كتاب الجامع من سبل السلام (4)
نعم.
أحسن الله إليك.
"الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.
اللهم اغفر لشيخنا والسامعين.
أما بعد،
فقال في البلوغ وشرحه في باب الأدب من كتاب الجامع:
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ليسلم الصغير على الكبير، والمار على القاعد، والقليل على الكثير». متفق عليه.
وفي رواية لمسلم من رواية أبي هريرة: «والراكب على الماشي»، بل هو في البخاري، وقال المصنف: إنه لم يقع تسليم الصغير على الكبير في صحيح مسلم، فيشكل جعل الحديث من المتفق عليه."
يعني يكون أصله، لفظه في أحدهما، وأصله في الثاني.
"وظاهر الأمر الوجوب، وقال المازري: إنه للندب، قال: فلو ترك المأمور بالابتداء فبدأ الآخر كان المأمور تاركًا للمستحب، والآخر فاعلاً للسنة.
قلت.."
وخيرهما الذي يبدأ بالسلام، خيرهما الذي يبدأ بالسلام، لكن الذي يتأكد في حقه من نص عليه في الحديث: الصغير على الكبير، والمار على القاعد، والقليل على الكثير، والراكب على الماشي.
"قلت: والأصل في الأمر الوجوب، وكأنه صرفه عنه الاتفاق على عدم وجوب البداءة بالسلام. والحديث فيه شرعية ابتداء السلام من الصغير على الكبير، قال ابن بطال عن المهلَّب: وإنما شُرع للصغير أن يبتدأ الكبير؛ لأجل حق الكبير، ولأنه أُمر بتوقيره، والتواضع له، ولو تعارض الصغر المعنوي والحسي كأن يكون الأصغر أعلم مثلاً قال المصنِّف: لم أر فيه نقلاً، والذي يظهر اعتبار السن؛ لأن الظاهر تقديم الحقيقة على المجاز.
وفيه شرعية.."
نعم؛ لأن الصغر والكبر أمر قد يتجه إلى الحس، وقد يتجه إلى المعنى، فكبير من ناحية السن قد يكون كبيرًا من ناحية الجسم، وقد يكون كبيرًا من ناحية القدر، فكل هذه بغض النظر عن الجسم لها ما يدل على ملاحظتها في الشرع.
"والذي يظهر اعتبار السن؛ لأن الظاهر تقديم الحقيقة على المجاز، وفيه شرعية ابتداء المارِّ بالسلام للقاعد، قال المازري: لأنه قد يتوقع القاعد منه الشر، ولاسيما إذا كان راكبًا، فإذا ابتدأه بالسلام أمن منه، وأنس إليه، أو لأن في التصرف في الحاجات امتهانًا، فصار للقاعد مزية، فأمر المارَّ بالابتداء، أو لأن القاعد يشق عليه مراعاة المارِّين مع كثرتهم، فسقطت البداءة عنه؛ للمشقة عليه، وفيه شرعية ابتداء القليل بالسلام على الكثير، وذلك لفضيلة الجماعة.."
بعض الناس يضجر من كثرة السلام، يضجر، وبعض الناس من كثرة الرد يضجر، مع أنه رُتِّب على كل من البداءة بالسلام والرد أجور، عشر حسنات، عشرين حسنة، ثلاثين حسنة، ومع ذلك بعض الناس يفرح أنه إذا مر أحد ولا سلَّم، هذا حرمان، أقول: حرمان هذا، نسأل الله العافية.
"وفيه شرعية ابتداء القليل بالسلام على الكثير؛ وذلك لفضيلة الجماعة، أو لأن الجماعة لو ابتدؤوا لخيف على الواحد الزهو، فاحتيط له لو مر جمع كثير على جمع قليل، أو مر الكبير على الصغير قال المصنف: لم أرَ فيه نصًّا."
يعني تعارضًا، يعني مع المار مزية، ومع الجالس مزية، مع الكبير مزية مع الصغير، مع العدد الكبير مزية، ومع القليل مزية، فتتعارض هذه المزايا، فكيف يوفَّق بينها؟
يقول المؤلف: لم أرَ.. قال المصنِّف: لم أرَ فيه نصًّا القليل على الكثير، والماشي على القاعد، لو كان القاعد قليلًا، والماشي كثيرًا فمن الذي يبدأ؟
فيه تعارض، فبالنظر إلى العدد يبدأ القليل، وبالنظر إلى الحال يبدأ الماشي على الجالس. المصنِّف -رحمه الله- يعني ابن حجر يقول: لم أرَ فيه نصًّا، واعتبر النووي المرور يعني ولو كانوا أكثر لو مائة بواحد وهو جالس، يسلمون على هذا الجالس، العمال ترونهم يبدؤون بالسلام مطلقًا، مجرد ما يمر أحد يسلمون عليه؛ لأنه ما أدري هل هو من باب اغتنام البداءة بالسلامة، وخيرهم الذي يبدأ بالسلام؟ وقد يكون هذا ملحوظًا لبعضهم، يكون قد تربوا عليه وهم لا يشعرون في بلادهم، أو شيء من هذا، وقد يكون من باب الشعور بشيء من النقص، وهذا مع الأسف أنه قد يوجَد بين المسلمين مثل هذا أن العمال بعض الناس يحتقرهم، وتولدت عندهم، أو تولد عندهم هذا الشعور، فتجدهم يبادرون، من هذه الحيثية، وهذا ما يجوز بين المسلمين.
طالب: قد يُمَر عليهم ولا يُسَلَّم عليهم.
ماذا؟
طالب: العامل هذا ربما لو لم يبدأ يُمَر عليهم ولا يُسَلَّم عليهم..
نعم، قد يوجَد هذا، قد يوجَد من يمر على العالم ولا يسلم عليه، فتجده يبادر، وبعض الناس يبادر بالسلام؛ من أجل تأنيب المار، تأنيب المار، تجد المار غافلًا وما سلم، تجد الجالس يقول: السلام عليكم، يريد أن ينبهه ويؤنبه أنه لماذا ما سلَّم؟ وهذا موجود عند بعض الناس.
أحسن الله إليك.
"واعتبر النووي المرور فقال: الوالد يبدأ سواء كان صغيرًا أو كبيرًا، وذكر الماوردي أن من مشى في الشوارع المطروقة كالسوق أنه لا يسلِّم إلا على البعض؛ لأنه لو سلم.."
لو تدخل مثلاً شارعًا مهولًا، البطحاء مثلاً تسلم على الناس كلهم؟! ما تقدر أن تسلم على الناس كلهم، ما تقدر.
طالب: ...........
كذلك ومثل هذا إنكار المنكر إذا كان يشق مررت بالبطحاء، وفي الشارع الواحد يمكن مائة ألف أو مائتا ألف ازدحام يوم الخميس أو يوم جمعة، وهذا يدخن، وهذا مسبل، وهذا حليق، وهذا كذا، وهذا كذا، تنكر عليهم كلهم أم ماذا تفعل..؟ الذي تستطيعه من غير مشقة زائدة عليك، كل شيء بأجره، والله المستعان.
"وذكر الماوردي أن من مشى في الشوارع المطروقة كالسوق أنه لا يسلِّم إلا على البعض؛ لأنه لو سلم على كل من لقي لتشاغل به على المهم الذي خرج لأجله وخرج به عن العرف، وفيه شرعية ابتداء الراكب على الماشي؛ وذلك لأن للراكب مزية على الماشي، فعوِّض الماشي بأن يبدأه الراكب بالسلام احتياطًا على الراكب من الزهو لو حاز الفضيلتين، وأما لو تلاقى راكبان أو ماشيان فقد تكلم فيها المازري فقال: يبدأ الأدنى منهما على الأعلى قدرًا في الدين؛ إجلالاً لفضله؛ لأن فضيلة الدين مرغَّب فيها في الشرع.."
وينظر فيه أيضًا مسألة الصغير والكبير والكِبَر الحسي والمعنوي.
أحسن الله إليك.
"لأن فضيلة الدين مرغب فيها في الشرع، وعلى هذا لو التقى راكبان ومركوب أحدهما أعلى في الجنس من مركوب الآخر كالجمل والفرس فيبدأ راكب الفرس أو يكتفى بالنظر إلى أعلاهما قدرًا في الدين، فيبدأ الذي هو فوقه، والثاني أظهر كما لا يُنظَر إلى من يكون.."
يبدأ الذي أدنى، الذي هو أدنى الذي هو فوقه يبدأ الأدنى، فيسلِّم على الذي هو فوقه من غير نظر إلى المركوب، هذا حقيقة المركوب لا أثر له، لا أثر له، ولو قلنا بعد في السيارات، هذا راكب سيارة بعشرة آلاف، وهذا راكب بمائة ألف، وهذا راكب بكذا نقول.. ما يمشي، ما يمشي هذا، هذا لا نظرله، لا حظ له من النظر، يعني مثل ما قالوا في الأولى بالإمامة، في بعض كتب الفروع عند ابن عابدين وغيره حتى إنهم دخلوا، جعلوا الأولى بالإمامة إلى أن وصلوا الأجمل زوجة قالوا: لأن هذا أقرب إلى غض البصر، كلام لا قيمة له، إلى أن نزلوا إلى شيء لا يمكن ذكره.
هات نعم.
أحسن الله إليك.
"والثاني أظهر كما لا يُنظَر إلى من يكون أعلاهما قدرًا من وجهة الدنيا إلا أن يكون سلطانًا يخشى منه، وإذا تساوى المتلاقيان من كل جهة فكل منهما مأمور بالابتداء، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام، كما ثبت في حديث المتهاجرَين، وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح من حديث جابر: الماشيان إذا اجتمعا فأيهما بدأ بالسلام فهو أفضل، وأخرج الطبراني بسند صحيح عن الأغر المزني أنه قال: قال لي أبو بكر: لا يسبقك أحد بالسلام، وأخرج الترمذي من حديث أبي أمامة مرفوعًا: «إن أولى الناس بالله من بدأ بالسلام»، وقال: حسن، وأخرج الطبراني في حديث قلنا: يا رسول الله، إنا نلتقي، فأينا يبدأ بالسلام؟ قال: «أطوعكم لله تعالى».
وعن علي- رضي الله عنه، وكرم الله وجهه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.."
يعني بعض الناس جُبِل على شيء من الغرور والغطرسة وكبير قوم في محله في بيت من الشعر، ويتوافد عليه القبيلة سلام يا فلان، سلام يا فلان، ولا يرد، سكت حتى تكامل المجلس كله بمائة شخص أو أكثر قال: قل لهم يا فلان: هلا، أي حرمان مثل هذا؟ يعني لو قال: وعليكم السلام بعددهم كم يكسب من الأجر؟ كم يكسب من الأجر؟
طالب: ...........
أجور، والرد واجب، يعني يأثم هو، كم عليه من الإثم في تركه الرد عليهم، وفي النهاية ما رد الجواب هو، ولا رده بمثله، ولا أفضل منه، قال: قل لهم يا فلان: هلا، سبحان الله! يعني الغرور يصل بالإنسان الذي لو تأمل في حقيقة أمره ما بدايته؟ وما مقتضى طول حياته ونهايته؟ لو نظر في مبدئه ومنشئه ونهايته عرف حقيقة الأمر، والله المستعان.
أحسن الله إليك.
"وعن علي -رضي الله عنه، وكرم الله وجهه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يجزئ عن الجماعة إذا مروا أن يسلِّم أحدهم ويجزئ عن الجماعة أن يرد أحدهم». رواه أحمد والبيهقي، فيه أنه يجزئ تسليم الواحد عن الجماعة ابتداءً وردًّا."
لأنه كفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، ويكون في حق الباقين سنة.
أحسن الله إليك.
"قال النووي: يستثنى من العموم بابتداء السلام من كان يأكل أو يشرب، أو يجامع، أو كان في الخلاء، أو في الحمام، أو نائمًا أو ناعسًا، أو مصليًا، أو مؤذنًا.."
المصلي يسلم عليه كما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويجيب بالإشارة، لا يجيب بكلام.
أحسن الله إليك.
"أو مؤذنًا مادام متلبسًا بشيء مما ذكر، إلا أن السلام على من كان في الحمام إنما كُرِه إذا لم يكن عليه إزار وإلا فلا كراهة."
والحمام المراد به المغتسل، لا يراد به مكان قضاء الحاجة.
طالب: أحسن الله إليك، بالنسبة للأكل والشرب فيه محظور أن يسلم...
ما فيه محظور إلا أنه إذا كان محتاجًا للأكل والشرب، والسلام يعوقه عن شيء من ذلك، هذا ملحَظ عند بعضهم، وإلا فرد السلام ما يكلف شيئًا.
أحسن الله إليك.
"وأما السلام حال الخطبة في الجمعة، فيكره؛ للأمر بالإنصات، فلو سلم لم يجب عليه الرد، لم يجب الرد عليه عند من قال: الإنصات واجب، ويجب عند من قال بأنه سنة، وعلى الوجهين لا ينبغي أن يرد أكثر من واحد، وأما المشتغل بقراءة القرآن فقال الواحدي: الأولى ترك السلام عليه، فإن سلم عليه أحد كفاه الرد بالإشارة، وإن رد لفظًا استأنف الاستعاذة وقرأ قال النووي.."
لا، هذا الفاصل يسير لا يلزم منه استئناف أبدًا، فاصل يسير لا يلزم منه الاستئناف، لكن بعض الناس إذا سُلِّم عليه أو حصل أدنى خلل لا يدري علامَ وقف، والله هذا الحاصل نحن نجلس بهذا المكان ونقرأ وننظر بعد لو غيب تقول: إن معنا عذر إذا تحرك الباب أو شيء ما ندري أنا بالصفحة اليمنى أم اليسرى، فبعض الناس يرتج عليه إذا سُلِّم عليه أو كُلِّم أو سمع صوتًا أو شيئًا من هذا، ونعاني كثيرًا من الذين يرفعون أصواتهم في الصلاة، والناس يتفاوتون في هذا، بعض الناس ما يؤثر عليه شيء.
طالب: ...........
أين؟
طالب: المؤذن.
لو أجاب بصوت منخفض أو سرًّا أو ترك الإجابة إذا انتهى.
طالب: ما يشير.
ما فيه داعٍ للإشارة؛ لأنه ليس ممنوعًا من الكلام اليسير.
أحسن الله إليك.
"قال النووي: فيه نظر، والظاهر أنه يُشرَع السلام، ويجب عليه الرد، ويُندَب على من دخل بيتًا وإن لم يكن فيه أحد كقوله تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ} [سورة النــور:61] الآية، وأخرج البخاري في الأدب المفرد وابن أبي شيبة بإسناد حسن عن ابن عمر- رضي الله عنه- أنه قال: يستحب إذا لم يكن في البيت أحد أن يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
وأخرج الطبراني عن ابن عباس نحوه، فإن ظن المار أنه إذا سلَّم على القاعد لا يرد عليه فإنه يترك ظنه، ويسلِّم، فلعل ظنه يخطئ وإن لم يرد عليه سلامه ردت عليه الملائكة كما ورد ذلك، وأما من قال: لا يسلِّم على من ظن أنه لا يرد عليه؛ لأنه يكون سببًا لتأثيم الآخر فهو كلام غير صحيح."
يسأل بعضهم من الشباب من طلبة العلم يقول: إذا عطست وحمدت الله والدي لا يشمتني، فهل أترك الحمد؛ لئلا أؤثمه، أو أحمد الله، أفعل الذي علَي، والذي لي أسأل الله- جل وعلا- أن يعفو عنه؛ لأن بعض الآباء يهجر الابن بهذه الطريقة، حتى ما يرد عليه السلام، كما فعل النبي- عليه الصلاة والسلام- مع الثلاثة الذين خلفوا، وله أصل شرعي بالنسبة للوالد والولد، لكن يبقى أن الإنسان يفعل ويبذل ما عليه، ما يقول: والله، ما أحمد الله حتى ما أؤثم أبي، أو ما أسلم عليه حتى ما يأثم أبي، اسأل الله -جل وعلا- أن يعفو عنه، وتناقشه بالتي هي أحسن.
طالب: ...........
والله المقتضى حديث الثلاثة إذا كان الهجر للدين، إذا كان الهجر للدين فلا بأس.
أحسن الله إليك.
"لأن المأمورات الشرعية لا تترك لمثل هذا ذكر معناه النووي، وقال ابن دقيق: العيد لا ينبغي أن يسلِّم عليه؛ لأن توريط المسلم في المعصية أشد من مصلحة السلام عليه وامتثال حديث الأمر.."
لا، قد يحمل عليك في نفسه شيئًا ما ينحل بشيء سهل، أنت محسن عليه، ويقول: ما سلم علي الفاعل التارك، ثم يزداد الهجر هجرًا.
أحسن الله إليك.
"وامتثال حديث الأمر بالإفشاء يحصل مع غير هذا، فإن قيل: هل يحسن أن يقول: رد السلام فإنه واجب؟
قيل: نعم، فإنه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيجب، فإن لم يجب حسن أن يحلله من حق الرد."
والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.