفِي في كلِّ حديثٍ مجرَّدُ أدنى مناسبة مثل ما يُعلم من هذا الحديث أن في حال ابتداء الوحي المتابعون للنبي –صلى الله عليه وسلم- الضعفاء".
تقدَّم أيضًا مما هو أوضح من هذا أنَّ الحديث مشتملٌ على أوصافِ من يوحى إليه، إذا أردنا أدنى مناسبة، أن الحديث فيه أوصاف من يوحى إليه، وهو طرَف في الوحي، طرف في الوحي، كما يُقال في أسباب النزول أن لها حكم الرفع، ولو لم يُذكر النبي –عليه الصلاة والسلام- حصل كذا وكذا، فنزل قوله –جل وعلا-؛ لأنَّ الرسول –عليه الصلاة والسلام- طرف في الوحي؛ لأنه هو الذي يوحى إليه.
"فأتوه وهم بإيلياء" يقول العيني: "الفاء فيه فصيحة. الفاء فيه فصيحة، إذْ تقدير  الكلامِ"، الآن الفاء الفصيحة هي تمُر في طريق الناس في دراساتهم النظامية
أم لا؟ يعني يمكن الإنسان أن يتخرج في الجامعة وما عرف الفاء الفصيحة، صح أم لا؟ لماذا؟ لأننا تركنا الجادَّة التي رسمها أهلُ العلم، وإلَّا ففي أوائل "الأجرومية" الفاء الفصيحة، لمَّا قال ابن آجرُّوم: الكلام المفيد، الكلام هو اللفظ المركب المفيد بالوضع، وهو ثلاثة أقسام: اسم وفعل وحرف جاء لمعنى، فالاسم، قال الشُّراح: هذه الفاء الفصيحة، وعلقوا عليه بمعناه وأمثلة.

الذي يمشي على الجادَّة ما تفوته مثل هذه الأمور، وفيه كثير من هذه الدقائق موجودة في كتب أهل العلم، إن لم تجدها في الآجرومية وجدتها في "القطر"، ما وجدتها في "القطر" تجدها فيما بعده، وفي "كافية ابن الحاجب" التي نحن في غفلةٍ عنها، وليست في طريقنا ألبتَّة؛ لأنها ليست من الكتب المعتمدة في بلادنا، فيها أشياء تفوتنا، فيها فوائد كثيرة مع شروحها، وما رُتب على هذه الشروح من شروح للشواهد، يعني أعظم كتاب في شرح الشواهد "خزانة الأدب"، في شرح "شواهد شروح الكافية"، نعم تتداخل كتب الشروح، يعني: شرح ابن عقيل، وابن هشام وغيرهم، تتداخل مع شروح الكافي في كثير الأمور، لكن يمكن أن يمر شيء، مثل ما عندنا هذا، مثل ما عندنا هذا، نقرأ في النَّحو الشيء الكثير، وفي الصرف، وفي النهاية يفوتنا دقائق لا بد منها. نعم.
يقول العيني: "الفاء فيه فصيحة، إذ تقدير الكلام: فأرسل إليه في طلبِ إتيانِ الركبِ إليه، فجاء الرسول فطلب إتيانهم فأتوه، فجاء الرسول فطلب إتيانهم فأتوه، ونحوه قول الله تعالى: {قُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ
ۖ فَانفَجَرَتْ} [البقرة:60]، أي: فضربَ فانفجرت".
"فإن قلت: ما معنى فاء الفصيحة؟ قلت: سميت بها؛ لأنها يستدل بها على فصاحةِ المتكلِّم، وهذا إنما سمَّوْها بها على رأي الزمخشري، وهي تدلُّ على محذوف وسبب لما بعدها، سبب لما بعدها" يعني: أعم من أن يكون شرطًا، "وهي تدل على محذوف وسبب لما بعدها، سواء كان شرطًا أو معطوفًا مثل الآية. ليس بشرط، لكنه معطوف. وقال الزمخشري في قوله تعالى: {فَانفَجَرَتْ} [البقرة:60] الفاء متعلق بمحذوف، أي: فضرب فانفجرت، أو فإن ضربْتَ فقد انفجرتْ، أو فإن ضُرِبَتْ فقد انفجرت، كما ذكرنا في قوله تعالى: {فَتَابَ عَلَيْكُمْ} [البقرة: 187]، وعلى هذا فاء الفصيحة لا تقع إلا في كلامٍ فصيح". يعني: لماذا صارت فصيحة؟ لأنها وقعت، لا تقع إلا في كلام فصيح، لكن لماذا لا تُقال: فصيحة؛ لأنها تفصح أو تنبه إلى ما يُفصِح عن المحذوف، ولذلك بعضهم يقولها بالضاد، على ما سيأتي.

 في شرح الكفراوي على متن الأجرومية على قوله: وأقسامه –يعني الكلام- ثلاثة: اسم وفعل وحرف جاء لمعنى، فالاسم يُعرف، فالاسم الفاء: فاء الفصيحة، وضابطها أن تقع في جواب شرطٍ مقدر. الآن خصها بالشرط، وما تقدم تدل على محذوف هو سبب لما بعدها سواء كان شرطًا أو معطوفًا، فالفاءُ الفصيحة ضابطها أن تقع في جوب شرط مقدر، فكأنه قال هنا: إذا أردتَ أن تعرفَ، إذا أردت أن تعرف ما يتميزُ به كُلّ من الاسم والفعل والحرف، فالاسم.. إلى آخره. وفي "حاشية الحامدي" على الكفراوي، بعض الناس هذَّب شرح الكفراوي، لماذا؟ لأنه مُمِلّ، مُمِلّ، ما يصبر عليه إلا جازم على التعلم، ولا يفرغ منه إلا ولديه ملَكَة إعرابيَّة، ما يمر حتى بكلامه إذا جاء بمثال أعربه، وفي بابٍ من الأبواب ثمانية عشر مثالًا، أعرب منها ستة عشر، وقال في الاثنين: وباقيه كما تقدم، فصار من جاء بعده يهذب شرح "الكفراوي" وتهذيبها خلاف ما قصده المؤلف من أن الإنسان إذا خرج وانتهى من قراءة الكتاب تكون لديه هذه الملكة، يعني مثل صنيع القسطلَّاني في شرح البخاري، يتكرر الاسم خمسين، ستين مرَّة ويضبطه بحيث إذا انتهيت من القسطلاني تكون لديك ملكة في ضبط رواة الصحيح، ما يعقل يضبطه مرة واحدة وينتهي.
الآن في الرسائل العلمية ينتقدون من يُكرر، لماذا؟ لأنه يقوم مقام التكرار الإحالة بالصفحة، ضبطه تقدم في موضع كذا.
في "حاشية" الشيخ إسماعيل الحامدي على "الكفراوي" قوله: "فاء الفصيحة بالصاد المهملة، من إضافةِ الموصوفِ إلى الصِّفَة، فاء الفصيحة من إضافة الموصوف إلى الصِّفَة. الموصوف إلى الصِّفَة، ففصيحة فعليةٌ بمعنى فاعلة، أي: مفصحة ومبينة ودالةٌ على شرطٍ مُقدَّر، ودالة على شرطٍ مقدَّر، وبالضاد المعجَمَة؛ لأنها فضحت وأظهرت ما كان مخفيًّا في الكلام، وبالضاد المعجمة؛ لأنها فضحت وأظهرت ما كان مخفيًّا في الكلام.

 قوله في جواب الشرط، يقول الحامدي" –هذا كلام الكفراوي- "وقيل: هي ما أفصحت عن مقدَّر أعم من أن يكون شرطًا أو غير شرط، نحو: {قُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانفَجَرَتْ} [البقرة:60]، أي: فضربَ فانفجرت، كما تقدَّم في كلام الزمخشري".
الآن: من إضافةِ الموصوف إلى الصِّفة، إلى الصِّفَة، في كلام أهلِ العلم، في بعضِ الرُّوَاة مثل: رِشْدِين بن سعد، قالوا: أخذَتْه غفلةُ الصَّالحين. أخذته غفلة الصالحين، استدرك بعضهم؛ لأنه فهم أن الإضافة هنا إلى الصالحين بمعنى أن كل الصالحين فيهم غفْلَة، ورأسُ الصالحين النبي– عليه الصلاة والسلام- وخيار الأمة وسادات الأمة المغفَّلُون! فقال: لا، لو قِيل: غفلةُ بعضُ الصَّالحين. إذا قلنا: إن الكلام من إضافة الصِّفَة إلى الموصوف، غفلةُ الصالحين، من إضافة الصفة إلى الموصوف، فكأننا قلنا: أخذتْهُ غفلةُ المغفّلين من الصَّالحين، ما صار على الفهم الذي..،  لأن العلماء الذي قالوا مثل هذا الكلام يعون ما يقولون، ما يمكن أن يصفوا جميع الصَّالحين بالغفلة، فهو من إضافَة الصِّفة إلى الموصوف، يعني الصالحين المغفَّلين.

 فأتَوْهُ، يقول ابن حجر: "تقديره: أرسل إليهم، تقديره: أرسل إليهم في طلب إتيان الركبِ، فجاء الرسول يطلب إتيانهم. "فأتوه"، يقول: كقوله تعالى: {قُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانفَجَرَتْ} [البقرة:60]، أي: فضربَ فانفجرت. ووقع عند المؤلف" –يعني البخاري-" ووقع عند المؤلف في الجهاد أن الرسول وجدهُم ببعضِ الشَّام، أن الرسول وجدهم ببعضِ الشَّام" الذي أرسله هرَقْل، "أن الرسول ووجدهم ببعض الشام، وفي رواية لأبي نعيم في "الدلائل" تعين الموضع وهو غزَّة، وهو غزَّة، فقال: وكانت –يعني غزة- وجه متْجَرِهِم، وكذا رواه ابن إسحاق في المغازي عن الزهري، وزاد في أوله عن أبي سفيان، قال: كنا قومًا تِجَارا أو تُجَّارا وكانت الحربُ قد حصبتنا، فلما كانت الهُدْنة". حصبتهم وأضعفتهم، أضعفتهم، من التنقل في البلدان طلبًا للرزق "فلما كنت الهُدْنَة، خرجتُ تاجرًا إلى الشام مع رهطٍ من قريش، فوالله ما علمت بمكة امرأةً ولا رجلًا إلا وقد حمَّلني بضاعته. فذكره".
وفيه: "فقال هرَقْل لصحابِ شُرطَتِهِ: قلِّب الشام ظهرًا لبطن، قلب الشام ظهرًا لبطن حتى تأتي برجل من قوم هذا". يعني: الرسول –عليه الصلاة والسلام- "أسأله عن شأنِهِ، فوالله إنِّي وأصحابي بغزَّة إذ هجم علينا فساقنا جميعًا، فوالله إني وأصحابي بغزة إذ هجم علينا فساقنا جميعا".
قال: "فأتوه وهم بإيلياء" فأتوه وهم بإيلياء. وهم: بالميم، أي: هرقل وجماعته، هرقل وجماعته؛ لأن أولئك التُّجَّار بغزَّة، "وهم" يعني هرقل وجماعته "بإيلياء". ولأبَوَي الوقت وذر عن الكشميهني يعني والأصيلي: وهو، يعني هرقل، كذا في القسطلاني.
طالب:.....
"في رهطٍ من قريش" وفي أول الأمر قال: "في ركبٍ من قريش" يعني فيه اختلاف الرهط من كذا إلى كذا، ومن ثلاثة إلى تسعة، من عشَرَة فأكثر.
منهم من يقول: الرهط إلى العشرة، فيتحدان في هذا العدد.
طالب:.....
صاروا ركب
ًا، صاروا ركبًا، هم بدونه رهط ومعه ركب، ما فيه إشكال. "بإيلياء" بيت المقدس، قالوا: وفيه ثلاث لغات، أشهرها إيْلِياء بكسر الهمزة واللام وإسكان الياء بينهما وبالمد" بين أيش؟ الهمزة واللام، ساكنة، إيلياء بكسر الهمزة واللام وإسكان الياء بينهما وبالمد، هذه أشهر اللغات الثلاث.
"والثانية مثلها إلا أنها بالقصر: إيليا بدون مد.
والثالثة: إلياء، بحذف الياء الأولى وإسكان اللام وبالمد.
حكاهن صاحب "المطالع".

 من صاحب المطالع؟ ابن قرقول.
"حكاهن صاحب "المطالع" قال: وقيل معناه بيت الله، ويُقَال الإيلياء، بزيادة (أل) كذا رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده، في مسند ابن عبَّاس –رضي الله عنهما- ويُقال له: بيت المقدِس وبيت المقدَّس". انتهى من النووي.
ويقال له أيضًا: القُدْس، ونقل ابن الملقن عن "الجامع" لمن؟

للقزاز نعم، قال: "أحسبه عبرانيًّا"، يعني: إيلياء، أحسب هذا الاسم عبرانيًّا وليس بعربي. قال ابن حجر: "وفي الجِهاد عند المؤلِّف". لأنه قال: هنا "وهم بإيلياءَ" وهو ممنوع من الصرف؛ للعجمية، للأعجميَّة والعلميَّة، العلمية والعُجْمَة، وأيضًا: التأنيث. مثل: حِمص، وسيأتي الكلام في حمص.

يقول ابن حجر: "وفي الجهاد عند المؤلف، أن هرقل لما كشف الله عنه جنود فارس، أن هرقل لما كشف الله عنه جنود فارس مشى من حِمص إلى إيلياء شُكرًا لله تعالى". زاد ابن إسحاق عن الزهري "أنه كان تُبسط له البُسُط وتُوضع عليها الرياحين فيمشي عليها". يعني من حمص إلى إيلياء –إلى بيت المقدس- تُبسط له البُسُط وتُوضع عليها الرياحين فيمشي عليها شكرًا لله– جل وعلا- لكن هل ينفعه هذا الشكر، مع عدم إيمانه بمحمد –عليه الصلاة والسلام-؟ وجاء في بعض الأخبار على ما سيأتي أنه ادَّعَى أنَّه مسلم، فقال: كذب عدو الله هو على نصرانيته.

قال: "ونحوه لأحمد من حديث ابن أخي الزُّهْرِي عن عمِّهِ، وكان سببُ ذلك ما رواه الطبري وابن عبد الحكم من طرق متعاضدة، ما رواه الطبري وابن عبد الحكم من طرق متعاضدة ملخصها أن كسرى أغزى جيشَه بلادَ هرَقْل، فخرَّبوا كثيرًا من بلادِهِ، ثُمَّ استبطأ كسرى أميره فأراد قتله وتولية غيرِهِ، فاطَّلع أميره على ذلك"، قائد، الذي خرب كثيرًا من بلاد هرقل، فلما استبطأه كسرى أراد قتله وتولية غيرِه فاطلع هذا الأمير القائد على ما قرَّره كسْرى "فباطن هرَقْل" –يعني اتفق معه في الباطن- "فباطن هرقل واصطلح معه على كسْرَى، وانهزَمَ عنه بجنود فارس، انهزم عنه بجنود فارس، فمشى هرقل إلى بيت المقدس شكرًا لله تعالى على ذلك، واسم الأمير المذكور كما في "فتح الباري" اسم الأمير المذكور الذي أراد كسرى قتله: شهربراز، واسم الغير الذي أراد كسرى تأمير: فرُّوحان، كذا في "فتح الباري". معكم الفتح، ماذا يقول؟ نفس الكلام.
في "التعليق على فتح الباري" يقول: "الذي في تاريخ الطبري: فرُّوهَان، وتُدعى مرتبته شهربراز"، فالاسمين لواحد، واحد اسم وواحد لقب، مع أن ابن حجر جعل الاسمين للاثنين، والذي في الطبري هما لواحد، واحد اسم واحد لقب، هذا التاريخ "تاريخ الطبري" كلام طويل جدًّا؛ حيث فيه نقض عهد وقتل من الرُّوم مع الفرْس.

 قال: "فلما بلغ كسرى نكثُ الروم عهد موريق، وقتلهم إياه امتعض من ذلك وأنف منه، وأخذته الحفيظة فآوى ابن موريق اللاجئ إليه، وتوَّجَه وملَّكه على الروم". الروم في بلادهم وعندهم عظيمهم، لابد أن يقضي عليهم قبل أن يوجهه إليهم. "وتوَّجه وملَّكه على الروم، ووجه معه ثلاثة نفر من قوادِه في جنود كثيفة، أما أحدهم فكان يقال له: روميوزان"، روميوزان، قد تجدون الاختلاف الكبير في ضبط هذه الأسماء من كتاب إلى آخر، كتب التواريخ، "ووجه إلى بلاد الشام فدوخها حتى انتهى إلى أرض فلسطين، وورد مدينة بيت المقدس فأخذ أسقفَّها ومن كان فيها من القسيسين وسائر النصارى بخشبة الصليب، وكانت وضعت في تابوت من ذهب وطُمِرَ في بستانٍ وزُرع فوقه مبقلة، وألح عليهم حتى دلُّوه على موضعها فاحتفر عنها بيده واستخرجها وبعث بها إلى كسْرَى في أربع وعشرين من ملكه".

قال: "وأما القائد الآخر، وكان يُقال له: شاهين، فإنه سار حتى احتوى على مصر والإسكندرية وبلاد نوبة، وبعث إلى كسرى بمفاتيح مدينة إسكندرية في سنة ثمانٍ وعشرين من ملكه، وأما القائد الثالث فكان يقال له: فروهان، وأما القائد الثالث فكان يقال له: فروهان، وتُدعى مرتبته شهربراز، وأنه قصد القسطنطينة حتى أناخ على ضفة الخليج القريب منها، وخيم هنالك وأمره كسرى فخرب بلاد الروم؛ غضبًا مما انتهكوا من موريق وانتقامًا له منهم، ولم يخضع لابن موريق من الروم أحد، ولم يمنحه الطاعة، غير أنهم قتلوا كوفى الملك الذي ملكوه عليهم؛ لما ظهر لهم من فجوره وجرأته على الله وسوء تدبيره، وملَّكوا عليهم رجلاً يقال له: هرقل، فلما رأى هرقلُ عظيم ما فيه بلادُ الروم من تخريبِ جنود فارس إياها، وقتْلها مقاتلتهم وسبيهم ذراريهم، واستباحتهم أموالهم، وانتهاكهم ما بحضرتهم بكى إلى الله، وتضرع إليه، وسأله أن يُنقذه وأهل مملكته من جنود فارس، فرأى في منامه رجلًا ضخم الجثَّة، رفيعَ المجلس، عليه بزَّةٌ قائمًا في ناحيةٍ عنه، فدخل عليه مداخل فألقى ذلك الرجل عن مجلسه، وقال لهرقل: إني قد أسلمته في يدك. فلم يقصص رؤياه تلك في يقظته على أحد، ورأى الليلة الثانية في منامه أن الرجل الذي رآه في حلمه جالس في مجلس رفيع، وأن الرجل الداخل عليهما أتاه وبيده سلسلة طويلة، فألقاها في عنق صاحب المجلس وأمكنه منه، وقال له: ها أنا ذا قد دفعت إليك كسرى برمَّته، فاغزه فإن الظفر لك، وإنك مدال عليه ونائل أمنيتك في غزاتك، فلما تتابعت عليه هذه الأحلام، قصها على عظماء الروم وذوي الرأي منهم.

فأخبروه أنه مُدال عليه، وأشاروا عليه أن يغزوه، فاستعد هرقل واستخلف ابنًا له على مدينة القسطنطينية، وأخذ غير الطريق الذى فيه شهربراز، وسار حتى أوغل في بلاد أرمينية، ونزل نصيبين بعد سنة، وكان شاهين بباب كسرى حين ورد هرقل نصيبين؛ لموجدة كانت من كسرى، وعزله إياه عن ذلك الثغر، وكان شهربراز مرابطًا للموضع الذي كان فيه لتقدم كسرى كان إليه في الجثوم فيه، وترك البراح منه، فبلغ كسرى خبر تساقط هرقل في جنوده إلى نصيبين، فوجه لمحاربة هرقل رجلاً من قواده يقال له: راهزار، في اثني عشر ألف مقاتل، وأمره أن يقيم بنينوى من مدينة الموصل على شاطئ دجلة، ويمنع الروم من أن يجوزوها- وكان كسرى حين بلغه خبر هرقل مقيمًا بدسكرةِ الملك- فنفذ راهزار لأمر كسرى، وعسكر حيث أمره، فقطع هرقل دجلة في موضع آخر للناحية التي كان فيها جند فارس، فأذكى راهزار العيون عليه، فانصرفوا إليه وأخبروه أنه في سبعين ألف مقاتل، وأيقن راهزار أنه ومن معه من الجنود عاجزون عن مناهضة سبعين ألف مقاتل، فكتب إلى كسرى غير مرة دهمَ هرقل إياه بمن لا طاقة له ولمن معه بهم؛ لكثرتهم وحسن عدتهم، كل ذلك يجيبه كسرى في كتابه، أنه إن عجز عن أولئك الروم فلن يعجز عن استقتالهم وبذل دمائهم في طاعته، فلما تتابعت على راهزار جوابات كتبه إلى كسرى بذلك، عبَّى جنده وناهض الروم، فقتلت الروم راهزار وستة آلاف رجل، وانهزم بقيتهم وهربوا على وجوههم، وبلغ كسرى قتل الروم راهزار وما نال هرقل من الظفر، فهدَّه ذلك وانحاز من دسكرة الملك إلى المدائن، وتحصن فيها؛ لعجزه كان عن محاربة هرقل.

وسار هرقل حتى كان قريبًا من المدائن، فلما تساقط إلى كسرى خبره واستعد لقتاله، انصرف إلى أرض الروم وكتب كسرى إلى قواد الجُند الذين انهزموا يأمرهم أن يدلوه على كل رجل منهم ومن أصحابهم، ممن فشل في تلك الحرب ولم يرابط مركزه فيها، فيأمر أن يعاقب بقدر ما استوجب، فأخرجهم بهذا الكتاب إلى الخلاف عليه، وطلب الحيل لنجاة أنفسهم منه، وكتب إلى شهربراز يأمره بالقدوم عليه ويستعجله في ذلك، ويصف ما كان من أمر الروم في عمله، وقد قيل: إن قول الله: {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ *فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم:1-6] ، إنما نزل في أمر أبرويز ملك فارس وملك الروم هرقل، وما كان بينهما مما قد ذكرت من هذه الأخبار.

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ".
ثم عاد يذكر من قال بهذا القول من أئمة التفسير، إلى أن قال: "وحدثنا عطاء الخراساني، قال: حدثني يحيى بن يعمر، أن قيصر بعث رجلا يدعى قطمة بجيش من الروم وبعث كسرى بشهر براز فالتقيا بأذرعات وبصرى وهي أدنى الشأم إليكم، فلقيت فارس الروم فغلبتهم فارس، ففرح بذلك كفار قريش وكرهه المسلمون فأنزل الله {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ}".
لأن فارس مشركون والروم أهل كتاب.
"فأنزل الله تعالى {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ} الآيات ثم ذكر مثل حديث عكرمة، وزاد: فلم يبرح شهر براز يطؤهم ويخرب مدائنهم حتى بلغ الخليج، ثم مات كسرى، فبلغهم موته فانهزم شهر براز وأصحابه، وأديلت عليهم الروم عند ذلك فاتبعوهم يقتلونهم".

قال: "وقال عكرمة في حديثه لما ظهرت فارس على الروم جلس فرُّوخان يشرب فقال لأصحابه: لقد رأيت كأني جالس على سرير كسرى، فبلغت كسرى،  لقد رأيت كأني جالس على سرير كسرى، فبلغت كسرى، فكتب إلى شهر براز إذا أتاك كتابي فابعث إلي برأس فروخان".
الآن جعلهما اثنين.
"فقال لأصحابه: لقد رأيت كأني جالس على سرير كسرى، فبلغت كسرى". كسرى يغيظه هذا،
. "فكتب إلى شهر براز: إذا أتاك كتابي فابعث إلي برأس فروخان. يعني صاروا اثنين ما هو بواحد. فكتب إليه: أيها الملك، إنك لن تجد مثل فرُّخان إن له نكاية وصوتًا في العدو فلا تفعل، فكتب إليه: إن في رجال فارس خلفًا منه، فعجل عليّ برأسه، فراجعه فغضب كسرى فلم يجبه، وبعث بريدًا إلى أهل فارس: إني قد نزعت عنكم شهر براز واستعملت عليكم فروخان، ثم دفع إلى البريد صحيفة صغيرة، وقال: إذا ولي فروخان الملك وانقاد له أخوه فأعطه هذه الصحيفة فلما قرأ شهر براز الكتاب، قال: سمعًا وطاعة. ونزل عن سريره وجلس فرخان ودفع الصحيفة إليه فقال: ائتوني بشهر براز فقدمه ليضرب عنقه، فقال: لا تعجل حتى أكتب وصيتي قال: نعم، فدعا بالسفط فأعطاه ثلاث صحائف، وقال: كل هذا راجعت فيك كسرى وأنت أردت أن تقتلني بكتاب واحد".

لأنه كان مأمورًا بقتل الثاني ذاك –نسأل الله العافية-.

"وأنت أردت أن تقتلني بكتاب واحد، فرد الملك إلى أخيه، وكتب شهر براز إلى قيصر ملك الروم إن لي إليك حاجة لا تحملها البُرد، ولا تبلِّغها الصحف فالقني، ولا تلقني إلا في خمسين روميًّا فإني ألقاك في خمسين فارسيًّا، فأقبل قيصر في خمسمائة ألف رومي، وجعل يضع العيون بين يديه في الطريق، وخاف أن يكون قد مكر به حتى أتاه عيونه أنه ليس معه إلا خمسون رجلاً، ثم بسط لهما والتقيا في قبة ديباج ضربت لهما مع كل واحد منهما سكين، فدعوا ترجمانًا بينهما فقال شهر براز: إن الذين خربوا مدائنك أنا وأخي بكيدنا وشجاعتنا، وإن كسرى حسدنا، فأراد أن أقتل أخي فأبيتُ، ثم أمر أخي أن يقتلني، فقد خلعناه جميعًا فنحن نقاتله معك. قال: قد أصبتما. ثم أشار أحدهما إلى صاحبه أن السر بين اثنين، فلما جاوز اثنين فشا قال: أجل؛ فقتلا الترجمان. فإذا جاوز الاثنين فشا قال: أجل، فقتلا الترجمان جميعًا بسكينهما، فأهلك الله كسرى وجاء الخبر إلى رسول الله -صلى الله عليه و سلم- يوم الحديبية، ففرح ومن معه.
وحُدثت عن هشام بن مُحَمَّد أنه قَالَ: سنة عشرين من ملك كسرى أبرويز، بعث الله محمدًا- صلى الله عليه وسلم-، فأقام بمكة ثلاث عشرة سنة، وهاجر في ثلاث وثلاثين من ملكه إلى المدينة.
ثم قال: ذُكر الخبر عن الأسباب التي حدثت عند إرادة الله إزالة ملك فارس عن أهل فارس".

المقصود أن الذي في التاريخ، أن الذي علَّق على "فتح الباري" الشيخ محبّ الدين الخطيب وهَّم الحافظ ابن حجر حينما جعلهما اثنين، وقال: الذي في المصدر -الذي هو تاريخ الطبري- هو واحد، لكن واحد اسم، وواحد لقب، ثم سمعنا ما في تاريخ الطبري في أول الأمر على ما ذكره المعلِّق، ثم في آخره على ما ذكر ابن حجر.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آله.

"