بلوغ المرام - كتاب البيوع (22)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله تعالى- في كتابه بلوغ المرام:
باب: اللقطة
عن إنس -رضي الله عنه- قال: مرَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بتمرة في الطريق فقال: ((لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها)) متفق عليه.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: اللُّقَطة
بضم اللام وفتح القاف، كهمزة ولمزة، والمراد بها ما يلتقط، وهي بهذا الضابط قيل: لا يجوز غيره، والأصل في ذلك إسكان القاف لقْطة، وأما لقَطة كهمزة ولمزة فالأصل في هذه الصيغة أنها للاقط كهمزة ولمزة للهامز واللامز اللقطة اللاقط هذا الأصل، والذي يكثر من الالتقاط كهمزة ولمزة الذي يكثر من الهمز واللمز، وأيضاً الرُحَلَة إذا قيل: فلان رُحَلَة أن يكثر الرِحْلَة، وإذا قيل: رُحْلَة يُرحل إليه ممن يستحق أن يرحل إليه، وعلى كل حال الفقهاء في الاستعمال الاصطلاحي لم يستعملوها إلا بفتح القاف لُقَطَة، قالوا: لا يجوز غيره، والمراد بها ما يلتقط ويوجد، ولا يعرف صاحبه، واللقطة تختلف عما يذكر في كتب الفقه أيضاً والحديث اللقيط، وهو المنبوذ، الولد الذي ينتج من الفاحشة من الزنا نسأل الله السلامة والعافية، فتتخلص منه أمه بنبذه، فيكون لقيطاً.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-.
"عن أنس -رضي الله عنه- قال: مرَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بتمرة في الطريق فقال: ((لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها)) متفق عليه"
تمرة وجدت في الطريق فتركها النبي -صلى الله عليه وسلم- لماذا؟ لأن الصدقة لا تحل له، ولا لآله -عليه الصلاة والسلام- فتركها ورعاً من هذه الحيثية خشية أن تكون من الصدقة، أما لو كانت من الصدقة على وجه التحقيق لا يجوز له أكلها؛ لأن الصدقة حرام عليه وعلى آله، لكنه خشي وخاف أن تكون من الصدقة فتركها فدل على أنه لو جزم أنها ليست من الصدقة يأكل وإلا ما يأكل؟ يأكل ليش لا؟ لأنه تركها خاف أن تكون من الصدقة، مفهومه أنه لو جزم أنها ليست من الصدقة لأكلها، ولهذا أدخل المؤلف هذا الحديث في هذا الباب، يستدل به على أن الشيء اليسير التافه الذي لا تلتفت إليه همة أوساط الناس لا بأس بالتقاطه، ولا بأس بأكله، ولا بأس بتملكه، هذا إذا كان مما لا تلتفت إليه همة أوساط الناس، منطوق الحديث أنه تركها خشية أن تكون من الصدقة فمفهومه أنه لو جزم بأنها ليست من الصدقة فإنه حينئذٍ يلتقطها ويأكلها، لا سيما أنه في تركها في الطريق امتهان لها، ولا يمنع أن يكون الرسول -صلى الله عليه وسلم- أخذها وجعلها في مكان بحيث لا تتعرض للإهانة بالدوس ونحوه، لا يمنع، إلا أنه الصريح في الحديث أنه لم يأكلها؛ لأنه قال: ((لولا)) ولولا حرف امتناع لوجود، امتنع من أكلها لوجود الخشية أن تكون من الصدقة، وهذا لا يمنع أن يكون التقطها وأعطاها مسكيناً ممن تحل له الصدقة، أو أزاحها عن طريق الناس بحيث لا تمتهن ولا تداس، نعم .
وعن زيد ابن خالد الجهني -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فسأله عن اللقطة فقال: ((اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها)) قال: فضالة الغنم؟ قال: ((هي لك أو لأخيك أو للذئب)) قال: فضالة الإبل؟ ((مالك ولها معها سقاؤها وحذاؤها، ترد الماء، وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها)) متفق عليه.
"وعن زيد ابن خالد الجهني -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فسأله عن اللقطة" يعني مما يمكن التقاطه مما يوجد في مكان لا يعرف صاحبه فيه، لكن لو وجدت كتاباً عليه اسم صاحبه، نسخة فلان ابن فلان ابن فلان، هذه لقطة وإلا ليست لقطة؟ ما دام صاحبه معروف هذه ليست لقطة، بل يجب أن يؤدى إلى صاحبه، أن يسلم إلى صاحبه، فلا يدخل هذا في أحكام اللقطة.
"فقال: ((اعرف عفاصها))" قبل أن تتصرف فيها أدنى تصرف ((اعرف عفاصها)) وهو الوعاء الذي وضعت فيه، الكيس الذي وضعت فيه، الظرف الذي يشتمل عليها ((ووكاءها)) الرباط الذي يربط به هذا العفاص الوكاء الحبل الذي يشد به فم هذا العفاص هذا الوعاء لا بد أن يعرف هذا؛ لكي يسدل بهذا على صدق مدعيها؛ لأنه لو لم يعرف هذا العفاص ولا الوكاء فإنه لا يمكن ردها إلى أحد يدعيها، كيف ترد؟ وإذا كان الوعاء لا يمكن الاستدلال به عليها بأن توحد الأوعية في بلد ما مثلاً، توزع البلدية أكياس تحفظ فيها الأمتعة الآن البلدية توزع أكياس للقمامة مثلاً موحد لكن لو قدر أنها وعاء موحد للأمتعة قالت: من اشترى شيئاً أو حمل شيئاً يحطه في هذا الوعاء فصار الناس يتداولونه بكثرة بحث..، نعم وهذا الوعاء فيه رباطه منه، العفاص والوكاء يغلب على الظن أنه في مثل هذا الموزع على جميع الناس، هذا ما يستدل به على هذه اللقطة، الإنسان بيقول في ما يغلب على الظن أنه في الوعاء الموحد، ويصف هذا الوعاء؛ لأنه يعرفه، فمثل هذا يطلب منه قدر زائد على ذلك، بوصف ما في جوفه بدقة، لو كان المستورد من الأبواك التي تحفظ فيها النقود من ماركة واحدة، شكل واحد، كله لونه واحد، وما عرف أنه دخل البلد إلا كذا، وأتى واحد عند باب المسجد وقال: من ضاع له كذا، أو من فقد شيئاً؟ قال: نعم أنا فقدت فلوس في البوك الذي لونه كذا، وحجمه كذا، وهو يعرف أنه ما ورد البلد إلا مثل هذا، هذا لا كفي في الاستدلال بها على صاحبها، بل لا بد أن يطلب منه ما هو أدق من ذلك، وإلا لو كانت الأوعية متفاوتة، وكل واحد يحمل متاعه في وعاء خاص به، فإذا عرفنا العفاص الذي هو الوعاء، إذا عرفه المدعي قال: لونه كذا، وحجمه كذا، ووكاؤه حبل من بلاستيك لونه كذا، أو من صوف وما أشبه ذلك، فإنه يستدل بذلك على صدقه، وتدفع إليه، مع أنه يسأل عما في جوفه، هل هو مال؟ أو متاع أو ما أشبه ذلك؟ فإذا أجاب تدفع إليه، وهل يحتاج مع ذلك إلى إقامة بينة بأن يحظر بينة أن هذا له هذا قد ضاع منه؟ الحديث يدل على أنه لا يحتاج إلى بينة، يعني إذا عرف العفاص والوكاء وعرف ما في داخل هذا الوعاء من نقود أو متاع لا يحتاج أن يقيم على ذلك بينة، وهذا هو القول الراجح الذي يدل عليه هذا الحديث، فليس فيه قدر زائد على ذلك، من أهل العلم من يرى أنه لا بد أن يقيم البينة على دعواه؛ لأنه مدعي، وحديث: ((البينة على المدعي)) يشمل اللقطة وغير اللقطة، لكن البينة أعم من أن تكون بالشاهد، بل البينة ما أبان الحق، والوصف الدقيق لا شك أنه يبين الحق، فمثل هذا لا يحتاج إلى بينة في القول الراجح، وهو الذي يدل عليه هذا الحديث.
((فإن جاء صاحبها)) بعد تعريفها سنة، يقول: ((ثم عرفها سنة)) سنة قمرية اثنا عشر شهراً، بالأشهر القمرية، يعرفها في مكان وجودها، وفي مجامع الناس ومحافلهم عند باب المسجد، وعند باب الجامع، وفي المناسبات، والأسبوع الأول من التقاطها يعرفها كل يوم، في الأسبوع الثاني يخل ببعض الأيام، في الأسبوع الثالث ثم بعد ذلك يعرفها كل جمعة بأن ينادي على باب الجامع: من فقد شيئاً فليأتني، وهكذا، فإن جاء صاحبها خلال العام الاثنا عشر شهراً ((وإلا فشأنك بها)) أي تصرف بها، ويقول: شأنك منصوب على الإغراء، وبعضهم يرفعه ويجعله مبتدأ، أو اسم كان المحذوفة وإلا فيكون شأنك بها، المقصود أن التقدير سهل، إذا جاز الأمران وإلا فالنصب على الإغراء.
"قال: فضالة الغنم؟" شأنك بها يعني كناية عن جواز تصرفه فيها ببيعها، بأكلها، باستعمالها "قال: فضالة الغنم؟" الضالة: هي اللقطة إلا أنها خاصة ببهيمة الأنعام، ضالة الغنم، الشاة، أو العنز، أو الكبش، أو التيس وما أشبه ذلك يضل عن صاحبه، يخرج من بيته، أو في القفار أو البراري يكون بعيداً عن صاحبه، وعن غنم صاحبه "قال: ((هي لك أو لأخيك أو للذئب))" يعني التقطها وكلها، هل يلزم أن يعرفها سنة؟ هي تحتاج إلى مؤنة ومؤنتها لمدة سنة أكثر من قيمتها، وأيضاً هي معرضة للتلف، فعلى هذا يلتقطها، فهي إما له أو لأخيه لصاحبها إن وجدها، أو لشخص ثالث يقف عليها فيلتقطها بدلاً منك، أو للذئب، و(أو) هنا للتقسيم (أو) هنا للتنويع، فدل على أن ضالة الغنم تلتقط، "قال: فضالة الإبل؟ قال: ((مالك ولها معها سقاؤها وحذاؤها))" ما ذكر ضالة البقر، نعم؟
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
لكن ما يمكن أن تضل البقرة؟
طالب:.......
لا هو في الغالب ما يضل من بهيمة الأنعام ما يكون في البراري، والعادة ما جرت برعي البقر في البراري، إنما الذي يرعى في البراري هو الغنم والإبل فقط، وهي التي تضل عن صاحبها، أما بالنسبة للبقرة فهي توصد عليها الأبواب، إما في البيوت، أو في المزارع، أو ما أشبه ذلك، فيندر أن تضل البقرة، ولذا الحكم للغالب، وإلا فلو ضلت مثلاً فلها حكمها الشرعي "قال: فضالة الإبل؟" ما حكمها؟ "قال: ((مالك ولها، معها سقاؤها))" أي جوفها الكبير الذي هو بمنزلة السقاء بحيث إذا امتلأ من الماء لا خوف عليها من العطش، يعني لا يخشى عليها أن تموت من العطش ((وحذاؤها)) يعني خفها الذي يحتمل المشي الطويل في الحر والبرد، في السهول في الوعر، المقصود أن معها حذاء يقيها من الانقطاع، ويعينها على متابعة المشي حتى يجدها صاحبها ((ترد الماء، وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها)) فلا خوف عليها، ولا خطر عليها كما هو شأن الغنم، وحينئذٍ لا يجوز التقاط الإبل، وأما الغنم فكما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((هي لك أو لأخيك أو للذئب)) هل الأفضل للإنسان أن إذا وجد لقطة أن يلتقط أو يترك؟ إنسان وهو في طريقه إلى المسجد وجد بوك مملوء بالدراهم هل الأفضل أن يترك أو يلتقط ويعرف؟ المسألة تحتاج إلى شيء من التفصيل، فإن كان هذا الإنسان لديه القدرة على التعريف لمدة سنة، وأيضاً يأمن من نفسه أن تطمع فيها؛ لأن الإنسان مع طول الوقت يعني قد يرفضها في أول يوم ثاني يوم ثالث يوم تنازعه نفسه، ويعينها شيطانه، ثم بعد ذلك يقول: خلاص لو كان لها كان حاء ما جاي أحد، ثم يستعملها قبل أن يتم الحول، فمثل هذا الذي تنازعه نفسه ولا يأمن من نفسه مثل هذا اتركها في مكانها، أو ليست لديه قدرة على التعريف لمدة سنة، أما إذا كانت لديه القدرة على التعريف، ويأمن من نفسه أنها لا تنازعه في تملكها قبل الحول فإن هذا الأفضل له أن يلتقطها.
وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من آوى ضالة فهو ضال ما لم يعرفها)) رواه مسلم.
يقول المؤلف -رحمه الله-:
"وعنه" أي عن زيد بن خالد "-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من آوى ضالة فهو ضال ما لم يعرفها))" هذا فيه أن عدم الالتقاط أولى؛ لأنه وصف بالضلال نسأل الله السلامة والعافية؛ لكنه محمول على من لا يستطيع التعريف، والصبر عليها لمدة سنة، أو من تنازعه نفسه في تملكها قبل تمام الحول، أما من التقطها بنية التعريف لمدة حول مع كونه يأمن من نفسه أن تطمع فيها فمثل هذا التقاطه لها أفضل؛ لأنه يحفظها، واحتمال أن يأتي من يلتقطها ممن لا يؤمن عليها.
((من آوى ضالة فهو ضال ما لم يعرفها)) دل على أنه إذا عرفها وقام بما كلف به من هذا التعريف فإنه ليس بضال، بل هو محسن، معرفة اللقطة معرفة تامة اعرف عفاصها ووكاءها عرفنا أنه ليتم امتحان من يدعيها بذلك، وأيضاً ليعرفها من بين ماله، قد يكون عنده أموال في أكياس فإذا عرف هذا الكيس، وهذا الوعاء، وعرف هذا الوكاء تميزت عن أمواله، فعلى هذا إذا عرفها بعد أن عرَفَها حولاً كاملاً ساغ له أن يستعملها، إذا عرفها سنة ثم بعد ذلك لم تعرف فإنه حينئذٍ يستنفقها ويستعملها، وحينئذٍ تكون عنده في حكم المضمون بأنه لو أنفقها بعد سنة ثم جاءه بعد سنتين صاحبها فإنه يضمنها له ((فإذا جاء طالبها يوم من الدهر فأدها إليه)) كما جاء في بعض الروايات.
وعن عياض بن حمار -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من وجد لقطة فليشهد ذوي عدل؛ وليحفظ عفاصها ووكاءها ثم لا يكتم ولا يغيب، فإن جاء ربها فهو أحق بها وإلا فهو مال الله يؤتيه من يشاء)) رواه أحمد والأربعة إلا الترمذي، وصححه ابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"عن عياض بن حمار" بلفظ الحيوان المعروف "-رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من وجد لقطة فليشهد ذوي عدل))" لماذا؟ لئلا ينسى أنها لقطة؛ لأن المسألة تحتاج إلى حول إلى سنة كاملة فقد ينساها، فهذا الشاهد أو هذان الشاهدان يذكرانه إذا نسي، ويشهدان عليه إذا جاء من يدعيها؛ لأن الإنسان قد يلتقط شيئاً يجد ساعة من الماركات الغالية، أو قلم من الأقلام الغالية، ثم يضعها مع متاعه يعرف أنها لقطة لمدة معينة، ثم بعد ذلك ينساها، فكونه يشهد عليها هذا لا شك أنه من باب الاحتياط لبراءة الذمة، يشهد عليها، ويسجل عنده في مذكرته أنه في يوم كذا في مكان كذا وجد كذا في وعاء كذا ووكائه كذا، يكتب بالتفصيل ما يتعلق بها، وهكذا ينبغي أن يكون المسلم كيساً غير مفرط حازم، لا يفرط في أموره التي هي عرضة للنسيان؛ لأن الضبط ممكن، وغداً الحساب، وبعض الناس يتزوج، وبعد مضي مدة قصيرة يحصل منه طلقة، وبناءً على أنه لن ينسى هذه الطلقة لا يقيدها، ما يكتب أنه طلق زوجته في يوم كذا ثم راجعها، لا يكتب يراجعها ويستمر معها وبعد عشر سنين تحصل منه طلقة ثانية مثلاً، وقد نسي الأولى لأنه لم يقيدها، ثم بعد عشرين سنة تحصل طلقة ثالثة، وقد نسي إحدى هذه الطلقات، ثم بعد ذلك يعاشرها على غير الوجه الشرعي، فمثل هذه الأمور يحتاط لها الإنسان، فإذا حصل لديه شيء من ذلك لا سيما من يسهل عليه الطلاق، بعض الناس سهل عليه أنه يتلفظ به لأدنى سبب، فمثل هذا لا بد أن يقيد، وبعض الناس لا بد أن يتحرى ويتشدد في مثل هذه الأمور فتنحفر في قلبه، فمثل هذا يذكرها طول عمره، لو حصلت منه مرة يذكرها لن ينساها، أما بعض الناس عادي عنده أنه في بكل مناسبة، وفي كل تصرف يرمي هذا الطلاق مرسلاً أو مقيداً، المقصود أن في مثل هذا الذي له أثر في حياته سواء كان في ما يتعلق بزوجته كالطلاق لا بد من تقييده، وكذلك هذه اللقطة لا بد من تقييدها لئلا ينساها وحينئذٍ يتصرف بها قبل الإذن بالتصرف.
((فليشهد ذوي عدل)) لأنهما يعينانه عليها إذا نسي ويذكرانه ((وليحفظ عفاصها)) الذي هو الوعاء، والظرف الذي توضع فيه ((ووكاءها)) والوكاء وهو الرباط الذي يربط به الوعاء ((ثم لا يكتم ولا يغيب)) لا يكتم هذه اللقطة، بل عليه أن يعرفها ويشهر أمرها؛ لكنه مع ذلك لا يبين من حالها ما يبين لبعض من يدعيها وهي ليست له؛ لأن بعض الناس قد يستجر ويستدرج، فإذا قال عند باب المسجد: من فقد مالاً فليأتني، ثم جاءه شخص من أهل الحيل وأهل الاستدراج، وأخذ المعلومات من حيث لا يشعر الإنسان، بعض الناس يستدرج حتى يأخذ جميع ما عندك من معلومات، وأنت ما تشعر، يصير لديه معرفة وخبرة بهذا الأمر، ثم أنت تقر له بأمور يستدل بها على بعض أوصاف هذه اللقطة، ثم يصفها لك وقد استنبط هذه الأوصاف من تصرفاتك، مثل هذا لا يجوز أن تبوح له بما يستدل بها عليها، وأنت أيضاً لا يجوز لك أن تكتم، يقول لك: الوكاء كذا الوعاء كذا، وأنت تقول: لا هذا ما هو صحيح لتفوت الفرصة عليه حتى تتم السنة ثم تضيع عليك الاستفادة منها ((ولا يغيب)) يعني يترك التعريف بها حتى يغلب على ظنه أن صاحبها أيس منها فلا يبحث عنها ((فإن جاء ربها)) يعني صاحبها، والرب يطلق مع الإضافة على غير الله -جل وعلا-، أما من غير إضافة فلا يطلق إلا على الله -جل وعلا-، الرب هو الله -جل وعلا-، وأما رب الدابة، ورب الدار، ورب ما أضيف إليه فإنه يجوز ذلك، ورب الأسرة، لكن ما يقال له: الرب، ((فإن جاء ربها فهو أحق بها)) من غيره يعني خلال السنة، وإن لم يأت إلا بعد مضي السنة أو لم يأت أصلاً ((فهو مال الله يؤتيه من يشاء)) يعني لك أن تستعمله، يعني لك أن تستعمل هذه اللقطة، وتستفيد منها بنية ضمانها، إذا جاء صاحبها يوم من الدهر.
"يقول: رواه أحمد والأربعة إلا الترمذي، وصححه ابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان" هذا الحديث لا سيما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((مال الله يؤتيه من يشاء)) يستدل به من يقول: إن اللقطة تملك ولا تضمن بعد الحول، وهذا القول معروف عند الظاهرية، وأما الجمهور فعلى الضمان، نعم.
وعن عبد الرحمن بن عثمان التيمي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن لقطة الحاج. رواه مسلم.
يقول المؤلف -رحمه الله-:
"وعن عبد الرحمن بن عثمان التيمي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن لقطة الحاج. رواه مسلم".
سبق في خصائص مكة أن لقطتها لا تحل إلا لمنشد، إلا لمن يعرفها فقط، لا على نية أنه بعد تعريفها مدة سنة يستنفقها، ويستفيد منها؛ لأن لقطة الحرم -وهذا من خصائص مكة- لا تحل لآخذيها مطلقاً، وهنا في هذا الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن لقطة الحاج الحاج إذا ضاع منه شيء في مكة، أو في حدود الحرم دخل في الحديث الأول، يعني بين هذا الحديث والحديث السابق عموم وخصوص من وجه، فهذا أعم، لقطة الحاج أعم من لقطة مكة؛ لأن لقطة الحاج قد تكون بمكة وقد تكون خارج مكة، قبل أن يصل إلى مكة، أو بعد أن يرجع من مكة، فلا تلتقط، ما يلتقط ما سقط وضاع وضل من الحاج، لا في ذهابه ولا في إيابه، ما دام يطلق عليه حاج، في هذه الرحلة المباركة، هو حاج فلا تحل لقطته، فقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن لقطة الحاج ولو كانت خارج الحرم، فالحاج خاص لمن تلبس بالحج، أو أراده، لكنه عام في المكان، خرج من بغداد يريد الحج، وفي طريقه فقد شيئاً هذا يسمى لقطة هذه اللقطة لا تحل لملتقطها البتة، بل نهي عن التقاطها، وإذا وصل إلى مكة حاجاً صارت اللقطة أشد النهي عن التقاطها إلا لمنشد أشد، لا بنية التمليك بعد سنة؛ لأنه اجتمع فيها الأمران، كونها لقطة مكة، وكونها لقطة حاج، اللقطة في مكة تشمل لقطة الحاج وغير الحاج، لكن خاصة في هذا المكان، فبين الحديثين عموم وخصوص وجهي، فهذا أعم من وجه، وأخص من وجه، وذاك كذلك أعم من وجه، وأخص من وجه، فالحاج الذي يريد أن يؤدي هذه الفريضة التي هي ركن من أركان الإسلام، وتكلف وتجشم، وقد يكون قد اقترض للحج، ونفقة الحج، فمثل هذا لا يفوت عليه ماله كغيره ممن هو في السعة، ومنهم من حمل هذا الحديث على الحديث السابق، فالمراد بلقطة الحاج إذا كانت بمكة، فيكون مفاد الحديثين واحداً، نعم.
وعن المقدام بن معدي كرب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ألا لا يحل ذو ناب من السباع, ولا الحمار الأهلي, ولا اللقطة من مال معاهد إلا أن يستغني عنها)) رواه أبو داود.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن المقدام بن معدي كرب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ألا لا يحل))" فإذا نفي الحل (ألا) حرف تنبيه و(لا) نافية، ويحل يباح، فإذا نفي الحل والإباحة ثبت الضد وهو الحرمة، يعني يحرم ذو ناب من السباع والحمار الأهلي، سيأتي في الأطعمة تحريم ما له ناب من السباع، أو مخلب من الطير، وتحريم الحمار الأهلي سيأتي هذا كله في كتاب الأطعمة ((فلا يحل)) أي يحرم كل ذي ناب من السباع، والحمار الأهلي، وقد كان مباحاً ثم حرم في خيبر ((ولا اللقطة من مال معاهد)) المعاهد الذي أعطي العهد والميثاق، وأقر في بلاد المسلمين، فإن هذا لا يحل ماله؛ لأنه معصوم الدم والمال، وقد ضمن له العيش والقرار في بلاد المسلمين على ما يشترط عليه من مال أو غيره ((ولا اللقطة من مال معاهد)) فمال المعاهد مثل مال المسلم له حرمته، ولا يجوز الاعتداء عليه ((إلا أن يستغني عنها)) ما الذي يدري الملتقط أنها لقطة معاهد؟ القرائن التي تدل على ذلك، ومن ذلك كون الحي الذي وجد فيها هذه اللقطة لا يدخلها إلا هذا النوع من الناس، يعني خاص بهذه الفئة من غير المسلمين، مثل هذا يستدل به على أنها لقطة معاهد، أو وجد من العلامات التي تدل على أنها ليست لمسلم ((إلا أن يستغني عنها)) فدلت القرائن على أنه ليس بحاجة عنها؛ لكونها شيئاً لا يلتفت إليه فإنه حينئذٍ يلتقطها واجدها، أحياناً يستغنى عن بعض المتاع فيترك، أنت تريد أن تنتقل من بيت إلى بيت، أو من بلد إلى بلد، أو كنت مسافر، ثم بعد ذلك السيارة ما تحتمل جميع العفش، ثم بعد ذلك فاضلت وتركت بعض العفش؛ لأن السيارة ما تحتمل، وليس في نيتك أن تعود إليه، هذا استغنيت عنه، لكن كيف يستدل الواجد له أنك استغنيت عنه، يعني تركت على الرصيف عندك متاع كثير، وتركت ربع هذا المتاع على الرصيف؛ لأن السيارة لا تستطيع حمله، ولو استأجرت سيارة أخرى تحمل معك لاحتاج من الأجرة أكثر من قيمته، ومثل هذا تلتفت إليه همة أوساط الناس، يعني يستحق قيمة معتبرة، لكن المسألة موازنة بين أرباح وخسائر، الآن لو عندك اشتريت ثلاجة جديدة، وعندك ثلاجة قديمة، استغنيت عن هذه الثلاجة، وهي شغالة تشتغل، لكن أنت اشتريت ثلاجة أنظف وأجد وأوسع، ثم هذه الثلاجة لما جئت بالسيارة لتحملها إلى أماكن البيع وجدت الأجرة أكثر مما تستحقه من قيمة، أحياناً تأتي بسيارة لتحمل هذه الثلاجة يقول لك: أوديها الحراج بمائة، ثم تطلع بها إلى الحراج ما تجيب لك مائة، فتقول: بدل أن نتْعَب ونُتعِب خلها عند الباب، والذي يمر بالباب ما يدري هل أنت استغنيت أو ما استغنيت؟ هذا إذا كان الإنسان ما وفق لتصرفاته وإلا لو دفعها إلى من يستفيد منها من الجيران، أو من الأقارب، أو من الجمعيات الخيرية لما ضاعت عليه، لكن هو يقول: أنا إن ذهبت بها إلى الحراج لاحتاجت السيارة التي تحملها أكثر من قيمتها، وهذا حاصل، أحياناً يحمل المتاع بأكثر من قيمته، فبعض الناس من أول الأمر ينتبه لهذا، ويجعلها على الرصيف ما يحتاج يوديها ولا يجيبها، يقول: بدل ما نخسر خلها مكانها، هذه استغنى عنها صاحبها، لكن ما الدليل على أنه تركها؟ يحصل مثل هذا كثير، يوجد عند الأبواب من الأثاث والمتاع أحياناً إنسان يجدد أثاثه ثم يرمي الباقي في الشارع، فأنت ما تدري هل رماه مستغنياً عنه، أو رماه ريثما يأتي بسيارة تحمله إلى مكان آخر؟ وإذا نظرت وجدت فيه أشياء يغلب على الظن أنها تأتي بقيمة، فهل مثل هذا يلتقط وإلا ما يلتقط؟ يعني ما يوجد إنسان يغير المتاع وهو نضيف؟ بعض البيوت بيوت الأثرياء سنوياً يغير الأثاث في كل سنة، فيرمى الأول ولو كان جديداً، فأنت إذا مررت وأنت في طريقك على الرصيف دالوب يصلح للكتب من أحسن ما يكون، هل أنت تلبق السيارة وتشيله من غير إذن صاحبه التي ظهر أنه يغلب على الظن أنه استغنى عنه أو تنتظر وتقرع الباب وتقول: هل لكم نظر في هذا الدالوب أو لا؟ هاه؟
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
أفترض أنك قرعت الباب ما وجدت أحد، مسافرين ما هم موجودين، وهذا الدالوب إذا ما أخذته أنت أخذه غيرك.
طالب:.......
ما تدري أنت، أنت مار في الشارع وجدت ه الدالوب النظيف، اللي لو تبي تشتريه من السوق أخذ عليك مبلغ.
طالب:.......
طيب يجي واحد يأخذه ثاني.
طالب:.......
هو لك أو لأخيك أو للبلدية.
طالب:.......
الذي دعانا في مثل هذا الكلام في قوله في الحديث: ((ولا اللقطة من مال معاهد إلا أن يستغني عنها)) يعني هل يقال: يستغني عنها بصريح قوله، هذا ما نحتاج إلى هذه الجملة في الحديث، هل نسدل على استغنائه عنها بالقرائن، وما جرت عادته أن في مثل هذه الأمور يرميها دون تردد، ولا شك أن القرائن القوية تفيد في مثل هذا الباب، فإذا عرف من حال هذا الشخص أنه يغير باستمرار، ويرمي بعض الأمتعة وإن كانت نظيفة فمثل هذا إذا دلت القرائن على مثل هذا التصرف عمل به، وهنا دليل على أن الشرع يحترم أموال المعاهدين، كما يحترم أموال المسلمين، فإنه لا يجوز الاعتداء عليها ما دام أعطوا العهد والميثاق، ودفعوا الجزية، فمثل هذا لا يجوز الاعتداء على أنفسهم، ولا على أموالهم؛ لأن إقامتهم شرعية، نعم.
باب: الفرائض
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر)) متفق عليه.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الفرائض
والفرائض: جمع فريضة كقبائل جمع قبيلة، والمراد بها اسم المفعول المفروضة، مأخوذ من الفرض، وهو التقدير والقطع، فالفرائض مقدرة في كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهي أيضاً مقتطعة لكل وارث جزء من المال، من مال المورِث، والفرائض إذا كان المراد به ما افترضه الله -جل وعلا- في أموال الأموات لورثتهم فهو شامل للفرض والتعصيب؛ لأن العلم كله أو الباب كله في الفرائض، والفرائض الوارثون ينقسمون إلى أصحاب الفروض وإلى عصبات، وإلى ذوي أرحام، عند من يقول بتوريثهم، على ما سيأتي، فهل الفرائض المراد به هنا ما يقابل العصبة؟ الفرائض من الفرض، وهو ما يقابل التعصيب أو الفرائض أعم من الفرض الاصطلاحي بحيث تشمل التعصيب؟ لا سيما وأن أول حديث في الباب في حق العصبة، ((فما بقي فهو لأولى رجل ذكر)) نعم ((ألحقوا الفرائض بأهلها)) هؤلاء أصحاب الفروض المقدرة والفروض ستة: النصف ونصفه ونصف نصفه، والثلثان ونصفهما ونصف نصفهما، النصف، الربع، الثمن، الثلثان، الثلث، السدس، هذه الفرائض المقدرة ((ألحقوا الفرائض المقدرة بأهلها)) أي أعطوها أهلها ((فما بقي فهو لأولى رجل ذكر)) وهذا هو التعصيب، الإرث بالتعصيب بعد ما تبقيه الفرائض، فالحديث شامل للأمرين فدل على أن الترجمة شاملة للأمرين؛ لدخول الشقين تحتها.
"عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ألحقوا الفرائض بأهلها))" والمراد بالفرائض الست المنصوص عليها، والمراد من أهلها من يستحقها بنص كتاب الله تعالى، فالفرائض تلحق بأهلها، فالنص يلحق بأهله الزوج والبنت وبنت الابن والأخت الشقيقة والأخت لأب، هؤلاء هم أصحاب..
والنصف فرض، هاه؟
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
الرحبية، نسيتوها؟
نعم الفرائض سهل النسيان.
والنصف فرض خمسة أفرادِ |
|
الزوج والأنثى من الأولادِ |
والأنثى من الأولاد هي البنت، فالمقصود أنه فرض خمسة من الورثة: الزوج إذا لم يكن للزوجة ولد، فإنه يستحق النصف، والبنت بشروطها، وبنت الابن بشروطها، والأخت.. إلى آخره، والتفصيل معروف في كتب الفرائض.
والربع: هو فرض الزوج إذا كان للزوجة ولد، أو للزوجات إن لم يكن للزوج ولد، وكذلك بقية أصحاب النصف، والربع لمن ذكرنا، والثمن للزوجة أو الزوجات إذا كان للزوج ولد، هذه الفرائض المقدرة، بعد ذلك الثلثان والثلث، الثلثان معروف أنه للبنتين، بنتي الابن، والأختين الشقيقتين، والأختين لأب، والثلث لمن؟ للأم فقط؟ وللجمع من الأخوة لأم، والسدس فرض سبعة من الوارثين، والمقصود أن مثل هذا التفصيل يرجع فيه إلى كتب الفرائض، إذا بقي شيء من المال بعد استيفاء أصحاب الفروض فإنه للعصبة، لأولى رجل ذكر، لكنه يشمل الذكر المفرد، والجمع من الذكور، ويشمل أيضاً من يعصبه هذا الذكر، لو افترضنا أنه مات أو هلك هالك عن زوجة وأخ وأخت، فالزوجة لها الربع، والباقي للأخ والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين، فهو عصبها، ما فائدة قوله: ذكر بعد قوله: رجل؟ هل يمكن أن يولد رجل أنثى لنحتاج أن يقال: ذكر؟ ((فهو لأولى رجل ذكر)) ما الذي يدل اللفظ الأول؟ وما الذي يدل عليه اللفظ الثاني؟ هل هما متطابقان؟ في الفرائض قال: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [(11) سورة النساء] وفي القوامة قال: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} [(34) سورة النساء] يعني في الإرث لا يلحظ أي ملحظ عن الذكورة {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [(11) سورة النساء] يعني سواء كان شريفاً أو وضيعاً، ذكياً أو غبياً، حازماً أو هازلاً، المقصود أنه ذكر محكوم أنه من جنس الذكور، وأما رجل ففيه أوصاف زائدة على مجرد الذكورة، ومنهم من يقول: إنه من باب الوصف الكاشف الذي لا مفهوم له، وعلى كل حال هذا الحكم الشرعي، فالذي يبقى بعد الفرائض يعطى إلى العصبة، والأصل في التعصيب الرجال، والنساء ليس فيهن عصبة إلا بالغير أو مع الغير، نعم.
وعن أسامة بن زيد -رضي الله تعالى عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يرث المسلم الكافر، ولا يرث الكافر المسلم)) متفق عليه.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن أسامة بن زيد" حب النبي -صلى الله عليه وسلم- وابن حبه "-رضي الله تعالى عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يرث المسلم الكافر، ولا يرث الكافر المسلم))" لأن من موانع الإرث اختلاف الدين فمع اختلاف الدين لا توارث.
ويمنع الشخص من الميراثِ |
|
واحدة من علل ثلاثِ |
فالمسلم لا يرث الكافر، والكافر لا يرث المسلم، ذهب إلى ما أفاد هذا الحديث جماهير العلماء، وأنه لا توارث مع اختلاف الدين، ومنهم من يرى أن المسلم يرث الكافر من غير عكس، يعني لو وجد شخص كافر، وعنده عشرة من الأولاد الذكور مثلاً تسعة منهم كفار، والعاشر مسلم، وهو صاحب ثروة وأموال طائلة هذا الميت، فاقتسم المال، بل قسم على التسعة، وبقي المسلم المسكين ما عنده شيء، ولا يرث شيء، بعضهم يقول في مثل هذه الصورة: المسلم يرث الكافر ولا عكس، كل هذا نظراً إلى الشفقة على هذا المسلم الذي حُرم من هذا المال بسبب إسلامه، لكن إذا صح الخبر فلا كلام لأحد، وأنه إذا فاتته الدنيا بقي معه رأس المال الذي هو الدين.
وكل كسر فإن الدين جابره |
|
وما لكسر قناة الدين جبرانِ |
فإذا ضمن هذا الأصل الذي هو رأس المال فالباقي سهل، أمره يسير، لا شك أن من الناس من يتأثر بمثل هذا الموقف، ولذا من أهل العلم من يرى أن المسلم يرث الكافر، وهذا معروف عن معاذ ومعاوية ومسروق وسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي وإسحاق بن راهويه، كلهم نظروا من هذه الزاوية، قالوا: شخص ثري كافر مات عن أولاد واحد منهم مسلم والبقية كفار يتوارثون، يرثه أولاده الكفار، وأما المسلم فيحرم والمعول في هذا على هذا الخبر، وبالمقابل أنه لو مات رجل مسلم وأولاده مسلمون سوى واحد كافر فإنه يرثه أولاده المسلمون دون الكافر؛ لأنه لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر، نعم.
وعن ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه- في بنت وبنت ابن وأخت: قضى النبي-صلى الله عليه وسلم- للابنة النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين، وما بقي فللأخت. رواه البخاري.
نعم في حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ابن مسعود سئل عن هذه المسألة في شخص توفي عن بنت وبنت ابن وأخت، فقال: قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- للابنة النصف؛ لأن الشرط متحقق، وهو عدم المشارك، وعدم المعصب فتستحق النصف حينئذٍ ابنة الابن باعتبارها تدلي بالابن الذي هو أخو هذه البنت الوارثة للنصف فوقع تكملة الثلثين؛ لأن المسألة لو كان فيها بنتان لأعطيتا الثلث، فما دام البنت أعطيت النصف تعطى بنت الابن السدس تكملة الثلثين، وما بقي فللأخت؛ لأن الأخوات مع البنات عصبات فتأخذ ما بقي، نعم.
وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يتوارث أهل ملتين)) رواه أحمد والأربعة إلا الترمذي، وأخرجه الحاكم بلفظ أسامة -رضي الله تعالى عنه-، وروى النسائي حديث أسامة بهذا اللفظ.
نعم يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يتوارث أهل ملتين))" وذلكم إذا تحاكموا إلينا، بأن كان الأب يهودي والابن نصراني أو العكس فإنهما لا يتوارثان للاختلاف في الدين، وهذه المسألة لا شك أنها خلافية، والحديث يصل إلى درجة القبول، لكنه معارض بما عرف أن الكفر ملة واحدة، وأن حكم الكفار واحد، وحينئذٍ يتوارثون؛ لكنهم لا يتوارثون مع مسلمين، وهذا محمول على أن المراد بالملتين، لا يتوارث أهل الملتين يعني الإسلام وغير الإسلام، فيكون بمعنى حديث أسامة: ((لا يرث المسلم الكافر، ولا يرث الكافر المسلم)) أما الكفار على خلاف مللهم فهم ملة واحدة، وهذا قول الأكثر، يعني لو قال: إن أهل الكتاب ملة؛ لأن أحكامهم فيها نوع اختلاف عن أحكام غيرهم صار له وجه، لكن المعروف إما أن يقال: بأن كل ملة من ملل الكفر يهودية والنصرانية والمجوسية والبوذية وغيرهم من الكفار ملة واحدة، والمسلون ملة واحدة، فيرجع الخبر إلى حديث أسامة، أو يقال: إن هذه الملل ملل كفر على اختلافها كل ديانة ملة مستقلة، فعلى هذا لا يتوارثون، لو تحاكموا إلينا لا يتوارثون، لو وجد أب مجوسي وابنه يهودي أو العكس فإنهم لا يتوارثون.
الآن باقي ساعة إلا ربع إن كان الإخوان يرغبون في ترك هذه المدة لتحري ساعة الإجابة في هذا اليوم، هم يرغبون وإلا..؟ يتأهبون للورد والدعاء والصلاة، وإلا فبقي على الوقت المقرر عشر دقائق، ونستأنف نكمل أحاديث الفرائض بعد الصلاة -إن شاء الله تعالى-...
يقول: حصلت مناقشة بيني وبين أخواتي عن حكم كشف الكفين أو سترهما في الصلاة، وأحد الأخوات أصرت بأدلة لم أقتنع بها بوجوب كشف الكفين في الصلاة، وبطلان الصلاة بحالة الستر، والنقطة الأخرى التي كانت تصر عليها عدم تغطية منطقة الذقن في الصلاة؛ لأنها من حدود الوجه التي حددها الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها-، كذلك تغطية الوجه أو الإسدال في حالة صلاة المرأة ومرور الرجال... إلى آخر كلامها، هذا كلام طويل.
لكن المرأة الحرة كلها عورة إلا الوجه فقط، فعلى هذا يلزمها أن تغطي الكفين والقدمين، وفي رواية عند الحنابلة أن الكفين مثل الوجه يكشفان حال الصلاة، إذا لم تكن المرأة بحضرة رجال أجانب في مكان عام في مسجد يغشاه الرجال والنساء كالمسجد الحرام مثلاً فإنها يلزمها أن تغطي وجهها وكفيها، أما إذا كانت خالية في مكان لا يرتاده الرجال، ولا يمكن أن يطلع عليها غير محارمها فكشف الوجه هو الأصل، وكشف الكفين رواية عند الحنابلة وقول الحنفية، والحنفية عندهم كشف القدمين أيضاً، وكان شيخ الإسلام -رحمه الله- يميل إلى قول الحنفية.
يقول: النقطة الأخرى التي كانت تصر عليها عدم تغطية منطقة الذقن في الصلاة؛ لأنها من حدود الوجه التي حددها الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما-.
أولاً: حديث أسماء الذي فيه أنه ((إذا بلغت المرأة المحيض لم يحل منها إلا هذا وهذا)) هذا حديث ضعيف معروف عند أهل العلم ضعفه، فلا يحتكم إليه، وأما تحديد الوجه هو الذي يجب غسله في الوضوء، من منابت شعر الرأس إلى الذقن، ومن الأذن إلى الأذن عرضاً.
ضربة واحدة.
زواج المسيار هو الزواج الذي تتنازل فيه المرأة عن بعض حقوقها، يتفقان على عدم القسم بينها وبين زوجته الأولى مثلاً، أو أنه رجل مشغول، لا يتيسر له المبيت عندها فلا قسم لها، إنما يتفقان على وقت محدد في الأسبوع مرة مرتين، أو ما أشبه ذلك، أو مرة في الشهر، المقصود أنهم يتفقون على وقت محدد بينهما ويتفقان عليه، ومع ذلك مع التنازل على القسم قد تتنازل على السكن أن تسكن عند أهلها عند أمها، قد تتنازل عن النفقة والمسألة عرض وطلب، مثل هذا الزواج إذا توافرت شروطه وأركانه أفضل من بقاء المرأة بدون زوج، فالمتجه جوازه إذا توافرت شروطه، ولم يحصل فيه خداع ولا ضرر على أحد الطرفين.
على كل حال الماء إذا حازاه الإنسان إلى رحله، وتعب عليه، وأنفق عليه لا مانع من بيعه، اللهم إلا إذا احتاجه مضطراً للشرب ونحوه فمثل هذا يسقى بدون مقابل، ولا يجوز منع فضل الماء عنه.
يقول: أبي وأمي وافقوا على إقامة مؤقتة لابن خالي في منزلنا على أن ينهي علمه ثم يذهب، وإقامته ليست في غرفة منفصلة، وإنما في نفس البيت المبني، نحن ولله الحمد نحتجب منه؛ لأننا لا ننكر أننا يصادف أننا نتواجه إما في الممر أو يدخل وهو لا يعلم إلى مكان نحن فيه أو العكس، نحن ثلاث بنات في المنزل، وأهلنا لا يرون الضرر، وربما لا يشعرون بذلك، ونتضايق كثيراً؛ لأننا نتحجب منه، ونريد أن نشعر بفرق بين البيت والشارع، أو مكان العمل، أو غير ذلك، حديثنا معهم يرون أن ذلك من قلة الأدب وقلة الإكرام، وكثيراً ما نذكره في حديثنا، ونذكر الضيق الذي نشعر فيه، لا نعلم إذا كانت تلك غيبة، لكن طالت إقامته إلى سنة تقريباً، فأفتنا هل من قلة الأدب وعدم إكرام الضيف أن نفعل ذلك؟
لا من حقكن أن تبدين ذلك لوالديكن من أجل القضاء على هذه المضايقات، ولا بد أن يحصل ما يحصل من المضايقة لكن، إن كنتن على درجة من الالتزام بحيث تحرصن الحرص الشديد على عدم رؤيته إياكن، لا شك أنه يوجد حرج في مثل هذا، لكن المفاهمة مع الوالدين، وليست معه؛ ليُبحث له عن مكان آخر، ولا شك أن وجود رجل أجنبي على الأسرة ليس المراد أجنبي أنه بعيد عن العائلة، أو ليس من البلد، لا، الأجنبي من يلزم منه الحجاب، بمعنى أنه لا يجوز الكشف له، هذا أجنبي، ولا شك أن وجود مثل هذا في الأسرة مضايق، ومتعب تعباً شديداً، فمن حقكن أن تتكلمن في الموضوع لا سيما مع الوالدين، عله يبحث له عن مكان آخر.
الأصل السكون هذا هو الأصل، لكن حال التشهد يرفع الأصبع، وأيضاً تحرك عند الدعاء يحركها يدعو بها.
طبعة الشيخ حامد الفقي بالجملة طيبة، يعني قد تختلف مع التي معنا وهي طبعة الجامعة جامعة للإمام مع شرح سبل السلام، قد يوجد اختلاف يسير في كلمة أو شيء من ذلك، وهذا لا يؤثر.
على كل حال له شيء من التصرف، لكن التصرف محدود، وإلا فالأصل وجوب العدل بين الرعية، لكن قد يعلم بحاجة فلان ولا يعلم بحاجة فلان، فيعطي فلان ويحرم فلان؛ لأنه لا يعرف حاجته، وقد يعطي فلان لأنه طلب ولم يعط فلان لأنه متعفف، فالمقصود أن الأصل في هذه المسألة العدل بين الرعية، فإذا تقدم إليه اثنان متساويان في الظروف والحاجة لا بد أن يعدل بينهما.
أما كونه يخلو بها نعم؛ لأنها من محارمه في حياته وبعد موته، ولا يجوز له الزواج بها {وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ} [(23) سورة النساء] لا يجوز له أن يتزوج بها البتة، فهي محرمة تحريماً مؤبداً.
أما بالنسبة للأغاني فيتشبثون ويتمسكون بقضايا محتملة، وأنه يوجد في صدر هذه الأمة من كان يسمع الغناء، ومنهم من يشتري جارية مغنية، ولا يعلمون أن الغناء المراد به الشعر مع تحسين الصوت، وحاشا سلف هذه الأمة أن يقترن غناؤهم بالآلات التي جاء التنصيص عليها، والتشديد في أمرها، ((ليكونن من أمتي أقوامٌ يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف)) حاشا سلف هذه الأمة أن يستحلوا ما حرم الله، فالمعازف محرمة، ولو لم تكن محرمة لما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: يستحلونها؛ لأن الذي يستحل المحرم، فإذا خلا الكلام من الآلة التي هي المعازف بجميع أنواعها، وخلا من قبح الكلام بأن كان الكلام مباحاً، وأُدي على لحون العرب فهذا وإن سموه غناء إلا أنه نشيد، وأنشد بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- بلحون العرب مع الخلو من الآلة المحرمة، وأيضاً يكون الكلام في أصله مباحاً.
واعتمدوا في تحليلهم أو استباحتهم الغناء على ما جاء من بعض القضايا من بعض السلف أنهم كانوا..، أن بعضهم يشتري الجارية المغنية، لكن ليست قينة، وليست ذات آلات، وأيضاً لا تغني للرجال الأجانب، إنما تغني لسيدها بلحون العرب مع الخلو من الآلة، مع كون الكلام مباحاً، فإذا توفرت هذه الأمور فهو مباح سواء سميناه غناء أو نشيد أو سميناه ما شئنا، والإنشاد حصل بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في المسجد.
أما جواز الخلط بين الرجال والنساء فهذا محرم لا سيما إذا أدى ذلك إلى الفتنة، أما وجوده في مواطن العبادة كالمطاف وغيره فالمسألة مسألة عبادة، وعلى كل مسلم أن ينشغل في عبادته؛ لأنه لو انشغل الرجل بالمرأة والمرأة انشغلت بالرجل في هذه الأماكن لبطلت العبادة من وجه لا سيما إذا صاحب ذلك ما يبطلها من خروج شيء من أحدهما فهم يستدلون على كون الاختلاط موجود في أماكن العبادة كالمطاف مثلاً، فأماكن العبادة لا شك أنها بطبيعة الحال من المسلم أنه لا يمكن أن يوجد فيها ما يخالف، يعني الرجل في جهة والمرأة في جهة
وقد كان السلف يعزلون الرجال عن النساء في المطاف، فيجعلون الرجال بقرب الكعبة، والنساء من ورائهم، نعم قد يحصل مع الزحام الشديد شيء من التقارب، لكن كل هذا يشفع له أنه في هذه العبادة وفي هذا الموطن كل منشغل بنفسه وبعبادته، والقلوب اختلفت ليست كالسابق، يعني كان الإيمان قوياً، بمعنى أنه ينظر إلى هذه المرأة التي تطوف معه على أنها امرأة محرمة عليه، وهو في صدد عبادة، فلا يجمع بين معصية وطاعة في آن واحد، فيسعى إلى إبطال عبادته، هذه شبه يتشبثون بها، ويستحلون بها ما حرم الله، ولا يريدون هذا فقط، وإنما يريدون ما ورائه من استحلال الفواحش نسأل الله السلامة والعافية.
وأما إمامة المرأة للرجل قد نقل الإجماع على أنها لا تؤم الرجل، والإمامة ولاية والمرأة ليست من أهلها، ولن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة.
الإرشاد السياحي أولاً: لا بد من شرط السلامة من المحرمات، فإن كانت هذه السياحة مشتملة على أمر محرم كاختلاط الرجال بالنساء، أو ما هو أعظم من ذلك من تبرج وسفور، بل ما هو أعظم من ذلك من اقتراف للفواحش مع شرب الخمور وغير ذلك، هذا لا إشكال في تحريمه، وأما الدلالة على المواضع التي يتنزه فيها لا المواضع التي يتعبد فيها، التي كانت مواضع عبادة ثم تحصل الفتنة بها مما يؤدي إلى الشرك هذا غلو هذا حرام على أي حال، ولو لم يقترن به منكر آخر، لكن إذا كان المراد من السياحة الدلالة على المواضع الذي يتنزه فيها الخالية من المنكرات فهذا لا بأس به، لكن اقترن بذلك أمور محرمة مما يتعلق بالنساء، أو شرب الخمور، أو غير ذلك، أو ما يؤدي إلى الشرك من زيارة للمشاهد والبقاع المقدسة على حد زعمهم فإن هذا لا يجوز بحال.