التعليق على الموافقات (1436) - 18

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

طالب: أحسن الله إليك. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- إتمامًا للمسألة الثانية: "فصل: ويتبين من هذا أن لكراهية السؤال مواضع، نذكر منها عشرة مواضع؛ أحدها: السؤال عما لا ينفع في الدين، كسؤال عبد الله بن حذافة: من أبي؟ وروي في التفسير أنه -عليه الصلاة والسلام- سئل: ما بال الهلال يبدو رقيقًا كالخيط، ثم لا يزال ينمو حتى يصير بدرًا، ثم ينقص إلى أن يصير كما كان؟ فأنزل الله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ} [البقرة: 189] الآية إلى قوله: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} [البقرة: 189]، فإنما أجيب بما فيه من منافع الدين".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فقد تقدم في كلام المؤلف -رحمه الله تعالى- أن السؤال جاء ما يدل على أنه مطلوب، كما في قوله -جل وعلا-: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} [النحل: 43]، وجاء ما يدل على النهي عنه، وأنه غير مرغوب فيه، وأن الصحابة نُهوا عن ذلك: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ} [المائدة: 101]، وينزل الطلب على حال، والنهي على حال، وهذا كله تقدم في كلام المؤلف -رحمه الله تعالى-، ولذلك يذكر المؤلف في هذا الفصل عشرة مواضع يُكره فيها السؤال، منها ما ذكره في الموضع الأول: السؤال عما لا ينفع في الدين. كثير من الناس عنده أسئلة لا فائدة فيها، ولذا جاء في أسلوب العرب ما يسمى بأسلوب الحكيم، وهو أن الإنسان إذا سأل عن شيء لا ينفعه يُجاب بما ينفعه، ونزلوا على ذلك قوله -جل وعلا-: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189]، هذا المهم، أما كون ماهية الأهلة وكيف تنشأ؟ وممَ أنشئت؟ هذه لا يستفيد منها المكلف شيئًا.

 وسؤال عبد الله بن حذافة عن أبيه، امرؤ أنت شخص وستر الله عليك، وما يدريك لعل الجواب يسوؤك, لكن كان الجواب مطابقًا للواقع، وأن أباه كان حذافة. لكن لو قُدر أن امرأة من أمهات الصحابة ممن أسلم وكانت في جاهليتها قد حصل لها شيء مما هو دون الشرك الذي تلبست به ثم افتُضحت مثلاً ثم سأل عنه، هذا شيء يسوء بلا شك، وهذا مستمر إلى يوم القيامة، ثبت بالاستفاضة أنك ابن فلان يكفي وترتب عليه الأحكام. أما أن يسأل الإنسان: من أبوه؟ من أمه؟ الأم لا يُختلف فيها؛ لأنها التي ولدته، لكن الأب قد يحصل شيء أو يُسأل عن شيء يكون الجواب في غاية السوء ويلحقه العار بسببه إلى أن يموت. فمثل هذا لا يُسأل عنه، ولا ينبغي السؤال عنه.

طالب: "والثاني: أن يسأل بعد ما بلغ من العلم حاجته، كما سأل الرجل عن الحج: أكل عام؟ مع أن قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] قاضٍ بظاهره أنه للأبد لإطلاقه. ومثله سؤال بني إسرائيل بعد قوله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67]".

في قوله -جل وعلا-: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97]، يتأدى هذا الواجب بمرة، وإن كان الظاهر يحتمل، لكن الواجب يتأدى بمرة، فلماذا يُسأل: أكل عام؟ ومثله سؤال بني إسرائيل عن البقرة، عن سنها، عن لونها، عن ماهيتها، لو سكتوا واستجابوا لأول مرة وذبحوا أي بقرة صادفتهم لكفت، ولما تعنتوا في الأسئلة وشددوا شُدد عليهم.

طالب: "والثالث: السؤال من غير احتياج إليه في الوقت، وكأن هذا -والله أعلم- خاص بما لم ينزل فيه حكم، وعليه يدل قوله: «ذروني ما تركتكم»، وقوله: «وسكت عن أشياء رحمةً لكم لا عن نسيان، فلا تبحثوا عنها».

 والرابع: أن يسأل عن صعاب المسائل وشرارها، كما جاء في النهي عن الأغلوطات".

وهذا تقدم، كل هذا تقدم.

طالب: "والخامس: أن يسأل عن علة الحكم، وهو من قبيل التعبدات التي لا يُعقل لها معنًى، أو السائل ممن لا يليق به ذلك السؤال، كما في حديث قضاء الصوم دون الصلاة".

لما قالت لعائشة: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت: «أحرورية أنت؟»، يعني أنت من الخوارج أهل حروراء الذين يلزمون الحائض بقضاء الصلاة كالصوم؟ نعم. لكن المسلم إذا أذعن بالحكم ورضي به واطمأن إليه ولم يكن عنده فيه أدنى تردد، ثم سأل عن وجه الفرق بين الصوم والصلاة، وأجيب بأن الصلاة تتكرر في اليوم خمس مرات، والصيام شهر في السنة، لا يدخل في مثل هذا.

طالب: "والسادس: أن يبلغ بالسؤال إلى حد التكلف والتعمق، وعلى ذلك يدل قوله تعالى: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86]، ولما سأل الرجل: «يا صاحب الحوض! هل ترد حوضك السباع؟ قال عمر بن الخطاب: يا صاحب الحوض! لا تخبرنا، فإنا نرد على السباع وترد علينا»".

لأن هذا تعنت وتعمق، والأصل الطهارة، فالإنسان يمشي على الأصل حتى يرد ما يخالف هذا الأصل ويرفعه.

طالب: "والسابع: أن يظهر من السؤال معارضة الكتاب والسنة بالرأي، ولذلك قال سعيد: أعراقي أنت؟ وقيل لمالك بن أنس: الرجل يكون عالمًا بالسنة، أيجادل عنها؟ قال: لا، ولكن يخبر بالسنة، فإن قُبلت منه وإلا سكت".

طالب: .......

نعم.

طالب: .......

تقدم، متى تجب الإجابة؟ ومتى تستحب؟ ومتى تمنع؟ بالدرس الماضي.

طالب: "والثامن: السؤال عن المتشابهات، وعلى ذلك يدل قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ} [آل عمران: 7] الآية، وعن عمر بن عبد العزيز: من جعل دينه غرضًا للخصومات، أسرع التنقل".

نعم. وهذا ظاهر في أهل الأهواء الذين ينتقلون من مذهب إلى مذهب؛ وذلك لعدم الثبات والرسوخ؛ لأنه جعل دينه غرضًا للسؤال، للأسئلة، ويسأل عن هذا، ويسأل عن هذا، ويجيبه هذا بجواب، وذاك بجواب، وتكثر فيه الخصومات والجدال والنزاع، فيتزعزع ما عنده من علم، ولو ترك هذه الخصومات لثبت قدمه، ورسخت، ولم يتزعزع، لكن إذا أجابه هذا بكلام، مثل هذا الذي يقرأ في الكتب كتب أهل الأهواء، تعرض دينه للشك والنزاع والخصومات، ثم بعد ذلك إذا تعرض الأصل للزعزعة والخصومات، فإنه لا يثبت عليه، فأدنى ما يأتيه يغيره- نسأل الله العافية- نعم.

طالب: "ومن ذلك سؤال من سأل مالكًا عن الاستواء".

ولذلك تعلمون وعاصرتم وسمعتم من المعاصرين ومن قبلهم من هو على وتيرة واحدة، من وُلد إلى أن مات، ما تغير شيء، في أفعاله، في أقواله، في تصرفاته، في طريقته، في سمته، في هديه، ما تغير شيء أبدًا، ثابت راسخ، ومنهم من تراه اليوم على شكل وبعد يوم أو بعد مدة على هيئة أخرى، وتراه يقرِّر مسائل في يوم، ويرجع عنها من الغد وهكذا، كل هذا لأنه إما أن يخاصم وينازع ويجادل، أو يقرأ في كتب تزرع في قلبه الشكوك.

طالب: "ومن ذلك سؤال من سأل مالكًا عن الاستواء، فقال: الاستواء معلوم، والكيفية مجهولة، والسؤال عنه بدعة.

 والتاسع: السؤال عما شجر بين السلف الصالح، وقد سئل عمر بن عبد العزيز عن قتال أهل صفين، فقال: تلك دماء كفَّ الله عنها يدي، فلا أحب أن يطلخ بها لساني".

كتب التواريخ وكتب الأدب مملوءة في ذكر ما شجر بين الصحابة، وقراءتها وإدامة النظر فيها لا شك أن فيها ما يوقع في القلب بعض الشكوك وبعض الأوهام التي قد تتضمن تنقص هؤلاء الصحابة، والله المستعان.

طالب: "والعاشر: سؤال التعنت والإفحام وطلب الغلبة في الخصام، وفي القرآن في ذم نحو هذا: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} [البقرة: 204]".

الغالب أن مثل هذا لا يكون إلا من متعالم، متعالم أو مظهر لفضله على غيره أو معجب برأيه، وهذا كله مذموم.

طالب: "وقال: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58]، وفي الحديث: «أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم». هذه جملة من المواضع التي يكره السؤال فيها، يقاس عليها ما سواها، وليس النهي فيها واحدًا، بل فيها ما تشتد كراهيته، ومنها ما يخف، ومنها ما يحرم، ومنها ما يكون محل اجتهاد، وعلى جملة منها يقع النهي عن الجدال في الدين، كما جاء: إن المراء في القرآن كفر".

أعوذ بالله.

طالب: "وقال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} [الأنعام: 68] الآية، وأشباه ذلك من الآي أو الأحاديث".

{يَخُوضُونَ} في أمور لا يترتب عليها عمل، أو يريدون من ذلك الخوض التشكيكَ، مثل هؤلاء، أو يؤول خوضهم في ذلك إلى شيء من تكذيب القرآن أو الشك فيه، كل هذا لا يجوز، إذا وُجد مثل هذا أعرض عنهم، فقم واترك المجلس.

طالب: "وأشباه ذلك من الآي أو الأحاديث، فالسؤال في مثل ذلك منهي عنه، والجواب بحسبه. المسألة الثالثة: ترك الاعتراض على الكبراء محمود، كان المعترَض فيه مما يُفهم أو لا يُفهم".

"كان المعترَض فيه مما يُفهم أو لا يُفهم"؛ لأن هناك أفعالًا من بعض من يُدعى أنهم كبراء لا يفهمها آحاد الناس، ولذا من يدافع عن غلاة المتصوفة من أهل وحدة الوجود أو غيرهم يقولون: أنتم لا تفهمون كلامه، في كلامهم ما هو ظاهر في الزندقة والإلحاد وما هو ظاهر في تنقص الخالق، وبعد ذلك ومع ذلك يقول: أنتم ما تفهمون، وما المقصود؟ يعني لما يقول: ألا بذكر الله تزداد الذنوب وتنطمس البصائر والقلوب، نقول: هذا معارض لقول الله -جل وعلا-: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]؟ يقولون: ما تفهمون شيئًا أصلاً، فلا تعارضوهم وأنتم ما تفهمونهم. وكلام المؤلف بعضه منهم، ولذلك يورد كلام بعض من هذه صفته.

طالب: "والدليل على ذلك أمور؛ أحدها: ما جاء في القرآن الكريم، كقصة موسى مع الخضر".

يعني يريد أن موسى -عليه السلام- عارض الكبير وهو الخضر، ولأنه لا يفهم ما يريد الخضر؛ لأن هذا حق، وهذا في القرآن، وجاء في صحيح السنة. لكن معارضة أبي تراب النخشبي أو غيره كما سيأتي مثل معارضة موسى مع الخضر؟

طالب: وملحظ آخر يا شيخ.

ماذا؟

طالب: أو الملحظ الآخر، يعني إذا كان الخضر هنا أكبر من موسى قدرًا؟

هذه مسألة على حسب ما قيل في الخضر هل هو نبي أو ولي، وعلى كل حال موسى أفضل منه؛ لأنه من أولي العزم، ويبقى أن موسى إنما حصلت له هذه القصة تأديبًا له؛ لأنه قال بقول هو خلاف الأولى بالنسبة له.

طالب: "كقصة موسى مع الخضر واشتراطه عليه أن لا يسأله عن شيء حتى يُحدث له منه ذِكرًا، فكان ما قصَّه الله تعالى من قوله: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف: 78]، وقول محمد- عليه الصلاة والسلام-: «يرحم الله موسى لو صبر حتى يقص علينا من أخبارهما»، وإن كان إنما تكلم بلسان العلم، فإن الخروج عن الشرط يوجب الخروج عن المشروط".

كيف "الخروج عن الشرط"؟ الشرط الذي هو التأدب مع الكبار "يوجب الخروج عن المشروط" الذي هو العلم. يعني لو جاء طالب يسأل سؤال علم ما فيه شيء، سؤال علمي، وجوابه عليه الدليل من الكتاب والسنة، لكن طريقة هذا السائل، طريقته في السؤال أو ما يظهر على حاله من أنه غير طالب للعلم ولا سؤال مستفيد، ما يُجاب هذا.

طالب: "ورُوي في الأخبار أن الملائكة لما قالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} [البقرة: 30] الآية، فرد الله عليهم بقوله: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30]، أرسل الله عليهم نارًا فأحرقتهم".

هذا الكلام فيه! "أرسل الله عليهم نارًا فأحرقتهم"، من هم؟

طالب: الملائكة.

الملائكة على كلامه، وهذا كلام ليس بصحيح.

طالب: "وجاء في أشدِّ من هذا اعتراض إبليس".

"أشدَّ".

طالب: "وجاء في أشدَّ من هذا اعتراض إبليس بقوله: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: 12]، فهو الذي كتب له به الشقاء إلى يوم الدين؛ لاعتراضه على الحكيم الخبير، وهو دليل في مسألتنا. وقصة أصحاب البقرة من هذا القبيل أيضًا، حين تعنتوا في السؤال فشدد الله عليهم.

 والثاني: ما جاء في الأخبار، كحديث: «تعالوا أكتب لكم كتابًا لن تضلوا بعده». فاعترض في ذلك بعض الصحابة، حتى أمرهم -عليه الصلاة والسلام- بالخروج ولم يكتب لهم شيئًا. وقصة أم إسماعيل حين نبع لها ماء زمزم، فحوضته ومنعت الماء من السيلان، فقال -عليه الصلاة والسلام-: «لو تركت لكانت زمزم عينًا معينًا»".

مثل ما أراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يخبرهم عن ليلة القدر بعينها، فتلاحا فلان وفلان فرفعت. كل هذه عقوبات.

طالب: .......

وما هي؟

طالب: قصة أم إسماعيل.

حوضته، «لو تركته» هذا اعتراض، يعني لو تركته يسيح، «صار ماء معينًا»، لكن ما دام حوضته وأرادت أن تختص به لم يكن كذلك.

طالب: يعني كونه تصدر في الاعتراض على الكبراء في أصل المسألة.

ماذا؟

طالب: المؤلف في أصل المسألة قال: "الاعتراض على الكبراء"، هنا الوجه؟

لا، الاعتراض عمومًا يعني، عم الكبراء، وكأنه اعتراض على مراد الله -جل وعلا- في هذا الباب.

طالب: "وفي الحديث أنه طُبخ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- قدر فيها لحم، فقال: «ناولني ذراعًا». قال الراوي: فناولته ذراعًا، فقال: «ناولني ذراعًا». فناولته ذراعًا، فقال: «ناولني ذراعًا». فقلت: يا رسول الله! كم للشاة من ذراع؟ فقال: «والذي نفسي بيده، لو سكت لأعطيت أذرعًا ما دعوت»".

هذا له طرق كثيرة، وأفرادها كلها ضعيفة، لكن يثبتونه بمجموع طرقه. الشاة كم لها من ذراع؟

طالب: اثنين.

اثنين، قال: «ناولني ذراعًا»، ناوله ذراعًا، «ناولني ذراعًا» ثانيًا، ناوله، قال: «ناولني ذراعًا» ثالثًا، قال: كم للشاة من ذراع؟ قال: لو امتثلت وأذعنت لاستمررت، يصل لها مائة ذراع ممكن. والخبر فيه نكارة، وطرقه كلها ضعيفة، لكن منهم من يصحح مثل هذا بطرقه، وإن كان الأئمة على خلاف ذلك، ليست طريقة الأئمة.

طالب: "وحديث عليٍّ قال: دخل عليَّ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- وعلى فاطمةَ من الليل، فأيقظنا للصلاة، قال: فجلست وأنا أعرك عيني وأقول: إنا والله ما نصلي إلا ما كُتب لنا، إنما أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثها بعثها، فولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: «وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً»".

يعني اعتراضه بالقدر: "ما نصلي إلا ما كتب لنا"، يعني فيه ما يمنعك من الصلاة؟

طالب: لا.

ليس هناك ما يمنعك من الصلاة، أنت إن صليت فهذا المكتوب لك، وإن لم تصلِ هذا المكتوب لك، لكن اختر ما ينفعك.

طالب: "وحديث: «يا أيها الناس! اتهموا الرأي، فإنا كنا يوم أبي جندل ولو نستطيع أن نرد أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لرددناه»".

أبو جندل هاجر إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد صلح الحديبية، والصلح يقتضي أن يُرد من هاجر من المشركين، فرده إليهم، والصحابة ما رضوا أن مسلم يأتي مهاجر ويرد إلى الكفار، ما رضوا مثل هذا مما في أنفسهم من حب الخير وأهل الخير، من حب من أسلم والشفقة عليه من الكفار، هذا ما ظهر لهم في بادئ الرأي، لكن الوفاء بالعقود أمر ملزم ومحتم، فرده النبي- عليه الصلاة والسلام-.

طالب: "ولما وفد على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حَزَنٌ جد سعيد بن المسيب، فقال له: «ما اسمك؟». قال: حَزَن. قال: «بل أنت سهل». قال: لا أُغير اسمًا سماني به أبي. قال سعيد: فما زالت الحزونة فينا حتى اليوم".

حتى قال في بعض الروايات: إن السهل يُوطأ، هذا اعتراض على النبي -عليه الصلاة والسلام- ورفض أن يغير اسمه، فاستمرت الحزونة فيه. ولو غيَّره إلى سهل لسهل الأمر عنده.

طالب: "والثالث: ما عُهد بالتجربة من أن الاعتراض على الكبراء قاضٍ بامتناع الفائدة مبعد بين الشيخ والتلميذ، ولا سيما عند الصوفية، فإنه عندهم الداء الأكبر، حتى زعم القشيري عنهم أن التوبة منه لا تقبل، والزلة لا تقال".

نعوذ بالله، تُقبل من الشرك ولا تقبل من مخالفة الشيخ؟!

طالب: "ومن ذلك حكاية الشاب الخديم لأبي يزيد البسطامي؛ إذ كان صائمًا، فقال له أبو تراب النخشبي وشقيق البلخي: كُلْ معنا يا فتى. فقال: أنا صائم. فقال أبو تراب: كل ولك أجر شهر، فأبى".

هو الذي يحدد الأجر، أجر شهر بدل يوم، أجر صيام شهر! الله المستعان، وعندهم ما هو أشد من ذلك.

طالب: "فقال شقيق: كُلْ ولك أجر صوم سنة، فأبى. فقال أبو يزيد: دعوا من سقط من عين الله".

نعوذ بالله.

طالب: "فأخذ ذلك الشاب في السرقة وقطعت يده".

عندهم من هذا الكلام الشيء الكثير، والرسالة القشيرية فيها من أخبارهم من هذا النوع أشياء، وإن كانت أخف من كتب الشعراني، الشعراني في طبقاته وفي كتبه عظائم الأمور.

طالب: "وقد قال مالك بن أنس لأسد حين تابع سؤاله".

أسد بن الفرات، تقدمت قصته.

طالب: "هذه سليسلة بنت سليسلة، إن أردت هذا، فعليك بالعراق".

اذهب إلى أهل الرأي وناقشهم ويناقشونك، واذكر افتراضاتك واحتمالاتك، ما عندنا إلا أثر، إمام السنة، نجم السنن مالك.

طالب: .......

ماذا فيها؟

طالب: .......

النفس موجود، لكن ما هو منهم، من الغلاة والمغرقين، نعم. القرطبي -رحمة الله عليه- يرد عليهم، ويشدد عليهم في مثل هذه الأمور، وإذا تكلم في هذه المقامات تجد في النفس شيئًا، لكن ليس منهم. أحيانًا ابن القيم في كتبه، في عامة كتبه يشدد عليهم، ويرد عليهم بقوة، وإذا تكلم في بعض المقامات في مدارج السالكين صار فيه نوع مصانعة ومجاملة؛ من أجل تقريب وجهات النظر، وكونه يُقبل قوله. وشيخ الإسلام حينما يُسأل عن بعض الأقطاب مثل أبي يزيد هذا وغيره وأبي سليمان الداراني يثني عليهم، وفيهم ما يُثنى عليهم به من جهة، وإن كانوا يُذمون من جهات، وهذا نوع إنصاف، لكن عند من؟

 عند من يحتمل عقله مثل هذا، أما بعض الناس الذي ما يحتمل مثل هذه التصرفات ترى يصعب التعامل معه، يعني تلقيه على شباب ما يدركون تجد صعوبة. ولو رجعنا إلى مقدمة المحقق لكتاب مدارج السالكين وجدنا بعض الإضاءات التي تدل على شيء من هذا، فتجد المقدمة التي كتبها محمد محيي الدين عبد الحميد، تجد فيها نوعًا من موافقة ابن القيم فيما صنع، بينما محمد حامد الفقي الذي حقق الكتاب مصادمة تامة لما فعله ابن القيم، وإن كان ابن القيم إمامًا.

طالب: "فهدده بحرمان الفائدة منه بسبب اعتراضه في جوابه، ومثله أيضًا كثير لمن بحث عنه. فالذي تلخص من هذا أن العالم المعلوم بالأمانة والصدق والجري على سنن أهل الفضل والدين والورع إذا سئل عن نازلة فأجاب، أو عرضت له حالة يبعد العهد بمثلها، أو لا تقع من فهم السامع موقعها؛ أن لا يواجه بالاعتراض والنقد، فإن عرض إشكال فالتوقف أولى بالنجاح، وأحرى بإدراك البُغْيَة إن شاء الله تعالى".

يعني إذا ما فهمت كلام الشيخ، إذا ما فهمت والوقت غير مناسب من التثبت وطلب الإيضاح، يقول: اسكت لا تعارض.

طالب: "المسألة الرابعة: الاعتراض على الظواهر غير مسموع. والدليل عليه أن لسان العرب هو المترجم عن مقاصد الشارع، ولسان العرب يُعدم فيه النص أو يندر؛ إذ قد تقدم أن النص إنما يكون نصًّا إذا سلم عن احتمالات عشرة، وهذا نادر أو معدوم، فإذا ورد دليل منصوص وهو بلسان العرب، فالاحتمالات دائرة به".

ويقصد بذلك الاحتمالات العقلية، والاحتمالات العقلية المجردة لا مدخل لها في مجال النقل، وإلا ما تنتهي الاحتمالات.

طالب: .......

لا، ما له، الاعتراض بمجرد العقل المجرد، الاحتمال العقلي المجرد هل يُعترض به على السامع؟ غير مسموع. لكن الاعتراض العقلي المستند على الشرع من عالم له يد في علوم الشريعة، له اطلاع على أصولها وقواعدها وكلياتها، مثل هذا تكون احتمالاته دائرة بين النصوص وبين ما قُرر في الشريعة. أما البعيد كل البعد، يجيئك مهندس أو طبيب أو شخص لا يد له في العلم من قبيل ولا دبير ويعترض على النص، مثل الكُتاب الذين يكتبون الآن، لا تنتهي اعتراضاتهم لكنها لا قيمة لها، غير مسموعة.

طالب: "وما فيه احتمالات لا يكون نصًّا على اصطلاح المتأخرين، فلم يبقَ إلا الظاهر والمجمل، فالمجمل الشأن فيه طلب المبين أو التوقف، فالظاهر هو المعتمد إذًا، فلا يصح الاعتراض عليه؛ لأنه من التعمق والتكلف.

وأيضًا فلو جاز الاعتراض على المحتملات لم يبقَ للشريعة دليل يُعتمد؛ لورود الاحتمالات وإن ضعفت".

لكن الاحتمالات الضعيفة والاحتمالات المجردة عن أصول ترجع إليها من الشريعة، هذه لا قيمة لها. نعم. قرر ابن حجر في فتح الباري في مواضع كثيرة أن الاحتمالات العقلية المجردة لا مدخل لها في...

طالب: النص.

علوم الأثر.

طالب: "والاعتراض المسموع مثله يُضعف الدليل، فيؤدي إلى القول بضعف جميع أدلة الشرع أو أكثرها، وليس كذلك باتفاق.

 ووجه ثالث: لو اعتُبر مجرد الاحتمال في القول، لم يكن لإنزال الكتب ولا لإرسال النبي -عليه الصلاة والسلام- بذلك فائدة؛ إذ يلزم أن لا تقوم الحجة على الخلق بالأوامر والنواهي والإخبارات؛ إذ ليست في الأكثر نصوصًا لا تُحتمل غير ما قصد بها".

"تَحتمل"، "لا تَحتمل".

طالب: .......

نعم.

طالب: "في الأكثر نصوصًا لا تَحتمل غير ما قُصد بها، لكن ذلك باطل بالإجماع والمعقول، فما يلزم عنه كذلك.

 ووجه رابع: وهو أن مجرد الاحتمال إذا اعتُبر".

هذا يستفاد منه التنبيه، وإن كان يعني في الأصل لا وجود له عند أهل العلم، يعني ما فيه أحد يقرر أن مجرد ورود احتمال من شخص لا علم له، بل هو في حكم العوام، نعم عنده عقل يدرك به، لكن مجرد العقل لا يثبت، لا سيما بعد أن تغيرت الفطر، ودخلت العلوم المترجمة، العقل لا يُعترض به على النص، وإن كان الذي بُعث من جديد والعقل صار له شأن عند من يسمون أنفسهم العقلانيين وصاروا يعترضون بذلك على النصوص، لكنهم في الأصل لا شيء بالنسبة لعلوم الشريعة. ولذلكم يطالب بعض الغيورين على تنقية كتب العلم من أقوال المتكلمين، ولا سيما في علوم الحديث الذي هو نقل، يقول: لماذا ننقل كلام الرازي والجويني والغزالي وغيرهم من المتكلمين في علوم الحديث؟

 تُنقل أقوالهم بكثرة، والرازي والغزالي والجويني وأبي إسحاق الإسفراييني، وغيرهم تُنقل أقوالهم بكثرة في كتب المصطلح، يقول: يجب أن تنقى كتب المصطلح من كلام هؤلاء. وعلى كل حال كلامهم، هم عندهم شيء من النظر، ومعدودون في عِداد أهل العلم من وجوه، من أبواب أخرى، وليس لهم علاقة بالأثر، وصرحوا بذلك أن بضاعتهم في الحديث مزجاة كما قال الغزالي عن نفسه، والرازي من أبعد الناس عن علوم الأثر، ومع ذلك تُنقل أقوالهم في كتب المصطلح؛ لأن المصطلح ما هو بنقل محض، ليس بنقل محض، يعني هل تُنقل كتبهم في كتب السنة الرواية؟ لا، لكن في مسائل بعضها يدرك بالرأي، فتنقل أقواله من هذه الحيثية، ولهم حظ من النظر.

طالب: "ووجه رابع: وهو أن مجرد الاحتمال إذا اعتُبر أدى إلى انخرام العادات والثقة بها، وفتح باب السفسطة وجَحْد العلوم، ويبين هذا المعنى في الجملة ما ذكره الغزالي عن نفسه في كتابه المنقذ من الضلال، بل ما ذكره السوفسطائية في جحد العلوم، فبه يتبين لك أن منشأها تطريق الاحتمال في الحقائق العادية أو العقلية، فما بالك بالأمور الوضعية؟".

مثل التداعي تداعي الوسوسة والاحتمالات إلى أن تنتهي إلى لا شيء، ولذلك صار مآل هؤلاء المتكلمين إلى أنهم تحيروا، وصلوا إلى حد الحيرة، وتمنوا أن ماتوا على عقائد العجائز، ما عرفوا من هذه العلوم شيئًا.

طالب: "ولأجل اعتبار الاحتمال المجرد شدد على أصحاب البقرة إذ تعمقوا في السؤال عما لم يكن لهم إليه حاجة مع ظهور المعنى، وكذلك ما جاء في الحديث في قوله: «أحجنا هذا لعامنا أو للأبد؟» وأشباه ذلك، بل هو أصل في الميل عن الصراط المستقيم، ألا ترى أن المتبعين لما تشابه من الكتاب إنما اتبعوا فيها مجرد الاحتمال، فاعتبروه وقالوا فيه، وقطعوا فيه على الغيب بغير دليل، فذُموا بذلك، وأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بالحذر منهم".

العامة على الفطرة، وكانوا قبل ورود هذه المخترعات الحديثة أقرب إلى الفطرة، حدث في إمام مسجد وهو يقول: إن خبر الدجال يبلغ الدنيا كلها في ساعة، وعامي حاضر، خرج وكلم زوجته وقال: إن الدجال يبلغ خبره في ساعة. كأنها ترددت، كيف في ساعة؟ قال: هذا كلام الرسول، هذا كلام الرسول ترى خطر على دينك، تخرجين من الدين وأنت ما تشعرين، وهي عندها مقدمات يمكن أن تبني عليها، هم في قرية تبعد عن المدينة عشرين كيلو، وفي يوم العيد يقرءون القرآن العصر ما بلغهم خبر العيد والمدينة مفطرون ومعيدون، كيف أن خبر الدجال يبلغ الدنيا كلها في شرقها وغربها في ساعة؟

 المسألة ما هو إلا أن سمعنا وأطعنا، صح الخبر انتهى الإشكال، ما لنا كلام، هذا الأصل، ما تثبت قدم الإسلام إلا على قنطرة التسليم. والآن كل شيء يُناقش، مطروح على بساط البحث، وهات من الاحتمالات التي يوردها من لا قيمة له في العلم الشرعي، في الشرعيات.

طالب: أحيانًا في أقل من ساعة ممكن الآن لو يخرج الدجال.

ممكن في لحظة، الساعة المعروفة في عرف العرب ما هي بالساعة الفلكية التي هي ستون دقيقة.

طالب: "ووجه خامس: وهو أن القرآن قد احتج على الكفار بالعمومات العقلية والعمومات المتفق عليها، كقوله تعالى: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [المؤمنون: 84، 85]، إلى أن قال: {سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [المؤمنون: 89]، فاحتج عليهم بإقرارهم بأن ذلك لله على العموم، وجعلهم إذ أقروا بالربوبية لله في الكل ثم دعواهم الخصوص مسحورين لا عقلاء".

يعني كيف يقرون بأنه هو الخالق وهو الرازق وهو الرب الذي خلقهم وأوجدهم ورزقهم، كيف لا يفردونه بالعبودية؟ فرقوا بين هذا وهذا فكانوا مسحورين.

طالب: "وقوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [العنكبوت: 61]، يعني: كيف يُصرفون عن الإقرار بأن الرب هو الله بعد ما أقروا، فيدَّعون لله شريكًا. وقال تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ} [الزمر: 5] إلى قوله: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [الزمر: 6]، وأشباه ذلك مما ألزموا أنفسهم فيه الإقرار بعمومه، وجعل خلاف ظاهره على خلاف المعقول، ولو لم يكن عند العرب الظاهر حجة غير معترض عليها لم يكن في إقرارهم بمقتضى العموم حجة عليهم، لكن الأمر على خلاف ذلك، فدل على أنه ليس مما يُعترض عليه. وإلى هذا، فأنت ترى ما ينشأ بين الخصوم وأرباب المذاهب من تشعب الاستدلالات، وإيراد الإشكالات عليها بتطريق الاحتمالات، حتى لا تجد عندهم بسبب ذلك دليلاً يعتمد".

كان القضاة في وقت قريب يسمعون دعوى المدعي وجواب المدعى عليه ويحكمون، وتنتهي القضية إلى هذا الحد؛ لأن المدعي يطلب حقًّا، والمدعى عليه أيضًا عنده شبهة، يبينها القاضي فيرضى ويسلم. لكن الآن؟ وظيفة المحامين ما هي؟ اعتراضات، نقض، واستدلالات عقلية من أجل كسب القضية. والتحذير للخصوم وللمحامين من خصال المنافق التي منها: «وإذا خاصم فجر»؛ لأن المطلوب من المخاصم والمطلوب من المحامي أن ينشد الحق، ويوصل الحق إلى صاحبه، والمبطل الذي لا حق له إن كان عن جهل يُخبر ويعلم أنه ليس له حق، وإن كان عن عناد وإصرار يلزم. وحصلت قضايا تدل على غاية التسليم قبل انفتاح الدنيا وقبل انصراف الناس عن الآخرة، إلى وقت قريب، تصير خصومة بين اثنين يقول: اذهب أنت ما أنا بذاهب معك، اعرض على القاضي والذي يقول لك نرضى به، يطلبون حقًّا، إلى وقت قريب، وهذا هو الحاصل.

 اللهم صل وسلم على نبينا محمد.

طالب: "وإلى هذا فأنت ترى ما ينشأ بين الخصوم وأرباب المذاهب من تشعب الاستدلالات وإيراد الإشكالات عليها بتطريق الاحتمالات، حتى لا تجد عندهم بسبب ذلك دليلاً يعتمد لا قرآنيًّا ولا سنيًّا، بل انجر هذا الأمر إلى المسائل الاعتقادية، فاطرحوا فيها الأدلة القرآنية والسنية لبناء كثير منها على أمور عادية، كقوله تعالى: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ} [الروم: 28] الآية، وقوله: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ} [الأعراف: 195]، وأشباه ذلك".

يعني استدلال القرآن على المسائل الاعتقادية بأمور واضحة يدركها كل مسلم من العامة وغيرهم، طرحوا هذه الأدلة وأتوا بقواعد منطقية كلامية فلسفية لا تُفهم ولا تؤدي إلى نتائج، فبدلاً من أن تؤسس العقيدة على الكتاب والسنة باختصار شديد مثل الواسطية في ورقات، يأتينا كتاب المواقف مثلاً أو المقاصد مؤسسًا على قواعد كلامية فلسفية مطولة، ثم يُشرح في ثمانية مجلدات كبار لا يكاد يفهم منها طالب العلم شيئًا، ما الداعي إلى هذا؟ وفي النهاية الخاتمة حيرة، لا يصل إلى نتيجة؛ لأن الذي ليس له قائد يقوده وسائق يسوقه على الصراط المستقيم لن يصل.

 لو وضعت شخصًا ليست لديه خبرة ولا دلالة ولا معرفة بالنجوم ولا معرفة بالطرق، وتركته في مفازة، متى يصل؟ هذا يتوه، ليس عنده قائد يقوده، ولا سائق يسوقه على الصراط، لا بد أن يتوه، أين يروح؟ وما أكثر من يموت في الصحاري والقفار من الجوع والعطش والتعب؛ لأنهم ليست لديهم معرفة ولا خبرة. وهذا مثل أولئك من الذين تنكبوا الصراط المستقيم، وعدلوا عن الكتاب والسنة إلى القواعد التي قعَّدوها واستمدوها من اليونان وغيرهم، بعد أن تُرجمت الكتب، فضلوا وأضلوا، نسأل الله العافية.

طالب: هم في أول الأمر أرادوا دفعها من أن تدخل على المسلمين، مثل .......

لما تُرجمت ووجد من يدعمها ويتبناها، المأمون تبناها ووجد من يلبي رغبته ممن ينتسب إلى العلم ممن في قلبه مرض، شاعت واشتهرت. الآن في الطريق الثاني الذي هو في مسائل القضاء، مجلة المحاماة أكثر من مائة مجلد، كل مجلد فيه أكثر من ألف صفحة من القطع الكبير، نحن بحاجة إلى شيء من هذا؟ القاعدة: «البينة على المدعي، واليمين على من أنكر»، وعلى هذا جرت الأمة من عهده -عليه الصلاة والسلام- إلى وقت قريب، الناس ما يحتاجون إلى مثل هذا. نعم، أحدث الناس أشياء، وأحدثوا حيلًا، وأحدثوا طرقًا ووسائل ملتوية، فتدرس هذه المسائل ويجاب عنها، لكن ما يمكن مثل هذه الكثافة يصير همّ الخصم أن يكسب القضية سواء كان أصيلًا أو وكيلًا عن غيره، محاميًا يكسب القضية على أي وجه، يقول: لينال الأجر، أجرها وأجرتها.

طالب: حق أو باطل.

ماذا؟

طالب: بحق أو باطل.

بحق أو باطل، «إذا خاصم فجر»، نسأل الله العافية.

طالب: "واعتمدوا على مقدمات عقلية غير بديهة ولا قريبة من البديهية".

يعني ليست قريبة من العقل العادي الذي يشترك فيه جميع الناس، لا.

طالب: "هربًا من احتمال يتطرق في العقل للأمور العادية، فدخلوا في أشدَّ مما منه فروا، ونشأت مباحث لا عهد للعرب بها، وهم المخاطبون أولاً بالشريعة، فخالطوا الفلاسفة في أنظارهم، وباحثوهم في مطالبهم التي لا يعود الجهل بها على الدين بفساد، ولا يزيد البحث فيها إلا خبالاً، وأصل ذلك كله الإعراض عن مجاري العادات في العبارات ومعانيها الجارية في الوجود".

أصل ذلك كله الإعراض عن الكتاب والسنة، أصل البلاء كله الإعراض عن الكتاب والسنة والاستعاضة عنهما بقواعد المتكلمين والمناطقة والفلاسفة، وظنوا أن هذا هو الذي يعصم الرأي من الخطأ، يعصم العقل من الخطأ، السير على قواعدهم، وهو الذي أوقعهم في الخطأ، وهو الذي أوقعهم في الشبه والضلالات والحيرة، والله المستعان.

طالب: "وقد مر فيما تقدم أن مجاري العادات قطعية في الجملة وإن طرق العقل إليها احتمالاً، فكذلك العبارات؛ لأنها في الوضع الخطابي تماثلها أو تقاربها. ومر أيضًا بيان كيفية اقتناص القطع من الظنيات، وهي خاصة هذا الكتاب لمن تأمله والحمد لله، فإذًا لا يصح في الظواهر الاعتراض عليها بوجوه الاحتمالات المرجوحة، إلا أن يدل دليل على الخروج عنها، فيكون ذلك داخلاً في باب التعارض والترجيح، أو في باب البيان، والله المستعان".

"ومن ذلك أيضًا بيان كيفية اقتناص القطع من الظنيات، وهي خاصة هذا الكتاب"، يقول المعلق الشيخ دراز، يقول: تتبع الظنيات...

طالب: تتبع الظنيات في الدلالة أو في المتن أو فيهما والوجوه العقلية كذلك ويضم قوة منها إلى قوة، ولا يزال يستقري حتى يصل إلى ما يُعد قاطعًا في الموضوع، ويصير كالتواتر المعنوي، ولا يبالي أن يكون بعض الأدلة ضعيفًا؛ لأنه لا يستند إلى دليل خاص، كما أن رواة التواتر المعنوي لا يلزم في جميعهم أن يكونوا محل الثقة، ولكن المجموع يلزم أن يكون كذلك، فهذه خاصية هذا الكتاب في استدلالاته، وهي طريقة ناجحة أدت إلى وصوله إلى المقصود، اللهم إلا في النادر، رحمه الله رحمة واسعة.

نعم. الأدلة الظنية التي ليست من الكتاب ولا من متواتر السنة، يحتف بها من القرائن أولاً التواتر اللفظي في السنة وهو قليل، وأكثر منه التواتر المعنوي التي ترد فيه قضايا كثيرة مفادها يجتمع في أمر واحد، وإن لم تكن ألفاظه تدل عليه صراحة، بحيث يوجد الدليل، وينضم إليه آخر، وينضاف إليه آخر بمعناه، وهكذا وهكذا إلى أن يصل إلى حد القطع. قل مثل هذا في رواة المتواتر الذين هم في الأصل مجموعة من الرواة، يعني يروي أحدهم الخبر، ثم يوافقه عليه في روايته آخر، وإن كان الأول أقل مما يُطلب في الحديث الثابت، ثم بعد ذلك ينضم إليه آخر، إلى أن يجد السامع نفسه ملزمًا بقبول هذا الخبر. يعني ينضاف إليه شيئًا فشيئًا حتى يصل إلى حد يُقطع بقبوله ولا يتردد فيه. وهذا مراده في كلامه الأخير.

طالب: لكن إذا كانت أكثر الطرق أو الأدلة ضعيفة؟

لا، إذا كانت ضعيفة ضعفًا منجبرًا، إذا كان ضعفها منجبرًا فهي تترقى، على خلاف بين أهل العلم في الحديث الضعيف بطرقه هل يصل إلى حد الصحيح؛ لكثرة هذه الطرق الضعيفة، أو يقال: إنه يصل إلى حد الحسن ويقف ما يتعدى الصحيح، ما يتعدى إلى الصحيح، لا يرتقي إلى الصحيح، والمسألة معروفة في كتب المصطلح، أكثرهم يقول: إنه لا يصل إلى الصحيح، يقف إلى حد الحسن لغيره، والحافظ ابن كثير ومعه جمع من أهل العلم قرروا أنه يصل إلى الصحيح؛ لأنه ارتقى بالطريق الثاني إلى الحسن، ثم ما بعد الحسن؟

طالب: الصحيح.

من طريق ثالث ورابع وخامس وعاشر يرتقي إلى الصحيح، بل قد يصل إلى المتواتر؛ لأنه صار ملزمًا للسامع بتصديقه. وقل مثل هذا فيما إذا كانت الطرق ضعيفة جدًّا لا تقبل الانجبار، وكثرت كثرة بحيث تعدت مرحلة الضعف المنجبر إلى ما عداه، ويصحح بمثل هذه الطرق السيوطي والشيخ الألباني في بعض الحالات. لكن الجمهور على أن الضعف غير المنجبر يبقى ضعيفًا، ولو بلغ ألف طريق.

طالب: .......

الاستغناء بالشهرة.

طالب: .......

بالنسبة للحديث أم؟

.......

أم الراوي؟

طالب: .......

نعم، هذا إذا تلقاه أهل العلم بالقبول ارتقى، وأما مجرد الشهرة على الألسنة فلا تكفي. وبالنسبة للرواة كما يقول الحافظ العراقي: (وصححوا استغناء للشهرة عن تزكية كمالك نجم السنن)، مثل مالك يبحث في ترجمته؟ ورد في سند حديث تبحث عنه في كتب الرجال تنظر ماذا قيل في مالك أو أحمد أو غيرهما؟

طالب: .......

تبقى الجهالة، إلا إذا عُرف بأمر آخر يقتضي تعديله، مثل راوٍ ما عُرف بجرح ولا تعديل، لكن ولاه عمر بن عبد العزيز ولاية، ماذا تقول؟

طالب: .......

ماذا يقول عن أبي هريرة؟

طالب: .......

لماذا لا نعرف فيه جرحًا ولا تعديلًا وأبو هريرة يقول هذا الكلام، عرفنا فيه.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

أبو هريرة تُكلِّم فيه.

طالب: .......

أبو هريرة ما يكفي؟

طالب: .......

لا، كونه لا يُذكر في كتب الجرح والتعديل مع أننا نقف في مواضع أخرى على أنه معدل ممن لم يُعرف بجرح ولا تعديل، لكنه معتمد. أحيانًا يُذكر بلفظ يخفى على أهل العلم هل هو جرح أم تعديل؟ يُنظر في أمره، مثلما قلنا في جبارة بن المغلس الذي قال فيه أبو حاتم: بين يَدَيْ عَدْل، هذا تعديل أم تجريح؟ لكن الحافظ العراقي يقول: تعديل، بين يَدَيَّ عَدْلٌ، لكنه في حقيقة الأمر تجريح؛ لأن الحافظ ابن حجر يقول: ما يمكن أن يُعدله أبو حاتم مع شدته، مع أن الأئمة كلهم على تضعيفه، فبحث عن أصل المسألة، وتتبعها إلى أن وقف على أنها في جرح شديد، والمسألة ذكرناها مرارًا.

 اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وصحبه أجميعن.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

أين أبو عبد الرحمن؟ أجب يا أبا عبد الرحمن؟ أعط القوس باريها؟

طالب: .......

والألباني ماذا يقول؟

طالب: الألباني حسنها كلها.

من هذا النوع، من النوع اللي ذكرناه سابقًا، أن الشيخ يرى...

طالب: .......

نعم، ومثله قبله السيوطي ترى.

طالب: .......

ماذا؟

نعم الأيام والتواريخ وكلها.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

نعم، أن الله هو الأول وليس قبله شيء، وأفعاله هل وُجد في وقت من الأوقات معطلًا عن الأفعال؟ مفعولاته؟

طالب: .......

المهم أنها كانت بعد أن لم تكن.

طالب: .......

هي كانت بعد أن لم تكن، وهو غير معطل عن الأفعال مع بدايته -عز وجل-، هذا الذي نريد أن نقرره، وإن كانوا يقولون: إن فيه مسألة تسلسل في المستقبل والماضي والخلاف المعروف، شيخ الإسلام يرى أنه ما فيه مانع من التسلسل في الماضي والمستقبل.

طالب: .......

اعتبارهم أنه يقول: «كان الله ولم يكن شيء معه»، قالوا إن الحوادث لها أول، هذا القول الثاني، وشيخ الإسلام أنت راجعت كلامه في درء تعارض العقل والنقل أم لا؟ المسألة خلافية بين أهل العلم، هذا الخلاف سائغ، لكن الكلام في المستقبل.

طالب: .......

الذي هو الكلام في أفعال الله، وإلا فغيره كلها مخلوقة موجد محدث، ما عداه حادث؟

طالب: .......

لا، أفعال الله ما يقال لها حوادث.

طالب: .......

مفعولاته نعم.

طالب: .......

نعم مخلوقاته، لكن هل وُجد الرب -جل وعلا- في وقت لا فعل له؟

طالب: .......

خلاص انتهينا، تعالى الله.

طالب: .......

ما هي؟

طالب: .......

مقدار من الزمان زاد عن الساعة أو نقص.

طالب: .......

نعم ما يخالف، لكن في الصيف تكون ساعة وخمس دقائق أو عشر دقائق، وفي الشتاء تنزل بعد خمس دقائق تكون ساعة إلا خمس دقائق.

طالب: .......

ما فيه إشكال أنت تقسمها من طلوع الشمس إلى زوالها واقسم على ستة.

طالب: .......

لا يخبر.

طالب: .......

على حسب غلبة الظن، إذا غلب عليه الظن فمثل هذا لا يتورع عن مثل هذا يسأل وإلا فالأصل الحل.

طالب: .......

نعم يسألون إبلًا أو غنمًا ما فيه شيء، لأنه ما هو بالأصل الغنم تقول: نسكت، ما هو بالأصل الغنم تقول: نسكت بناءً على الأصل.

طالب: على الأكثر.

كيف؟

طالب: على أنه الأكثر.

عندك أنت؛ لأنه راعي غنم!!

طالب: .......

لا، والإبل بعد أن صاروا يذكرونها بعد تصير أقل.

طالب: يسأل عن نوع الدجاج مستورد أو ليس مستوردًا؟

مثل هذا لا يترتب عليه، يعني إذا تركته ماذا يصير؟

طالب: .......

أنت تشك في هذا الشخص أنه يأكل كل شيء؟

طالب: نعم.

اسأله.

طالب: ما يدخل في هذا؟

أين؟

طالب: الذي نهى عنه عمر؟

لا ما يدخل إلا إذا كان ورعًا زائدًا، هل الذي تأكل عنده أفضل منك، تقول له: ما نوع الدجاج؟ لكن كونك تشك هل هو إبل أو غنم هذا ما فيه إشكال؛ لأنه ليس الأصل الغنم.

طالب: قضاء الفائتة...

لا، والترتيب واجب، ولا يسقط إلا بنسيانه، إذا نسي خلاص، أو بخشية فوات وقت اختيار الحاضرة.

طالب: .......

أين؟

طالب: .......

لا العمر، الستة الأشهر للضأن والسنة في المعز.

طالب: .......

هذا الأصل أنها تثني، لكن إذا تحقق السن خلاص، مثل البلوغ خمسة عشر لو ما احتلم.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

على حسب ثقتك به؛ لأن بعضهم يجيئون.

طالب: .......

لا في أهل خبرة.

طالب: .......

على كل حال البائع والذي ولدها وعنده وعيشته منها، يعتمد إن كان ثقة.

طالب: .......

لا، ولا يُتهم إذا قال ما تمت، بخلاف ما لو قال تمت وخالفه غيره يُتهم.

طالب: رجل توفي وترك زوجته وسبعة من البنين وبنتًا، كيف يكون تقسيم التركة؟

للزوجة الثمن، والباقي بين الأبناء والبنات.

طالب: .......

نعم، {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11].

طالب: طيب في حال حياته كتب نصف الملك .......

لا، أعوذ بالله، أعوذ بالله.

طالب: .......

تنازلوا........