كتاب الزكاة من سبل السلام (3)
................
والسبب الفطر فهو من باب إضافة المسبب إلى سببه، وكونها تضاف إلى الفطر: «فرض رسول الله صدقة الفطر» هي لمناسبة إتمام الشهر، والفطر التام من صوم الفريضة شهر رمضان الذي هو ركن من أركان الإسلام، فهذه من باب شكر النعمة على من أكمل العدة، فسببها تمام الصيام والفطر من رمضان، فهذا من باب إضافة المسبب إلى سببه، فالسبب الفطر، انتبهوا يا إخوان، قلنا: إن هذه من باب إضافة المسبب إلى سببه، فالسبب على هذا الفطر، وعرفنا أن صدقة الفطر لها سبب، ولها وقت، سبب وجوب، ووقت وجوب، والقاعدة أن ما له سبب ووقت لا يجوز فعله قبل الوقت والسبب، ويجوز فعله بعدهما، والخلاف فيما بينهما.
طالب: القاعدة يا شيخ .......
القاعدة أن ما كان له سبب وجوب ووقت وجوب أنه لا يجوز فعله قبلهما، ويجوز فعله بعدهما، والخلاف فيما بينهما، وقلنا: إن الفطر هنا سبب الوجوب أو وقت الوجوب؟
مقتضى كلام الشارح أن هذا من باب إضافة المسبب إلى سببه، والإضافة سببية أن الفطر سبب الوجوب، وقت الوجوب متى؟
طالب: .......
الآن أيهما الذي تقدم السبب أو الوقت؟ الوقت يتقدم السبب؟
طالب: .......
السبب يتقدم الوقت بلا شك، إذا قلنا: دم المتعة والقران له سبب وجوب، ووقت وجوب، سبب الوجوب الإحرام بالحج بالنسبة للمتمتع، والإحرام بهما بالنسبة للقارن، ووقت الوجوب يوم النحر، طالب: .......
نعم.
طالب: .......
نعم سببه الإحرام بالحج بالنسبة للمتمتع، وبهما معًا بالنسبة للقارن، ووقت الوجوب يوم النحر، كفارة اليمين سببها اليمين، ووقتها الحنث، لا يجوز دفعها قبل السبب قبل اليمين، ويجوز بعد الحنث اتفاقًا، والخلاف فيهما بينهما، كل شيء له سبب ووقت لا يجوز قبلهما، ويجوز بعدهما، والخلاف فيما بينهما. فهنا مقتضى كلامه أن الفطر هو سبب الوجوب.
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
إذًا ما وقت الوجوب؟
طالب: .......
«إلا كفرت عن يميني، ثم أتيت الذي هو خير».
طالب: نعم.
وورد العكس أيضًا، ورد «إلا أتيت الذي هو خير، ثم كفرت عن يميني»، ورد هذا وهذا، كله وارد، ولهذا من يقول بجواز تكفيرك قبل الحنث مستنده الرواية في الصحيح «إلا كفرت عن يميني ثم أتيت الذي هو خير»، ومن يقول: لا يجوز مستنده الرواية الأخرى، لكن عندنا الإشكال فيما عندنا.
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
إذا قلنا على مقتضى كلامهم إن سبب الوجوب الفطر، والفطر يكون بغروب الشمس بإكمال العدة ليلة عيد الفطر هذا سبب الوجوب، ووقته بعد صلاة الفجر وقبل صلاة العيد، أو نقول: إن وقت الوجوب طلوع الفجر من يوم النحر؟
لأنه يقول: «أغنوهم عن الصدقة في هذا اليوم»، واليوم يدخل بطلوع الصبح، وإذا قلنا: إن سبب الوجوب الصيام وقد انعقد سببه بدخول الشهر، ووقت الوجوب يكون بإتمامه، بإتمام الصيام، وذلك يكون بغروب الشمس ليلة عيد الفطر، وعلى هذا لا يجوز تقديم صدقة الفطر على دخول رمضان، ويجوز بعد غروب الشمس اتفاقًا، والخلاف فيما بينهما. وعلى كل القواعد التي يذكرونها قواعد أغلبية، وليست كلية، القواعد التي تذكر قواعد أغلبية، وليست كلية، ولذا عند الحنابلة بالنسبة لصلاة الجمعة سبب الوجوب ووقت الوجوب؟
طالب: طلوع الشمس.
سبب الوجوب؟
طالب: طلوع الشمس.
هو السبب؟
طالب: ....... طلوع الفجر.
ووقت الوجوب؟
طالب: ....... طلوع الشمس .......
فيه سبب، وفيه وقت، ويجيزون فعلها بعد السبب وقبل الوقت؛ لأن أول وقتها، أول وقت صلاة العيد عندهم وآخر وقتها آخر وقت صلاة الظهر، بينما دم المتعة والقران لا يجوز قبل وقت الوجوب عندهم، ويجوز عند الشافعية، يجوز أن تذبح دم المتعة والقران قبل يوم النحر.
المقصود أن هذه قواعد أغلبية، وليست قواعد كلية، يوجد في أفرادها ما يقول به الحنابلة، ويوجد في أفرادها ما يمنعه الحنابلة، ويقوله الشافعية، والعكس، فهي قواعد أغلبية، وليست كلية.
طالب: .......
قبل غروب الشمس بيوم أو يومين نعم، لكن هنا مقتضى كلامهم أن الإضافة سببية، وأن سبب الوجوب الفطر، وعلى مقتضى القواعد لا يستقدمها قبل غروب الشمس؛ لأنهم يقولون: وقت الوجوب غروب الشمس، فمن وُلد قبل غروب الشمس لزمته زكاة الفطر، ومن ولد بعد غروبها لا تلزمه زكاة الفطر، ومثله لو أسلم الكافر قبل غروبها أو بعد غروبها، أو بلغ أو اشترى العبد أو ما أشبه ذلك.
طالب: "عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: «فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر صاعًا» نُصب على التمييز أو بدل من زكاة، بيان لها «صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة». متفق عليه".
فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فرض يعني أوجب، وهذا قول جميع العلماء، وأن زكاة الفطر واجبة على من ذُكر، ومن يقول بأنها سنة يقول: «فرض» بمعنى قدر، وهذا يدل على أن الفرض والواجب بمعنى واحد وإلا لزم الحنفية أن يقولوا بأن زكاة الفطر فرض؛ لأن الصحابي قال: فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهم لا يقولون بأنها فرض، بل يقولون: إنها واجبة وليست بفريضة، الصحابي يقول: فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يقولون واجبة؛ لأنها ثبتت بدليل ظني، لم تثبت بدليل قطعي عندهم، وعلى هذا المرجح قول الجمهور أنه لا فرق بين الفرض والواجب.
ومثله: «فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فأقرت صلاة السفر وزيد في الحضر»، «فرضت» هل معناها وجبت؟
عند الحنفية نعم معناها وجبت، ولذا يوجبون القصر، وعند الجمهور: قُدرت، وحينئذٍ يجوز القصر والإتمام عندهم، وعلى كل حال النظائر كثيرة.
فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صدقة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير صحت الرواية بالطعام أيضًا على الإجمال، صحت أيضًا بالزبيب والأقط، أما الحنطة على وجه الخصوص فلم تثبت فيها رواية كما قرر ابن حجر وغيره، «على الصغير والكبير ذكر وأنثى الحر والعبد من المسلمين»، وهذه زيادة محفوظة عن بعض الرواة الثقات، وإن كان الأكثر لا يذكرها، ولذا قال بعضهم: إن هذه الزيادة شاذة، والصواب أنها محفوظة، وأنها زيادة من ثقة لا تنافي ما يرويه الأكثر، وعلى هذا زكاة الفطر خاصة بالمسلمين سواء كان المخرج أو المخرج عنه، خلافًا للحنفية الذين يقولون بأن زكاة الفطر تلزم في العبد مسلمًا كان أو كافرًا.
طالب: "الحديث دليل على وجوب صدقة الفطر لقوله: «فرض» فإنه بمعنى ألزم وأوجب. قال إسحاق هي واجبة بالإجماع، وكأنه ما علم فيها الخلافَ لداود وبعض الشافعية فإنهم قائلون: إنها سنة، وتأولوا «فرض» بأن المراد قدر".
إسحاق يلزم بقول داود وبعض الشافعية أو هو قبلهم؟ قبلهم، وقد يقول النووي في مثل هذه الصورة: إنه إجماع، لماذا؟ لأنه لا يعتد بقول داود، نعم يعتد بقول بعض الشافعية، لكن لا يعتد بداود.
طالب: "ورد هذا التأويل بأنه خلاف الظاهر. وأما القول بأنها كانت فرضًا، ثم نسخت بالزكاة؛ لحديث قيس بن سعد بن عبادة: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة، فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا، فهو قول غير صحيح؛ لأن الحديث فيه راوٍ مجهول، ولو سُلِّم صحته فليس فيه دليل على النسخ".
نعم؛ لاحتمال الاكتفاء بالأمر الأول الفرض الأول ما يلزم للنص في كل حادثة حادثة على وجوبها مع تقدم ما يدل على الوجوب.
طالب: "فليس فيه دليل على النسخ؛ لأن عدم أمره لهم بصدقة الفطر ثانيًا لا يشعر بأنها نسخت، فإنه يكفي الأمر الأول، ولا يرفعه عدم الأمر. والحديث دليل على عموم وجوبها على العبيد والأحرار الذكور والإناث صغيرًا وكبيرًا غنيًّا وفقيرًا، وقد أخرج البيهقي من حديث عبد الله بن ثعلبة أو ثعلبة بن عبد الله مرفوعًا: «أدوا صاعًا من قمح عن كل إنسان ذكرًا أو أنثى صغير أو كبير غني أو فقير حر أو مملوك»".
نعم، قد يقول قائل: زكاة الفطر إنما شُرعت لمواساة الفقراء، فكيف نوجبها على الفقير؟ شرعت زكاة الفطر مواساة؛ «أغنوهم عن السؤال في ذلك اليوم»، فكيف نلزم بها الفقير؟
طالب: .......
نعم.
طالب: .......
هي طهرة للصائم، والفقير صائم، على أنه يشترط أن تكون فاضلة عن قوته وقوت من يمونه في ذلك اليوم.
طالب: "«أما الغني فيزكيه الله، وأما الفقير فيرد الله عليه أكثر مما أعطى»".
بلا شك نعم.
طالب: "قال المنذري في مختصر السنن: في إسناده النعمان بن راشد لا يحتج بحديثه، نعم العبد تلزم مولاه عند من يقول: إنه لا يملك، ومن يقول: إنه يملك تلزمه".
والجمهور على أن العبد لا يملك بالتمليك، وعند الإمام مالك أنه يملك، وعلى هذا زكاة الفطر بالنسبة للمملوك تلزمه هو؛ لأنه يملك فيخرجها من ملكه مما مُلِّك، وأما عند الجمهور فهي تلزم سيده كما تلزم زكاة الزوجة والولد.
طالب: "وكذلك الزوجة يلزم زوجها والخادم مخدومه والقريب من تلزمه نفقته لحديث: «أدوا صدقة الفطر عمن تمونون»، أخرجه الدارقطني والبيهقي، وإسناده ضعيف، ولذلك وقع الخلاف في المسألة كما هو مبسوط في الشرح وغيره. وأما الصغير فتلزم في ماله إن كان له مال كما تلزمه الزكاة في ماله. وإن لم يكن له مال لزمت مُنفقه كما يقول الجمهور، وقيل: تلزم الأب مطلقًا، وقيل: لا تجب على الصغير أصلاً؛ لأنها شرعت طهرةً للصائم من اللغو والرفث وطعمةً للمساكين كما سيأتي".
لكن الحديث رد على هذا القول الصغير والكبير.
طالب: "وأجيب بأنه خرج على الأغلب، فلا يقاومه تصريح حديث ابن عمر بإيجابها على الصغير، وهو أيضًا دال على أنه يجب صاع على كل إنسان من التمر والشعير، ولا خلاف في ذلك، وكذلك ورد: صاعًا من زبيب، فقوله في الحديث من المسلمين لأئمة الحديث كلام طويل في هذه الزيادة؛ لأنه لم يتفق عليها الرواة لهذا الحديث إلا أنها على كل تقدير زيادة من عدل فتقبل، ويدل على اشتراط الإسلام في وجوب صدقة الفطر".
نعم هي زيادة من ثقة، والزيادة من الثقة ما لم تكن منافية لرواية الأكثر فإنها تكون مقبولة ورواية الأحفظ.
طالب: "ويدل على اشتراط الإسلام في وجوب صدقة الفطر، وأنها لا تجب على الكافر عن نفسه وهذا متفق عليه، وهل يخرجها المسلم عن عبده الكافر؟ فقال الجمهور: لا، وقالت الحنفية وغيرهم: تجب، مستدلين بحديث «ليس على المسلم في عبده صدقة إلا صدقة الفطر»، وأجيب بأن حديث الباب خاص يقضى به على العام، فعموم قوله: «عبده» مخصص بقوله: «من المسلمين»، وأما قول الطحاوي: «إن من المسلمين» صفة للمخرجين".
يرده، نعم.
طالب: "صفة للمخرجين لا للمخرج عنهم فإنه يأباه ظاهر الحديث".
بلا شك.
طالب: "فإن فيه العبد وكذا الصغير وهم ممن يخرج عنهم، فدل على أن صفة الإسلام لا تختص بالمخرجين، ويؤيده حديث مسلم بلفظ: «على كل نفس من المسلمين حر أو عبد»، وقوله: «وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة» يدل على أن المبادرة بها هي المأمور بها، فلو أخرها عن الصلاة أثم، وخرجت عن كونها صدقة فطر، وصارت صدقةً من الصدقات، ويؤكد ذلك قوله ولابن عدي والدارقطني بإسناد ضعيف «أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم»".
ما سبب ضعفه؟
طالب: "ولابن عدي والدارقطني أي من حديث ابن عمر بإسناد ضعيف؛ لأن فيه محمد بن عمر الواقدي".
نعم شديد الضعف، متروك.
طالب: "أغنوهم أي الفقراء عن الطواف في الأزقة والأسواق لطلب المعاش في هذا اليوم أي يوم العيد، وإغناؤهم يكون بإعطائهم صدقته أول اليوم".
نعم.
طالب: "وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: كنا نعطيها في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- صاعًا من طعام، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من زبيب. متفق عليه. وفي رواية: أو صاعًا من أقط، قال أبو سعيد: أما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
يعني صاعًا كاملاً، وإن اكتفى معاوية والناس بنصف صاع من سمراء الشام.
طالب: "ولأبي داود: لا أخرج أبدًا إلا صاعًا. وعن أبي سعيد -رضي الله عنه- قال: كنا نعطيها أي صدقة الفطر في زمان النبي -صلى الله عليه وسلم- صاعًا من طعام، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من زبيب، متفق عليه، وفي رواية للبخاري: أو صاعًا من أقط. بفتح الهمزة، وهو لبن مجفف يابس مستحجر يُطبخ، كما في النهاية. ولا خلاف فيما ذكر أنه يجب فيه صاع، وإنما الخلاف في الحنطة، فإنه أخرج ابن خزيمة عن سفيان عن ابن عمر، أنه لما كان معاويةُ عدل الناس نصف صاع بُر بصاع شعير، وذلك أنه لم يأت نص في الحنطة أنه يُخرج فيها صاع، والقول بأن أبا سعيد أراد بالطعام الحنطة في حديثه هذا غير صحيح، كما حققه المصنف في فتح الباري.
قال ابن المنذر: لا نعلم في القمح خبرًا ثابتًا يعتمد عليه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولم يكن البر في المدينة ذلك الوقت إلا الشيء اليسير منه، فلما كثر في زمن الصحابة رأوا أن نصف صاع منه يقوم مقام صاع من شعير، وهم الأئمة، فغير جائز أن يعدل عن قولهم إلا إلى قول مثلهم".
لكن ليس بإجماع منهم هذا، هذا ليس بإجماع من الصحابة، بدليل مخالفة أبي سعيد -رضي الله عنه-، ولا شك أن الاحتياط في فعل أبي سعيد -رضي الله عنه-.
طالب: "ولا يخفى أنه قد خالف أبو سعيد كما يفيده قوله: قال الراوي: قال أبو سعيد: أما أنا فلا أزال أخرجه، أي الصاع، كما كنت أخرجه في زمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولأبي داود عن أبي سعيد: لا أخرج أبدًا إلا صاعًا، أي من أي قوت، أخرج ابن خزيمة والحاكم: قال أبو سعيد، وقد ذُكر عند صدقة رمضان فقال: لا أخرج إلا ما كنت أخرج على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صاعًا من تمر، أو صاعًا من حنطة، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من أقط، فقال له رجل من القوم: أو مُدين من قمح؟ قال: لا، تلك فعل معاوية لا أقبلها، ولا أعمل بها. لكنه قال ابن خزيمة: ذكر الحنطة في خبر أبي سعيد غير محفوظ، ولا أدري ممن الوهم".
نعم الثابت اللفظ المجمل الذي يشمل الحنطة وغيرها هو: «صاعًا من طعام».
طالب: "وقال النووي: تمسك بقول معاوية من قال بالمدين من الحنطة، وفيه نظر؛ لأنه فعل صحابي، وقد خالفه فيه أبو سعيد وغيره".
طالب: ............
نعم؟
طالب: .......
ما يلزم، لا لا، الطعام أصله فيما يطعم إن كان حنطة أو غير حنطة.
طالب: "وقد خالفه فيه أبو سعيد وغيره من الصحابة ممن هو أطول صحبةً منه، وأعلم بحال النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد صرح معاوية بأنه رأي رآه لا أنه سمعه من النبي -صلى الله عليه وسلم-".
نعم اجتهاد منه -رضي الله عنه-.
طالب: "كما أخرجه البيهقي في السنن من حديث أبي سعيد: أنه قدم معاوية حاجًّا أو معتمرًا فكلم الناس على المنبر، فكان فيما كلم به الناس أنه قال: إني أرى مدين من سمراء الشام تعدل صاعًا من تمر، فأخذ بذلك الناس، فقال أبو سعيد".
تقويم للمعادلة بين الحنطة وبين التمر، أبو حنيفة -رحمه الله- أداه اجتهاده كما أدى الاجتهاد معاوية -رضي الله عنه- المدان يعدلان الصاع، أبو حنيفة أداه اجتهاده أن القيمة تُخرج، لعل مستند قول أبي حنيفة اجتهاد معاوية السابق، ما دام أن الاجتهاد دخل هذه المسألة فليدخل بأوسع مما صنعه معاوية، قد يقول في وقت من الأوقات: إذا كان الصاع من أي نوع من أنواع التمر مجزئًا، فلماذا لا يجزئ المد الواحد من التمر الجيد السكري مثلاً أو الخواص أو غيره؟ قد يقول قائل: ما دام دخل الاجتهاد في هذه المسألة، وتوسع أبو حنيفة في هذا الاجتهاد فقال بإجزاء القيمة، والجمهور على عدم إجزائها.
طالب: .......
اجتهاد منه، ولا شك أنه قول مرجوح، الأصل الصاع من أي طعام كان، الرسول قال: «صاعًا من طعام»، والحنطة منه، وسمراء الشام من الطعام، فلا يعدل عنه إلى قول معاوية، وإن كان مجملاً.
طالب: مستند أبي حنيفة .......
الأصل في هذا أنه دخلها اجتهاد، الأمر الثاني جواز إخراج القيمة حتى في الزكاة للعروض والأموال وغيرها.
طالب: "فقال أبو سعيد: أما أنا فلا أزال أخرجه، الحديث المذكور في الكتاب، فهذا صريح أنه رأي معاوية، قال البيهقي بعد إيراد أحاديث في الباب ما لفظه: وقد وردت أخبار عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في صاع من بر، ووردت أخبار في نصف صاع، ولا يصح شيء من ذلك، وقد بينت علة كل واحد منها في الخلافيات، انتهى".
الخلافيات كتاب كبير للبيهقي -رحمه الله- طبع منه عدة أجزاء خمسة أو ستة، ماذا وصل؟
طالب: .......
لا لا، أكثر أكثر، كم طُبع من الخلافيات؟
طالب: ثلاثة.
فقط، ما أدري والله، أنا أدري أن الثلاثة قديمة ........
طالب: "وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر طهرةً للصائم من اللغو والرفث". الواقع منه في صومه، وطعمةً للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة أي صلاة العيد فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات. رواه أبو داود وابن ماجه، وصححه الحاكم. فيه دليل على وجوبها لقوله: فرض، كما سلف، ودليل على أن الصدقات تكفر السيئات".
طهرة للصائم لما قد يقع في صيامه من الخلل، لا شك أن فعل الحسنات يذهب السيئات، كما قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]، فمثل هذه الصدقة من الحسنات، وهي مندرجة تحت الآية كغيرها.
طالب: "ودليل على أن وقت إخراجها قبل صلاة العيد، وأن وجوبها مؤقت، فقيل: تجب من فجر أول شوال لقوله: «أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم»، وقيل: تجب من غروب آخر يوم من رمضان لقوله: «طهرةً للصائم»، وقيل: تجب بمضي الوقتين؛ عملاً بالدليلين. وفي جواز تقديمها أقوال، منهم من ألحقها بالزكاة فقال: يجوز تقديمها ولو إلى عامين، ومنهم من قال: يجوز في رمضان لا قبله؛ لأن لها سببين".
نعم لانعقاد سبب الوجوب.
طالب: "لأن لها سببين: الصوم والإفطار، فلا تتقدمهما كالنصاب والحول، وقيل: لا تُقدم على وقت وجوبها إلا ما يغتفر كاليوم واليومين".
كاليوم واليومين، كما ثبت عن الصحابة؛ ابن عمر وغيره.
طالب: "وأدلة الأقوال كما ترى. وفي قوله: «طعمةً للمساكين» دليل على اختصاصهم بها، وإليه ذهب جماعة من الآل".
يعني مساكين فقط، لا تجوز لغيرهم من مصارف الزكاة الثمانية.
طالب: "وذهب آخرون إلى أنها كالزكاة، تصرف في الثمانية الأصناف، واستقواه المهدي؛ لعموم {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} [التوبة: 60]، والتنصيص على بعض الأصناف لا يلزم منه التخصيص".
نعم، كما في حديث معاذ حين بعثه النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى اليمن قال له: «فإن أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد إلى فقرائهم»، التنصيص على الفقراء لا يقتضي عدم من سواهم.
طالب: "فإنه قد وقع ذلك في الزكاة، ولم يقل أحد بتخصيص مصرفها، ففي حديث معاذ: «أمرت أن آخذها من أغنيائكم، وأردها في فقرائكم».
باب صدقة التطوع:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله» -فذكر الحديث- في تعداد السبعة وهم: «الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه -عز وجل-، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه»، وفيه: «ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه»، متفق عليه.
قيل: المراد بالظل الحماية والكنف، كما يقال: أنا في ظل فلان، وقيل: المراد ظل عرشه، ويدل له ما أخرجه سعيد بن منصور من حديث سلمان: «سبعة يظلهم الله في ظل عرشه»، وبه جزم القرطبي".
على كل اللفظ محتمل لأن يكون الظل لله -سبحانه وتعالى- كما يدل عليه إطلاق أكثر الروايات، وقال به جمع من السلف، ومنهم من قال: المراد ظل العرض كما جاء في رواية سعيد، وإذا وُجد مثل هذا الاختلاف ساغ القول بأيهما.
طالب: .......
على كل إذا أثبتنا الظل لله سبحانه وتعالى فهو على ما يليق بجلاله.
طالب: "وقوله: أخفى بلفظ الفعل الماضي حال بتقدير قد، وقوله حتى لا تعلم شماله، مبالغة في الإخفاء، وتبعيد الصدقة عن مظان الرياء، ويحتمل أنه على حذف مضاف".
جاء في رواية عند مسلم: «حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله» حكموا بأنها مقلوبة.
طالب: "ويحتمل أنه على حذف مضاف أي عن شماله، وفيه دليل على فضل إخفاء الصدقة على إبدائها إلا أن يعلم أن في إظهارها ترغيبًا للناس في الاقتداء، وأنه يحرس سره عن داعية الرياء، وقد قال تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} [البقرة: 271]".
نعم إذا أُمنت المفسدة، ولم يخش الرياء، ووجد من يقتدي به فلا شك أن الإعلان أولى عند الداعي إليه من الاقتداء، ولذا جاء الحديث: «من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة»، فإذا طمع الإنسان بأن يكون هو السانّ، وهو البادئ بهذه السنة، لا شك أن له من الأجر أضعاف ما لو أسرها، وأما إذا خشي الرياء أو لم يكن هناك سبب لإعلانها فلا شك أن الإخفاء أقرب إلى الإخلاص.
طالب: "والصدقة في الحديث عامة للواجبة والنافلة، فلا يُظن أنها خاصة بالنافلة، حيث جعله المصنف في بابها".
نعم يعني كون هذا الحديث في باب صدقة التطوع لا يعني أن المراد بالحديث في صدقة التطوع إخفاء صدقة التطوع، لا، الحديث شامل.
طالب: "واعلم أنه لا مفهوم يعمل به في قوله: «ورجل تصدق»".
بل المرأة في حكمه: «النساء شقائق الرجال» الحكم واحد، كما أنه لا مفهوم للعدد، بل جاء عدد آخر أو أعداد، وأوصلها بعضهم إلى السبعين كالسيوطي، كلها خصال من فعلها فهو في ظل الله، أو في ظل عرشه، وللحافظ ابن حجر رسالة اسمها الخصال الموصلة إلى الظلال، وللسيوطي رسالة أخرى، وابن حجر في فتح الباري قربها من ثلاثين خصلة.
طالب: .......
لا، آخرها أفضل، لكن حيث لا يكون الداعي؛ لأن الإخفاء أفضل إذا لم يكن هناك من يقتدي به، أما إذا كان هناك من يقتدي به، ويعمل بعمله فيكون له مثل أجره إلى يوم القيامة لا شك أن أضعاف مضاعفة مع أمن المفسدة مع أمن الرياء، أما إذا وجد الرياء فلا يعدله شيء، فالمتعين الإخفاء.
طالب: "فإن المرأة كذلك إلا في الإمامة، ولا مفهوم أيضًا للعدد فقد وردت خصال أخرى تقتضي الظل، وأبلغها المصنف في الفتح إلى ثمان وعشرين خصلةً، وزاد عليها الحافظ السيوطي حتى أبلغها إلى سبعين، وأفردها بالتأليف، ثم لخصها في كراسة سماها: بزوغ الهلال في الخصال المقتضية للظلال".
نعم.
طالب: "وعن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «كل امرئ في ظل صدقته» أي يوم القيامة، أعم من صدقته الواجبة والنافلة حتى يفصل بين الناس. رواه ابن حبان والحاكم، فيه حث على الصدقة، وأما كونه في ظلها فيحتمل الحقيقة".
ولا مانع من الحقيقة، أن تأتي الصدقة وهي جسم له ظل يستظل به صاحبها، كما أنها توزن في الميزان، ولا يوزن إلا المحسوسات، فلا مانع من إرادة الحقيقة.
طالب: "فيحتمل الحقيقة، وأنها تأتي أعيان الصدقة فتدفع عنه حر الشمس، أو المراد في كنفها وحمايتها. ومن فوائد صدقة النفل أنها تكون توفيةً لصدقة الفرض إن وُجدت في الآخرة ناقصةً".
كسائر النوافل نوافل العبادات مكملة للفرائض.
طالب: "كما أخرجه الحاكم في الكنى من حديث ابن عمر وفيه: «وانظروا في زكاة عبدي، فإن كان ضيع منها شيئًا فانظروا هل تجدون لعبدي نافلةً من صدقة لتتموا بها ما نقص من الزكاة»، فيؤخذ ذلك من فرائض الله، وذلك برحمة الله وعدله".
نعم.
طالب: "وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أيما مسلم كسا مسلمًا ثوبًا على عري كساه الله من خضر الجنة»، أي من ثيابها الخضر، «وأيما مسلم أطعم مسلمًا -متصفًا بكونه- على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، وأيما مسلم سقى مسلمًا -متصفًا بكونه- على ظمأ سقاه الله من الرحيق»، هو الخالص من الشراب الذي لا غش فيه، المختوم الذي تختم أوانيه، وهو عبارة عن نفاستها، رواه أبو داود، وفي إسناده لين".
نعم لأنه من رواية أبي خالد الدالاني؟
طالب: .......
نعم أبو خالد الدالاني فيه ضعف، لكنه ضعف يسير محتمل.
طالب: "لم يبين الشارح -رحمه الله- وجهه".
لم يبين الشارح، من الشارح؟
طالب: .......
شارح أيش؟
طالب: .......
شارح السبل من هو؟
طالب: ....... التمام يا شيخ.
الآن سبل السلام أصل أم مختصر من كتاب؟
طالب: مختصر.
مختصر من بدر التمام للقاضي الحسين بن محمد المغربي، فهو الشارح إذا أطلق وذلك الشرح إذا أطلق.
طالب: "لم يبين الشارح -رحمه الله- وجهه، وفي مختصر السنن للمنذري: في إسناده أبو خالد يزيد بن عبد الرحمن المعروف بالدالاني، وقد أثنى عليه غير واحد، وتكلم فيه غير واحد، وفي الحديث الحث على أنواع البر وإعطائها من هو مفتقر إليها، وكون الجزاء عليها من جنس الفعل".
من كسا يكسى، من أطعم يطعم، وهكذا.
طالب: "وعن حكيم بن حزام -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غنًى، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله»، متفق عليه، واللفظ للبخاري".
نعم اليد العليا المعطية، واليد السفلى الآخذة، خلافًا للمتصوفة الذين يرون العكس، يرون العليا هي الآخذة؛ لأنها نائبة عن الله -سبحانه وتعالى-، والمعطية هي السفلى، لكن هذا ما فيه شك أنه استرواح وميل إلى السؤال، واستجداء الناس وتواكل، والميل إلى ترك الأسباب، وهذا كله مذموم شرعًا.
طالب: "أكثر التفاسير وعليه الأكثر أن اليد العليا يد المعطي، والسفلى يد السائل، وقيل: يد المتعفف، ولو بعد أن يمد إليه المعطي، وعلوها معنوي، وقيل: يد الآخذ لغير سؤال، وقيل: العليا المعطية، والسفلى المانعة. وقال قوم من المتصوفة: اليد الآخذة أفضل من المعطية مطلقًا".
{إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [التغابن: 17]، {إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ} يعني تعطوا المساكين، فالمقرَض هو الله -سبحانه وتعالى-، والمقرِض هو الغني المتصدق، والآخذ نائب عن الله -سبحانه وتعالى- في هذا القرض، فيده هي العليا عندهم، لكن النصوص المتكاثرة المتضافرة تدل على أن المعطي أفضل من الآخذ.
طالب: "قال ابن قتيبة: ما أرى هؤلاء إلا قومًا استطابوا السؤال، فهم يحتجون للدناءة، ونعم ما قال. وقد ورد التفسير النبوي بأن اليد العليا التي تعطي ولا تأخذ، أخرجه إسحاق في مسنده عن حكيم بن حزام قال: «يا رسول الله، ما اليد العليا؟» فذكره".
لكن ضعيف، ضعيف، التفسير ضعيف؟
طالب: .......
لا لا، ما هو يقول الحديث عند إسحاق تفسير اليد العليا والسفلى ما خُرج؟
طالب: ما خرج يا شيخ؟
ماذا؟
طالب: .......
ماذا فيه؟
طالب: .......
ولكن ضعفه، ما ذكر ضعفه؟
طالب: ....... في الفتح .......
نعم.
طالب: "وفي الحديث دليل على البداءة بنفسه وعياله؛ لأنه الأهم فالأهم".
بلا شك أهم ما للإنسان نفسه، ما يعطي غيره وهو محتاج.
طالب: "وفيه أن أفضل الصدقة ما بقي بعد إخراجها صاحبها مستغنيًا؛ إذ معنى «أفضل الصدقة» ما أبقى المتصدق من ماله ما يستظهر به على حوائجه ومصالحه؛ لأن المتصدق بجميع ماله يندم غالبًا، ويحب إذا احتاج أنه لم يتصدق، ولفظ الظهر كما قال الخطابي أنه يورد في مثل هذا اتساعًا في الكلام، وقيل غير ذلك".
اتساعًا يعني زائدًا عنه، لو حذف ما كان غنى بدل ما كان عن ظهر غنى ما أثر في الكلام، نعم.
طالب: "واختلف العلماء في صدقة الرجل بجميع ماله فقال القاضي عياض -رضي الله عنه-: إنه جوزه العلماء وأئمة الأمصار".
بلا شك، وفعله أبو بكر، لكن هذا له شروط وقيود، ألا يضطر إلى سؤال الناس والتكفف، وأن يقع في المحرم، وأن يكون عنده من الصبر والتحمل ما لا يتضجر معه ويتذمر، وأن لا يأسف عن صنيعه وفعله، يتحدث في المجالس أنه فعل وترك، ليته لم يفعل، لا، حينئذٍ لا يتصدق بجميع ماله.
طالب: "قال الطبراني: ومع جوازه فالمستحب أن لا يفعله، وأن يقتصر على الثلث. والأولى أن يقال: من تصدق بماله كله وكان صبورًا على الفاقة، ولا عيال له، أو له عيال يصبرون فلا كلام في حسن ذلك، ويدل له قوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الحشر: 9] الآية، {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} [الإنسان: 8]، ومن لم يكن بهذه المثابةِ كُره له ذلك، وقوله: ومن يستعفف أي عن المسألة يعفه الله أي يعينه الله على العفة، ومن يستغن بما عنده ولو قل يغنه الله بإلقاء القناعة في قلبه والقنوع بما عنده".
القناعة هي الغناة الحقيقية، فلو افترض أن شخصًا يملك مئات الملايين وقلبه معلق بهذا المال خشية أن ينقص، بل متطلع إلى الزيادة دائمًا فهذا فقير في الحقيقة، لكن لو كان عنده أقل القليل وقد استغنى به عن الناس، وقلبه مرتاح مطمئن إلى ما عنده، لا يخاف على ما عنده، ولا يتطلع إلى ما عند غيره، هذه الغناة الحقيقية.
طالب: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: «قيل: يا رسول الله: أي الصدقة أفضل؟ قال: جهد المقل، وابدأ بمن تعول»، أخرجه أحمد وأبو داود، وصححه ابن حبان والحاكم، الجهد بضم الجيم وسكون الهاء: الوسع والطاقة، وبالفتح المشقة".
الجُهد والجَهد، نعم.
طالب: "وقيل: المبالغة والغاية، وقيل: هما لغتان بمعنًى، قال في النهاية: أي قدر ما يحتمله القليل من المال، وهذا بمعنى حديث: «سبق درهم مائة ألف درهم، رجل له درهمان أخذ أحدَهما فتصدق به، ورجل له مال كثير فأخذ من عرضه مائة ألف درهم فتصدق بها»، أخرجه النسائي من حديث أبي ذر، وأخرجه ابن حبان والحاكم من حديث أبي هريرة، ووجه الجمع بين هذا الحديث والذي قبله ما قاله البيهقي ولفظه: والجمع بين قوله -صلى الله عليه وسلم-: «خير الصدقة ما كان عن ظهر غنًى»، وقوله: «أفضل الصدقة جهد المقل»".
نعم، يختلف باختلاف الظروف والأحوال والأشخاص، فما كان عن ظهر غنى لا شك أنه فاضل بالنسبة لبعض الناس، وجهد المقل فاضل أيضًا بالنسبة لبعض الناس، فجهد المقل إذا كان يصبر ولا يتشكى ففضله ظاهر، وما كان عن ظهر غنى بالنسبة لمن لا يصبر على إنفاق جميع ما عنده لا شك أن هذا أفضل بالنسبة له على ما تقدم.
طالب: "أنه يختلف باختلاف أحوال الناس في الصبر على الفاقة والشدة والاكتفاء بأقل الكفاية، وساق أحاديث تدل على ذلك. وعنه أي أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «تصدقوا»، فقال رجل: يا رسول الله عندي دينار، قال: «تصدق به على نفسك»، قال: عندي آخر، قال: «تصدق به على ولدك»".
وفي رواية: «على زوجك»، نعم.
طالب: "«قال: عندي آخر، قال: تصدق به على خادمك، قال: عندي آخر، قال: أنت أبصر»، رواه أبو داود والنسائي، وصححه ابن حبان والحاكم فلم يذكر في هذا الحديث الزوجة".
لا، هو وارد في بعض الروايات، عند أبي داود الظاهري، عند أبي داود؟
طالب: .......
عند مسلم نعم.
طالب: "وقد وردت في صحيح مسلم مقدمةً على الولد، وفيه أن النفقة على النفس صدقة، وأنه يبدأ بها ثم على الزوجة، ثم على الولد، ثم على العبد إن كان أو مطلق من يخدمه، ثم حيث شاء".
لا شك أن هذا عند المشاحة، عند قلة الصدقة، عند قلة ما ينفق، فيلزمه الترتيب.
طالب: "ويأتي في النفقات تحقيق النفقة على من تجب له أولاً فأولاً".
نعم.
طالب: "وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة -كأن المراد غير مسرفة في الإنفاق- كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما اكتسب، وللخادم مثل ذلك لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئًا»، متفق عليه".
وهل يقف ذلك على إذن الزوج، أو لها أن تتصرف بغير إذنه ما لم تعلم شحه وبخله أو حاجته إلى ما ينفق؟ أما إذا علمت أن ما تنفقه ليس بحاجة إليه، وأن نفسه تجود بمثله، وعلم ذلك بالقرائن فهو يقوم مقام التصريح.
طالب: .......
ماله هو أم مالها هي؟
طالب: مالها.
مالها ما له علاقة به، ما يلزمها أبدًا، هي حرة في مالها.
طالب: .......
تستأذن من باب الأدب وإلا فلا يلزمها.
طالب: .......
جاء الخادم، وجاء الخازن، كلاهما جاء، الخازن الأمين نعم له أجره في الصحيح.
طالب: "فيه دليل على جواز تصدق المرأة من بيت زوجها، والمراد إنفاقها من الطعام الذي لها فيه تصرف بصنعته للزوج، ومن يتعلق به، بشرط أن يكون ذلك بغير إضرار، وأن لا يُخل بنفقتهم.
قال ابن العربي -رحمه الله-: قد اختلف السلف في ذلك، فمنهم من أجازه في الشيء اليسير الذي لا يؤبه له، ولا يظهر به النقصان، ومنهم من حمله على ما إذا أذن الزوج ولو بطريق الإجمال، وهو اختيار البخاري، ويدل له ما أخرجه الترمذي عن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تنفق المرأة من بيت زوجها إلا بإذنه»، قيل: يا رسول الله ولا الطعام؟ قال: «ذلك أفضل أموالنا». إلا أنه قد عارضه ما أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة بلفظ: «إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها من غير أمره فلها نصف أجره»، ولعله يقال في الجمع بينهما: إن إنفاقها مع إذنه تستحق به الأجر كاملاً، ومع عدم الإذن نصف الأجر، وإن النهي عن إنفاقها من غير إذنه إذا عرفت منه القسى أو البخل فلا يحل لها الإنفاق إلا بإذنه".
إذا عرفت منه؟
طالب: "إذا عرفت منه القسى أو البخل".
ما القسى؟
طالب: الفقر أظن يا شيخ.
ماذا؟
طالب: ....... في بعض النسخ.
نعم.
طالب: "فلا يحل لها الإنفاق إلا بإذنه بخلاف ما إذا عرفت منه خلاف ذلك جاز لها الإنفاق من غير إذنه، ولها نصف أجره، ومنهم من قال: المراد بنفقة المرأة والعبد والخادم النفقة على عيال صاحب المال في مصالحه".
وهو بعيد عن السياق.
طالب: "وهو بعيد من لفظ الحديث. ومنهم من فرق بين المرأة والخادم فقال: المرأة لها حق في مال الزوج والتصرف في بيته، فجاز لها أن تتصدق، بخلاف الخادم، فليس له تصرف في مال مولاه، فيشترط الإذن فيه".
وعلى كل الإذن إما أن يكون صريحًا بأن يأذن صراحة للزوجة وللخادم أن ينفقا غير مسرفين، وقد يكون بالقرائن يعرف من عادته وطريقته أنه لا يبخل بمثل هذا، فهو في حكم الإذن.
طالب: .......
على كل حال إن كانت الهبة من أجل الإصلاح، إصلاح ذات البين، وعرفت منه أنه لا يبخل بمثل هذا فهو في حكم الصدقة، في حكم الصدقة.
طالب: "ويرد عليه أن المرأة ليس لها التصرف إلا في القدر الذي تستحقه، وإذا تصدقت منه اختصت بأجره، ثم ظاهره أنهم سواء في الأجر، ويحتمل أن المراد بالمثل حصول الأجر في الجملة، وإن كان أجر المكتسب أوفر".
مثله في حصول الأجر، حصول أصل الأجل، فالمماثلة في حصول الأجر، يحصل له أجر، كما أنه يحصل له أجر أيضًا وإن لم يتساويا.
طالب: "إلا أن في حديث أبي هريرة: «ولها نصف أجره»، فهو يشعر بالمساواة".
يشعر بالمساواة، ويشعر أيضًا بالنقص، «نصف أجره» له الأجر كاملاً، ولها النصف، كما أنه لفظ محتمل للمساواة، وأيضًا محتمل لأن تكون أقل منه، بل على النصف من أجره.
طالب: "وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: جاءت زينب امرأة ابن مسعود فقالت: يا رسول الله، إنك أمرت اليوم بالصدقة، وكان عندي حلي لي، فأردت أن أتصدق به، فزعم ابن مسعود أنه هو وولدُه أحق من أتصدق به عليهم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «صدق ابن مسعود زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم»، رواه البخاري، فيه دلالة على أن الصدقة على من كان أقرب من المتصدق أفضل وأولى".
ما لم تكن النفقة عليه لئلا يحمي ماله بها، نعم الزوجة لا تلزمها نفقة زوجها، تُصرف زكاتها له، نعم.
طالب: "والحديث ظاهر في صدقة الواجب، ويحتمل أن المراد بها التطوع، والأول أوضح، ويؤيده ما أخرجه البخاري «عن زينب امرأة ابن مسعود أنها قالت: يا رسول الله، أيجزي عنا أن نجعل الصدقة في زوج فقير وأبناء أخ أيتام في حجورنا؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لك أجر الصدقة وأجر الصلة»، وأخرجه أيضًا مسلم، وهو أوضح في صدقة الواجب لقولها: «أيجزي»، ولقوله: «صدقة وصلة»؛ إذ الصدقة عند الإطلاق تتبادر في الواجبة، وبهذا جزم المازني".
المازري؟
طالب: ....... يا شيخ.
ماذا فيه؟
طالب: .......
من المازني هذا؟ ما فيه نسخة ثانية؟
طالب: ............
كلها المازني؟
طالب: نعم.
لا، كيف؟
طالب: .......
بالنون؟
طالب: نعم.
هذا كلامهم، أنا أريد غير المازني، لكن الظاهر أنه المازري، شارح مسلم صاحب المعلم.
طالب: مطبوع يا شيخ؟
نعم، مطبوع في ثلاثة أجزاء.
طالب: "وهو دليل على جواز صرف زكاة المرأة في زوجها، وهو قول الجمهور، وفيه خلاف لأبي حنيفة، ولا دليل يقاوم النص المذكور".
بلا شك، النص صحيح في البخاري وغيره، فلا يقاومه أي تأويل أو اجتهاد.
طالب: "ومن استدل له بأنها تعود إليها بالنفقة فكأنها ما خرجت عنها فقد أُورد عليه أنه يلزمه منع صرفها صدقة التطوع في زوجها".
لو يرد عليه أنه يلزم أن تُصرف النفقة إلى المصرف بحيث لا يستفيد منها غير المصارف الثمانية، ما معنى هذا الكلام؟
يعني لو كان هناك رجل فقير تُصدق عليه، وهو من المصارف، فأطعم منها غنيًّا، نعم كونها تأكل مع هذه الصدقة التي صرفتها إلى زوجها الفقير هي له صدقة، ولها هدية، كما جاء في حديث بريرة، لا يمنع أن يأكل الغني من الصدقة المصروفة للفقير، تُصدق على بريرة، فأكل منه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو لا تحل له أوساخ الناس، لا تحل له صدقة، فقال: «هي لها صدقة ولنا هدية».
طالب: "فقد أورد عليه أنه يلزمه منع صرفها صدقة التطوع في زوجها مع أنها يجوز صرفها فيه اتفاقًا. وأما الزوج فاتفقوا على أنه لا يجوز له صرف واجبة في زوجته، قالوا: لأن نفقتها واجبة عليه".
نعم وبذلك يحمي ماله بهذه الزكاة.
طالب: "لأن نفقتها واجبة عليه فتستغني بها عن الزكاة، قاله المصنف في الفتح، وعندي في هذا الأخير توقف؛ لأن غنى المرأة بوجوب النفقة على زوجها لا يُصيرها غنيةً، الغنى الذي يمنع من حل الزكاة لها".
لكن زكاته يصرفها إلى زوجته متى تكون فقيرة إذا لم تجد ما يكفيها، النفقة لا بد أن تكون فيما يكفي بحيث لا تحتاج معه إلى غيره، فهي واجبة على الزوج، فإذا أعطاها من زكاته فقد حمى ماله من النفقة، وحينئذٍ يُمنع الزوج من الصدقة على زوجته، فإذا كانت الزوجة تحت غني منفق فلا يجوز أن تأخذ زكاة غيره، فضلاً عن زكاته، زكاة زوجها، لكن إذا كان هذا الغني شحيحًا لا ينفق، والمرأة محتاجة فلا شك أنه آثم بمنع ما أوجب الله عليه من النفقة، ولها أن تأخذ الزكاة، نعم.
طالب: والعكس يجوز يا شيخ؟
في ماذا؟
طالب: .......
تدفعها إلى الزوج والعكس.
طالب: .......
الواجبة نعم؛ لأنها ما تجب عليها نفقته.
طالب: .......
واجبة نعم.
طالب: زوجة غارمة لها أن تأخذ من زكاة زوجها؟
زوجة غارمة النفقة واجبة عليها، هو ينفق عليها، فيعطيها من الزكاة لأداء دينها الذي لا يجب عليه سداده.
طالب: ............
الحكم؟
طالب: ............
تأخذ أم ما تأخذ؟
طالب: ننظر إلى الغرم يا شيخ، إذا تحملت يا شيخ غرمًا ....... مثلاً...
لا امرأة مدينة كغيرها من أصحاب الديون.
طالب: ....... إسراف وتبذير وإفساد في الأرض.
تابت وأنابت وهي غارمة، تأخذ من زكاته هو.
طالب: .......
من زكاة غيره تأخذ بلا إشكال، لكن الكلام في زكاته هو؟
طالب: ............
من نظر إلى المعنى أنه لم يقِ ماله بهذه الزكاة، من نظر إلى المعنى جوز ذلك هو ما وقى ماله، ومن نظر إلى إطلاقهم في عدم جواز صرف الزوج زكاته إلى زوجته ما فصلوا قالوا: يُمنع، بل يأخذ لها من زكاة غيره، ويصرف زكاته إلى غيرها.
طالب: "وفي قوله: وولده ما يدل على إجزائها في الولد إلا أنه ادعى ابن المنذر الإجماع".
طالب: الراجح؟
والله الحسم سد الباب أولى؛ لئلا يسترسلوا في مثل هذا، فتكون الزكوات كلها لزوجاتهم، وما أشبه ذلك، لو كان يمنعها ويكفها من شراء ما لا تحتاجه فإذا عرف أنه يدفعها من زكاته فهو يتساهل في مثل هذا، فسد الباب هو الأصل.
طالب: "وفي قوله: «وولده» ما يدل على إجزائها في الولد، إلا أنه ادعى ابن المنذر الإجماع على عدم جواز صرفها إلى الولد، وحملوا الحديث على أنه في غير الواجبة، وأن الصرف إلى الزوج وهو المنفق على الأولاد".
قد يراد بالأولاد ليسوا بأولادها هي، وإن أطلقت عليهم الأولاد باعتبار أنهم أولاد أخيها أيتام في حجرها فجاءت بذلك الرواية.
طالب: "أو أن الأولاد للزوج، ولم يكونوا منها كما يُشعر به ما وقع في رواية أخرى «على زوجها وأيتام في حجرها»، ولعلهم أولاد زوجها سُموا أيتامًا باعتبار اليتم من الأم".
لأنه خلاف الأصل، بل اليتيم من مات أبوه وهو دون البلوغ، هذا من بني آدم، وأما في الحيوانات فمن ماتت أمه.
طالب: "وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يزال الرجل والمرأة يسأل الناس أموالهم»".
«لا يزال الرجل» يعني والمرأة في حكمه.
طالب: "«يسأل الناس أموالهم حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة -بضم الميم وسكون الزاي فعين مهملة- لحم». متفق عليه، والحديث دليل على قبح كثرة السؤال، وأن كل مسألة تُذهب من وجهه قطعة لحم حتى لا يبقى فيه شيء لقوله: «لا يزال»، ولفظ الناس عام مخصوص بالسلطان كما يأتي".
«لا يزال» يعني ينتهي لحم وجهه بالتدريج شيئًا فشيئًا حتى يأتي عظامًا، وليس عليه لحم، نسأل الله العافية.
طالب: "والحديث مطلق في قبح السؤال مطلقًا، وقيده البخاري بمن يسأل تكثرًا كما يأتي، يعني من سأل وهو غني فإنه ترجم له: بباب من سأل تكثرًا لا من سأل لحاجة فإنه يباح له ذلك، ويأتي قريبًا بيان الغنى الذي يمنع من السؤال، قال الخطابي معنى قوله: «وليس في وجهه مزعة لحم» يحتمل أن يكون المراد به يأتي ساقطًا لا قدر له ولا جاه".
لعله معنوي ليس في وجهه لحم معنوي.
طالب: "أو يعذب في وجهه حتى يسقط لحمه عقوبةً له في موضع الجناية؛ لكونه أذل وجهه بالسؤال، وأنه يبعث ووجهه عظم؛ ليكون ذلك شعاره الذي يعرف به، ويؤيد الأول ما أخرجه الطبراني والبزار من حديث مسعود بن عمرو: «لا يزال العبد يسأل وهو غني حتى يَخْلَق وجهُه»".
يكون خلقًا باليًا، نعم.
طالب: "«فلا يكون له عند الله وجه» وفيه أقوال أخر. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من يسأل الناس أموالهم تكثرًا، فإنما يسأل جمرًا، فليستقل أو ليستكثر» رواه مسلم. قال ابن العربي -رحمه الله-: إن قوله: «فإنما يسأل جمرًا» معناه أنه يعاقب بالنار، ويحتمل أن يكون حقيقةً أي أنه يصير ما يأخذه جمرًا يُكوى به كما في مانع الزكاة، وقوله: «فليستقل» أمر للتهكم، ومثله ما عُطف عليه، أو للتهديد من باب {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40] وهو مشعر بتحريم السؤال للاستكثار".
نعم، فليستقل أو يستكثر، لا حاجة له إلى السؤال، فلا يجوز أن يسأل قليلاً ولا كثيرًا.
طالب: "وعن الزبير بن العوام -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة من الحطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها -أي بقيمتها- وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه»، رواه البخاري، الحديث دل على ما دل الذي قبله عليه من قبح السؤال مع الحاجة وزاد بالحث على الاكتساب".
مع الحاجة؟
طالب: مع الحاجة يا شيخ.
لا شك أن السؤال عمومًا قبيح، وهو مع عدم الحاجة أقبح، مع الحاجة مع القدرة على التكسب أيضًا قبيح، الحديث دل على قبح السؤال مع الحاجة يعني مع القدرة على التكسب، بدليل قوله: «يحتطب».
طالب: "وزاد بالحث على الاكتساب ولو أدخل على نفسه المشقة، وذلك لما يدخل السائل على نفسه من ذل السؤال وذلة الرد إن لم يعطه المسئول، ولما يدخل على المسئول من الضيق في ماله إن أعطى كل من يسأل، وللشافعية وجهان في سؤال من له قدرة على التكسب أصحهما أنه حرام؛ لظاهر الأحاديث، والثاني أنه مكروه بثلاثة شروط: أنه لا يذل نفسه، ولا يلح في السؤال، ولا يؤذي المسئول، فإن فقد أحدها فهو حرام بالاتفاق".
نعم.
طالب: "وعن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «المسألة كد يكد بها الرجل وجهه إلا أن يسأل الرجل سلطانًا أو في أمر لا بد منه»، رواه الترمذي وصححه، أي سؤال الرجل أموال الناس كد بفتح الكاف أي خدش وهو الأثر، وفي رواية: «كدوح» بضم الكاف، وإن سأله من السلطان فإنه لا مذمة فيه؛ لأنه إنما يسأل مما هو حق له في بيت المال".
نعم له نصيب من بيت المال، لا يُقطع إذا سرق من بيت المال؛ لأن له شبهة ملك، فإذا سأل السلطان وظاهره ولو تكثرًا فإنه لا يُذم، لكن يبقى أن الورع أن لا يستشرف ولا يسأل، أما إذا جاءه من غير سؤال ولا استشراف فإنه يأخذ شريطة أن لا يكون ثمنًا لدينه كما جاء في الصحيح من حديث أبي ذر: «وأما إن كان ثمنًا لدينك فلا»، ولو جاء من غير طلب ولا استشراف، لكن سؤال الاستشراف والسؤال من بيت المال أسهل أخف من سؤال الناس.
طالب: "ولا منة للسلطان على السائل؛ لأنه وكيل، فهو كسؤال الإنسان وكيله أن يعطيه من حقه الذي لديه، وظاهره أنه وإن سأل السلطان تكثرًا فإنه لا بأس فيه؛ لأنه جعله قسيمًا للأمر الذي لا بد منه، وقد فسر الأمر الذي لا بد منه حديث قبيصة، وفيه: «لا يحل السؤال إلا لثلاثة: ذي فقر مدقع، أو دم موجع، أو غُرم مفظع» الحديث، وقوله: أو في أمر لا بد منه أي لا يتم له حصوله مع ضرورته إلا بسؤال".
قبيصة بن مخارق، وأنه تحمل حمالة جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- يسأل فبين له متى يحل السؤال، وسيأتي إن شاء الله تعالى.
طالب: .......
سيأتي بلا شك، نعم.
طالب: .......
ما فيه سيأتي؟
طالب: .......
نعم، ماذا بعده؟ قسمة الصدقات؟
طالب: .......