التعليق على الموافقات (1436) - 13

نعم.

طالب: أحسن الله إليك.

 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "الطرف الثالث: فيما يتعلق بإعمال قول المجتهد المقتدى به وحكم الاقتداء به، ويحتوي على مسائل؛ المسألة الأولى: إن المقلد إذا عرضت له مسألة دينية، فلا يسعه في الدين إلا السؤال عنها على الجملة؛ لأن الله لم يتعبد الخلق بالجهل، وإنما تعبدهم على مقتضى قوله سبحانه: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 282]".

نعم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد، فالمكلفون طبقات، منهم العلماء الذين يسألهم الناس، ومنهم العامة الذين فرضهم السؤال: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، ومنهم من هو بين هاتين المرتبتين من طلاب العلم، فهو منهم القريب من الطبقة الأولى، ومنهم القريب من الطبقة الثانية، فالمبتدئ قريب من العامي، وكذلك إلى أن يصل إلى ما يؤهِّله للنظر في الأدلة والموازنة بينها والترجيح؛ ليكون بذلك مجتهدًا مقتدًى به.

المؤلف -رحمه الله- يقول: "إن المقلد إذا عرضت له مسألة دينية فلا يسعه في الدين إلا السؤال عنها على الجملة"؛ لأن المقلد الذي هو العامي ومن في حكمه لا يستطيع أن ينظر في النصوص، ولا يستطيع أن يصل إلى الأحكام بنفسه، وإنما يصل إليها بواسطة أهل العلم.

"لأن الله لم يتعبد الخلق بالجهل، إنما تعبدهم بالعلم"؛ لأن الله افترض عليهم أمورًا لا تصح إلا بالعلم، لها أركان وشروط وواجبات وسنن، ويقابلها مبطلات وخوارم، كل هذه لا يمكن إدراكها إلا بالعلم.

"لأن الله لم يتعبد الخلق بالجهل، إنما تعبدهم بالعلم"، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6]، قال علي بن أبي طالب: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} بالعلم، ولا يمكن أن تصح عبادة بغير علم، وكذلك العقود وغيرها من الأبواب، لا بد من العلم، ولا يفترض في الناس كلهم أن يكونوا علماء، وأن يكونوا مجتهدين، وإنما من تيسر له ذلك، ويسر الله له السبيل، وبذل من نفسه، وأخلص لله -جل وعلا-، وكتب له من العلم ما كُتب له، صار من أهل العلم، وإلا يبقي عاميًّا ولو مكث السنين في طلب العلم.

المقصود أن سؤال أهل العلم لا بد منه، وليس للعامي أن يتعبد إلا بعد أن يعرف الحكم بسؤال أهل العلم، وإذا تعبد على جهل فقد يضر نفسه أكثر مما ينفعها.

طالب: "وإنما تعبدهم على مقتضى قوله -سبحانه-: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 282] لا على ما يفهمه كثير من الناس".

الذي يفهمه كثير من الناس، يفهمون من الآية أن التقوى معينة على العلم، التقوى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 282]، فالتقوى تعين على تحصيل العلم. والذي يريد أن يقرره المؤلف العكس: أن العلم يعينه على التقوى. لا شك أن العلم معين على التقوى؛ لأن الذي يزاول التقوى، ويحرص عليها وهو جاهل، قد لا يصل إلى مراده، بخلاف من تعلم، ثم عمل بما علم. ولا شك أن القول الأول وهو ما يفهمه كثير من الناس له حظ من النظر، وأن التقوى تعين على تحصيل العلم. لكن المعنى من تركيب الآية: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 282]، الواو هذه على ما؛ لأن بعضهم يجعلها واو الحال، فإذا اتقيت الله فالحال أن الله يعلمك، مع أن المعروف في قواعد العربية أن الجملة المضارع تحوي ضميرًا وتخلو من الواو لا تقترن بالواو، وإذا وُجدت الواو قُدر بعدها ضمير يكون المضارع مسندًا إليه، تقدر مبتدأً ضميرًا يكون المضارع خبرًا له:

 وذات بدء بمضارع ثبت        حوت ضميرًا ومن الواو خلت

 وذات واو بعد انو مبتدأ             له المضارع اجعلن مسندًا

{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 282] إذا جعلتها مضارعًا فلا بد أن تقدر ضميرًا يعود إلى الله، والإشكال أنه ضمير مع وجود الاسم المصرح به. على كل حال ننظر في بقية كلام المؤلف -رحمه الله-.

طالب: "بل على ما قرره الأئمة في صناعة النحو، أي: إن الله يعلمكم على كل حال فاتقوه، فكأن الثاني سببًا في الأول".

وعلى فهم الأكثر العكس: الأول سبب في الثاني. نعم.

طالب: "فترتب الأمر بالتقوى على حصول التعليم ترتبًا معنويًّا، وهو يقتضي تقدم العلم على العمل، والأدلة على هذا المعنى كثيرة، وهي قضية لا نزاع فيها، فلا فائدة في التطويل فيها، لكنها كالمقدمة لمعنى آخر، وهى: المسألة الثانية".

يعني ترجم البخاري -رحمه الله-: باب العلم قبل القول والعمل.

طالب: يقول: "المسألة الثانية: وذلك أن السائل لا يصح له أن يسأل من لا يعتبر في الشريعة جوابه؛ لأنه إسناد أمر إلى غير أهله، والإجماع على عدم صحة مثل هذا، بل لا يمكن في الواقع".

إذا أراد أن يسأل مثله عاميًّا مثله يكتفي باجتهاده هو، لماذا لا يسأل؟ لأنه لا يزيد عليه في..

طالب: في العلم.

في هذا الباب. نعم.

طالب: "بل لا يمكن في الواقع؛ لأن السائل يقول لمن ليس بأهل لما سئل عنه: أخبرني عما لا تدري وأنا أسند أمري لك فيما نحن في الجهل به على سواء، مثل هذا لا يدخل في زمرة العقلاء؛ إذ لو قال له: دلني".

إذا نظرنا في واقع العوام والجهل مخيم عليهم، وجدت أن من العوام من هو أنبه من بعض، وتجده يتكلم في أمور وإن لم تكن من العلم، تخفى على من هو أجهل منه من العوام، فتجد هذا العامي يحسن به الظن، يظن أن عنده علمًا فيسأله، وهذا موجود، يعني الواقع يشهد به، لكن هذا خطأ.

طالب: "إذ لو قال له: دلني في هذه المفازة".

لكن لا يمكن أن يقول مثل ما قال المؤلف، هذا العامي المغرق المطبق الذي ما عنده شيء حتى من الخبرة في أمور الحياة يسأل من هو أخبر منه، ما يمكن أن يقول: أخبرني عما لا تدري وأنا أسند أمري لك فيما نحن في الجهل به على سواء، يعني هذا إلزام من المؤلف وإلا ما يمكن أن يقول هذا.

طالب: ما يكون لسان الحال وليس إلزامًا.

هو إلزام، إلزام. نعم.

طالب: "إذ لو قال له: دلني في هذه المفازة على الطريق إلى الموضع الفلاني، وقد علم أنهما في الجهل بالطريق سواء؛ لعُد من زمرة المجانين، فالطريق الشرعي أولى، لأنه هلاك أخروي، وذلك هلاك دنيوي خاصة، والإطناب في هذا أيضًا غير محتاج إليه، غير أنا نقول بعده: إذا تعين عليه السؤال، فحق عليه أن لا يسأل إلا من هو من أهل ذلك المعنى الذي يسأل عنه، فلا يخلو أن يتحد في ذلك النظر أو يتعدد، فإن اتحد فلا إشكال، وإن تعدد فالنظر في التخيير وفي الترجيح قد تكفل به أهل الأصول، وذلك إذا لم يعرف أقوالهم في المسألة قبل السؤال، أما إذا كان قد اطلع على فتاويهم قبل ذلك، وأراد أن يأخذ بأحدها، فقد تقدم قبل هذا أنه لا يصح له إلا الترجيح؛ لأنه من مقصود الشريعة إخراج المكلف".

"لأن".

طالب: "لأن من مقصود الشريعة إخراج المكلف عن داعية هواه، حتى يكون عبدًا لله".

نعم. حتى لو اطلع العامي على أقوال أهل العلم، وهم الآن يسمعون في مجالسهم وفي بيوتهم من خلال وسائل الإعلام يسمعون، لكن هل للعامي أن يرجِّح بين هذه الأقوال، ويتخير منها ما شاء وهو ليس بأهل للترجيح؟

 ليس له ذلك، وإذا اختار شيئًا فإنما اختاره على مقتضى هواه. وقد يكون اختياره على خلاف مقتضى هواه؛ لأن من العامة من عنده من الحرص والتحري والتثبت، تجده يختار قولاً من غير مرجح معتبر عند أهل العلم، لكنه لا يختار هواه، وهو في الحقيقة إذا نظرنا إليه من جهة أخرى حتى التشديد الذي حمل نفسه عليه اتباع لهواه.

طالب: "حتى يكون عبدًا لله وتخييره يفتح له باب اتباع الهوى، فلا سبيل إليهأالبتة، وقد مر في ذلك تقرير حسن في هذا الكتاب، فلا نعيده.

 المسألة الثالثة: حيث يتعين الترجيح، فله طريقان: أحدهما عام، والآخر خاص. فأما العام، فهو المذكور في كتب الأصول".

"حيث يتعين الترجيح"، يعني توجد مسائل ما يتعين فيها الترجيح؟ يعني فيما إذا كان الاختلاف تنوعًا مثلاً ما يحتاج إلى ترجيح، أو خلاف.

طالب: .......

طالب: أو الجمع ممكن.

"حيث يتعين الترجيح" عنده أكثر من قول، لكن يلزمه أن يرجح بينه.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

طالب: .......

متى يتعين الترجيح؟

طالب: إذا لم يستطع الجمع.

نعم.

طالب: .......

إذا كانت أقوالًا متضادة فلا بد من الترجيح، لكن إذا كان بينها شيء من التداخل، إذا كانت الأقوال بينها شيء من التداخل فلا يتعين الترجيح، لا سيما إذا كان هناك شيء من العموم أو الخصوص أو أمكن الترجيح من حيث المعنى، من حيث المعنى يعني التداخل لا بأس به، مثل ما يقال في اختلاف التنوع.

طالب: "فأما العام فهو المذكور في كتب الأصول، إلا أن فيه موضعًا يجب أن يُتأمل ويحترز منه، وذلك أن كثيرًا من الناس تجاوزوا الترجيح بالوجوه الخالصة إلى الترجيح ببعض الطعن على المذاهب المرجوحة عندهم".

وهذا مسلوك عند كثير من متعصبة الأتباع المقلدة، تجده يطعن في الإمام، في أصل المذهب، ويتعدى الكلام في المسألة إلى القائل، ووجد من ذلك أمثلة على مر العصور، وُجد التجريح، ووجد التجهيل، ووجد التضليل من بعض الأتباع، كما أن هذا لا يوجد بين الأئمة، الخلاف بينهم لا يصل إلى القلوب، لكن هؤلاء الأتباع الذين مع الجهل يستوشون مثل هذه المسائل، وينفخون فيها، وطعن في الأئمة، ووضعت أحاديث في سلب بعض الأئمة، وفي وضع مناقب لبعض الأئمة، كله من أجل ماذا؟ التعصب. نعم.

طالب: "أو على أهلها القائلين بها، مع أنهم يثبتون مذاهبهم، ويعتدون بها، ويراعونها، ويفتون بصحة الاستناد إليهم في الفتوى، وهو غير لائق بمناصب المرجحين، وأكثر ما وقع ذلك في الترجيح بين المذاهب الأربعة وما يليها من مذهب داود ونحوه، فلنذكر هنا أمورًا يجب التنبُّه لها".

يعني مما يعاب على بعض من تكلم في هذا الباب قول، ولا حقيقة نقله فيه، وهو موجود بالحرف: بهذا قال أبو حنيفة، وهو لا يساوي رجيع الكلب! مثل هذا يقال في أدنى مسلم فضلاً عن إمام من أئمة المسلمين؟! قال: بهذا قال مالك، فأين الدين؟! وهذا قول فلان، وهو قول من لا يؤمن بيوم الحساب! يعني هل هذا يخدم المسألة؟ هذا لو عندك نوع حق، فالطرف المقابل سوف يعاند ويصر ويرميك مثل ما رميته به.

طالب: "أحدها: أن الترجيح بين الأمرين إنما يقع في الحقيقة بعد الاشتراك في الوصف الذي تفاوتا فيه، وإلا فهو إبطال لأحدهما، وإهمال لجانبه رأسًا، ومثل هذا لا يسمى ترجيحًا، وإذا كان كذلك فالخروج في ترجيح بعض المذاهب على بعض إلى القدح في أصل الوصف بالنسبة إلى أحد المتصفين، خروجٌ عن نمط إلى نمط آخر مخالف له، وهذا ليس من شأن العلماء، وإنما الذي يليق بذلك الطعن والقدح في حصول ذلك الوصف لمن تعاطاه وليس من أهله، والأئمة المذكورون بُرآء من ذلك، فهذا النمط لا يليق بهم".

بلا شك.

طالب: "والثاني: أن الطعن في مساق الترجيح يبين العناد من أهل المذهب المطعون عليه، ويزيد في دواعي التمادي والإصرار على ما هم عليه؛ لأن الذي غُض من جانبه مع اعتقاده خلاف ذلك حقيق بأن يتعصب لما هو عليه ويُظهر محاسنه؛ فلا يكون للترجيح المَسُوق هذا المساق فائدة زائدة على الإغراء بالتزام المذهب، وإن كان مرجوحًا، فكأن الترجيح لم يحصل".

الهم بالنسبة للعالم الذي يبين للناس دينهم، والداعية الذي يدعوهم إلى حظيرة التدين: الحرص على هداية الخلق، والمستفيد الأول هو، «لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم»، نعم. المستفيد الأول هو، فإذا حرص على هداية الخلق وجد في ذلك وصدق فيه لا بد أن يأتي بالأسلوب الذي يجعلهم يقبلون هذه الهداية، لا بد أن يورد ما يريد بالأسلوب المقبول الذي يجعلهم يقبلونه.

 أما أساليب الشتم والتجريح، مثل هذه الأمور تنفر، وتسيء وتفسد أكثر مما تصلح. يعني وُجد من يتصدى للردود على الأئمة من المتأخرين من المعاصرين، ويتمحل تضعيف الأحاديث التي اعتمدوا عليها في بناء بعض المسائل، ويطعن في رواة ماتوا من قرون، من أجل ماذا؟

طالب: .......

أن ينصر مذهبه، ويسقط القول الآخر بإسقاط دليله، ويستغل أدنى الشبه. الوَضَّاح أبو عوانة، اسمه الوضاح بن عبد الله اليشكري، أراد شخص من المعاصرين المتعصبين لبعض المذاهب أن يضعف حديثًا ورد من طريقه، الوضاح أبو عوانة مخرج له في الصحيحين وغيرهما، نعم. شخص جاز القنطرة من الثقات. فظفر بشيء ظنه خفي على كبار الأئمة، وهو خطأ مطبعي في كتاب، خطأ مطبعي في كتاب، بدل ما يكتب في الكتاب المطبوع: الوَضَّاح، صارت: الوضَّاع، فاستغل مثل هذا ليضعف الخبر! نعوذ بالله من الهوى.

طالب: .......

يبين العناد يظهره ويوضحه، نعم.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

في نسخة يثيره وهي معنا، الذي يثير هذا من كلام المعلق وهو أيضًا موجود فيه، والشيخ دراز فسر يبين بيثير وهي موجودة في إحدى الطبعات. نعم.

طالب: "والثالث: أن هذا الترجيح مُغر بانتصاب المخالف للترجيح بالمثل أيضًا، فبينا نحن نتتبع المحاسن صرنا نتتبع القبائح من الجانبين، فإن النفوس مجبولة على الانتصار لأنفسها ومذاهبها وسائر ما يتعلق بها، فمن غَض من جانب صاحبه غض صاحبه من جانبه، فكأن المرجحُ لمذهبه على هذا الوجه".

ماذا؟

 "فكأن المرجحَ".

طالب: "فكأن المرجحَ لمذهبه"، "فكأنَّ" أحسن الله إليك، ظننتها (كان).

نعم.

طالب: "فكأنَّ المرجحَ لمذهبه على هذا الوجه غاض من جانب".

ماذا على الحاء؟ كأن عليها مثلين شكلين.

طالب: .......

"فكأنَّ" واضحة، لكن "المرجح"؟

طالب: "فكأنَّ المرجحَ لمذهبه على هذا الوجه غاض من جانب مذهبه".

من قرأ في كتب التواريخ وجد مناوشات، مثل تاريخ ابن كثير أو قبله تاريخ الخطيب، مناوشات بين أتباع المذاهب، كل واحد ينتصر لمذهبه ويضع المذهب الآخر، وهذا لا شك أنه لو سلمت النوايا والمقاصد ما حصل مثل هذا، ولا يُسند مثل هذا إلى الأئمة أو حتى إلى أهل الرسوخ من أهل هذه المذاهب، أتباع يستوشون الأمور.

 الآن عندنا على في وقتنا هذا وبين تلاميذ الشيوخ الذين يقرءون الناس العلم، انظر ماذا يُكتب عنهم بتويتر وماذا يقولون؟ نفس الشيء، ما أشبه الليلة بالبارحة! نعم. وبدايتها قال: شيخنا أعلم من شيخك، أو شيخنا يفعل كذا، وشيخك ما يسوي كذا، ثم شبت بينهم، ولكل قوم وارث، والشيوخ في غفلة عن هذا كله.

طالب: "فكأن المرجح لمذهبه على هذا الوجه غاض من جانب مذهبه، فإنه تسبب في ذلك".

لأنه هو الذي تسبب في ذمه، لما ذم المذهب أرباب المذهب المذموم ذموا مذهبه وذموا إمامه معه، مثل ما جاء في: «لعن الله من لعن والديه»، هل هو لعن بالفعل لعن والديه؟ لا، ولكن: «سب أبا الرجل فسب أباه، وسب أمه فسب أمه»، وهذا شاحن في ذم الشافعي، فجاء الشافعي فذم الحنفي، وهكذا، والله المستعان..

طالب: "فإنه تسبب في ذلك كما في الحديث".

المشكلة أن بعض الأمور وصلت إلى الأعراض، نسأل الله العافية، يعني تعدت مسألة العلم، وتعدت مسألة الفهم والقدرة على الإيصال، لا، تعدت، نسأل الله العافية.

طالب: "فإنه تسبب في ذلك كما في الحديث: «إن من أكبر الكبائر أن يسب الرجل والديه». قالوا: وهل يسب الرجل والديه؟ قال: «يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه»، فهذا من ذلك. وقد منع الله أشياء من الجائزات لإفضائها إلى الممنوع، كقوله: {لَا تَقُولُوا رَاعِنَا} [البقرة: 104]، وقوله: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الأنعام: 108] الآية، وأشباه ذلك".

ولذا جاءت الشريعة بسد الذرائع.

طالب: "والرابع: أن هذا العمل مورث للتدابر والتقاطع بين أرباب المذاهب، وربما نشأ الصغير منهم على ذلك حتى يرسخ في قلوب أهل المذاهب بُغض من خالفهم فيتفرقوا شيعًا، وقد نهى الله تعالى عن ذلك وقال: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا} [آل عمران: 105] الآية، وقال: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام: 159]. وقد مر تقرير هذا المعنى قبل، فكل ما أدى إلى هذا ممنوع، فالترجيح بما يؤدي إلى افتراق الكلمة وحدوث العداوة والبغضاء ممنوع. ونقل الطبري عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-".

وسبق أن قرر المؤلف -رحمه الله- أن اختلاف الصحابة ليس من هذا النوع، وأنه لا يترتب عليه بغضاء ولا شحناء، ولم يكونوا شيعًا، وهكذا الاختلاف بين الأئمة.

طالب: "ونقل الطبري عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وإن لم يصحّح سنده، أنه لما أرسل الحَطِيئة من الحبس في هجائه".

لأنه مرسل، "لما أرسل الحُطَيْئة".

طالب: "الحُطَيْئة" أحسن الله إليك.

"أرسله" يعني أطلقه من الحبس، حبسه؛ لأنه هجا الزبرقان، ما ترك أحدًا ما هجاه! هجا نفسه، وهجا أمه، وهجا أباه، ما ترك أحدًا، وزوجته لا شك، فحبسه عمر -رضي الله عنه-، ثم استرحم بالقصيدة المعروفة، فأرسله يعني أطلقه من الحبس، ونصحه.

طالب: "أنه لما أرسل الحُطَيْئة من الحبس في هجاء الزَّبْرَقان بن بدر، قال له: إياك والشعر. قال: لا أقدر يا أمير المؤمنين على تركه، مأكلة عيالي ونملة على لساني".

نعم. "نملة"، ما يستطيع أن يتركه، مثل ما يقولون: حكته لسانه!

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

كيف "نملة"؟

طالب: .......

لا "نملة على لساني" تدب وتمشي وأنت لو ما قصدت.

طالب: "قال: فشبِّب بأهلك، وإياك وكل مِدحة مُجحفة. قال: وما هي؟ قال: تقول: بنو فلان خير من بني فلان، امدح ولا تُفضل. قال: أنت يا أمير المؤمنين أشعر مني".

يعني أعرف بمقاصد الشعر مني.

طالب: "فإن صح هذا الخبر وإلا فمعناه صحيح".

هو مرسل على كل حال، ولا يُطلب فيه أجود الأسانيد في مثله.

طالب: "وإلا فمعناه صحيح؛ فإن المدح إذا أدى إلى ذم الغير كان مجحفًا، والعوائد شاهدة بذلك.

 والخامس: أن الطعن والتقبيح في مساق الرد أو الترجيح ربما أدى إلى التغالي والانحراف في المذاهب، زائدًا إلى ما تقدم، فيكون ذلك سبب إثارة الأحقاد الناشئة عن التقبيح الصادر بين المختلفين في معارض الترجيح والمحاجة.

    قال الغزالي في بعض كتبه: أكثر الجهالة إنما رسخت في قلوب العوام بتعصب جماعة من جهال أهل الحق، أظهروا الحق في معرض التحدي والإدلاء، ونظروا إلى ضعفاء الخصوم بعين التحقير والازدراء، فثارت من بواطنهم دواعي المعاندة والمخالفة، ورسخت في قلوبهم الاعتقادات الباطلة، وتعذر على العلماء المتلطفين محوها مع ظهور فسادها، حتى انتهى التعصب بطائفة إلى أن اعتقدوا أن الحروف التي نطقوا بها في الحال بعد السكوت عنها".

العلماء الراسخون يتلطفون في تغيير ما حصل من فساد بسبب هؤلاء الجهال، يتلطفون ويعتذرون ويبدون محاسن من حصل له شيء من الذم أو السب، من أجل أن تعود الأمور كما يقال إلى مجاريها، لكن قد يكون الأمر أعظم والإفساد أكبر، لكن على العالم وطالب العلم أن يسعى في الإصلاح لا في الإفساد.

طالب: "حتى انتهى التعصب بطائفة إلى أن اعتقدوا أن الحروف التي نطقوا بها في الحال بعد السكوت عنها طول العمر قديمة، ولولا استيلاء الشيطان بواسطة العناد والتعصب للأهواء لما وجد مثل هذا الاعتقاد مستقرًّا في قلب مجنون فضلاً عن قلب عاقل".

لكنه الإلزام، نطق بشيء فألزم به، أو قُبح من أجله فالتزم بما فوقه وما هو أشنع منه، يعني مثل ما قلنا في مقالة من قال: سبحان ربي الأسفل، مثله، استدراج، عُومل معاملة فيها شيء من السخرية والسب فالتزم بها وما هو أشد منها، وهكذا، والله المستعان.

طالب: "هذا ما قال، وهو الحق الذي تشهد له العوائد الجارية. وقد جاء في حديث الذي لطم وجه اليهودي القائل: والذي اصطفى موسى على البشر، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- غضب وقال: «لا تفضلوا بين الأنبياء»، أو: «لا تفضلوني على موسى»، مع أن النبي- صلى الله عليه وسلم- جاء بالتفضيل أيضًا".

التفضيل منصوص عليه في القرآن: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة: 253]، وجاء عنه -عليه الصلاة والسلام- في الصحيح: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر»، ثم جاء النهي عن التفضيل. فالعلماء قالوا: إن التفضيل المنهي عنه الذي يتضمن تنقص المفضول، أو إذا كان المفضول بصدد أن يُتنقص؛ لأنه بدر منه ما يفهمه بعض الناس أنه نقص، أو هو بالنسبة لمقامه قد يُحمل على أنه نقص؛ لأنه من باب خلاف الأولى. فلا شك أن التفضيل وارد في النصوص الصحيحة وفي القرآن، ولكن يُتحاشى مثل هذا التفضيل؛ لئلا يسترسل المفضل فيتنقص المفضول.

طالب: "فذكر المازري في تأويله عن بعض شيوخه أنه يحتمل أن يريد: لا تفضلوا بين أنبياء الله تفضيلاً يؤدي إلى نقص بعضهم، قال: وقد خرج الحديث على سبب، وهو لطم الأنصاري وجه اليهودي، فقد يكون -عليه الصلاة والسلام- خاف أن يُفهم من هذه الفعلة انتقاص حق موسى -عليه السلام-، فنهى عن التفضيل المؤدي إلى نقص الحقوق. قال عياض: وقد يَحتمل أن يقول هذا وإن علم بفضله عليهم وأعلم به أمته".

نعم. يعني الرسول -عليه الصلاة والسلام- يعلم بفضله عليهم يعني على الأنبياء، وأخبر أمته بذلك الفضل. لكن نهاهم عن ذلك؛ ليقطع دابر الخوض في الأنبياء وأعراضهم ومقاماتهم، فمن باب حسم المادة قال: «لا تفضلوا بين الأنبياء».

طالب: "لكن نهاه عن الخوض فيه والمجادلة به؛ إذ قد يكون ذلك ذريعة إلى ذِكر ما لا يحب منهم عند الجدال، أو ما يُحدث في النفس لهم بحكم الضجر والمراء، فكان نهيه عن المماراة في ذلك كما نهى عنه في القرآن وغير ذلك. هذا ما قال، وهو حق، فيجب أن يُعمل به فيما بين العلماء، فإنهم ورثة الأنبياء".

يعني كذلك، حتى بين العلماء لا يفضل بينهم؛ لئلا يتطرق المفضل إلى تنقص المفضول.

طالب: "فصل: وأما إذا وقع الترجيح بذكر الفضائل والخواص والمزايا الظاهرة التي يشهد بها الكافة، فلا حرج فيه، بل هو مما لا بد منه في هذه المواطن، أعني: عند الحاجة إليه، وأصله من الكتاب قول الله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة: 253] الآية، بيَّن أصل التفضيل، ثم ذكر بعض الخواص والمزايا المخصوص بها بعض الرسل. وقال تعالى: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} [الإسراء: 55]، وفي الحديث من هذا كثير: كقوله لما سئل: من أكرم الناس؟ فقال: «أتقاهم». فقالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: «فيوسف، نبي الله ابن نبي الله نبي الله ابن خليل الله». قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: «فعن معادن العرب تسألوني؟ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا». وقال -عليه الصلاة والسلام-: «بينما موسى في ملأ من بني إسرائيل جاءه رجل، فقال: هل تعلم أحدًا أعلم منك؟ قال: لا. فأوحى الله إليه: بلى، عبدنا خضر». وفي رواية: «أن موسى قام خطيبًا في بني إسرائيل، فسئل: أي الناس أعلم؟ قال: أنا. فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه. قال له: بلى لي عبد»".

ما قال: الله أعلم، فنُبه بمقام الخضر والأمر بالذهاب إليه والإفادة منه.

طالب: "«قال له: بلى، لي عبد بمجمع البحرين هو أعلم منك» الحديث. واستَبَّ رجل من المسلمين ورجل من اليهود، فقال المسلم: والذي اصطفى محمدًا على العالمين -في قسم يُقسم به- فقال اليهوديُّ: والذي اصطفى موسى على العالمين... إلى أن قال -عليه الصلاة والسلام-: «لا تُخيروني على موسى، فإن الناس يُصعقون، فأكون أول من يفيق، فإذا موسى آخذ بجانب العرش، فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق، أو كان ممن استثنى الله». وفي رواية: «لا تفضلوا بين الأنبياء، فإنه ينفخ في الصور...» الحديث".

في بعض الروايات: «أم جوزي بصعقة الطور»، يعني ما صعق مع الناس؛ لأنه جوزي بصعقة الطور.

طالب: "فهذا نفي للتفضيل مستند إلى دليل، وهو دليل على صحة التفضيل في الجملة إذا كان ثَم مرجح".

لكن يبقى أن التفضيل بمزية واحدة، لا يعني التفضيل الإجمالي من جميع الوجوه. ولا شك أن محمدًا -عليه الصلاة والسلام- أشرف الخلق وأفضل الخلق.

طالب: اللهم صلِّ وسلم على محمد.

وأكرمهم على الله، لكن كون إبراهيم يُكسى قبله يوم القيامة، أو موسى يُبعث قبله، في مزية واحدة، في فضيلة واحدة، في خصيصة واحدة، لا يعني أنه أفضل منه إجمالاً. فمحمد -عليه الصلاة والسلام- خصائصه ومزاياه وفضائله التي فاق بها غيره لا يمكن أن يدانيها فيها أحد.

طالب: "وقال: «كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام». وقال للذي قال له: يا خير البرية: «ذاك إبراهيم». وقال في الحديث الآخر: «أنا سيد ولد آدم». وأشباهه مما يدل على تفضيله على سائر الخلق، وليس النظر هنا في وجه التعارض بين الحديثين، وإنما النظر في صحة التفضيل ومساغ الترجيح على الجملة، وهو ثابت من الحديثين، وقال: «خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم»".

وفي رواية: «خير الناس قرني»، أو «القرن الذي بُعثت فيه»، أو «خيركم قرني»، في ألفاظ متعددة.

طالب: "وقال ابن عمر: كنا نخير بين الناس في زمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فنخير أبا بكر ثم عمر ثم عثمان. وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة، وهم عبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام: إذا اختلفتم أنت وزيد بن ثابت في شيء من القرآن، فاكتبوه بلسان قريش".

يعني من حيث الرسم والكتابة، لا أنهم يختلفون في ثبوت شيء منه، فهذا أمر مقطوع به، ولا يقبل الخلاف.

طالب: "فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم. ففعلوا ذلك.
وقال -عليه الصلاة والسلام-: «خير دور الأنصار بنو النجار، ثم بنو عبد الله الأشهل، ثم بنو الحارث بن الخزرج، ثم بنو ساعدة، وفي كل دور الأنصار خير». وقال: «أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في الله عمر، وأصدقهم حياءً عثمان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أُبي بن كعب، ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح».

 وقال عبد الرحمن بن يزيد: سألنا حذيفة عن رجل قريب السمت والهدي من النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى نأخذ عنه، فقال: ما أعرف أحدًا أقرب سمتًا وهديًا ودلًّا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- من ابن أم عبد".

رضي الله عنه وأرضاه.

طالب: "ولما حضر معاذًا الوفاة، قيل له: يا أبا عبد الرحمن! أوصنا. قال: أجلسوني. قال: إن العلم والإيمان مكانهما، من ابتغاهما وجدهما. يقول ذلك ثلاث مرات. والتمسوا العلم عند أربعة رهط، عند عويمر أبي الدرداء، وعند سلمان الفارسي، وعند عبد الله بن مسعود، وعند عبد الله بن سلام... الحديث".

وكل هذا فيه نوع تفضيل.

طالب: "وقال -عليه الصلاة والسلام-: «اقتدوا باللَّذَينِ من بعدي: أبي بكر، وعمر» ".

رضي الله عنهما.

طالب: "وما جاء في الترجيح والتفضيل كثير لأجل ما ينبني عليه من شعائر الدين".

والعلماء يذكرون في مناقب الأئمة التي أُلفت فيهم بعض المرجحات لبعضهم على بعض سواء كانت إجمالية أو تفصيلية؛ لأن الترجيح في المسائل العلمية قد يتعذر من خلال طرق الترجيح المعروفة للمسائل ذاتها، فيرجحون بين الأقوال باعتبار القائلين، يعني إذا استغلق الأمر في المسألة فيرجحون باعتبار القائلين؛ لأن هذا الإمام أعلم، وأورع، وأتقى لله، وأوسع مثلاً اطلاعًا وأبعد نظر يعني المسائل، فمن تعذر عليه الترجيح من خلال المسائل أنفسها رجح ولو باعتبار القائلين، فيحتاجون إلى بيان فضائل لبعض الأئمة التي من خلالها يترجح بها على غيرها.

طالب: "وجميعه ليس فيه إشارة إلى تنقيص المرجوح، وإذا كان كذلك، فهو القانون اللازم والحكم المنبرم الذي لا يتعدى إلى سواه".

وهو التفضيل.

طالب: "وكذلك فعل السلف الصالح.

فصل: وربما انتهت الغفلة أو التغافل بقوم ممن يشار إليهم في أهل العلم أن صيَّروا الترجيح بالتنقيص تصريحًا أو تعريضًا دأبَهم، وعمروا بذلك دواوينهم، وسودوا به قراطيسهم، حتى صار هذا النوع ترجمةً من تراجم الكتب المصنفة في أصول الفقه أو كالترجمة، وفيه ما فيه مما أشير إلى بعضه، بل تطرق الأمر إلى السلف الصالح من الصحابة فمن دونهم، فرأيت بعض التآليف المؤلَّفة في تفضيل بعض الصحابة على بعض على منحى التنقيص بمن جعله مرجوحًا وتنزيه الراجح عنده مما نسب إلى المرجوح عنده، بل أتى الوادي فطَمَّ على القرى، فصار هذا النحو مستعملاً فيما بين الأنبياء".

نسأل الله العافية، وهذا ما زال موجودًا للتنقيص مما يسمى في اللغة الدارجة بين المثقفين: الصعود على الأكتاف.

 يسأل عن زيد من الناس فيذمه ويتنقصه؛ لأنه على حد زعمه وظنه أنه لن يرتقي في عين السائل حتى يُنقص قرينه أو زميله. مع أنه إذا مدحه بما فيه، وأثنى عليه، وقصده بذلك أن يقتدى به، ويؤخذ بما يوجه إليه، كان أجره عظيمًا عند الله -جل وعلا-؛ لأنه نشر لمحاسن هذا الشخص الذي يُقتدى به، ويؤخذ من علمه. ولكن بعض النفوس الرديئة التي تظن أنها لا يمكن أن تصعد إلا على حساب فلان أو علان، هؤلاء حياتهم في حقيقتها مرة، نسأل الله العافية.

طالب: "فصار هذا النحو مستعملاً فيما بين الأنبياء، وتطرق ذلك إلى شرذمة من الجهال، فنظموا فيه ونثروا، وأخذوا في ترفيع محمد -عليه الصلاة والسلام- وتعظيم شأنه بالتخفيض من شأن سائر الأنبياء، ولكن مستندين إلى منقولات أخذوها على غير وجهها، وهو خروج عن الحق، وقد علمت السبب في قوله -عليه الصلاة والسلام-: «لا تفضلوا بين الأنبياء»، وما قال الناس فيه، فإياك والدخول في هذه المضايق، ففيها الخروج عن الصراط المستقيم. وأما الترجيح الخاص، فلنفرد له مسألة على حدة، وهى: المسألة الرابعة".

اللهم صلِّ على محمد.

 اللهم صلِّ وسلم على البشير النذير.

* * *

طالب: .......

لا، الترك ما يترك، مثل هذا يؤخذ منه بقدر ما يفيد، ويحذر منه بما عنده من المخالفات، وإن وُجد غيره مما لا مطعن فهو أولى بلا شك؛ لأن هذا العلم دين، فانظر عمن تأخذ دينك.

طالب: .......

لا.

طالب: .......

لا، أنت ما عليك من أصحابها، ما عليك منها، المذاهب الضالة تنقض، مثل ما فعل شيخ الإسلام ابن تيمية، وتكلم في أصحابها بقدر الحاجة.

طالب: .......

نعم، هذا إذا خشيت على أن يُسب الحق، فإنه لا يجوز لك أن تسب من يتسبب في سب الحق أو تسب معبوده.

طالب: .......

نعم، ضعيف، لكن مثله ما يُتتبع ولا يستقصى.