كتاب الأطعمة من سبل السلام (6)
اتفقنا مع الإخوان أننا اليوم فيه درس، وغدًا، والخميس والجمعة ثلاثة أيام بعد المغرب، من أجل أن نكمل الأضاحي، ونقف على الأيمان والنذور.
جزاك الله خيرًا، أبشر.
نعم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، صلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
قال- رحمه الله تعالى- في البلوغ وشرحه، في باب الأضاحي:
"الْأَضَاحِيُّ جَمْعُ أُضْحِيَّةٍ بِضَمِّ (الْهَمْزَةِ)، وَيَجُوزُ كَسْرُهَا، وَيَجُوزُ حَذْفُ (الْهَمْزَةِ) فتُفتح (الضَّادِ).."
ضحية، ضحية، وجمعها ضحايا، الأضاحي جمع أضحية، والضحية جمعها ضحايا، كهدية وهدايا، وقد يُقال: أضحات، وكأنَّها أُخِذت من الوقت الذي تُذبح فيه، وهو ضحى يوم النحر.
أحسن الله إليك.
"كَأَنَّهَا اُشْتُقَّتْ مِنْ اسْمِ الْوَقْتِ الَّذِي شُرِعَ ذَبْحُهَا فِيهِ، وَبِهَا سُمِّيَ الْيَوْمُ يَوْمَ الْأَضْحَى.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقَرْنَيْنِ، وَيُسَمِّي وَيُكَبِّرُ، وَيَضَعُ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا بِالْمُهْمَلَتَيْنِ الْأُولَى مَكْسُورَةٌ. فِي النِّهَايَةِ صَفْحَةُ كُلِّ شَيْءٍ وَجْهُهُ وَجَانِبُهُ، وَفِي لَفْظٍ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ. وَفِي لَفْظٍ سَمِينَيْنِ. وَلِأَبِي عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَنَسٍ ثَمِينَيْنِ بِالْمُثَلَّثَةِ بَدَلَ (السِّينِ). هَذَا مَدْرَجٌ مِنْ كَلَامِ أَحَدِ الرُّوَاةِ أَوْ من كلام أَبِي عَوَانَةَ أَوْ من كلام الْمُصَنِّفِ، وهو الظاهر.
وَفِي لَفْظٍ مسلم عن أَنَسٍ وَيَقُولُ: «بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ». الْكَبْشُ هُوَ الثَّنِيُّ إذَا خَرَجَتْ رُبَاعِيَّتُهُ، وَالْأَمْلَحُ الْأَبْيَضُ الْخَالِصُ، وَقِيلَ: الَّذِي يُخَالِطُ بَيَاضَهُ شَيْءٌ مِنْ السَوَاد، وَقِيلَ.."
سمينين من السمن، وثمينين من ارتفاع القيمة والثمن، وقد يتلازمان، قد يكون السمين هو الثمين مرتفع القيمة، فلا اختلاف بين الروايتين، مع أنَّه قد تنفك أحدهما عن الأخرى لأوصاف ثانية.
أحسن الله إليك.
"وقيل: الَّذِي يُخَالِطُ بَيَاضهُ حُمْرَة، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي فِيهِ بَيَاضٌ وَسَوَادٌ، وَالْبَيَاضُ أَكْثَر، وَالْأَقْرَنُ هُوَ الَّذِي لَهُ قَرْنَانِ. وَاسْتَحَبَّ الْعُلَمَاءُ التَّضْحِيَةَ بِالْأَقْرَنِ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَأَجَازُوهَا بِالْأَجَمِّ، وهو الَّذِي لَا قرون لَهُ أَصْلًا. وَاخْتَلَفُوا فِي مَكْسُورِ الْقَرْنِ فَأَجَازَهُ الْجُمْهُورُ، وَعِنْدَ الْهَادَوِيَّةِ: لَا يُجْزِئُ إذَا كَانَ الْقَرْنُ الذَّاهِبُ مِمَّا تُحِلُّهُ الْحَيَاةُ."
نعم، يمكن نصف القرن الأعلى لا يتألم لقطعه، ولا بكسره، ولا بإزالته، فهذا يُمكن أن يُقال: لا تحله الحياة، وأمَّا نصفه الذي يلي الرأس فلا شك أنَّه يؤلم البهيمة النصف أو أكثر أو أقل، المقصود أنَّ منه ما تحله الحياة، ومنه ما لا تحله الحياة.
حلول الحياة هل هو مرتبط بالإحساس أو مرتبط بالنمو؟
الذي ينمو حي، والذي لا ينمو ميت، الشعر ينمو، والظفر ينمو، والقرن ينمو، هل هذا نطرد فيه أنَّه مما تحله الحياة فتتعلق به الأحكام؟ فالحنفية يرون أنَّه بالنسبة للشعر فهو متفق عليه، الشعر والظفر متفق عليهما أنَّ حياتهما مثل حياة النبات، وليست مثل حياة الحيوان، فمثل هذا لو أُبين من الحي فلا إشكال فيه، ولو أُخِذ من الميتة فلا إشكال فيه؛ لأنَّه لا تحله الحياة، وحياته ونموه مثل حياة النبات. العظم واللبن والأنفحة شيخ الإسلام، العظم عند الحنفية وشيخ الإسلام يزيد اللبن والأنفحة وما أشبه ذلك، وكلها لا تَحُلها الحياة، فهو طاهر طيب.
بالنسبة للعظم إذا قلنا: إنَّ الحياة النمو فلا إشكال، فهو ينمو، وإذا قلنا: الإحساس، فألم العظم يُحس به أم ما يُحس؟
القارئ: يُحس.
انتبهوا، الذي يُحيي العظام وهي رميم يدل على أنَّها تحلُها الحياة، وتفقد الحياة بمفارقة الروح الجسد كاللحم والعصب، يحيي العظام وهي رميم، ويُستدل بذلك على ألم الضرس مثلًا إذا تعرَّض لسوس، وإذا تعرَّض لغيره، هذا مما يدل على أنَّه تحله الحياة، نعم، ويكون حكمه حكم الميتة.
قد يقول قائل: إنَّ الألم الذي يُحس به بالنسبة للعظم لا من العظم نفسه، وإنَّما من العصب المتصلة بالعظم بدليل أنَّه لو قطعت العصب يحس ولا ما يحس؟ فالمسألة في هذه دقيقة جدًا تحتاج إلى مزيد عناية. بعضهم يقول: ألم الضرس والذي يقرأ يُصدِّق بدون روية، طيب لو انكسر الإنسان؟ انكسرت ساعده، انكسرت رجله، لا ينام الليل من الوجع، لكن هل هو من العظم نفسه؟
من المقرر أنَّ الإحساس الأصل فيه الجلد، {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} [سورة النساء:56]، لكن مقتضى هذا أن نقول: إنَّ اللحم ما فيه إحساس، يعني هذا التجربة فيه ليست مستحيلة بمعنى أنَّه إذا شيل الجلد، انقشر الجلد هل يُحس إذا تعرض اللحم لشيء أو العظم؟ إذًا الحياة موجودة، فلماذا عُلِّقَ العذاب بالجلد {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} [سورة النساء:56]، العلماء يقولون: إنَّ الجلد هو محل الإحساس، لكن بالإمكان أن يُقال: اللحم محل إحساس، والعظم محل إحساس، لكنَّ الجلد هو أول ما يُباشر العذاب، أول ما يُباشر العذاب الجلد، وعلى كل حال المُرَجِّح في هذا قول الجمهور أنَّ عَظم الميتة، وأنفحتها، ولبنها وكل ما هو في داخل الجلد كله ميتة نجس.
أحسن الله إليك.
"واتَّفَقُوا عَلَى اسْتِحْبَابِ الْأَمْلَحِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّ أَفْضَلَهَا عِنْدَ أصحابه الْبَيْضَاءُ ثُمَّ الصَّفْرَاءُ ثُمَّ الْغَبْرَاءُ.."
عند أصحابه أم الصحابة؟
نعم عند أصحابه يعني الشافعية.
طالب: .......
نعم، هي مكتوبة الصحابة عندنا، لكن المراد أصحابه الشافعية، يقول: اختار أصحابنا.
"قال النَّوَوِيُّ: إنَّ أَفْضَلَهَا عِنْدَ أصحابه الْبَيْضَاءُ، ثُمَّ الصَّفْرَاءُ، ثُمَّ الْغَبْرَاءُ، وَهِيَ الَّتِي لَا يَصْفُو بَيَاضُهَا، ثُمَّ الْبَلْقَاءُ، وَهِيَ الَّتِي بَعْضُهَا أَسْوَدُ، وَبَعْضُهَا أَبْيَضُ، ثُمَّ السَّوْدَاءُ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ- رضي الله عنها-: يَطَأُ فِي سَوَادٍ، وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ، وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ، فَمَعْنَاهُ أَنَّ قَوَائِمَهُ وَبَطْنَهُ وَمَا حَوْلَ عَيْنَيْهِ أَسْوَدُ.
قُلْت: إذَا كَانَتْ الْأَفْضَلِيَّةُ فِي اللَّوْنِ مُسْتَنِدَةً إلَى مَا ضَحَّى بِهِ النبي- صلى الله عليه وسلم- فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَتَطَلَّبْ لَوْنًا مُعَيَّنًا حَتَّى يَحْكُمَ بِأَنَّهُ الْأَفْضَلُ، بَلْ ضَحَّى بِمَا اتَّفَقَ لَهُ- صلى الله عليه وسلم- وَتَيَسَّرَ حُصُولُهُ، فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ لَوْنٍ مِنْ الْأَلْوَانِ."
كثيرًا ما يُعلل أهل العلم بأفضلية ما يفعله النبي- عليه الصلاة والسلام- بأنَّ الله اختار له ذلك، ولم يكن الله ليختار لنبيه إلا الأفضل.
أحسن الله إليك.
"وَقَوْلُهُ: وَيُسَمِّي وَيُكَبِّرُ، فَسَّرَهُ لَفْظُ مُسْلِمٍ بِأَنَّهُ: «بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ»."
أمَّا بالنسبة للبسملة والتسمية فهي شرط لحِل الذبيحة، شرط لصحة التذكية. وأمَّا الله أكبر فعلى سبيل الاستحباب.
أحسن الله إليك.
"أَمَّا التَّسْمِيَةُ فَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهَا، وَأَمَّا التَّكْبِيرُ فَكَأَنَّهُ خَاصٌّ بِالتَّضْحِيَةِ وَالْهَدْيِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [سورة البقرة:185]، وَأَمَّا وَضْعُ رِجْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- عَلَى صَفْحَةِ الْعُنُقِ وَهِيَ جَانِبُهُ، فَلِتَكُونَ أَثْبَتَ لَهُ وَأَمْكَنَ؛ لِئَلَّا تَضْطَرِبَ الضَّحِيَّةُ. وَدَلَّ هُوَ وَمَا بَعْدَهُ أَنَّهُ يَتَوَلَّى الذَّبْحَ بِنَفْسِهِ نَدْبًا.
وَلمسلم مِنْ حَدِيثٍ عَائِشَةَ أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ يَطَأُ فِي سَوَادٍ، وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ، وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ، لِيُضَحِّيَ بِهِ.."
فَأُتِيَ بِهِ.
أحسن الله إليك.
"فَأُتِيَ بِهِ".
ليُضحي به.
"فَأُتِيَ بِهِ لِيُضَحِّيَ بِهِ فَقَالَ: اشحذي المدية".
«يَا عَائِشَةُ هَلُمِّي الْمُدْيَةَ ثُمَّ قَالَ: اشْحَذِيهَا»، ما عندك؟
القارئ: لا، ما عندي يا شيخ، ذكرها في الحاشية يا شيخ.
"فقال: «يَا عَائِشَةُ هَلُمِّي الْمُدْيَةَ، اشْحَذِيهَا»."
ثم قال: «اشْحَذِيهَا».
"ثم قال: «اشْحَذِيهَا»، تَقَدَّمَ ضَبْطُهَا، وَهُوَ بِمَعْنَى: «وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ»، ثم أخذها أي المُدية".
بحجر ففعلت ثم أخذها.
القارئ: هذا كله مذكور في الحاشية يا شيخ، أحسن الله إليك.
هذا من المتن والشرح أيضًا.
"ثُمَّ ذَبَحَهُ ثُمَّ قَالَ: «بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأُمَّةِ مُحَمَّدٍ- صلى الله عليه وسلم-». فيه دليل على أنَّه.."
ثُمَّ ضَحَّى بِهِ، عندك: فَأَضْجَعَهُ أَيْ الْكَبْشَ، ثم أخذه ثم ضحى إلى آخره.
"فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إضْجَاعُ الضحية من الْغَنَم،ِ وَلَا تُذْبَحُ قَائِمَةً وَلَا بَارِكَةً؛ لِأَنَّهُ أَرْفَقُ لها وَعَلَيْهِ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ، وَيَكُونُ الْإِضْجَاعُ عَلَى جَانِبِهَا الْأَيْسَرِ؛ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ لِلذَّابِحِ فِي أَخْذِ السِّكِّينِ بِالْيُمْنَى، وَإِمْسَاكِ رَأْسِهَا بِالْيَسَارِ."
بخلاف البُدن من الإبل فإنَّها تُذبح قائمة، تُنحر قائمة.
أحسن الله إليك.
"وَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ بِقَبُولِ الْأُضْحِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَعْمَالِ، وَقَدْ قَالَ الْخَلِيلُ وَالذَّبِيحُ- عليهما السلام- عِنْدَ عِمَارَةِ الْبَيْتِ: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا} [سورة البقرة:127]، فقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ عِنْدَ التَّضْحِيَةِ وَتَوْجِيهِهَا القبلة: {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ} [سورة الأنعام:79]، «اللهم تقبل من محمد وآله» إلى «وأنا من المسلمين»، وَدَلَّ قَوْلُهُ: «وَآلِ مُحَمَّد» وَفِي لَفْظِ: «عَنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ» أَنَّهُ تُجْزِئُ التَّضْحِيَةُ مِنْ الرَّجُلِ عَنْه وعن أَهْلِ بَيْتِهِ، وَيُشْرِكُهُمْ فِي ثَوَابِهَا، ودلَّ أَنَّهُ يَصِحُّ نِيَابَةُ الْمُكَلَّفِ عَنْ غَيْرِهِ فِي فِعْلِ الطَّاعَاتِ، وإنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْغَيْرِ أَمْرٌ وَلَا وَصِيَّةٌ فَيَصِحُّ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ من صَلَاةً كَانَتْ وغَيْرَهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ في الجنائز، ويدل لَهُ مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّهُ كَانَ لِي أَبَوَانِ أَبَرُّهُمَا فِي حَالِ حَيَاتِهِمَا، فَكَيْفَ لِي بِبِرِّهِمَا بَعْدَ مَوْتِهِمَا؟ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إنَّ مِنْ الْبِرِّ بَعْدَ الْبِرِّ أَنْ تُصَلِّيَ لَهُمَا مَعَ صَلَاتِك، وَأَنْ تَصُومَ لَهُمَا مَعَ صِيَامِكَ».
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:"
يعني كذا هذا الحديث تفرَّد به الدارقطني، ولا شك أنَّه فيه كلام لأهل العلم، مُخَّرج؟
القارئ: نعم يا شيخ، قال: أخرجه مسلم في المقدمة، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل كلهم عن الحجاج بن دينار معضلًا.
أي مُضعَّف، نعم.
أحسن الله إليك.
"وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَرَجَّحَ الْأَئِمَّةُ غَيْرُهُ أَيْ غَيْرُ الْحَاكِمِ وَقْفَهُ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ التَّضْحِيَةِ عَلَى مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ.."
هذا رأي الحنفية، واختيار شيخ الإسلام.
"لِأَنَّهُ لَمَّا نَهَى عَنْ قُرْبَانِ الْمُصَلَّى دَلَّ عَلَى أَنَّهُ تَرَكَ وَاجِبًا كَأَنَّهُ يَقُولُ: لَا فَائِدَةَ فِي الصَّلَاةِ مَعَ تَرْكِ هَذَا الْوَاجِبِ، وَبِقَوْلِهِ: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [سورة الكوثر:2]، وَلِحَدِيثِ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ مَرْفُوعًا: «عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَّةٌ»، دَلَّ لَفْظُهُ عَلَى الْوُجُوبِ، وَالْوُجُوبُ قَوْلُ.."
لكن قوله: «فلا يقربن مصلانا» هذا لا يدل على الوجوب، بقدر ما يدل على الحث الشديد مثل قوله: «من أكل ثومًا أو بصلًا فلا يقربن مسجدنا»، لمَّا قيل له- عليه الصلاة والسلام-: أحرام هو؟ قال: «أنا لا أحرم ما أحل الله»، فدل على أنَّ هذا يُطلق بإيذاء المكروه الكراهية الشديدة، والمستحب استحبابًا متأكدًا.
أحسن الله إليك.
"والوجوب قول أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ.."
طالب: .........
كيف؟
طالب: ........
المقصود «فلا يقربن مصلانا»، «لا يقربن» إنَّما يؤخذ منه كما يؤخذ من هذا، إذا أخذنا من هذا تحريم أو وجوب الضحية، أخذنا من ذاك تحريم الأكل، تعليل عدم قُربان المسجد بترك الجماعة التي في الأصل واجبة.
أحسن الله إليك.
"والوجوب قول أبي حنيفة، فإنَّه أَوْجَبَهَا عَلَى الْمُعْدِمِ وَالْمُوسِرِ، وَقِيلَ: لَا تَجِبُ، وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ مَوْقُوفٌ، فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، وَالثَّانِي ضُعِّف بِأَبِي رَمْلَةَ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: إنَّهُ مَجْهُولٌ، وَالْآيَةُ مُحْتَمِلَةٌ فَقَدْ فُسِّرَ قَوْلُهُ تعالى: {وَانْحَرْ} [سورة الكوثر:2] بِوَضْعِ الْكَفِّ عَلَى النَّحْرِ فِي الصَّلَاةِ، أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ شَاهِينَ فِي سُنَنِهِ وَابْنُ مَرْدُوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِيهِ رِوَايَاتٌ عَنْ الصَّحَابَةِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلَوْ سُلِّمَ فَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ النَّحْرَ بَعْدَ الصَّلَاةِ.."
أمَّا التفسير تفسير قوله: {وَانْحَرْ} [سورة الكوثر:2] بِوَضْعِ اليدين عَلَى النَّحْرِ فِي الصَّلَاةِ فهذا بعيد، {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [سورة الكوثر:2]، مثل أيش؟ في آية المائدة {وَهُمْ رَاكِعُونَ} [سورة المائدة:55].
طالب: ..........
أيش؟
طالب: .........
{وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [سورة المائدة:55]، هل إتيان الزكاة حال الركوع كما يروي في ذلك الشيعة خبرًا أنَّ عليًّا سأله سأل وهو يصلي فأعطاه أصبعه ليأخذ الخاتم؟ ويقول: إنَّ الآية نزلت فيه، أو أنَّ هذا لمطلق الجمع، أي أنَّهم يجمعون بين الصدقة والصلاة؟ لا الجمع بينهما في آنٍ واحد، وإنَّما يفعلون هذا ويفعلون هذا، وهنا يصلون وينحرون يعني يذبحون وينحرون الأضاحي والهدي.
"وَلَوْ سُلِّمَ فَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ النَّحْرَ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ تَعْيِينٌ لِوَقْتِهِ لَا لِوُجُوبِهِ كَأَنَّهُ يَقُولُ: إذَا نَحَرْت فَبَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ، فَإِنَّهُ قَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَنَسٍ كَانَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- يَنْحَرُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَأُمِرَ أَنْ يُصَلِّيَ ثُمَّ يَنْحَرُ، وَلِضَعْفِ أَدِلَّةِ الْوُجُوبِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، بَلْ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: لَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ. وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا دَخَلَتْ الْعَشْرُ فَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا بَشَرِهِ شَيْئًا».
قَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّ قَوْلَهُ: «فَأَرَادَ أَحَدُكُمْ» يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ، وَلِمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أُمِرْت بِيَوْمِ الْأَضْحَى عِيدًا، جَعَلَه اللَّهُ تعالى لِهَذِهِ الْأُمَّةِ»، فَقَالَ الرَّجُلُ: فَإِنْ لَمْ أَجِدْ إلَّا مَنِيحَةَ أُنْثَى أَوْ شَاةَ أَهْلِي وَمَنِيحَتَهُمْ أَذْبَحُهَا؟ قَالَ: «لَا» الْحَدِيثَ. وبما أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ.."
أمَّا الحديث الأول «إذَا دَخَلَت الْعَشْرُ فَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ»، هذا يستدل به الجمهور على عدم الوجوب، وليس بظاهر الدلالة، كما يُقال: من أراد منكم أن يحج، وفي حجة الإسلام، إذا أردت أن تحج أو من أراد أن يحج فليفعل كذا، هذا يعني أنَّ الحج غير واجب؟ إنَّما الفعل مقرون بالإرادة، لا يعني أنَّه لا يجب الحج أو لا تجب الأضحية، ففي هذا الاستدلال ما فيه.
أحسن الله إليك.
"وَلِمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أُمِرْت بِيَوْمِ الْأَضْحَى عِيدًا جَعَلَه اللَّهُ تعالى لِهَذِهِ الْأُمَّةِ»، فَقَالَ الرَّجُلُ: فَإِنْ لَمْ أَجِدْ إلَّا مَنِيحَةَ أُنْثَى أَوْ شَاةَ أَهْلِي وَمَنِيحَتَهُمْ أَذْبَحُهَا؟ قَالَ: «لَا» الْحَدِيثَ. وبما أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرْضٌ، وَلَكُمْ تَطَوُّعٌ، وَعَدَّ مِنْهَا الضَّحِيَّةَ»، فأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى بِلَفْظِ: «كُتِبَ عَلَيَّ النَّحْرُ، وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ»، وبما أَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- لَمَّا ضَحَّى قَالَ: «بِسْمِ اللَّهِ ،وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ عَنِّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي»، وَأَفْعَالُ الصَّحَابَةِ دَالَّةٌ عَلَى عَدَمِ الْإِيجَابِ. فَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَنَّهُمَا كَانَا لَا يُضَحِّيَان؛ِ خَشْيَةَ أَنْ يُقْتَدَى بِهِمَا، وَأَخْرَجَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ إذَا حَضَرَ الْأَضْحَى أَعْطَى مَوْلًى لَهُ دِرْهَمَيْنِ فَقَالَ: اشْتَرِ بِهِمَا لَحْمًا وَأَخْبِرْ النَّاسَ أَنَّهُ ضُحى ابْنُ عَبَّاسٍ".
أنَّه ضَحَّى ابن عباس.
"أنَّه ضَحَّى، وَرُوِيَ أَنَّ بِلَالًا ضَحَّى بِدِيكٍ، وَمِثْلُهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالرِّوَايَاتُ عَن الصَّحَابَةِ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ."
على كل حال القول بسنيتها هو قول عامة أهل العلم، وأوجبها من سمعتم الحنفية وشيخ الإسلام، وأدلتها هي أدلة وجوب صلاة العيد مقترنين في الغالب، وبها يستدل الحنفية على وجوب صلاة العيد، ويوافقهم شيخ الإسلام على ذلك.
أحسن الله إليك.
"وَعَنْ جُنْدُبِ بْنِ سُفْيَانَ هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ جُنْدُبُ بْنُ سُفْيَانِ الْبَجَلِيُّ العلقي الْأَحْمَسِيُّ".
الْعَلْقَمِيُّ.
القارئ: نعم يا شيخ.
الْعَلْقَمِيُّ.
القارئ: عندي العلقي.
ماذا عندكم؟
طالب: ........
نعم.
"هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ جُنْدُبُ بْنُ سُفْيَانِ الْبَجَلِيُّ العلقمي الْأَحْمَسِيُّ، كَانَ بِالْكُوفَةِ، ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى الْبَصْرَةِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا، وَمَاتَ فِي فِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ. قَالَ: شَهِدْت الْأَضْحَى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ بِالنَّاسِ نَظَرَ إلَى غَنَمٍ قَدْ ذُبِحَتْ فَقَالَ: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيَذْبَحْ شَاةً مَكَانَهَا، وَمَنْ يذبح..»."
«ومن لَمْ يَكُنْ ذَبَحَ».
أحسن الله إليك.
"«ومن لَمْ يَكُنْ ذَبَحَ فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ وَقْتَ التَّضْحِيَةِ مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِيدِ، فَلَا تُجْزِئُ قَبْلَهُ، وَالْمُرَادُ صَلَاةُ الْمُصَلِّي نَفْسِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ صَلَاةُ الْإِمَامِ، وَأَنَّ (اللَّامَ) لِلْعَهْدِ فِي قَوْلِهِ: الصَّلَاةُ يُرَادُ بِهَا الْمَذْكُورَةُ قَبْلَهَا، وَهِيَ صَلَاتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، فَقَالَ: لَا يَجُوزُ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَخُطْبَتِهِ وَذَبْحِهِ، وَدَلِيلُ اعْتِبَارِ ذَبْحِ الْإِمَامِ مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- صَلَّى يَوْمَ النَّحْرِ بِالْمَدِينَةِ، فَتَقَدَّمَ رِجَالٌ فَنَحَرُوا، وَظَنُّوا أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَدْ نَحْرَ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُعِيدُوا، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ زَجْرُهُمْ عَنْ التَّعْجِيلِ الَّذِي يُؤَدِّي إلَى فِعْلِهَا قَبْلَ الْوَقْتِ؛ وَلِذَا لَمْ يَأْتِ فِي الْأَحَادِيثِ إلَّا تَقْيِيدُهَا بالصلاة."
بِصَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
القارئ: بصلاته.
كذا؟
بصلاته- صلى الله عليه وسلم-، طيب لو افترضنا أنَّ الإمام في أقصى المغرب، وبعض رعيته في أقصى المشرق، ولا يُصلي الإمام إلا بعد غروب الشمس بالنسبة له، ينتظرون حتى يُصلي أم المراد مقدار وقت الصلاة؟ مقدار وقت الصلاة؟ طيب صلى الإمام بمكة، صلى في بلدنا، صلى الإمام بمكة، والمصلون فرغوا من الصلاة الساعة سبع، وفي المنطقة الشرقية الساعة ست، نقول: انتظروا حتى تجيء سبع يصلي الإمام، أم صليتم أنتم اذبحوا انتهى الإشكال، والمراد بالصلاة مقدار وقتها؟
طالب: ...........
يعني المراد بالإمام في بلده، في البلد الذي يسكنه ويصلي فيه. وأمَّا ما عداه فالمراد مقداره في الصلاة.
أحسن الله إليك.
"وَقَالَ أَحْمَدُ مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ ذَبْحَهُ، وَنَحْوُهُ عَنْ الْحَسَنِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ وَدَاوُد: وَقْتُهَا إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ، وَمَضَى قَدْرُ صَلَاةِ الْعِيدِ وَخُطْبَتَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ الْإِمَامُ وَلَا الْمُضَحِّي.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: ظاهر الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى تَعْلِيقِ الذَّبْحِ بِالصَّلَاةِ، لَكِنْ لَمَّا رَأَى الشَّافِعِيُّ أَنَّ مَنْ لَا صَلَاةَ عَلَيْهِ مُخَاطَبٌ بِالتَّضْحِيَةِ حَمَلَ الصَّلَاةَ عَلَى وَقْتِهَا.
قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: هَذَا اللَّفْظُ أَظْهَرُ فِي اعْتِبَارِ قَبْلِ الصَّلَاةِ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى»، قَالَ: لَكِنْ إنْ أَجْرَيْنَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ اقْتَضَى أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ التضحية فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ الْعِيدَ، فَإِنْ ذَهَبَ إلَيْهِ أَحَدٌ فَهُوَ أَسْعَدُ النَّاسِ بِظَاهِرِ الدليل، وَإِلَّا وَجَبَ الْخُرُوجُ عَنْ هَذَا الظَّاهِرِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَيَبْقَى مَا عَدَاهَا فِي مَحَلِّ الْبَحْثِ. وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا ذَبَحَ قَبْلَ.."
يعني من ذبح قبل أن يصلي فلزم مكانها أخرى، فرُبِط الذبح بالصلاة، فإذا لم يصل فمعناه أنَّه لا يذبح؛ لأنَّه يصدق عليه أنَّه ذبح قبل أن يُصلي، مقتضى ذلك أن يقع الذبح بعد صلاة.
أحسن الله إليك.
المؤلف والشارح- رحمه الله- يقول: فَإِنْ ذَهَبَ إلَيْهِ أَحَدٌ فَهُوَ أَسْعَدُ النَّاسِ بِظَاهِرِ هذا الحديث، أنت ما صليت لا تضحي؛ لأنَّك إذا ضحيت صدقة عليك إنَّك ذبحت قبل أن تُصلي.
أحسن الله إليك.
"وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ النبي- صلى الله عليه وسلم-، فَنَهَى أَنْ يَذْبَحَ أَحَدٌ قَبْلَ الصَّلَاةِ. صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَقَدْ عَرَفْت الْأَقْوَى دَلِيلًا مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ، وَهَذَا الْكَلَامُ فِي ابْتِدَاءِ وَقْتِ التضحية.
وَأَمَّا انْتِهَاؤُهُ فَأَقْوَالٌ عِنْدَ الْهَادَوِيَّةِ الْعَاشِرُ من يوم الحجة".
من شهر.
"وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ".
عند الهادوية العاشر ويومان بعده، وما نحتاج أن نقول الحجة؛ لأنَّ يوم الأضحى معروف.
أحسن الله إليك.
"وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنْ أَيَّامَ الْأَضْحَى أَرْبَعَةٌ: يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلَاثَةٌ بَعْدَهُ".
نعم أيام التشريق الثلاثة مع يوم النحر.
أحسن الله إليك.
"وَعِنْدَ دَاوُد وَجَمَاعَةٍ.."
«أيام التشريق هي أيام أكل وشرب وذكر لله- عزَّ وجلَّ-»، فهي داخلة في الذبح.
"وعند داود وجماعة مِنْ التَّابِعِينَ يَوْمُ النَّحْرِ فَقَطْ إلَّا فِي مِنًى فَيَجُوزُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ، وَعِنْدَ جَمَاعَةٍ أَنَّهُ إلى آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ الْحِجَّةِ، قَالَ فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ: سَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا: الِاخْتِلَافُ فِي الْأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ مَا هِيَ فِي قَوْله تَعَالَى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} [سورة الحج:28]، فَقِيلَ: يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: الْعَشْرُ الْأولُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ. السَّبَبُ الثَّانِي مُعَارَضَةُ دَلِيلِ الْخِطَابِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِحَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ مَرْفُوعًا أَنَّهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ مَنْحَرٌ، وَكُلُّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ»، فَمَنْ قَالَ فِي الْأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ: إنَّهَا يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ رَجَّحَ دَلِيلَ الْخِطَابِ فِيهَا عَلَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ."
ما دليل الخطاب؟ ما المراد بدليل الخطاب؟
طالب: ........
المفهوم المفهوم، نعم المفهوم.
"وَقَالَ: لَا نَحْرَ إلَّا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، وَمَنْ رَأَى الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَدِيثِ وَالْآيَةِ قَالَ: لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُمَا؛ إذْ الْحَدِيثُ اقْتَضَى حُكْمًا زَائِدًا عَلَى مَا فِي الْآيَةِ مَعَ أَنَّ الْآيَةَ لَيْسَ الْمَقْصُودُ فِيهَا تَحْدِيدُ أَيَّامِ النَّحْرِ وَالْحَدِيثُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ التحديد، قَالَ بجواز الذَّبْحُ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ.."
فتكون دلالة الآية تبعية فرعية، ليست أصلية، ودلالة الحديث أصلية؛ لأنَّه سيق لهذه المسألة.
"قال بجواز الذبح في اليوم الرابع إذَا كَانَ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِاتِّفَاقٍ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّ الْمَعْدُودَاتِ هِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَأَنَّهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ إلَّا مَا يُرْوَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ: يَوْمُ النَّحْرِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ يَوْمُ النَّحْرِ فَقَطْ فبناءً عَلَى أَنَّ الْمَعْلُومَاتِ الْعَشْرَ الْأَوَّلَ.."
والعاشر منها، وما قبله لا يحل فيه الذبح، تسعة لا يحل فيها الذبح، والمراد بالأيام المعلومات العشر؛ إذًا لا ذبح في اليوم العاشر منها.
أحسن الله إليك.
"قَالُوا: وَإِذَا كَانَ الْإِجْمَاعُ قَدْ انْعَقَدَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الذَّبْحُ هُنَا إلَّا الْيَوْم الْعَاشِرِ- الْأَوَّلِ- وَهُي مَحَلُّ الذَّبْحِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ إلَّا يَوْمَ النَّحْرِ فَقَطْ. انْتَهَى.
فَائِدَةٌ: قال فِي النِّهَايَةِ أَيْضًا ذَهَبَ مَالِكٌ.."
النهاية المراد بها نهاية المجتهد الذي تُسميه نهاية المجتهد لابن رشد، وهو في الحقيقة بداية المجتهد.
أحسن الله إليك.
"ذهب مالك فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّضْحِيَةُ لَيَالِي أَيَّامِ النَّحْرِ. وَذَهَبَ غَيْرُهُ إلَى جَوَازِ ذَلِكَ. وَسَبَبُ الِاخْتِلَافِ هُوَ أَنَّ الْيَوْمَ يُطْلَقُ عَلَى الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ نَحْوُ قَوْلِهِ تعالى: {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ} [سورة هود:65] وَيُطْلَقُ عَلَى النَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ نَحْوُ قوله: {سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ} [سورة الحاقة:7]، فَعَطَفَ الْأَيَّامَ عَلَى اللَّيَالِيِ، وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ، بقي النَّظَرِ فِي أَيِّهِمَا أَظْهَرُ وَالْمُحْتَجُّ بِالْمُغَايَرَةِ فِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِاللَّيْلِ عمل بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ إلَّا الدَّقَّاقُ.."
مفهوم اللقب ضعيف عند عامة أهل العلم، ويلزم عليه لوازم يصل بعضها إلى أمر شنيع، لو أعملنا مفهوم اللقب باطراد لزم عليه لوازم؛ ولذا عامة أهل العلم على عدم اعتباره.
أحسن الله إليك.
"إلَّا أَنْ يُقَالَ: دَلَّ الدَّلِيلُ أَنَّهُ لا يَجُوزُ فِي النَّهَارِ، وَالْأَصْلُ فِي الذَّبْحِ.."
أنَّه يجوز.
"إلا أن يُقال: دلَّ الدليل أنَّه يجوز في النهار، والأصل في الذبح الْحَظْرُ، فَيَبْقَى اللَّيْلُ عَلَى الْحَظْرِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مجوزه فِي اللَّيْلِ اهـ.
قُلْت: لَا حَظْرَ فِي الذَّبْحِ، بَلْ قَدْ أَبَاحَ اللَّهُ ذَبْحَ الْحَيَوَانِ فِي أَيِّ وَقْتٍ، وَإِنَّمَا كَانَ الْحَظْرُ عَقْلًا قَبْلَ إبَاحَةِ اللَّهِ ذَلِكَ."
طالب: .........
ماذا؟
طالب: .........
نعم أمر من ذبح قبل الصلاة بالإعادة، والمستحب لا تلزم إعادته، لو بطلت صلاة نفل فهل تُلزم بإعادتها؟ لا، ما تُلزم إلا بإعادة الفريضة هذا من الأدلة، لكن يبقى أنَّه قد يؤمرون من باب الزجر، حيث تعدوا وذبحوا قبل الإمام، فأمروا بالإعادة، أو أنَّ الأمر بالإعادة أمرٌ بإعادة الحكم إلى أصله، أمر بإعادة الأضحية لمن أراد أن يُضحِّي.
أحسن الله إليك.
"وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: «أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الضَّحَايَا: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ضَلْعُهَا، والكسيرة الَّتِي لَا تُنْقِي» بِضَمِّ.."
الكسيرة ولا الكبيرة.
القارئ: الكسيرة عندي يا شيخ.
الكسيرة تُنقي، الكسيرة تُنقي، قد تكون كسيرة، وتكون سمينة. أمَّا الكبيرة التي من كبرها تقدم بها في السن قلَّ مخها ونقيها هذه بالكبيرة أليق.
أحسن الله إليك.
طالب: ........
كبيرة، نعم.
"بضم الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَإِسْكَانِ (النُّونِ) وَكَسْرِ (الْقَافِ) أَيْ الَّتِي لَا نِقْيَ لَهَا بِكَسْرِ (النُّونِ) وَإِسْكَانِ (الْقَافِ)، وَهُوَ الْمُخُّ.
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ: عَلَى شَرْطِهِمَا، وَصَوَّبَ كَلَامَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ: لَمْ يُخْرِجْهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَلَكِنَّهُ صحح أَخْرَجَهُ.."
ولكنه صحيح.
"ولكنه صحيح".
أخرجه.
"أخرجه أَصْحَابُ السُّنَنِ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ، وَحَسَّنَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَقَالَ: مَا أَحْسَنَهُ مِنْ حَدِيثٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: صَحِيحٌ حَسَنٌ، وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ الْعُيُوبِ مَانِعَةٌ مِنْ صِحَّةِ التَّضْحِيَةِ، وَسَكَتَ عَنْ غَيْرِهَا مِنْ الْعُيُوبِ، فَذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ إلَى أَنَّهُ لَا عَيْبَ غَيْرُهَا، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهُ يُقَاسُ عَلَيْهَا غَيْرُهَا مِمَّا كَانَ أَشَدَّ مِنْهَا أَوْ مُسَاوِيًا لَهَا كَالْعَمْيَاءِ وَمَقْطُوعَةِ السَّاقِ.
وَقَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-".
نعم الجمهور يقولون بقياس الأولى الذي هو القياس الجلي مما يلغيه أهل الظاهر، فالعمياء عندهم تُجزئ في الأضحية، العوراء لا تُجزئ والعمياء تُجزئ، وبعضهم يُعلل ويبرر للظاهرية، يقول: إنَّ العوراء يقل أكلها مع الصحاح، ما ترى إلا من جهة، لكن العمياء يلزم إحضار الطعام لها، فهذه المفسدة مأمونة.
أحسن الله إليك.
"وقوله: «الْبَيِّنُ عَوَرُهَا» قَالَ فِي الْبَحْرِ: إنَّهُ يُعْفَى عَمَّا إذا كَانَ الذَّاهِبُ الثُّلُثَ فَمَا دُونَ، وَكَذَا فِي الْعَرَجِ. وقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْعَرْجَاءُ إذَا تَأَخَّرَتْ عَنْ الْغَنَمِ لِأَجْلِ العرج فَهُوَ بَيِّنٌ. وَقَوْلُهُ: «ضَلْعُهَا» أَيْ اعْوِجَاجُهَا.
وَعَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.."
قف على هذا.
أحسن الله إليك.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على محمد.
اللهم صلِّ على محمد.