شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1425 هـ) - 01

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وأهلاً ومرحبًا بكم مستمعينا الكرام إلى حلقة جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، مع مطلع هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبدالله الخضير، فأهلاً ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: هذه الحلقات- أحسن الله إليكم- التي نخصصها في شرح كتاب الصوم من هذا الكتاب- التجريد الصريح- ألحظ أولاً أن المصنف- رحمه الله- قال: كتاب الصوم ثم بدأ بالأبواب، نبدأ أولاً بالحديث عن كتاب الصوم؛ لنطرح بعض الأسئلة قبل الدخول في الأحاديث، أحسن الله إليكم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الكتاب سبق التعريف به عند شرح كتاب الإيمان، وذكرنا هناك أن الكتاب مصدر كتب يكتب كتابًا وكتابة وكتْبًا، ويقول أهل العلم: إنه من المصادر السيالة التي تحدث شيئًا فشيئًا، الكتابة والكتاب إنما تكون باجتماع الحروف والكلمات؛ لأن الحروف ينضم بعضها إلى بعض، والكلمات كذلك، ثم تكون كتابًا، بخلاف مثل القيم هذا يحدث دفعة واحدة.

المقدم: نعم.

أما الكتاب فلا يحدث دفعة واحدة، إنما يحدث شيئًا فشيئًا.

المقدم: تباعًا.

وأصل المادة التي هي الكتب تطلق ويراد بها الجمع كما يقال: تكتّب بنو فلان إذا اجتمعوا، وجمعت الخيل كتيبة.

ويقول الحريري في مقاماته:

      وكاتبين وما خطت أناملهم      حرفاً ولا قرؤوا ما خُطّ في الكتبِ

هذا سبقت الإشارة إليه في شرح كتاب الإيمان.

المقدم: نعم.

لكن لبعد العهد يُذكّر به، ويريد بالكاتبين هنا الخرازين.

المقدم: نحن ذكرناه في كتاب الإيمان ولا في بدء الوحي يا شيخ؟

لا، ذكرنا هناك أن بدء الوحي ليس بكتاب.

المقدم: لم يصنفه كتابًا، صحيح.

فالكاتبين، الحريري يريد بالكاتبين الخرازين؛ لأنهم يجمعون من صفائح الجلود، ويخيطون بعضها إلى بعض، فالجمع يقال له: كتابة وكتب، والمراد بالكتاب هنا اسم المفعول يعني المكتوب الجامع لمسائل الصيام، والكتاب عند أهل العلم في عرفهم يشتمل في الغالب على أبواب، كما عند البخاري- رحمه الله تعالى-، وقد يشتمل على فصول، الأبواب تشتمل على فصول، والكتب تشتمل على أبواب، لكن عندنا في البخاري ما فيه إلا كتب وأبواب، الأبواب غير المترجمة التي يقول البخاري: باب حدثنا كذا.

حدثنا فلان، هذا يكون بمنزلة الفصل من الباب الذي قبله، فالكتاب هنا المكتوب الجامع لمسائل الصيام، وأما الصوم فقال الحافظ ابن حجر: كذا للأكثر، وفي رواية النسفي: كتاب الصيام، كتاب الصيام يعني بدل...

المقدم: الصوم.

الصوم، وثبتت البسملة للجميع، يعني في الأصل.

المقدم: في كل كتاب.

لكن أحيانًا تكون بعد كتاب، وأحيانًا قبلها.

أحيانًا يقول: بسم الله الرحمن الرحيم- كتاب الصوم، وأحيانًا يقول: كتاب الصوم- بسم الله الرحمن الرحيم.

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، بينها وبين الباب.

 وعرفنا السبب إذا قال: بسم الله الرحمن الرحيم- كتاب كذا، فالبداءة حقيقة قبل الكتاب.

وهذا الأصل أن البسملة يبدأ بها. وإذا قال: كتاب الصوم- بسم الله الرحمن الرحيم- باب كذا، يقول الشراح: كأنه جعل الترجمة الكبرى بمنزلة اسم السورة في القرآن، وهي قبل البسملة.

ظاهر أم ليس بظاهر؟

المقدم: بلى.

الصوم كما قال الحافظ ابن حجر: كذا للأكثر، وفي رواية النسفي: كتاب الصيام، وثبتت البسملة للجميع، والصوم والصيام مصدران لصام، وفي اللغة: الإمساك وترك التنقل من حال إلى حال، ويقال للصمت: صوم؛ لأنه إمساك عن الكلام، قال الله تعالى مخبرًا عن مريم- عليها السلام-: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا} [ سورة مريم 26].

أي سكوتًا عن الكلام، يقول الراغب: الصوم في الأصل الإمساك عن الفعل؛ ولذا قيل للفرس الممسك عن السير: صائم، قال النابغة:

                خيل صيام وخيل غير صائمة     تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما

يعني خيل صيام ممسكة عن الجري وعن الحركة، وهذه الخيل الصيام، أما الخيل غير الصائمة فهي التي تتحرك، وتذهب، وتسير، وتجري، الصوم في عرف العلماء في الشرع: الإمساك عن الطعام والشراب والجماع بنية من طلوع الفجر- يعني الثاني- إلى غروب الشمس، الإمساك عن الطعام والشراب والجماع هذه أصول المفطرات، عن الطعام والشراب والجماع بنية من طلوع الفجر إلى غروب الشمس؛ لأنه لو أمسك من طلوع الفجر، لو احتمى، مُنع من الأكل، واحتمى من طلوع الفجر إلى غروب الشمس من غير نية لا يعد صائمًا، النية شرط لصحته على ما سيأتي، وعرف أيضًا بأنه التعبد لله- تعالى- بالإمساك عن الأكل والشرب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. وأما حكم الصيام؛ البخاري- رحمه الله تعالى- ترجم في الترجمة الأولى.

المقدم: باب فضل الصوم.

لا، في الأصل.

المقدم: ليس في المختصر عندنا.

مما حذفه المختصر.

نعم، مما حذفه المختصر باب.

المقدم: لأنه عندنا في المختصر اثنان، باب فضل الصوم، مما يدل على أن هناك ترجمة أُولى.

لا، في الباب الأول، الباب الأول سيأتي الكلام فيه.

المقدم: نعم، الباب.

باب وجوب صوم رمضان، الترجمة الأولى.

المقدم: وساق فيه الآية فحسب.

ذكر فيه الآية، وذكر فيها ثلاثة أحاديث ، وسيأتي الكلام عليه.

حقيقة المستمع بحاجة ماسة إلى جميع ما ذكره البخاري.

المقدم: يعني يستحضر أثناء الشرح- أحسن الله إليك- الأصل دائمًا.

لا بد.

أنا أقول عمومًا: طالب العلم بحاجة ماسة إلى الأصل، والمختصر يحذف أحاديث باعتبار أنها تقدمت؛ ولذا لو نظرت في الرقم عندك رقم الحديث الأول في المختصر كم؟

المقدم: 898، وفي الأصل 1894.

حذف ألف.

المقدم: ألف.

ألف حديث، لماذا؟ لأنها مرت وسيأتي بعضها في مكان أنسب مما ذكر.

نحن بدورنا نقوم بتغطية شيء مما فقد في المختصر إن شاء الله تعالى؛ لتتم الفائدة.

حكم الصيام: صوم شهر رمضان واجب، بل ركن من أركان الإسلام، ومبانيه العظام، كما دل على ذلك الكتاب، والسنة، والإجماع؛ أما الكتاب فقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{  ]سورة البقرة 183 ] ، وأما السنة  فقوله- عليه الصلاة والسلام- كما في حديث عبدالله بن عمر- رضي الله عنهما- الذي تقدم في كتاب الإيمان: « بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان». متفق عليه، وروى الإمام مسلم عن ابن عمر- رضي الله عنهما- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «بني الإسلام على خمسة...» المتفق عليه على خمس يعني دعائم.

المقدم: أركان.

تقدمت، وهنا على خمسة يعني أركان.

على أن يوحد الله، يوحد الله ومعناه...

المقدم: شهادة أن لا إله إلا الله وأن ...

نعم، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان والحج. في الرواية المتفق عليها: والحج، وصوم رمضان.

المقدم: قدم الحج.

وهنا رواية مسلم، وصيام رمضان والحج، فقال رجل: الحج، وصيام رمضان.

المقدم: يقول الراوي.

كأنه يريد أن يستدرك على ابن عمر.

يستدرك على ابن عمر، الحج، وصيام رمضان، فقال: لا، صيام رمضان والحج، هكذا سمعته من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ، يعني ابن عمر في الرواية المتفق عليها قدم...

المقدم: الحج على الصيام.

نعم.

المقدم: في الرواية المتفق عليها...

قدم الحج على الصيام، في الرواية المتفق عليها.

المقدم: وهو الراوي.

وهو الراوي، وفي الرواية الأخرى التي تفرد بها مسلم.

المقدم: هو الراوي، وقدم الصوم على الحج.

نعم، أنكر على من استدرك عليه.

اختلف العلماء في إنكار ابن عمر على الرجل الذي قدم الحج، مع أن ابن عمر رواه كذلك، رواه كذلك.

يقول النووي في شرح مسلم: الأظهر والله أعلم أنه يحتمل أن ابن عمر سمعه من النبي- صلى الله عليه وسلم- مرتين؛ مرة بتقديم الحج، ومرة بتقديم الصوم، فرواه أيضًا على الوجهين في وقتين، فلما رد عليه الرجل وقدم الحج، قال ابن عمر: لا ترد علي ما لا علم لك به، لا ترد علي ما لا علم لك به، يريد أن يؤدب الرجل الذي رد على ...

المقدم: ابن عمر.

عليه، وهو مخرج الحديث، وهو مصدر الحديث.

وهذا الرجل لم يسمع الحديث إلا من طريق ابن عمر، قال ابن عمر: لا ترد على ما لا علم لك به، ولا تعترض بما لا تعرفه ، ولا تقدح فيما لا تحققه، بل هو بتقديم الصوم، هكذا سمعته من رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، يعني على أحد الوجهين، وليس في هذا نفي لسماعه على الوجه الآخر، أحيانًا يحصل مثل هذا ترى من باب التأديب، يعني ما قاله المستدرك صحيح،

بتقديم الصوم عن الحج، بتقديم الحج على الصوم صحيح؛ لأنه ثبت عن ابن عمر كذلك في المتفق عليه، لكن أحيانًا المعلم يحتاج أن يؤدب مثل هذا الشخص الذي...

المقدم: تطاول.

لم ينتظر حتى، يعني لو جاء بصيغة الاستفهام مثلاً، لو جاء هذا، فقال رجل: الحج وصيام رمضان، يعني لو قال: ما رأيك يا أبا عبد الرحمن في تقديم الحج على الصيام؟

المقدم: أليس الحج قبل الصيام؟ مثلاً أو أليس....

على سبيل الاستفهام.

نعم، ولذلك النبي لما رأى الداخل إلى المسجد ثم جلس.

المقدم: أصليت ركعتين؟

ما قال له: قم فصل ركعتين.

المقدم: أصليت ركعتين؟

هل صليت ركعتين؟ يعني إذا جيء بالاستدراك على سبيل الاستفهام يُقبل، وهكذا ينبغي أن يكون الأدب مع الأقران فضلاً على الأكابر؛ لأنه بمثل هذه الطريقة يقبل الحق، فإذا كان الصحابي الجليل أراد أن يؤدب هذا، فكيف بغيره ممن لا يحتمل مثل هذا الاستدراك؟ يعني لا يظن بابن عمر –رضي الله تعالى عنه- أنه استنكف أن يرد عليه من هو دونه، لا، لكنه لحظ ملحظًا آخر يريد أن ....

المقدم: يؤدبه.

يؤدبه، فينبغي أن يكون طلاب العلم على جانب عظيم من الأدب مع الأقران  فضلاً عن الشيوخ، من السهولة أن يأتي شاب صغير قد يكون ممن لم يبلغ الحنث، يأتي فيستدرك على شيخ كبير، فيقول: لا يا شيخ، وسمعناها مرارًا تقال لشيوخنا: لا يا شيخ، هذا ليس من الأدب أبدًا، فمثل هذا يحتاج إلى أدب.  فلما رد عليه الرجل وقدم الحج، قال ابن عمر:  لا ترد على ما لا علم لك به، ولا تعترض بما لا تعرفه، ولا تقدح فيما لا تحققه، بل هو بتقديم الصوم، هكذا سمعته من رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. وليس في هذا نفي لسماعه على الوجه الآخر .
ويحتمل أن ابن عمر كان سمعه مرتين بالوجهين كما ذكرنا، ثم لما رد عليه الرجل نسي الوجه الذي رده فأنكره، الإنسان لا شك أنه يطرأ عليه النسيان، يطرأ عليه النسيان، والحديث حُفظ، ولله الحمد، يعني ما يظن بالأمة أنها بمجموعها فرطت بشيء من دينها، لكن لاشك أن النسيان...

المقدم: وارد.

جبل عليه الإنسان، وكثير من المحدثين حدّث ونسي وألّف في هذا مؤلفات؛ كتاب من حدّث ونسي للخطيب، تذكرة المؤتسي بذكر من حدث ونسي، فكان يقول: حدثني فلان عني أني حدثته بكذا، هذا معروف عند أهل العلم، النسيان معروف، على كل حال الإمام البخاري قدَّم الحج على الصيام اعتمادًا على حديث ابن عمر، يعني..

المقدم: نعم

  الرواية المتفق عليها.

المقدم: هذا البخاري؟

نعم.

المقدم: قدم كتاب الحج على كتاب الصوم.

نعم، وبناه على هذا الأساس. يقول الحافظ ابن حجر في هدي الساري يقول: اختلفت النسخ في الصوم والحج أيهما قبل الآخر، وكذا اختلفت الرواية في الأحاديث، ابن حجر لما يقول هذا الكلام لا يقوله من فراغ، وأما بالنسبة لي لم أقف على شيء من النسخ فيها تقديم الصيام على الحج.

لكن ابن حجر إمام حافظ مطلع، وكثيرًا ما يقول: وقفت على نسخة موثقة من كتب ما هو من كتاب.

المقدم: قدم فيه البخاري الصوم على الحج.

نعم، واختلفت النسخ في الصوم والحج أيهما قبل الآخر، وكذا اختلفت الرواية في الأحاديث، ثم قال: قلت: ظهر لي أن يقال في تعقيب الزكاة بالحج، هو ما لاحظ الحديث، ما بنى ترتيبه على الحديث، إنما بناه على أمر ترتيب عقلي، يقول: ظهر لي أن يقال في تعقيب الزكاة بالحج أن الأعمال لما كانت بدنية محضة ومالية محضة وبدنية مالية، معًا رتبها كذلك، فذكر الصلاة بدنية محضة، ثم الزكاة.

المقدم: مالية محضة.

مالية محضة، ثم الحج بدني مالي.

المقدم: نعم.

ولما كان الصيام هو الركن الخامس المذكور في حديث ابن عمر بني الإسلام على خمس عقب بذكره، وإنما أخره؛ لأنه من التروك، والترك وإن كان عملاً أيضًا، الترك عمل أم ليس عملًا؟

المقدم: بلى، عمل.

عمل أيش؟ عمل قلبي، عمل نفسي.

                        لئن قعدنا والنبي يعمل      فذاك منا العمل المضلل

 سمى قعودهم عملًا، نعم، والترك وإن كان عملًا أيضًا، لكنه عمل النفس لا عمل الجسد، فلهذا أخره، وإلا لو كان... ابن حجر يرى أن البخاري رتب كتابه على الترتيب...

المقدم:  الذي في الحديث الأول.

لا لا، الذي ذكره، ارتضاه هو بدنية محضة ومالية محضة مشترك بين البدنية والمالية.

المقدم: لكنه متفق مع الحديث المتفق عليه.

لا، اسمع فإنه يقول: وإلا لو كان اعتمد على الترتيب الذي في حديث ابن عمر لقدَّم الصيام على الحج؛ لأن ابن عمر أنكر على من روى عنه تقديم الحج على الصيام.

المقدم: ما روى البخاري الحديث الذي أنكر، ما رواه.

عند مسلم.

المقدم: لكن ما رواه البخاري.

لكن هل تظن أن البخاري يخفى عليه هذا؟

المقدم: لا يخفى، لكنه ما رواه لعلة.

على أقل الأحوال كأنه مرجوح بالنسبة لما خرجه.

المقدم: نعم، متفق عليه.

لكن هذا كلام ابن حجر، وكلام فيه ما فيه على كل حال، وإلا لو كان يعني كلامه لاشك أن له وجهًا فيما سيأتي يعني في نقله الثاني، أما في هذا الموضع كونه اعتمد على ترتيب عقلي، ولم يعتمد على الرواية التي اتفق عليها، يعني أهل العلم متفقون على أن الرواية المتفق عليها.

المقدم: أقوى.

مقدمة على الرواية التي تفرد بها البخاري مثلاً.

المقدم: نعم.

فضلاً عن الرواية التي تفرد بها مسلم.

المقدم: تفرد بها مسلم.

 يقول: وإلا لو كان اعتمد على الترتيب الذي في حديث ابن عمر لقدم الصيام على الحج؛ لأن ابن عمر أنكر على من روى عنه الحديث بتقديم الحج على الصيام، وهو وإن كان ورد عن ابن عمر من طريق أخرى كذلك فذلك محمول على أن الراوي روى عنه بالمعنى، ذلك محمول على أن الراوي روى عنه بالمعنى، ولم يبلغه نهيه عن ذلك، والله أعلم. في فتح الباري في الجزء الأول في كتاب الإيمان، في شرح حديث ابن عمر قال: وقع هنا تقديم الحج على الصوم، وعليه بنى البخاري ترتيبه، رجع أنه بنى البخاري ترتيبه على...

المقدم: ترتيبًا عقليًّا.

بنى ترتيبه على الحديث.

المقدم: نعم.

وفي المقدمة قال: إنه بناه على الترتيب.

المقدم: العقلي.

العقلي الذي ذكره. وعليه بنى البخاري ترتيبه، لكن وقع في مسلم من رواية سعد بن عبيدة عن ابن عمر- رضي الله عنه- بتقديم الصوم على الحج، قال: فقال رجل: والحج وصيام رمضان، فقال ابن عمر: لا؛ صيام رمضان والحج، هكذا سمعت من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- انتهى.  ففي هذا إشعار بأن رواية حنظلة التي في البخاري مروية بالمعنى، إما لأنه لم يسمع رد ابن عمر على الرجل لتعدد المجلس، أو حضر ذلك ثم نسيه، ويبعد ما جوزه بعضهم أن يكون ابن عمر سمعه من النبي- صلى الله عليه وسلم- على الوجهين، من الذي جوز؟ النووي.

الذي ذكرنا كلامه آنفًا. ويبعد ما جوزه بعضهم أن يكون ابن عمر سمعه من النبي- صلى الله عليه وسلم- على الوجهين، ونسي أحدهما عند رده على الرجل، ووجه بُعدِه أن تطرق النسيان إلى الراوي عن الصحابي أولى من تطرقه إلى الصحابي؛ يقول الذي نسي حنظلة، فروى تقديم الحج على الصيام بالمعنى، وإلا فالأصل تقديم الصيام على الحج؛ لأن ابن عمر أنكر تقديم الحج على الصيام، يقول: كوننا ننسب هذا النسيان إلى الراوي عن ابن عمر حنظلة أولى من أن ننسبه إلى الصحابي، لكن ما الذي يمنع أن ينسى الصحابي؟ لا سيما إذا جئنا إلى الترجيح المتفق عليه عند أهل العلم، ترجيح ما اتفق عليه الشيخان، نعم لو كانت الرواية التي في مسلم مخرجة في البخاري متفق عليها أيضًا قلنا بمثل هذا الكلام، لو كان رد ابن عمر على الذي استدرك عليه مخرجًا في البخاري أيضًا مع مسلم متفق عليها، لقلنا إنها موازية لرواية حنظلة، فنرجح إنكار ابن عمر، لكن ما دامت الرواية المتفق عليها بتقديم الحج على الصيام، ولا يمنع أن ينسى الصحابي، من يعرو من الخطأ والنسيان، والناس جبلوا على هذا؟ وهذا غير قادح، هذا غير قادح، متى يقدح النسيان؟ إذا كثُر، وغلب في مرويات الراوي قدح، أما إذا كان نادرًا لا يقدح أصلاً. يقول: ووجه بُعدِه أن تطرق النسيان إلى الراوي عن الصحابي أولى من تطرقه إلى الصحابي، كيف وفي رواية مسلم من طريق حنظلة بتقديم الصوم على الحج، ولأبي عوانة من وجه آخر عن حنظلة أنه جعل صوم رمضان قبل، فتنويعه دال على أنه رواه بالمعنى، ويؤيده يعني كلام ابن حجر ما نقول إنه لا وجه له، له وجه، لكن يبقى أن البخاري خرج هذه الرواية، وبنى ترتيب الكتاب عليها، ويؤيده ما وقع عند البخاري في التفسير بتقديم الصيام على الزكاة، أفيقال: إن الصحابي سمعه على ثلاثة أوجه.

المقدم: وهذه وقعت عند البخاري؟

 هذا مستبعد، نعم. أنا أقول: لو وقع تقديم الصيام على الحج مع إنكار ابن عمر، قدمنا ما قاله ابن حجر.

المقدم: صحيح.

نعم، أفيقال: إن الصحابي سمعه على ثلاثة أوجه، وهذا مستبعد، والله أعلم.  وعلى كل حال الحديث صحيح، عند البخاري صحيح، والذي عند مسلم صحيح، ولا مجال للتشكيك في أحدهما، ولا مانع أن يكون الصحابي سمعه على الوجهين، ورواه على الوجهين، الأمر الثاني أن العطف بالواو.

المقدم: لا يقتضي الترتيب.

لا يقتضي الترتيب. وأجمع العلماء على وجوب الصيام، وأنه ركن من أركان الإسلام، وعلى كفر من جحد وجوبه، واختلفوا في تكفير من تركه مع اعترافه بوجوبه. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الإيمان: وقد اتفق المسلمون على أن من لم يأتِ بالشهادتين فهو كافر، وأما الأعمال الأربعة- الصلاة والزكاة والصيام والحج- وأما الأعمال الأربعة فاختلفوا في تكفير تاركها، والقول بكفر من ترك واحدة منها رواية عن الإمام أحمد، واختارها طائفة من أصحاب مالك، الصحابة حكموا على من امتنع من دفع الزكاة، وقاتل على امتناعها عنها بالردة، أيضًا كتب عمر إلى الأمصار بالنسبة للحج، انظروا من ذا سعة وجدة واستطاعة ولم يحج فاضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين، وجاء في آية آل عمران: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [سورة آل عمران 97 ]، هذا تعقيب على وجوب الحج، فالمسألة خطرة جدًّا، التفريط في الأركان، هذه رواية عن الإمام أحمد، واختارها طائفة من أصحاب مالك، فتارك أحد الأركان مع القدرة على فعله على خطر عظيم، فقد بني الإسلام على هذه الأركان، وكل بناء تُرك بعض أركانه يوشك أن يتهدم، والقول المرجح عند الجمهور: إنه لا يكفر من ترك الأركان الثلاثة- الزكاة والصيام والحج-، والخلاف معروف في حكم تارك الصلاة، وقد نقل اتفاق الصحابة- رضي الله عنهم- على كفر تاركها وإن كان معترفًا بوجوبها.

المقدم: أحسن الله إليك، لعلنا أيضًا نجعل الحديث في الحلقة القادمة ما يتعلق بهذا الأحكام، وبالذات فيما يتعلق بحكم تارك الصيام، أحسن الله إليك، نذكر المستمعين الكرام به بإذن الله، أيها الإخوة والأخوات بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، سوف نستكمل بإذن الله تعالى ما تبقى من هذا الكتب في حلقة قادمة، وأنتم على خير.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.