كتاب الصلاة من المحرر في الحديث - 20

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سم.

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:

وعن فضالة بن عبيد قال: سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلاً يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالى، ولم يصل على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((عجل هذا)) ثم دعاه فقال له أو لغيره: ((إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه -جل وعز- والثناء عليه، ثم يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم يدعو بعد بما شاء)) رواه أحمد وأبو داود وهذا لفظه، والنسائي، والترمذي وصححه وابن حبان والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم، وفي موضع: على شرطهما، وفي لفظ بعضهم: ((إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه، ثم ليصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم-)).

وعن أبي مسعود الأنصاري قال: أتانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن في مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم))

عندك إبراهيم؟

((كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد))

لا، كما صليت؟

((قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد))

ما عندك آل في الثانية كما باركت؟

((كما باركت على آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم)) رواه مسلم، ورواه أحمد والدارقطني والحاكم بنحوه، وعندهم: فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟ وهذه الزيادة تفرد بها ابن إسحاق، وهو صدوق، وقد صرح بالتحديث فزال ما يخاف من تدليسه، وقد صححها ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي وغيرهم.

يكفي، يكفي.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"وعن فضالة بن عبيد" فضالة قالوا: على زنة سحابة، يعني بالتخفيف "قال: سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلاً يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالى، ولم يصل على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((عجل هذا)) ثم دعاه، فقال له أو لغيره" (أو) هذه للشك، فقال له وهو أولى من غيره على كل حال، المقصود أن الراوي يحفظ أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال، قال هذا الكلام: ((إذا صلى أحدكم)) فلا يدري أواجه به هذا الرجل أو قال لغيره: ((إذا صلى أحدكم...)) إلى آخره، فهذا شك منه، ولعله نسي لطول العهد وشبهه.

"سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلاً يدعو في صلاته" الأصل أن الذي يسمع هو ما يجهر به، فهل الدعاء في الصلاة مما يجهر به أو مما يسر به؟ يعني قوله: "سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" دل على أن الرجل جهر في دعائه.

أولاً: هل هذا الرجل الذي يدعو إمام أو مأموم أو منفرد؟ نعم؟

طالب:......

يعني الظاهر أنه منفرد؛ لأنه ليس بإمام بحضوره -عليه الصلاة والسلام- هو الإمام، وليس بمأموم إذ الأصل أن يصلي خلف النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولو قيل: بأنه خلف النبي -عليه الصلاة والسلام-، وسمعه يدعو بهذا الدعاء وهو خلفه لما انصرف من صلاته قال له ما قال، اللفظ محتمل المقصود أنه جهر في دعائه بحيث سمعه النبي -عليه الصلاة والسلام- كما جهروا بالفاتحة، وراءه -عليه الصلاة والسلام- وشوشوا عليه، وقال: ((ما لي أنازع القرآن؟)) فالقريب يسمع ولو لم يكن جهراً مثل جهر الإمام، ويحتمل أن يكون هذا الرجل كبير السن، وضعيف سمع، وعادة كبار السن مع ضعف السمع أنهم يجهرون، يعني يسمع من بجواره من عن يمينه من عن شماله، يسمع قراءته، يسمع تسبيحه، يسمع دعاؤه، وهذا موجود في كبار السن؛ لأن سمعه ضعيف، فيريد أن يسمع نفسه، ويجزم بأنه دعا أو تكلم أو قرأ، أو ما أشبه ذلك، يعني تسمعون الكبار إذا أرادوا أن يتحدثوا رفعوا أصواتهم، وينقمون على الشباب حينما يتكلمون بكلام اللي يسمعونه فيما بينهم، ثم بعد هم لا يسمعون، يعني كأنهم يتناجون دونهم، فلعل هذا بهذه المثابة، إما لكبر سنه، أو لضعف سمعه رفع صوته بالدعاء، فسمعه النبي -عليه الصلاة والسلام-.

"سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلاً يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالى، ولم يصل على النبي -عليه الصلاة والسلام-" يعني ظاهر أن هذا في التشهد، أن دعاءه هذا في التشهد، ولم يقرأ التشهد الذي فيه التمجيد والتحميد، ولم يصل على النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه يدعو في صلاته، والصلاة يعني جاءت مع الدعاء، يدعو في صلاته وإلا لو لم يقل، أو لو قال: رجلاً يصلي لم يمجد الله، قلنا: احتمال أن تكون الصلاة لغوية وهي دعاء، أو لو قال: يدعو ما في إشكال أنه الدعاء المعروف من غير صلاة، لكن يدعو في صلاته الدعاء هو المعروف، والصلاة هي الصلاة الشرعية، ولا يمكن حملها على الصلاة اللغوية؛ لأنه يدعو في دعائه، ما يجي.

"يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالى" لم يقرأ التحيات التي سبق الحديث عنها، فيها تحميد، وفيها تمجيد لله تعالى، ولم يصل على النبي -عليه الصلاة والسلام-.

"فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((عجل هذا))" أراد أن يستغل الصلاة بالدعاء، لكن الدعاء لا بد له من مقدمات ووسائل يتوسل بها إلى القبول من الله -جل وعلا-، فالإنسان إذا دعا يتوسل إلى الله -جل وعلا- بتحميده وتمجيده، ثم يصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام-.

هل يمكن أن يقال: إن هذا الرجل يدعو في صلاته في السجود لم يمجد الله ولم يصل على النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ أو بين السجدتين؟ هل يمكن أن يقال هذا؟ لكن ترتيب الدعاء في هذا الحديث، ترتيب الأمور في هذا الحديث، تمجيد، ثم صلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم دعاء، هذا يدل على أنه في التشهد كما بينته الأحاديث السابقة واللاحقة، أما الدعاء في السجود جاء فيه الإجمال: ((أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم)) لأنه أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، ولم يشر في حديث من الأحاديث لا تمجيد ولا صلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكذلك تقدم أن الدعاء بالجمل الخمس أو السبع بين السجدتين ليس فيها تمجيد، وليس فيها صلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلم يبق إلا الدعاء الذي في آخر الصلاة ((ثم ليتخير من المسألة ما شاء)) ويقدم قبل ذلك التحميد والتمجيد في التحيات، ثم يصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام- الصلاة الإبراهيمية التي ستأتي، ثم بعد ذلك يدعو.

"فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((عجل هذا))" وكذا لو دعا خارج الصلاة فإنه يتوسل إلى الله -جل وعلا- بتحميده وتمجيده، ويثني بالصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويختم بها خارج الصلاة كما هو معروف، وجاءت به النصوص، لكن نجد بعض الناس في دعاء القنوت مثلاً وهو مما يشمله مثل هذا تجده يكون التمجيد طويل جداً، ولا شك أن في مثل هذا توسل إلى الله -جل وعلا- بما يحبه من حمده والثناء عليه، والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- وبعضهم يطيلها بصيغ متعددة، بعضها ثابت، وبعضها غير ثابت، ثم يترتب على ذلك إطالة الدعاء بحيث يشق على المأمومين، فلو اقتصر من التمجيد على ما يكفي، وينطبق عليه هذا الأمر، والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- بصيغة مأثورة، ثم بعد ذلك يدعو بجوامع الكلم، ولا يطيل على الناس.

بعد هذا في القنوت في الدعاء ترفع اليد، لكن أثناء التمجيد ترفع اليد وإلا ما ترفع باعتباره وسيلة إلى الدعاء؟ الأصل أن رفع اليدين في الدعاء، يعني تسمعون الأئمة في المسجد الحرام مثلاً بعضهم يستغرق في التمجيد وقت وفي غير المسجد الحرام، يأخذ بحمد الله والثناء عليه وذكر أوصافه ونعمه وتعدادها، ثم بعد ذلك يصلي على النبي، متى يبدأ رفع اليدين؟ من أول ما يشرع بالتمجيد أو من الدعاء؟ هل نقول: إن الوسيلة لها حكم الغاية؟ وهي مقدمة بين يدي الدعاء فترفع اليد من شروع الإمام بالتمجيد، أو نقول: إن رفع اليدين خاص بالدعاء فلا ترفع اليد إلا في الدعاء ووقت التمجيد تكون على وضعها في الصلاة مقبوضة، فإذا بدأ بالدعاء شرع بالدعاء رفع يديه سواءً كان الإمام أو المأموم الذي يؤمن؟ الأظهر أن علاقة رفع اليدين إنما هي بالدعاء فلا ترفع اليد إلا في وقت الدعاء.

"ولم يصل على النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((عجل هذا))" فعلى هذا الإنسان الذي يدعو الله -جل وعلا- بأي أمر من الأمور سواءً كان من أمور دينه أو دنياه، فيقدم بهذه المقدمة بتحميد وتمجيد وصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويتوسل إلى الله -جل وعلا- بما يقربه منه وبما يحبه، والتوسل بالأعمال الصالحة أيضاً ثابت في حديث الثلاثة، لكن هل يشرع مثل هذا في الصلاة؟ أو في القنوت مثلاً؟ الصلاة يحتاط للدعاء فيها أكثر مما يحتاط في غيرها؛ لأنها توقيفية الصلاة، وقد يسترسل الإنسان في بعض الأمور التي تكون سبباً في إبطالها، في إبطال الصلاة وهو لا يشعر؛ لأن بعض الأدعية التي تجري على ألسنة بعض الأئمة هي جملة خبرية، لا علاقة لها بالدعاء ولا بالثناء ولا بالتمجيد، بل بعضهم يذكر من المقدمات، ما لا صلة له بالصلاة ولا بالدعاء، فهذا مظنة لأن تبطل صلاته وصلاة من ورائه بهذا السبب، فعلى الإنسان أن يحتاط لمثل هذا، لا يعرض صلاته للبطلان ولا صلاة من رواءه.

بعضهم يأتي بألفاظ صحفية: "اللهم عليك بأعداء دينك" هذا صحيح "الذين يصطادون في الماء العكر" الذين يفعلون ويفعلون، يسترسل كأنه يقرأ في صحيفة، هذا لا علاقة له بالصلاة ولا بالدعاء، ولا مما يتوسل به لقبول الدعاء، هذا خبر هذا، هذا مبطل للصلاة، ومع ذلك سُمع، فالتوسع في مثل هذا غير مرضي، فالصلاة توقيفية ومظنة، ولا يصلح فيها كلام الناس، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-.

"ثم دعاه فقال له أو لغيره" هو أولى الناس بتوجيه الخطاب لأنه هو السبب، سبب ورود الخبر، هو السبب، فهو أولى من غيره بأن يوجه له هذا الكلام، وأيضاً من سمع لئلا يقتدي به أيضاً له مزيد عناية كالقائل؛ لأنه لو لم يقل له النبي -عليه الصلاة والسلام- مثل هذا فمن سمعه يقتدي به؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أقره، فالقائل أولى الناس الذي هو سبب الورود، وكذلك من سمع، ثم بقية الأمة لأن هذا شرع.

"فقال له أو لغيره: ((إذا صلى أحدكم))" إذا صلى قلنا: إن الفعل الماضي يطلق ويراد به إذا أراد ((إذا دخل أحدكم الخلاء)) يعني إذا أراد الدخول {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} [(98) سورة النحل] إذا أردت القراءة {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [(6) سورة المائدة] إذا أردتم القيام، يعني يطلق الفعل ويراد به إرادته، كما أنه يطلق الفعل ويراد به الشروع فيه ((إذا ركع فاركعوا)) ويطلق ويراد به الفراغ منه ((إذا كبر فكبروا)).

((إذا صلى أحدكم، فليبدأ بتمجيد ربه)) المقصود بالصلاة هنا الدعاء، والدعاء في الصلاة من باب أولى؛ لأنه هو سبب الورود، في سبب الورود يدعو في صلاته، فإذا صلى يعني دعا، والمراد به الدعاء في الصلاة كما نص عليه في سبب الورود ودخول السبب في النص -على ما يقول أهل العلم- قطعي، نعم هو فرد من أفراد العام لا يقصر عليه، لكن دخوله في النص قطعي، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فقوله: ((إذا صلى)) يعني إذا دعا، لكن الدعاء في الصلاة أولى ما يعتنى به في هذا الأمر.

((إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه)) في بعض النسخ: ((بتحميد)) التمجيد مرتبة ثالثة بالنسبة للتحميد مرتبة ثالثة، كيف؟ ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: الحمد لله قال الله: حمدني عبدي)) الحمد لله رب العالمين ((فإذا قال: الرحمن الرحيم قال: أثنى علي عبدي، فإذا قال: مالك يوم الدين قال: مجدني عبدي)) فهذه مرتبة ثالثة ليس التحميد معناه التمجيد، وليس التحميد أيضاً معناه الثناء، فالحمد غير الثناء، والثناء غير التمجيد بدلالة حديث أبي هريرة في الصحيح.

((إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه -جل وعز- والثناء عليه)) في بعض النسخ: ((بالتحميد والثناء)) فدل على أن الثناء غير التحميد وغير التمجيد، ودلالة حديث أبي هريرة ظاهرة على هذا، وإن كان أكثر الشراح وأكثر المفسرين يفسرون الحمد بأنه الثناء على المحمود بصفاته الاختيارية الجميلة الاختيارية، المقصود أن الثناء غيره، فالتحميد كما قال ابن القيم في الوابل الصيب: "ذكر المحامد" يعني التي يحمد بها الرب -جل وعلا- "مع حبه وتعظيمه، والثناء: هو تكرار المحامد" الثناء تكرار المحامد، كما قرر ذلك أيضاً ابن القيم في الوابل الصيب.

((ثم يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم يدعو بعد بما شاء)) ثم يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- يعني هذا من كلامه -عليه الصلاة والسلام-، فهل هو الذي قال -صلى الله عليه وسلم- أو غيره؟ وإذا وجد الاسم المجرد للنبي -عليه الصلاة والسلام- في كتاب مؤلف من كتب أهل العلم هل تزاد الصلاة عليه -عليه الصلاة والسلام-، أو يترك كما هو، ويصلي الإنسان عليه في نفسه بدلاً من أن يتصرف في كتب الناس؟

قال: ((ثم يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم-)) يعني هل يظهر أن هذه من صنيعه -عليه الصلاة والسلام-؟ هل يظهر أنها من قوله -عليه الصلاة والسلام-، أو مما قالها الرواة لأنهم مأمورون بهذا؟ كلما ذُكر مأمور المسلم أن يصلي عليه -عليه الصلاة والسلام-، الظاهر أنها من غيره، ثم إذا كانت من غيره هل هو عمل مقبول أو غير مقبول؟ باعتبار أنها مزيدة في النص أو مزيدة في الكتاب سمع رسول الله رجلاً هل لأحد أن يقول: "صلى الله عليه وسلم" في كتاب ألفه صاحبه على هذه الكيفية، أو نقول: إن هذا تصرف في الكتب ولا يجوز؟ قالوا: إن الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- والترضي على الصحابة قالوا: هذا من باب الدعاء، وليس من باب الرواية، باب الرواية يلتزم فيها بما ذكر، ولا تجوز الزيادة عليها، سواءً كانت رواية كلام الشارع أو كلام غيره، لكن إذا كان من باب الدعاء هذا ما فيه ما يمنع، وأهل العلم إذا زادوا في أنساب غير شيوخهم يأتون بكلمة هو، حدثنا قتيبة قال: حدثنا فلان غير منسوب، يقول المؤلف هو ابن فلان، أو يعني ابن فلان، فيميزون في الأصل.

يقول: ألا يحمل قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا صلى أحدكم)) على الصلاة الشرعية بدليل قوله -عليه الصلاة والسلام- في آخر الحديث: ((ثم يدعو بما شاء)) فهنا ذكر الدعاء، فقوله: إذا صلى أي الصلاة الشرعية.

ما الذي يمنع من إرادة الصلاة الشرعية؟ هو إذا صلى في الصلاة الشرعية، يعني إذا دعا في الصلاة الشرعية، لكن كلمة صلى هنا المراد بها إذا دعا، لماذا؟ لأنه لو قلنا: إذا صلى الصلاة الشرعية فليبدأ بتمجيد الله والثناء عليه، ثم يصلي على النبي معناه أنه إذا قال: الله أكبر يبدأ بتمجيد الله والثناء عليه، ثم يصلي على النبي، هل يمكن أن يقال هذا؟ إذا كبر يستفتح ثم يقرأ الفاتحة، ولا يصلي على النبي ولا شيء، لكنه إذا دعا في الصلاة الشرعية يبدأ بما ذُكر في الحديث.

((ثم يدعو بعد بما شاء)) يعني إذا فرغ من التشهد والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- التشهد الذي مضى والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- التي ستأتي يدعو بما شاء، بادئاً بما ورد: ((فليستعذ بالله من أربع)) على ما سيأتي أيضاً، ثم يختار من الأدعية ما شاء.

"رواه أحمد وأبو داود وهذا لفظه، والنسائي والترمذي وصححه، وابن حبان والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم، وفي موضع: على شرطهما، وفي لفظ بعضهم: ((إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله، والثناء عليه، ثم ليصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم-))" ما الفائدة من هذا اللفظ الذي أورده المؤلف بعد الأول؟ هناك: ((فليبدأ بتحميد ربه -عز وجل-، والثناء عليه، ثم يصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام-)) فيه حكم زائد وإلا ما فيه؟ يعني ما الفائدة من إيراد المؤلف لهذه الرواية لهذا اللفظ: ((إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه))؟ اللهم إلا إذا كان لحظ الفرق بين تمجيد وتحميد، إذا كان لحظ هذا مع أنه في الموضعين ورد باللفظين، بتحميد الله والثناء عليه ثم ليصلي، اللام هذه لام التعليل أو لام الأمر؟ فليبدأ لام الأمر هذه ما فيها إشكال؛ لأنها ساكنة بعد الفاء على الجادة، وجزمت الفعل فليبدأ لام الأمر، ثم ليصلي عندكم بالياء أو بدون ياء؟

طالب: بدون ياء.

كيف بالياء؟

طالب: بدون ياء.

بدون ياء أي طبعة؟

طالب:.......

نعم عندنا بالطبعة المفضلة عندنا بالياء، لكنه خطأ؛ لأنها لام الأمر، ولام الأم هنا تتقضي حذف هذه الياء، ثم ليصل، ومثله الأمر اللهم صل بدون ياء، وتجدون في بعض اللوحات التي تذكر الناس يكتبون اللهم صلي بالياء خطأ؛ لأن الأمر يبنى على ما يجزم به مضارعه، ومضارعه يجزم بحذف هذه الياء.

على النبي -صلى الله عليه وسلم-.

"وعن أبي مسعود الأنصاري" عقبة بن عمرو الأنصاري البدري، نسب إلى بدر لأنه سكنها ولم يشهدها في قول الجمهور، مع أن البخاري أثبته فيمن شهد بدراً في صحيحه، وأثبته مسلم في الكنى ممن شهد بدراً، لكن الأكثر على أنه لم يشهد بدراً، وإنما سكنها فنسب إليها.

"عن أبي مسعود الأنصاري -رضي الله عنه- قال: أتانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن في مجلس سعد بن عبادة" سيد الخزرج "ونحن في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد" والد النعمان بن بشير، بشير بن سعد قال: "أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك يا رسول الله" يعني في قوله -جل وعلا-: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب] صلوا أمر، وسلموا "أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى تمنينا أنه لم يسأله" أولاً: السؤال نهى عنه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقال: ((لا تسألوني)) وكانوا يحبون أن يأتي الرجل العاقل من أهل البادية ممن لم يسمع مثل هذا النهي، فيسأل النبي -عليه الصلاة والسلام-، فيستفيدون من سؤاله، يتحرجون من السؤال، بشير بن سعد لما سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- بقوله: "أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى تمنينا أنه لم يسأله" سكت في الغالب كراهية لهذا السؤال أو لكونه ينتظر الجواب من الوحي، كثيراً ما يسكت النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا سئل، فإما أن يكون لكراهية السؤال أو لانتظاره الوحي؛ لأنه لا ينطق عن الهوى، أو ليربي من يفتي بعده على عدم العجلة بالجواب؛ لأننا نسمع من يسأل فيجيب قبل أن ينتهي السؤال، هذا يحتاج إلى تربية، لا بد أن يسمع السؤال كاملاً، ويتأمل السؤال، ويستفصل إذا كان هناك شيء يستدعي الاستفصال، وأما العجلة فقد أوقعت كثير ممن يفتي في حرج عظيم، يسأل سائل يقول: إن ولدي يضربني، فما توجيهكم حفظكم الله؟ فقال: إن تأديب الابن أمر شرعي، وجاءت به النصوص، انقلبت المسألة، الولد هو الذي يضرب الأب، فالجواب أن تأديب الابن..، كأن الابن فهم أن تأديب الابن لأبيه أمر شرعي، هذا سببه إيش؟ سببه العجلة، وعدم التريث، وعدم فهم السؤال، وعدم استكمال السؤال، فكثيراً ما يسكت النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولعله يعني مما يستفاد من هذا السكوت عدم العجلة في الفتوى إلا بعد التأمل والنظر، والعجلة أوقعت كثيراً من المفتين في حرج عظيم مثل هذا نسأل الله العافية، وهناك أسئلة يعني سمعناها وسمعها غيرنا مضحكة يعني، جوابها جاء لا يمت إلى السؤال بأدنى صلة، وسببه كل هذا لأن المفتي استعجل من سُئل استعجل في الجواب.

"فسكت النبي -عليه الصلاة والسلام- حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم))" يعني من نصوص أو نص سابق، أو عُلمتم، النبي -عليه الصلاة والسلام- علم أصحابه السلام، فتعلموا ويجوز أن يقال: علمتم وعُلّمتم، وجاءت الرواية بهذا وهذا.

"رواه مسلم، ورواه أحمد والدارقطني والحاكم بنحوه، وعندهم: فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟ وهذه الزيادة تفرد بها ابن إسحاق وهو صدوق، وقد صرح بالتحديث فزال ما يخاف من تدليسه، وقد صححها ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي وغيرهم" فائدة هذه الزيادة "فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟ إذا صلينا عليك امتثالاً لأمر الله -جل وعلا- في صلاتنا، فالصلاة عليه -عليه الصلاة والسلام- في الصلاة فرد من أفراد العام المأمور به في آية الأحزاب "إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا" فرد من أفراد المأمور به في سورة الأحزاب: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب] "إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا" يعني دعونا لك بهذا اللفظ الذي أمرنا به في الصلاة، فهي فرد من أفراد العام، فلا يقصر العام عليه، يعني التنصيص على فرد من أفراد العام لا يقتضي القصر، يعني معنى هذا أنه يتم الامتثال امتثال الأمر بغير هذا اللفظ، يعني يتم الامتثال بهذا اللفظ وبغيره، وإلا لزمنا لو قصرنا العام على فرد من أفراده وهو ما جاء في هذا النص للزمنا أن نقول كلما سمعناه -عليه الصلاة والسلام- أن نقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد... إلى آخره، ولا يتم الامتثال إلا بهذا، لكن هذا المذكور هنا إذا صلينا عليك في صلاتنا، فهو فرد من أفراد العام المأمور به، ولا يقتضي الحصر ولا القصر عليه، فيتم امتثال الآية بهذه الصيغة في هذا الموضع إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا، ويتم الامتثال أيضاً خارج الصلاة بقولنا: "صلى الله عليه وسلم" وهذا صنيع الأمة، والأئمة من عصره إلى يومنا هذا كلهم يقولون: صلى الله عليه وسلم، إلى أن جاء من تأثر ببعض البيئات كالصنعاني والشوكاني وصديق حسن خان، فقالوا: إنه لا يتم الامتثال حتى تضيف الآل على جميع الأحوال، نقول: لا، هذا فرد من أفراد المأمور به، والتنصيص على بعض الأفراد لا يقتضي التخصيص، وهو أيضاً في موضع خاص.

فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟ فلا يلزم خارج الصلاة أن نقول: اللهم صل على محمد وآله، إذا قلت: صلى الله عليه وسلم كما هو صنيع الأئمة تم الامتثال في الآية؛ لأن الآية ليس فيها أكثر من هذا: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا} [(56) سورة الأحزاب] فإذا قلت: صلى الله عليه وسلم انتهى الإشكال وامتثلت، بينما يقول الصنعاني والشوكاني ويتبعهم صديق كما هي العادة تأثراً بالبيئة التي عاشوا فيها: لا بد أن تقول: وآله وإلا تأثم، ما تم الامتثال، وتبعاً لذلك قالوا: إن جميع العلماء الذين لا يقولون: وآله، يعني الأئمة -أئمة الإسلام كلهم- يعني هل تجدون في كتب الحديث وآله أو صلى الله عليه وسلم؟ بدءاً من الأئمة من أولهم من مالك إلى آخرهم، الذين ألفوا وكتبهم موجودة في أيدينا ما فيها ما ذُكر، ولا بحثوا هذه المسألة في روايتهم لهذا الحديث ولا لغيره، إنما قصروا هذه الصيغة "إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا" قالوا: لا، هؤلاء العلماء تركوا الصلاة على الآل مداراة للحكام؛ لأن بني أمية لا يرضون بالصلاة على الآل، أولاً: جميع المؤلفين ليسوا في عصر بني أمية إنما هم في عصر بني العباس وهم من الآل، ليسوا في عصر بني أمية، إنما هم في عصر بني العباس، فكيف يدارون آل البيت في الصلاة على الآل؟ قالوا: لا، إن هذا من باب: اقتلني ومالكاً، واقتل مالكاً معي، هذا كلام يقابل في مقابل هذه النصوص في تجهيل وتضليل أئمة الإسلام كلهم، وأنهم واطئوا الحكام وتركوا الصلاة على الآل؟ لا، بني العباس من الآل حتى قال القائل في مجلس المنصور وهو من الآل: {يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء} [(69) سورة النحل] قال: يخرج من بطونها يعني من بطون آل البيت يتزلف للمنصور، فقال واحد من العوام الحاضرين: جعل الله شفاءك فيما يخرج من بطون آل البيت، يعني بنو العباس من آل البيت، يعني كيف يمالئ مالك وأحمد والبخاري ومسلم، أئمة المسلمين كلهم يمالئون آل البيت..، هذا كلام ليس بصحيح؛ ولنعرف أن هذا يعني قصر العام على فرد من أفراده ليست طريقة علمية، ولذا يلزمنا أن نقول في قوله -جل وعلا-: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [(60) سورة الأنفال] في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ألا إن القوة الرمي)) أننا ما نستعد بغير الرمي، لا، هذا فرد من أفراد العام، لا نستعد إلا بالرمي، معنى هذا لا نستعد بشيء الآن؛ لأن الرمي لا يفيد بعد.

ففي صلاتنا نأتي بهذه الصلاة ولا يجزئ غيرها، خارج الصلاة يتم الامتثال بقولنا: صلى الله عليه وسلم، وليس معنى هذا أننا نقلل من شأن الآل، لا أبداً الآل هم وصية النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن المسألة علمية تقرر على قواعد أهل العلم، الآل وصية النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولهم حق علينا، يعني المتبع للنبي -عليه الصلاة والسلام- منهم، وإلا غير المتبع ليس من آله، كما قال الله -جل وعلا- في ولد نوح: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [(46) سورة هود] وأيضاً الصحابة لهم حق عظيم، يعني لو قلنا: صلى الله عليه وآله وسلم وقلنا: إن المراد بالآل الأتباع شمل الصحابة، لكن ماذا يعني أننا نقتصر على هذا اللفظ ونترك اللفظ الصريح الذي يدخل الصحابة؟ لأننا إذا قلنا: وآله فقط نازعنا من نازعنا، وقال: أنتم أشبهتم بعض الطوائف التي لا يترضون على الصحابة، بل يلعنون الصحابة، لماذا لا نأتي بلفظ صريح يدخلهم؟ فإذا زدنا على النبي -عليه الصلاة والسلام- أضفنا الآل نضيف الصحابة، يعني الآل لهم حق علينا، وهم وصية النبي -عليه الصلاة والسلام-، أيضاً الصحب لولا الصحابة ما وصلنا دين، كيف يصل الدين إلى التابعين من غير واسطة الصحابة؟ المكثرون من الصحابة قلة منهم من آل البيت، والبقية ممن عداهم من غيره، فالدين ما وصل إلى الأمة من التابعين فمن بعدهم إلى قيام الساعة إلا بواسطة الصحابة، فلهم بذلك علينا حق عظيم، فإذا أضفنا على النبي -عليه الصلاة والسلام- مما يتم الامتثال بدونه فليكن أولى من نضيف الصحابة؛ لأن حقهم علينا عظيم، وكذلك الآل لا يبخس حقهم، وهذه ميزة أهل السنة والجماعة أنهم يتوسطون في أمورهم كلها، فهم في هذين البابين وسط بين الرافضة وبين النواصب، فيعترفون بما للآل من حق، ويعترفون بما للصحب من حق، ولا نشبه هؤلاء ولا نشبه هؤلاء.

فالصلاة داخل الصلاة، إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا بهذه الصيغة، حتى أنهم قالوا: لا يجوز أن تقول: اللهم صل على سيدنا محمد؛ لماذا؟ لأن هذا اللفظ متعبد به، فلا تجوز الزيادة عليه ولا النقصان منه، إلا ما جاء في بعض الروايات دون بعض، يعني كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، شيخ الإسلام يقول: ما ثبت الجمع بين إبراهيم وآل إبراهيم، مع أنه ثابت في الصحيح، وهذا يدلنا على أن الإنسان مهما بلغ من العلم والاطلاع والحفظ والإتقان والضبط وسعة في المحفوظ والإطلاع أنه لن يخرج عن قول الله -جل وعلا-: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [(85) سورة الإسراء] يعني كما نفى ابن القيم قال: لم يثبت الجمع بين اللهم والواو في قول: اللهم ربنا ولك الحمد، مع أنه ثابت في الصحيح، يعني قد يعتذر لشيخ الإسلام ولابن القيم أن النسخ التي بأيديهم على رواية ليس فيها الجمع؛ لأن روايات الصحيح مختلفة يوجد في بعضها ما لا يوجد في الآخر، وعلى كل حال هم بشر، يعني أئمة وكبار وأهل علم وعمل، لكن مع ذلك ليسوا بمعصومين.

"ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قولوا: اللهم صل على محمد))" الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- منهم من فسرها بالرحمة، ومنهم من فسرها بالثناء عليه بالملأ الأعلى كما ذكره البخاري عن أبي العالية.

((وعلى آل محمد)) ويختلفون في الآل، وبين ذلك ابن القيم -رحمه الله- في جلاء الأفهام، وذكر الخلاف والأدلة، لكنها في موضع قد يترجح قول، وفي موضع آخر قد يترجح قول، فهنا جاء في بعض الروايات أزواجه وذريته، فيدخل فيهم الأزواج، وجاء في بعض النصوص ما يدل على أنهم من تحرم عليه الصدقة، وجاء في بعض النصوص ما يدل على أنهم أتباعه على دينه، المقصود أن أولى ما يفسر به الحديث بالحديث، الرواية بما جاء الحديث الواحد بما جاء في بعض رواياته، الحديث بما جاء في حديث آخر، لكن إذا جاء في رواية أخرى فهي أقرب إليها من غيرها، مثل ما جاء في أزواجه وذريته.

على كل حال آل محمد مختلف فيهم كما قال أهل العلم، ويشمل الأتباع، ويشمل الأزواج، ويشمل الذرية، ويشمل من تحرم عليهم الصدقة، فالمسألة على الخلاف المعروف بين أهل العلم.

((كما صليت على آل إبراهيم)) وثبت أيضاً: ((كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم)) الكاف هذه من يقول: إنها كاف التشبيه، يعني صلي عليه صلاة كصلاة على إبراهيم قالوا: كيف يشبه فيكون المشبه أقل من المشبه به، ومعلوم أن منزلة محمد -عليه الصلاة والسلام- أعظم من منزلة إبراهيم؟ هذا إشكال قائم عند أهل العلم، قالوا: إن هذه الكاف كاف تعليل، وليست بكاف تشبيه، ويش معنى تعليل؟ يعني لو قال الوالد لولده: أعطني كما أعطيت ولدك، الولد صغير وأعطي ريال مثلاً أو خمسة، هل يظن بالوالد أنه يقول: أعطني ريال أو أعطني خمسة؟ أو من حيث المبدأ أنت أعطيته الآن فأعطني، ولا يلزم أن يكون القدر واحد، يعني إذا أعطى الولد ريال ثم جاء الأب قال: أنت تعطي أولادك وتتركني وما أدري إيش؟ أعطني كما أعطيت ولدك، ليس المقصود به نفس المقدار، إنما للعلة التي وجدت، العلة أنك بدأت بالإنفاق؛ لأنه يقول له أبوه من يوم عشرين من الشهر: أعطني يا ولدي، أعطني يا ولدي، قال: انتظر حتى يطلع الراتب، حتى نستلم آخر الشهر، جاء في يوم من الأيام وأعطى أولاده، طيب أولادك ما انتظرت آخر الشهر، ولا انتظرت الراتب، أعطني كما أعطيتهم، ولا يعني هذا أن تعطيني نفس المقدار، ما يلزم منه هذا، إنما العطية بقدر الحاجة، ومثله لو قالت الأم، ومثله لو قالت الزوجة، ما يلزم أن تعطى بقدر ما أعطي الولد، أو ما أعطيت البنت، أو ما أشبه هذا.

((وبارك على محمد)) البركة هي الزيادة في كل شيء، الزيادة في منزلته -عليه الصلاة والسلام-، الزيادة في علمه الذي بثه وبلغه لأمته، الزيادة في عمله وعمل أمته -عليه الصلاة والسلام- التي هي في الحقيقة له من الأجر مثل ما لهم بسببها.

((وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين)) يعني كما نشرت ذكرهم، وزدت من فضلهم بحيث استفاض ذلك، واشتهر بين العالمين، فصار لنبيه -عليه الصلاة والسلام- أكثر مما حصل لإبراهيم وما حصل لآل إبراهيم.

((إنك حميد مجيد)) حميد فعيل، ومجيد كذلك، حميد فعيل بمعنى فاعل، يعني حامد، فالله -جل وعلا- حامد، وهو أيضاً فعيل بمعنى مفعول يعني محمود، محمود بكل لسان، فالحمد منه وله -جل وعلا-، والمجيد المجد الشرف، وله منه الغاية -جل وعلا-.

((والسلام كما قد علمتم)) فيما تقدم "رواه مسلم" إلى آخره، انتهينا من هذا الحديث؛ لأن الزيادة هذه شرحت.

سم.

وقال -رحمه الله-:

وعن أبي بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- أنه قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: علمني دعاءً أدعو به في صلاتي؟ قال: ((قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم)) متفق عليه.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال)) متفق عليه، واللفظ لمسلم.

وفي لفظ له: ((إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ بالله من أربع)).

يكفي، يكفي.

هذا يقول: ألا يمكننا القول بأن الكاف في قوله: ((كما صليت)) إنما هي لتشبيه الفعل بالفعل، مثل ما ورد في حديث: رؤية الله في الجنة، فليس هناك تشبيه لله بالقمر؟

يعني تشبيه رؤية برؤية، لا المرئي بالمرئي، قررنا مراراً في هذا الدرس وفي غيره أن التشبيه لا يقتضي المطابقة من كل وجه، التشبيه لا يقتضي المطابقة من كل وجه، بل إذا وجد التشبيه من وجه كفى، كما في تشبيه الرؤية بالرؤية، وكما في تشبيه البروك الذي ذكرناه ببروك البعير، ومثل التشبيه أيضاً تشبيه الوحي بصلصلة الجرس، ومثل تشبيه أول زمرة تدخل الجنة على صورة البدر، فما في أحد يقول: إن أول زمرة تدخل الجنة في الاستدارة للتشبيه من كل وجه، إذ لا يوجد في القمر عينان ولا أنف ولا فم، هل نقول: إن أهل الجنة بدون هذه الأشياء؟ لا، التشبيه من وجه دون وجه، وهذا الكلام له وجه أيضاً.

فالتشبيه ((كما صليت)) يعني في الاشتهار والانتشار، لا في القدر المذكور، ثم بعد ذلك يؤول إلى ما قررناه سابقاً.

"وعن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أنه قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: علمني دعاءً أدعو به في صلاتي؟ قال: ((قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم))" طلب أبي بكر هذا من النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يعلمه هذا الدعاء ليكون جامعاً من جوامع الأدعية، وإلا فقد دعا في صلاة المغرب من غير أن يسأل النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني في صلاة المغرب في الركعة الثالثة بعد قراءة الفاتحة يقول: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} [(8) سورة آل عمران] وكما قال أهل العلم القرطبي وغيره قالوا: إن المغرب وتر النهار، والوتر فيه قنوت، فهذا الدعاء في هذه الآية بمنزلة القنوت في الوتر، والخبر موقوف على أبي بكر -رضي الله عنه-، وخرجه الإمام مالك في الموطأ بسند صحيح.

هنا قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "علمني دعاءً أدعو به في صلاتي؟ قال: ((قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم))" "في صلاتي" يعني في موطن الدعاء من الصلاة، كالسجود مثلاً، وبين السجدتين، وفي آخر الصلاة بعد التشهد، وهذا هو الأقرب لترتيب العلماء، العلماء كلهم يجعلون هذا بعد الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فيجعلونه في آخر الصلاة.

"قال: ((قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً))" ليس في هذا مستمسك للمبتدعة بوصف أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- بالظلم بإقراره، الرافضة يقولون: ظالم، ظلم فاطمة يقولون هذا، ويقررونه، ويجعلونه من شر الناس بسبب هذا، ويقولون: هو اعترف على نفسه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- وجهه إلى هذا الدعاء لأنه ظالم، لكن ما يكتفون بكونه ظالم فقط، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يعتني به يوجهه إلى هذا الدعاء لأنه مظنة قبول، لا، يخرجونه من الملة بالكلية، ويجعلونه من شر الناس -نسأل الله السلامة والعافية-، وكون الإنسان يعترف على نفسه بالتقصير هذه من المناقب وإلا من المثالب؟ منقبة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يلزم الاستغفار، هل نقول: لأنه مذنب -عليه الصلاة والسلام-؟ هذه من المناقب، هذا من الاعتراف وهضم النفس، ولذلك تجدون في منهاج الكرامة لابن المطهر هذا الذي يسمونه ابن المنجس، الذي رد عليه شيخ الإسلام، يقول: أي فرق بين قول عمر: ليتني كنت كبشاً سمنني أهلي فذبحوني وأكلوني، أي فرق بين قول هذا وبين قول الكافر يوم القيامة: {يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} [(40) سورة النبأ] ما يفرقون بين كون..، لكنه الهوى، هذا الهوى، وإلا لعلي -رضي الله عنه وأرضاه- اعترافات مثل هذه، يعني من هضم النفس والانكسار بين يدي الله -جل وعلا-، ورؤية خلاف الأولى بالنسبة لهؤلاء لأنهم قد يقعون فيما هو خلاف الأولى، قد يقعون في مكروه، لكنه بالنسبة لهؤلاء شيء عظيم.

((ظلمت نفسي ظلماً كثيراً)) وفي رواية: ((كبيراً)) نعم هذا بالنسبة لهؤلاء السادة لا شك أنه كبير كما يقول أهل العلم: "حسنات الأبرار سيئات المقربين" يعني لما يكتفي الأبرار بالجلوس بعد صلاة الصبح، ثم صلاة ركعتين، وينصرفون إلى أعمالهم هذه بالنسبة للمقربين كما يقول ابن القيم في طريق الهجرتين هذا لا شيء بالنسبة لهم؛ لأن المقربين ينصرفون بغير صلاة من المسجد بعد انتشار الشمس؛ لماذا؟ لأنهم ينصرفون إلى عبادات أخرى، هم ملازمون للعبادة، بينما الأبرار يلزمون العبادة وقت، ثم ينصرفون إلى أمور دنياهم، فأبو بكر لما قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيرا)) لا شك أن هذا بالنسبة له، وأما بالنسبة لغيره خيراً عظيماً وليس بظلم، وأينا لم يظلم نفسه؟ والظلم نسبي، قد تكون ظالماً لنفسك إذا نمت عن صلاة الفجر، تكون ظالم لنفسك إذا نمت عن قيام الليل، قد تكون ظالم لنفسك إذا قمت عما اعتده من قيام طويل في الليل، فالظلم نسبي، فيكون بترك الواجب وبفعل المحظور، ويكون بترك المندوب، وبفعل المكروه، ويكون أيضاً بالنسبة لبعض الناس بفعل خلاف الأولى، ومثلنا في بعض المناسبات ولعله في هذا الدرس الناس يتفاوتون، فإذا التفت الإمام بعد السلام ورأى شخصين فاتهما على ركعة وركعتين، ينظر إلى أحدهما مسروراً مبتهجاً، وينظر إلى الثاني بشيء من الغضب؛ لماذا؟ لأن هذا الذي فاته ركعة الحمد لله أنه جاء يصلي مع الجماعة هذه نعمة خير عظيم، لكن الثاني طالب علم ويقتدى به، كيف يفوته ركعة من الصلاة؟! ما جاء مع الأذان أو قبل الإقامة، وأدى الرواتب، الناس منازل، فأبو بكر ظلمه الكثير هذا بالنسبة لغيره من أعظم القربات؛ لأن الظلم أينا لم يظلم نفسه، يعني لو أن الإنسان فعل مباح إذا نظرنا إلى أن هذا الوقت الذي فعل به هذا المباح يمكن أن يصرفه بفعل طاعة، نقول: ظلم نفسه، حيث أضاع وقته والعمر عبارة عن..، الإنسان كله وجوده عبارة عن عمره وأنفاسه لحظاته التي يكتسب بها ما يقربه إلى الله -جل وعلا-، يعني نقول هذا وإلا أهل السنة -الحمد لله- عاد ما يشكل عليهم، ما في أدنى إشكال عند أهل السنة لكن مثل هذا يمكن الآن مع وصول القنوات ووصول الشبهات إلى بيوت عوام المسلمين يشكل على بعض العامة.

((ولا يغفر الذنوب إلا أنت)) لا شك أن المغفرة بيد الله -جل وعلا-، وليس هناك واسطة بين العبد وبين ربه إلا في الشفاعة المثبتة، وأما ما عداها فليس هناك واسطة، وليس هناك صكوك غفران، كما هو عند النصارى، وبعض المبتدعة عندهم نظير صكوك الغفران، بعض الطوائف المبتدعة تأتي بمبلغ من المال وتدفعه إلى رئيسهم، ثم بعد ذلك يضمن لك، وهذا شبيه بفعل النصارى.

((فاغفر لي مغفرة من عندك)) بحيث لا أحتاج إلى غيرك "((وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم)) متفق عليه" والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

"