التعليق على تفسير القرطبي - سورة فصلت (02)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

طالب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

طالب: مسألة: زوج وزوجته ذهبوا إلى العمرة، ذهبوا إلى مكة، الزوج أخبرها أن مسعاها ما يصح السعي وهي أخذت برأي بعض المشايخ.

قلدت.

طالب: فسعت وطافت.

قلدت ...

طالب: الشاهد هو الآن رجع إلى دياره.... فيسأل وهو يقول الآن.

ما عليه شيء.

طالب: من ناحية.

مادام قلدت ما عليه شيء.

طالب: يا شيخ يقصد في إجماعها هو يري.

ما عليه الكلام إلى حين الحكم متعلق بها لا به، ما عليه شيء، ولا عليها شيء مادام قلدت من تبرأ الذمة بتقليده خلاص انتهى الإشكال، والحكم يخصها ما يخصه تحلل.

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:

قوله تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ (13) إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (14) فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ(16).

قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا} يَعْنِي كُفَّارَ قُرَيْشٍ عَمَّا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ يَا مُحَمَّدُ مِنَ الْإِيمَانِ، { فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ} أَيْ خَوَّفْتُكُمْ هَلَاكًا مِثْلَ هَلَاكِ عَادٍ وَثَمُودَ، { إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ" يَعْنِي مَنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَإِلَى مَنْ قَبْلَهُمْ} أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ" مَوْضِعُ" أَنْ" نُصِبَ بإسقاط الخافض".

يعني من أرسل إليهم وإلى من قبلهم الذي بين أيديهم هو الذي أرسل إليهم ومن خلفهم خلفوه وراء ظهورهم، يعني الذين من قبلهم.

مَوْضِعُ" أَنْ" نُصِبَ بإسقاط الخافض أي ب" أَلَّا تَعْبُدُوا"، و{ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً" } الرُّسُلِ" فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ" مِنَ الْإِنْذَارِ وَالتَّبْشِيرِ. قِيلَ: هَذَا اسْتِهْزَاءٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: اقرار إرسالهم ثم بعده جحود وعناد".

يعني الإقرار، الإقرار باللسان هذا على سبيل الاستخفاف والاستهزاء، لا على سبيل الاعتراف، ولئلا يمنع هذا من أن تكون القلوب مطمئنة إلى هذا الأمر ومصدقة، لكنها تجحد، يعني فرق بين أن تعترف وتجحد، تقر وتجحد، وبين أن تنكر وتجحد من الأصل وإن كان القلب مقرًّا جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم.

طالب:.......

لماذا؟

طالب: هذا ما كنا.......

أولاً: هذه السورة نزلت قبل تلك، وإن كانت المسألة ليست مما يدخلها النسخ، ليست من المسائل التي يدخلها النسخ، لكن التخويف لا يعني الوقوع، التخويف حصل التخويف بأمور، والنبي-عليه الصلاة والسلام- فيهم، لكن ما كان الله –جل وعلا- يعذبهم وأنت فيهم، يعذب المؤمنين منهم والنبي-عليه الصلاة والسلام- فيهم، ولو وقع منهم ما وقع، أما الكفار فيعذبون، وعذبوا وتوعدوا.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ} عَلَى عِبَادِ اللَّهِ هُودٍ وَمَنْ آمَنَ مَعَهُ" بِغَيْرالْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً" اغْتَرُّوا بِأَجْسَامِهِمْ حِينَ تَهَدَّدَهُمْ بِالْعَذَابِ، وَقَالُوا: نَحْنُ وَخَلْقٍ عَظِيمٍ. وَقَدْ مَضَى فِي [الْأَعْرَافِ] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ أَطْوَلَهُمْ كَانَ مِائَةَ ذِرَاعٍ، وَأَقْصَرَهُمْ كَانَ سِتِّينَ ذِرَاعًا. فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى رَدًّا عَلَيْهِمْ".

هذا منقول عن ابن عباس، يخالفه ويعارضه أن الله -جل وعلا- خلق الخلق على طول أبيهم ستين ذراعًا، مازال الخلق ينقص، وعاد ثمود بعد آدم بقرون، بعده بقرون متطاولة، فهم أقصر من هذا بكثير، الغاية خلق آدم في ستين ذراعًا، ثم صار الخلق ينقص إلى أن صار الحد إلى ثلاثة أذرع، أربعة أذرع بالكثير في آخر الزمان، لكن بينهما النزول ظاهر، وكانوا يستدلون على ما يجدونه من قبور وما أشبه ذلك الطول والقصر، فإذا وجدوا قبرًا طويلًا يعني احتمل أنه من المتقدمين، غلب على ظنهم أنه من قوم نوح مثلاً، أو من قوم هود، أو من قوم صالح، ثم إذا وجدوا قبرًا قصيرًا قالوا: هذا من قوم موسى أو عيسى أو ما أشبه ذلك، ولما فتح الصحابة بعض الجهات جهات المشرق وجدوا تابوتًا فيه جثة، جثة ميت احتفظ بها، أولئك بعد الروم والفرس، نسيت الآن، يخرجونها إذا أرادو أن يستسقوا، وبقاؤها دليل، جثة من لا تأكله الأرض كنبي ونحوه، قالوا: إن أنفه شبر، يعني ما طوله؟ ما استطاعوا أن يحددوا طوله، ولكن قالوا: إن الأنف شبر، ولا يكون الأنف شبرًا إلا إذا كان الطول خمسين ستين ذراعًا، هو من المتقدمين، وليس من المتأخرين.

 أما ما ذكر عن ابن عباس أن أطوالهم كان مائة ذراع، فهذا لا يمكن أن يكون؛ لأن الناس في نقص من بعد، وهو من بعد آدم بقرون، وأهل الجنة يكون طولهم طول أبيهم، الطول طول أبيهم ستون ذراعًا في عرض سبعة أذرع، الطول صح في الصحيحين، والعرض في المسند، وعلى كل حال المقصود أن ما يذكر عن ابن عباس معارض لهذا الحديث الصحيح.

"{ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} وَقُدْرَةً، وَإِنَّمَا يَقْدِرُ الْعَبْدُ بِإِقْدَارِ اللَّهِ، فَاللَّهُ أَقْدَرُ إِذًا.

{ وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ} أَيْ بِمُعْجِزَاتِنَا يَكْفُرُونَ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً} هَذَا تَفْسِيرُ الصَّاعِقَةِ الَّتِي أَرْسَلَهَا عَلَيْهِمْ، أَيْ رِيحًا بَارِدَةً شَدِيدَةَ الْبَرْدِ وَشَدِيدَةَ الصَّوْتِ وَالْهُبُوبِ. وَيُقَالُ: أَصْلُهَا صَرَرٌ مِنَ الصِّرِّ، وَهُوَ الْبَرْدُ، فَأَبْدَلُوا مَكَانَ الرَّاءِ الْوُسْطَى فَاءَ الْفِعْلِ، كَقَوْلِهِمْ: كَبْكَبُوا أَصْلُهُ كَبَّبُوا، وَتَجَفْجَفَ الثَّوْبُ أَصْلُهُ تَجَفَّفَ. أَبُو عُبَيْدَةَ: مَعْنَى صَرْصَرٍ: شَدِيدَةٌ عَاصِفَةٌ. عِكْرِمَةُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: شَدِيدُ الْبَرْدِ. وَأَنْشَدَ قُطْرُبٌ قَوْلَ الْحُطَيْئَةِ:
الْمُطْعِمُونَ إِذَا هَبَّتْ بِصَرْصَرَةٍ ...  وَالْحَامِلُونَ إِذَا اسْتُودُوا عَلَى النَّاسِ
اسْتُودُوا: إِذَا سُئِلُوا الدِّيَةَ. مُجَاهِدٌ: الشَّدِيدَةُ السَّمُومِ. وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ".

الصرصرة والصر هو في الأصل البرد الشديد، البرد الشديد، ويقارنه الريح الباردة التي ينشأ عنها الأصوات، أصوات ما تمر به، أما صوتها أو صوت ما تمر به مما يتحرك.

وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: بَارِدَةٌ. وَقَالَهُ عَطَاءٌ؛ لِأَنَّ" صَرْصَرًا" مَأْخُوذٌ مِنْ صِرٍّ وَالصِّرُّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْبَرَدُ.

كَمَا قال:

لها عذر كقرون النسا ...  ء رُكِّبْنَ فِي يَوْمِ رِيحٍ وَصِرْ
وَقَالَ السُّدِّيُّ: الشَّدِيدَةُ الصَّوْتِ، وَمِنْهُ صَرَّ الْقَلَمُ وَالْبَابُ يَصِرُّ صَرِيرًا أَيْ صَوَّتَ. وَيُقَالُ: دِرْهَمٌ صَرِّيٌّ وَصِرِّيٌّ لِلَّذِي لَهُ صَوْتٌ إِذَا نُقِدَ".

يعني إذا ضرب بشيء لتعلم جودته أو ألقي على الأرض له صوت دليل على جودته.

"قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: صَرْصَرٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الصِّرِّ، وَهُوَ الْبَرْدُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ صَرِيرِ الْبَابِ، وَمِنَ الصَّرَّةِ وَهِيَ الصَّيْحَةُ، وَمِنْهُ { فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِيصَرَّةٍ} [الذاريات: 29]، وَصَرْصَرٌ اسْمُ نَهَرٍ بِالْعِرَاقِ.

 { فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ} أي مشئومات، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةَ. كُنَّ آخِرَ شَوَّالٍ مِنْ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ إِلَى يَوْمِ الْأَرْبِعَاء،ِ وَذَلِكَ { سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً} [الحاقة: 7]".

نعم، وصف الله -جل وعلا- بالنحس وقال: في يوم نحس.

 المقصود أنها وصف اليوم بالسعد أو النحس بناءً على ما يقع فيه من خير أو شر، فليدخل في ذمه وسبه؛ ليكون فرعًا عن سب الدهر، أو أنه إذا وقع ذلك تبين أن هذا اليوم لم يقع فيه إلا هذا الشر، أو لم يقع فيه إلا هذا الخير، مع أن تقدير الإنسان أن هذا تقدير الله الذي يعلم خفايا الأمور، أما تقدير الإنسان فقد يظن أن هذا اليوم نحس، وهو في الحقيقة سعد، لماذا؟

 لأن الله رتب على هذه الأمور التي هي في ظاهرها شر خيرًا عظيمًا أو العكس، فالإنسان لا يستطيع أن يقدر، فإذا ذم الدهر مع جهله بعواقب الأمور وقع فيما جاء في سب الدهر، وأما الله– جل وعلا- الذي يعلم خفايا الأمور، وأنه لا مصلحة لهم ألبتة مما وقع في هذا اليوم أمثال هؤلاء الأقوام يمكن أن يسمى نحسًا، علمًا بأن الأيام في الأصل والليالي هي ظروف، ظروف لا ينسب إليها شيء، إنما ينسب لمن فعل بها وعمل فيها هو الذي ينسب إليه الشيء، فهم الأقوام النحس، ومع ذلك إذا وقع الفعل في ظرف أمكن النسبة إليه تجوزًا، وإن كان النحس والسعد إنما يتعلق بمن يفعل الخير أو يفعل الشر.

 يوم الأربعاء يتشائم الناس فيه كثيرًا؛ لأن عذابهم بدأ في يوم الأربعاء، وينتهي في يوم الأربعاء، في يومين يوم الأربعاء والأربعاء، الأول والثاني كلاهما فيه عذاب، ثمانية أيام، وبينهم سبع ليالٍ، ومع ذلك جاء في المسند وغيره من كتب السنة والأدب المفرد بعض السنن من حديث جابر أن النبي- عليه الصلاة والسلام- دعا يوم الإثنين والثلاثاء فلم يُجب، وأجيب يوم الأربعاء بين الصلاتين، فدل على أنه بذاته الأربعاء، لا يمكن أن ينسب إليه شيء، تجاب فيه الدعوات، فليس بيوم نحس هو بذاته، لكن تلك الأيام التي وقعت فيها تلك العقوبة يمكن أن يقال: إنها نحس؛ لأنها لا مصلحة فيه ألبتة لهم وإنما هو عذاب محض، ومن ورائه عذاب أعظم منه، نسأل الله العافية.

طالب:.........

على كل حال هذه الظروف الله -جل وعلا-هو المقدر، وهو الذي يسبب الأسباب.

طالب: سلام عليكم....

ماذا؟

طالب: فترة زمنية انتشر فيها بعض الفساد والشرك والزنا ......تلك الفترة نقصت.

لا يمكن؛ لأنك لا تدري عن عواقب الأمور، لا تعرف العواقب ماذا يترتب على هذا المذكور؟

طالب: السيئات أكثر.

على كل حال وفيه حسنات يعني ما تدري أنت يمكن في جهة من الجهات الخير فيها أظهر.

طالب:...........

على الإطلاق، الإطلاق ما فيه؛ لأنه هو الذي يعرف العواقب، الإنسان قد يقدر هذا لشيء نحس، وهو في الحقيقة سعد.

طالب:.......

حتى يومه ما يدري ما الخيرة، ما يدري لعله تترتب على هذا الشر الذي حصل له في هذا اليوم خير عظيم.

" قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا عُذِّبَ قَوْمٌ إِلَّا فِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ. وَقِيلَ:" نَحِساتٍ" بَارِدَاتٍ، حَكَاهُ النَّقَّاشُ. وَقِيلَ: مُتَتَابِعَاتٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطِيَّةَ الضَّحَّاكُ: شِدَاد، وَقِيلَ: ذَاتُ غُبَارٍ، حَكَاهُ ابْنُ عِيسَى. وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:

قَدِ اغْتَدَى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ... لِلصَّيْدِ فِي يَوْمٍ قَلِيلِ النَّحْسِ
قَالَ الضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُ: أَمْسَكَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْمَطَرَ ثَلَاثَ سِنِينَ، وَدَرَّتِ الرِّيَاحُ عَلَيْهِمْ فِي غَيْرِ مَطَرٍ، وَخَرَجَ مِنْهُمْ قَوْمٌ إِلَى مَكَّةَ يَسْتَسْقُونَ بِهَا لِلْعِبَادِ، وَكَانَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ إِذَا نَزَلَ بِهِمْ بَلَاءٌ أَوْ جَهْدٌ طَلَبُوا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى الْفَرَجَ مِنْهُ، وَكَانَتْ طُلْبَتُهُمْ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ بَيْتِهِ الْحَرَامِ مَكَّةَ مُسْلِمِهِمْ وَكَافِرِهِمْ، فَيَجْتَمِعُ بِمَكَّةَ نَاسٌ كَثِيرٌ شَتَّى، مُخْتَلِفَةٌ أَدْيَانُهُمْ، وَكُلُّهُمْ مُعظِّمٌ لِمَكَّةَ، عَارِفٌ حُرْمَتَهَا وَمَكَانَهَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى.

وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَالتَّيْمِيّ: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ خَيْرًا أَرْسَلَ عَلَيْهِمُ الْمَطَرَ وَحَبَسَ عَنْهُمْ كَثْرَةَ الرِّيَاحِ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ شَرًّا حَبَسَ عَنْهُمُ الْمَطَرَ وَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ كَثْرَةَ الرِّيَاحِ.

وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو: " نَحْسَاتٍ" بِإِسْكَانِ الْحَاءِ عَلَى أَنَّهُ جَمْعُ نَحْسٍ الَّذِي هُوَ مَصْدَرٌ وُصِفَ بِهِ، والْبَاقُونَ:" نَحِساتٍ" بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ ذَوَاتُ نَحْسٍ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّحْسَ مَصْدَرٌ قَوْلُهُ: { فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ} [القمر: 19]، وَلَوْ كَانَ صِفَةً لَمْ يُضَفِ الْيَوْمَ إِلَيْهِ، وَبِهَذَا كَانَ يَحْتَجُّ أَبُو عَمْرٍو عَلَى قِرَاءَتِهِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو حَاتِمٍ."

الكلام فيه ما فيه؛ لأن من وجوه الإضافة إضافة الموصوف إلى صفته، فكونه يستدل به على أنها مصدر؛ لأن الموصوف أضيف إليها فهذا الكلام ليس بصحيح.

"وَاخْتَارَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقِرَاءَةَ الثَّانِيَةَ وَقَالَ: لَا تَصِحُّ حُجَّةُ أَبِي عَمْرٍو؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْيَوْمَ إِلَى النَّحْسِ فَأَسْكَنَ، وَإِنَّمَا كَانَ يَكُونُ حُجَّةً لَوْ نَوَّنَ الْيَوْمَ وَنَعَتَ وأسكن، فقال: {فِي يَوْمِ نَحْسٍ} [القمر: 19]، وَهَذَا لَمْ يَقْرَأْ بِهِ أَحَدٌ نَعْلَمُهُ. وَقَالَ الْمَهْدَوِيُّ: وَلَمْ يُسْمَعْ فِي" نَحْسٍ" إِلَّا الْإِسْكَانُ، قال الجوهري: وقرئ في قوله: { فِي يَوْمِ نَحْسٍ} [القمر: 19] عَلَى الصِّفَةِ، وَالْإِضَافَةُ أَكْثَرُ وَأَجْوَدُ، وَقَدْ نَحِسَ الشَّيْءُ بِالْكَسْرِ فَهُوَ نَحِسٌ أَيْضًا، قَالَ الشَّاعِرُ:

أَبْلِغْ جُذَامًا وَلَخْمًا أَنَّ إِخْوَتَهُمْ... طَيًّا وَبَهْرَاءَ قَوْمٌ نَصْرُهُمْ نَحِسُ"

عمومًا من حيث الاشتقاق والتصريف يجوز أن يقال: نحْس بالتسكين من باب التخفيف، كما أنه يجوز تحريكه فيقال: نحَس ونحِس، كما قيل في نجْس ونَجِس ونَجَس.

"وَمِنْهُ قِيلَ: أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ. {" لِنُذِيقَهُمْ}" أَيْ لِكَيْ نُذِيقَهُمْ، "{عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الحياة الدنيا"} أي العذاب بِالرِّيحِ الْعَقِيمِ. {وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى} " أَيْ أَعْظَمَ وأشد {وَهُمْ لا يُنْصَرُون}".

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ} أَيْ بَيَّنَّا لَهُمُ الْهُدَى وَالضَّلَالَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُمَا " وَأَمَّا ثَمُودَ" بِالنَّصْبِ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِيهِ فِي الْأَعْرَافِ." {فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى } أَيِ اخْتَارُوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: اخْتَارُوا الْعَمَى عَلَى الْبَيَانِ، وقال السُّدِّيُّ: اخْتَارُوا الْمَعْصِيَةَ عَلَى الطَّاعَةِ."

هديناهم، {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ} المراد بها هداية الدلالة والإرشاد لا هداية التوفيق والقبول، لو حصلت لهم هداية التوفيق والقبول ما استبدلوا بها شيئًا، لكنها هداية وإرشاد، فرفضوا هذه الدلالة، وارتكبوا ضدها، استحبوا العمى على الهدى، نسأل الله العافية.

"{ فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ} الْهُونِ" بِالضَّمِّ الْهَوَانُ. وَهَوْنُ بن خزيمة بن مدركة بن إلياس ابن مُضَرَ أَخُو كِنَانَةَ وَأَسَدٍ وَأَهَانَهُ: اسْتَخَفَّ بِهِ وَالِاسْمُ الْهَوَانُ وَالْمُهَانَةُ وَأُضِيفَ الصَّاعِقَةُ إِلَى الْعَذَابِ؛ لِأَنَّ الصَّاعِقَةَ اسْمٌ لِلْمُبِيدِ الْمُهْلِكِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ مُهْلِكُ الْعَذَابِ، أَيِ الْعَذَابُ الْمُهْلِكُ. وَالْهُونُ وَإِنْ كَانَ مَصْدَرًا فَمَعْنَاهُ الْإِهَانَةُ، وَالْإِهَانَةِ عَذَابٌ".

{من يهن الله فما له من مكرم}.

" فَجَازَ أَنْ يُجْعَلَ أَحَدَهُمَا وَصْفًا لِلْآخَرِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: صَاعِقَةُ الْهُونِ. وَهُوَ كَقَوْلِكَ: عِنْدِي عِلْمُ الْيَقِينِ، وَعِنْدِي الْعِلْمُ الْيَقِينُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْهُونُ اسْمًا مِثْلَ الدُّونِ، يُقَالُ: عَذَابٌ هُونٌ أَيْ مُهِينٌ كَمَا قَالَ: { مَا لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ"}. [سبأ: 14]. وقيل: أي صاعقة العذاب الْهُونِ." بِما كانُوا يَكْسِبُونَ" مِنْ تَكْذِيبِهِمْ صَالِحًا وَعَقْرِهِمُ النَّاقَةَ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ، { وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا} يَعْنِي صَالِحًا وَمَنْ آمَنَ بِهِ، أَيْ مَيَّزْنَاهُمْ عَنِ الْكُفَّارِ، فَلَمْ يَحِلَّ بِهِمْ مَا حَلَّ بِالْكُفَّارِ، وَهَكَذَا يَا مُحَمَّدُ نَفْعَلُ بِمُؤْمِنِي قَوْمكَ وكفارهم.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {" وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} قَرَأَ نَافِعٌ" نَحْشُرُ" بِالنُّونِ، "أَعْدَاءَ" بِالنَّصْبِ، الْبَاقُونَ" يُحْشَرُ" بِيَاءٍ مَضْمُومَةٍ" أَعْدَاءُ" بِالرَّفْعِ وَمَعْنَاهُمَا بَيِّنٌ. وَأَعْدَاءُ اللَّهِ: الَّذِينَ كَذَّبُوا رُسُلَهُ وَخَالَفُوا أَمْرَهُ، { فَهُمْ يُوزَعُونَ} يُسَاقُونَ وَيُدْفَعُونَ إِلَى جَهَنَّمَ قَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: يُحْبَسُ أَوَّلُهُمْ عل آخِرِهِمْ حَتَّى يَجْتَمِعُوا، قَالَ أَبُو الْأَحْوَصِ: فَإِذَا تَكَامَلَتِ الْعِدَّةُ بُدِئَ بِالْأَكَابِرِ فَالْأَكَابِرِ جُرْمًا. وَقَدْ مضى في" النمل" الكلام في" يُوزَعُونَ" [النمل: 17] مستوفى.

قوله تعالى: {حَتَّى إِذا ما جاؤُها} ما" زائدة، { شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ}".

مر بنا مرارًا معنى هذا الإطلاق لحرف من القرآن أنه زائد، وأن المراد به أنه يستقيم الكلام بدونه، ولا يعني أنه لا فائدة منه، لا فائدة من حيث المعنى، أما بالنسبة للإعراب والمعنى فيستقيم بدونه، لكن له مزيد فائدة من تأكيد ونحوه؛ لأن القرآن مصون من الزيادة والنقصان، والزيادة من غير الله- جل وعلا- هذه مقطوع بعدم وقوعها؛ لأنه تولى الله –جل وعلا- حفظه، وأما ما كان من الله - جل وعلا- فما يستقيم الكلام بدونه يمكن أن يقال له: زائد، والأدب أن يقال: صلة  يعني من حيث الإعراب لا محل له كما يقال في صلة الموصول، وهذا يعبر به بعض المفسرين، وهذا من باب الأدب.

"{شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ} لْجُلُودُ يَعْنِي بِهَا الْجُلُودَ أَعْيَانَهَا فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِين،َ وَقَالَ السُّدِّيُّ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ وَالْفَرَّاءُ: أَرَادَ بِالْجُلُودِ الْفُرُوجَ، وأنشد بعض الأدباء لعامر بن جوية:

المرء يسعى للسلا ... - مه والسلامة حسبه

أو سالم مَنْ قَدْ تَثَنَّى ... جِلْدُهُ وَابْيَضَّ رَأْسُهْ

وَقَالَ: جِلْدُهُ كِنَايَةً عَنْ فَرْجِهِ، " وَقالُوا" يَعْنِي الْكُفَّارَ".

ما يدل على إرادة التخصيص هنا ثنى جلده إذا كبرت سنه تثنى جلده كله.

"" وَقالُوا" يَعْنِي الْكُفَّارَ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا"، وَإِنَّمَا كُنَّا نُجَادِلُ عَنْكُمْ، " قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ" لَمَّا خَاطَبَتْ وَخُوطِبَتْ أُجْرِيَتْ مَجْرَى مَنْ يَعْقِلُ.

{وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ}".

أجري مجري من يعقل، قالوا: أنطقنا الله، قالوا الأصل هذا أنه للعاقل.

"أَيْ رَكَّبَ الْحَيَاةَ فِيكُمْ بَعْدَ أَنْ كُنْتُمْ نُطَفًا، فَمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ قَدَرَ عَلَى أَنْ يُنْطِقَ الْجُلُودَ وَغَيْرَهَا مِنَ الْأَعْضَاءِ. وَقِيلَ:" وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ" ابْتِدَاءُ كَلَامٍ مِنَ اللَّهِ." وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ"، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله- فَضَحِكَ فَقَالَ: « هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ أَضْحَكُ» قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: « مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ ربه يقول: يا رب، ألم تجزني مِنَ الظُّلْمِ قَالَ: يَقُولُ: بَلَى، قَالَ: فَيَقُولُ: فَإِنِّي لَا أُجِيزُ عَلَى نَفْسِي إِلَّا شَاهِدًا مِنِّي، قَالَ: يَقُولُ: كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا، وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ شُهُودًا، قَالَ: فَيَخْتِمُ عَلَى فِيهِ فَيُقَالُ لِأَرْكَانِهِ: انْطِقِي، فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ، قَالَ: ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلَامِ قَالَ: فَيَقُولُ: بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا، فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ»، وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ثُمَّ يُقَالُ: «الْآنَ نَبْعَثُ شاهدنا عَلَيْكَ، وَيَتَفَكَّرُ فِي نَفْسِهِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيَّ فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ وَيُقَالُ لِفَخِذِهِ (وَلَحْمِهِ وَعِظَامِهِ): انْطِقِي فَتَنْطِقُ فَخِذُهُ وَلَحْمُهُ وَعِظَامُهُ بِعَمَلِهِ، وَذَلِكَ لِيُعْذَرَ مِنْ نَفْسِهِ  وَذَلِكَ الْمُنَافِقُ وَذَلِكَ الَّذِي سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِ»، خَرَّجَهُ أَيْضًا مسلم."

يعني لو شهد عليه غيره ولو كان أقرب الناس إليه وأحب الناس إليه اتهمه، لكن إذا شهد عليه أبعاضه وأشياؤه لا يستطيع أن يتهم هذه الأبعاض؛ لأنها معذبة بعذابه.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ} يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ قَوْلِ الْجَوَارِحِ لَهُمْ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- أَوِ الْمَلَائِكَةِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: اجْتَمَعَ عِنْدَ الْبَيْتِ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ، قُرَشِيَّانِ وَثَقَفِيٌّ أَوْ ثَقَفِيَّانِ وَقُرَشِيٌّ، قَلِيلٌ فِقْهُ قُلُوبِهِمْ، كَثِيرٌ شَحْمُ بُطُونِهِمْ: فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَتَرَوْنَ اللَّهَ يَسْمَعُ مَا نَقُولُ؟ فَقَالَ الْآخَرُ: يَسْمَعُ إِنْ جَهَرْنَا وَلَا يَسْمَعُ إِنْ أَخْفَيْنَا، وَقَالَ الْآخَرُ: إِنْ كَانَ يَسْمَعُ إِذَا جَهَرْنَا فَهُوَ يَسْمَعُ إِذَا أَخْفَيْنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-".

لأن المسافة بعيدة، الذي لا يسمع إلا جهرًا، ولا يسمع السر، المساقة بعيدة جدًّا، لا يسمعها من يسمع الجهر، هذا على جهة التنزل لأفهامهم وعقولهم، قالوا: مادام يسمع إذا جهرنا ويسمع إذا أسررنا وأخفينا؛ لأن المسافة بعيدة لا يسمعها من يسمع الجهر.

" {وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ}" الْآيَةَ، خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ فَقَالَ: اخْتَصَمَ عِنْدَ الْبَيْتِ ثَلَاثَةُ نَفَرٌ. ثُمَّ ذَكَرَهُ بِلَفْظِهِ حَرْفًا حَرْفًا وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عمارة بن عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كُنْتُ مُسْتَتِرًا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فجاء ثلاثة نفر كَثِيرٌ شَحْمِ بُطُونِهِمْ قَلِيلٌ فِقْهُ قُلُوبِهِمْ قُرَشِيٌّ وَخَتَنَاهُ ثَقَفِيَّانِ أَوْ ثَقَفِيٌّ وَخَتَنَاهُ قُرَشِيَّانِ، فَتَكَلَّمُوا بِكَلَامٍ لَمْ أَفْهَمْهُ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَتَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ يَسْمَعُ كَلَامَنَا هَذَا، فَقَالَ الْآخَرُ: إِنَّا إِذَا رَفَعْنَا أَصْوَاتَنَا سَمِعَهُ: وَإِذَا لَمْ نَرْفَعْ أَصْوَاتَنَا لَمْ يَسْمَعْهُ، فَقَالَ الْآخَرُ: إِنْ سَمِعَ مِنْهُ شَيْئًا سَمِعَهُ كُلَّهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: { وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: { فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ}، قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

 قَالَ الثَّعْلَبِيُّ: وَالثَّقَفِيُّ عَبْدُ يَالِيلَ، وَخَتَنَاهُ رَبِيعَةُ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَمَعْنَى { تَسْتَتِرُونَ} تَسْتَخْفُونَ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، أَيْ مَا كُنْتُمْ تَسْتَخْفُونَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ حَذَرًا مِنْ شَهَادَةِ الْجَوَارِحِ عَلَيْكُمْ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُخْفِيَ مِنْ نَفْسِهِ عَمَلَهُ، فَيَكُونُ الِاسْتِخْفَاءُ بِمَعْنَى تَرْكِ الْمَعْصِيَةِ وَقِيلَ: الِاسْتِتَارُ بِمَعْنَى الِاتِّقَاءِ، أَيْ مَا كُنْتُمْ تَتَّقُونَ فِي الدُّنْيَا أَنْ تَشْهَدَ عَلَيْكُمْ جَوَارِحُكُمْ فِي الْآخِرَةِ".

يعني رغم مبالغتكم بالاستتار والاختفاء عن الناس ما يمكنكم أن تستترون عن بعضكم وأجزائكم، مهما استتر الإنسان عن غيره فإنه لا يمكن أن يستتر عن يده، عن رجله، عن بطنه، عن فرجه، عن ظهره، عن بقية أبعاضه، لكنهم ما حسبوا لهذا حسابًا أن هذا يشهد عليهم، ومع ذلك لو أنهم استحضروا هذا بعد سماعهم هذا الكلام، والله -جل علا- قد كتب عليهم من الشقاء لن يردعهم مثل هذا ولا أبلغ في ذلك من قوله –جل و علا-: { ولو ردوا لعادوا}، يعني بعد أن يروا العذاب ويذوقوا العذاب يعودون لما نهوا عنه- نسأل الله العافية-.

"أَيْ مَا كُنْتُمْ تَتَّقُونَ فِي الدُّنْيَا أَنْ تَشْهَدَ عَلَيْكُمْ جَوَارِحُكُمْ فِي الْآخِرَةِ فَتَتْرُكُوا الْمَعَاصِي خَوْفًا مِنْ هَذِهِ الشَّهَادَةِ، وَقَالَ مَعْنَاهُ مُجَاهِدٌ، وَقَالَ قَتَادَةُ: { وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ} أَيْ تَظُنُّونَ" أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ" بِأَنْ يَقُولَ سَمِعْتُ الْحَقَّ وَمَا وَعَيْتُ، وَسَمِعْتُ مَا لَا يَجُوزُ مِنَ الْمَعَاصِي، " وَلا أَبْصارُكُمْ" فَتَقُولُ: رَأَيْتُ آيَاتِ اللَّهِ وَمَا اعْتَبَرْتُ، وَنَظَرْتُ فِيمَا لَا يَجُوزُ، " وَلا جُلُودُكُمْ" تَقَدَّمَ". {وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ}" مِنْ أَعْمَالِكُمْ فَجَادَلْتُمْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى شَهِدَتْ عَلَيْكُمْ جَوَارِحُكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ.

رَوَى بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- فِي قَوْلِهِ: { أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ} قَالَ: « إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُفَدَّمَةٌ أَفْوَاهُكُمْ بِفِدَامٍ فَأَوَّلُ مَا يُبَيِّنُ عَنِ الْإِنْسَانِ فَخِذُهُ وَكَفُّهُ»، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى: «الشَّامِيُّ فَأَحْسَنَ.

الْعُمْرُ ينقص والذنوب تزيد تقال عَثَرَاتُ الْفَتَى فَيَعُودُ
هَلْ يَسْتَطِيعُ جُحُودَ ذَنْبٍ وَاحِدٍرَجُلٌ جَوَارِحُهُ عَلَيْهِ شُهُودُ
وَالْمَرْءُ يَسْأَلُ عَنْ سِنِيه فَيَشْتَهِي تَقْلِيلَهَا وَعَنِ الْمَمَاتِ يَحِيدُ
وَعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- قَالَ: « لَيْسَ مِنْ يَوْمٍ يَأْتِي عَلَى ابْنِ آدَمَ إِلَّا يُنَادَى فِيهِ: يَا ابْنَ آدَمَ أَنَا خَلْقٌ جَدِيدٌ، وَأَنَا فِيمَا تَعْمَلُ غَدًا عَلَيْكَ شَهِيدٌ، فَاعْمَلْ فِيَّ خَيْرًا أَشْهَدْ لَكَ بِهِ غَدًا، فَإِنِّي لَوْ قَدْ مَضَيْتُ لَمْ تَرَنِي أَبَدًا، وَيَقُولُ اللَّيْلُ مِثْلَ ذَلِكَ»، ذَكَرَهُ أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ التَّذْكِرَةِ فِي بَابِ شَهَادَةِ الْأَرْضِ وَاللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ وَالْمَالِ."

هذا مخرج؟ التخريج الذي قبله حديث بهز بن حكيم.

طالب:......

لا، الأول بهز بن حكيم.

طالب: قال أخرجه...مسعود.

الثاني معقل بن يسار.

طالب: قال في إسناده زيد بن .... وهو ضعيف ......قال أبو نعيم حديث .......زيد ولا أعلمه إلا مرفوعًا عن النبي –صلى الله عليه وسلم- إلا بهذا الإسناد.

المقصود أنه ضعيف مادام فيه زيد العمي، ولا يخرج من غير حلية.

طالب:.....

نعم

طالب:......السيوطي.

 ماذا؟

طالب: .............

 لا ما يكفي، السيوطي فرع، فرع ما يخرج.

"وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بَشِيرٍ فَأَحْسَنَ:

مَضَى أَمْسُكَ الْأَدْنَى شَهِيدًا مُعَدَّلًا ... - وَيَوْمُكَ هَذَا بِالْفِعَالِ شَهِيدُ
فَإِنْ تَكُ بِالْأَمْسِ اقْتَرَفْتَ إِسَاءَةً ... - فَثَنِّ بِإِحْسَانٍ وَأَنْتَ حَمِيدُ
وَلَا تُرْجِ فِعْلَ الْخَيْرِ مِنْكَ إِلَى غَدٍ".

يعني لا تؤخر من الإرجاء والتأخير.

"لَعَلَّ غَدًا يَأْتِي وَأَنْتَ فَقِيدُ".

ما تدري، – الله المستعان-.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ} أَيْ أَهْلَكَكُمْ فَأَوْرَدَكُمُ النَّارَ. قَالَ قَتَادَةُ: الظَّنُّ هُنَا بِمَعْنَى الْعِلْمِ. وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: « لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ، فَإِنَّ قَوْمًا أَسَاءُوا الظَّنَّ بِرَبِّهِمْ فَأَهْلَكَهُمْ»".

ولذلك يرجح أهل العلم أن يكون الرجاء أغلب في آخر العمر، يحسن الظن بربه، ويكون في حال القوة والنشاط في خوفه أرجح؛ ليبعثه هذا الخوف على العمل، والرجاء يبعث على حسن الظن بالله، فإذا كان الرجاء بهذه المثابة، والخوف بهذه المثابة صارا شرعيين، أما الخوف الذي لا يبعث على عمل، والرجاء الذي يجعل الإنسان يأمن من مكر الله، ويسترسل في المعاصي، فهذا– نسأل الله العافية- من الأمن من مكر الله، شأنه عظيم، كما أن القنوت شأنه أعظم.

طالب:..........

نعم.

طالب: .............

يرجحون الخوف، يخافون من سوء العاقبة، يخافون من سوء العاقبة؛ لأنه لا يدري ما يختم به، حديث ابن مسعود: «وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتي ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها» هذا مخيف جدًّا، يعني وإن جاء في حديث أبي موسى وغيره «فيما يبدوا للناس »، لكن من يضمن أن عمله خالص لله- جل وعلا-؟

طالب:......

ماذا؟

 طالب:...أنهم أحسنوا الظن.

لا، لا، إحسان الظن عند لقائه ولذلك قال: لا يموتن أحدكم حتى يحسن الظن مع حسن العمل، وإحسانه بظنه لا ينافي إساءته بنفسه وعمله.

طالب: سلام عليكم يقول عمر –رضي الله عنه –...

نعم.

طالب: .............

فامحني واكتبني سعيدًا، نعم من باب قوله –جل وعلا-: {يمحوا الله ما يشاء ويثبت}، وهذا مما في أيدي الملائكة، وأما ما في علمه -جل وعلا- فإنه لا يتغير.

" فَذَلِكَ قَوْلُهُ: { وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ}، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: إِنَّ قَوْمًا أَلْهَتْهُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى خَرَجُوا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا لَهُمْ حَسَنَةٌ، وَيَقُولُ أَحَدُهُمْ: إِنِّي أُحْسِنُ الظَّنَّ بِرَبِّي وَكَذَبَ، وَلَوْ أَحْسَنَ الظَّنَّ لَأَحْسَنَ الْعَمَلَ، وَتَلَا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: { وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ}، وَقَالَ قَتَادَةُ: مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَمُوتَ وَهُوَ حَسَنُ الظَّنِّ بِرَبِّهِ فَلْيَفْعَلْ، فَإِنَّ الظَّنَّ اثْنَانِ ظَنٌّ يُنْجِي وَظَنٌّ يُرْدِي. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: هَؤُلَاءِ قَوْمٌ كَانُوا يُدْمِنُونَ الْمَعَاصِي، وَلَا يَتُوبُونَ مِنْهَا، وَيَتَكَلَّمُونَ عَلَى الْمَغْفِرَةِ، حَتَّى خَرَجُوا مِنَ الدُّنْيَا مَفَالِيسَ".

لعلهم يتكلون، يتكلون على المغفرة، ماذا عندكم؟

طالب:......

ماذا؟

طالب: .............

هؤلاء قوم كانوا يدمنون المعاصي، ولا يتوبون منها، يتكلمون، يعني يستدلون بمثل قوله –جل وعلا-: {إن الله غفور رحيم} هذه، لكل قوم وارث، مازالت محل عناية من كثير ممن يرتكب المعاصي، ويستدلون بها، كأنهم لا يحفظون في القرآن غيرها، لا يحفظون شديد العقاب، هؤلاء هم المغترون المغرورون، ولو قيل: إنهم يتكلون على المغفرة على ما عند الله -جل وعلا- من مغفرة وسعة رحمة، ويسوفون، ويقولون: إن الله غفور رحيم، فالمعنى ما يختلف، المعني واحد.

طالب: شيخ.

نعم

طالب: .......أصحاب المعاصي...عقوبتهم ......      

لا، لا غالب ما يحمل على المعاصي الاعتماد على رحمة الله، سعة رحمة الله.

 وعلى كل حال النصوص الشرعية جاءت بالترغيب والترهيب، وهي علاج للمدعو من أفراد وجماعات، الآن أنت عندك أولاد تعرف أن واحدًا منهم لو ضربته تمرد، هذا ما تضرب، ترغبه، والآخر لو رغبته قال: إن الوالد لا شك أنه خائف مني؛ لأني كذا وكذا، مثل هذا يضرب، على كل حال النصوص الشرعية علاج يعالج بها المدعو.

 

"حَتَّى خَرَجُوا مِنَ الدُّنْيَا مَفَالِيسَ ثُمَّ قَرَأَ: { وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} أَيْ فَإِنْ يَصْبِرُوا فِي الدُّنْيَا عَلَى أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ. نظيره { فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ"} [البقرة: 175]، عَلَى مَا تَقَدَّمَ {وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا} فِي الدُّنْيَا وَهُمْ مُقِيمُونَ عَلَى كُفْرِهِمْ {فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ}. وقيل: المعنى" فإن يصبروا فِي النَّارِ أَوْ يَجْزَعُوا {فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} أَيْ لَا مَحِيصَ لَهُمْ عَنْهَا، وَدَلَّ عَلَى الْجَزَعِ قَوْلُهُ:" وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا"؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعْتَبَ جَزِعٌ، وَالْمُعْتِبُ الْمَقْبُولُ عِتَابُهُ، قَالَ النَّابِغَةُ:

فَإِنْ أَكُ مظلومًا فعبد ظلمته ... - إن تَكُ ذَا عُتْبَى فَمِثْلُكُ يُعْتِبُ
أَيْ مِثْلُكَ مَنْ قَبِلَ الصُّلْحَ وَالْمُرَاجَعَةَ إِذَا سُئِلَ. قَالَ الْخَلِيلُ: الْعِتَابُ مُخَاطَبَةُ الْإِدْلَالِ وَمُذَاكَرَةُ الْمُوجِدَةِ. تَقُولُ: عَاتَبْتُهُ مُعَاتَبَةً، وَبَيْنَهُمْ أُعْتُوبَةٌ يَتَعَاتَبُونَ بِهَا. يُقَالُ: إِذَا تَعَاتَبُوا أَصْلَحَ مَا بَيْنَهُمُ الْعِتَابُ. وَأَعْتَبَنِي فُلَانٌ".

يعني كأنها محاسبة ومخالصة بينهما فيصلحهم هذا العتاب، كل واحد يشكو إلى الثاني ما لقيه منه حتى يصلحوا، بخلاف ما إذا سكتوا، كل على ما في نفسه، فإن هذه الأمور تزداد وهم لا يشعرون.

"وَأَعْتَبَنِي فُلَانٌ: إِذَا عَادَ إِلَى مَسَرَّتِي رَاجِعًا عَنِ الْإِسَاءَةِ، وَالِاسْمُ مِنْهُ الْعُتْبَى، وَهُوَ رُجُوعُ الْمَعْتُوبِ عَلَيْهِ إِلَى مَا يُرْضِي الْعَاتِبَ. وَاسْتَعْتَبَ وَأَعْتَبَ بِمَعْنًى، وَاسْتَعْتَبَ أَيْضًا طَلَبَ أَنْ يُعْتَبَ، تَقُولُ: اسْتَعْتَبْتُهُ فَأَعْتَبَنِي أَيِ اسْتَرْضَيْتُهُ فَأَرْضَانِي. فَمَعْنَى { وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا} أَيْ طَلَبُوا الرِّضَا، لَمْ يَنْفَعْهُمْ ذَلِكَ، بَلْ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنَ النَّارِ.

 وَفِي التَّفَاسِيرِ: وَإِنْ يَسْتَقِيلُوا رَبَّهُمْ فَمَا هُمْ مِنَ الْمُقَالِينَ. وَقَرَأَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ وَأَبُو الْعَالِيَةِ: {وَإِنْ يُسْتَعْتَبُوا} بِفَتْحِ التَّاءِ الثَّانِيَةِ وَضَمِّ الْيَاءِ عَلَى الْفِعْلِ الْمَجْهُولِ، " فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ" بِكَسْرِ التَّاءِ أَيْ إِنْ أَقَالَهُمُ اللَّهُ وَرَدَّهُمْ إِلَى الدُّنْيَا لَمْ يَعْمَلُوا بِطَاعَتِهِ لِمَا سَبَقَ لَهُمْ فِي عِلْمِ اللَّهِ مِنَ الشَّقَاءِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام: 28] ذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: يُقَالُ أَعْتَبَ إِذَا غَضِبَ وَأَعْتَبَ إِذَا رَضِيَ.

من الأضداد.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ}" قَالَ النَّقَّاشُ: أَيْ هَيَّأْنَا لَهُمْ شَيَاطِينَ. وَقِيلَ: سَلَّطْنَا عَلَيْهِمْ قُرَنَاءَ يُزَيِّنُونَ عِنْدَهُمُ الْمَعَاصِي، وَهَؤُلَاءِ الْقُرَنَاءُ مِنَ الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ وَمِنَ الْإِنْسِ أَيْضًا، أَيْ سَبَّبْنَا لَهُمْ قُرَنَاء."

هيأنا لهم قرناء، وأثر الصاحب واضح، هؤلاء القرناء من الشياطين من الإنس والجن أثرهم ظاهر، كما أن أثر الصحبة الصالحة والرفقة الصالحة على من يقارنهم كذلك، ولذا جاء في الحديث: «مثل الجليس الصالح ومثل الجليس السوء».

"يُقَالُ: قَيَّضَ اللَّهُ فُلَانًا لِفُلَانٍ أَيْ جَاءَهُ بِهِ وَأَتَاحَهُ لَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ} الْقُشَيْرِيُّ: وَيُقَالُ: قَيَّضَ اللَّهُ لِي رِزْقًا أَيْ أَتَاحَهُ كَمَا كُنْتُ أَطْلُبُهُ، وَالتَّقْيِيضُ الْإِبْدَالُ وَمِنْهُ الْمُقَايَضَةُ، قَايَضْتُ الرَّجُلَ مُقَايَضَةً أَيْ عَاوَضْتُهُ بِمَتَاعٍ، وَهُمَا قَيْضَانِ كَمَا تَقُولُ بَيْعَانِ. "{فَزَيَّنُوالَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا فَحَسَّنُوهُ لَهُمْ حَتَّى آثَرُوهُ عَلَى الْآخِرَةِ " وَما خَلْفَهُمْ" حَسَّنُوا لَهُمْ مَا بَعْدَ مَمَاتِهِمْ، وَدَعَوْهُمْ إِلَى التَّكْذِيبِ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ، عَنْ مُجَاهِدٍ.

 وَقِيلَ: الْمَعْنَى" قَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ" فِي النَّارِ" فَزَيَّنُوا لَهُمْ" أَعْمَالَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَالْمَعْنَى قَدَّرْنَا عَلَيْهِمْ أَنَّ ذَلِكَ سَيَكُونُ، وَحَكَمْنَا بِهِ عَلَيْهِمْ.

وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَحْوَجْنَاهُمْ إِلَى الْأَقْرَانِ، أَيْ أَحْوَجْنَا الْفَقِيرَ إِلَى الْغَنِيِّ؛ لِيَنَالَ مِنْهُ، وَالْغَنِيَّ إِلَى الْفَقِيرِ؛ لِيَسْتَعِينَ بِهِ، فَزَيَّنَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ الْمَعَاصِي، وَلَيْسَ قَوْلُهُ:" وَما خَلْفَهُمْ" عَطْفًا عَلَى " مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ" بَلِ الْمَعْنَى وَأَنْسَوْهُمْ مَا خَلْفَهُمْ فَفِيهِ هَذَا الْإِضْمَارُ".

يعني العامل بما بين أيديهم زينوا، والعامل في قوله: ما خلفهم نسوا، الأول زينوا، والثاني نسوا، يعني زينوا لهم فأنسوهم، زينوا لهم ما بين أيديهم فأنسوهم ما خلفهم.

 "قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:" مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ" تَكْذِيبُهُمْ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ، " وَما خَلْفَهُمْ" التَّسْوِيفُ وَالتَّرْغِيبُ فِي الدُّنْيَا، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: " مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ" مَا عَمِلُوهُ، " وَما خَلْفَهُمْ" مَا عَزَمُوا عَلَى أَنْ يَعْمَلُوهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ.

 وَقِيلَ: الْمَعْنَى: لَهُمْ مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْمَعَاصِي، " وَما خَلْفَهُمْ" مَا يُعْمَلُ بَعْدَهُمْ." وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ" أَيْ وَجَبَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْعَذَابِ مَا وَجَبَ عَلَى الْأُمَمِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَكُفْرِهِمْ".

ما يعمل بعدهم بسببهم ويكون لهم فيه يد لتكون عليهم من أوزرهم من يعمل به، أما ما يعمل بعدهم مما لا يتسببون فيه فهذا لا يدخل في التزيين المذكور.

"وَقِيلَ:" فِي" بِمَعْنَى مَعَ، فَالْمَعْنَى هُمْ دَاخِلُونَ مَعَ الْأُمَمِ الْكَافِرَةِ قَبْلَهُمْ فِيمَا دَخَلُوا فِيهِ. وَقِيلَ:" فِي أُمَمٍ" فِي جُمْلَةِ أُمَمٍ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

إن تك عن أحسن الصنيعة مأ ... فوكا فَفِي آخَرِينَ قَدْ أُفِكُوا

يُرِيدُ فَأَنْتَ فِي جُمْلَةِ آخَرِينَ لَسْتُ فِي ذَلِكَ بِأَوْحَدَ. وَمَحَلٌّ" فِي أُمَمٍ" النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي" عَلَيْهِمُ" أَيْ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ كَائِنِينَ فِي جُمْلَةِ أُمَمٍ."

يعني صاحب الحال يجوز أن يكون مجرورًا، مررت بزيد مضروبًا، يعني حال كونه مضروبًا، لكن لا يجوز أن يكون مضافًا إليه إلا إذا كان المضاف جزأً من المضاف إليه أو شبه جزء، أو يصلح أن يعمل فيه، {إليه مرجعكم جميعًا} المرجع يصلح أن يعمل بالحال.

 ولا تجوز حالاً من المضاف له          إلا إذا اقتضى المضاف عمله

أو كان جزء ما له أضيف                 أو مثل جزئه فلا تحيف

 فرق بين أن يكون صاحب الحال مجرورًا بالحرف، وبين أن يكون مجرورًا بالإضافة، ولذا قال: النصب على الحال من الضمير في عليهم؛ لأنه يلتبس على بعض الطلاب أنه إذا لم يجز حال من المضاف إليه فكيف يجوز من المجرور؟

"{إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ} أَعْمَالَهُمْ في الدنيا، وأنفسهم وأهليهم يوم القيامة.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ} لَمَّا أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ كُفْرِ قَوْمِ هُودٍ وَصَالِحٍ وَغَيْرِهِمْ أَخْبَرَ عَنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، وَأَنَّهُمْ كَذَّبُوا الْقُرْآنَ فَقَالُوا: { لَا تَسْمَعُوا}، وَقِيلَ: مَعْنَى " لَا تَسْمَعُوا" لَا تُطِيعُوا، يُقَالُ: سَمِعْتُ لَكَ أَيْ أَطَعْتُكَ، { وَالْغَوْا فِيهِ}، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: إِذَا قَرَأَ مُحَمَّدٌ".

يعني لا يكفي أن لا تسمعوا، بل شوشوا على من أراد أن يسمع، يعني لا يكفي أن لا تسمعوا فتتأثروا، بل شوشوا على من أراد أن يسمع فلا يتأثر، والغوا فيه، يعني تكلموا وأوجدوا جلبة وأصواتًا، يعني هذا يستعمل الآن حتى في الأمور العامة في الإذاعات وغيرها إذا كان هناك شقاق ونزاع من بعض الفئات على بعض يشوشون على ما يراد أن يبث لهم مثلاً يشوش عليه ولا يستفيدون، وهذا من هذا النوع، إذاعة القرآن يشوش عليها في كثير من الأقطار؛ لئلا تؤثر في الناس.

"قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ إِذَا قَرَأَ مُحَمَّدٌ فَصِيحُوا فِي وَجْهِهِ حَتَّى لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ. وَقِيلَ: إِنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ لَمَّا أَعْجَزَهُمُ الْقُرْآنُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْمَعْنَى { وَالْغَوْا فِيهِ} بِالْمُكَاءِ وَالتَّصْفِيقِ وَالتَّخْلِيطِ فِي الْمَنْطِقِ حَتَّى يَصِيرَ لَغْوًا، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: أَكْثِرُوا الْكَلَامَ؛ لِيَخْتَلِطَ عَلَيْهِ مَا يَقُولُ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا: قِعُوا فِيهِ. وَعَيِّبُوهُ. " لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ" مُحَمَّدًا عَلَى قِرَاءَتِهِ، فَلَا يَظْهَرُ وَلَا يَسْتَمِيلُ الْقُلُوبَ.

 وَقَرَأَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ وَالْجَحْدَرِيُّ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَأَبُو حَيْوَةَ وَبَكْرُ بْنُ حَبِيبٍ السَّهْمِيُّ: " وَالْغُوا" بِضَمِّ الْغَيْنِ، وَهِيَ لُغَةٌ مِنْ لَغَا يَلْغُو. وَقِرَاءَةُ الْجَمَاعَةِ مِنْ لَغِيَ يَلْغَى قَالَ الْهَرَوِيُّ: وَقَوْلُهُ:" وَالْغَوْا فِيهِ" قِيلَ: عَارِضُوهُ بِكَلَامٍ لَا يُفْهَمُ. يُقَالُ: لَغَوْتُ أَلْغُو وَأَلْغَى، وَلَغِيَ يَلْغَى ثَلَاثُ لُغَاتٍ. وَقَدْ مَضَى مَعْنَى اللَّغْوِ فِي " الْبَقَرَةِ"، وَهُوَ مَا لَا يُعْلَمُ لَهُ حَقِيقَةٌ وَلَا تَحْصِيلٌ.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً} قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الذَّوْقَ يَكُونُ مَحْسُوسًا، وَمَعْنَى الْعَذَابِ الشَّدِيدِ: ما يتوالى فلا ينقطع. الْعَذَابُ فِي جَمِيعِ أَجْزَائِهِمْ، { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ} أَيْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ جَزَاءَ قُبْحِ أَعْمَالِهِمُ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الدُّنْيَا. وَأَسْوَأُ الْأَعْمَالِ الشِّرْكُ."

لنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون، الأسوء من الأعمال هو الشرك، قد يفهم من هذا أنهم لا يعاقبون إلا على الشرك، وأنهم لا  يؤاخذون بغيره ماداموا مشركين، ويستدل به من قال: إنهم لا يخاطبون بالفروع، هل هذا الاستدلال صحيح؟

طالب:.....

ماذا؟

طالب:.....

كيف

طالب:......

ولنجزينهم أسوأ، المراد به سيئ أعمالهم فيشمل الشرك وغيره.

طالب: .............

 نعم كيف

طالب:...أسوء...

لا، ما يختلف، ما يختلف إذا قلنا: أسوء الأعمال الشرك، وهم يجزون ويجازون الذي هو أسوء الأعمال الذي هو الشرك فمعناه أنهم لا يجازون على غيره من المعاصي والمنكرات والفجور، فيصح أن يستدل به من يقول بأنهم غير مخاطبين بالفروع، لكن إذا قلنا: إن أفعل التفضيل ليس على بابها، وأن الأسوء بمعنى السيئ شمل الشرك وغيره، نعم نظيره في تصرفات الناس إذا وجدت مخالفات من شخص، يعني شخص ترك الصلاة وهو مسبل إزاره مثلاً، أو بيده خاتم ذهب أو يدخن أو ما أشبه ذلك، هل يكون عقابه على السوء الذي هو ترك الصلاة، ويترك الباقي، أو يعاقب على الأخف فيناقش عن خاتم الذهب مع أنه ما صلى أو على الدخان، مع كونه زنا، أو ما أشبه ذلك؟

 والأصل المعاقبة على الأسوأ، ثم بعد ذلك يعاقب على ما دونه، يعاقب على ما دونه، وإن كان التنظير غير مطابق غير مطابق؛ لأن هذه الأعمال من قبل المخلوقين قد لا يستوعبون، لا معاقبة على كل شيء، بينما المعاقبة في الدار الآخرة أعمالهم مدونة في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ النَّارُ} أَيْ ذَلِكَ الْعَذَابُ الشَّدِيدُ، ثُمَّ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: " النَّارُ"، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ دَارُ الْخُلْدِ" فَتَرْجَمَ بِالدَّارِ عَنِ النَّارِ، وَهُوَ مَجَازُ الْآيَةِ. وَ"ذَلِكَ" ابْتِدَاءٌ، وَ" جَزَاءُ" الْخَبَرُ، وَ" النَّارُ" بَدَلٌ مِنْ" جَزَاءٍ"، أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مُضْمَرٌ، والجملة في موضع بيان للجملة الأولى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} يَعْنِي فِي النَّارِ، فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْمَاضِي، وَالْمُرَادُ الْمُسْتَقْبَلُ".

أي تحقق وقوعه، يعبر عنه بالماضي، وأنه وقع أو كالواقع، قال الذين كفروا، هم سيقولون فيما بعد، كما في قوله –جلا وعلا-: { أتى أمر الله } المراد سيأتي، لكن لتحقق الوقوع عُبر عنه بالماضي.

"{رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} يَعْنِي إِبْلِيسَ وَابْنَ آدَمَ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمَا".

الأمر أعم من ذلك، كل من أضل من الجن والإنس تطلب رؤيته؛ لينتقم منه.

طالب: .......فرعون...

ماذا فيه؟

طالب: .............

على كل حال هو ضال مضل، كل من كان ضالًّا مضلًّا يدعى.

طالب:......

كذلك، المقصود أن كل من كان في هذا الباب أدخل كان دخوله أقرب.

طالب:........

ماذا؟

طالب: ما يقوله ........العربية......

إذا تأكد من أن غلامًا سيقول كذا فما فيه ما يمنع إلا إذا وقع في لبس وإشكال وعدم فهم السامع، أما إذا كان السامع يفهم، دلت القرائن على أنه لم  يقل، وعلة أنه محقق أن يقول  ما فيه ما يمنع.

" وَيَشْهَدُ لِهَذَا الْقَوْلِ الْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُقْتَلُ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ ذَنْبِهِ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ»، خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ".

خرجه الترمذي، مع أنه ندم، والندم توبة، فأصبح من النادمين، الندم توبة منهم، هذا كان في شرعهم، وأن الندم ليس بتوبة بخلاف شرعنا، ومنهم من يقول: إن الندم على القتل، وإنما ندم على حمله هذه المدة الطويلة، والأمر ميسور، يحفر في الأرض ويدفنه، ما ندم على قتله، هذا قال به أكثر المفسرين.

طالب: .............

ماذا؟

طالب:.....سن القتل ...

ماذا؟

طالب: لأنه هو أول من سن القتل، وهو سن القتل رجلاً....

لأنه أول من سن القتل...

طالب: قال.... في سننه، والترمذي...وعنده النفس بدل مسلم، ودمها بدل دمه.

على كل حال هو أول من سن، يعني أول من بدأه.

طالب: السلام عليكم الندم...توبة وحده..

نعم

طالب: ليكون توبة.

جاء الخبر: «الندم توبة».

طالب:......وحده ليكون من...

لابد من الإقلاع، لابد من العزم على عدم العودة؛ لأن الذي ما عنده عزم على عدم العودة ما ندم، والذي يكرر ولا يقلع فهذا ما ندم؛ لأنه يجمع الأمور الثلاثة، الندم يجمع الأمور الثلاثة، يجمع الشروط كلها.

طالب: يعني يندم هنا........

كيف؟ 

طالب: يندم وما ......

يندم على ما حصل، ويرغب فيما سيأتي يمكن.

طالب:....

إذن هو نادم على ما ذهب وما سيأتي، فمن شرط التوبة الإقلاع، فالنادم لابد أن يقلع، وإلا كان ندمه دعوى، ليست صحيحة، ويعزم على ألا يعود، يعزم على ألا يعود، وإن كان عازمًا على أن يعود فندمه دعوى.

"وَقِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى الْجِنْسِ، وبني على التثنية؛ لاختلاف الجنسين، { نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين} سَأَلُوا ذَلِكَ حَتَّى يَشْتَفُوا مِنْهُمْ بِأَنْ يَجْعَلُوهُمْ تَحْتَ أَقْدَامِهِمْ؛ " لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ" فِي النَّارِ، وَهُوَ الدَّرْكُ الْأَسْفَلُ، سَأَلُوا أَنْ يُضَعِّفَ اللَّهُ عَذَابَ مَنْ كَانَ سَبَبَ ضَلَالَتِهِمْ مِنَ الْجِنِّ والإنس. وقرأ ابن محيصن وَالسُّوسِيُّ عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو بَكْرٍ وَالْمُفَضَّلُ: "أَرْنَا" بِإِسْكَانِ الرَّاءِ، وَعَنْ أَبِي عَمْرٍو أَيْضًا بِاخْتِلَاسِهَا، وَأَشْبَعَ الْبَاقُونَ كَسْرَتَهَا".

وينطقونها بين الكسرة والسكون من غير تحقيق الكسر.

 وَقَدْ تقدم في " الأعراف".

يكفي إن شاء الله.

"