كتاب القضاء من سبل السلام (6)
نعم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لشيخنا وللسامعين، أمَّا بعد،
فقال في البلوغ وشرحه في كتاب القضاء، في باب الشهادات:
"وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قضى بيمين وشاهد".
هذا؟
القارئ: لا.
الذي قبله حديث ابن عباس.
"وعن ابن عباس- رضي الله عنهما- أنَّ النبي- صلى الله عليه وسلم- قَالَ لِرَجُلٍ: «تَرَى الشَّمْسَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «عَلَى مِثْلِهَا فَاشْهَدْ أَوْ دَعْ». أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ. وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ؛ لِأَنَّ فِي.."
لا شك أنَّ الحديث ضعيف، بل شديد الضعف.
"لأنَّ في إسْنَادِهِ مُحَمَّدَ بْنَ سُلَيْمَانَ بْنِ مَشْمُولٍ ضَعَّفَهُ النَّسَائِيّ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَمْ يُرْوَ مِنْ وَجْهٍ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ إلَّا عَلَى مَا يَعْلَمُهُ عِلْمًا يَقِينًا كَمَا يعلم الشَّمْسُ بِالْمُشَاهَدَةِ، وَلَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِالظَّنِّ. فَإِنْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى فِعْلٍ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى صَوْتٍ فَلَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِ الصَّوْتِ وَرُؤْيَةِ الْمُصَوِّتِ أَوْ التَّعْرِيفِ بِالْمُصَوِّتِ بِعَدْلَيْنِ أَوْ عَدْلٍ عِنْدَ مَنْ يَكْتَفِي بِهِ إلَّا فِي مَوَاضِعَ فَإِنَّهَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِالظَّنِّ. وَقَدْ بَوَّبَ الْبُخَارِيُّ لِلشَّهَادَةِ عَلَى الظَّنِّ بِقَوْلِهِ: بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْأَنْسَابِ وَالرَّضَاعِ الْمُسْتَفِيضِ، وَالْمَوْتِ الْقَدِيمِ، وَذَكَرَ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ فِي ثُبُوتِ الرَّضَاعِ، وَثُبُوتُهُ إنَّمَا هُوَ بِالِاسْتِفَاضَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ حَدِيثًا عَلَى رُؤْيَةِ الرَّضَاعِ."
يعني مثل الأنساب وما يتعلق بها مما لم يمكن، بل يستحيل الاطلاع على حقيقتها، تكفي فيها الاستفاضة، والرضاع يكفي فيه الاستفاضة، «كيف وقد قيل؟»، لو لا يُمكن أن تشهد لفلان ابن فلان أنَّه ابنٌ له بمشاهدة، أنت حضرت ما حصل بين الزوج مع زوجته؟ وهل تابعت هذا الحمل من أوله إلى آخره؟ وهل حضرت وقت الولادة ثم تابعت هذا المولود إلى وقت الشهادة، لا يُمكن أن يكون هذا، لا يُمكن أن يكون هذا، ولو كنت من أقرب الناس إلى المشهود له، لكن الاستفاضة في مثل هذا كافية.
"وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ، فَإِنَّ لَازِمِ الرَّضَاعِ ثُبُوتَ النَّسَبِ، وَأَمَّا ثُبُوتُ الرَّضَاعَةِ نَفْسِهَا بِالِاسْتِفَاضَةِ فَإِنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ صَرِيحِ الْأَحَادِيثِ، فَإِنَّ الرَّضَاعَةَ الْمَذْكُورَةَ فِيهَا كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ ذَلِكَ مُسْتَفِيضًا عِنْدَ مَنْ وَقَعَ لَهُ. وَحَدُّ الِاسْتِفَاضَةِ عِنْدَ الْهَادَوِيَّةِ شُهْرَةٌ فِي الْمَحلَّةِ تُثْمِرُ ظَنًّا أَوْ عِلْمًا".
يشهد لها أهل الحي أنَّ هذا الولد لفلان.
"وَإِنَّمَا اكْتَفَى بِالشُّهْرَةِ فِي الْمَذْكُورَةِ؛ إذْ لَا طَرِيقَ لَهُ إلَى التَّحْقِيقِ بِالنَّسَبِ؛ لِتَعَذُّرِ التَّحَقُّقِ فِيهِ في الأغلب.."
ومثل هذه الاستفاضة تكفي العامي الذي لا يُمكن أن يصل إلى حقيقة ما عند العالم من علم، العامي فرضه سؤال أهل العلم، لكن كيف يعرف أنَّ هذا العالم من أهل العلم؟ هل لديه من القدرة ما يختبر به هذا العالم؛ ليعرف مقدار ما عنده من العلم، وأنَّه أهلٌ للفتوى؟ ما عنده، لكن يعرف بالاستفاضة، وبين الناس أنَّ هذا من أهل العلم، وأنَّ الذمة تبرأ بتقليده، مثل هذا تكفي فيه الاستفاضة.
"وَإِنَّمَا اكْتَفَى بِالشُّهْرَةِ فِي الْمَذْكُورَةِ؛ إذْ لَا طَرِيقَ لَهُ إلَى التَّحْقِيقِ بِالنَّسَبِ؛ لِتَعَذُّرِ التَّحَقُّقِ فِيهِ فِي الْأَغْلَبِ. وَأَرَادَ الْبُخَارِيُّ بِالْمَوْتِ الْقَدِيمِ مَا تَطَاوَلَ الزَّمَانُ عَلَيْهِ، وَحَدَّهُ الْبَعْضُ بِخَمْسِينَ سَنَةً، وَقِيلَ: أَرْبَعِينَ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَشُقُّ فِيهِ التَّحْقِيقُ. وَإِلَى الْعَمَلِ بِالشُّهْرَةِ فِي النَّسَبِ ذَهَبَ الْهَادَوِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَأَحْمَدُ، وَمِثْلُهُ الْمَوْتُ كَذَلِكَ ذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ وفِي ثُبُوتِ الْوَلَاءِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ.."
في ثبوت الولاء.
عفا الله عنك.
"كذلك ذهب الهادوية في ثبوت الولاء، وقال المصنف فِي الْفَتْحِ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ضَابِطِ مَا تُفِيدُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالِاسْتِفَاضَةِ، فَيَصِحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي النَّسَبِ قَطْعًا، وَالْوِلَادَةِ وَفِي الْمَوْتِ وَالْعِتْقِ وَالْوَلَاءِ وَالْوِلَايَةِ وَالْوَقْفِ وَالْعَزْلِ وَالنِّكَاحِ وَتَوَابِعِهِ وَالتَّعْدِيلِ وَالتَّجْرِيحِ وَالْوَصِيَّةِ وَالرَّشَدِ وَالسَّفَهِ، وَذَلِكَ عَلَى الرَّاجِحِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، وَبَلَّغَهَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ بِضْعَةً وَعِشْرِينَ مَوْضِعًا، وَهِيَ مُسْتَوْفَاةٌ فِي قَوَاعِدِ الْعَلَائِيِّ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ."
ويبقى أنَّ اشتهار الأمر واستفاضته بين الناس لا يفيد علمًا، ولو كثر ناقلوه؛ لأنَّه قد يكون مردَّه إلى شخص واحد مثل ما يُشاع من الأخبار في هذا الزمان، كثيرًا ما ينتشر الخبر وفي جميع الوسائل، ويتلقفه الناس، ويتحدثون به في المجالس، ثم يظهر تكذيبه.
يقول الحافظ ابن حجر في فتح الباري: والأخبار التي تُشاع- ولو كثر ناقلوها- فإنَّها لا تفيد العلم، وأخذ ذلك من قصة عمر- رضي الله عنه- لمـَّا دخل المدينة وجد الناس قد اجتمعوا في المسجد، واستفاض بينهم أنَّ النبي- عليه الصلاة والسلام- طلَّق نساءه، كل من سأله قال: طلَّق نساءه، قال: طلَّق نساءه؟ قالوا: نعم، وقد اعتزل النبي- عليه الصلاة والسلام- في المشربة، ذكر الخبر الجميع، دخل الخبر جميع بيوت المدينة، هل يكفي هذا في ثبوت الحكم؟ إنَّما الاستفاضة مع طول المدة إذا طالت بها المدة نفعت الاستفاضة.
أمَّا أن يستفيض في وقت، ثم ينحسر، فهذه ليست باستفاضة، هذه إشاعات، لكن الاستفاضة مع طول المدة، ما جاء من يُكذِّب هذا الخبر مع طول المدة، ما جاء من يُعارض هذه الدعوة، هذه تنفع؛ ولذلك وقف عمر- رضي الله عنه- على الحقيقة في الوقت نفسه، استأذن على النبي- عليه الصلاة والسلام- مرة، مرتين، ثلاثًا، ثم أُذِنَ له، فسأل النبي- صلى الله عليه وسلم- أطلقت نساءك؟ قال: «لا»، مع أنَّ الخبر في جميع بيوت المدينة أنَّه طلَّق نساءه، فالمسألة تحتاج إلى مدة تكشف الحقيقة من ضدها.
"وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-"
عندك عن ابن عباس أم عنه؟
القارئ: عندي: وعن ابن عباس.
الحديث الأول: وعن ابن عباس، والثاني وعنه أم عن ابن عباس؟
القارئ: أنا عندي في الشرح: وعن ابن عباس.
لا، وعنه أي عن ابن عباس. وعنه هذه الجادة.
القارئ: أي عن ابن عباس؟
ما تقول، عندكم: وعنه- رضي الله عنه- أنَّ النبي- عليه الصلاة والسلام-.. يُحيلون على الحديث السابق، ما يكررون ويصرحون بالاسم، بل يكنون عنه إذا تقدم ذكره، وهذه العادة عند المختصرين.
عفا الله عنك.
"وعنه- رضي الله عنه- أنَّ النبي- صلى الله عليه وسلم- قَضَى بِيَمِينٍ وَشَاهِدٍ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ جَيِّدٌ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا مَطْعَنَ لِأَحَدٍ فِي إسْنَادِهِ، كَذَا قَالَ، لَكِنَّهُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ: سَأَلْت مُحَمَّدًا- يَعْنِي الْبُخَارِيَّ- عَنْهُ فَقَالَ: لَمْ يَسْمَعْهُ عِنْدِي عَمْرٌو مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، يُرِيدُ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ رَاوِيه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ الْحَاكِمُ: قَدْ سَمِعَ عَمْرٌو مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عِدَّةَ أَحَادِيثَ وَسَمِعَ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَا يُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ مِنْهُ حَدِيثًا. وَسَمِعَهُ مِنْه أَصْحَابِهِ عَنْهُ، وَلَهُ شَوَاهِدُ منها، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- مِثْلُهُ."
على كل حال الخلاف في كونه سمع أو لم يسمعه من الإمامين مسلم والبخاري لا يُمكن أن نقارن بين مسلم والبخاري في مثل هذه الصورة، يعني التعامل مع البخاري على أنَّه إمام الصنعة فيما كان في صحيحه، التعامل مع مسلم باعتبار أنَّ كتابه ثاني الكتب بعد البخاري في صحيحه، لكن لو نُقِل عن مسلم تصحيح هذا الحديث في كتاب آخر، لو مثلًا مسلم في التمييز صحح هذا الحديث، والبخاري نُقِل عنه أنَّه ضعَّفه، وقال: لم يسمع، الآن نوازن، أمَّا مادام قول أحد الشيخين في صحيحه فلا مقارنة له مع أحد.
كثيرًا ما نسمع البخاري يصحح حديثًا فيما ينقله الترمذي، أو يضعفه، نقارن بين قول البخاري المنقول عنه في خارج الصحيح مع غيره من الأئمة، لكن ما يُدوِّنه في صحيحه لا ننظر إلى أحد؛ لأننا إذا أعملنا النظر في الصحيحين ما بقي لنا شيء، فالأُمَّة تلقت الصحيحين بالقبول، ما نُقارن نقول: والله الإمام البخاري ضعَّف أحاديث، ومسلم خرَّجه في الصحيح، ما ننظر لقول البخاري ولا لغير البخاري، إلا أحاديث يسيرة حكم عليها بعض الحفاظ بأنَّها وهم، هذه تعالج بما يناسبها.
"وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- مثله، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الشَّافِعِيُّ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ عَنْ أَبِيهِ: هُوَ صَحِيحٌ، وَقَدْ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ عَنْ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ سَرَدَ الشَّارِحُ أَسْمَاءَهُمْ.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ الْقَضَاءُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جَمَاهِيرُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ مَذْهَبُ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةِ وَالْهَادَوِيَّةِ وَمَالِكٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَعُمْدَتُهُمْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ.
وَالْيَمِينُ، وَإِنْ كَانَ حَاصِلُهَا تَأْكِيد الدَّعْوَى، لَكِنْ يَعْظُمُ شَأْنُهَا، فَإِنَّهَا إشْهَادٌ لِلَّهِ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَنَّ الْحَقِيقَةَ كَمَا يَقُولُ، وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى خِلَافِ الدَّعْوَى لَكَانَ مُفْتَرِيًا عَلَى اللَّهِ أَنَّهُ يَعْلَمُ صِدْقَهُ، فَلَمَّا كَانَتْ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ الْعَظِيمَةِ هَابَهَا الْمُؤْمِنُ بِإِيمَانِهِ، وَعَظَمَةِ شَأْنِ اللَّهِ عِنْدَهُ أَنْ يَحْلِفَ بِهِ كَاذِبًا، وَهَابَهَا الْفَاجِرُ؛ لِمَا يَرَاهُ مِنْ تَعْجِيلِ عُقُوبَةِ اللَّهِ تعالى لِمَنْ حَلَفَ يَمِينًا فَاجِرَةً، فَلَمَّا كَانَ لِلْيَمِينِ هَذَا الشَّأْنُ صَلُحَتْ لِلْهُجُومِ عَلَى الْحُكْمِ كَشَهَادَةِ الشَّاهِدِ، وَقَدْ اُعْتُبِرَتْ الْأَيْمَانُ فَقَطْ فِي اللِّعَانِ، وَفِي الْقَسَامَةِ فِي مَقَامِ الشُّهُودِ".
يعني من غير شهادة الشاهد توصل على الأيمان.
"وفي القسامة في مقام الشهود، وَذَهَبَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إلَى عَدَمِ الْحُكْمِ بِالْيَمِينِ وَالشَّاهِدِ، مُسْتَدِلِّينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [سورة الطلاق:2]، وَقَوْلِهِ تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [سورة البقرة:282]، قَالُوا: وَهَذَا يَقْتَضِي الْحَصْرَ، وَيُفِيدُ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ لَا بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَزِيَادَةُ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ.."
ويفيد مفهوم المخالفة أنَّه لا يكون بغير ذلك.
"ويفيد مفهوم المخالفة أنَّه لا يكون بغير ذلك، وزيادة الشاهد واليمين مخالفة تَكُونُ نَسْخًا لِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ."
وعندهم أنَّ الظني لا يقطع القطعي وتكون هذه زيادة على النص، والزيادة على النص عندهم نسخ.
"وَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ اعْتِبَارِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ يَصِحُّ نَسْخُهُ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، أَعْنِي حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ»، وَأُجِيب بِأَنَّ هَذَا.."
وإذا قالوا: إنَّ ما ثبت بالقرآن قطعي، ما ثبت بمثل هذا الحديث وإن صح ظني، والظني لا ينسخ الضعيف، لا ينسخ القوي.
نقول: يُمكن قلب الدعوى عليهم، نقول: ما ثبت بالقرآن مما يُعارض الحديث مفهوم، والحديث منطوق، والمنطوق أقوى من المفهوم.
"وَأُجِيب بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ صَحِيحٌ، وَحَدِيثُ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ صَحِيحٌ يُعْمَلُ بِهِمَا فِي مَنْطُوقِهِمَا ومَفْهُوم أَحَدِهِمَا لَا يُقَاوِمُ صريح الْآخَرِ. هَذَا وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد أَنَّهُ قَالَ سَلَمَةُ فِي حَدِيثِهِ: قَالَ عَمْرٌو (فِي الْحُقُوقِ) يُرِيدُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ راوي الحديث عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ خَصَّ الْحُكْمَ بِالشَّاهِدِ، وَالْيَمِينَ بِالْحُقُوقِ، واليمين في الحقوق دون الحدود ونحوها:.. "
زيادة، هذه زيادة، خصَّ الحكم بالشاهد واليمين بالحقوق.
القارئ: والباقي زيادة؟
نعم.
عفا الله عنك.
"قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَهَذَا خَاصٌّ بِالْأَمْوَالِ دُونَ غَيْرِهَا، فَإِنَّ الرَّاوِيَ وَقَفَهُ عَلَيْهَا، وَالْخَاصُّ لَا يُعدَّى بِهِ مَحَلُّهُ، وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَاقْتِضَاءُ الْعُمُومِ مِنْهُ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّهُ حِكَايَةُ فِعْلٍ، وَالْفِعْلُ لَا عُمُومَ لَهُ. اهـ.
وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْحُكْمِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ إلَّا الْحَدُّ وَالْقِصَاصُ؛ لِلْإِجْمَاعِ أَنَّهُمَا لَا يَثْبُتَانِ بِذَلِكَ".
اللهم صلِّ على محمد.