شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الحج - 12

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة ضمن برنامجكم شرح كتاب الحج ضمن شرح التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

مع بداية حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: فضيلة الشيخ، في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- كنا توقفنا عند مسألة ميقات أهل مكة بالنسبة للعمرة والحج، وعدنا الإخوة أن نعيد أطراف الموضوع لنستكمله -بإذن الله- في هذه الحلقة.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد.

عرفنا فيما تقدم ترجمة الإمام البخاري على حديث ابن عباس بقوله: باب مهل أهل مكة للحج والعمرة، ويسوي بينهما، وأن مهلهم من مكة، استنادًا إلى قوله -عليه الصلاة والسلام-: «حتى أهل مكة من مكة» فالحديث بعمومه يشمل الحج والعمرة، فظاهر الترجمة أن البخاري -رحمه الله تعالى- يرى أن المكي حكمه ذلك في النسُكين، فلا يلزمه الخروج إلى الحل ليحرم سواء كان في حج أو عمرة. الصنعاني في سبل السلام يقول: اعلم أن قوله: «حتى أهل مكة من مكة» يدل على أن ميقات عمرة أهل مكة مكة كحجهم، وكذلك القارن منهم ميقاته مكة، لكن الحديث محمول عند الجمهور كما ذكرنا سابقًا على الحاج خاصة، وأما المعتمر فيجب عليه أن يخرج إلى أدنى الحل؛ ليجمع في إحرامه بين الحل والحرم.

 وذكرنا أن المحب الطبري قال: إنه لا يعلم أحدًا جعل مكة ميقاتًا للعمرة، وذكرنا كلام ابن عباس في المسألة وقوله: يا أهل مكة من أراد منكم العمرة فليجعل بينه وبينها -يعني بينه وبين مكة- بطن محسر، يعني: يخرج إلى الحل، وقال أيضًا: من أراد من أهل مكة أن يعتمر خرج إلى التنعيم، ويجاوز الحرم، وثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يعمر أخته عائشة من التنعيم، يعمر عائشة من التنعيم، الصنعاني وهو يرى رأي البخاري أجاب عن قول الطبري: لا أعلم أحدًا جعل مكة ميقاتًا للعمرة أجاب عنه الصنعاني بأنه -صلى الله عليه وسلم- جعل مكة ميقاتًا لها بهذا الحديث، يقول: وما روي عن ابن عباس آثار موقوفة لا تقاوم المرفوع.

المقدم: هذا رأي الصنعاني.

وهذه كثير ما يرددها الصنعاني والشوكاني، آثار موقوفة لا تقاوم المرفوع، لكنهم حينما يحتاجون هذه الآثار.

المقدم: يتشبثون بها.

يحتجون بها.

"وأما ما ثبت من أمره -عليه الصلاة والسلام-" هذا من كلام الصنعاني "وأما ما ثبت من أمره -صلى الله عليه وسلم- لعائشة بالخروج إلى التنعيم لتحرم بعمرة، فلم يكن إلا لتطييب قلبها بدخولها مكة معتمرة كصواحباتها؛ لأنها أحرمت بالعمرة معه، ثم حاضت فدخلت مكة، ولم تطف بالبيت كما طفن، كما يدل قولها: قلت: يا رسول الله يصدر الناس بنسُكين، وأصدر بنسك واحد! قال: «انتظري فاخرجي إلى التنعيم فأهلي منه» الحديث.

 فهو يرى أن إخراجها إلى التنعيم لا لأن الإحرام يجب من التنعيم، وإنما لتدخل محرمة كصواحباتها من الحل إلى الحرم، تأتي بعمرة مستقلة أحرمت لها من الحل، هذا كلامه، لكن يقول: فإنه يحتمل أن معناها إنما أرادت أن تشابه الداخلين من الحل إلى مكة بالعمرة، ولا يدل على أنها لا تصح العمرة إلا من الحل لمن صار في مكة، ومع هذا الاحتمال لا يقاوم حديث الباب، حديث الباب صريح، وهذا احتمال، لكن من جهة أخرى أن حديث الباب عام، وحديث الأمر بخروجها إلى التنعيم ...

المقدم: خاص.

خاص، أقول: عندي أن خبر عائشة من أقوى الأدلة للجمهور؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- لا يمكن أن يحبس صحابته انتظارًا لعائشة مع كونها يجزئها أن تحرم من مكانها، هذه المسألة بعد حج بعد أداء نسك، بعد تعب.

المقدم: والناس يتشوفون للذهاب.

نعم، ويحبسهم إلى آخر الليل ينتظرون عائشة تحرم من التنعيم وليس هذا بواجب! يعني يكفيها أن يجبر خاطرها أن تأتي بعمرة، كونهم أحرموا من الميقات لعمرتهم هي أحرمت من الميقات لحجها، يعني دخلت مكة محرمة، يبقى الفرق بين صنيعها وصنيعهم أن غيرها من صواحباتها أتينا بعمرة مستقلة، وهي أتت بعمرة داخلة في الحج؛ لأنها لما حاضت ...

المقدم: قال: «افعلي كما يفعل الحاج».

نعم «غير ألا تطوفي بالبيت» وضاق عليها الوقت فأدخلت الحج على العمرة، فصارت قارنة، فهي تريد أن تأتي بعمرة مستقلة كصواحباتها، أما كونها تحرم من الحل، وتدخل الحرم محرمة هي فعلت ذلك مثل صواحباتها، ولا فرق بين فعلها وفعلهم، إنما الذي جبر به خاطرها كونه أنتظرها لتأتي بعمرة، أما كونه -عليه الصلاة والسلام- يخرجها إلى الحل هذا يدل ...

المقدم: هذا يدل ....

هذا يدل على أنه لا بد منه.

أقول: ويكفي في جبر خاطرها وتطييبه أن تأتي بعمرة مفردة كصواحباتها، ولما حبس نفسه -عليه الصلاة والسلام- وصحابته علم أن ذلك أمر لا بد منه.

إذا عرفنا هذا، فهل يتعين الإحرام من التنعيم أو يكفي غيره من جهات الحل؟ يعني رأينا في بعض المناسك المطبوعة وضعوا جداول للمواقيت، وجعلوا التنعيم ميقات العمرة بالنسبة للمكي، يعني مثل ذي الحليفة ميقات أهل المدينة، الجحفة ميقات أهل الشام، يلملم ميقات أهل اليمن.

المقدم: قرن المنازل.

قرن المنازل ميقات.

المقدم: أهل نجد.

أهل نجد، وذات عرق ميقات أهل العراق، والتنعيم عمرة.

المقدم: مكة.

أهل مكة لمن أراد العمرة، ميقات أهل مكة لمن أراد العمرة، فجعلوه بإزائها، كأنه ميقات محدد كغيره كالمواقيت التي حددت، فأقول: إذا عرف هذا فهل يتعين الإحرام من التنعيم أو يكفي غيره من جهات الحل؟ قال ابن حجر: روى الفاكهي وغيره من طريق محمد بن سيرين قال: بلغنا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقت لأهل مكة التنعيم، ومن طريق عطاء قال: من أراد العمرة ممن هو من أهل مكة أو غيرها فليخرج إلى التنعيم، أو إلى الجعرانة فليحرم منها، وأفضل ذلك أن يأتي وقتًا، أي: ميقاتًا من مواقيت الحج، هذا كلام عطاء، فليس فيه ما يدل على أن التنعيم مقصود لذاته، وإنما المقصود عند أهل العلم أن يجمع في نسكه بين الحل والحرم، والأكثر على أن ميقات العمرة الحل، وإنما أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- عائشة بالإحرام من التنعيم؛ لأنه أيسر لها، فعرف بهذا أن ميقات أهل مكة للعمرة الحل، وأن التنعيم وغيره في ذلك سواء، وبهذا نعرف مناسبة الحديث للترجمة، بهذا الكلام كلام الإمام البخاري، وتأييد الصنعاني، واختلاف أهل العلم نعرف أن الترجمة التي ترجم بها البخاري ...

المقدم: باب مهل أهل مكة.

نعم، من مكة، للحج والعمرة، واستند إلى قوله في الحديث: "حتى" ... يعني دلالة قوله -عليه الصلاة والسلام-: «حتى أهل مكة من مكة» للترجمة واضح، يعني الربط واضح، لولا أنه عام وحديث عائشة ...

المقدم: خاص.

خاص، والخاص مقدم على العام، قوله: "وقتّ" أي: حدد، وأصل التوقيت أن يجعل للشيء وقت يختص به، ثم اتسع فيه فأطلق على المكان أيضًا، قال ابن الأثير: التوقيت والتأقيت الأصل أن المادة مهموزة أو واوية؟ وقت أو أقت؟ {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ} [المرسلات11] ومثله: ورخ وأرخ، فهل نقول: تأقيت أو توقيت؟

المقدم: وتأريخ.

وتأريخ أو توريخ؟ كل هذا مستعمل، يقول ابن الأثير: التوقيت والتأقيت أن يجعل للشيء وقت يختص به، وهو بيان مقدار المدة، يقال: وقّت الشيء بالتشديد يوقته ووقته بالتخفيف يقته إذا بين مدته، ثم اتسع فيه فقيل للموضع: ميقات، الأصل أن الميقات للزمان؛ لأنه من الوقت والوقت ماذا؟

المقدم: زمان.

زمان، لكن توسع في المادة، فأخذ منها ما يشمل المكان، وقال ابن دقيق العيد: قيل: إن التوقيت في اللغة التحديد والتعيين، فعلى هذا فالتحديد من لوازم الوقت، وفي شرح الكرماني: وقّت عيّن، والتوقيت التعيين، فلا يقال: إن ذا الحليفة هو الميقات المكاني لا الزماني فلمَ قال: وقّت؟ وقت: عيَّن، إذا أشربنا هذه المادة أو هذه الكلمة وقَّت عيَّن، معنى عين صارت شاملة للوقت والمكان، وهذا يسمونه تضمين.

المقدم: وأين الوقت هنا؟ الحج؟

إذا قلنا: وقت، وهذا ميقات، فما يخص المكان يكون للمكان، وما يخص الزمان، هذا ميقات زماني، وهذا ميقات مكاني.

"لأهل المدينة" أي: مدينته -عليه الصلاة والسلام- "ذا الحليفة" تقدم الكلام فيه "ولأهل الشام" قال ياقوت في معجمه: الشأم بفتح أوله وسكون همزته، والشأم بفتح همزته، مثل نهْر ونَهر، لغتان ولا تمد، يعني: ما يقال: شآم، وفيها لغة ثالثة وهي الشام بغير همز، كذا يزعم اللغويون، وقد جاءت في شعر قديم ممدودة: الشآم، وقد تذكر وتؤنث.

يقول أبو بكر الأنباري: في اشتقاقه وجهان: يجوز أن يكون مأخوذًا من اليد الشؤمى وهي اليسرى، ويجوز أن تكون فعلاء من الشؤم.

قال أبو القاسم: قال جماعة من أهل اللغة يجوز ألا يهمز فيقال: الشام، الشام يا هذا! فيكون جمع شامة، يعني: إذا نظرنا إلى الشام، وأنه مقابل لليمن بالنسبة للكعبة، شممنا من اللفظين أن الشأم مقابل اليمن، اليمن فيه اليُمن والتيمن واليمين، والشأم فيه ضده، فيكون هذا عن يمين الكعبة، وهذا عن شمالها، أبو القاسم يقول: فيكون جمع شامة، سُميت بذلك لكثرة قراها، وتداني بعضها من بعض، فشُبهت بالشامات، وقال أهل الأثر: سُميت الشام بسام بن نوح -عليه السلام-، وذلك أنه أول من نزلها فجعلت السين شينًا لتغير اللفظ العجمي، يعني كأنه تعريب.

المقدم: نعم.

وورد في فضائل الشام أحاديث، منها ما يثبت، ومنها ما لا يثبت، لكن في فضلها أحاديث صحيحة، وتقع بلاد الشام شمال جزيرة العرب، وتشمل سوريا والأردن وفلسطين ولبنان، هذا الأصل.

المقدم: حاليًا.

نعم.

الجحفة ...

المقدم: لكن الأحاديث الواردة في الشام بعامة، وفيها أحاديث خصت دمشق.

لو قلت: فيه أحاديث في دمشق وفي بيت المقدس، منها ما مقبول، ومنها ما هو مردود.

المقدم: الذين ألفوا أحسن الله إليكم ....

وفيها أيضًا: «إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم» صححه الألباني وغيره.

المقدم: المقصود بعامة.

نعم.

المقدم: وفيه من ألف في فضائل الشام، كتب ألفت في فضائل الشام.

الجحفة بضم الجيم وسكون المهملة هي قرية خربة بينها وبين مكة خمس مراحل أو ست، وفي قول النووي في شرح المهذب: ثلاث مراحل نظر، سُميت بذلك؛ لأن السيل اجتحفها وأجحف بها.

وتسمى مَهْيَعة كما في حديث ابن عمر الذي ذكره البخاري في مهل أهل نجد، ومهيعة بزنة علقمة، وقيل: مَهِيعَة بزنة لطيفة، وسيأتي في فضائل المدينة دعوة النبي -عليه الصلاة والسلام- للمدينة وفيه -في الحديث الذي فيه الدعوة-: «وانقل حماها إلى الجحفة» فاختصت بالحمى فلا ينزلها أحد إلا حُمّ، حتى قيل: إنه لو مر بها طائر حُمّ، أجيبت الدعوة النبوية، وكانت وقت الدعوة النبوية مسكنًا لليهود، قد يقول قائل: كيف تجعل ميقاتًا وفيها الحمى المذكورة؛ لأن مقتضى جعلها ميقاتًا أن يُمر بها ...؟

المقدم: وإذا مر بها أصابت ...

نعم.

المقدم: لأنه وقتت قبل ما ينقل إليها يا شيخ المرض، يُدعى بها.

لا.

المقدم: التوقيت جاء بعد.

بعد، نعم.

فإن قيل: كيف جعلت ميقاتًا وفيها الحمى المذكورة مع أن في ذلك ضررًا على المسلمين؟ أجيب بأن نقل الحمى إليها مدة مقام اليهود بها، كانت مسكنًا لليهود.

المقدم: أي نعم.

ثم زالت الحمى عنها بزوالهم، ثم بعد ذلك صارت ميقات، ولذا لها أثر الحمى الآن؟ ما لها، زالت بزوالهم، ووقع عند النسائي من حديث عائشة: "ولأهل الشام ومصر الجحفة" قال ابن حجر: هو المكان الذي يحرم منه المصريون الآن رابغ بوزن فاعل، بلد قريب من الجحفة.

"ولأهل نجد" أي: وقّت لأهل نجد، قال ابن حجر: نجد كل مكان مرتفع، وهو اسم لعشرة مواضع، والمراد منه هنا التي أعلاها تهامة واليمن، وأسفلها الشام والعراق.

قال العيني: النجد في اللغة ما أشرف من الأرض واستوى، ويُجمع على أنجد ونجود ونُجُد بضمتين، قال القزاز: سمي نجدًا لعلوه، القزاز صاحب كتاب؟

المقدم: القزاز، الجامع الذي ذكرناه قبل.

نعم، قال القزاز: سمي نجدًا لعلوه، وقيل: سمي بذلك لصلابة أرضه، وكثرة حجارته، وصعوبته، من قولهم: رجل نجد، إذا كان قويًّا شديدًا، والعادة أن أهل النجدة.

المقدم: أقوياء.

أهل قوة، الضعاف ما ينجدون أنفسهم فضلًا أن ينجدون غيرهم، وهي معروفة تشمل ما كان شرق الحجاز، ونجد العراق.

المقدم: نجد العراق الذي يدخل فيها أطراف العراق حاليًّا تعتبر من نجد.

نجد العراق، ما هو بنجد اليمامة، وما والاها.

المقدم: نعم.

قرن المنازل ...

المقدم: لكن يا شيخ حددت الآن عند أهل المعرفة أن حدود نجد كذا عند العرب.

هم عند العرب تعرف أن حدودهم ليست.

المقدمة: ليست دقيقة.

بالدقة مثلما يعمله الجغرافيون الآن في خرائطهم وفي نسبهم، ليست دقيقة، يقولون مثلًا: فيد موضع بين مكة والبصرة.

المقدم: نعم أين مكة أين البصرة؟

نعم، هذه طريقتهم في التحديد، لكن هم باعتبار الحاج من البصرة لا بد أن يمر مع هذا الطريق.

المقدم: فيعرفها.

فيقع على هذا المكان.

المقدم: لكن يصح بعض الآثار فيما أذكر من أرضى فقد أنجد أو كذا، يعني: من وصل إلى رضوه فكأنما دخل إلى نجد، وهو عائد من مكة، كأني أذكر أثرًا قريبًا من هذا.

هو معروف أن من أنجد يعني دخل في نجد.

المقدم: نعم.

وأتهم دخل في تهامة، لكن هذه الحدود لا شك أنها معروفة حدودها عند أهلها، لكن الذي يتحدث عنها من غير أهلها، مثل ياقوت في معجم البلدان يقول مثل هذا الكلام، يعني: يحدد نجدًا بين مثل ما قالوا هنا، التي أعلاها تهامة واليمن، وأسفلها الشام والعراق، حتى إن بعضهم يجعل الطائف من نجد، المقصود أن هذه أمور أمرها يسير، وكانت تحديداتهم ليست مبنية على الدقة، ومسافاتهم بالمراحل، مرحلتين، ثلاث مراحل.

"قرن المنازل" المنازل بلفظ جمع المنزل، وقرن المنازل من المتضايفين، قرن مضاف، والمنازل مضاف إليه، اسم المكان، ويقال: قرن بلا إضافة، وهو بإسكان الراء بعدها نون، وضبطه الجوهري في صحاحه بفتح الراء، وغلطوه، يعني: أخطأ هنا الجوهري فقال: قرَن، وجعل منه أويس القرَني، فأخطأ في أمرين: في الضبط.

المقدم: وفي النسبة.

وفي النسبة، قرَن قبيلة.

وغلطوه، وبالغ النووي فحكى الاتفاق على تخطئته في ذلك، لكن حكى القاضي عياض عن القابسي: أن من قاله بالإسكان أراد الجبل، ومن قاله بالفتح أراد الطريق، والجبل المذكور بينه وبين مكة مرحلتان، وهناك قرن آخر يقال له: قرن الثعالب، ذكر الفاكهي في أخبار مكة أن قرن الثعالب جبل مشرف على أسفل منى بينه وبين مسجد منى ألف وخمسمائة ذراع، يعني ما يقرب من كيلو إلا ربعًا، وقيل له: قرن الثعالب لكثرة ما كان يأوي إليه من الثعالب، وليس من المواقيت، وقد غلط صاحب المصباح حيث قال: وقرن بالسكون ميقات أهل نجد، وهو جبل مشرف على عرفات، ويقال له: قرن المنازل وقرن الثعالب، المصباح لمن؟ المصباح المنير؟ نقلنا عنه كثيرًا.

المقدم: نعم.

نعم.

المقدم: المصباح المنير.

نعم، هذا موضوع الكتاب غريب كتاب الرافعي شرح الوجيز، قلنا مرارًا: إن الفقهاء لهم عناية بغريب كتبهم.

المقدم: نعم، نعم.

نعم، النووي ألف تهذيب اللغات في تهذيب الأسماء وتهذيب اللغات، وهذا ألف المصباح المنير، والبعلي ألف المطلِع على أبواب المقنع، المطرزي ألف المغرب تبع الحنفية، وهكذا، فهذا في غريب الرافعي الكبير، ويقال له: قرن المنازل وقرن الثعالب.

يقول الشيخ عبد الله بن جاسر في منسكه مفيد الأنام: قرن المنازل هو ميقات أهل نجد، وهو معروف مشهور، ويسمى الآن بالسيل الكبير.

 ابن جاسر له منسك اسمه: مفيد الأنام ونور الظلام، منسك في جزأين، في تحرير الأحكام لحج بيت الله الحرام، في جزأين، منسك جامع، لكنه قابل للاختصار؛ لأنه ينقل الكلام من كتاب، من كتب مثلًا الحنفية، وينقل من كتاب آخر نفس الكلام، وهكذا من كتب الحنابلة بكثرة، فهو قابل للاختصار، والمنسك فيه فوائد عظيمة جدًّا؛ لأن الشيخ اشترك في لجان.

المقدم: وقفت.

كلفت من قبل الدولة، وقفت على المشاعر، وحددتها بدقة، وأثبت هذا في منسكه، فالكتاب مهم جدًّا لطالب العلم.

المقدم: أحسن الله إليكم، فضيلة الدكتور، لعلنا نستكمل -بإذن الله- ما تبقى في حلقة قادمة، وأنتم على خير.

أيها الإخوة والأخوات شكرًا لطيب متابعتكم، لقاؤنا بكم -بإذن الله- في حلقة قادمة لاستكمال شرح حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.

 حتى نلقاكم نستودعكم الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.