تعليق على تفسير سورة الأنفال من أضواء البيان (02)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نعم.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله تعالى-:
قوله تعالى: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [الأنفال:2] الآية في هذه الآية الكريمة التصريح بزيادة الإيمان، وقد صرح تعالى بذلك في مواضع أخر كقوله: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}[التوبة:124] [التوبة: 124]، وقوله: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ}[الفتح:4] الآية، وقوله: {لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر:31] الآية، وقوله: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى} [محمد:17] الآية، وتدل هذه الآيات بدلالة الالتزام على أنه ينقص أيضًا؛ لأن كل ما يزيد ينقص، وجاء مصرحًا به في أحاديث الشفاعة الصحيحة كقوله: «يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه مثقال حبة من إيمان»، ونحو ذلك".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذه المسألة وهي زيادة الإيمان ونقصانه زيادته بالطاعات، ونقصانه بالمعاصي هذه من المسائل المقررة المتفق عليها بين من يعتد بقوله من أهل السُّنَّة، وأنه يزيد وينقص، يزيد بالطاعات، وينقص بالمعاصي، واستدلال المؤلف -رحمه الله تعالى- على أن ما قَبِل الزيادة قَبِل النقص هذا معروف متداول بين أهل العلم، الزيادة فيها الآيات الصريحة، استوعبها شيخ الإسلام -رحمه الله- في العقيدة الواسطية، والنقصان استدلوا له بدلالة الالتزام ما كان يقبل الزيادة فإنه يقبل النقص، وجاؤوا بأحاديث الشفاعة التي أورد منها المؤلف ما أورد مما يدل على أن الإيمان ينقص في قلب المؤمن ويتضاءل حتى يصير مثل الحبة، وقد جاء بذلك الحديث الصحيح، عامة أهل السُّنَّة والجماعة على أنه يزيد وينقص. ونُسِب للإمام مالك أنه يزيد ولا ينقص، هذا معروف عندكم؟
طالب: ...............
ماذا؟
هو نُسب للإمام مالك.
طالب: ...............
ماذا؟
المقصود أنه يقول: لا ينقص.
على كل حال المسألة محسومة ومعروفة ومقطوع بها ومجزوم بها عند أهل العلم، من أهل السُّنَّة والجماعة، يقابلهم من يقول: لا يزيد ولا ينقص كالمرجئة يقولون: لا يزيد ولا ينقص، ولذلك إيمان أفسق الناس كإيمان جبريل، واحد الإيمان في قلبه، لا يزيد ولا ينقص، والآيات المصرحة بالزيادة ردٌّ عليهم، الآيات المصرحة، شيخ الإسلام وضح المسألة وجلّاها، وأورد الأدلة لها من أقوال أهل العلم ممن يقول بذلك، وهم عامة من يعتد بقولهم من أهل السُّنَّة والجماعة، فالذي يقول: يزيد وينقص بناءً على ما جاء في الأحاديث والنصوص وإجماع أهل العلم من أهل السُّنَّة والجماعة.
ويقابلهم الذين يقولون: لا يزيد ولا ينقص، اصنع ما شئت من الفجور والمعاصي والمنكرات وإيمانك كإيمان جبريل.
وهذا قول باطل، باطل بالعقل قبل النقل، لا يمكن أن ترى شخصًا في هيئته ودَلِّه وسمته وطريقته وحياته ممن يزاول المعاصي، ويقارب أو يداني من عمله كله الطاعات، العبادات لها أثر على الشخص على قلبه، على عبادته، على سلوكه، كما أن المعاصي كذلك، فالقول بأن الإيمان لا أثر له في السلوك أو في العبادات أو لا أثر لها فيه هذا قول باطل، ولذا تجد أهل الفسوق والفجور والمعاصي هم أهل الجرائم وهم الذين لا تؤمَن غوائلهم، بخلاف أهل الطاعة، فهذا يخالف الحس.
هؤلاء الذين يقولون ممن يسمون بالمرجئة هم عند أهل العلم نوعان: المرجئة المطبقة الذين الطاعة عندهم كالمعصية في أثرها على الإيمان، هؤلاء يترتب على قولهم أن العاصي لا يعاقب، أن العاصي لا يعاقب، بخلاف من ينسب إليهم الإرجاء من النوع الثاني وهم مرجئة الفقهاء، لا يرون له أثرًا في الإيمان ولا يزيده ولا ينقصه، لكنه يعذب على فعله الفواحش والجرائم، يعذب عليها، ويكون أصل الإيمان عندهم واحدًا، لكن متعلقات الإيمان ومتطلباته من العبادات هي التي يترتب عليها الثواب والعقاب.
وعلى كل حال هذه المسألة عند أهل العلم معروفة ومحسومة وواضحة، ولله الحمد، من الوضوح بحيث لا تحتاج إلى شرح إلا من أُشرب قلبه حب الابتداع ونشأ على ذلك، وإلا فانظر إلى أثر الإرجاء في الأقطار الإسلامية، أثره في واقع الناس. له أثر أم ما له أثر؟
طالب: ...............
يفعل ما يشاء من المعاصي ويقال: ما عليك شيء؟ ما الذي يردعه؟ وأن إيمانك مثل إيمان أبي بكر وعمر؟ سيصنع ما شاء، ولا يرده عن ذلك راد ولا صاد.
فهذه الأقوال الابتداعية أثرت في واقع المسلمين الأثر البالغ بحيث تنصل الناس عن الدين شيئًا فشيئًا حتى خرجوا منه، نسأل الله العافية. وهذه عقوبات وإلا فما يُظَن بشخص أن يقول في أول أمره أن إيمانه كإيمان جبريل، ما يُظَن بمسلم أن يقول هذا في أول أمره، لكنه قال كلامًا، ثم عوقب بما هو أشد منه، ثم عوقب بما هو أشد منه حتى وصل إلى هذه المرحلة.
وعلى كل حال القول بأنه لا يزيد ولا ينقص قول باطل، وعليه لوازم قد يخرج بسببها الإنسان من الإيمان بالكلية؛ لأن هذه الأعمال هي دواعم للإيمان دواعم تسند الإيمان وتزيده شيئًا فشيئًا حتى يصل إلى درجة الكمال، وترك هذه الأعمال يفضي بالشخص إلى أن يتنازل شيئًا فشيئًا إلى أن يخرج من الإيمان وهو لا يشعر، وإن زعم الإيمان.
هل من أحد ينظر لنا القول بأن الإيمان يزيد ولا ينقص؟
طالب: ...............
ماذا؟
طالب: ...............
طيب.
"قوله تعالى: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ} [الأنفال:11]، ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أنه ألقى النعاس على المؤمنين؛ ليجعل قلوبهم آمنة غير خائفة من عدوها؛ لأن الخائف الفزع لا يغشاه النعاس، وظاهر سياق هذه الآية أن هذا النعاس ألقي عليهم يوم بدر".
الخائف لا ينام، لا ينام الخائف؛ لأنه يخشى من يعتدي عليه وهو نائم، فيظل يقظان وتمرّ عليه الليالي ما ذاق طعم النوم، ولذا قالوا: أخوف من صافرة، ما صافرة؟ أخوف من صافرة، أخوف من صافرة، هذه التي تصفِّر ما تنام أبدًا، تصفر، تخاف أن يجيء أحد يأكلها، من خوفها وفزعها، هذا الخوف...
طالب: ...............
ما أدري قد تعرض بهذا السياق، تعرفها يا أبا عمار؟
المقصود أن هذه كل الليل تظل تصفر؛ خشية أن يأتي إليها من يستغفلها وهي نائمة ويأكلها، طالب: ...............
نعم.
طالب:...
الصرار من نوع الصراصير والحشرات.
طالب: ...............
لا ليست هو، هذه حشرة، وذاك طائر.
يذكر عن ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه- أن النعاس في الجهاد من الإيمان، والنعاس في الصلاة من النفاق، النعاس في الجهاد يدل على أن القلب مطمئن ومسلم للأمر لله -جل وعلا- والنفاق في الصلاة يدل على الغفلة ولو حضر قلبه ما نام، لكن قد تكون الغلبة للتعب والسهر، ثم يغشاه النوم من غير قصد.
"لأن الكلام هنا في وقعة بدر، كما لا يخفى. وذكر في سورة آل عمران أن النعاس غشيهم أيضًا يوم أحد، وذلك في قوله تعالى في وقعة أحد: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا} [آل عمران:154] الآية.
قوله تعالى: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} [الأنفال:19] الآية، المراد بالفتح هنا في هذه الآية عند جمهور العلماء: الحكم، وذلك أن قريشًا لما أرادوا الخروج إلى غزوة بدر تعلقوا بأستار الكعبة، وزعموا أنهم قطان بيت الله الحرام، وأنهم يسقون الحجيج، ونحو ذلك، وأن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- فرّق الجماعة، وقطع الرحم، وسفَّه الآباء، وعاب الدين، ثم سألوا الله أن يحكم بينهم، وبين النبي -صلى الله عليه وسلم-، بأن يهلك الظالم منهم، وينصر المحق، فحكم الله بذلك وأهلكهم، ونصره، وأنزل الآية، ويدل على أن المراد بالفتح هنا الحكم أنه تعالى أتبعه بما يدل على أن الخطاب لكفار مكة، وهو قوله: {وَإِنْ تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ} [الأنفال:19]، ويبين ذلك إطلاق الفتح بمعنى الحكم في القرآن في قوله عن شعيب وقومه: {عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ}[الأعراف:89]، أي احكم بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الحاكمين، ويدل لذلك قوله تعالى عن شعيب في نفس القصة: {وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} [الأعراف:87]، وهذه لغة حمير؛ لأنهم يسمون القاضي فتاحًا، والحكومة فتاحة. ومنه قول الشاعر:
ألا أبلغ بني عمرو رسولاً |
| بأني عن فتاحتكم غني |
أي عن حكومتكم وقضائكم، أما ما ذكره بعض أهل العلم من أن الخطاب في قوله: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا} [الأنفال:19] للمؤمنين، أي: تطلبوا الفتح والنصر من الله، وأن الخطاب في قوله بعده: وإن تنتهوا فهو خير لكم للكافرين، فهو غير ظاهر، كما ترى.
قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}[الأنفال:28] أمر تعالى الناس في هذه الآية الكريمة أن يعلموا أن أمولاهم وأولادهم فتنة، يختبرون بها هل يكون المال والولد سببًا للوقوع فيما لا يرضي الله، وزاد في موضع آخر: أن الأزواج فتنة أيضًا، كالمال والولد، فأمر الإنسان بالحذر منهم أن يوقعوه فيما لا يرضي الله، ثم أمره".
جاء في الحديث الصحيح أن الفتنة في المال والولد تكفرها الصلاة والصيام، تكفرها الصلاة والصيام، فهذه الفتنة بمعنى أنها قد تحمل الإنسان على أن يرتكب مخالفة لأمر الله أو ارتكاب نهيه -جل وعلا-، فيكون فيه حرف وصرف عن مراد الله -جل وعلا-، وهذا معنى الافتتان، يفتتن الإنسان بماله، ويلهث وراءه، ويرتكب بسببه المحرمات، سواء كان في اقتنائه أو في صرفه، يصرفه فيما لا يرضي الله، والأهل كذلك، الزوجة قد يغتر بها، وينحرف، وينصرف عن دين الله بسببها، وكذلك الأولاد {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [الأنفال:28].
عمران بن حطان كان من المعروفين بالاستقامة والدين على مذهب أهل السُّنَّة والجماعة، فخطب امرأة عُرِفت بجمالها قالت: هي من الخوارج، من الخوارج، قالوا له: هذه امرأة خارجية، كما يقال لمن يخطب امرأة ليست بذات دين يقال له، وهي تعجبه في جمالها، يقال له النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: «فاظفر بذات الدين»، جاء الرد من كثير من الشباب أن الدين يأتي بالدعوة، لكن الجمال ما الذي يجيء به؟
الدين بالدعوة بالرفق، باللين، ثم ما الأثر؟ مثل عمران بن حطان صار خارجيًّا، صار من رؤوس الخوارج، وهو الذي مدح قاتل علي عبد الرحمن بن ملجم، افتتن بهذه المرأة، فتبعها ويقال للخاطب وصية الرسول -عليه الصلاة والسلام-: «فاظفر بذات الدين» تسعد في دنياك وأخراك، وكثير من البيوت كثُر فيها المخالفات وأنواع الفسق؛ بسبب الأم، تبرر لأولادها، وتدافع زوجها عنهم، وهكذا إلى أن حصل ما حصل، ولو كانت من أهل الدين ما حصل هذا.
نعم قد تهدى المرأة في مقابل أن تهديه لطريقها وسننها أن يهديها إلى الرشاد، لكن هذه مخاطرة، مخاطرة، إذا ظفر بذات الدين، وعمل بوصية النبي -عليه الصلاة والسلام- فإنه يوفَّق ويعان على صلاح نفسه وذريته وحفظ بيته وحفظ أهله، إذا حرص على ذات الدين، والله المستعان.
كم من شخص افتتن بسبب المرأة؟ كثير جدًّا، أنا أذكر قبل ثلاثين سنة كنا نقرأ عند واحد من المشايخ، توفي -رحمه الله-، وكان معنا واحد يقرأ في الدراسات العليا، متخرج من كلية الشريعة، وفي الدراسات العليا، ولحيته من أجمل ما رأيت من اللحى، فوجئنا في يوم من الأيام إلى أنها بالموسى، إذا رأيت هذا المنظر من شخص رأيته قريبًا أمس بلحية كثة، ومظهر شرعي متبع، ثم بعد ذلك فجأة الذي يخفف شيئًا فشيئًا يذوب مع الوقت، لكن هذا فجأة في يوم واحد، فلما نوقش قالت الزوجة: إما أنا أو اللحية، ولا أقدرت أفارقها، أنا أطلب العلم، وأستقيم على طاعة الله، وأصلي، لكن الشيء هذا أمر لا أطيقه، نسأل الله العافية، نسأل الله الثبات، وهذا بسبب المخالفة الشرعية، اظفر بذات الدين، راح يدور أي وحدة، قد لا يكون في أهلها، في عرضها شيء إلا أنها تتساهل، تتساهل في أمر الدين والعبادة والصلاة وتلاوة القرآن والأذكار، وكذا، فتنتهي شيئًا فشيئًا، والله المستعان.
طالب: ...............
نعم.
طالب: ...............
هي ناقصة عقل ودين، ما أقول: كاملة، كونها تؤذي زوجها، هذه أخلاق وطباع نعم، والشرع جاء بالحث على ذات الخلق، وعلى ذي الخلق أيضًا، الناس يتفاوتون في طباعهم وما جبلوا عليه، فعلى الإنسان أن يحرص على ما يستطيع تحقيقه، والذي لا يستطيعه يسأل الله أن يكمله، نعم.
"وزاد في موضع آخر أن الأزواج فتنة أيضًا، كالمال والولد فأمر الإنسان بالحذر منهم أن يوقعوه فيما لا يرضي الله، ثم أمره إن اطلع على ما يكره من أولئك الأعداء الذين هم أقرب الناس له وأخصهم به وهم الأولاد والأزواج أن يعفو عنهم ويصفح، ولا يؤاخذهم، فيحذر منهم أولاً ويصفح عنهم إن وقع منهم بعض الشيء، وذلك في قوله في التغابن: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}[التغابن14 :15].
وصرح في موضع آخر بنهي المؤمنين عن أن تلهيهم الأموال والأولاد عن ذكره -جل وعلا-، وأن من وقع في ذلك فهو الخاسر المغبون في حظوظه، وهو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}[المنافقون:9]، والمراد بالفتنة في الآيات: الاختبار والابتلاء، وهو أحد معاني الفتنة في القرآن.
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[الأنفال:29] قال ابن عباس، والسُّدي، ومجاهد، وعكرمة، والضحاك، وقتادة، ومقاتل بن حيان، وغير واحد: فرقانًا: مخرجًا، زاد مجاهد: في الدنيا والآخرة، وفي رواية عن ابن عباس: فرقانًا: نجاة، وفي رواية عنه: نصرًا. وقال محمد بن إسحاق: فرقانًا أي: فصلاً بين الحق والباطل، قاله ابن كثير. قال -مقيِّده عفا الله عنه-: قول الجماعة المذكورة: إن المراد بالفرقان: المخرج يشهد له قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا}[الطلاق:2] الآية، والقول بأنه النجاة أو النصر، راجع في المعنى إلى هذا".
هو فرد من أفراده، والتقوى جماع كل خير، جماع كل خير، وهي وصية الله -جل وعلا- للأولين والآخرين، من أراد الدنيا، من يتقي الله يجعل له مخرجًا، في جميع أمور دنياه، إذا احتاج إلى أمر من أمور الدنيا، واتقى الله -جل وعلا- وصل بإذن الله، إلا إن ادُّخر له أعظم منه، إن أراد العلم {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:282]، إن أراد الآخرة فلا وسيلة ولا وصول إلى الآخرة إلا عن طريق التقوى، فالإنسان خُلق ليعبد الله -جل وعلا-، والعبادة من أجل التقوى، {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:21] وهكذا، فهي جماع كل خير، وكل قول ينطلق من هذا القول العام الشامل فهو فرد من أفراده، كالنصر، والنجاة، وتيسير الأمور، وإيجاد المخارج في المضايق، كلها من ما يجنيه المتقي، والله المستعان.
"لأن من جعل الله له مخرجًا أنجاه ونصره، لكن الذي يدل القرآن واللغة على صحته في تفسير الآية المذكورة هو قول ابن إسحاق؛ لأن الفرقان مصدرٌ زيدت فيه الألف والنون، وأريد به الوصف أي الفارق بين الحق والباطل، وذلك هو معناه في قوله: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ} [الفرقان:1] أي الكتاب الفارق بين الحق والباطل، وقوله: {وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ} [آل عمران:4]، وقوله: ولقد آتينا موسى الكتاب والفرقان، وقوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ} [الأنبياء:48]".
طالب: ...............
ماذا؟
طالب: ...............
وإذ آتينا موسى الكتاب؟ التي تليها ولقد آتينا موسى التي بعدها..
"وقوله: {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ} [البقرة:53]".
{وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ} [البقرة:53]، وقوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ} [الأنبياء:48]، ويدل على أن المراد بالفرقان هنا: العلم الفارق بين الحق والباطل، قوله تعالى في الحديد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [الحديد:28] الآية؛ لأن قوله هنا: ويجعل لكم نورًا تمشون به، يعني: علمًا وهدى تفرقون به بين الحق والباطل، ويدل على أن المراد بالنور هنا الهدى، ومعرفة الحق قوله تعالى فيمن كان كافرًا فهداه الله: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} [الأنعام:122] الآية، فجعل النور المذكور في الحديد: هو معنى الفرقان المذكور في الأنفال كما ترى، وتكفير السيئات، والغفران المرتب على تقوى الله في آية الأنفال، كذلك جاء مرتبًا أيضًا عليها في آية الحديد، وهو بيان واضح كما ترى.
قوله تعالى".
هذا الاختلاف الذي ذكره المؤلف -رحمه الله- بين ابن إسحاق ومن قبله من أهل العلم هل هو اختلاف تضاد أو يمكن دخول قول ابن إسحاق في قولهم؟
طالب: ...............
يمكن دخوله.
طالب: ...............
يعني عموم قولهم يدخل فيه قول ابن إسحاق.
طالب:...
كون الإنسان ينصر على الأعداء أوتي الفرقان، ما نُصِر إلا وقد أوتي الفرقان، وعمر بن الخطاب والنصر ملازم له في غالب أحواله، وليس بالمعصوم، يسمى الفاروق بين الحق والباطل، ففيه تداخل بين هذه الأقوال.
"قوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا} [الأنفال:31] الآية. قد بينا قبل هذه الآيات المصرحة بكذبهم، وتعجيز الله لهم عن الإتيان بمثله، فلا حاجة إلى إعادتها هنا، وقوله هنا في هذه الآية عنهم: {إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ}، ردَّ الله عليهم كذبهم وافتراءهم هذا في آيات كثيرة كقوله تعالى: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا. قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان5 :6]، وما أنزله عالم السر في السماوات والأرض فهو بعيد جدًّا من أن يكون أساطير الأولين، وكقوله: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل:103]، إلى غير ذلك من الآيات.
قوله تعالى: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال:32] ذكر هنا في هذه الآية الكريمة ما يدل على أن كفار مكة في غاية الجهل حيث قالوا: {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا} الآية، ولم يقولوا: فاهدنا إليه، وجاء في آيات أخر ما يدل على ذلك أيضًا".
إنما أتوا بهذا التردد، ما اختاروا الأمثل والأنفع والأصلح لهم، اختاروا ضده، نسأل الله العافية. نعم.
"وجاء في آيات أخر ما يدل على ذلك أيضًا كقوله عنهم: {وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ} [ص:16]، وقوله: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ} [الحج:47] الآية، وقوله: {وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ} [هود:8]، وذكر عن بعض الأمم السالفة شبه ذلك كقوله في قوم شعيب: {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الشعراء:187]، وقوله عن قوم صالح: {يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الأعراف:77]".
طالب: ...............
ماذا؟
طالب: ...............
إن كنت من المرسلين الثاني من المرسلين.
"وسيأتي لهذا إن شاء الله زيادة إيضاح في سورة سأل سائل".
كل هذا من مبالغتهم في عنادهم وتكذيبهم وعدم تصديقهم، وإلا لو كان الصدق له احتمال في قلوبهم ما قالوا: ائتنا بما تعدنا، {وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} [غافر:28].
طالب: ...............
ماذا؟
طالب: ...............
ما له علاقة عليها يا شيخ، ما أدري عن العذب النمير فيه شيء.
طالب: ...............
نعم تعجيز تعجيز، هذا التحدي تعجيز أن يأتوا بمثله، هم عجزوا عن ذلك، بطوعهم واختيارهم مع ما يتصفون به من الفصاحة والبلاغة والقدرة على التصرف في أنواع الكلام، إلا أنهم عجزوا عن محاكاته والإتيان بمثله.
طالب: ...............
نعم، هو يشمل هذا وهذا، عجزهم بما يستطيعون وما لا يستطيعون، لكن هذا لا يستطيعونه، نعم.
"قوله تعالى: {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ} [الأنفال:34] صرّح تعالى في هذه الآية الكريمة بنفي ولاية الكفار على المسجد الحرام، وأثبتها لخصوص المتقين، وأوضح هذا المعنى في قوله: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ. إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ}[التوبة:18]".
العمارة المذكورة هل المراد بها الحسية أو المعنوية؟ الحسية يستطيع الكافر أن يأتي بالمعدات ويعمر مسجدًا، لكن العمارة المعنوية التي هي عمارتها بالعبادة بالصلاة، بالأذكار، بتلاوة القرآن، بالعلم والتعليم، هذه ما كان لهم أن يعمروها بهذه العمارة الخاصة، مع أن أنهم ذُكِر عن بعض الكفار مزاولتهم لبعض العبادات المعنوية، وُجِد منهم من يحفظ القرآن، ووُجِد من يصوم رمضان مع المسلمين، ووُجد من يلزم المسجد وهو غير مسلم، نوادر ذُكِروا في تراجمهم هذا، ذكروا في كتب التراجم شيء من هذا، الصابئ هلال من الصابئة ذكر ابن خلكان في ترجمته أنه كان يصوم رمضان، وكان يحفظ القرآن، والخليفة، الخليفة قد اتخذه كاتبًا واصطفاه للكتابة، ومع ذلك حرص على إسلامه وعجز، وبلغ من الكبر عتيًا ولم يتزوج، واكتفى بعبد أسود كبير السن قبيح المنظر، ويتمنى أن يكون شامة في خدّه.
طالب: ...............
نسأل الله العافية، نسأل الله العافية، الشاهد أنه ليس بمسلم، ويصوم مع المسلمين، ويقرأ، لكن هؤلاء نوادر، المسلمون يشق عليهم كثير من هذه الأمور، فكيف بمن لا يرجو ثواب الله؟ نسأل الله العافية.
طالب:...
نعم، هذا شيء، لكن الإشكال فيمن ليس له هدف، فقط مع الناس.
طالب: ...............
نسأل الله العافية، نسأل الله الثبات، قد تقول أو قد يقال: إن هذا لزم الصيام من باب الحمية الصحية، وحفظ القرآن من أجل هذا الهدف، شيخ من الشيوخ في دار القضاء الشرعي يقول: درَّسنا يقول أحمد أمين درّسنا في مدرسة القضاء الشرعي وأعجبنا كثيرًا ثم فقدناه فجأة، وعشر سنوات أبحث عنه، عشر سنوات أبحث عنه، فذهبت مرة إلى تركيا فوجدته، وجدته قد تغير منهج حياته فصار صوامًا قوامًا.
طالب: ...............
مدرس بمصر بمدرسة القضاء الشرعي، مسلم نعم مسلم، صوامًا قوامًا، لكن ما هذا الصيام وما ذاك القيام؟ يقول: لا ينتبه للسحور إلا الساعة تسعة الصبح، لماذا؟ يقول: عندهم في العمارة أسرة يهودية، فلا يحب إزعاجهم، والقيام بعد قال فيه كلام آخر، فنسأل الله الثبات، يعني يحسب أنه يحسن الصنع، نسأل الله العافية.
الفارابي في آخر عمره جاور في المسجد الحرام، وكان يلزم الصيام والقيام، وكان يفطر على الخمر المعتّق وأفئدة الحملان، الحرام، بمكة، يعني ما يلزم يكون بواسطة الحرام، لكنه جاور، واقرأ عن ابن عربي، وعن فلان من أئمة شيوخ المبتدعة، وأئمتهم تجد العجب في تصرفاتهم، يعني سفهاء وصبيان وقد يكون الفساق لا يفعلون مثل أفعالهم.
يعني هذا الذي صنّف الأسفار الكبيرة ابن عربي، مؤلفات كبيرة، وتعجب تفكك الرأس، ثم يقول: ألا بذكر الله تزداد الذنوب، وتنطمس البصائر والقلوب! نسأل الله العافية، يعني الإنسان يلهج بالثبات، وأن يموت على الإسلام.
"قوله تعالى: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال:35]، المكاء: الصفير، والتصدية: التصفيق، قال بعض العلماء: والمقصود عندهم بالصفير والتصفيق: التخليط حتى لا يسمع الناس القرآن من النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويدل لهذا قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت:26].
قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال:41] ظاهر هذه الآية الكريمة أن كل شيء حواه المسلمون من أموال الكفار فإنه يخمس حسبما نص عليه في الآية، سواء أوجفوا عليه الخيل والركاب أو لا، ولكنه تعالى بيّن في سورة الحشر".
عموم الآية يشمل ما حصل بإيجاف وقتال ومنازلة، وما لم يكن كذلك، ما تركه الكفار من دون قتال، ظاهر الآية يشمل ذلك، لكن آية الحشر وضحت أن ما أخذه المسلمون من الكفار من غير قتال أن هذا لا يدخل في الغنيمة، وإنما يكون من الفيء.
"ولكنه تعالى بيّن في سورة الحشر أن ما أفاء الله على رسوله من غير إيجاف المسلمين عليه الخيل والركاب، أنه لا يخمس، ومصارفه التي بيّن أنه يصرف فيها كمصارف خمس الغنيمة المذكورة هنا، وذلك في قوله تعالى في فيء بني النضير: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ}[الحشر:6] الآية، ثم بيَّن شمول الحكم لكل ما أفاء الله على رسوله من جميع القرى بقوله: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} [الحشر:7] الآية.
اعلم أولاً أن أكثر العلماء فرقوا بين الفيء والغنيمة، فقالوا: الفيء: هو ما يسره الله للمسلمين من أموال الكفار من غير انتزاعه منهم بالقهر، كفيء بني النضير الذين نزلوا على حكم النبي- صلى الله عليه وسلم-، ومكَّنوه من أنفسهم وأموالهم يفعل فيها ما يشاء".
وسبب تسميه فيئًا- والله أعلم- أن الأصل أن وضع اليد من قِبل الكفار على الأموال لا تعطيهم حق التملك، وأنه للمسلمين، وأنه في هذه الصورة فاء إليهم أي رجع، بغير قتال ولا حرب رجع إليهم.
طالب: ...............
من هذه الحيثية، والله أعلم.
"الذين نزلوا على حكم النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومكَّنوه من أنفسهم وأموالهم يفعل فيها ما يشاء؛ لشدة الرعب الذي ألقاه الله في قلوبهم، ورضي لهم -صلى الله عليه وسلم- أن يرتحلوا بما يحملون على الإبل غير السلاح.
وأما الغنيمة: فهي ما انتزعه المسلمون من الكفار بالغلبة والقهر، وهذا التفريق يفهم من قوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} [الأنفال:41] الآية، مع قوله: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} [الحشر:6]، فإن قوله تعالى: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ} [الحشر:6] الآية، ظاهر في أنه يراد به بيان الفرق بين ما أوجفوا عليه وما لم يوجفوا عليه كما ترى، والفرق المذكور بين الغنيمة والفيء عقده الشيخ أحمد البدوي الشنقيطي في نظمه للمغازي بقوله في غزوة بني النضير:
وفيئهم والفيء في الأنفال |
| ما لم يكن أُخِذ عن قتال |
أما الغنيمة فعن زحاف |
| والأخذ عنوة لدى الزحاف |
لخيرٌ مرسَل".
لخيرِ مُرسِلٍ.
"لخير مرسل إلى آخره، وقوله: وفيئهم خبر".
مبتدأ.
"مبتدأ خبره لخير مرسل، وقوله: والفيء في الأنفال إلى آخره، كلام اعتراضي بين المبتدأ والخبر بيّن به الفرق بين الغنيمة والفيء".
منظومة الشنقيطي هذا البدوي مطبوعة ومشروحها أيضًا شرحها المشاط وغيره، جزئين في مجلد كبير، وهي متداولة، إتحاف الورى في مغازي خير الورى.
طالب: ...............
الآن تباع بالأسواق، ومتداولة؛ لأنه كتاب في.. الإشكال عندنا في الكتب التي هي ليست معروفة في البلد، وهذا الذي نوصي به طلاب العلم، ألا يعتنوا بكلام لا يوجد له شرح في البلد أو من أقرأه أو درّسه في البلد، يتعب إذا أشكل عليه شيء ما يلقى من يحله له، وبعض المجتهدين من طلاب العلم يحرص على أن يأتي بمناظيم اشتهرت في بلدان أخرى، يعني من أشهر ما صُنِّف في النحو كافية ابن الحاجب، وباعتبار أنها لم تدرّس في بلادنا، وعليها من الشروح العشرات، بل الشيء الكثير من الشروح والحواشي، وقل مثلها في الشافية، وقل مثل ذلك في الملحة للحريري، لكن سبيلنا ومنهاجنا في التدريس يختلف، نحن اعتمدنا الآجرومية، ثم القطر، ثم الألفية، إن تخلل بينهما شروح كتب فهي للاطلاع الخاص، إذا أشكل عليك في القطر شيء تجد من يحله لك، إشكال عليك في الآجرومية، وإن كانت الدراسات النظامية خلخلت بعض الشيء، أُشكل عليك في الألفية لا يستغلق منها شيء، لكن هذه الكتب مع أنها ليست بصعبة، الكافية ليست بالصعبة، والملحة أسهل، لكن مع ذلك إذا جاء طالب العلم معه بيت ما فهمه من الملحة يصعب عليه أن يجد من يشرحه له باعتبار أنه بالنسبة لبلادنا مهجور، فالذي يوصى به أن يعتنى بالكتب المعتمدة في كل بلد.
يجتهد بعض طلاب العلم ويقرر مراقي السعود، يقرر مراقي السعود يشرحه لطلابه، أنت لو أشكل عليك شيء فكيف تحله؟ صعب الأمور أن تنتقل من أمر واضح وبيّن وجادة مسلوكة، أي واحد من أهل العلم من شيوخك من زملائك يساعدك على حلّ هذه المعضلة، أما الكتب التي ليست مطروقة ولا مشروحة ولا معروفة في البلد فاعتمادها فيه نوع إغراب، إغراب، كم مرّ علينا من بيت في مراقي السعود؟
لو قرأنا في غيره من كتب أصول الفقه لأدركناه، مع أن طالب العلم المتمكن قد لا يخفى عليه شيء، ولا يعترضه شيء، لكن المسألة فيها تحتاج إلى إعادة نظر.
طالب: ...............
ماذا؟
طالب: ...............
لا لا، الكتبيون يجيؤون بكل شيء، لا لا، يجيؤون بكل شيء، كل شيء جاؤوا به.
طالب:....
"وعلى هذا القول فلا إشكال في الآيات؛ لأن آية: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} [الأنفال:41]، ذكر فيها حكم الغنيمة، وآية: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} ذكر فيها حكم الفيء وأشير لوجه الفرق بين المسألتين بقوله: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} [الحشر:6]، أي فكيف يكون غنيمة لكم، وأنتم لم تتعبوا فيه ولم تنتزعوه بالقوة من مالكيه. وقال بعض العلماء: إن الغنيمة والفيء واحد، فجميع ما أخذ من الكفار على أي وجه كان غنيمة وفيئًا، وهذا قول قتادة- رحمه الله-، وهو المعروف في اللغة، فالعرب تطلق اسم الفيء على الغنيمة، ومنه قول مهلهل بن ربيعة التغلبي:
فلا وأبي جليلة ما أفأنا |
| من النعم المؤبل من بعير |
ولكنا نهكنا القوم ضربًا |
| على الأثباج منهم والنحور". |
يعني اعتنوا، اعتنوا بقتل الرجال، ما اهتموا بالغنائم، ماذا يقول عمرو بن كلثوم؟ فآبوا بالنهاب وبالسبايا فأبنا بالملوك مصفدينا.
"يعني أنهم لم يشتغلوا بسوق الغنائم، ولكن بقتل الرجال فقوله: أفأنا: يعني غنمنا، ويدل لهذا الوجه قوله تعالى: {وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ} [الأحزاب:50]; لأن ظاهر هذه الآية الكريمة شمول ذلك لجميع المسبيات ولو كن منتزعات قهرًا، ولكن الاصطلاح المشهور عند العلماء هو ما قدمنا من الفرق بينهما، وتدل له آية الحشر المتقدمة، وعلى قول قتادة فآية الحشر مشكلة مع آية الأنفال هذه، ولأجل ذلك الإشكال قال قتادة -رحمه الله تعالى-: إن آية {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} [الأنفال:41] الآية، ناسخة لآية: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [الحشر:6] الآية، وهذا القول الذي ذهب إليه -رحمه الله- باطل بلا شك، ولم يلجئ قتادة -رحمه الله- إلى هذا القول إلا دعواه اتحاد الفيء والغنيمة، فلو فرق بينهما كما فعل غيره لعلم أن آية الأنفال في الغنيمة، وآية الحشر في الفيء، ولا إشكال. ووجه بطلان القول المذكور: أن آية {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال:41] الآية، نزلت بعد وقعة بدر، قبل قسم غنيمة بدر بدليل حديث علي الثابت في صحيح مسلم، الدالّ على أن غنائم بدر خُمِّسَت، وآية التخميس التي شرعه الله بها هي هذه، وأما آية الحشر فهي نازلة في غزوة بني النضير بإطباق العلماء، وغزوة بني النضير بعد غزوة بدر بإجماع المسلمين، ولا منازعة فيه ألبتة، فظهر من هذا عدم صحة قول قتادة -رحمه الله تعالى-، وقد ظهر لك أنه على القول بالفرق بين الغنيمة والفيء لا إشكال في الآيات".
على قول قتادة تكون الآية المتقدِّمة هي الناسخة للمتأخرة وهذا لا يكون.
"وقد ظهر لك أنه على القول بالفرق بين الغنيمة والفيء لا إشكال في الآيات".
وقد ظهر لك؟
"وقد ظهر لك أنه على القول بالفرق بين الغنيمة والفيء لا إشكال في الآيات، وكذلك على قول من يرى أمر الغنائم والفيء راجعًا إلى نظر الإمام، فلا منافاة على قوله".
فيه سقط سقط، اقرأ يا شيخ!
"وقد ظهر لك أنه على القول بالفرق بين الغنيمة والفيء لا إشكال في الآيات، وكذلك على قول من يرى أمر الغنائم والفيء".
وكذلك من يرى؟
"من يرى أمر الغنائم والفيء راجعًا إلى نظر الإمام".
راجعٌ؟
"فلا منافاة على قوله بين آية الحشر، وآية التخميس إذا رآه الإمام، والله أعلم".
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك.
"