شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1425 هـ) - 10

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وآله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة نستكمل وإياكم فيها حلقة ابتدأناها، أو موضوعًا ابتدأناه في الحلقة الماضية في حديث ابن عمر من كتاب الصوم من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، كان معنا ولا يزال صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لا زلنا في الحديث «إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له»، أشرتم إلى شيء من معاني الحديث في الحلقة الماضية، نستكمل -أحسن الله إليكم- ما تبقى منه.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

تقدم الحديث عن معني «فاقدروا له»، وهل المراد به التضييق عليه ليكون شعبان تسعة وعشرين يومًا، ومن قال بهذا من أهل العلم؛ كالحنابلة تبعًا لراوي الحديث ابن عمر، والجمهور على أنه يوم الشك.

المقدم: وترجيحكم على هذا؟

نعم، هو قول الجمهور، وهو الراجح؛ لما جاء في النهي عن صوم يوم الشك، لا سيما إذا وُجد الغيم والقطر الذي يحول دون رؤية الهلال.

المقدم: لكن هل يُتصور أن النهي عن صوم يوم الشك لم يبلغ الحنابلة أو أنهم قدموا فهمهم لحديث «فاقدروا له» على هذا النص؟

هم رأوا أن هذا فهم الصحابي ابن عمر، وفهم الراوي مقدم على فهم غيره، ما دامت المسألة في فهم «فاقدروا»، وهي تحتمل معنيين، إما اقدروا واحسبوا، أو ضيقوا، وهذان المعنيان عند جمهور أهل العلم مرجوحان، لا التقدير بمعنى الحساب الذي ذهب إليه ابن سريج على ما سيأتي، ولا التضييق كما ذهب إليه الحنابلة تبعًا لرأي ابن عمر، إنما المرجح عندهم ما جاءت به الروايات الأخرى «فإن غم عليكم، فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا»، نص، وخير ما يُفسر به الحديث الحديث، والحديث في الصحيحين «فإن غم عليكم، فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا»، ولا كلام لأحد مع..

المقدم: النص.

مع النص، علمًا بأن في مذهب الحنابلة رواية بل أكثر من رواية، ظاهر المذهب أنه يجب صومه، ورواية في المذهب أنه لا يجب صومه، والرواية التي رجحها شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال: إنها هي المنصوصة عن الإمام أحمد، وبها قال أكثر العلماء أنه لا يجوز صيامه؛ لأنه يوم الشك، وتقدم النقل من قول الإمام أحمد- رحمه الله- بلفظه من مسائل أبي داود، وأنه يصام يوم الشك.

على كل حال؛ العبرة بالمرفوع، وما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، الإمام أحمد إمام أهل السنة بلا منازع، ومن أحاط بالسنة ونصوصها، وهو صاحب التحري والاتباع، لكن ليس هو بالمعصوم، الذي يحفظ سبعمائة ألف حديث، لا يظن به أنه خفيت عليه هذه الأحاديث، لكن المسألة مسألة اجتهاد، وكل يؤخذ من قوله ويرد إلا المعصوم -عليه الصلاة والسلام-.

إذا عرفنا هذا؛ فالمعول على رؤية الهلال؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «صوموا»، أو «إذا رأيتموه فصوموا»، «إذا رأيتموه فصوموا»، فالمعول على رؤية الهلال دخولًا وخروجًا، «وإذا رأيتموه فأفطروا»، وليس المراد تعليق الصوم بالرؤية في حق كل أحد، «إذا رأيتموه فصوموا»، فـ«رأيتموه» ضمير جمع، «رأيتموه»، و«فصوموا» ضمير جمع، مقابلة الجمع بالجمع عند أهل العلم تقتضي أفرادًا، بمعنى أنه إذا كل من رأى الهلال يلزمه الصيام.

المقدم: ولو رآه واحد؟

لا، دعنا من هذه المسألة، لا نريد أن نقرر الدلالة اللفظية قبل، «إذا رأيتموه فصوموا»، ضمير الرؤية مسند إلى الجمع، وضمير الصيام مسند إلى الجمع، وهذه مقابلة جمع بجمع، إذًا تقتضي القسمة أفرادًا، ما معنى أفراد؟ أن كل شخص له رؤيته، فكل من رأى الهلال تلزمه، يلزمه الصيام، وما مفهوم هذا؟ أنه لا يلزم من لم يره، لكن هل هذا المفهوم مراد؟ ليس بمراد بالإجماع، ليس هذا المفهوم مرادًا بالإجماع، وإلا لقلنا: إن الأعمى مثلًا وضعيف النظر الذي لا يرى لا يصوم.

أيضًا قوي النظر الذي سقط الواجب بغيره، ما رآه.

على كل حال؛ هذا المفهوم ليس بمراد اتفاقًا، ولم يقل به أحد من أهل العلم.

فليس المراد تعليق الصوم بالرؤية في حق كل أحد، بل المراد رؤية بعضهم.

بأسلوب آخر: «إذا رأيتموه»، هل هذا خطاب للجميع أو للمجموع؟ هل هو خطاب لجميع الأمة؟ أو لمجموعها؟

المقدم: للمجموع.

للمجموع؛ لأنه لو قلنا: للجميع، لتأكد المعنى الأول.

فليس المراد تعليق الصوم بالرؤية في حق كل أحد، بل المراد رؤية بعضهم، وهو من يثبت به ذلك، إما واحد على رأي الجمهور، أو اثنان على رأي آخرين، ووافق الحنفية على الأول، إلا أنهم خصوا ذلك بما إذا كان في السماء علة من غيم وغيره، وإلا فمتى كان صحوًا لم يقبل إلا من جمع كثير يقع العلم بخبرهم.

الأكثر على أنه يثبت بقول واحد، ومن أهل العلم من قاس هذا أو جعله من باب الشهادة، القول بأنه يثبت بخبر واحد على أنه من باب الإخبار عن أمر شرعي، والأخبار يُقبل فيها قول الواحد إذا كان ثقة، والقول الثاني: إنه لا يثبت إلا بقول اثنين بناءً على أنه شهادة؛ كبقية الشهور، بقية الشهور لا بد من اثنين؛ لأنه يتعلق بها حقوق الآدميين، وهذا غُلب فيه.

المقدم: بقية الشهور يا شيخ كيف يتعلق بها حقوق الآدميين؟

يتعلق حلول الديون مثلًا، وخروج المعتدات، وأمور كثيرة، أما هذا فيلاحظ فيه حق الله -جل وعلا-، بل هو ركن من أركان الإسلام، فيحتاط له بقبول شهادة الواحد، ولا شك أن الناس لا سيما -أعني المسلمين- يتحاشون ويحتاطون في إدخال هذا الشهر العظيم من غير رؤية بخلاف غيره من الشهور التي فيها حقوق الآدميين، لذا تجد كثيرًا من الناس يسهل عليه أن يشهد زورًا؛ لأن فيها مصلحة له أو لغيره، لكن يصعب عليه أن يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- في خبر من الأخبار؛ لأنه يهاب الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن لا يهاب الكذب على غيره.

الحنفية وافقوا على أنه يدخل بواحد إلا أنهم خصوا ذلك بما إذا كان في السماء علة من غيم أو غيره، وإلا فمتى كان صحوًا لم يقبل إلا من جمع كثير يقع العلم بخبرهم، لكن..

المقدم: جمع وليس اثنين؟

نعم، جمع، يعني خبر يفيد العلم؛ لأنه عندهم وعند غيرهم من الفقهاء والأصوليين يرون أن خبر الواحد والاثنين والثلاثة إلى العشرة ما لم يقع به التواتر لا يفيد العلم، إنما يفيد الظن، والمسألة محلها آخر.

على كل حال؛ الصواب أن دخول شهر رمضان يثبت بواحد لخبر ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- في سنن أبي دواد، وصحيح ابن حبان، والحاكم، قال: تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أني رأيته، فصامه، وأمر الناس بصيامه.

المقدم: هذا ابن عمر رآه؟

نعم.

المقدم: وهو صغير؟

تراءى الناس الهلال، ما يلزم أن يكون صغيرًا، الآن.

المقدم: ابن عمر؟

نعم، ابن عمر، هو يلزم أن يكون رواه في السنة الثانية أو في الثالثة أو في الرابعة؟

المقدم: لكن عندما مات النبي -صلى الله عليه وسلم- كان أصلًا هو صغير -رضي الله عنه-؟

لا، لا، هو عرض نفسه على النبي -صلى الله عليه وسلم- في أحد، فلم يقبله، عرض في الخندق فقبله، لما بلغ الخامسة عشرة، وقت موت النبي -عليه الصلاة والسلام- له عشرون.

المقدم: تسعة عشر.

في حدود عشرين، تسعة عشر.

المقصود أن هذا خبر، يقول: تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أني رأيته، فصامه، وأمر الناس بصيامه، وهو حديث صحيح.

لعله التبس عليك ابن عباس؟

المقدم: ابن عباس؟

وفي السنن الأربعة، وابن حبان، وابن خزيمة من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن أعرابيًّا جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: إني رأيت الهلال، فقال: «أتشهد أن لا إله إلا الله؟»، قال: نعم، قال: «أتشهد أن محمدًا رسول الله؟»، قال: نعم، قال: فأَذِّن في الناس يا بلال أن يصوموا غدًا.

قبل شهادة ابن عمر بمفرده، وقبل شهادة الأعرابي بمفرده، وخبر الأعرابي فيه ضعف، إلا أنه يصلح للاستشهاد، يقبل في الشواهد، والمعول على حديث ابن عمر.

أما غيره من الشهور، فلا بد من اثنين؛ لتعلق حقوق الآدميين بها، ولذا هلال شوال لا يقبل فيه إلا اثنان.

المقدم: لكن لا يقبل فيه نصًّا أم بوجود الفعل يا شيخ؟ هل يفرق هذا؟

أين؟

المقدم: بمعنى أن الآن ثبوت دخول هلال شوال ثبت بشهادة اثنين، لكن لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه جاءه شخص فرده، فكيف يقال: لا يثبت إلا باثنين؟

لأنه متعلق بحقوق الآدميين، وحقوق الآدميين لا يقبل فيها إلا اثنان.

المقدم: لكن لماذا؟

شهادة، الأصل في الشهادة اثنان.

المقدم: لماذا لا يقول: إن شهر رمضان كغيره ما دام قبل النبي -عليه الصلاة والسلام- واحدًا، فالأصل أن جميع الشهور مثله، لماذا نفرق بين الشهور بعدم وجود النص الدال على التفريق بينها؟

أنت تعرف أن من أهل العلم من يرى أنه حتى رمضان ما يثبت إلا باثنين، الأصل اثنان، هذا الأصل، الأصل أنها شهادة، والشهادة لا يقبل فيها إلا اثنان، هذا الأصل، خرجنا عن هذا الأصل في إثبات رمضان للنص.

المقدم: لكن إخراجه رمضان يدل على إخراج غيره؟

أين؟

المقدم: إخراجه؟

لا، ما يدل، يبقى غيره على الأصل، يبقى غيره على الأصل.

فعلى هذا؛ لا بد من الرؤية، لا بد من الرؤية، ولا عبرة بالحساب، ونُقل الإجماع على اعتبار قول أهل الحساب، وممن نقله شيخ الإسلام ابن تيمية -أنه لا يعتد بقول الحُسَّاب أبدًا، بل المعول على الرؤية، ونقله ابن حجر أيضًا عن الباجي -نقل إجماع السلف على هذا-، وأن جميع من قال باعتماد الحساب محجوج بإجماع السلف، هذا كلام الباجي الذي نقله ابن حجر.

ذهب بعضهم إلى تأويل قوله -عليه الصلاة والسلام-: «فاقدروا له» بحساب المنازل، قاله أبو العباس ابن سريج من الشافعية، ومطرف بن عبد الله من التابعين، وابن قتيبة من المحدثين.

يقول ابن عبد البر: لا يصح عن مطرف، وهو سيد من سادات التابعين، مطرف بن عبد الله، حتى لو ثبت عنه تكون زلة، لا يصح عن مطرف، وأما ابن قتيبة، فليس هو ممن يعول عليه في مثل هذا، قال: ونقل ابن خويز منداد عن الشافعي -وهو من المالكية- عن الشافعي مسألة ابن سريج، يعني نسب قول ابن سريج لمذهب الشافعي، والمعروف عن الشافعي ما عليه الجمهور.

وفي الاستذكار، قال أبو عمر: الذي عندنا في كتبه -يعني كتب الشافعي- كالأم مثلًا أنه لا يصح اعتقاد رمضان إلا برؤية فاشية، أو شهادة عادلة، أو إكمال شعبان ثلاثين يومًا؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين».

ابن العربي في العارضة -في عارضة الأحوذي- يقول: قوله: «فاقدروا له»، أي: احسبوا، ومنه القدر والتقدير، أي: معرفة المقدار، فسره قوله: «فأكملوا العدة»، وقد رُوي في الصحيح: «فاقدروا له ثلاثين».

القدر والتقدير، يعني ليس المراد بالقدر والتقدير الحساب على رأي ابن سريج، إنما القدر والتقدير، يعني قدروا شعبان ثلاثين يومًا.

قال الفقيه -هذا في العارضة-، قال الفقيه الإمام أبو بكر محمد بن العربي -أحيانًا يأتي مثل هذا باسم المؤلف، ويكون هذا من النساخ، ولذا ما يمكن أن يقول ابن العربي في أثناء كلامه: قال الفقيه الإمام أبو بكر ابن العربي- رحمه الله-: كنت رأيت للقاضي أبي الوليد الباهلي -كذا في العارضة، ولعله الباجي، الباهلي، نبهنا في درس مضى عن طبعة العارضة، وأنها مشحونة بالأخطاء حتى تكاد تكون في كثير من المواضع كالكلام الأعجمي.

المقدم: وإدخال كلام على كلام ليس..

نعم.

الباجي سليمان بن خلف، المتوفى سنة (474)، نقل عنه، يقول: كنت رأيت للقاضي أبي الوليد أن بعض الشافعية يقول: إنه يُرجع في استهلال الهلال إلى حساب المنجمين، وأنكرت ذلك، وأنكرت ذلك عليه؛ لأن فخر الإسلام أبا بكر الشاشي، وأبا منصور محمد بن الصباغ حدثاني بمدينة السلام عند الشيخ أبي منصور بن الصباغ قال: ولا يؤخذ في استهلال الهلال بقول المنجمين خلافًا لبعض الشافعية -فهو قول لبعض الشافعية، ليس هو من قول الشافعي-، ثم ذكر بعد ذلك قول ابن سريج: هذا الخطاب لمن خصه الله بهذا العلم، «اقدروا»، لمن خصه الله بهذا العلم، يعني علم معرفة الحساب، وقوله: «فأكملوا العدة ثلاثين» خطاب للعامة، هذا ذكروه عن ابن سريج، التقدير لأهل الحساب، وإكمال الثلاثين للعامة، هكذا فهم.

قال القاضي أبو بكر بن العربي: وهذه هفوة لا مرد لها، وعثرة لا لعًا منها، وكبوة لا استقيال منها، ونبوة لا قرب معها، وزلة لا استقرار بعدها -يكثر من مثل هذا، ويشدد على بعض المخالفين لا سيما إذا ظهرت المخالفة للنص -، أوه يا ابن سريج، أين مسألتك السريجية، وأين صوارمك السريجية، تسلك هذا المضيق في غير الطريق، وتخرج إلى الجهل عن العلم والتحقيق؟ ما لمحمد والنجوم؟ وما لك أنت والترامي هاهنا والهجوم؟ ولو رويت من بحر الآثار لانجلى عنك الغبار، ولما خفي عليك في الركوب الفرس من الحمار، وكأنك لم تقرأ قوله -عليه الصلاة والسلام-: «نحن أمة أمية لا نحسب ولا نكتب، الشهر هكذا، وهكذا»، وأشار بيديه الكريمتين ثلاث إشارات، بيديه ثلاث إشارات، وخنس بإبهامها في الثالثة -يعني تسعة وعشرين-، فإذا كان يتبرأ من الحساب الأقل بالعقد المصطلح عليه؛ لأن عندهم للتسعة والعشرين حسابًا بالأصابع، يعني عقد ثلاثين، عقد تسعين، عقد مائة، لهم طريقة في حسابها، يقول: تبرأ من الحساب هذا مع أنه معروف عندهم.

المقدم: عند العرب، صح.

عند العرب.

مبينًا باليدين -يعني الذي لا يخفى على أحد، لا على حاسب ولا على غير حاسب، على قارئ ولا على أمي، يعني تكرار لإشارة باليدين ما يخفى على أحد، لكن لو جاء بالحساب المتعارف عليه عند العرب بالأصابع لخفي على بعض الناس؛ كما يأتي في التشهد مثلًا، وعقد كم؟

مداخلة: اثنين وخمسين.

أو ثلاثة وخمسين، ثلاثة وخمسين، وفي الفتن: عقد مائة، المقصود أن لهم طريقة في حسابها، وهذه تخفى على كثير، لو أشار النبي -عليه الصلاة والسلام- بهذه الطريقة المعروفة عند العرب لخفيت على أتباعه، وهو يريد أن يقرر كلامًا معروفًا يفهمه كل أحد، حتى الأعاجم يفهمون هذا، إشارات متفق عليها بين الأمم.

يقول: فإذا كان يتبرأ من الحساب الأقل بالعقد المصطلح عليه مبينًا باليدين تنبيهًا على التبري عن أكثر منه.

يعني الأمور الدقيقة التي لا يعرفها إلا الحذاق، تبرأ من أقل منها، فمن باب أولى؟

المقدم: أن يتبرأ مما هو أكبر.

بلا شك، الآن التشريع العام مثل الصلاة، ومواقيت الصلاة، هذه مشروعة في حق أبرع الناس في الحساب، وأعرف الناس بالأوقات مثلًا.

المقدم: وعند غيره.

ولغيرهم، ولأجهل الناس، يعني مشروعة للأعرابي في بريته، ومشروعة للخبير في معمله ومرصده، لكن هل يطالب الأعرابي بأن يشتري تقويمًا مثلًا ويضع ساعة؟ لا، ما هو مطالب.

المقدم: يعني ربطت بأشياء محسوسة.

يعني ربطت بأشياء يعرفها الناس كلهم.

المقدم: ظل وتحرك.

وكل أمور الشرع مبنية على هذا { لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا } [الطلاق: 7].

فما ظنك؟ تنبيهًا على التبري من أكثر منه، فما ظنك بمن يدعي عليه -عليه الصلاة والسلام- بعد ذلك أن يحيل على حساب النيرين، وينزلها على درجات في أفلاك، إلخ، طول -رحمه الله- في هذا، ويريد أن يرد على من؟ على من يعتمد الحساب في هذا.

ثم قال -رحمه الله-: قوله: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته»، فعلق الحكم بالرؤية، وهي ممكنة لجميع الخلق، وهكذا جعل سبحانه أسباب العبادات المفروضة على كل أحد بينة بيان مشاهدة؛ لأن فيهم العالم والجاهل، والفطن والغافل، وكلهم يشترك في هذه المشاهدة، وبهذا الأصل يبطل ما رُوي عن ابن سريج، وبعض التابعين من التعلق بدقائق النجوم ودرجاتها، بيد أنه لما كان مجيئه فجأة، يعني المسألة مسألة ليلة، بيد أنه لما كان مجيئه فجأة، وقد يتفق أن يكون صحو، وقد يتفق أن يكون غيم أو قتام أجاز في الدين العمل على الخبر -لكي يعتمد بعض الناس على بعض في الرؤية، يعني ما هو مثل زوال الشمس أو غروب الشمس أو طلوع الشمس، ما هو يأتي فجأة هذا، يأتي بالتدريج، بينما الهلال لما كان يأتي فجأة، كثير من الناس في غلفة عنه.

المقدم: ومدته قصيرة.

ومدة قصيرة، وفجأة، فأجاز الشارع اعتماد بعض الناس على بعض في هذا.

يقول: بيد أنه لما كان مجيئه فجأة، وقد يتفق أن يكون صحو، وقد يتفق أن يكون غيم أو قتام أجاز في الدين العمل على الخبر في أوقات المناسك، صلاةً وصومًا وحجًّا، وحين انتهى الأمر إلى هذا الخبر اتفق العلماء على أن قول المؤذن الواحد مقبول في الوقت للصلاة، وفي الفطر، والإمساك للصوم، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «إن بلالًا ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم»، يعني نعتمد قول واحد.

ترجم الإمام البخاري في صحيحه في كتاب أخبار الآحاد، باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام.

المقدم: ثم ساق الخبر.

ثم ساق أخبارًا، منها هذا، ومنها خبر بلال: «إن بلالًا ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم»، ومنها أخبار كثيرة تدل على قبول خبر الواحد، وقررنا سابقًا أن إدخال شهر العبادة، شهر الصيام من باب الديانة، فيقبل فيه الواحد؛ كقبولنا الخبر عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه ديانة، تحمل العلم ديانة، فيقبل فيها خبر الواحد بإجماع من يعتد بقوله من أهل العلم، وليكن هذا منه، بخلاف الأشهر الأخرى، فإنها أقرب ما تكون إلى أمور العاديات، يعني حقوق العباد.

المقدم: أحسن الله إليكم، ونفع بعلمكم، بقي لنا مسائل في هذا الحديث غير الأطراف -أحسن الله إليك-؟

بقي نعم.

المقدم: إذًا؛ نعد المستمع الكريم -بإذن الله- أننا سنستكمل بقية المسائل المتعلقة بحديث ابن عمر -رضي الله عنهما- في رؤية الهلال -بإذن الله- في حلقة قادمة، ثم أيضًا أطراف هذا الحديث، شكرًا لكم أيها الإخوة والأخوات على طيب المتابعة، نسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يجعلنا وإياكم ممن يستعمون القول فيتبعون أحسنه، كنا وإياكم مع صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، شكرًا لطيب المتابعة.

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.