كتاب بدء الوحي (075)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هذا يقول: من خلال قراءتي لكتاب المُفهِم للقرطبي ظهر لي أنه يميل عن مذهب أهل السُّنَّة في صفات الله الواردة في النصوص.

نعم هو يسلك مسلك التأويل، على طريقة المتأخرين من الأشعرية وغيرهم، يؤولون الصفات. يقول: فما توجيهكم؟

مثل هذا لا بد أن يُعلَّق عليه، ويُبين مذهب أهل الحق في المسألة، وأنه يُثبت لله -جل وعلا- ما أثبته لنفسه، وما أثبته له رسوله -عليه الصلاة والسلام- من غير مشابهة لمخلوق أو تمثيل، فيلتزم في كل ما يرِد سواء كان في هذا الكتاب أو في غيره من الشروح والتفاسير وغيرها ما فيه حيد وميل عن مذهب أهل الحق يُعلَّق عليه، وإذا كان الكتاب غالبه وجُلّه من هذا النوع مثل تفسير الزمخشري أو تفسير الرازي أو، هذا لا بد من أن يختم عليه بختم أن هذا الكتاب مؤصل ومؤسس ومنظِّر للبدعة، يعني ما يكفي أن يعلق على مسائله فقط؛ لأن فيه كثيرًا من المسائل تخفى على آحاد المتعلمين، لكن التأويل الذي في فتح الباري أو شرح النووي أو في المُفهِم أو في تفسير القرطبي واضح، لكن الذي في تفسير الرازي أو تفسير الزمخشري لا يدركه آحاد المتعلمين، فمثل هذا يُنبَّه عليه في أول الكتاب: هذا الكتاب فيه تنظير وتأصيل وتأسيس للبدع، وحينئذ تبرأ العهدة، يبرأ مالكه من عهدته، ولو انتقل إلى غيره يكون قد أدى ما عليه.

طالب:...

أين؟

طالب:...

ما يصرح؟

طالب:...

هذا مثل ابن حجر أحيانًا ما يتبنى المذهب، إنما يسوق المذهب ويسوق غيره، يسوق مذهب أهل السُّنَّة، ويسوق مذهب الأشعرية ويتركه، وأحيانًا يقتصر على التأويل، وأحيانًا يخرج من المسألة من غير أن تفهم رأيه فيها، ولذلك ابن حجر يختلف عن النووي، النووي لا يتردد الإنسان في وصفه بالأشعرية، فهو يعتمد المذهب في جميع أبوابه وفروعه، وفي هذا ليس بمجتهد، إنما هو مقلد في هذا الباب فيما نعلم؛ لأنه لا ينظِّر ولا يؤصل، إنما ينقل أقوال أئمتهم في هذا الباب، ابن حجر مضطرب، ما هناك قاعدة مستقرة تقول إنه يعتمد مذهب السلف باستمرار أو التأويل باستمرار، لا، وأحيانًا تخرج من المسألة ما عرفت له رأيًا، وعلى كل حال مثل هذين لا شك أن مثل هذا الخطأ والخلل في بحار الحسنات وما قدموه للسنة وما قدموه للدين هذا نرجو الله -جل وعلا- أن يعفو عنا وعنهم، والباطل باطل ممن جاء به، يعني الباطل لا يقبل من أي شخص كان، والحق مقبول من أي شخص أتى به أو دعا إليه، لكن هم متفاوتون، منهم من يخشى على طلاب العلم منه، فمثل هذا يُحذَّر منه، ولو أبرزت أخطاءه ما في ذلك من إشكال، وليس فيه أي خلل.

 والتزهيد في بعض الكتب مطلوب، يعني لا يضيرني أن يموت طالب العلم ما نظرفي الكشاف للزمخشري أو تفسير الرازي أو حتى تفسير سيد قطب أو غيره، أنا لا يهمني أن يموت طالب العلم ما نظر في هذه الكتب؛ لأنه لن يفقد شيئًا، لكن يحز في النفس أن يُحذّر من فتح الباري مثلاً، أو شرح النووي على مسلم أو تفسير القرطبي وهي من الكتب المشحونة بالفوائد التي لا توجد في غيرها، نعم فيها أخطاء ينبه عليها، لا مانع من أن ينبه عليها، أما أن تبرز هذه الأخطاء بحيث تكون ظاهرة لآحاد المتعلمين حتى تطاول بعضهم على إحراقها، هذا ليس بشيء.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

ففي الحديث الطويل حديث ابن عباس في قصة هرقل مع أبي سفيان لما انتهى الفصل الأول من أسئلة هرقل لأبي سفيان من أسئلة هرقل لأبي سفيان، وأجوبة أبي سفيان عليها قال هرقل للترجمان: قل له يعني قل لأبي سفيان: (سألتك عن نسبه سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم و نسب)، ذكر السؤال والجواب ثم علّق، (فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها) هذا السؤال الأول سألتك عن نسبه يعني عن رتبة نسبه فيكم، هل هو من سادات القوم وأشرافهم أو من سفلة القوم وأرذالهم، أو من متوسطيهم؟ فأجابه أبو سفيان بأنه من علية القوم ذو نسب شريف عظيم.

 فكذلك الرسل، فكذلك بالفاء، وللأربعة بالواو: وكذلك. وكذلك بالواو الرسل تُبعث في نسب قومها، يعني في أشرف نسب قومها؛ لئلا يترفع عنه ذوو الأنساب، أو يطعن في نسبه من يجد في ذلك مغمزًا، ويجد ما يؤيد طعنه، ولذلك بُعث في أشرف الأنساب وأعلاها؛ لئلا يتعرض للطعن، والطعن في الأنساب معروف مشهور قديمًا وحديثًا، وهو من الأمور التي لا تُترك إلى قيام الساعة كالفخر بالأحساب.

 يقول ابن حجر: الظاهر أن إخبار هرقل بذلك بالجزم فكذلك الرسل تُبعث في نسب قومها، جزم بذلك، كان عن العلم المُقرر عنده في الكتب السالفة، يعني مما تواردت عليه الكتب والرسالات السابقة، ولذلك قال: فكذلك الرسل، وهذا عن استقراء وتتبع لجميع ما جاء في الرسالات السابقة، يقول النووي في شرح القطعة من أوائل البخاري: في نسب قومها يعني أفضله وأشرفه، قيل: الحكمة في ذلك أن من شرُف نسبه كان أبعد، الحكمة في ذلك أن من شرُف نسبه كان أبعد من انتحال الباطل، كان أبعد من انتحال الباطل، وكان انقياد الناس إليه أقرب، وكان انقياد الناس إليه أقرب، هذا شيء ملاحظ، مشاهد، أن أشراف الناس وعلية القوم يتحاشون عن الأمور الدنيئة التي لا تليق بهم، وعلى كل حال هو الدين، مثل ما ذكرنا سابقًا في الحديث الصحيح: «من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه»، لكن إذا اجتمع النسب مع الدين لا شك أن هذا رافد، فالناس يتحاشون أن ينسب إليهم ما لا يليق بهم، وما يليق بهم يتفاوت بحسب منازلهم، فالذي يتحاشى عنه زيد قد لا يتورع عنه عمرو، وهكذا، ولا شك أن الناس منازل، قال: (وسألتك)..

طالب:...

أين؟

طالب:...

المال، لا المال صحيح أن الناس عمومًا نظرهم إلى شرف الدنيا، عامة الناس وغوغاؤهم نظرهم إلى شرف الدنيا، فتجدهم يهابون صاحب المال، ويقدرون صاحب المال، ويعظمون صاحب المال، ولو لم يستفيدوا منه شيئًا، هذا موجود في موازين أهل الدنيا بلا شك، لكنهم مع ذلك ماله لا يحميه أن يرتكب ما لا يليق به، بل قد يحمله على ذلك، بخلاف الرفعة المعنوية المتعلقة بالشرف والنسب، والله المستعان.

طالب:...

سيأتي أنهم هم أتباع الرسل.

طالب:...

والكلام بصدد من أُمر بالتبليغ ليُتبَع، لكن الأنبياء بلا شك أنهم أهل رفعة وشرف، لكن يبقى أنه اختُلف في بعض الأنبياء الذين هم أقل في النسب مثل لقمان، اختُلف في نبوته، وهو على ما قيل عبد.

طالب:...

كلهم يقول: وكذلك الرسل، وكذلك الرسل. قال: (وسألتك: هل قال أحدٌ منكم هذا القول؟) هل قال أحدٌ، ولأبي ذر كما في الفرع كأصله: وسألتك –عندكم-: وسألتك هل قال أحدٌ هذا القول قبله؟ زيادة قبله، هل قال أحدٌ منكم هذا القول، في رواية أبي ذر قبله، لكن الإشكال أنه ما علّم عليها في الكتاب.

طالب:...

ما أشر إليها، القسطلاني يقول: ولأبي ذر كما في الفرع كأصله: هل قال أحدٌ منكم هذا القول قبله؟ زاد: قبله. (فذكرتَ أن لا، فقلتُ، فذكرت أن لا فقلتُ) من الذي يقول: فقلت؟ هرقل كيف قال؟ فقلتُ؟

طالب: في نفسه؟

نعم.

طالب:...

فقلتُ: رجل يأتسي بقول قيل قبله، يقول القسطلاني: فقلت أي في نفسي، فقلت أي في نفسي، وأطلق على حديث النفس قولاً، وأطلق على حديث النفس قولاً، ونقله صديق في عون الباري بحروفه مع أن صديق ينقل بالحرف، وذكرنا أن النسبة كبيرة تزيد على تسعين بالمئة من عون الباري مأخوذ بحروفه من إرشاد الساري وما تعقبه، فهل هذا محل تعقب أم لا؟ محل تعقب؟

طالب:...

فقلت، هو قال قبل أن ينطق، قبل أن ينطق لهم فقلت يعني في نفسي، واضح أنه في نفسه.

طالب:...

ماذا فيه؟ عون الباري صديق وهو تعقبه في هذه المواضع، وهذه ميزته، فقلت أي في نفسي، وأطلق على حديث النفس قولاً، ونقله صديق في عون الباري بحروفه، أقول: ليس فيه مستمسك لمن يدعي الكلام النفسي، وأنه هو الأصل في الكلام، واللسان دليلٌ عليه كما قيل:

إن الكلام لفي الفؤاد وإنما            جُعل اللسان على الفؤاد دليلاً

 ننتبه، هنا وأنا أقول هذه الجملة لا إشكال فيها كيف؟ حصل في نفسه.

طالب:...

أنا أقول: هو يقول: قلت، ما قال تكلمت في نفسي.

طالب:...

لا، القسطلاني يرى الكلام النفسي، القسطلاني أشعري، ما فيه وليس في هذا أنا أقول مستمسك لا له ولا لغيره، والمسألة مبحوثة، أنا الآن ألقيها عليكم، وليس فيه مستمسك لمن يدعي الكلام النفسي، وأنه هو الأصل في الكلام، واللسان دليل عليه كما قيل:

 إن الكلام لفي الفؤاد وإنما           جُعل اللسان على الفؤاد دليلاً

لأن الكلام هو اللفظ، الكلام هو اللفظ، كما يقول ابن مالك: كلامنا لفظٌ، فما ليس بلفظ ليس بكلام، وإن أطلق عليه القول، القول أعم، الكلام هو اللفظ يقول ابن مالك:

كلامنا لفظٌ مفيدٌ كاستقم

 

واسمٌ وفعلٌ ثم حرفٌ للكلم

وابن آجروم يقول: الكلام هو اللفظ هو اللفظ ما فيه كلام بغير لفظ، ما فيه كلام نفسي، فيه قول نفس، فيه حديث نفس، لكن كلام نفس ما فيه، ولذا يقول ابن آجروم: الكلام هو اللفظ يعني الملفوظ به المنطوق به، المركب المفيد بالوضع، والقول أعم من الكلام، والقول أعم من الكلام، كما قال ابن مالك:

واحدهُ كِلمة والقول عم

 

وكِلمة بها كلامٌ قد يُؤم

فيشمل قول اللسان وقول القلب، وقد يطلق على عمل الجوارح كما في حديث التيمم: «فقال بيديه هكذا» فيشمل قول اللسان الذي هو الكلام، وقول القلب الذي هو الاعتقاد وحديث النفس، وقد يطلق على عمل الجوارح كما في حديث التيمم: «فقال بيديه هكذا» ولا يمتنع أن يكون هرقل قد نطق بذلك لبعض خواصه، لا يمتنع، ما فيه ما يمنع أنه قال لبعض من حوله هكذا، وحديث النفس معروف ثبت بالنص، حديث النفس وهو مقابل للكلام، يعني حديث النفس شيء، والكلام شيء آخر بدليل قوله -عليه الصلاة والسلام-: «إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم»، فجعل حديث النفس في مقابل الكلام، «ما لم تتكلم أو تعمل به» متفق عليه من حديث أبي هريرة، وقابل حديث النفس بالكلام والعمل، فدل على أن حديث النفس لا يسمى كلامًا، وإن سُمي قولاً؛ لأن القول أعم.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

لا.

طالب:...

سيأتي نعم.

طالب:...

لا يجعلونه واحدًا، يجعلونه واحدًا، يجعلون الكلام في النفس فقط، واللسان يعبر عنه.

طالب:...

أين؟

طالب:...

كيف؟

طالب:...

نحن نقول: النفس لها قول، القلب له قول، لكن ما له كلام، الكلام الملفوظ به كلامنا لفظٌ ما فيه غيره، وهم يقولون: لا، كلامنا هو حديث النفس.

طالب:...

لا لا لا لا، لا لا لا ما هو باللفظ، لا ليقول إن الله -جل وعلا- لم يتكلم إلا أُخذ من نفسه حديث نفس فقط.

طالب:...

ما هو بلفظي، بل معنى، الكلام في المعنى نحن ما نقول يوجد كلام نفسي، ما في، يوجد قول قلب وقول نفس وحديث نفس، نقول: يوجد هذا، لكن كلام الذي هو اللفظ الملفوظ به ما فيه إلا باللسان.

طالب:...

أبدًا حتى يتكلم، ولذلك قابل في الحديث الصحيح حديث النفس بالكلام، فدل على أنه غيره منفصل تمامًا عنه، فقابل حديث النفس بالكلام، والعمل فدل على أن حديث النفس لا يسمى كلامًا، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في الواسطية: ومن أصول أهل السُّنَّة والجماعة أن الدين والإيمان قول وعمل، قول القلب واللسان، قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح. قول القول أعم.

طالب:...

كيف؟

طالب:...

قول باللسان الكلام يسمى قولًا، وحديث النفس يسمى قولًا، ضرب المتيمم بيديه يسمى قولًا، القول عمّ عمّ الكلام وعمّ ما يضمره القلب، عمّ أيضًا ما تفعله الجوارح.

طالب:...

المقصود أنه ما ينافي أن يكون القول كلامًا؛ لأن القول أعم من الكلام، يشمل قول اللسان الملفوظ به تقول: قال فلان، لكن لما يقول قلتُ وقد زوّر في نفسه كلامًا نقول كلام كذبت بخلاف ما لو قال تكلمت، وهو ما لفظ، يقول كذبت؛ لأن القول أعم من الكلام، والنص يقول والقول عمّ، ومن أصول أهل السُّنَّة والجماعة أن الدين والإيمان قول وعمل، قول القلب واللسان، قول القلب، فالقول أعم، ما قال كلام القلب، قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح.

طالب:...

لأمتي هذا نص من الخصائص هذا «إن الله تجاوز لأمتي»، يؤاخذون ما فيه ما يمنع أنهم يؤاخذون.

طالب:...

الآن لما ردّ العلماء بيت الأخطل، كثيرٌ منهم يقول: إنه منحول لا تصحّ نسبته إلى الأخطل، ومنهم من يقول: يمكن ثبوته عن الأخطل، وأشار إلى هذا ابن القيم لا عن الثبوت، أشار أنه لو ثبت عنه أن قول النصارى في الكلام وضلالهم في مسألة الكلام معروف، وبنوا على ذلك كلامًا سيأتي ذكره، إن شاء الله تعالى. القلب له قول، لكنه لا يُسمى كلامًا، خلافًا لمن زعم أن الأصل في الكلام المعنى القائم بالنفس، خلافًا لمن زعم أن الأصل  في الكلام المعنى القائم في النفس، وأن الكلام تعبيرٌ عنه، يعني الكلام باللسان تعبير عنه أو حكاية عنه، كما هو قول الكلابية والأشعرية. طيب حكاية عنه يعني يكثر على ألسنة بعض العلماء أنهم يقولون يقول: يقول الله تعالى حكاية عن فرعون مثلاً أليس هذا كثيرًا؟ هم يقولون هذا؟ هل هذا التعبير صحيح أو غير صحيح؟

طالب:...

لا، هو الإشكال الحكاية والعبارة هذه معروفة لدى الكلابية والأشعرية.

طالب:...

لكن ما المضاف إلى الله -جل وعلا- من هذا الكلام؟

طالب:...

حكاية عن فرعون، المحكي عنه والحكاية مسندة إلى فرعون لا إلى الله -جل وعلا-، والكلابية ينسبون الحكاية إلى الله -جل وعلا-، أو إلى من يأخذ عن الله -جل وعلا- ويبلغ كلامه كجبريل فهو يحكي كلام الله، أو يُعبِّر عن كلام الله، لكن الكلام المنقول حكاية عن فرعون هو كلام الله -جل وعلا-، لكن المحكي كلامه هو فرعون، وهذا ظاهر باعتبار أن الحكاية والنقل بلغة مخالفة عن لغة فرعون، يعني ما نقل كلام فرعون بحروفه، حكاية، لكن هذا اللفظ باعتباره مُلبسًا أو يُفهم منه أنّا نقر أن هذا حكاية عن كلام الله، فما أوقع في لبس يجتنب في الجملة، وإن كان له تأويل صحيح.

خلافًا لمن زعم أن الأصل في الكلام المعنى القائم بالنفس، وأن الكلام تعبير عنه أو حكاية عنه، كما هو قول الكلابية والأشعرية في كلام الله -جل وعلا- القرآن الكريم وغيره من كتبه المنزلة على رسله، حيث زعموا أن القرآن الموجود بين دفتي المصحف والذي نقرؤه بالألسنة ونحفظه ليس كلام الله، وإنما هو عبارةٌ وحكايةٌ عن كلام الله. يعني الأصل أن الكلام المضاف إلى الله -جل وعلا- هو المعنى القائم بالنفس، من ينقله ويبلغه إلى البشر كجبريل يحكيه أو يعبر عنه؛ لأنه لم يحصل به لفظ من الله -جل وعلا- على حد زعمهم، فهو يحكيه أو يُعبر عما في نفسه -جل وعلا-، هذا الكلام باطل، والمقرر عند أهل السُّنَّة والجماعة كما تدل عليه النصوص أن الله -جل وعلا- يتكلم بحرفٍ وصوت كلامًا مسموعًا. حيث زعموا أن هذا القرآن الموجود بين دفتي المصحف والذي نقرؤه بالألسنة ونحفظه ليس كلام الله، وإنما هو عبارةٌ وحكايةٌ عن كلام الله، ودالّ عليه فقط، وتسميته قرآنًا أو كلامًا مجاز من قبيل تسمية الدال باسم المدلول، من قبيل تسمية الدال باسم المدلول.

الآن الدال القرآن الإطلاق الحقيقي للقرآن، وكلام الله الإطلاق الحقيقي عليه هو المعنى القائم بالنفس عندهم، أما الكلام الملفوظ به يدل على المدلول فتسمية الدال كلامًا يقولون إنه مجاز، كيف نقول: كلام الله وهو كلام جبريل؟ كلام الله هو المعنى القائم بنفسه، هذا مذهبهم، والحروف التي نقرؤها والأصوات التي بلغت الرسل هي صوت جبريل، فتسمية الدال كلامًا الذي هو كلام جبريل على المدلول الذي هو كلام الله -جل وعلا- المعنى القائم بالنفس عندهم مجاز.

طالب:...

هم يرون ترجمة القرآن، الأمر عندهم أعظم من ذلك، كلام الله شيء واحد ما يتغير، إنما يتغير بحسب اللغات، إن نقل بالعربية كلام واحد ما يزيد ولا ينقص، تكلم في الأزل وانتهى عندهم، كلام قام بنفسه فقط، ثم يأتي جبريل ليأخذ من هذا المعنى القائم بالنفس، وينقله إلى النبي، أي نبي من الأنبياء هو هو نفسه ما يتغير، لكن يتغير مسماه تبعًا للغته، إن كان بالعربية صار قرآنًا، وإن كان بالعبرانية صار توراة، وإن كان بالسريانية صار إنجيلًا، وهكذا، وإلا هو هو، يعني الفاتحة موجودة في جميع الكتب السماوية على كلامهم، والبقرة موجودة في جميع الكتب السماوية إلا أنها تتغير بتغير اللغات، هذا مفاد كلامهم.

 لما قرأ النبي -عليه الصلاة والسلام- سورة اقرأ على ورقة، وقد عرف الكتاب العبراني، ويترجمه للعربية، قرأ الإنجيل وقرأ غيره من الكتب، ويترجم من لغة إلى لغة المفترض أنه أمر عادي وطبيعي وسمعه من كل الأنبياء الذين فاتوا، سامع اقرأ، {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [سورة المجادلة: 1] موجود في جميع الكتب السماوية.

طالب:...

كلهم، وكلهم جاءت هذه المرأة التي تجادل إلى نبيهم، فأنزل الله بشأنها هذه السورة، لكن كلّ بلغتهم، هذا الكلام يقوله عاقل؟ هذا يليق بعاقل؟ يعني هل هذا يمكن أن يُتصور؟ قضايا وحوادث حصلت لأفراد معه -عليه الصلاة والسلام-، فحصل في شأنهم قرآن، الذي لاعن زوجته هلال بن أمية أو عويمر العجلاني عندهم هلال وعويمر، ولاعنوا زوجاتهم، ونزل في حكمهم، في شأنهم هذا الحكم إلا أنه بلغاتهم؟

طالب:...

نعم.

طالب:...

نعم، قصة الإفك حصلت لجميع الأنبياء، يعني القرآن ما يتغير؟ يعني كون ما نزل على داود الذي هو إيش؟ الزبور يصح أن يُسمى قرآنًا تسمية ما هو بحقيقة هذا هذا؟ قرآن يعني مقروء بالمعنى الأعم: وكان داود يقرأ القرآن والدابة تُسرج أو دوابه تُسرج، هل هو يقرأ قرآننا أم قرآنه هو؟ هذا يستدل بعضهم على أن القراءة السرد والهذّ والسرعة المتناهية جائزة؛ بدليل أن هذا يقرأ القرآن ثلاثين جزءًا والدابة تُسرج، يقرأ قرآنه الذي أنزل عليه، ما ندري ما حجمه، ما ندري والله، لكن مستحيل يقرأ قرآنًا ثلاثين جزءًا والدابة تسرج، فالاستدلال به في غير موضعه.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

إن عُبر عنه بالعربية كان قرآنًا، وإن عُبر هذا كلامهم.

طالب:...

هو المعنى القائم بنفس الرب -جل وعلا-، يأخذه من يبلغه عنه ويترجمه إلى النبي بلغته.

طالب:...

في روعه. يمكن نفث في روعه، هذه ما هي مسألة إشكال.

طالب:...

هو الإشكال يعني نشوء البدع، ينشأ من فهم شاطّ عن الكتاب والسُّنة، ثم يلزم على هذا القول لوازم، ثم يناقش ويصر ويعاند ويلتزم هذه اللوازم، فإذا التزم هذه اللوازم وانساق وراءها وجد نفسه ما يستطيع أن يرجع، يعني من يُوفق يرجع، كثيرٌ منهم أعلن توبته، وأنه ما استفاد من عمره، لكن من أصر وعاند يصل إلى حد.

 وقلنا: إن الإنسان قد يقول في أول الأمر كلمة ليس عليها دليل من كتاب ولا سُنة، ثم يتعصب لها، ويلتزم بلوازمها، ثم يعاقب بما هو أشد منها، عقوبة على إصراره على الباطل، ثم بعد ذلك يُقرر هذه التي هي أشد، ثم يعاقب بما هو أشد منها، وإلا ما أظن مسلمًا يقول: لا إله إلا الله، يقول: سبحان ربي الأسفل من أول مرة! من أول وهلة، مستحيل أن يقولها، إلا أنه قال قبلها كلمات كثيرة جدًّا حتى وصل إلى هذه المرحلة، يعني من تُدعى له الولاية يمكن أن يقول ألا بذكر الله تزداد الذنوب؟

هناك أشياء ما يمكن يقولها ولا طفل ولا مجنون يقول مثل هذا الكلام، وقد عرفوا بالذكاء الخارق، لكنها العقوبات، وهذه عقوبة من ترك الوحيين، وأصّل علمه على خلافهما، على قواعد لا تمت إلى الكتاب والسُّنة بصلة، قواعد من كتب مترجمة من لغات قديمة، فجعلوها هي الأصول التي يرجعون إليها، وما خالفها لا بد من تأويله.

نكمل الكلام؛ لأنه في غاية الأهمية، وفيه خفاء، وعلى زعمهم هذا يكون هناك قرآنان، يكون هناك قرآنان هذا الذي نتلوه بألسنتنا ونكتبه في مصاحفنا ونحفظه في صدرونا، وهو عندهم مخلوق، وعندهم هذا مخلوق لماذا؟ لأنه من صنع البشر من صنع المخلوق، {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}، [سورة الصافات: 96]، وعلى زعمهم يكون هناك قرآنان: هذا الذي نتلوه بألسنتنا، ونكتبه في مصاحفنا، ونحفظه في صدرونا، وهو عندهم مخلوق كما وصفه بذلك أحد أئمة الكفر، وهو الوليد بن المغيرة حين فكر فقدر، فقتل كيف قدر، ثم نظر، ثم عبس وبسر، ثم أدبر واستكبر، فقال إن هذا إلا سحر يؤثر، إن هذا إلا قول البشر، إن هذا إلا قول البشر.

 يعني الملفوظ به المتكلم به هذا قول محمد، تلقاه من قول جبريل، وكما وصفه بذلك أيضًا الفئتان من الجهمية والمعتزلة بعد الوليد، حيث قالوا: إن القرآن ليس إلا هذه الألفاظ الحادثة المخلوقة. والآخر وهو المعنى القديم القائم بالنفس، وهو الكلام عندهم على الحقيقة؛ لأنه هو المدلول عليه، وأما الدال وهو لفظ جبريل وكلام محمد -عليه الصلاة والسلام- هذا إطلاق القرآن عليه من باب المجاز، وأما الآخر فهو المعنى القديم القائم بالنفس، وهو الكلام عندهم على الحقيقة، ولا يكون بحروف وأصوات مسموعة، بل هو عندهم معنى واحد في الأزل لا انقسام فيه ولا تبعض، فالأمر فيه عين النهي، والاستفهام عين الخبر، وكالزبور فيه عين التوراة، والإنجيل عين القرآن، والكل شيء واحد في نفسه هو الأمر بكل مأمور، والنهي عن كل محظور، والخبر عن كل مخبر به، إن عُبر عنه بالعربية صار قرآنًا، وإن عُبر بالعبرانية كان توراةً، فلا يقبل هذا المعنى الواحد التبعيض والانقسام أصلاً، بل ليس له كلّ ولا بعض، ولا هو مركب من حروف وأصوات، ولا عربي ولا عبراني.

ودليل هؤلاء الكلابية والأشاعرة على إثبات الكلام النفسي الذي هو معنى قائم بالمتكلم بيتٌ من الشعر ينسب للأخطل، وهو شاعرٌ نصراني من بني تغلب، كان في زمن بني أمية، لا دليل لهم سواه، حيث يقول:

إن الكلام لفي الفؤاد وإنما

 

جُعل اللسان على الفؤاد دليلاً

على أن هذا البيت لو صحت نسبته إليه، وكثيرٌ من اللغويون ينكرها، فإنه لم يُرد به المعنى الذي أرادوه، فإنه لم يرد به المعنى الذي أرادوه من إثبات الكلام النفسي العاري عن الحروف والألفاظ، فإنه لم يرد به المعنى الذي أرادوه من إثبات الكلام النفسي العاري عن الحروف والألفاظ، ولكنه يقصد به أن الإنسان إذا أراد أن يتكلم، أن الإنسان إذا أراد أن يتكلم فإنه يزوّر الكلام في نفسه، يعني بعض الناس يرتب المعلومات قبل أن يتكلم في ذهنه، يعني يزوّر العناصر في ذهنه، ثم يتحدث على أساسها، وبعضهم يكتب في ورقة العناصر، وبعضهم يرتبها في ذهنه، ولكنه يقصد به أن الإنسان إذا أراد أن يتكلم فإنه يزوّر الكلام في نفسه أولاً قبل أن ينطق، ويزنه بعقله ثم يعبر عنه باللسان، وهذا شأن كل عاقلٍ يعلم أنه مؤاخذ بما ينطق به، هذا شأن كل عاقل يعلم أنه مؤاخذ بما ينطق به، {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [سورة ق: 18].

 الإنسان إذا لم يعد كلامه من عمله، وأنه محاسب عليه فهذا يهلك، وكذلك حتى لو لم يستحضر هذا المعنى كل إنسان يحترم نفسه لا بد أن يزن كلامه، ويرتب كلامه، ومع الأسف أننا نسمع بعض من يتصدى للتعليم والتوجيه، بل الإفتاء، تسمع كلامًا تجزم أنه إذا بدأ يتكلم أنه لم يرتب كلامه، وأنه يتكلم بكلام يبتدئه ابتداءً، ولا يدري ماذا سيقول، إلا إذا خرج من فمه، واضح، يعني بعض الأسئلة تدل على أن الإنسان تكلم بكلام إنشائي، وكيفما اتفق هذا أولًا لم يعد للسؤال جوابًا، {إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}.

 الأمر الثاني أنه لا يحترم نفسه؛ لأنه هو الذي يجعل نفسه ويعرّض نفسه للوك ألسنة الناس، الناس يفهمون، عوام الناس يميزون، عوامهم فضلاً عن طلبة العلم وأهل العلم يميزون بين فلان وفلان ممن يتكلم، والله المستعان.

هذا شأن كل عاقل يعلم أنه مؤاخذ بما ينطق به، أما إجراء الكلام على اللسان دون تقديرٍ أو روية فإنما هو من شأن المجنون والهاذي ونحوهما، يعني بعض الناس أوتي بيانًا، وعنده رصيد ثقافي، يستطيع أن يتكلم بكلام موزون ومرتب، لكن قد يكون بعيدًا عن الموضوع الذي يتكلم به، يُسئل عن مسألة علمية دقيقة، ثم يُنشئ كلامًا ربع ساعة أو نصف ساعة كلامًا مرتبًا موزونًا إنشائيًّا يمكن لو تلخص ما يتعلق بهذه المسألة ما يجيء كلمة أو كلمتين، وهذه صفة الكتب التي يسمونها الفكرية، تجد كتابًا مئة صفحة، مئتي صفحة، فكرته جملة، هذا هو، صحيح خرّجت أناس يتحدثون وخطباء، ويمضون الأوقات، ويملأون الفراغات بالكلام، لكن النتيجة العلم أصله قليل، وعليه نور، قال الله، قال رسوله، علم السلف قليل مبارك.

ولذا يقول الحافظ ابن رجب -رحمه الله- في فضل علم السلف على الخلف: من فضّل عالمًا على آخر بكثرة كلامه فقد أزرى بسلف هذه الأمة، قد يقول قائل: شيخ الإسلام يجيب عن الفتوى بمئتي صفحة، لكن هل تستطيع أن تحذف من كلام شيخ الإسلام شيئًا؟ ما تستطيع أن تحذف من كلامه شيئًا، قد يقول: إن الإمام أحمد يجيب عن هذه المسألة يعجبني، ثم يثني شيخ الإسلام ركبته ولا يرفع القلم إلا بعد مئتي صفحة، هل نقول: إن هذا ابن رجب يقصد مثل شيخ الإسلام؟ شيخ الإسلام على كلامه نور، ومأخوذ من النصوص، وهو مجرد شرح وتوضيح لهذه النصوص، ودعم لهذه النصوص بما يبينها ويوضحها، يعني أعجب من شخص يقرأ كتابًا مئتي صفحة، ثم في النهاية لا شيء، يعني لو سألته النتيجة، والله هذا كتاب جيد، لكن مفاده؟ ما فيه شيء، والله المستعان.

دعونا نرى هذا السؤال. يقول: {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [سورة ق: 18] هل يفهم من الآية أن القول عام، يدخل فيه قول اللسان، وقول الجوارح، وقول القلب، أم أن الآية خاصة بقول اللسان فحسب؟

هي خاصةٌ بقول اللسان فقط، بدليل: ما يلفظ، ما يلفظ، انتهى؛ لأن اللفظ خاص باللسان.

طالب:...

أتينا بهذا، ما سمعت في التيمم؟

طالب:...

 لا لا، قلنا: القول أعم من الكلام، كما يطلق على قول اللسان يطلق على قول القلب مثل ما جاء في كلام شيخ الإسلام في الاعتقاد أنه قول القلب واللسان، وأيضًا يطلق على عمل الجوارح فقال بيديه هكذا، وجئنا بحديث التيمم، تأصيل المسألة في بدايتها، والباقي شرح لها، الله يعينك.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

نعم.

طالب:...

نعم، لكن ما نحتاج إلى كل هذه الحمول من الورقات، كلام مكرر، صحيح أن فيه بيانًا، وفيه بلاغة، وفيه أشياء، كلام يروق للسامع، لكن تقدر أن تلخصه بصفحة، كل فكرة الكتاب صفحة، ولا نحتاج إلى مثل هذه الرفوف المملوءة بالكتب، يعني بعض الكتب فهرس مكتبته بمئة صفحة، تحتوي على ألوف الكتب، وإذا ذهبت لتراها، يقال: إنها للبيع، تجدها بعدة أرفف كلها رسائل، وفي مسائل شتى ومتفرقة، لكن الإنسان يعتني بمكتبته، يهتم بما يخدم الكتاب والسُّنَّة، ويعين على فهم الكتاب والسُّنة، أما المسائل المتناثرة التي كل من عنَّ له رأي أو مسألة أو شيء.. وبعد تحليلات تحليلات فكرية خالصة، ما تأوي إلى كتاب أو سنة، كلها استنتاجات، مثل ما تسمع من المحللين في وسائل الإعلام، الآن كلٌّ يُحلل على ضوء فهمه.

طالب:...

ما نحن بحاجة، العلماء الذين فاتوا، ابن القيم ماذا تقول؟ خطيب أم ما هو بخطيب؟ إمام في هذا في البيان والبراعة والبلاغة، إمام في هذا الشأن، قرأ هذه الكتب أم قرأ في كتب السلف؟ قرأ في كتب السلف، ومن استنباط واستنتاج من القرآن والسُّنة، خلي الكتاب بين يديك، قرآن وتأمل وتدبر، وافهم، واستعن على فهم ما لا تفهمه بكتب أهل العلم، وتفتح لك الأبواب.

طالب:...

ما هو، هذا كلام ابن القيم أكثره مأخوذ من ابن القيم، سيأتي كل شيء. على أن هذا البيت لو صحت نسبته إليه، وكثيرٌ من اللغويون ينكرها، فإنه لم يُرد به المعنى الذي أرادوه، فإنه لم يرد به المعنى الذي أرادوه من إثبات الكلام النفسي العاري عن الحروف والألفاظ، ولكنه يقصد به أن الإنسان إذا أراد أن يتكلم، أن الإنسان إذا أراد أن يتكلم فإنه يزوّر الكلام في نفسه أولًا قبل أن ينطق به، ويزنه بعقله، ثم يعبر عنه باللسان.

طالب:...

هو تنزل، وسماه كلامًا، هو سماه كلامًا، هذا شأن كل عاقل يعلم أنه مؤاخذ بما ينطق به، أما إجراء الكلام على اللسان دون تقدير ولا روية فإنما هو من شأن المجنون والهاذي ونحوهما، ويشهد لهذا قول عمر -رضي الله عنه- يوم السقيفة: زوّرت في نفسي كلامًا، زوّرت في نفسي كلامًا، لكنه لا يمكن أن يسميه كلامًا حتى يبرزه، فهذا الكلام لم يكن مجرد معانٍ قائمة بنفس عمر، ولكنه كان جملاً وعبارات ما هو معانٍ، ولكنه كان جملًا وعبارات أعدها ليلقيها من أجل استخلاف أبي بكر -رضي الله عنه- بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-.

ولو فرضنا أنه أراد المعنى الذي أراد الأشاعرة والكلابية، لو فرضنا أنه أراد هذا المعنى فإنه نصراني، وقد غلِط النصارى قديمًا في معنى الكلام، حيث زعموا أن عيسى -عليه السلام- نفس كلمة الله، فجعلوا الكلام الذي هو من قبيل الأعراض جوهرًا قائمًا بنفسه، ومن أجل هذا اتخذوه إلهًا وقالوا: إن اللاهوت، يعنون الكلمة التي هي شيء من الإله اتحدت بالناسوت أي بجسد عيسى -عليه السلام- فعيسى عندهم فيه جزء إلهي قديم، وهو الكلمة، وجزء حادث مخلوق، وهو الجسد، ولكنهما اتحدا وصارا شيئًا واحدًا يُسمى المسيح.

 الآن ما دام الأخطل قال هذا البيت، واعتمد عليه الأشعرية والكلابية، وطرحوا جميع ما جاء عن الله وعن رسوله في مقابل هذا البيت الذي ليس لهم حجة إلا فيه، فهل نحن بحاجة ونحن نشرح كلام هرقل أن نقول: هرقل نصراني لا يمتنع أنه أخطأ في فهم الكلام؟ نقول هذا أم لا؟ ما نقول؛ لأنه ما أطلق عليه كلامًا، لو أطلق عليه كلامًا قلنا هذا الكلام، لكنه أطلق عليه قولًا، ونحن نوافق أن القول قول القلب.

طالب:...

لو احتج على القول؛ لأنه قول النفس ما يمكن، ما قال كلامًا، ما قال: تكلمت في نفسي، لقلنا إنه نصراني ما يفهم ما معنى الكلام، أخطأ النصارى في معنى الكلام، لكنه قال: فقلت في نفسي، وقول القلب، قول النفس، حديث النفس ما فيه إشكال، كما قررناه في صدر المسألة.

طالب:...

ما وجد مبتدع وصل إلى التعطيل إلا وقد مرّ بالتشبيه، ما يمكن، ولذلك حجتهم الكلية التي يتشبثون بها، تشبث بها جميع الطوائف هي التنزيه، كيف ننزه الخالق عن شيءٍ أثبته لنفسه؟ قالوا: لا، إن هذا المثبت يستلزم أن يكون الخالق مثل المخلوق، فهم مروا بمرحلة التشبيه، ثم بعد ذلك أبطلوا هذا التشبيه بما يسمونه التنزيه، فتوصلوا أو وصلوا إلى التعطيل.

طالب:...

هم أثبتوا الكلام النفسي؛ لينفوا الكلام المشبه لكلام المخلوق الذي هو بحرف وصوت، ولا بد فيه من لسان ولهاة وأضراس وما أدري ماذا وأسنان، هم فروا من نوع من التشبيه، ووقعوا في نوع آخر، هذا لا إشكال فيه، لكن أصل ومبنى كلامهم كله فرار من التشبيه، ما يتكلم بحرف وصوت، ولا بد من لسان، ولا بد من لهاة، ولا بد من كذا وكذا، هم مروا بهذه المرحلة، التشبيه المغرق المفصل بالمخلوق، ثم بعد ذلك زعموا التنزيه، فعطلوا. في النونية أبيات:

والآخرون أبوا وقالوا شطره

 

خلقٌ وشطرٌ قام بالرحمن

زعموا القرآن عبارة وحكايةٌ

 

قلنا كما زعموه قرآنان

هذا الذي نتلوه مخلوق كما

 

قال الوليد وبعده

ودليلهم في ذاك بيت قاله

 

فيما يقال الأخطل النصراني

يا قوم قد غلط النصارى قبل في

 

معنى الكلام وما اهتدوا لبيان

ولأجل ذا جعلوا المسيح إلههم

 

إذ قيل كمة خالق الرحمن

ولأجل ذا جعلوه ناسوتا

 

ولاهوتا قديمًا بعد متحدان

ونظير هذا من يقول كلامه

 

معنى قديم غير ذي حدثان

والشطر مخلوقٌ وتلك حروفه

 

ناسوته لكن هما غيران

فانظر إلى ذاك الاتفاق فإنه

 

عجبٌ فطالع سنة الرحمن

هو نفس الكلام الذي جئنا به.

يعني هذا الاتفاق بين الأشعرية والكلابية والنصارى اتحاد، ولذلك لما سمعوا بيت النصراني فرحوا به؛ لأنه يوافق ما في نفوسهم.

طالب:...

أين؟

طالب:...

الفرق بين ما في النفس من كلام، من تزوير عمر في نفسه، وزور معنى قائمًا بنفسه أم كلام مرتب وجمل؟ إذًا كلام كلام، لكن هم يقولون: لا ما هو بالكلام الموجود عندنا، القرآن نقله مما في نفس الله -جل وعلا-، يقولون: إن هذا معنى، معنى إجمالي قام بنفسه، ما فيه تفصيل.

طالب:...

ملفوظ به، هذا الأصل فيه، هذا الأصل فيه، وقد يطلق على الكلام المرتب قبل صدوره من الإنسان باعتبار ما سيكون.

طالب:...

أين؟

طالب:...

يعني الأصل في الكلام هو اللفظ، فهل المكتوب كلام؟ هل الإشارة المفهمة كلام؟ هذا يختلف من فن إلى آخر، من فن إلى آخر، فالكلام عند النحاة غير الكلام عند الفقهاء غير الكلام عند أهل اللغة غير الكلام عند المتكلمين.

طالب:...

الكلام عند المتكلمين غير، قواعدهم المبنية على المقدمات والنتائج المنطقية.

طالب:...

فزورت في نفسي كلامًا، فهو سماه كلامًا باعتبار.. نعم، ما سماه كلامًا إلا بعد أن نطق به.

طالب:...

باعتبار ما سيكون نعم.

طالب:...

القول أعم، القول أعم، ولذا يقول ابن مالك: والقول عم؛ فهو يعم الكلام الذي هو الملفوظ به المتكلم به يعم يشمل حديث النفس، يشمل عمل الجوارح، فالقول أعم من الكلام، فقلتُ: لو كان أحدٌ قال هذا القول قبله لقلت: رجلٌ يأتسي بقولٍ قيل قبله، يأتسي في الحاشية رقم ثمانية: تأسى، عند أبي ذر وغيره: يأتسي بهمزة ساكنة، بعدها مثناة فوقية مفتوحة، وسين مهملة مكسورة أي يقتدي ويتبع، يقتدي ويتبع، والأسوة القدوة، يقال: إسوة بكسر الهمزة وضمها أُسوة، وقد قرئ بهما قرأ عاصم بالضم، والباقون بالكسر، ولأبي ذر عن الكشميهني بتقديم المثناة الفوقية على الهمزة وفتح السين المشددة تأسَّى تأسَّى.

طالب:...

ماذا فيه؟

أين؟

طالب:...

سيأتي في هل من آبائهم ملك، من ملك؟ قلت: رجل يطلب ملك أبيه، ماذا فيها؟ الإنسان في الأصل أنه غافل، ما ينتبه للشيء إلا إذا كان له أصل يقتدي به، ثم إذا بحث وفتش في تاريخه وآبائه وأجداده وجد لهم شيئًا، وجد لهم أثرًا من علم، وجد لهم أثرًا من مُلك أو إمارة أو ولاية، تجده تتطلع نفسه إلى ما سُبق إليه، حتى إنه وُجِد من يبحث يسأل كبار السن، هل تعرف أن لأبائي وأجدادي مُلك ولا شيء ولا يعني ملك أرض ولا مزرعة ولا شيء ينبش عنها من أجل أن يصل إلى شيء يستمسك به، هو ما يعرف شيئًا لعله باعوه أو تصرفوا فيه، لكن ولو، فتجد الإنسان إذا كان له سلف، لكن ما له سلف نعرف مثلاً أشرافًا لهم أملاك في مكة، هل يمكن أن يتطلع عليها أحد من غيرهم؟

ما يمكن، لكن من أحفادهم وأحفاد أحفادهم من يتطلع إليها، أنتم في بلدكم مثلاً صار لكم في وقت من الأوقات ولاية على هذا البلد قبل قرنين أو ثلاثة، أنت تستشرف وتستطلع وتسأل وتستقصي: هل لنا كذا؟ هل لنا كذا؟ تريد أن تحيي هذا الذي كان لآبائك وأجدادك، لكن ما يهمك أن بني فلان، أو قبيلة فلان لهم أملاك في بلد كذا أو كذا، فرجلٌ تأسى بقول قيل قبله، ومثله من ملك على ما سيأتي، ولأبي ذر عن الكشميهني تأسى بتقديم المثناة الفوقية على الهمزة المفتوحة وفتح السين المشددة، وفي فتح الباري: لقلت: رجل تأسى بقول كذا، وللكشميهني ولغيره يتأسى بتقديم المثناة من تحت، وإنما لم يقل هرقل فقلت نرجع إلى الكتاب، فقلت بالفاء في كم موضع؟

طالب:...

وإنما لم يقل هرقل: فقلت هناك فكذلك الرسل، هل قال أحد منكم هذا القول فذكرت أن لا فقلت، نعم، في موضع ثانٍ: إلا في هذا وفي قوله: هل كان من آبائه من ملِك أو ملَك؟ فذكرت أن لا قلت، هذه عشرة في الأصول عند أبي ذر والأصيلي وابن عساكر فقلت بالفاء، وهذه التي اعتمدها ابن حجر فقال: الفاء في موضعين، ماذا تفيد هذه الفاء؟ ما فيه فاء إلا في هذين الموضعين ماذا نستفيد منها؟

قال: وإنما لم يقل هرقل فقلت إلا في هذين المقامين إلا في هذا، وفي قوله: هل كان من آبائه من ملَك؟ لأن هذين المقامين مقام فكرٍ ونظر، بخلاف غيرهما من الأسئلة فإنه مقام نقل، يعني ما هو باستنباط. وقال العيني: ما قيل كيف قال في الموضعين فقلت؟ وفي غيرهما لم يذكره أجيب بأن هذين المقامين مقام تكبر وبطر بخلاف غيرهما.

طالب:...

معك الكتاب، راجع فقلت فقلت الفاء في موضعين، فقلت في هذا الموضع، فقلت: لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجلٌ يأتسي، الموضع الثاني: فقلتُ نعم قلت: فلو كان من آبائه الفاء مقترنة بلو صح؟ لكن عند أبي ذر والأصيلي وابن عساكر فقلت الفاء مقترنة بقلت، وما عداه ما فيه هذا الكلام، يعني رتب قوله على ما تقدمه من سؤال وجواب، فقلت يدل على أنه هو الذي استنبط يدل على أنه هو الذي استنبط صحة هذا الجواب وترتيبه على السؤال. لأنه قال فقلت، في غير هذين الموضعين ما قال: فقلت؛ لأنها نقل ينقلها من الكتب السالفة يستدل على صحتها بما عنده من علم سابق، بخلاف هذين الموضعين.

اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك.

"