تعليق على تفسير سورة البقرة (99)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

قال الإمام ابن كثيرٍ –رحمه الله تعالى-: "قوله تعالى: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة:266].

قَالَ الْبُخَارِيُّ عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، قال: حَدَّثَنَا هِشَامٌ -هُوَ ابْنُ يُوسُفَ- عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي مُلَيكة، يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَمِعْتُ أَخَاهُ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يُحَدِّثُ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَير قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَوْمًا لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فِيمَنْ تَرَوْنَ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} [البقرة:266]؟ قَالُوا: اللَّهُ أَعْلَمُ. فَغَضِبَ عُمَرُ فَقَالَ: قُولُوا: نَعْلَمُ أَوْ لَا نَعْلَمُ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي نَفْسِي مِنْهَا شَيْءٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ عُمَرُ: يَا ابْنَ أَخِي، قُلْ وَلَا تُحَقِّرْ نَفْسَكَ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما-: ضُرِبَتْ مَثَلًا بعَمَلٍ. قَالَ عُمَرُ: أيُّ عملٍ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لِرَجُلٍ غَنِيٍّ يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ، ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ له الشيطان فعمِل بالمعاصي حَتَّى أَغْرَقَ أَعْمَالَهُ".

طالب: ............

قال ابن عباس: هذا المثل ضُرِب لعمل، عمر يسأل وابن عباس يُجيب، عمر سأل المجموعة، فقالوا: الله أعلم، قال: "قُولُوا: نَعْلَمُ أَوْ لَا نَعْلَمُ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي نَفْسِي مِنْهَا شَيْءٌ" يعني ما هو بتردد أو شك، في نفسي منها تأويل، يعني أعرضه عليك- رضي الله عن الجميع-. 

طالب: ............

وعندي هنا بين قوسين معقوفتين يقول: سقطت.

طالب: ............

وأنا عندي كذلك عمر يسأل "قالَ عُمَرُ: أيُّ عملٍ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لِعَمَلٍ" بعدها "قَالَ عُمَرُ: لِرَجُلٍ غَنِيٍّ يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ".

طالب: ............

هذا كلامهم على النسخ هذه، وهي موضوعة بين معقوفتين.

طالب: نرجع للبخاري يا شيخ؟

والله يا ليت؛ لأن معناه أن معناه ابن عباس ما أجاب "لعمل" كان الكلام لعمر.

الآن الجوالات يا أبا عبد الله الرقم موجود ويجيء به لنا بسرعة.

وعمر هذه زائدة في كثير من النسخ في البخاري، وهكذا النسخ التي معنا "قالَ عُمَرُ: أيُّ عملٍ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لِعَمَلٍ" يعني وسكت ما قال شيئًا؟

طالب: ............

ما فصَّل "لعمل".

ما التي معك؟

طالب: الفتح.

هات كلام ابن حجر رقمه أربعة آلاف وخمسمائة وثمان وثلاثين.

نعوذ بالله من الحور بعد الكور، هذا الرجل الذي عمل السنين الطويلة، ورُزِق الرزق الوارف الواسع له ولأولاده، ثم بعد أن كبر لعب عليه الشيطان، وأشغله بالمعاصي التي أغرقت أعماله الصالحة، فقضت عليها، نسأل الله العافية.

طالب: نفس الكلام.

قال عمر.

طالب: "قَالَ عُمَرُ: لِرَجُلٍ غَنِيٍّ".

يعني أنه ترك التفسير لعمر.

طالب: نعم.

يعني فتح الباب وترك الموضوع لعمر- رضي الله عن الجميع-.

هذا الرجل الذي أغرقت معاصيه حسناته وفي هذا الوقت الذي احتاج فيه إلى من يخدمه، أولاده صغار لا يستطيعون أن يُقدموا له شيئًا، وماله بسبب شؤم المعصية جاءت نار فاحترقت، أصابها إعصارٌ فيه نارٌ فاحترقت، نسأل الله العافية، ونسأل الله حُسن الخاتمة، والثبات على دينه إلى الممات.

ابن القيم وغيره يذكرون: فأصابها إعصارٌ فيه نارٌ فاحترقت مما يُكتَب للحزاز يُكتب على اليد أو في ورقة...عليها، قالوا: إنها مُجرَّبة، فما مناسبتها؟ 

طالب: ............

احتراق؛ لأنه شبه نار الحزاز شبيه بالنار بشدته وألمه شبيه بالاحتراق.

"ثُمَّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيِّ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَعْوَرِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، فَذَكَرَهُ وَهُوَ مِنْ أَفْرَادِ الْبُخَارِيِّ- رَحِمَهُ اللَّهُ-".

يعني الحديث من أفراد البخاري، وهنا المُخرِّج يقول: لم أجده من هذا الطريق في صحيح البخاري، ولم يذكره المزي في (تحفة الأشراف).

عندكم التخريج ماذا يقول؟

طالب: أخرجه البخاري بسنده ومتنه.

الأول، الثاني "ثُمَّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ".

طالب: ما علق.

ما خرَّجه، لكن ما قال: إنه ما خرَّج في البخاري.

طالب: ............

من حِفظه -رحمه الله-؛ لأنه قد يُوجد في بعض الروايات، ولا يُوجد في بعض، بعض الروايات تزيد، وبعض الروايات تنقص عند الإمام البخاري، ونسخة حمَّاد بن شاكر تنقص عن غيرها بثلاثمائة حديث، فلعل هذا مما يُوجد في الروايات التامة، ولا يتطرق الخلل إلى صحيح البخاري بهذه الزيادات أو تلك الزيادات؛ لأن هذا الراوي يقرأه على البخاري في وقت أو يسمعه من البخاري في وقت، وفيه هذه الأحاديث، ويسمعه غيره في أوقاتٍ أخرى متفاوتة؛ لأن التأليف ما ينتهي، ابن كثير من الحُفاظ، فلعله حفظ في بعض الروايات التي لم يطلع عليها غيره.

طالب: ............

لا، على حسب قوة الراوي، الراوي على حسب قوته وثقته، ابن حجر وغيره تكلموا على الرواة رواة الصحيح، قال عن رواية الكشميهني: وليس من الحُفاظ، وقال في رواية ابن شاكر: سقط منها أحاديث، وقال في رواية أبي ذر وهي الرواية المعتمدة عندنا، وقال في كثير من الرواة، ورواية النسفي كلهم تكلم عنهم ابن حجر -رحمه الله-.

طالب: ............

كونه لا تجده في التقريب مثلًا مثل ما وجدنا هذا الحديث يصير من الرواة الذين ذهبوا مع مروياتهم.

طالب: ............

ولذلك تجد فرقًا كبيرًا بينها وبين المختصر لخبر المواريث؛ لأنه ما فيه تتبع، تتبع الروايات بأسانيدها.    

"وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ كِفَايَةٌ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَتَبْيِينِ مَا فِيهَا مِنَ الْمَثَلِ بِعَمَلِ مَنْ أَحْسَنَ الْعَمَلَ أَوَّلًا، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ انْعَكَسَ سَيْرُهُ، فَبَدَّلَ الْحَسَنَاتِ بِالسَّيِّئَاتِ، عِيَاذًا بِالْلَّهِ مِنْ ذَلِكَ، فَأَبْطَلَ بِعَمَلِهِ الثَّانِي مَا أَسْلَفَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَ الصَالِحٍ، وَاحْتَاجَ إِلَى شَيْءٍ مِنَ الْأَوَّلِ فِي أَضْيَقِ الْأَحْوَالِ، فَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَخَانَهُ أحوجَ مَا كَانَ إِلَيْهِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ} [البقرة:266] وَهُوَ الرِّيحُ الشَّدِيدُ {فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ} [البقرة:266] أَيْ: أَحْرَقَ ثمارَها وَأَبَادَ أَشْجَارَهَا، فَأَيُّ حَالٍ يَكُونُ حَالُهُ".

ليست لديه من القوة ما يستأنف به الزراعة، وليس لديه من الولد الذي يستطيع نفعه، بل هم صغار لا يستطيعون أن ينفعوه، وهو مع ذلك كبر سنه وضعفت قواه، فلا يستطيع أن يزرع بنفسه ولا بولده، فما لديه إلا الحسرة، نسأل الله العافية.

طالب: ............

واضح من التاسع صار بينه وبين البخاري واحد فوق من التاسع.

"وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، مِنْ طَرِيقِ العَوْفي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ضَرَبَ اللَّهُ لَهُ مَثَلًا حَسَنًا، وَكُلُّ أَمْثَالِهِ حَسَنٌ، قَالَ: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [البقرة:266] يَقُولُ: صنعه فِي شَيْبَتِهِ {وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ} [البقرة:266]".

ضيَّعه في شيبته.

طالب: ضيَّعه؟

نعم.

طالب: ............

هو المناسب للسياق أنه صنعه في شبيبته وضيَّعه في شيبته.

"{وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ} [البقرة:266] وَوَلَدُهُ وَذُرِّيَّتُهُ ضِعَافٌ عِنْدَ آخَرِ عُمُرِهِ، فَجَاءَهُ إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْترَقَ  بُسْتَانَهُ، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ قُوَّة أَنْ يَغْرِسَ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ نَسْلِهِ خَيْرٌ يَعُودُونَ بِهِ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْكَافِرُ يكون يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِذْ رُدَّ إِلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- لَيْسَ لَهُ خَيْرٌ فيُسْتَعْتَب، كَمَا لَيْسَ لِهَذَا قُوَّةٌ فَيَغْرِسُ مِثْلَ بُسْتَانِهِ، وَلَا يَجِدُهُ قَدَّمَ لِنَفْسِهِ خَيْرًا يَعُودُ عَلَيْهِ، كَمَا لَمْ يُغْن عَنْ هَذَا ولدُه، وحُرم أَجْرَهُ عِنْدَ أَفْقَرِ مَا كَانَ إِلَيْهِ، كَمَا حُرِمَ هَذَا جنته عِنْدَما كان أَفْقَر مَا كَانَ إِلَيْهَا عِنْدَ كِبَرِهِ وَضَعْفِ ذُرِّيَّتِهِ.

وَهَكَذَا رَوَى الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ أَوْسَعَ رِزْقِكَ عَلَيَّ عِنْدَ كِبَرِ سِنِّي وَانْقِضَاءِ عُمُرِي»؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة:266] أَيْ: تَعْتَبِرُونَ وَتَفْهَمُونَ الْأَمْثَالَ وَالْمَعَانِي، وَتُنْزِلُونَهَا عَلَى الْمُرَادِ مِنْهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ} [الْعَنْكَبُوتِ:43]".

أمثال القرآن ضُرِبت للاعتبار والاتعاظ ولفهم المعاني؛ لأنه بالمثال يتضح المقال، والذي لا يفهم هذه الأمثال فقد حصل من بعض السلف أنه أشكل عليه مثل، فبكى وقال: إنه ليس من أهل العلم؛ لأن الأمثال لا يعقلها إلا العالمون، فمفهومه أن الذين لا يفهمون ولا يعقلون الأمثال ليسوا من أهل العلم، ليسوا من العالمين، فعلى الإنسان أن يُعنى بالأمثال، وابن القيم -رحمه الله تعالى- له في أمثال القرآن مُصنَّف.

طالب: ............

حق حجاج الأعور.

طالب: ............

الذي ما يجمع الروايات والنُّسخ، والآن الطبعات والأصول، ما يستطيع الجزم بالحكم، لا يستطيع أن يجزم بالحكم إلا من له عناية بجمع الأصول المعتمدة الموثَّقة المقروءة على أهل العلم وهي موجودة -ولله الحمد- يعني ما ضاع شيء.

كم رقمه بتحفة الأشراف؟

طالب: ............

نعم.

"قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الألْبَابِ} [البقرة:267-269]".

يقول طالب علم حريص على الخير، وحريص على الوصول إلى النص المُتقن المضبوط: هل اللائق بي أن أجمع النُّسخ والطبعات النفيسة والمخطوطات الموثَّقة، والتي تداولها أهل العلم وعلقوا عليها ولو كلفني ذلك من الجهد والمال ما يُكلفني، وأضاع عليّ في مقابل ذلك أشياء كثيرة جدًّا بحيث لو اقتصرت على نسخة واحدة، ورددت الكلام فيها وضبطها وأتقنتها ولو فاتني ما فاتني من الزوائد؛ لأن كل شيء له ضريبة، الذي يعتني بصحيح البخاري فقط يفوته جميع كتب السُّنَّة إذا أراد أن يُفرغ نفسه للصحيح يجمع نسخه، ويُقارن بين ألفاظه ورواياته العمر لا يستوعب، أو يقول: أنا أعتمد على نسخ صحيحة ولو لم تكن أصح شيء، ولم تكن أجمع شيء، ومن مسلم كذلك وبقية الكتب الستة، وبدلًا من أن أقتصر على البخاري وأدور حوله أعتني بالكتب الستة؟

كلٌّ له وجهه، كثير من شيوخنا النابهين البارزين المشهورين، الذين لهم عناية بالسُّنَّة وغيرها من علوم الدين لا تجدهم يعتنون ويترددون بين النسخ لتحرير اللفظ، يقول: هذا اللفظ يضيع علينا جهودًا أحفظ به عشرة أحاديث، يحفظ بهذه الجهود عشرة أحاديث أو أكثر، أو يتفقه في عشرة بدلًا من لفظةٍ ثبتت أو لم تثبت، لكن بعض الناس يتعين عليه أن يتفرغ لهذا.

الله –جلَّ وعلا- حافظٌ دينه، أوجد هؤلاء الذين يتفقهون في معاني الأحاديث وأحكامها، وأوجد هؤلاء الذين يضبطون الألفاظ، ويتفرغون لها، وأوجد من كل ما يُحتاج إليه نوع من الناس، وصنف من الناس، أوجد حُفاظًا، وأوجد ناسًا يفهمون ويحررون ويُنقحون، وأوجد آخرين يستنبطون، وهكذا والأمة متكاملة بمجموعها؛ ولذلك ما ضاع شيء على دين الأمة منها، ما ضاع شيء.

ولذلك قد يقول قائل: أنا أسمع أن الإمام أحمد يحفظ سبعمائة ألف حديث، وفلان يحفظ ألف ألف، وفلان خمسمائة ألف، أين هي؟ ضاعت؟ نقول: ما ضاع شيء على الأمة الأمة تحتاجه، الأمة بمجموعها معصومة من أن تُفرِّط بشيءٍ من دينها.

ومقصودهم بهذه الأعداد الهائلة بالتكرار وبالآثار، وبعضهم يذكر استنباطات التابعين وغيرهم في حكمها يدخلونها مثل ما كان يفعل البخاري في تراجمه يُعدونها من هذه الأعداد الهائلة، وإلا لو تجمع كُتب السُّنَّة كلها من غير تكرار ما وجدت ولا عشرين ألفًا من غير تكرار، مما يُحتاج إليه ولا يُغني عنه غيره؛ ولذلك الذين يطنطنون الآن، ويقدحون في السُّنَّة، ويقولون: إن مدة النبي –عليه الصلاة والسلام- بعد الهجرة عشر سنوات لو يُحدِّث الليل والنهار ما يفتر أبدًا من هاجر إلى أن مات ومن غير أعمالٍ أخرى لا جهاد ولا حج ولا صلاة ولا شيء فقط يُحدِّث ما جاء مليون حديث، أين راحت؟

الذين في قلوبهم مرض يتتبعون مثل هذه الأمور، ولكن العلماء لهم بالمرصاد، والأمة لم تُضيِّع شيئًا من دينها.

وَعَلَّهُ أَرَادَ بِالتَّكرَارِ
 

 

لَهَا وَمَوْقُوْفٍ وفي البُخَارِي
 

إلى آخر... البخاري يحفظ عُشر ألف ألف يعني مائة ألف حديث صحيح، كما أنه يحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح –رحمه الله- والكلام معروف عند أهل العلم، لكن بُعد الناس عن العلم الصحيح وتلقيه عن أهله يُوقع في مثل هذه الأشياء.

جلَد الفُجار أيضًا وصبرهم على التنقيب والبحث مما يُضللون به الناس، قالوا لابن مهدي: هذه الأحاديث الموضوعة -يعني يذكرون كثرتها، وهي كثيرة جدًّا- قال: تعيش لها الجهابذة، ما فلت شيء، رحم الله الجميع.

طالب: ............

ما المانع؟ يعني البخاري ألفان وخمسمائة وحديثان من سبعة آلاف وخمسمائة حديث يعني الثلث، إذا حذفت المكرر من مسلم بهذه الألفين وخمسمائة يصفو ألف وخمسة أو يزيد، ما تقول: مسلم لماذا ألف وخمسمائة؟ ما وافق فيها البخاري قد تكون أكثر؛ ولذلك يقولون: ابن حجر بالتحرير يقول: أحاديث البخاري من غير تكرار ألفان وخمسمائة وحديثان، وبترقيم محمد فؤاد عبد الباقي لصحيح مسلم بدون تكرار ثلاثة آلاف وثلاثمائة وكذا كأنها ثلاثون هذا بالتكرار، فإذا حذفت الألفين والخمسمائة مما يتفق عليه الشيخان من الثلاثة آلاف وثلاثمائة كم يبقى؟ يبقى الصافي من صحيح مسلم، عرفت الفرق؟

طالب: نعم.

على كل حال المسألة واضحة إلا من في قلبه مرض، ويُريد أن يُشوش على الناس، وإلا فالدين محفوظ، عمر الأمة ما تشككت في شيءٍ من دينها، حتى نبتت هذه النوابت التي لها أصول من طوائف البدع، ولكل قومٍ وارث، فالمعتزلة تعرضوا لهذه الأمور قبل، وتلاهم المستشرقون، ثم بعد هذه النابتة من الليبراليين، والعلمانيين المفسدين.

"يَأْمُرُ تَعَالَى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْإِنْفَاقِ -وَالْمُرَادُ بِهِ الصَّدَقَةُ هَاهُنَا، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ- مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقَهُمْ مِنَ الْأَمْوَالِ الَّتِي اكْتَسَبُوهَا.

قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي التِّجَارَةَ بِتَيْسِيرِهِ إِيَّاهَا لَهُمْ.   

وَقَالَ عَلِيٌّ وَالسُّدِّيُّ: {مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُم} [البقرة:267] يَعْنِي: الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَمِنَ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ الَّتِي أَنْبَتَهَا لَهُمْ مِنَ الْأَرْضِ. 

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَرَهُمْ بِالْإِنْفَاقِ مِنْ أَطِيبِ الْمَالِ وَأَجْوَدِهِ وَأَنْفَسِهِ، وَنَهَاهُمْ عَنِ التَّصَدُّقِ بِرُذَالَةِ الْمَالِ ودَنيه -وَهُوَ خَبِيثُهُ- فَإِنَّ اللَّهَ طَيْب لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَلِهَذَا قَالَ: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ} [البقرة:267] أَيْ: تَقْصِدُوا الخبيث {مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ} [البقرة:267] أَيْ: لَوْ أُعْطِيتُمُوهُ مَا أَخَذْتُمُوهُ".

كما قال –جلَّ وعلا-: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:92] وليس معنى الخبيث المحرَّم، وإنما المقصود به الرديء، والذي لو جيء به للغارم ما قبِله إلا أن يُغمض، يعني يتسامح، يقول: إما أخذناه إما جحد ما جاء شيء، فيتسامح.

وأما الخبيث بمعنى الحرام فما يأخذه أحد لا يُغمض ولا غيره؛ ولذا جاء في الحديث «كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ» يعني رديء، وليس بمحرَّم؛ لأن النبي –عليه الصلاة والسلام- احتجم وأعطى الحجام أبا طَيبة دينارًا، ولو كان حرامًا ما أعطاه، فالخبث هنا أو الخبيث هنا الرديء، فالمُنفِق والمتصدِّق ينبغي أن يتخير وينتقي أفضل ما عنده {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:92].

بمناسبة الحديث عن الكتب لو يأتي سائل طالب علم يحتاج إلى نسخة من البخاري، وعندك نسخ من الطبعات القديمة النفيسة الغالية، وعندك نُسخ مصوَّرة عليها، تقول: هذا رديء، وهذا خبيث ما أنا مُعطيه؟ بدل ما تُعطيه كتابًا واحدًا تُعطيه عشرة كُتب أنفع؛ لأن هذا الشخص الذي لم يستطع أن يشتري نسخة لن ينظر إلى النفائس التي تُباع بالألوف، ولن ينظر يبغي بُلغة، لكن لو عندنا تمر من أردأ أنواع التمر، وجاء سائل أيهما أفضل تُعطيه أم ترده؟

طالب: أعطيه.

لاسيما إذا كان مضطرًا، لكن كونك تنتقل من هذا إلى ما هو أفضل منه هو المطلوب.

"{مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ} [البقرة:267] أَيْ: لَوْ أُعْطِيتُمُوهُ مَا أَخَذْتُمُوهُ إِلَّا أَنْ تَتَغَاضَوْا فِيهِ، فَاللَّهُ أَغْنَى عَنْهُ مِنْكُمْ، فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ مَا تَكْرَهُونَ.    

وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة:267] أَيْ: لَا تَعْدِلُوا عَنِ الْمَالِ الْحَلَالِ، وَتَقْصِدُوا إِلَى الْحَرَامِ، فَتَجْعَلُوا نَفَقَتَكُمْ مِنْهُ".

بأنك تحرص على ما تُنفقه على نفسك وولدك أن يكون من أطيب المال؛ لأن الجسد الذي ينبت على السحت كما جاء في الخبر «النَّارُ أَوْلَى بِهِ»، فتُطعم نفسك وأولادك أطيب مكاسبك. 

"وَيُذْكَرُ هَاهُنَا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قال: حَدَّثَنَا إِسْحَاقَ".

أبان بن إسحاق.

"حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الصَّبَّاحِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُرّة الهَمْداني، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم-: «إن اللَّهَ قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَخْلَاقَكُمْ، كَمَا قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ، وَإِنَّ اللَّهَ يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ، وَلَا يُعْطِي الدِّينَ إِلَّا لِمَنْ أحبَّ، فَمَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ الدِّينَ فَقَدْ أَحَبَّهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يُسْلِمُ عَبْد حَتَّى يُسلِمَ قلبُه وَلِسَانُهُ، وَلَا يُؤْمِنُ حَتَّى يَأْمَنَ جارُه بَوَائِقَهُ» قَالُوا: وَمَا بَوَائِقُهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: «غَشَه وَظُلْمُهُ»".

عندنا «غَشَمُه وَظُلْمُهُ».

"قال: «غَشَمُه وَظُلْمُهُ، وَلَا يَكْسِبُ عَبْدٌ مَالًا مِنْ حَرَامٍ فينفقَ مِنْهُ فيباركَ لَهُ فِيهِ، وَلَا يتصدقُ فَيُقْبَلَ مِنْهُ، وَلَا يَتْرُكُهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ إِلَّا كَانَ زَادَهُ إِلَى النَّارِ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَمْحُو السَّيِّئَ بِالسَّيِّئِ، وَلَكِنْ يَمْحُو السَّيِّئَ بِالْحَسَنِ، إِنَّ الْخَبِيثَ لَا يَمْحُو الْخَبِيثَ».

وَالصَّحِيحُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ –رحمه الله-: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَمْرٍو العَنْقَزيِّ، قال: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَسْبَاطٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة:267] الْآيَةَ. قَالَ: نَزَلَتْ فِي الْأَنْصَارِ، كَانَتِ الْأَنْصَارُ إِذَا كَانَ أَيَّامَ جذَاذ النَّخْلِ، أَخْرَجَتْ مِنْ حِيطَانِهَا البُسْر، فَعَلَّقُوهُ عَلَى حَبْلٍ".

أقناء البسر.

طالب: ...........

"أَخْرَجَتْ مِنْ حِيطَانِهَا أَقْنَاءَ البُسْر".

"أَخْرَجَتْ مِنْ حِيطَانِهَا أَقْنَاءَ البُسْر، فَعَلَّقُوهُ عَلَى حَبْلٍ بَيْنَ الْأُسْطُوَانَتَيْنِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَأْكُلُ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ مِنْهُ، فيعْمد الرَّجُلُ مِنْهُمْ إِلَى الحَشَف، فَيُدْخِلُهُ مَعَ أَقْنَاءِ الْبُسْرِ، يَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة:267].

ثُمَّ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ مَرْدُوَيه".

طالب: ...........

القنو ما تعرفه؟ الذي يحمل التمر {كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس:39] تعرفون العرجون القديم؟ هو مثله، لكن كان فيه تمر، وهذا يبس، ما أنت بعارفٍ العرجد؟

طالب: ...........

تعرفه؟

طالب: {وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ} [الأنعام:99].

كم نسبة الذين يعرفون العرجد؟

طالب: أقل القليل.

ولا الفلاليح يُستعمل في البيوت كان، كان الناس يكنسون به الأرض، القنو إذا أُخِذ ما عليه من التمر ويبس صار مكنسة من أبدع ما يكون.

طالب: ...........

في وقتها.

طالب: ...........

ممكن.

طالب: ...........

ماذا؟

طالب: ...........

يصير خاصًا به في كل ما يُنتفع به. 

"ثُمَّ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ مَرْدُوَيه وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، مِنْ طَرِيقِ السدي، عن عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ، بِنَحْوِهِ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".

شرط البخاري ومسلم، رقم أربعة بياضٌ في خاء.

"وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، قال: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، عَنِ الْبَرَاءِ: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} [البقرة:267] قَالَ: نَزَلَتْ فِينَا، كُنَّا أَصْحَابَ نَخْلٍ، وَكَانَ الرَّجُلُ يَأْتِي مِنْ نَخْلِهِ بِقَدْرِ كَثْرَتِهِ وَقِلَّتِهِ، فَيَأْتِي الرَّجُلُ بالقِنْو فَيُعَلِّقُهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَكَانَ أَهْلُ الصُّفَّةِ لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ، فَكَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا جَاءَ فَضَرَبَهُ بِعَصَاهُ، فَسْقُطُ مِنْهُ الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ، فَيَأْكُلُ، وَكَانَ أُنَاسٌ مِمَّنْ لَا يَرْغَبُونَ فِي الْخَيْرِ يَأْتِي بالقِنْو الحَشَف والشِّيص".

"فِيهِ الحَشَف والشِّيص".

"يَأْتِي بالقِنْو فِيهِ الحَشَف والشِّيص فَيَأْتِي بِالْقِنْوِ قَدِ انْكَسَرَ فَيُعَلِّقُهُ، فَنَزَلَتْ: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} [البقرة:267] قَالَ: لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أُهْدِيَ لَهُ مِثْلَ مَا أعْطَى مَا أَخَذَهُ إِلَّا عَلَى إِغْمَاضٍ وحَياء، فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ يَجِيءُ الرَّجُلُ مِنَّا بِصَالِحِ مَا عِنْدَهُ.

وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ -هُوَ ابْنُ مُوسَى الْعَبْسِيُّ-عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنِ السُّدِّيِّ -وَهُوَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ- عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْغِفَارِيِّ -وَاسْمُهُ غَزْوان-عَنِ الْبَرَاءِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صحيح".

عندك صحيح؟

طالب: ...........

وهو حديثٌ حسنٌ غريب.

طالب: يكون أُضيفت من سُنن الترمذي؟

صحح الترمذي للسدي؟

طالب: واللفظ صحيح أُضيف من سُنن الترمذي.

في المتابعات لكن ما... الآن بمفرده الترمذي يُحسِّن مثله ما يُصحح أي مطبوع أي طبعة.

طالب: الترمذي.

الترمذي أي طبعة، الترمذي ينبغي أن يُستكثر من نُسخه، الألباني مثل الترمذي، رحم الله الجميع، الترمذي هو الذي نص أهل العلم على أنه ينبغي أن يُستكثر من نُسخه، وتُقابل وتُصحح؛ لأن بينها اختلافًا واسعًا في الأحكام، هذا عندنا في طبعة الشعب المأخوذة عن الأزهرية يقول: حديثٌ حسنٌ غريب.

طالب: ...........

وأولاد الشيخ يُصححون له المتابعات لا بأس.

"وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، قال: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، قال: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ لَوْنَيْنِ مِنَ التَّمْرِ: الجُعْرُور وَلَوْنِ الحُبَيق. وَكَانَ النَّاسُ يَتيمّمون شِرَارَ ثِمَارِهِمْ، ثُمَّ يُخْرِجُونَهَا فِي الصَّدَقَةِ، فَنَزَلَتْ: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُون} [البقرة:267].

وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، ثُمَّ قَالَ: أَسْنَدَهُ أَبُو الْوَلِيدِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَلَفْظُهُ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الجُعْرُور وَلَوْنِ الحُبيق أَنْ يُؤْخَذَا فِي الصَّدَقَةِ".

نوعان رديئان من أنواع التمر، وأبو الوليد الذي نسبه إليه هو الطيالسي، واسمه هشام بن عبد الملك.

"وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْجَلِيلِ بْنِ حُمَيد اليَحْصُبي، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، وَلَمْ يَقُلْ: عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الْجَلِيلِ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الْمُغِيرَةِ، قال: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقل فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُون} [البقرة:267] قَالَ: كَسْبُ الْمُسْلِمِ لَا يَكُونُ خَبِيثًا، وَلَكِنْ لَا يَصَّدَّقُ بِالْحَشَفِ، وَالدِّرْهَمِ الزَّيْفِ، وَمَا لَا خير فيه".

يعني الأصل في المسلم ألا يكون كسبه خبيثًا، وقد يتعمد المسلم المعصية، وقد يتوب منها، وقد لا يُوفَّق للتوبة منها، والأموال الكسب الحرام معروف عند المتقدمين، وعند المتأخرين، لكنه في المتأخرين أعظم وأشد؛ حتى لا يبقى بيت إلا وقد دخله الربا –نسأل الله العافية- والآن بدأ ممن ينتسب إلى أهل العلم من يُنازع في كون هذه المعاملة ربا أو لا؛ من أجل ان تمشي أموره، ومشكلة هذه البنوك التي انتشرت في بلاد المسلمين تتسامح وتتساهل في هذه الأمور، وتتَّبع الفتاوى الشاذة والرُّخص، والله المستعان.  

طالب: ...........

"الزَّيْفِ" يعني: المغشوش، يعني ما هو بفضة خالصًا خلطوا معه شيئًا.

"وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ، قال: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حَمَّادٍ -هُوَ ابْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ-عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أُتِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِضَبٍّ فَلَمْ يَأْكُلْهُ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نُطْعِمُهُ الْمَسَاكِينَ؟ قَالَ: «لَا تُطْعِمُوهُمْ مِمَّا لَا تَأْكُلُونَ».

ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ عَفَّانَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، بِهِ".

أُكِل الضب على مائدته –عليه الصلاة والسلام- أكله خالد بن الوليد، عافه النبي –عليه الصلاة والسلام- وأكله خالد، وهو طيب ومُباح، لكنه ما دام عافه النبي –عليه الصلاة والسلام- فهو يكون أقل من غيره.

"فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَّا أُطْعِمَهُ الْمَسَاكِينَ؟ قَالَ: «لَا تُطْعِمُوهُمْ مَا لَا تَأْكُلُونَ».

وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، عَنِ الْبَرَاءِ {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيه} [البقرة:267] يَقُولُ: لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ، فَأَعْطَاهُ ذَلِكَ لَمْ يَأْخُذْهُ؛ إِلَّا أَنْ يَرَى أَنَّهُ قَدْ نَقَصَهُ مِنْ حَقِّهِ، رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ".

حينما يوازن التاجر أنه إن أخذ هذا أو ما جاء شيء، يعني لو جاءه طيب لباعه بمائة، وهذا الرديء يمكن يكون بخمسين أحسن من لا شيء.

في عُرف التجار وعاداتهم يقبلون عند الإلجاء والإحراج يقبلون القليل، ويرون أنه أفضل من لا شيء.

"وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيه} [البقرة:267] يَقُولُ: لَوْ كَانَ لَكُمْ عَلَى أَحَدٍ حَقٌّ، فَجَاءَكُمْ بِحَقٍّ دُونَ حَقِّكُمْ لَمْ تَأْخُذُوهُ بِحِسَابِ الْجَيِّدِ حَتَّى تَنْقُصُوهُ. قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} [البقرة:267]، فَكَيْفَ تَرْضَوْنَ لِي مَا لَا تَرْضَوْنَ لِأَنْفُسِكُمْ، وَحَقِّي عَلَيْكُمْ مِنْ أَطْيَبِ أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفَسِهِ!!

رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَزَادَ: وَهُوَ قَوْلُهُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّون} [آلِ عِمْرَانَ:92] ثُمَّ رَوَى مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ وَغَيْرِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَ ذَلِكَ، وَكَذَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ.

وَقَوْلُهُ: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [البقرة:267] أَيْ: وَإِنْ أَمَرَكُمْ بِالصَّدَقَاتِ وَبِالطَّيِّبِ مِنْهَا فَهُوَ غَنِيٌّ عَنْهَا، وَمَا ذَاكَ إِلَّا أن يُسَاوِيَ الْغَنِيُّ الْفَقِيرَ".

ليساوي، إلا ليساوي.

طالب: ليساوي؟

"وَمَا ذَاكَ إِلَّا ليُسَاوِيَ الْغَنِيُّ الْفَقِيرَ".

"وَمَا ذَاكَ إِلَّا ليُسَاوِيَ الْغَنِيُّ الْفَقِيرَ، كَقَوْلِهِ: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الْحَجِّ: 37] وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ، وَجَمِيعُ خَلْقِهِ فَقُرَاءُ إِلَيْهِ، وَهُوَ وَاسِعُ الْفَضْلِ لَا يَنْفَدُ مَا لَدَيْهِ، فَمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، فليَعلمْ أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ وَاسِعُ الْعَطَاءِ، كَرِيمٌ جَوَادٌ، سَيَجْزِيهِ بِهَا وَيُضَاعِفُهَا لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً مَنْ يُقْرَضُ غَيْرَ عَدِيمٍ وَلَا ظَلُومٍ، وَهُوَ الْحَمِيدُ، أَيِ: الْمَحْمُودُ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ وَشَرْعِهِ وَقَدَرِهِ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَلَا رَبَّ سِوَاهُ.

وَقَوْلُهُ: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:268] قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَة، قال: حَدَّثَنَا هَنَّاد بْنُ السَّرِي، قال: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ مُرَّةَ الهَمْداني، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنْ لِلشَّيْطَانِ لَمّةً بِابْنِ آدَمَ، وللمَلك لَمة، فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ، وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ، فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فليعلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ، فَلْيحمَد اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ الْأُخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ مِنَ الشَّيْطَانِ» ثُمَّ قَرَأَ: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلا} الْآيَةَ [البقرة:268].

وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فِي كِتَابَيِ التَّفْسِيرِ مِنْ سُنَنَيْهما جَمِيعًا، عَنْ هَنَّاد بْنِ السَّرِي وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ، عَنْ هَنَّاد، بِهِ.

وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَهُوَ حَدِيثُ أَبِي الْأَحْوَصِ -يَعْنِي سَلَّامَ بْنَ سُلَيْمٍ- لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِهِ. كَذَا قَالَ، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدُويه فِي تَفْسِيرِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَسْتَه، عَنْ هَارُونَ الفَرْوِي، عَنْ أَبِي ضَمْرة، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، مَرْفُوعًا نَحْوَهُ".

عن عبيد الله بن عبد الله، عن عبد الله.

طالب: عن عبد الله؟

نعم، عن عبد الله بن مسعود.

"عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ عبد الله بْنِ مَسْعُودٍ، مَرْفُوعًا نَحْوَهُ.

وَلَكِنْ رَوَاهُ مِسْعر، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ نَضْلَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَجَعَلَهُ مِنْ قَوْلِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ} [البقرة:268] أَيْ: يُخَوِّفُكُمُ الْفَقْرَ، لِتُمْسِكُوا مَا بِأَيْدِيكُمْ فَلَا تُنْفِقُوهُ فِي مَرْضَاةِ اللَّهِ، {وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة:268] أَيْ: مَعَ نَهْيِهِ إِيَّاكُمْ عَنِ الْإِنْفَاقِ خَشْيَةَ الْإِمْلَاقِ، يَأْمُرُكُمْ بِالْمَعَاصِي وَالْمَآثِمِ وَالْمَحَارِمِ وَمُخَالَفَةِ الخَلاق، قَالَ تَعَالَى: {وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ} [البقرة:268] أَيْ: فِي مُقَابَلَةِ مَا أَمَرَكُمُ الشَّيْطَانُ بِالْفَحْشَاءِ {وَفَضْلا} [البقرة:268] أَيْ: فِي مُقَابَلَةِ مَا خَوَّفَكُمُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْفَقْرِ {وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:268].

وَقَوْلُهُ: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاء} [البقرة:269] قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَعْنِي الْمَعْرِفَةَ بِالْقُرْآنِ نَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ، وَمُحْكَمِهِ وَمُتَشَابِهِهِ، وَمُقَدَّمِهِ وَمُؤَخَّرِهِ، وَحَلَالِهِ وَحَرَامِهِ، وَأَمْثَالِهِ".

هذا معنى من معاني الحِكمة فُسِّرت بفرد من أفرادها وإلا فالحِكمة أشمل مما يتعلق بالقرآن أو السُّنَّة أو الدين كله.

"وَرَوَى جُوَيْبر، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: الْحِكْمَةُ: الْقُرْآنُ، يَعْنِي: تَفْسِيرُهُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَإِنَّهُ قَدْ قَرَأَهُ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ. رَوَاهُ ابْنُ مَرْدُويه.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيح، عَنْ مُجَاهِدٍ: يَعْنِي بِالْحِكْمَةِ: الْإِصَابَةُ فِي الْقَوْلِ.

وَقَالَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاء} [البقرة:269] لَيْسَتْ بِالنُّبُوَّةِ، وَلَكِنَّهُ الْعِلْمُ وَالْفِقْهُ وَالْقُرْآنُ".

النبوة أعلاها؛ لأن من أوتي النبوة فقد أوتي جميع هذا.

"وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: الْحِكْمَةُ خَشْيَةُ اللَّهِ، فَإِنَّ خَشْيَةَ اللَّهِ رَأْسُ كُلِّ حِكْمَةٍ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَرْدُويه، مِنْ طَرِيقِ بَقِيَّةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ زُفَر الجُهَني، عَنْ أَبِي عَمَّارٍ الْأَسَدِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: «رَأْسُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ اللَّهِ».

وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: الْحِكْمَةُ: الْكِتَابُ وَالْفَهْمُ.

وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النخَعي: الْحِكْمَةُ: الْفَهْمُ.

وَقَالَ أَبُو مَالِكٍ: الْحِكْمَةُ: السُّنَّةُ.

وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ، قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: الْحِكْمَةُ: الْعَقْلُ.

قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّهُ لَيَقَعُ فِي قَلْبِي أَنَّ الْحِكْمَةَ هُوَ الْفِقْهُ فِي دِينِ اللَّهِ، وأمْرٌ يُدْخِلُهُ اللَّهُ فِي الْقُلُوبِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَفَضْلِهِ، وَمِمَّا يُبَيَّنُ ذَلِكَ أَنَّكَ تَجِدُ الرَّجُلَ عَاقِلًا فِي أَمْرِ الدُّنْيَا إذَا نَظَر فِيهَا".

ذا نظرٍ.

طالب: ...........

التأنيث مجازي، ما يلزم أنه يؤنَّث.

طالب: ...........

تمشي، تقول: طلع الشمس، وطلعت الشمس.

"ذَلِكَ أَنَّكَ تَجِدُ الرَّجُلَ عَاقِلًا فِي أَمْرِ الدُّنْيَا ذَا نَظَرٍ فِيهَا، وَتَجِدُ آخَرَ ضَعِيفًا فِي أَمْرِ دُنْيَاهُ، عَالِمًا بِأَمْرِ دِينِهِ، بَصِيرًا بِهِ، يُؤْتِيهِ اللَّهُ إِيَّاهُ وَيَحْرِمُهُ هَذَا، فَالْحِكْمَةُ: الْفِقْهُ فِي دِينِ اللَّهِ.

وقال السدي: الحكمة: النبوة.

وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْحِكْمَةَ -كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ- لَا تَخْتَصُّ بِالنُّبُوَّةِ، بَلْ هِيَ أَعَمُّ مِنْهَا، وَأَعْلَاهَا النُّبُوَّةُ، وَالرِّسَالَةُ أَخَصُّ، وَلَكِنْ لِأَتْبَاعِ الْأَنْبِيَاءِ حَظٌّ مِنَ الْخَيْرِ عَلَى سَبِيلِ التبَع، كَمَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ: «مَنْ حَفِظَ الْقُرْآنَ فَقَدْ أدْرِجَت النُّبُوَّةُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُوحَى إِلَيْهِ»، رَوَاهُ وَكِيع بْنُ الْجَرَّاحِ فِي تَفْسِيرِهِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمِّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَو قَوْلُهُ".

يعني: من قوله.

"وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيع وَيَزِيدُ، قَالَا حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ -يَعْنِي ابْنَ أَبِي خَالِدٍ- عَنْ قَيْسٍ -وَهُوَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ- عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فسلَّطه عَلَى هَلَكته فِي الْحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا».

وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ -مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ- عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، بِهِ.

وَقَوْلُهُ: {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الألْبَابِ} [البقرة:269] أَيْ: وَمَا يَنْتَفِعُ بِالْمَوْعِظَةِ وَالتِّذْكَارِ إِلَّا مَنْ لَهُ لُبٌّ وَعَقْلٌ يَعِي بِهِ الْخِطَابَ وَمَعْنَى الْكَلَامِ".

اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبيك محمد.