شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1425 هـ) - 26

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

إخوتنا وأخواتنا، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، طابت أوقاتكم جميعًا بكل خير، وأهلاً بكم إلى حلقةٍ جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، وهو المشهور بمختصر صحيح البخاري، للإمام زين الدين أحمد بن أحمد بن عبد اللطيف الزبيدي، المتوفى سنة (893هـ) ثلاثٍ وتسعين وثمانمائة للهجرة -رحمه الله-.

 يسرنا بدايةً أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً ومرحبًا بكم يا شيخ.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: فضيلة الدكتور في الحلقة الماضية أشرتم إلى كتابٍ للخطيب البغدادي، موضح إيهام الجمع والتفريق، أشرتم إلى ضرورة أن يقرأ طالب العلم مقدمة الكتاب؛ لما فيها من فائدة، يعني لماذا أشرتم إلى هذه الجزئية بالذات؟ وهل من شيء مهم نشير إليه في المقدمة؟

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الكتاب موضح أوهام الجمع والتفريق للخطيب موضوعه النظر في كتب المتقدمين، كتب الرجال، لاسيما كتاب البخاري التاريخ الكبير، والجرح والتعديل، وكأنه محاكمة بينهما؛ لأن البخاري فرَّق أحيانًا، فجعل الراوي اثنين أو العكس، تتبعه ابن أبي حاتم نقلاً عن أبيه، وأبي زرعة، وألف كتابًا عنوانه يلاحظ على ابن أبي حاتم بيان خطأ البخاري في تاريخه، لكن كبار مع كبار مثل هذا يقبل من مثلهم؛ لأنهم كبار، لكن مثل الخطيب الذي بعدهم بمائتي سنة، بعدهم بقرنين، قد لا يقبل مثل هذه المحاكمة، لكن لا بد أن يتولاها من تأخر، هل يتصور أن محاكمة بين الاثنين يتولاها شيوخهم، علي بن المديني مثلاً؟ ما يمكن، اللهم إلا لو في حضرته كل واحد أبدى رأيه، وعرض عليه، لكن في الكتب، الخطيب خشي من أن يظن به ظن سوء، كيف يتطاول على البخاري، وعلى غير البخاري من الكبار، فيحكم بينهم؟

 قدَّم بمقدمة حقيقةً يوصَى كل طالب علم بقراءتها في غاية الأدب يقول: ولعل بعض من ينظر فيما سطرناه، ويقف على ما لكتابنا هذا ضمناه، يلحق سيئ الظن بنا، ويرى أنا عمدنا للطعن على من تقدمنا، وإظهار العيب لكبراء شيوخنا، وعلماء سلفنا، وأنى يكون ذلك -استبعاد- وبهم ذُكِرنا، وبشعاع ضيائهم تبصَّرنا، وباقتفاء نواضح رسومهم تميَّزنا، وبسلوك سبيلهم عن الهمج تحيَّزنا، لا شك أن المتأخر مهما بلغ في علمه، إلا أنه عالة على من تقدمه، ثم من جاء بعد الخطيب، كما قال أبو بكر بن نقطة: كل من كتب في علوم الحديث، أو من ألَّف في علوم الحديث، فهو عالةٌ على كتب الخطيب، يقول: وبسلوك سبيلهم عن الهمج تحيزنا، يعني تفاوت الناس. أولاً: القدر مشترك بين العلماء أنهم أخذوا عمن تقدمهم، لا بد أن يكون أخذ عمن تقدم، ويبقى أن يتميز بعضهم عن بعض في توجيه الأقوال، وفي تحرير المسائل، وكيفية إظهار المسائل، وترجيح الأقوال، وفهم النصوص على مقتضى نظر السلف، وسعة الاطلاع، وعدم سعة الاطلاع، يتفاوتون في هذا، وإلا فكل من جاء متأخرًا فهو عالة على من تقدم، وسئل الشيخ محمد رشيد رضا عن شيخ الإسلام ابن تيمية، عن علم شيخ الإسلام، وما كتبه شيء مذهل، يعني لو قال قائل: أنه ما جاء مثله أحد، من خلال ما يبهر من كلامه في مؤلفاته.

 سئل رشيد رضا فقال السائل: شيخ الإسلام ابن تيمية بعلمه وإحاطته وسعته، هل هو أعلم من الأئمة الأربعة، أم هم أعلم منه؟ فأجاب بجواب قال: شيخ الإسلام باطلاعه وإحاطته على ما كتبه الأئمة الأربعة، وما كتبه أتباعهم، فهو أوسع منهم في العلم من هذه الحيثية؛ ولكونه تخرج على كتبهم، وكتب أتباعهم، فلهم الفضل عليه، ويبقى أنه لابد من الاحتفاظ لسلف هذه الأمة، وأئمتها بالقدر الذي يليق بهم من غير غلو، ومن غير تقديس أشخاص، ومن قرأ فضل علم السلف على الخلف لابن رجب عرف مقدار هذا الكلام، وأنه لا يمكن أن يُقدَّم شخص؛ لكثرة كلامه، على غيره من العلماء لقلة كلامهم؛ ولذا يقول ابن رجب- رحمه الله-: إن من فضل عالمًا على آخر بكثرة الكلام، فقد فضل الخلف على السلف؛ لأن كثرة الكلام وجد في الخلف، بينما السلف كلامه قليل، لكنه مبارك.

يقول الخطيب: وبسلوك سبيلهم عن الهمج تحيزنا، وما مثلهم ومثلنا إلا ما ذكر أبو عمرو بن علاء، فيما أخبرنا، فذكر بسنده إلى أبي عمرو قال: ما نحن فيمن مضى إلا كبقلٍ في أصول نخلٍ طوال، ولما جعل الله تعالى في الخلق أعلامًا، ونصب لكل قوم إمامًا لزم المهتدين بمبين أنوارهم، والقائمين بالحق في اقتفاء آثارهم ممن رزق البحث والفهم، وإمعان النظر في العلم، بيان ما أهملوا، وتسديد ما أغفلوا- هذه وظيفة المتأخر-؛ إذ لم يكونوا معصومين من الزلل، ولا آمنين من مقارفة الخطأ والخطل، من يعرو من الخطأ، والنسيان، والغفلة؟ ما فيه أحد، وذلك حق العالم على المتعلم، وواجبٌ على التالي للمتقدم، وعسى أن يضح العذر لنا عند من وقف على كتابنا المصنف في تاريخ مدينة السلام، يعني تاريخ بغداد للخطيب، وأخبار محدثيها، فإنا قد أوردنا فيه من مناقب البخاري وفضائله ما ينفي عنا الظن في بابه، الخطيب في ترجمة الإمام البخاري أطال فيها، وذكر من الأخبار شيئًا يليق بمنزلة الإمام، والتهمة في إصلاحنا بعض سقطات كتابه إن شاء الله تعالى، يقول: الكامل من عدت سقطاته. ثم أورد أثارًا كلها تؤيد ما ذكره -رحمه الله-. 

المقدم: رحمهم الله جميعًا، الذي ساقنا إلى هذا الكلام -أحسن الله إليكم- أننا توقفنا في الحلقة الماضية عند مسمى قيس بن صرمة، أو صرمة بن قيس، وخلاف الأئمة فيه، وذكرنا أيضًا أن البخاري رواه هكذا قيس بن صرمة، قال بعضهم: الأولى صرمة بن قيس، ثم قدمتم أن المحفوظ عن البخاري أولى بالتقديم.

لا شك لأنه أحيانًا من باب ترجيح القول لذات القول ودليله، وإذا لم يمكن الترجيح، ترجيح القول من خلال حجته ودليله، فباعتبار القائل، أحيانًا يرجح باعتبار القائل، يعني إذا توقفنا في مسألة قال بها واحد من الكبار، وقال بخلاف قوله واحد ممن هو دونهم، ما وجدنا مرجحًا، رجحنا باعتبار القائل.

 يقول بعد هذا لما ذكر كان صائمًا ذلك اليوم، كان صائمًا ذلك اليوم، فلما حضر الإفطار بمغيب الشمس (أتى امرأته) أي جاء إليها فقال لها: أعندك؟ بهمزة الاستفهام، وكسر الكاف خطابٌ للمؤنث- طعامٌ مبتدأ مؤخر، وخبره متعلق الظرف، قالت: لا، أي ليس عندي طعام، ولكن أنطلق، فأطلب لك، ظاهر هذا أنه لم يجئ معه بشيء، نهاره كله يعمل، لكن في مرسل السدي أنه أتاها بتمرٍ فقال: استبدلي به طحينًا، واجعليه ثخينًا فإن التمر أحرق جوفي، وفيه: لعلي آكله سخنًا، وأنها استبدلته له، وصنعته، هذا يبين حال ذلك الجيل من شظف العيش والتقشف والتقلل من الدنيا، ولذا انفتاح الدنيا ليس على إطلاقه دليل خير، والنبي –عليه الصلاة والسلام– إمام الجميع، وقدوة الجميع، يُرى الهلال ثلاث مرات في شهرين، ما أوقد في بيته نار، ما عندهم شيء يشترون به الطحين فقال: استبدلي بهذا التمر، والتمر إذا أكثر من استعماله لا شك أن له أثرًا على المعدة، فإن التمر أحرق جوفي، وفي تفسير الطبري من مرسل السدي: فانطلقت، فاستبدلت له، ثم صنعت، فأبطأت عليه، فنام، فأيقظته، فكره أن يعصي الله ورسوله، وأبى أن يأكل وأصبح صائمًا، فرآه رسول الله– صلى الله عليه وسلم- بالعشي فقال: «مالك يا أبا قيس؟ أمسيت طليحًا» فقص عليه القصة، (والطليح) الساقط من الإعياء والهزال، وهذا في تفسير الطبري وكان يومه –بالنصب- يعمل في أرضه، يعني عنده مزرعة يعمل فيها، كما في رواية أبي داود، وفي مرسل السدي: كان يعمل في حيطان المدينة بالأجرة، فعلى هذا فقوله: في أرضه إضافة اختصاص؛ لأن هناك إضافة ملك، وإضافة اختصاص، الآن تقول: هذا مسجدنا، اختصاص.           

المقدم: هذا بيتي مثلاً، إضافة ملك.

نعم، هذا بيتك الذي تملكه، إضافة ملك، لكن لو كان أجرة.

المقدم: اختصاص.

نعم، (فغلبته عيناه) أي نام، وللكشميهني يعني عينه بالإفراد.

قال الكرماني: غلبة العينين عبارةٌ عن النوم، فجاءته امرأته في رواية الكشميهني: فجاءته أي بالطعام، فلما رأته قالت: خيبةً لك.      

قال الكرماني: خيبةً مفعول مطلق يجب حذف عامله، وقال بعض النحاة: إن كان بدون اللام يجب نصبه، وإذا كان مع اللام جاز نصبه، و(الخيبة) الحرمان، يقال: خاب الرجل إذا لم ينل ما طلب، فلما انتصف النهار، وفي رواية أبي داود: فلم ينتصف النهار، حتى غشي عليه، بحديث الباب: فلما انتصف، في رواية: فلم ينتصف، يعني رواية الباب تدل على أنه انتهى النصف، وفي رواية أبي داود: لم ينتصف، قبل النصف غشي عليه، فيحمل الأول على أن الغشي وقع في آخر النصف الأول من النهار، قاله الحافظ، أقول: يحتمل أن يكون ابتدأ قبل منتصف النهار بدأت آثاره وعلاماته، واشتد في منتصفه، فغشي عليه، فمن نظر إلى مقدماته حكم أنه لم ينتصف النهار حتى غشي عليه، ومن نظر إلى النهاية واشتداده قال: ما غشي عليه، حتى انتصف النهار، والغشي- وقد تقدم في حديث أسماء، في باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس، من كتاب العلم- بفتح الغين، وإسكان الشين المعجمتين، وتخفيف الياء، وبكسر الشين، وتشديد الياء، الغشي، والغشيّ، أيضًا هو طرفٌ من الإغماء، نوعٌ من الإغماء، فذكر ذلك للنبي –صلى الله عليه وسلم- فنزلت هذه الآية، تقدم في بيان أسباب نزول هذه الآية أنها في قصة قيس بن صرمة، وفي قصة عمر -رضي الله تعالى عنه-، قصة قيس في حديث الباب في الأكل، وقصة عمر -رضي الله تعالى عنهم- في إتيان المرأة.           

قال الكرماني: فإن قلت: ما وجه المناسبة بينها وبين حكاية قيس؟ {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ} [سورة البقرة 187].

المقدم: {لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ} [سورة البقرة 187].

لكن فيها أحل لكم الأكل؟

المقدم: كان هذا موضع السؤال الذي سألت عليه، يعني كان موضع سؤال؛ لأنه فيما يظهر للمتأمل أن الأولى أن تكون الآية في قصة.

عمر.

المقدم: نعم.

الكرماني يقول: فإن قلت: ما وجه المناسبة بينها وبين حكاية قيس؟ قلت: لما صار الرفث حلالاً، فالأكل والشرب بطريق الأولى؛ لأن الجماع أعظم المفطرات.

المقدم: صح.

والأكل والشرب دونه، وحيث كان حلهما بالمفهوم من خلال هذه الآية بالمفهوم، لا بالمنطوق حل الأكل والشرب نزلت بعده {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} [سورة البقرة 187] تأكيد لهذا المفهوم؛ ليعلم بالمنطوق تصريحًا بتسهيل الأمر عليهم، ودفعًا لجنس الضرر الذي وقع لقيس ونحوه، أو المراد من الآية هي بتمامها إلى آخرها بما فيها {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} [سورة البقرة 187] حتى يتناول {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} [سورة البقرة 187] فالغرض من ذكر: ونزلت ثانيًا هو بيان نزول اللفظ {مِنَ الْفَجْرِ} [سورة البقرة 187] على ما سيأتي، على ما سيأتي في حديث عدي.

قال ابن حجر: وهذا- يعني كلام الكرماني الأخير- هو المعتمد يعني دلت الآية من خلال قوله -جل وعلا-: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} [سورة البقرة 187] على قصة قيس، ولسنا بحاجة إلى أن نستنبط من حل الجماع والرفث حل الأكل والشرب، لكن ما المانع أن يكون هذا دلالة مفهوم، وهذا دلالة منطوق؟ تتضافر دلالة المفهوم مع دلالة المنطوق، وهذا كلام الكرماني الأخير هو المعتمد، وبه جزم السهيلي وقال: إن الآية بتمامها نزلت في الأمرين معًا، وقدم ما يتعلق بعمر؛ لفضله، وأحيانًا قد يكون الداعي إليه {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ} [سورة البقرة 187] قد يكون الداعي إليه عند بعض الناس أشد، ولا شك أن عمر أفضل، فقدم ما يتعلق بقصته. وقال ابن حجر: أيضًا وقد وقع في رواية أبي داود، فنزلت {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ} إلى قوله: {مِنَ الْفَجْرِ} [سورة البقرة 187] فهذا يبين أن محل قوله: ففرحوا بها بعد قوله: {الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [سورة البقرة 187]، ووقع ذلك صريحًا في رواية زكريا بن أبي زائدة ولفظه: فنزلت {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ} إلى قوله: {مِنَ الْفَجْرِ} [سورة البقرة 187] يعني سيأتي البحث هل قوله: {مِنَ الْفَجْرِ} [سورة البقرة 187] نزل بعد حديث عدي، كما في حديث سهل، أو معه نزلت دفعة واحدة؟ ففرح المسلمون بذلك فرحًا شديدًا؛ لأن فيه تخفيفًا، وحط للمشقة عنهم، وعدم تعريضهم لما يخِلُّ بدينهم؛ لأن الإنسان قد يصل إلى حد لا يستطيع إلا أن يختان نفسه، فيفرحون بمثل هذا التخفيف. أحل لكم، أبيح لكم ما كان ممنوعًا. قال الطبري: أطلق لكم وأبيح ليلة الصيام التي تصبحون فيها صائمين. الرفث إلى نسائكم تقدم بيانه في أوائل كتاب الصيام. قال الطبري: هو كنايةٌ عن الجماع في هذا الموضع، يعني {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ} [سورة البقرة 187] قال الطبري: هو كناية عن الجماع في هذا الموضع، وتقدم لنا أن الرفث يشمل الجماع، والحديث فيه، لاسيما إذا كان في مواجهة النساء، ففرحوا بها فرحًا شديدًا؛ لما لحقهم من المشقة، وكلوا واشربوا جميع الليل، حتى يتبين لكم الخيط الأبيض بياض الصبح، من الخيط الأسود من سواد الليل، وسيأتي شرحهما في الحديث الآتي إن شاء الله تعالى. 

المقدم: كان فيه أطراف أيضًا في هذا الحديث.

نعم فيه، وهذا الحديث خرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في موضعين: الأول هنا في كتاب الصوم باب قول الله -جل ذكره-: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ} [سورة البقرة 187] قال الإمام البخاري- رحمه الله تعالى-: حدثنا يعني إلى آخره أحل لكم في البخاري باب قول الله -جل ذكره-: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللَّـهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَكُمْ} [سورة البقرة 187] يعني من أبلغ الأساليب {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} [سورة البقرة 187] يعني لا يوجد من البشر أقرب إلى الإنسان من زوجته، ولا إلى الزوجة من زوجها.

المقدم: يعني عندي سؤال في آخر الحلقة قبل أن أنساه، لكن بعد أن تنهي فضيلتكم التراجم، سيتبقى معنا حوالي ثلاث دقائق أسأل في هذا الجزء، إن شاء الله.

يقول الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- هنا في كتاب الصوم باب قول الله -جل ذكره- إلى آخر الآية: حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء -رضي الله تعالى عنه- قال: كان أصحاب محمد– صلى الله عليه وسلم – إذا كان الرجل صائمًا...إلى آخره، وسبق بيان المناسبة، وأنها مطابقة؛ لأن الآية أو القصة سبب لنزول الآية، القصة التي أوردها سبب لنزول الآية. والموضع الثاني في كتاب التفسير في باب {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللَّـهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَكُمْ} [سورة البقرة 187] قال- رحمه الله تعالى-: حدثنا عبيد الله عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء بنفس الإسناد الموجود هنا. 

المقدم: ثم ساق الحديث.

حاء وحدثنا، حاء التحويل هنا، وحدثنا.

المقدم: أو حاء الحديث على رأي.

عند المغاربة نعم، وحدثنا أحمد بن عثمان، قال: حدثنا شريح بن مسلمة، قال: حدثني إبراهيم بن يوسف، عن أبيه عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء، والفائدة من الإسناد الثاني، أيهما أطول؟ أيهما أعلى؟

المقدم: كأن الثاني يا شيخ، كأن ما ركزنا كثيرًا.

الأول: عبيد الله عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء رباعي، والثاني: أحمد بن عثمان، قال: حدثنا شريح، قال: حدثني إبراهيم بن يوسف، عن أبيه عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء نازلاً يعني ساقه أولاً عاليًا، ثم ساقه نازلاً؛ لتصريح أبي إسحاق بالسماع من البراء، استفاد منه؛ لأنه قال: سمعت البراء، وفي الإسناد الأول العالي قال: عن أبي إسحاق عن البراء، قال: لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله، وكان رجالٌ يخونون أنفسهم، فأنزل الله تعالى: {عَلِمَ اللَّـهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ} [سورة البقرة 187] والمناسبة ظاهرة؛ لأنها سبب نزول الآية التي ترجم بها، ومناسبة دخول أسباب النزول في كتاب التفسير، أسباب النزول يستعان بها على فهم الكلام، القصة التي من أجلها نزلت الآية، يستعان بها على تفسير الآية؛ لأن الظرف المحيط بنزولها يوضحها.

المقدم: حتى نأخذ الحديث الآخر بإذن الله في حلقة مستقلة، قبل قليل أشرتم إلى شيءٍ من المعاني البلاغية الرائعة في مثل هذه الآية، يبدو سؤالاً لو تكرمتم يا دكتور، الأول فيما يتعلق بترجمة مثل هذه المعاني ونلحظ خللًا كبيرًا جدًّا في ترجمة مثلاً {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} [سورة البقرة 187]

تراجم مضحكات.

المقدم: يعني بعضهم فسرها بملابس عادية اللبس، يعني يتبادر إلى الذهن مسألة هذا الإبداع اللغوي الهائل  الرائع كيف يمكن أن يترجم؟

ولذا يرى جميع أهل العلم أنه يستحيل ترجمة ألفاظ القرآن.

الجمهور يمنعون الترجمة، ولما بدأت الترجمة حصل ثورة عارمة من أهل العلم ضدها، وأُلفت فيها كتب كثيرة، لكن قالوا: إن ترجمة المعاني أمرها أسهل، لكن أنا أقول: هل يمكن إذا فرقنا بين ترجمة المعاني وترجمة الألفاظ، هل بالإمكان الترجمة اللفظية؟

المقدم: إطلاقًا لا يمكن.

هؤلاء الذين ترجموا {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} [سورة البقرة 187] فقال: أنت بنطلون لها وهي بنطلون لك هذا...

المقدم: مضحك.

جنون هذا، وأمور كثيرة من هذا النوع جاءت في الترجمات، هذا إذا استقلوا بها، ونشروها من غير مراجعة أهل العلم من المسلمين، لكن وجد تراجم حقيقةً أفاد منها الأعاجم، ومجمع الملك فهد لطباعة المصحف حقيقةً خدم في هذا الباب، خدمة لا تُنسى، تراجم إلى لغات العالم كلها.  

المقدم: المعاني اللغوية –أحسن الله إليك- هل من كتاب أفرد فيها بحثًا فيما يتعلق بالقرآن مثل المعاني الدقيقة، التي يستفاد منها معنًى لغوي إبداع لغوي الوقوف عندها بغض النظر عن التفسير أقصد الدقائق اللغوية في القرآن؟

هذه وجدت المباحث البيانية والبلاغية في القرآن موجودة للمتقدمين، وجدت في إعجاز القرآن، ووجدت أيضًا في التفاسير التي تهتم باللغة مثل: الكشاف، ومثل: أبي السعود أيضًا له عناية بمثل هذه الأمور، وأيضًا الألوسي ذكر بعض الأشياء، ومن المتأخرين الطاهر بن عاشور، القاسمي له أيضًا نقول جميلة في هذا الباب.

المقدم: جزاكم الله خيرًا، وأحسن إليكم، ونفع بعلمكم.

أيها الإخوة والأخوات، لنا بكم لقاء، بإذن الله تعالى، في حلقةً قادمة لنبدأ بحديث عدي بن حاتم -رضي الله عنه-، حتى ذلكم الحين نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.