مقارنة بين شروح كتب السنة الستة (4)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:

ودرس اليوم عن صحيح مسلم وشروحه، وإن كان الوقت لا يفي ولا يكفي، إلا أنه لا بد أن ننهي ما يتعلق بصحيح مسلم اليوم.

طالب:.........

هو يعزو كثيراً، وابن الملقن له شرح على البخاري أيضاً.

طالب:.........

طريقتهم العلم إذا كان مشتهرا ومستفيضا لا ينسب، المسائل المشتهرة المستفيضة-كما ذكر النووي وغيره- وإن نقلت عن شخص لا تنسب؛ لأن العلم ليس بملكٍ لأحد، نعم ما يستغرب من الكلام وما ينتقى من أبكار الأفكار ينسب لقائله، الحافظ مشحون بالعزو.

صحيح مسلم للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري المتوفى سنة إحدى وستين ومائتين، ثاني كتب السنة بعد صحيح البخاري عند جمهور العلماء، وأشرنا سابقاً إلى أن من أهل العلم من فضله على البخاري، لكنه قول ضعيف، ووجوه الترجيح بينهما تؤخذ من مظانها، وهي كثيرة، إن كان وجه التفضيل كما قال بعض المغاربة أنه ليس فيه بعد الخطبة إلا الحديث السرد فهذا صحيح، يعني ليس فيه معلقات إلا نادراً، معلقاته أربعة عشر حديثاً، حذف الواسطة بينه وبين راويها، وهذه المعلقات كلها موصولة في الصحيح نفسه إلا واحد موصول في صحيح البخاري، أيضاً الآثار والأخبار الموقوفة والمقطوعة عن الصحابة والتابعين نادرة جداً، وإلا موجودة؛ لكنها نادرة ليست بنفس النسبة التي توجد في صحيح البخاري، إذا كان هذا هو المقصود، هذا وجه الترجيح فلا بأس، هذا كلام صحيح، هذا الكلام موجود وحقيقة؛ لكن لا يقتضي الأرجحية بلا شك؛ لأن الكتابين إنما وضعا للأحاديث الأصلية المرفوعة الموصولة، وما عدا ذلك فهو تبع، فإذا نظرنا إلى القدر الموجود في صحيح البخاري من الأحاديث المرفوعة الموصولة وقارنا بينها وبين ما في صحيح مسلم من ذلك لا شك أن ما في صحيح البخاري أرجح مما في صحيح مسلم، منهم من يقول: أن البخاري مرجوح من حيث عنايته بالصناعة الحديثية وتحري دقة السياق في المتون وصيغ الأداء وغيرها، نعم هذا الكلام صحيح، الإمام مسلم يعتني بذلك عناية فائقة، والإمام البخاري لا يعتني بالصيغ، حدثنا وأخبرنا عنده واحد، وأحياناً ينقل عن الراوي بحدثنا وفي موضعٍ آخر أخبرنا؛ لأن معناهما واحد عنده، لكن مسلم يعتني بذلك عناية فائقة، لذا يقول بعضهم:

تشاجر قوم في البخاري ومسلم
فقلت: لقد فاق البخاري صحةً

 

 

لدي وقالوا: أي ذين تقدمُ؟
كما فاق في حسن الصناعة مسلمُ

 

مسلم لا شك أن تصرفه في سياق المتون والأسانيد أمر يظهر.

شروح صحيح مسلم:

ولأهمية صحيح مسلم عُني به العلماء قديماً وحديثاً، وكتبوا عليه الشروح الكثيرة من ذلكم (المعلم) للمازري، بفتح الزاي وكسرها، و(إكمال المعلم) للقاضي عياض، و(إكمال إكمال المعلم) للأبي، و(مكمل إكمال الإكمال) للسنوسي، ومن شروحه التي لم تصل إلينا لكنها من خلال النقل عنها فيها شيء من النفاسة والجودة (التحرير في شرح صحيح مسلم) لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل الأصبهاني ينقل عنه النووي كثيراً، وهو كتاب من خلال نقل النووي عنه كتاب نفيس وجيد، من شروحه أيضاً المهمة (المنهاج في شرح صحيح مسلم ابن الحجاج) للنووي، ومن شروحه المختصرة (الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج) للسيوطي.

من المعاصرين من شرح الصحيح شرحاً وافياً شبير أحمد العثماني؛ لكنه لم يكمل، سمى شرحه (فتح الملهم في شرح صحيح مسلم) وقام بتكملته -وإن كان لم يتم بعد- محمد تقي العثماني، هذا الشرح جيد في الجملة وإن كان صاحبه معاصراً.

مختصرات صحيح مسلم:

مسلم له مختصرات من أهمها: (تلخيص صحيح مسلم) للقرطبي، وشرحه المسمى (المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم) ممن اختصره أيضاً زكي الدين المنذري ومختصره مشهور متداول، وممن شرحه صديق حسن خان في كتابٍ اسمه: (السراج الوهاج على مختصر صحيح مسلم ابن الحجاج) نبدأ بكتاب المازري، باعتبار أنه أول الكتب، أول ما صل من الشروح القديمة.

(المعلم بفوائد صحيح مسلم) للمازري:

(المعلم بفوائد صحيح مسلم) مؤلفه أبو عبد الله محمد بن علي التميمي المازري، بفتح الزاي، وقيل: بكسرها أيضاً، توفي سنة ست وثلاثين وخمسمائة، المازري في (المعلم) لم يقصد تأليف كتاب يقصد به شرح صحيح مسلم ابتداءً، لكنه في درسه لصحيح مسلم يثير بعض الفوائد والتعليقات، ويمليها على الطلبة أثناء قراءتهم عليه، فلما فرغوا من القراءة عرضوا عليه ما كتبوه فنظر فيه وهذبه فكان ذلك سبب تأليفه هذا الكتاب، يعني على ضوء ما هو موجود الآن، الطلبة يسجلون ويكتبون عن الشيخ، ثم بعد ذلكم يفرغون ما ذكره الشيخ في الأشرطة، ثم يعرض على الشيخ فيقره فيصير كتاباً، هذه طريقة المازري، المازري ما جلس لتأليف شرح على صحيح مسلم، وإنما هي فوائد نقلت عنه في الدرس، ثم عرضت عليه.

قال القاضي عياض: "إن كتاب المعلم لم يكن تأليفاً استجمع له مؤلفه، وإنما هو تعليق ما تضبطه الطلبة من مجالسه وتتلقفه عنه" ولا شك أن المعلم بداية انطلاقة لشرح صحيح مسلم، وقد بدأت الشروح في الظهور من عصر المازري، ولم يعرف شيء منها قبل ذلك، فالمعلم هو أقدم الشروح التي وصلتنا الآن من شروح صحيح مسلم، من منهج المازري في المعلم أنه لم يتعرض لشرح المقدمة، مقدمة صحيح مسلم رغم أهميتها، لم يتعرض لشرحها، وإنما علق في مواطن ستة أو سبعة، وهي مواطن يسيرة بالنسبة لمباحث المقدمة، مما يمتاز به صحيح مسلم هذه المقدمة النفيسة في علوم الحديث، المازري ما شرحها، المازري في شرحه لأحاديث الباب، الباب عند الإمام مسلم يحتوي على أحاديث كثيرة، يقوم المازري -رحمه الله تعالى- بالتعليق على حديث أو حديثين في الباب يكون عليهما محور أحاديث الباب، ولا يتعرض لأكثر الأحاديث، لم يذكر -وهو باعتباره أنه تعليق وليس بتأليف- لم يذكر جميع الفوائد المتعلقة بالأحاديث التي تعرض لها، وإنما اقتصر على نكت يراها تحتاج إلى بيان في مجال الحديث روايةً ودراية، وأكثر اهتمام المازري منصب على الأحكام الفقهية وتفسير الغريب واللغة، المازري لم يلتزم في تعليقاته ترتيب الأحاديث في صحيح مسلم، ولذا يقول القاضي عياض في إكماله: "وكان في المعلم تقديم وتأخير عن ترتيب كتاب مسلم" يورد أحياناً الألفاظ المختلفة بين رواة الصحيح، يُعنى بالمسائل الفقهية، يستنبط من الحديث مباشرة، ولا يكثر من ذكر أقوال الفقهاء، يهتم بمسائل العقيدة التي اشتملت عليها بعض الأحاديث؛ لكن مع الأسف الشديد اعتماده على العقيدة من وجهة نظر الأشاعرة، ويرد على مخالفيهم أيضاً، ويأتي في المثال ما يقرر ذلك.

يُعنى بالمباحث اللغوية عناية كبيرة، والكتاب مطبوع في ثلاثة أجزاء صغيرة بتحقيق محمد الشاذلي النيفر. نأتي بما يتعلق بالمعلم من إكماله وإكمال إكماله، ومكمل الإكمال، ثم نرجع إلى النووي ومن بعده.

(إكمال المعلم) للقاضي عياض:

(إكمال المعلم): مؤلفه أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصَبي أو اليحصِبي، وقد يقال: بضمها أيضاً، السَّبتي أو السبِّتي، كما يقال: البَصري والبِصري؛ لكن الفتح أشهر، المالكي القاضي المتوفى سنة أربع وأربعين وخمسمائة، ألفه القاضي عياض إكمالاً لكتاب المعلم، هذا الكتاب ألفه القاضي -رحمه الله تعالى- تكميلاً لكتاب المعلم للمازري تلبيةً أيضاً لرغبة كثيرٍ من تلاميذه الذين لمسوا من درسه في الصحيح الفوائد الجمة والزيادات المهمة، التمس منه الطلبة أثناء تدريسه لصحيح مسلم أن يشرح الكتاب شرحاً مستقلاً نظراً لكثرة ما يبديه لهم ويذكره من الفوائد والشوارد والنفائس، التمسوا منه ذلك فاعتذر أولاً لانشغاله بالقضاء، ثم لما ترك القضاء اتجه إلى التأليف، في البداية قد عزم على تأليف كتاب مستقل في شرح مسلم؛ لكنه رأى أن من العدل والإنصاف لسابقيه أن يجعل الكتاب مكملاً للنقص الكثير الوارد في المعلم مع اعتماده أيضاً على تقييد المهمل للجياني، لا شك أن الاعتراف بالسابق أمر مهم ينبغي أن يربى عليه الطلبة، فإذا كان هذا من مثل القاضي عياض الذي يستطيع أن يؤلف ابتداءً مثل ما كتبه تبعاً أو أفضل إلا أنه من باب الاعتراف للسابقين، يعني الإنسان يأنف أن يتعلق بأذيال غيره، بل يكتب ابتداءً، لكن الحافظ ابن حجر أكثر مصنفاته تبعاً لغيره، مع إمامته، إما أن يختصر كتابا أو يعلق عليه أو ينكت عليه، هذا من باب الاعتراف، والسبق له وزنه عند أهل العلم، في مطلع الألفية لما تكلم ابن مالك عن ألفية ابن معطي وأن ألفيته فائقة ألفية ابن معطي قال:

وهو بسبقٍ حائز تفضيلا

 

 

مستوجب ثنائي الجميلا

 

السبق لا شك أن السابق له فضل على اللاحق، له فضل كبير على اللاحق، الذي فتح له الأبواب، والكلام في هذا طويل، يعني شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- لما سئل الشيخ محمد رشيد رضا عن شيخ الإسلام وهل هو أعلم من الأئمة الأربعة أو دونهم قال: "شيخ الإسلام تخرج على كتب الأئمة الأربعة وكتب أتباعهم، فلهم الفضل عليه من هذه الحيثية، ولكونه -رحمه الله- أحاط بما كتبوه، ولما كتبه أتباعهم فهو أوسع منهم من هذه الجهة".

المقصود أن السابق له الفضل على اللاحق، والإنسان لا يولد متعلما، إنما يستفيد ممن سبقه، القاضي عياض في كتابه شرح المقدمة شرحاً وافياً، وشرح أيضاً ما لم يتعرض إليه المازري من متون الأحاديث ببيان المعاني وضبط الألفاظ، واستنباط الأحكام والفوائد وبيان الغامض، وأكمل ما قصر فيه المازري من كلام على بعض الرجال والأسانيد والعلل، ووضح أيضاً كلام المازري والجياني واستدرك وصحح عند الحاجة، الكتاب ككثيرٍ من الشروح، شرْح مصدر بالقول، يورد ما يريد أن يشرحه من الصحيح بعد كلمة قوله، كما هو الشأن في كثير من الشروح، ومن ذلكم فتح الباري وغيره.

في مقدمة الكتاب ذكر القاضي عياض -رحمه الله- السبب الباعث على التأليف، وأنه اعتمد على كتاب المازري وكتاب (تقييد المهمل) لأبي علي الجياني، ثم ذكر أسانيده التي يروي بها صحيح مسلم، ثم بدأ ينقل ما في المعلم مع تعقيبه وتتميمه وتكميله لكلامه، ويلقب المازري بالإمام فإذا قال القاضي عياض: قال الإمام فمراده المازري، يشير إلى صحيح مسلم بلفظ الأم، فيقول: "ذكر في الأم أو جاء في الأم كلام" وإن كان يوهم أنه الأم للشافعي؛ لكن الأم واحدة الأمهات نعم، ومستفيض عند أهل العلم أن الكتب الستة يقال لها: الأمهات الست، فلا نستغرب أن يقال لصحيح مسلم: الأم، نعم بلفظ المفرد استعمال نادر لكن المجموع استعمال شائع يقال: الأمهات الست، هذا معروف عند أهل العلم، لكن لكتابٍ واحد يقال له: الأم، هذا غريب، وهو ملبس أيضاً حيث أن للإمام الشافعي كتاباً اسمه الأم.

وقول الناس: (الأمهات) الذي يراه بعض أهل التحقيق أن جمع أم في غير بني آدم بدون هاء، في بني آدم يقال: (أمهات)، وبذلك جاء القرآن والنصوص، في غير بني آدم يقول: (أمات) دون هاء، ثم ساق ترجمةً مختصرةً في عيون من أخبار الإمام مسلم، وبيان فضل كتابه وقيمته، وثناء الأئمة عليه، ثم شرح المقدمة، ثم بدأ بشرح كتاب الإيمان، ثم الطهارة وهكذا إلى آخر الصحيح.

والقاضي عياض -رحمه الله تعالى- لا يسوق متن الصحيح كاملا، كما هي عادة غالب الشراح، وإنما يورد منه ما يريد شرحه فقط، الطبعات الجديدة تورد الصحيح كاملا-، وهو أيضاً لا يضع تراجم للأبواب، ما التزم أن يترجم لجميع الأبواب، وإنما أحياناً إذا كان الحديث طويلاً قال: باب حديث كذا، أو ذكْر حديث كذا، ذكْر حديث الإسراء، ذكْر حديث التيمم، وما أشبه ذلك، إذا كان الحديث طويلاً، إنما التزام جميع التراجم كما فعل النووي أو غيره لا.

طريقته في الشرح أن يجمع في شرح الحديث بين طريقة الشرح بالمأثور، فيبين المراد من الحديث، ويذكر ما له علاقة به من آيةٍ أو حديث آخر أو ما أشبه ذلك، ويذكر ما يروى في ذلك عن السلف الصالح، فقد اعتمد أساساً في بيان المعاني على الكتاب والسنة والآثار ولغة العرب، كما أنه استفاد من الشراح السابقين كابن عبد البر في التمهيد، والمهلب في شرح البخاري، والخطابي في معالم السنن، والباجي في المنتقى، والداودي في شرح البخاري، وغير ذلك، هذه من أهم مصادر القاضي عياض في شرحه، على أن القاضي عياض -رحمه الله- لم يكن مجرد ناقل، بل كان ناقداً بصيراً ممحصاً خبيراً، فكثيراً ما يتعقب غيره بإصلاح الغلط، وبيان الوهم، القاضي -رحمه الله تعالى- مالكي المذهب كما هو معروف، غالباً ما يرجح مذهب الإمام مالك، لكنه يخرج عنه ويرجح غيره إذا كان الدليل بخلاف ما رآه الإمام مالك، وهذا من إنصافه -رحمه الله-.

بالنسبة لمسائل الاعتقاد قاسم يشترك فيه المازري والقاضي عياض والأُبي والسنوسي وأيضاً النووي كلهم يشتركون على تقييد مسائل الأسماء والصفات، أو الأسماء والصفات على مذهب الأشاعرة ، قبل أن نذكر شيئا من هذه الصفات هنا مسألة في صدر الصحيح، الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- يقول: "وظننت حين سألتني تجشّم ذلك أن لو زعم لي عليه، وقضي لي تمامه، كان أول من يصيب نفعُ ذلك إياي خاصةً" يعني أول من يستفيد المؤلف في التأليف، أول من يستفيد المعلم في التعليم، هذا معنى كلامه، لكن ما معنى عزم لي؟ والفعل مبني للمجهول من فاعله؟ يقول القاضي عياض: "قال الإمام -يقصد المازري- لا يُظن بمسلم -يعني بالإمام مسلم- أنه أراد لو عزم الله لي عليه؛ لأن إرادة الله لا تسمى عزماً، ولعله أراد: لو سهّل لي سبيل العزم، أو خلق فيّ قدرة عليه" هذا كلام المازري، القاضي عياض قال: "قد جاء هذا اللفظ في الكتاب من كلام أم سلمة -في الكتاب الذي هو الأم صحيح مسلم- من كلام أم سلمة في كتاب الجنائز قالت: ثم عزم الله لي فقلتها" يعني إذا كان المبني للمجهول محتمل، فمثل هذا لا يحتمل شيء، العازم هو الله -سبحانه وتعالى-.

يقول: "أصل العزم القوة، ويكون بمعنى الصبر، وتوطين النفس وحملها على الشيء، والمعنى متقارب، ومنه قوله -عز وجل-: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}[(35) سورة الأحقاف].. الخ، المقصود أن صفة العزم لله -سبحانه وتعالى- كلهم ينفونها عن الله -سبحانه وتعالى- بما في ذلكم النووي، وهذه الخلاف فيها أمر يسير، أمره يسير؛ لأنه ما ثبت شيء مرفوع، لا من الكتاب ولا من السنة في إثبات صفة العزم؛ لكن أقوى ما فيه قول أم سلمة "ثم عزم الله لي فقلتها".

ولذا شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-ذكر أن لأهل السنة في هذه المسألة في إثبات صفة العزم ونفيها قولان، لكنه رجّح إثبات صفة العزم لله -سبحانه وتعالى-.

طالب: طريقة القاضي عياض لما يذكر كلام المازري ثم يكمل عليه، يعني هل إكمال المعلم يتضمن كتاب المعلم..؟

غالباً، قد يقول إلى آخره، وحينئذ فلا يستغنى عن كتاب المازري، قال الإمام كذا.. إلى آخره، فالخلاف في مثل هذه يسير؛ لكن في مثل تأويل صفة الضحك، في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا يزال يدعو)) يعني آخر الناس دخولاً للجنة يقول في الحديث في صحيح مسلم: ((لا يزال يدعو حتى يضحك الله منه، فإذا ضحك منه قال: ادخل الجنة)) قال الإمام: "الضحك من الله -سبحانه وتعالى- محمول على إظهار الرضا والقبول، إذ هو في البشر علامة على ذلك، ويقال: ضحكت الأرض إذا ظهر نباتها، وفي بعض الحديث: ((فيبعث الله سحاباً فيضحك أحسن الضحك)) فجعل انجلاءه عن البرق ضحكاً على الاستعارة، كأنه تعالى لما أظهر له رحمته استعير له اسم الضحك مجازاً" هذا في الجزء الأول من إكمال المعلم صفحة (558) قال القاضي: "الضحك في البشر أمر اختصوا به، وحالة تغير أوجبها سرور القلب فتنبسط له عروقه، فيجري الدم فيها، فيقبض إلى سائر عروق الجسد، فيثور لذلك حرارة يبسط لها الوجه ويضيق عنها الفم، فينفتح وهو التبسم، فإذا زاد السرور وتمادى ولم يضبط الإنسان نفسه واستخفه سروره قهقه، والمتغيرات وأوصاف الحدث منتفية عن الله تعالى، وجاءت الآثار الصحيحة بإضافة الضحك إليه، فحمل العلماء ذلك على الرضا بفعل عبده ومحبته للقائه وإظهار نعمه وفضله عليه وإيجادها له؛ وقد حملوه أيضاً على التجلي للعبد، وكشف الحجاب عن بصره حتى يراه، والضحك يعبر به عن الظهور ومنه:

..........................................

 

ضحك المشيب برأسه فبكى

هذا كلام المازري وتعقيب القاضي عياض، ومثله وقريب منه ما ذكره الأبي في شرحه، في الجزء الأول صفحة (341) ومثله السنوسي أيضاً في نفس الموضع، والنووي أيضاً في الجزء الثالث صفحة (43) ومثله أيضاً تأويل الغضب عند الأبي في الأول صفحة (363) وكذلك عند السنوسي، وغير ذلك، آيات الصفات لا سيما الفعلية أولها هؤلاء الشراح كلهم؛ لكن مثلما ذكرنا سابقاً أن هذه الشروح يستفاد منها على حذر، يعني تؤخذ الفائدة الكبرى التي توجد في هذه الكتب، ويحذر مما يخالف فيه المؤلف من عقائد.

(إكمال إكمال المعلم) للأُبي:

بعد ذلكم (إكمال إكمال المعلم) مؤلفه أبو عبد الله محمد بن خلفة الوشتاني الأبي المالكي المتوفى سنة سبع وعشرين وثمانمائة، قد يقول قائل: الأبي هذه لماذا تضم الهمزة والمشهور عند الناس في اليمن ماذا؟ إب بالكسر، لا هذا ليس منسوباً إلى إب وإنما منسوباً إلى أُبه –المغرب-.

يقول في مقدمته: "أما بعد: فإن هذا تعليق أمليته على كتاب مسلم، ضمنته كتب شراحه الأربعة، المازري وعياض والقرطبي والنووي، مع زيادات مكملة، وتنبيه على مواضع من كلامهم مشكلة، ناقلاً لكلامهم بالمعنى لا باللفظ حرصاً على الاختصار، مع ما في ذلك من بيان ما قد يعسر فهمه من كلامه بعضهم لتعقيده، لا سيما من كلام القاضي عياض، يقول: "سمعت شيخنا أبا عبد الله محمد بن عرفة -رحمه الله تعالى- يقول: "ما يشق علي فهم شيءٍ ما يشق من كلام عياض في بعض المواضع من الإكمال" الآن الإكمال يقرؤه طالب العلم يستفيد منه كثيراً، نعم قد يشكل عليه بعض الأشياء؛ لكن هذا كلام ابن عرفة، ماذا يقول: "ما يشق علي فهم شيءٍ ما يشق من كلام عياض في بعض المواضع" هذا كلام ابن عرفة، لكن اسمعوا كلام ابن عرفة في تعريف الإجارة -الإجارة قد يقول قائل: أنها لا تحتاج إلى تعريف- لننظر هذا الشخص الذي يقول: أن كلام عياض يشق عليه، ابن عرفة يقول في تعريف الإجارة -انتبهوا يا إخوة، هذا استطراد لا علاقة له بما عندنا لكن يقول في تعريف الإجارة: "بيع منفعة ما أمكن نقله، غير سفينةٍ ولا حيوانٍ لا يعقل، بعوضٍ غير ناشئٍ عنها، بعضه يتبعّض بتبعيضها" هذا تعريف الإجارة عند ابن عرفة، ابن عرفة هذا الذي يشق عليه كلام القاضي عياض، كلامه الذي يحتاج إلى توضيح، يعني لو كان موجودا يمكن أن يوضح، لكن ما استطاع أيضاً التوضيح لمن استدرك عليه في نفس المسألة يقول: "بيع منفعة ما أمكن نقله، غير سفينةٍ ولا حيوانٍ لا يعقل، بعوضٍ غير ناشئٍ عنها، بعضه يتبعّض بتبعيضها" فاعترض عليه أحد تلاميذه بأن كلمة (بعض) تنافي الاختصار، وأنه لا ضرورة لذكرها، فتوقف الشيخ يومين ثم أجاب بما لا طائل تحته، هذا الذي يقول مثل هذا الكلام المعقد، يقول: أنه يشكل عليه فهم كلام القاضي عياض، يعني بالنسبة لهذا الكلام كلام القاضي عياض يصلح للمبتدئين من سهولته ووضوحه.

يقول الأبي: "ولم أتعرض للكلام على الخطبة -الأبي لم يشرح الخطبة-لأنها في علم الحديث، وذلك شيء آخر، ورأيت الأهم البداية بشرح الأحاديث، وإن أنسأ الله في الأجل وسهّل، فسأتكلم عليها -إن شاء الله تعالى-، ولما كانت أسماء هذه الشراح يكثر دورانها في الكتاب اكتفيت عن اسم كل واحدٍ بحرف من اسمه فجعلته (م) للمازري و(ع) لعياض و(ط) للقرطبي و (د) لمحي الدين النووي، ولفظ (الشيخ) لشيخنا أبي عبد الله المذكور –يعني ابن عرفة- وما يقع من الزيادات المشار إليها أترجم عليها بلفظ: قلت، وسميته بإكمال الإكمال".

الكتاب ضمنه مؤلفه الشروح الأربعة التي ذكرها، شرح المازري وعياض والقرطبي والنووي، أيضاً الشارح ينقل من المصادر بالمعنى لا باللفظ طلباً للاختصار كما تقدم، وهو أيضاً يوضح ما يشكل من هذه النقول، ولم يشرح المقدمة؛ لأنها في علوم الحديث، واهتمامه بالأحاديث نفسها، استعمل الرموز في الشروح التي اعتمد عليها، وعرفنا أن طريقة الأبي كسابقيه في تقرير مسائل الاعتقاد فلا نحتاج إلى إعادة، هنا إحالات كثيرة على تأويل الصفات موجودة.

(مكمل إكمال الإكمال) للسنوسي:

رابعاً: (مكمل إكمال الإكمال) مؤلفه أبو عبد الله محمد بن محمد بن يوسف السنوسي الحسيني المتوفى سنة خمس وتسعين وثمانمائة، جاء في مقدمته يقول: "كان من أحسن شروح صحيح مسلم وأجمعها شرح الشيخ العلامة أبي عبد الله الأُبي -رحمه الله تعالى- أردت أن أتعلق بأذيال القوم، وإن كنت في غاية البعد منهم إلا أن يمنّ الوهاب تعالى باللحاق بعد اليوم" يقول: "فاختصرت في هذا التقييد المبارك -إن شاء الله تعالى- معظم ما في هذا الشرح الجامع من الفوائد، وضممت إليه كثيراً مما أغفله مما هو كالضروري لا كالزوائد، وأكملته أيضاً بشرح الخطبة، فتمّ النفع -والحمد لله تعالى- بشرح جميع ما في الكتاب، وجاء بفضل الله تعالى مختصراً يقنع أو يغني عن جميع الشروح، وما فيها من تطويل أو مزيد إطناب، فهو جدير -إن شاء الله تعالى- أن يسمى لذلك بمكمل إكمال الإكمال".

استعمل الرموز أيضاً فـ(ب) للأبي و(ع) لعياض و(ط) للقرطبي و(ح) للنووي –يعني محي الدين- و(ص) للأصل، يعني صحيح مسلم و(ش) للشرح، شرحٌ هو شرح أيضاً بالقول كسوابقه، المقصود أن هذا الشرح لا شك أن فيه شيئا من التكميل لمن تقدمه، كما أن إكمال الإكمال مكمل لما قبله، وإن كانت الزوائد في هذين الكتابين يسيرة جداً، الزوائد عند الأبي والسنوسي يسيرة جداً بالنسبة لما ذكره القاضي عياض، ثم ما في شرح النووي على ما سيأتي.

يعني لو قيل: على ماذا نقتصر بالنسبة للبخاري؟ نقول: الذي لا يريد أن يقتني إلا شرحا واحدا فعليه بفتح الباري، وإن كان قد يحتاج في غالب الأحوال أو يحتاج في كثير من الحالات إلى القسطلاني لضبط الألفاظ. فإذا جمع بين إرشاد الساري وفتح الباري اكتفى بهما عن غيرهما، بالنسبة لصحيح مسلم يعني لو اقتصر على شرح القاضي عياض مع شرح النووي كفاه ذلك؛ لأن زيادات الأبي والسنوسي قليلة نادرة، لا تستحق أن يفرد لها شرح، نعم لو علقت على شرح النووي أو شرح القاضي عياض كان جيدا.

طالب:.......

المفهم فيه زيادات، وفيه بسط لكثير من المسائل الفقهية والأصولية، وما يتعلق باللغة العربية؛ لكنه ليس بشرح للصحيح، إنما هو شرح للمختصر، لكن يستفاد منه في فهم الصحيح بلا شك.

(المنهاج في شرح صحيح مسلم ابن الحجاج) للنووي:

بعد ذلكم (المنهاج في شرح صحيح مسلم ابن الحجاج) لمؤلفه محي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف النووي المتوفى سنة ستٍ وسبعين وستمائة، مولده متى؟ واحد وثلاثون، عمره كم؟

طالب: خمسة وأربعون سنة.

نعم خمسة وأربعون سنة، يكون مولده سنة إحدى وثلاثين وستمائة، خمس وأربعون سنة قد خلف هذا العلم العظيم الذي يستفاد منه منذ تأليف هذه الكتب إلى يومنا هذا في مشارق الأرض ومغاربها، لا سيما الأذكار، ورياض الصالحين، شرح مسلم، شرح المذهب كتاب عظيم، لو قدر تمامه لأغنى عن كثير من كتب الفقه، هذه بركة من الله -سبحانه وتعالى- هذا القدر اليسير من العمر ينتج فيه هذا الإنتاج العظيم مع أنه لم يكن يشغل عمره أو جلّ وقته في التصنيف، لا، عنده في اليوم الواحد اثنا عشر درسا، والعبادة تأخذ من وقته الشيء الكثير، فهو معدود من العباد -رحمه الله-، ما يعتذر الشخص بأنه مشغول أو إذا قيل له: ما تحضر الدرس الفلاني؟ قال: أنا مرتبط، أنا مشغول، أشغالي كثيرة، أو طلب منه تأليف تعلل بأعذار واهية، لا، الوقت فيه بركة لمن استغله وصدق النية، يعينه الله -سبحانه وتعالى-، يعني إذا كان يُعرف أناس يداومون الدوام الكامل في هذه الأيام يدرسون لهم حلقات، وعندهم أعمال أخرى، ويوجد وإن كان نادرا ممن يختم القرآن ممن هذه صفاته كل يوم، ويزور المقابر في كل أسبوع، يزور المستشفيات، يصل الأرحام، ودوامه كامل، يعني من الساعة الثامنة إلى الثانية، إعانة من الله -سبحانه وتعالى-، وإلا أكثر الناس يضيع عمره سدى، فالنووي من هذه الشاكلة، مؤلفات، قصر عمر، عبادة، تذكر، كثرة دروس، شفاعات كثيرة جداً لذوي الحاجات عند الولاة، حتى أنه أمر بالكف عن هذه الشفاعات فما امتثل -رحمه الله-.

الإمام النووي -رحمه الله تعالى- افتتح كتابه بمقدمةٍ أوضح فيها منهجه في شرحه، وأنه شرح متوسط بين المختصرات والمبسوطات، لا من المختصرات المخلات، ولا من المطولات المملات، يقول: "ولولا ضعف الهمم -يعني كما قال في شرح البخاري- وقلة الراغبين، وخوف من عدم انتشار الكتاب لقلة الطالبين للمطولات لبسطته فبلغت به ما يزيد على مائة من المجلدات، من غير تكرار ولا زيادات عاطلات، بل لكثرة فوائده، وعظم عوائده الخفيات والبارزات... إلى أن قال: "فأذكر فيه -إن شاء الله تعالى- جملاً من علومه الزاهرات من أحكام الأصول والفروع والآداب والإشارات الزهديات، وبيان نفائس من أصول القواعد الشرعيات"، يقول: "وإيضاح معاني الألفاظ اللغوية وأسماء الرجال، وضبط المشكلات، وبيان أسماء ذوي الكنى وأسماء آباء الأبناء والمبهمات، والتنبيه على لطيفة من حال بعض الرواة وغيرهم، واستخراج لطائف من خفيات علم الحديث من المتون والمسانيد المستفادات، وضبط جملٍ من الأسماء المؤتلفات والمختلفات، والجمع بين الأحاديث التي تختلف ظاهراً ويظن بعض من لا يحقق صناعتي الحديث والفقه وأصوله كونها متعارضات، وأنبه على ما يحضرني في الحال في الحديث من المسائل العمليات، وأشير إلى الأدلة في كل ذلك إشارات إلا في مواطن الحاجة إلى البسطة للضرورات" يقول: "وحيث أنقل -نبهنا عليه قريباً- يقول: وحيث أنقل شيئاً من أسماء الرجال واللغة وضبط المشكل والأحكام والمعاني وغيرها من المنقولات فإن كان مشهوراً لا أضيفه إلى قائله؛ لكثرتهم إلا نادراً لبعض المقاصد الصالحات" يعني إذا أردت أن تشير إلى من قال بالكلام المشهور يحتاج أن تعدد جميع أهل العلم أو جلّ أهل العلم إلا من خالف في هذه المسائل، أما المسائل غير المشهورة النادرة يقول: "وإن كان غريباً أضفته إلى قائليه إلا أن أذهل عنه في بعض المواطن لطول الكلام أو كونه مما تقدم بيانه في الأبواب الماضيات" وإذا تكرر الحديث أو الاسم أو اللفظة من اللغة ونحوها بسطت المقصود منه في أول مواضعه، وإذا مررت على الموضع الآخر ذكرت أنه تقدم شرحه وبيانه في الباب الفلاني من الأبواب السابقات".

ثم قدم بين يدي الشرح أصولاً مهمة جداً، ينبغي لطالب العلم أن يعتني بها، وأن يقرأها ويفهمها، بدأ بإسناده في الكتاب إلى الإمام مسلم، ترجم لرواته من شيوخه إلى مسلم تراجم مختصرة، تحدث عن صحيح مسلم وشهرته وتواتر نسبته إلى مصنفه، وبيّن منزلته بين كتب السنة، ثم ذكر الخلاف فيما يفيد الخبر الواحد إذا صح، المسألة فيما يفيده الخبر الواحد إذا صح مسألة طويلة الذيول، لكن الجمهور على أن خبر الواحد إذا صح إنما يفيد الظن؛ لاحتمال الخطأ والوهم والنسيان على الراوي، وإن كان حافظاً ضابطاً ثقة، ومعنى إفادة الظن أنه لا يقطع به، لا يعني أن الحديث صح وتوافرت فيه شروط القبول أنه يحلف عليه، وأن نسبته ثابتة إلى قائله مائة في المائة، هذا ما قرره النووي في صدر كتابه، وإن قال بعضهم أنه يفيد القطع، يعني إذا جاءنا حديث من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر نحلف أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال هذا الحديث؟ يفيد القطع؟ نسبته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- مائة بالمائة، ألا يحتمل أن نافعاً وهم؟! مالك ضبطت عليه أوهام وإن كان نجم السنن؛ لكن بعض أهل العلم يرى أن خبر الواحد إذا صح يفيد القطع بثبوته ويحلف عليه، وإن كان هناك قول ثالث وهو الراجح -إن شاء الله تعالى- أنه يفيد القطع إذا احتفت به قرينة، أما إذا خلى عن القرائن فهو على أصله لا يفيد إلا الظن، إذا احتفت به قرينة أفاد القطع؛ لأن احتمال الخطأ والوهم ضعيف، المسألة مفترضة في الراوي الثقة، احتمال الخطأ والوهم عليه، يعني نسبته مرجوحة، وإلا لو كانت نسبة راجحة ما احتمل ولا الظن، هذه النسبة الضعيفة يقدر أن نسبة الخطأ عشرة من المائة تقابل هذه العشرة في المائة القرينة، وحينئذٍ يرتفع احتمال الخطأ، احتمال النقيض، فيرتقي إلى القطع، والمسألة مهمة ومبحوثة في كثيرٍ من الكتب، ولا محظور في كون الخبر الواحد إذا صح يفيد الظن؛ لأنه وإن كان يفيد الظن فيجب العمل به، وكونه يفيد القطع إذا احتفت به قرينة هو قول شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن حجر وغيرهم خلافاً لمن يقول: أنه يفيد القطع مطلقاً؛ لكن هذا القول مرجوح بلا شك، أو كونه يفيد الظن مطلقاً كذلك.

ثم ذكر مراد الإمام مسلم في تقسيمه للأحاديث إلى ثلاثة أقسام أحاديث صحيحة، وبيان مراتب الرواة عنده، ثم ذكر بعض المسائل الاصطلاحية كالصحيح والحسن والضعيف والمرفوع والموقوف وزيادات الثقاة والتدليس والاعتبار والمتابعات والشواهد والاختلاط والناسخ والمنسوخ ومعرفة الصحابة والتابعين ورواية الحديث بالمعنى وغير ذلك.

وهذا الشرح على اختصاره لا شك أنه عظيم النفع، جمّ الفوائد، لا يستغني عنه طالب علم؛ لإمامة مؤلفه وحسن انتقائه وجمعه وتنبيهاته العجيبة ولطائفه النفيسة، الحافظ ابن حجر له نكت على هذا الشرح، والشرح لا شك أنه قابل للتنكيت، قابل للحاشية، يعني تبسط مسائله وتوضح، والمؤلف -رحمه الله تعالى- شافعي المذهب، يرجح مذهب الشافعي غالباً، وينتصر له، وقد يرجح غيره لا سيما إذا قوي دليل المخالف، وهذا من إنصافه، أما في مسائل الاعتقاد فهو على ما تقدم في سوابقه أنه يقرر مذهب الأشاعرة في الصفات، ولا يسلك مسلك السلف في إمرارها كما جاءت، وهذا لا شك أنه قدح في الكتاب لكنه يستفاد من الكتاب بقدر ما فيه من فوائد، ويعرض عما فيه أو يعلق لو تيسر من يعلق على جميع الكتاب فيما يخالف فيه المنهج الصالح، وأما الإعراض بالكلية عن الكتاب هذا ليس بمنهجٍ سليم، شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- اعتذر عمن هذا مسلكه في مجموع الفتاوى بأعذار كثيرة، حتى أنه اعتذر عمن يظن كثير من طلبة العلم أنه يحرف النصوص، يعني مثلاً فرق بين النووي في تأويله مسائل الصفات مع ما نعرفه عنه من حسن القصد، وبين ما يسلكه الرازي في تفسيره من تأصيله وتقريره وتقعيده، فهو مجتهد مذهب، مجتهد عند الأشاعرة، يقرر هذا المذهب بقوة، ويدافع عنه ويناضل، ويرمي من يخالفه بالعظائم، يعني في تفسير الرازي، في تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[(11) سورة الشورى] يقول: "وصنف محمد بن إسحاق -بعد أن رماه بأبشع الألفاظ يعني ابن خزيمة- كتاباً سماه كتاب التوحيد، والأولى أن يسمى كتاب الشرك".

يقول شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-: "أن الناس يشكون في صدق نيته، والذي يغلب على الظن أنه يعمل بما بلغه، وفهمه من النصوص" كلام شيخ الإسلام يعني إذا كان يقال مثل هذا الكلام في الرازي وصنيعه مثلما سمعتم؟ فكيف بمثل ابن حجر والنووي وغيرهم ممن عرف حسن مقصده، وسلامة منهجه في اتباعه للسنة، وعنايته بها؟.

ولا شك أن الكلام على صحيح مسلم وشروحه يحتاج إلى شيءٍ من البسط، وشيء من الزيادة؛ لكن الوقت لا يحتمل أكثر من ذلك، وغداً -إن شاء الله تعالى- نعرض باختصار لشروح سنن أبي داود والنسائي، وبعده لشروح الترمذي وابن ماجه، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.