هدي النبي في رمضان (22)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

أيها الإخوة المستمعون الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً بكم إلى لقاء جديد يجمعنا بفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير وفقه الله، حيث نكمل ونواصل الحديث حول ما ابتدئ به في الحلقة الماضية في مشروعية القيام قيام رمضان وقيام الناس خلف إمام واحد في البداية أرحب بفضيلة الشيخ عبد الكريم فحياكم الله يا شيخ عبد الكريم وأهلاً وسهلاً بكم معنا.

حياكم الله وبارك فيكم.

أيها الإخوة: لايزال الحديث موصولاً حول قول عمر نعمت البدعة هذه عندما قالها عندما رأى جمعًا من الصحابة قد صلوا خلف إمام واحد وتعرض الشيخ وفقه الله في الحلقة الماضية حول معنى هذا الأمر وما قد يلتبس من وصف من مدح عمر للفظ البدعة وقد بين شيئًا من هذا في الحلقة الماضية فضيلة الشيخ لو تكرمتم بربط الحديث فيما سبق إلى ما يجري في هذه الحلقة.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ثبت في الصحيح مما أشرنا إليه من قول عمر -رضي الله عنه- نعمت البدعة يعني في البخاري وعرفنا البدعة في اللغة وفي الاصطلاح وعرفنا أن شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-يرى أنها بدعة لغوية وإذا طبقنا صلاة التراويح في الجماعة عرفنا أنها ليست ببدعة لغوية؛ لأن البدعة لغة ما عمل على غير مثال سابق وصلاة التراويح عملت على مثال سبق، وهي أيضًا ليست ببدعة شرعية؛ لأن لها أصل من فعله -عليه الصلاة والسلام- كونه ترك لا يلغي مشروعيتها؛ لأن الترك معلل معلل بخشية أن تفرض، إذا لم تكن بدعة لا لغوية ولا شرعية إذًا ماذا تكون؟ نعم زعم بعضهم أنها من قبيل المجاز هذا كلام الشاطبي أنها مجاز، والتحقيق أنها ليست ببدعة لغوية ولا شرعية على ما تقدم وليست بمجاز لماذا؟ لأن المجاز منفي ليس بالصحيح إذ لا مجاز في لغة العرب أصلاً كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وجمع من أهل التحقيق كالشيخ محمد الأمين الشنقيطي وجمع، لكن نقول أن هذه اللفظة إنما أطلقها عمر -رضي الله عنه- من باب المشاكلة والمجانسة في التعبير مشاكلة ومجانسة في التعبير كأن قائلاً ابتدعت يا عمر! فقال عمر: نعمت البدعة، والمشاكلة والمجانسة هي أن يلقى إليك كلام فتجيب بلفظه وإن لم يكن نفس المراد منه حقيقة أو تقديرًا يعني كأنه قيل له ابتدعت يا عمر حقيقة أو تقديرًا لا يلزم أن أن يوجد من يقول لعمر مع أن في بعض طرق الحديث ما يدل على أنه هو خشي ذلك لئلا يقول أحد إنها بدعة فهي نعمت البدعة، فهذه من باب المشاكلة والمجانسة في التعبير، الله سبحانه وتعالى يقول: { وَجَزَٰٓؤُاْ سَيِّئَةٖ سَيِّئَةٞ مِّثۡلُهَا } الشورى: ٤٠ { وَجَزَٰٓؤُاْ سَيِّئَةٖ } الشورى: ٤٠  جناية هذه سيئة بلا شك { سَيِّئَةٖ سَيِّئَةٞ مِّثۡلُهَا } الشورى: ٤٠  معاقبة الجاني سيئة؟ ليست بسيئة لكنها من باب المشاكلة والمجانسة في التعبير هذا أيضًا موجود في لغة العرب قالوا اقترح شيئًا نجد لك طبخه قلت اطبخوا لي جبة وقميصًا، الجبة والقميص لا تطبخ، لكن من باب المشاكلة في التعبير والمجانسة، والمشاكلة هذا باب من أبواب البديع من أبواب البديع تختلف اختلافًا جذريًا عن المجاز، فإذا عرفنا هذا فليس في قول عمر نعمت البدعة مستمسك لمن يقسم البدع إلى حسنة وقبيحة إلى واجبة ومستحبة ومباحة ومكروهة ومحظورة، اختار العز ابن عبد السلام والنووي وابن حجر تقسيم البدع إلى مستحسنة وقبيحة، وأول ما يندرج تحت مستحسن قالوا أن ما يندرج تحت مستحسن في الشرع فهو حسن وما يندرج تحت مستقبح في الشرع فهو قبيح وإلا فهو من قبيل المباح كما ذكر ذلك ابن حجر في فتح الباري أو أنها تنقسم إلى الأحكام الخمسة وأن من البدع ما هو واجب ومنها ما هو مستحب ومنها ما هو مكروه ومباح ومحظور هذا تقسيم مخترع مبتدع، لم يدل عليه دليل لا من الكتاب ولا من السنة، بل صرح النبي -عليه الصلاة والسلام- بخلافه، حيث قال «كل بدعة ضلالة» وقال: «شر الأمور محدثاتها» النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: «كل بدعة ضلالة« ونقول من البدع ما هو واجب أو مستحب! الشاطبي -رحمه الله تعالى- في الاعتصام نقض هذا القول وقوض دعائمه وقال إنه قول مخترع، القول نفسه مبتدع لا يدل عليه دليل لا من الكتاب ولا من السنة، بل الدليل على خلافه فكيف يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- «شر الأمور محدثاته» «كل بدعة ضلالة» ونقول من البدع ما هو واجب ومستحب هم يقولون ما يندرج تحت مستحسن في الشرع فهو حسن إذا اندرج تحت مستحسن ليس ببدعة يشمله الأصل الحسن، فيكون له أصل في الشرع، إذا اندرج تحت مستقبح في الشرع فهو قبيح نعم البدعة قبيحة، على كل حال هذا القول كما قال الشاطبي -رحمه الله- في الاعتصام قول مخترع ولا أصل له ولا دليل عليه، إذا عرفنا هذا فقيام رمضان من أفضل القربات؛ لأن القيام في سائر العام من أفضل الأعمال وهو دأْب الصالحين كما قال -جلَّ وعلا-: { أَمَّنۡ هُوَ قَٰنِتٌ ءَانَآءَ ٱلَّيۡلِ سَاجِدٗا وَقَآئِمٗا يَحۡذَرُ ٱلۡأٓخِرَةَ وَيَرۡجُواْ رَحۡمَةَ رَبِّهِۦۗ قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ } الزمر: ٩  في الآية دليل على أن من أوضح علامة من أوضح العلامات لأهل العلم قيام الليل؛ لأنه قال { أَمَّنۡ هُوَ قَٰنِتٌ ءَانَآءَ ٱلَّيۡلِ سَاجِدٗا وَقَآئِمٗا } الزمر: ٩  ثم قال { قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ } الزمر: ٩  يعني الذين يقومون الذين يتصفون بهذا الوصف هم الذين يعلمون والذين لا يتصفون بهذا الوصف هم الذين لا يعلمون فدل على أن قيام الليل علامة واضحة على علم الإنسان بدليل قوله: { قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ } الزمر: ٩  فالذي يقوم الليل من الذين يعلمون والذي لا يقوم الليل من الذين لا يعلمون، ثم ذيل ذلك بقوله { إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ } الزمر: ٩  أرباب العقول وأصحاب العقول الذين بعقولهم الموجهة بالنصوص الشرعية هم الذين يسعون لما ينفعهم في دنياهم وأخراهم، يقول -جلَّ وعلا- أيضًا { تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمۡ عَنِ ٱلۡمَضَاجِعِ يَدۡعُونَ رَبَّهُمۡ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ } السجدة: ١٦  النهاية { فَلَا تَعۡلَمُ } السجدة: ١٧  أو الجزاء { فَلَا تَعۡلَمُ نَفۡسٞ مَّآ أُخۡفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعۡيُنٖ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ١٧ أَفَمَن كَانَ مُؤۡمِنٗا كَمَن كَانَ فَاسِقٗاۚ لَّا يَسۡتَوُۥنَ ١٨ } السجدة: ١٧ - ١٨  أيضًا مثل التذييل السابق، أيضًا ذُكِر ابن عمر أو النبي -عليه الصلاة والسلام- قال عن عمر قال عن ابن عمر «نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل» دل على أن مدح الرجل يتوقف على قيامه الليل لا سيما مثل ابن عمر الصحابي المؤتسي -رضي الله عنه-، كان ابن عمر بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً، قد ذكر العلماء الذين صنفوا في مناقب الأئمة من سلف هذه الأمة وعلمائها ما يبهر العقول ويجعل الإنسان يحتار من صبر هؤلاء العلماء من الصحابة والتابعين على القيام والصيام وغيرهما من أنواع العبادات، قد يقول قائل إن قيامهم بل ما يذكر عنهم من ملازمة للقيام وملازمة للصيام قد يكون فيه مخالفة لحديث «إن الدين يسر» أو الدين متين «مه عليكم من الدين ما تطيقون» هذا مما يطاق هذا مما يطاق والنبي -عليه الصلاة والسلام- الذي صحت عنه هذه الألفاظ قام -عليه الصلاة والسلام- حتى تفطرت قدماه وهذا هو عين الشكر، هذا عين الشكر لهذه النعم التي لا تعد ولا تحصى، من شكر هذه النعم أن تسخر هذه النعم فيما يرضي الله -عزَّ وجل- فلا يأتي من يأتي من يقول إن إن هؤلاء السلف الذين أثر عنهم القيام في الليالي الشاتية الطويلة مع ما يلحقهم من المشقة هم يتلذذون بهذا، هم جاهدوا في أول الأمر لكنهم في النهاية تلذذوا بذلك تلذذوا بالطاعات بالعبادات والله المستعان، نعم من نظر إلى حال عموم المسلمين الآن بل مع الأسف الشديد ممن ينتسب..، بعض من ينتسب إلى العلم التفريط والتقصير في هذا الباب يعني يأسف لحال ووضع الأمة المزري، وإذا قارن بين حالنا وحال سلف هذه الأمة وجد البون الشاسع.

لا تعرضن لذكرنا مع ذكرهم  

 

ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد  .

لا مناسبة ولا مقارنة والله المستعان.

 

أحسن الله إليكم فضيلة وأثابكم ونفع بما قلتم إنه سميع مجيب، أيها الإخوة المستمعون الكرام بهذه الكلمات حول قيام الليل وفضله وتأصيل هذه المسألة التي فيها إقرار لما كان عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مشروعيتها نصل إلى ختام هذه الحلقة نتقدم فيها ختامها بالشكر الجزيل لفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير وفقه الله ولكم أنتم مستمعينا الكرام نلقاكم بإذن الله تعالى وأنتم بخير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

"