شرح الموطأ - كتاب الأقضية (10)

اللهم صل على محمد.

الحديث الذي أشار إليه بعض الإخوان في الدرس الماضي، يقول: ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد، وأخرجه الطبراني من حديث رجاء بن حيوة عن أبيه عن جده عن رويفع بن ثابت أن جارية من خيبر مرت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي إيش؟ مجحاً، يعني حامل، أي حبلى، فقال: ((لمن هذه؟)) قالوا: لفلان، قال: ((أيطؤها؟)) قيل: نعم، قال: ((فكيف يصنع في ولدها؟ أيدعيه وليس له بولد، أم يستعبده وهو يغذوه في سمعه وبصره؟ لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه في قبره)) قال الهيثمي: فيه خارجة بن مصعب وهو متروك، نعم.

لكن واحد من الإخوان من خلال الجوال معه خرجه من سنن أبي داود يقول، لكن تخريجه في مجمع الزائد يدل على أنه لا يوجد في سنن أبي داود؛ لأن الزوائد على الكتب الستة، بس ما هو بحاضر، .... ما هو بحاضر، على كل حال إذا كان ما له إلا هذا الطريق فهو وجوده مثل عدمه.

طالب: ويروى عن أحمد.

وين؟

طالب: من قول أحمد من وطأ الحبلى يزيد في سمعه وبصره.

يعني من قوله ليس بمرفوع؟ هذا مرفوع، لكنه وجوده مثل عدمه، ما دام فيه راوٍ متروك، فيه راوٍ متروك.

طالب:.......

إيه، إن كان من كلام أهل العلم يكون ثابت ما في إشكال، لكن الكلام في الحجة الملزمة التي يستدل بها.

سم.

أحسن الله إليك.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا حي يا قيوم.

قال المصنف -رحمه الله تعالى-:

باب: القضاء في أمهات الأولاد

قال يحيى: قال مالك: عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- قال: "ما بال رجال يطؤون ولائدهم ثم يعزلوهن، لا تأتيني وليدة يعترف سيدها أن قد ألم بها إلا ألحقت به ولدها، فاعزلوا بعد ذلك أو اتركوا".

وحدثني مالك عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد أنها أخبرته أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- قال: "ما بال رجال يطؤون ولائدهم ثم يدعوهن يخرجن، لا تأتيني وليدة يعترف سيدها أن قد ألم بها إلا قد ألحقت به ولدها، فأرسلوهن بعد أو أمسكوهن".

قال يحيى: سمعت مالكاً -رحمه الله- يقول: "الأمر عندنا في أم الولد إذا جنت جناية ضمن سيدها ما بينها وبين قيمتها، وليس له أن يسلمها، وليس عليه أن يحمل من جنايتها أكثر من قيمتها".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب: القضاء في أمهات الأولاد

أم الولد هي الأمة التي تأتي من سيدها بولد، ولها أحكام معروفة في كتب الفروع، منها: أنها تعتق بولدها، يعتقها ولدها، لكنه عتق موقوف على موت سيدها، والخلاف في حكم بيع أمهات الأولاد معروف بين الصحابة ومن بعدهم.

هنا يبحث الإمام -رحمه الله تعالى-، يورد عن عبد الله بن عمر عن أبيه، يقول: "قال يحيى: قال مالك: عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال: "ما بال رجال" وهذا أسلوب نبوي ستراً على بعض المخالفين بما يؤدي الغرض، الأسلوب الذي يؤدي الغرض، ولا يجرح أحد "ما بال رجال" والنبي -عليه الصلاة والسلام- كثيراً ما يقول: ((ما بال أقوام)) "ما بال رجال يطؤون ولائدهم" يعني أمهات الأولاد إن كن قد أنجبن قبل ذلك، أو هن الإماء، الأمة يقال لها: وليدة "ثم يعزلوهن" العزل معروف، ويحصل مع الأمة كما يحصل مع الحرة، وهو معالجة الجماع مع الزوجة، أو مع ملك اليمين، ثم قبيل الإنزال يكون الإنزال خارج الفرج، وجابر -رضي الله تعالى عنه- قال: "كنا نعزل والقرآن ينزل، ولو كان شيئاً ينهى عنه لنهى عنه القرآن".

وعلى كل حال ما يريده الله ويقدره لا بد أن يكون عزل أو لم يعزل، وكثير من الناس يستعمل الموانع ومع ذلك يحصل الحمل، إذا أراد الله نسمة قد كتبها الله -جل وعلا- لا بد أن توجد، ولو وجد ما يمنع "ثم يعزلوهن" كيف يعزلوهن؟ الأصل يعزلوا عنهن، قال الباجي: "يحتمل أن يريد العزل المعروف أي عزل الماء عن الجماع بصبه خارج الفرج، ويحتمل أن يريد اعتزالهن في الوطء، وإزالتهن عن حكم التسري انتفاءً من الولد".

"لا تأتيني وليدة يعترف سيدها أن قد ألم بها إلا ألحقت به ولدها، فاعزلوا بعد أو اتركوا" ما دام هي فراش لسيدها فالولد لاحق له لا محالة، ولا بد أن يلحق به ما لم يجزم بزناها، ويلاعن على ذلك، وإلا فالولد لازم له ما دامت فراشاً له.

قال: "وحدثني مالك عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد" نافع مولى ابن عمر، وصفية بنت أبي عبيد زوجة عبد الله بن عمر، وهي أخت المختار بن أبي عبيد الذي ادعى النبوة، وجاء الخبر بأنه كذاب ((في ثقيف كذاب ومبير)) نعم.

طالب:.......

لا بد من اللعان ما ينتفي إلا باللعان.

صفية بنت أبي عبيد زوجة عبد الله بن عمر هي أخت المختار بن أبي عبيد.

طالب: الأمة تلاعن؟

نعم؟

طالب: الأمة تلاعن؟

إذا أراد نفي الولد لا بد.

طالب: تلاعن؟

إيه لا بد، لا بد من اللعان.

"عن صفية بنت أبي عبيد" ذكرنا أنها زوجة عبد الله بن عمر، وأخوها المختار بن أبي عبيد المعروف الكذاب الذي ادعى النبوة.

"أنها أخبرته أن عمر بن الخطاب قال: "ما بال رجال يطؤون ولائدهم؟" كسابقه، يعني يطؤون يجامعون الإماء ملك اليمين "ثم يدعوهن يخرجن" يخرجن في الأسواق للخدمة، يخدمون الناس، وهذه عادة جارية بين الناس "ثم يدعوهن يخرجن" وبهذه الخدمة إن لم يكن هناك تدين من هذه الوليدة، أو ممن تخدم عنده قد يحصل ما يحصل كما يحصل الآن في بيوت المسلمين من هؤلاء الخادمات وغيرهم.

المقصود أن هذا لا شك أنه قد ييسر بعض مزاولة الفاحشة -نسأل الله السلامة والعافية-، لكن إذا تربى الناس والمجتمعات على الدين وعلى الفضل والمحافظة والاحتراس من الخلوة المحرمة، أو السفر المحرم إذا بذلت الأسباب الشرعية والاحتياطات التي جاءت عن الشارع خفت المشكلة، وإلا إذا تساهل الناس في مثل هذه الأمور فالكوارث لا بد أن تقع، وقد وقعت -نسأل الله السلامة والعافية-.

"ثم يدعوهن يخرجن، لا تأتيني وليدة يعترف سيدها أن قد ألم بها إلا قد ألحقت به ولدها" إلا قد ألحقت به ولدها، يعني هي وليدة يطأها، وقد يعزل عنها ليتجنب الحمل، ثم يتركها تخدم عند الناس، ثم يسمع من كلام الناس أنها تعرض نفسها لشيء من ذلك، ثم يريد أن يتبرأ من الولد، لا تحصل البراءة منه، ولو عزل عنها، ما دام يطأها.

"ثم يدعوهن يخرجن، لا تأتيني وليدة يعترف سيدها أن قد ألم بها إلا قد ألحقت به ولدها" لكن لو قدر أن هذا السيد منذ اشتراها إلى أن حبلت ما وطئها، واعترف هو، واعترفت بذلك، لا شك أن مثل هذا حكمه يختلف.

"إلا قد ألحقت به ولدها، فأرسلوهن بعدُ" يعني بعد ذلك "أو أمسكوهن" و(بعد) في هذا الخبر والذي قبله مبنية على الضم؛ لأنها مقطوعة عن الإضافة مع نية المضاف إليه "أو أمسكوهن" اصنعوا ما شئتم، امسكوهن في بيوتكم كما هو الأصل، أو أرسلوهن للخدمة في بيوت الناس، لكن لا بد من أخذ الاحتياطات والحذر من مثل هذه الأمور.

"قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: الأمر عندنا في أم الولد إذا جنت جناية" سواءً كانت أم ولد بالفعل أو أمة أو عبد "إذا جنت جناية ضمن سيدها ما بينها وبين قيمتها" يعني إذا جنت جناية قدرت هذه الجناية بألف، وقيمة هذه الأمة ألفين، نعم يدفع يضمن الألف، لو جنت جناية بألفين قال: خذوا الأمة، ثلاثة آلاف قال: خذوا الأمة ولا يلحقونه بأكثر من هذا، لا يجمع له بين مصيبتين، تؤخذ الأمة، ويغرم مع ذلك، إنما يضمن الجناية بسببه، قد يقول قائل: هي عاقلة لماذا لا تكون جنايتها عليها؟ من أين؟ هي لا تملك، نعم، وأيضاً ما جنت هذه الجناية إلا بسبب إهمالك لها، فأنت تتحمل شيء من المسئولية، لكن أكثر من قيمتها لا، من قيمتها فما دون فتضمن، وما عدا ذلك فلا ضمان.

"الأمر عندنا في أم الولد إذا جنت جناية ضمن سيدها ما بينها وبين قيمتها، وليس له أن يسلمها" ليس له أن يسلمها إذا كانت الجناية أقل من قيمتها "وليس عليه أن يحمل من جنايتها أكثر من قيمتها" يعني لا يحمل أكثر من قيمتها فتفوت عليه، ومع ذلك يضاف إليه مبلغ آخر.

أحسن الله إليك.

باب: القضاء في عمارة الموات

حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أحيا أرضاً ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق)).

قال مالك: والعرق الظالم كل ما احتفر، أو أخذ أو غرس بغير حق.

وحدثني مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: "من أحيا أرضاً ميتة فهي له".

قال مالك: وعلى ذلك الأمر عندنا.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب: القضاء في عمارة الموات

عمارة الموات، المراد بالموات الأرض الميتة التي لا مالك لها، ولا يحتاج إليها لا بالخصوص ولا بالعموم، يعني لا تحتاج إلى مرفق عام كمسيل مثلاً، أو مما يحتاج إليه الناس كلهم من المرافق العامة مثل المدارس والمساجد وغير هذا، هذه المرافق العامة لا تملك، وكذلك المسايل مسايل المياه لا تملك، فكل ما يحتاج إليه على سبيل العموم يحتاجه أهل البلد من مسجد ومقبرة ومسيل، وما أشبه ذلك هذا لا يملك ولو أحي، أو كان سبق له ملك من خاص أو اختصاص، كل هذا لمن سبق إليه، لا يملكه بالإحياء، وما عدا ذلك من أرض ميتة التي لا مالك لها تملك بالإحياء.

قال: "حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أحيا أرضاً ميتة فهي له))" سبق إلى هذه الأرض، وسأل عنها وإذا لا مالك لها، وهل يحتاجها البلد؟ لا يحتاجونها، فأحياها بعمارتها، بزراعتها، بتسويرها سور يمنع من الدخول والخروج يملكها، وهل يشترط في ذلك إذن الإمام أو لا يشترط؟ الجمهور على أنه لا يشترط، بل مجرد إحيائه لها يملكها، وعند الحنفية لا بد من إذن الإمام.

ولا شك أن الأصل قول الجمهور بهذا الحديث، وبما جاء في معناه أن الموات يملك بالإحياء، لكن قول الحنفية يتجه إذا وجدت المشاحة، والمشاحنة بحيث لو ترك الناس يحيون ما وقعوا عليه لحصل بينهم الجدال والنزاع والقتال، تجد السيارات تجوب البراري شرقاً وغرباً، ويمين وشمال، وكل واحد يقول: أنا وصلت قبلك، وواحد يقول: أنا وصلت بعدك، حينئذٍ يتدخل الإمام، وإذا خشي من تضييقهم أيضاً على الناس، وعلى طرقهم فلا شك أن الإمام ينظم الناس في مثل هذه الأمور، فلا بد من إذنه من هذه الحيثية، وإلا فالأصل أن الحديث ما فيه قيد، فيبقى الحديث على إطلاقه، ما لم يحصل بالناس ضرر من هذا الإطلاق، فإذا حصل للناس ضرر جاء التقييد، وننظر هذا بتقبيل الحجر مثلاً، جاء الحث عليه، لكن إذا حصل زحام وقتل ودماء وضرر على ضعفاء الناس لا بد أن يتدخل الإمام ويضع من ينظم الناس، فهو من هذه الحيثية له وجه، وإلا فالأصل أن الحديث مطلق ما في لا إذن إمام ولا غيره، فلا يتجه إذن الإمام إلا حيث يحصل الضرر بهذا الإطلاق، وهذه وظيفة الإمام يعني، كف الأذى عن الناس وشر بعضهم على بعض لا بد منه، ومسألة تقبيل الحجر ظاهرة، يعني يوجد عسكري ينظم الناس لو يقول قائل: والله الشرع حثنا ليش يجي ها العسكري؟ يمنع فلان ويقدم فلان ويؤخر فلان؟ نقول: الآن هذه المصلحة تقتضيه، ولولا وجود هذا العسكري كان حصل ضرر عظيم، القوي يظلم الضعيف، فمن هذه الحيثية يتجه قول الحنفية، لا يقال إن هذا تحكم أو تدخل في أحكام الشرع، لا هو من أحكام الشرع؛ لأنه لا ضرر ولا ضرار، ولا بد من دفع الضرر، ولا يمكن يحسم دفع الضرر إلا الإمام، يعني آحاد الناس ما يملكون، يعني لو يجلس شخص ينظم الناس مثلاً، كان واحد يجي يدفعه، وثاني يمين، وواحد يسار ويش دخلك؟ فلا يملك مثل هذا إلا الإمام، هو الذي ينظم الناس.

ومعلوم أنه في مثل هذه الظروف كانت الأراضي شبه لا شيء عند الناس، البيوت كانت تؤجر بريال، يأخذه مائة سنة كل سنة ريال، يعني ما تهمهم الناس هذه الأمور، لكن الآن، لو يقال: ((من أحيا أرضاً ميتة فهي له)) يروح وراء خمسين كيلو عن الرياض المتر بكم؟ ليس برخيص، حتى خمسين كيلو ليس برخيص، ما هو مثل أول، كان قبل خمسين أو أربعين سنة يقال: يا الله اطلع النسيم وخط بسيارتك ما شئت، يقول: ويش أبى بالنسيم؟ اطلع الربوة أو الروضة أو روح يمين ما..، ويش يبي به؟ يعني ما يتعدون البطحة الناس.

طالب: العلية كانت......

نعم، شيء قبل يمكن ثلاثين سنة عرض خمسين صك بخمسين ألف فما قبلت، يعني الأرض بألف، أراضي شاسعة، فما قبلت، لكن الآن لو يفتح المجال للناس من دون تنظيم، ومن دون تدخل الإمام شوف المقاتل ويش تصير؟ فمن باب السياسة الشرعية، وصيانة الناس من الضرر لا شك أن تدخل الإمام لا بد منه، وليس معنى هذا أن الإمام يتحكم ويعطي فلان، ويترك فلان، لا ما هو بهذا المقصود، المقصود أن الإمام ينظم الناس، ويعطي الناس على قدر حاجاتهم، وهذه وظيفة الإمام، أما كون بعض الناس يعترض على رأي الحنفية ويقول: الشرع يطلق ونحن نقيد؟ لا، ليس من هذا، يبقى الإطلاق حينما لا يتضرر الناس بهذا، وعرفنا أن الناس إلى وقت قريب مثل هذه الأمور لا تهمهم، يعني ممكن الإنسان يتنازل عن أرضه لأخيه، ويش المانع؟ لكن الآن من يتنازل لأبيه أو لابنه؟ لأن الدنيا صارت هدف عند الناس، من يتصور أن بدلاً من أن يكون مساحة الرياض كيلو، كيلو واحد مربع بحيث اللي يجلس بجوار الجامع يشوف الدراويز اللي هي البوابات، كل الأربع يشوفهن أو الخمس، لكن الآن وين؟ عن الجامع يمكن تروح ستين سبعين كيلو ما تقدر تلقى لك شبر، فمثل هذا ما يقال بالإطلاق، وإن كان هو الأصل، فإدخال ولي الأمر في مثل هذا للتنظيم، ومنع وصول الضرر إلى بعض الناس من بعض، فيتجه رأي الحنفية في مثل هذه الأوقات.

((من أحيا أرضاً ميتة فهي له)) ويكون الإحياء بالزراعة، بالعمارة، بسور، وما أشبه ذلك، أما إذا وضع عليها كثيب من الرمل من الجهات، ردميات هذا ليس بإحياء، قد يقال بأن هذا اختصاص مثلاً، يضرب له مدة إن أحياها وإلا نزعت منه، لكنه لا يملك بهذا.

((وليس لعرق ظالم حق)) الظالم ليس له حق إذا اعتدى على حق أحد وأحياه لا يملكه، الظالم لا يملك، فلو أن شخصاً اعتدى على شخص على أرض شخص سواءً كان بعلمه، أو يعني بقصد أو بغير قصد، فليس له حق في الملك، يعني شخص له أرض في جهة من الجهات، وتوقع أن أرضه هذه فبنى بها، بنى عليها شيد عليها مبنى، ثم لما طبقت الصكوك، وجدت أن هذه ليست أرضه، أرضه الثانية، هذا ليس له حق، فإن كان مخطئاً إن كان قاصد هذا ما فيه إشكال تهدم البناية وليس له أي حق، وإن كان مخطئاً فالصلح، وإلا فالأصل أن الأرض لصاحبها، لو أصر صاحبها هل نقول حينئذٍ: لا ضرر ولا ضرار؟ لو أصر قال: أنا لا أريد عمارة على هذه الأرض، أنا أريد أن أزرع هذه الأرض، لا بد أن يشيل عمارته، هل نقول حينئذٍ: لا ضرر ولا ضرار تصلحون؟ أخذ أرضه ويزيدك يرضيك؟ لا شك أن هذا هو المطلب الأول، لكن إن أصر فأرضه له، وإن زرع هذه الأرض فإنه حينئذٍ يرفع ما وضعه في هذه الأرض وليس له منها شيء.

"قال مالك: والعرق الظالم كل ما احتفر، أو أخذ، أو غرس بغير حق" ولا يملك بالظلم ولا شبر، وقد جاء الوعيد الشديد فيمن اغتصب أو اقتطع شبراً من الأرض ظلماً طوقه يوم القيامة من سبع أرضين -نسأل الله السلامة والعافية-، يكون طوقاً يلازمه في عنقه من سبع أرضين، فكيف يحمل الإنسان نفسه ما لا تطيق؟! -نسأل الله السلامة والعافية-، لكنه الطمع الذي لا علاج له إلا بمراجعة النفس والقناعة، الله المستعان.

تجد بعض الناس -نسأل الله السلامة والعافية- يملك الأراضي الواسعة، يعني الشرع ينظر إلى جميع الأطراف، يعني هذا الظالم ليس له حق، وأيضاً صاحب الأرض إذا أراد أحد أن ينتفع بأرضه من غير ضرر عليه، ولا تفويت لمصلحة من مصالحه، فإن مثل هذا يرد فيه ما جاء في أول الأمر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر الأنصار أن يعيروا أراضيهم لإخوانهم من المهاجرين ليزرعونها بغير مقابل، وهنا إذا كانت هناك أرض مناسبة، بعض الناس يتحرج من أن يخرج في نزهة يسمونها كشتة، يكفت في أرض مملوكة؟ يقول: هذه الدار مغصوبة ما أستطيع أن أصلي فيها؛ لأنه تصرف فيها من غير إذن صاحبها، نعم أنت مأمور بالورع والاحتياط، لكن أيضاً أخوك مأمور بأن يوسع على الناس إذا كان لا يضره، وبعض الناس هذا يتورع، وهذا يظلم أكثر من حقه، فيضرب من يجده في هذه الأرض، فلا هذا ولا هذا، الشرع متوازن، ينظر إلى مصلحة هذا لا تفوت، وينظر أيضاً إلى المسكين المحتاج إلى أنه لا يظلم أيضاً، يعني من وجد في أرضه شخص جالس هو وأسرته يتنزهون ما عليك ضرر يا أخي، فأنت مأمور بالرفق به، وهو أيضاً مأمور بالتحري والاحتياط لأملاك الناس، نعم؟

طالب: لا يفسد.

نعم لا يفسد، ولا يطرد أيضاً أو يضرب، فالشرع فيه التوازن، ويخاطب كل شخص بما يناسبه؛ لأنه وجد من يتعدى ويظلم في مثل هذه الأمور، يجد شخص جالس مع أسرته في رحلة أو نزهة أو شيء ثم يضربه ضرباً مبرحاً لا مبرر له، هو لا يتضرر بذلك، لا شك أن هذا ظالم.

"وحدثني مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- قال: "من أحيا أرضاً ميتة فهي له" وهذا كسابقه إذا كانت موات لا ملك لأحد عليها، ولا يحتاج إليها في المصالح العامة فإنه يملكها.

"قال مالك: وعلى ذلك الأمر عندنا" يعني عند مالك وعند الشافعية وعند الحنابلة أنه يملكها من غير إذن أحد لا إمام ولا غيره، والحنفية يشترطون إذن الإمام، نعم.

أحسن الله إليك.

باب: القضاء في المياه

وحدثني يحيى عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في سيل مهزور ومذينب: ((يمسك حتى الكعبين))

يمسَك.

أحسن الله إليك.

((يمسك حتى الكعبين، ثم يرسل الأعلى على الأسفل)).

وحدثني مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ)).

وحدثني مالك عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن أنها أخبرته أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يمنع نقع بئر)).

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب: القضاء في المياه

جاء في الحديث: ((الناس شركاء في ثلاثة: في الماء والكلأ والنار)) شركاء في الماء، والمقصود به الماء الذي لم يحزه صاحبه إلى رحله، أو ينفق عليه الأموال، فإذا أنفق عليه الأموال في جلبه أو استنباطه ملكه، لكن الماء الذي لم يتعب عليه هذا الناس فيه شركاء، ولا يجوز أن يمنع بحال، وكذلك العشب، والكلأ الرطب واليابس، ومثله النار لا تملك، من أراد أن يقدح منها أو يوري منها ناراً فله ذلك، أو يستصبح بها لا مانع من ذلك، ما لم يتضرر صاحبها، وقل مثل هذا في جميع ما يمكن أن ينتفع به من غير أن يتضرر صاحبه، فعليه أن يبذله، فالأنوار التي على أسوار البيوت مثلاً لو واحد معه خطاب أو ورقة أو فائدة يريد أن يقرأها فوقف عند تحت سور فأخذ يطالع هذه الورقة، فليس لصاحب البيت أن يمنعه من الاستصباح بهذا المصباح، مثل النار، ليس له ذلك؛ لأنه لا يتضرر بهذا، لكن لو كان المصباح فوق الباب والباب عرضة لأن يفتح، ثم قال: أنا جالس أمام الباب أقرأ هذه الورقة نعم يمنعه، له أن يمنعه؛ لأنه يتضرر بهذا، متى فتح الباب اطلع على عوراتهم، فالمقصود أن مثل هذه الأمور التي لا يتضرر أصحابها بها عليهم أن يبذلوها، ولذا جاء ذم من يمنع الماعون، ومثل الماعون الحبل والدلو، وما أشبه ذلك التي يستفيد منه الناس، وهو لا يتضرر بذلك.

منهم من يقول: إذا ملك الأرض ملك الكلأ، ومنهم من يقول: إن الكلأ على إطلاقه، ما لم يتعب عليه، ويحوزه إلى رحله، وإذا تعب عليه ملكه.

قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب: القضاء في المياه

"حدثني يحيى عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في سيل مهزور ومذينب" هما واديان يسيلان إذا نزل المطر، قرب المدينة: ((يمسك حتى الكعبين، ثم يرسل الأعلى إلى الأسفل)) معلوم أن الماء يأتي من أعلى إلى أسفل، ولا عكس، فإذا نزل من السماء إلى الأرض ذهب ينساب من الجهة العالية إلى الجهة النازلة، وفي طريقه يمر بمزارع، ويكون الأولى به الأول، ويمسكه حينئذٍ إلى الكعب إلى الجدر، ثم بعد ذلك يرسله إلى من بعده، ولا يقال: يترك على طريقته يمشي من دون إمساك لأنه؛ لأن الأعلى يتضرر، إذا كان مجرد مرور يتضرر، بل لا بد أن يمسكه إلى الكعب، لكي يروى الشجر، ثم بعد ذلك يرسله.

وفي هذا قضية أو قصة الزبير مع الأنصاري في قصة شراج الحرة، والتي اتهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بأنه قضى لابن عمته، وحاشاه من ذلك -عليه الصلاة والسلام-، ونزل في ذلك قول الله -جل وعلا-: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [(65) سورة النساء] لا بد من هذا، فالأنصاري قال كلمته المقيتة: إن كان ابن عمتك؛ لأن الزبير ابن صفية عمة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- قضى بقضاء أشبه ما يكون بالصلح فيه مصلحة للأنصاري، ثم بعد ذلك قضى بالحكم الشرعي البات، ((أمسك يا زبير إلى أن يصل الماء إلى الجدر)) يعني مقارب للكعبين في هذا الحديث، ثم يرسله إلى من بعده، فلا يمسكه حتى يتضرر من بعده، ولا يتركه ينساب بحيث لا يبقى منه شيء فيتضرر الأعلى، يمسك حتى الكعبين، ثم يرسل الأعلى إلى الأسفل، يتركه ينزل إلى الأسفل، إذا أخذ كفايته بالحد الشرعي.

وهذا الحديث كما هو معروف فيه..، هو بلاغ فيه انقطاع، أو فيه إبهام، وهو موصول عند أبي داود وابن ماجه، على كل حال الحديث له شواهد، وهو صحيح.

قال: "وحدثني مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يمنع فضل الماء))" ((لا يمنعُ)) (لا) هذه نافية، ولو كانت ناهية لجزمت، لا يمنعْ، وهذه النافية المراد منها النهي، وأهل العلم يقولون: إن النفي أبلغ من النهي؛ لأنه على هذا يكون الأصل أن المسلم لا يَمنع، ما يحتاج إلى نهي؛ لأن هذا الأصل في المسلم أنه لا يمنع، لكن إن منع نهي عن ذلك.

قال: ((لا يمنع فضل الماء)) يعني القدر الزائد عن الحاجة ((ليمنع به الكلأ)) فضل الماء الزائد عن حاجة الأعلى إلى ما دونه، الناس يبعلون في البراري لهم بعل أو بعول، فلا يمنع فضل الماء الزائد عن حاجته لبعله، مثل ما جاء في الزراعة؛ ليتضرر، يمنع به الكلأ الذي يليه، تأخذ حاجتك وترسله إلى من بعدك، وتتركه ينساب في الصحاري ليخرج الكلأ.

والقصد من هذه الأمور أن الناس يتعاملون بالانتفاع، كل واحد ينتفع بالآخر، وكل واحد يسدي إلى الآخر، ما ينفعه من غير مشاحة ولا مشاحنة، وتسري روح الأخوة بين المسلمين، لكن إن حصل ما حصل من المشاحة والمشاحنة فلا بد من القضاء؛ ليحسم هذه المشاحنات، ويكون بالحد الشرعي، وهو إلى الجدر أو الكعبين، وبعد ذلك يرسل.

"وحدثني مالك عن أبي الرجال" محمد بن عبد الرحمن، أبو الرجال هذه كنية، محمد بن عبد الرحمن؛ لأنه له كم ولد؟ نعم عشرة، كلهم بلغوا مبلغ الرجال، وصار يشار إليهم بالبنان "عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن أنها أخبرته أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يمنع نقع بئر))" يعني بحيث لا يتضرر صاحبه، أو بئر ليست مملوكة لأحد، فإن هذا لا يجوز أن يمنعه أحد، وإن كانت مملوكة لشخص فإن ما فضل عن حاجته ينبغي أن يجود به على غيره، نعم.

أحسن الله إليك.

باب: القضاء في المرفق

حدثني يحيى عن مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا ضرر ولا ضرار)).

وحدثني مالك عن ابن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يمنع أحدكم جاره خشبة يغرزها في جداره)) ثم يقول أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه-: "ما لي أراكم عنها معرضين، والله لأرمين بها بين أكتافكم".

وحدثني مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أن الضحاك بن خليفة ساق خليجاً له من العريض، فأراد أن يمر به في أرض محمد بن مسلمة فأبى محمد فقال له الضحاك: لم تمنعني وهو لك منفعة تشرب به أولاً وآخراً، ولا يضرك؟ فأبى محمد، فكلم فيه الضحاك عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه-، فدعا عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- محمد بن مسلمة -رضي الله تعالى عنه-، فأمره أن يخلي سبيله، فقال محمد: لا، فقال عمر: لم تمنع أخاك ما ينفعه وهو لك نافع تسقي به أولاً وآخراً، وهو لا يضرك؟ فقال محمد: لا والله، فقال عمر: والله ليمرن به ولو على بطنك، فأمره عمر أن يمر به، ففعل الضحاك.

وحدثني مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أنه قال: كان في حائط جده ربيع لعبد الرحمن بن عوف، فأراد عبد الرحمن بن عوف -رضي الله تعالى عنه- أن يحوله إلى ناحية من الحائط، هي أقرب إلى أرضه، فمنعه صاحب الحائط، فكلم عبد الرحمن بن عوف -رضي الله تعالى عنه- عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- في ذلك فقضى لعبد الرحمن بن عوف بتحويله.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب: القضاء في المرفق

كمجلس، أو المرفَق كمنبر، ضبط بالوجهين، وهو كل ما استفيد منه، وارتفق به، وحصل به الرفق لعامة الناس، والارتفاق هو الانتفاع.

قال: "حدثني يحيى عن مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا ضرر ولا ضرار))" هذا الحديث له طرق كثيرة، وإن كانت مفرداتها لا تسلم من كلام، إلا أنه بمجموع طرقه يثبت، وهو قاعدة من قواعد الشريعة ((لا ضرر ولا ضرار)) يعني لا تضر ابتداءً ولا معاقبة، فلا تضر غيرك ابتداءً بأن توصل إليه الضرر، ولا تزيد في الاقتصاص منه إذا ضرك، لا في البداية ولا في النهاية، الضرر ممنوع، فالضرر هو الابتداء بما يضر، والضرار هو معاقبة من أوصل إليك الضرر بأكثر من ضرره الذي وصلك، وجاء النهي عن الضرر {لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ} [(233) سورة البقرة] {وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ} [(282) سورة البقرة] المقصود أن المضارة لا تجوز من الطرفين، واللفظ في القرآن يحتمل أن الإنسان لا يضارر ولا يضارر؛ لأن الحرف المضعف يحتمل {لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ} لو فكينا الحرف المضاعف المشدد لاحتمل أن تكون: لا تضارر والدة بولدها، فتضر أباه، أو تضر الولد، تضره بولده، أو لا تضارر هذه الأم بولدها فيضرها أبوه، حيث تتضرر، المقصود أنه خطاب للطرفين فلا ضرر ولا ضرار.

ومناسبة هذا للأقضية والمرافق لا شك أنها ظاهرة، فالأقضية كلها مبنية على هذا، على انتفاء الضرر، ورفع الضرر عن المسلمين، وما شرع إقامة الحاكم بدءاً من الإمام الأعظم إلى آخر من ينيبه إلا من أجل رفع الضرر عن المسلمين، وكذلك المرافق العامة يحصل فيها مضارة، يحصل فيها منافسة، مع ذلك بعض الناس إذا جاء إلى مكان مما يرتفق به أخذ منه أكثر من قدر حاجته، حبس منه أكثر من قدر حاجته، وضيق على الناس، ويكون الأمر أشد إذا كان مما يتعبد به، يعني مواطن عبادة، مثل مسجد مثلاً، أو المشاعر، تجد الإنسان يأخذ أكثر من حاجته، والناس يتضايقون، لا شك أنه ضرر هذا، هذا ضرر، لا بد من رفعه؛ لأنه يتضرر به الناس.

قال: "وحدثني مالك عن ابن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يمنع))" لا ناهية أو لا يمنعُ فتكون نافية والمرد منه النهي؟ ((أحدكم جاره خشبة يغرزها في جداره)) لا شك أن كل جار محتاج إلى جاره؛ لأن الإنسان لا يستطيع أن يستقل بنفسه ((لا يمنع أحدكم جاره خشبة يغرزها في جداره)) لأن الجدار الذي يسقف بواسطته البيوت، يوضع عليه خشبة لصاحبه، وخشبة لجاره، ولا يلزم أن يبنى جدار هذا وجدار لهذا، لكن يبقى أنه يحصل الاتفاق، والبيان على أن هذا الجدار لفلان؛ لئلا يحصل نزاع فيما بعد، الورثة إذا انتهى انقرض هذا الجيل، وجاء الجيل الذي يليهم، أولاد الجار يقولون: الجدار لنا، فلا بد أن يكون الكلام مبيناً، وأن الجدار لفلان؛ لئلا يحصل نزاع ولا شقاق، لكن ليس لمن بنى الجدار أن يمنع جاره من أن يضع عليه الخشب، يغرزها في جداره.

وقل مثل هذا في الوتد، احتاج الناس وتد، معروف الوتد وإلا ما هو معروف؟ نعم خشبة تغرز في جدار يعلق عليها ما يحتاج إلى تعليقه، يغرزها في جداره، وبعض الناس يكون عنده شيء من الدقة والحرص على أمواله وعلى حقوقه بحيث لو استأجر منه شخص بيت وإلا شقة ثم بعد ذلك خرج منه يأتي يناقشه ليش هذا المسمار هنا؟ وليش كذا كذا؟ هذا ما هو بأشد من الخشب من غرز الخشبة في الجدار، أنت محتاج لأن تعلق حاجاتك في هذا الجدار، لكن في أيضاً بالمقابل على المستأجر ألا يضر بصاحب المحل، فيحتاج المحل إلى ترميم بقدر الأجرة، أو قريب منها، ((لا ضرر ولا ضرار)) أنت مطالب بالانتفاع، أنت لك أن تنتفع من هذا المحل المستأجر، ولا يجوز لك أن تضر بصاحبه.

((يغرزها في جداره)) ثم يقول أبو هريرة: "ما لي أراكم عنها معرضين" أي: عن هذه السنة التي حدثتكم بها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "والله لأرمين بها بين أكتافكم" لأرمين بها يعني السنة، أو بالخشبة على ما قال أهل العلم، المقصود أن هذه السنة ملزمة لأصحاب الجوار، كل واحد يترك صاحبه ينتفع بجداره، وينتفع بما لا يضره.

قال: "وحدثني مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أن الضحاك بن خليفة ساق خليجاً له من العريض، فأراد أن يمر به" العريض معروف جهة من جهات المدينة معروفة الآن، فأراد أن يمر به في أرض محمد بن مسلمة، خليج نهر صغير، ومثله أو قريب منه الربيع الذي سيأتي في الخبر الذي يليه "فأراد أن يمر به في أرض محمد بن مسلمة" لا يمكن أن يصل إلى مزرعته إلا بواسطة أرض محمد بن مسلمة "فأبى محمد، فقال له الضحاك: لم تمنعني، وهو لك منفعة، تشرب به أولاً وآخراً" الآن إذا مر هذا الخليج في أرضه انتفع، والتكاليف على الضحاك، ما عليك نقص، أنت تنتفع من دون ضرر عليك "تشرب به أولاً وآخراً، ولا يضرك، فأبى محمد، فكلم فيه الضحاك عمر بن الخطاب، فدعا عمر بن الخطاب محمد بن مسلمة، فأمره أن يخلي سبيله، فقال محمد: لا" إن كانت الأرض أرضي فلا أترك، يعني بعض الناس يريد أن يستقصي كل ما يمكن أن يستقصيه من حقه "فقال محمد: لا، فقال عمر: لم تمنع أخاك ما ينفعه، وهو لك نافع؟" يعني أنت ما تتضرر "تسقي به أولاً وآخراً، وهو لا يضرك فقال محمد: لا والله" النفع اللي يجيني من وراءه لا أريده، لا والله لا يمر، ما أنا بحاجته؛ لأن بعض الناس يتصور أن أخاه ينتفع وهو لا ينتفع إذاً ويش الفائدة؟ الناس، صحيح صحابة وأجلاء وكذا لكنهم بشر، يعتريهم ما يعتري البشر، ومثل هذا الأمر نادر فيهم، لكنه مع ذلك يوجد؛ لأنهم بشر "فقال محمد: لا والله، فقال عمر: والله ليمرن به ولو على بطنك" أطر على الحق "فأمره عمر أن يمر به ففعل الضحاك" هذا قضاء من عمر -رضي الله تعالى عنه-، وهذا في كل ما ينتفع به من جهة، بحيث لا يتضرر به الطرف الآخر بوجه من الوجوه.

قال: "وحدثني مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أنه قال: كان في حائط جده ربيع" نهر صغير، "ربيع لعبد الرحمن بن عوف" يعني يمر وهو لعبد الرحمن بن عوف يمر بحائطه "فأراد عبد الرحمن بن عوف أن يحوله إلى ناحية من الحائط، وهي أقرب إلى أرضه، فمنعه صاحب الحائط" يعني لو تصورنا أن الربيع في هذه الجهة، وهذه أرض الجد، نعم وفي أرض ثانية هو يمر الآن من طول الأرض كلها، من أولها إلى آخرها، وفيه أرض في تلك الجهة لعبد الرحمن بن عوف، فأراد عبد الرحمن أن يحوله من أن يمر من هنا إلى جهة تكون أقرب إلى أرضه التي في هذه الجهة، فبدلاً من أن يمشي في أرضه مائتين ثلاثمائة متر يكفيه خمسين متر، يعني لو أن عبد الرحمن بن عوف مشاه على الأرض من طولها، من أولها إلى آخرها مائتين متر، ثم بعد ذلك جعله ينعطف إلى أرضه، لا شك أنه يتضرر بهذا، وكونه يمر بأرض الجد هذه يستفيدون منها، ويسقي أرضه الثانية من غير ضرر، نعم؟

طالب: تنقص قوة الماء.

مع طول المشي ما في شك أنه الدفع يضعف.

"فأراد عبد الرحمن بن عوف أن يحوله إلى ناحية من الحائط، وهي أقرب إلى أرضه، فمنعه صاحب الحائط، فكلم عبد الرحمن بن عوف عمر بن الخطاب في ذلك، فقضى لعبد الرحمن بن عوف بتحويله" لأنه ما دام يتضرر فلا ضرر ولا ضرار، وأخوه أيضاً ينتفع، وإن كان نفعه أقل من النفع السابق، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ونقف على هذا، وهذا آخر الدروس بالنسبة للموطأ في هذا الفصل.

اللهم صل على محمد....

يقول: هذا حصل معه تحرك للمني رغماً عنه من الخصية إلى إيش؟ لكن لم يخرج، وحصل معه احتباس له،

وسبب له التعب، وانشغال الذهن والبال، واستمر لمدة يومين تقريباً، يقول: حاولت النوم حتى يحصل احتلام، ولكن بدون فائدة، وبعدها استلقيت على السرير، وتفكرت في خروجه وخرج، فهل علي من حرج؟
يعني جلس يومين؟ إيش معنى الانتقال هذا الذي يجلس ينتقل من مكان إلى مكان ويجلس يومين؟ والله ما أدري.
على كل حال الحكم معلق بالخروج، بخروجه، فإن خرج في النوم أوجب الغسل مطلقاً شعر به أو لم يشعر إذا رآه، وإن كان في اليقظة فلا بد أن يكون بلذة، وكونه يخرجه أو يحاول إخراجه بعد احتباسه المضر به والمقلق له هذا حكمه كحكم الحجامة والفصد لا شيء فيه.

هل يستفتح في صلاة الليل لكل ركعتين أم يكفي الاستفتاح في أول تسليمة؟

الأصل أن كل تسليمتين مادام يسلم من كل ركعتين أنها صلاة مستقلة، يستفتح لها، وينوع الاستفتاح؛ لأنه جاء أنواع في الاستفتاح عن النبي -عليه الصلاة والسلام-.