بلوغ المرام - كتاب القضاء (5)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هذا يقول: لماذا لم يحكم القاضي شريح بين أمير المؤمنين علي واليهودي بيمين وشاهد؟

أولاً: ذكرنا في الوقت نفسه أن القصة فيها ضعف، خرجها أبو نعيم في الحلية بإسنادٍ فيه ضعف.

الأمر الثاني: أن اليمين والشاهد جاء فيه الحديث الصحيح وهو مختلف فيه بين أهل العلم، قد يكون قد بلغ علياً -رضي الله عنه- أو لم يبلغه، وقد يكون القاضي شريح ممن يقول به أو لا يقول به، وإلا له شاهد، وهو مولاه قنبر على ما أفادت القصة.

يقول: جمادى هو الشهر الوحيد المؤنث بين الشهور العربية، فلا يصح أن يقال: جمادى الأول أو الآخر؟

هذا ذكرناه، بل الأولى والآخرة، جماد الآخرة تعني المتأخرة، فلا يصح استبدالها بجماد الثانية أو الأخرى.

طيب إلى الآن ما حل الإشكال؛ لأنه أوردنا الكلام بالنسبة لربيع الثاني وجماد الآخرة، هم يقولون: الثاني إذا كان هناك ثالث، والآخر أو الآخرة إذا لم يكن بعده شيء، وكما يقال في جمادى يقال في ربيع، فما كتبه الأخ لا يحل الإشكال.

يقول: قلت: إن الوسائل لها أحكام المقاصد إلا في النذر فوسيلته مكروهة، والغاية والمقصد واجب.

عقد النذر مكروه، إنما يستخرج به من البخيل، وجاء النهي عنه، لكن الوفاء به واجب ((من نذر أن يطيع الله فليطعه)).

قال: فأشكل علي...

الكتابة ما هي بواضحة، هل هو القصد أو القصر؟ هي راء، في أصله مباح، إنما هو أوجب على نفسه المقصد المباح فكرهت الوسيلة، فهل يكون هذا لا يعارض... ما هو بواضح.

يقول: ((ويظهر فيهم السمن)) هل هذا الوصف راجع... كذا الكتابة رديئة جداً.

هل القوم الذين يأتون بعد القرون المفضلة أم راجع إلى الذين يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون.

هذه أوصاف كلها ترجع إلى من بعد القرون المفضلة، وهذا يكثر فيهم ويغلب، لكنه في القرون المفضلة نادر جداً.

يقول: ما فائدة ذكر الأحاديث الضعيفة هنا مع أن المقام مقام ذكر أدلة الأحكام، والحكم لا يؤخذ من الأحاديث الضعيفة؟

الحديث الضعيف لا يستدل به في الأحكام في قول عامة أهل العلم، وإن وجدت الأحاديث الضعيفة في كتب الفقه، عند الفقهاء توجد، مع أنهم يرون أنه لا يستدل بها في الأحكام، وهي موجودة، وذكرها مع أنهم يعتمدون عليها، ولا شك أن هذا تقصير في البحث عن هذه الأحاديث، قد يعذرون أنهم ليسوا من أهل الشأن، ويذكرون الحديث ويتداولونه ويتناقلونه من غير نظر في إسناده ولا متنه، فهم ليسوا من أهل الاختصاص، وينقل بعضهم من بعض، هذا بالنسبة لكتب الفقه، يعني إذا أوجدنا هذا العذر للفقهاء الذين ليست لديهم أهلية النظر في الأسانيد والمتون، فإن كتب أحاديث الأحكام، وألفها في الغالب من لديه أهلية النظر كالحافظ مثلاً ابن حجر يورد أحاديث في البلوغ ويضعفها، ينص على ضعفها، ومع ذلك الشراح يستنبطون منها الأحكام.

حينما يوردها المؤلف ليعرف بها، وأنها ضعيفة، ولو تركها ولم يذكرها لاستدرك عليه من استدرك ممن يجهل حقيقة الأمر، وإذا ذكرت فعلّ الواقف الذي وقف عليها مع بيان ضعفها أن يقف على طرق تقويها، والإشكال حينما يذكر في مثل هذه الكتب، وهي مخصصة لأحاديث الأحكام أن تذكر مجردة عن الأسانيد، ومجردة عن الأحكام، وفي هذا غرر، غرر بالغ على المتعلمين.

أما إذا ذكرت مع ذكر أحكامها فلن يكون في ذلك غرر، والشراح حينما يستنبطون ويبنون على هذه الأحاديث أحكام، إنما يذكرونها من باب تمرين الطالب على الاستنباط، لا من باب تقرير الحكم من هذا الحديث الضعيف، أو لأن من أهل العلم من استنبط منها إما لعدم معرفته بحكمها، أو لأنها ثبتت عنده.

على كل حال طالب العلم عليه أن يسعى للتأهل، للنظر في الأحاديث في متونها وأسانيدها، وأن يعمل بما يؤديه إليه اجتهاده في الإثبات، إثبات الأدلة التي يعتمد عليها، وفي الاستنباط أيضاً.

يقول: إنني بهذا السؤال لا اقصد تصيد أخطاء طلبة العلم والقضاة، ولكن أقول الحقيقة، وأريد توجيهكم في بعض ما يقع فيه بعضهم من الغلظة، وسوء التعامل، وتقطيب الجبين، وكذلك بعض طلاب العلم يقومون بإغلاق جوالاتهم، وعدم النزول إلى عامة الناس، وهذا يجعل الناس يتجهون إلى الجهال، ويأخذون الفتوى منهم.

لا شك أن التقصير حاصل، وأيضاً الوفاء بجميع ما يتطلبه الناس فيه عسر، يعني لو قلنا لطالب العلم أو للقاضي: عليك أن تبذل، نعم عليه أن يبذل، لكن يبذل بحدود إيش؟ لنفسه عليه حق، ولأهله عليه حق، وهو مطالب بدوام، مطالب بعمل، لو بذل من يومه ما لا يشق عليه مع أعماله الأخرى، أما أن يكلف بما يشق عليه؛ لأن مطالب الناس لا تنتهي، يعني هناك أناس يتصلون في وقت متأخر من الليل، ويطالبون أهل العلم يقولون: إن أهل العلم لا يجيبون على الأسئلة، ويغلقون الجوالات، ولا يحلون إشكالات الناس.

يعني واحد يتصل قبل صلاة الفجر بساعة، وعنده سؤال ضروري هذا مقبول، لكن بقية الناس؟ سؤال ضروري، طيب ما هذا السؤال الضروري؟ يقول: إنه طلق زوجته وهي في الطلق، تطلق، فيها الطلق ولادة، يعني مجرد ما تلد تخرج من العدة، فلا يكون له عليها سلطان، ولا يتمكن من مراجعتها، لو قيل له: انتظر إلى صلاة الفجر، يمكن تلد قبل صلاة الفجر، نعم هذه حاجة، ومعذور في اتصاله، لكن شخص يتصل قبل أذان المغرب بربع ساعة، ويقال له: إن الوقت وقت ذكر، انتظر إلى صلاة المغرب، يقول: لا أستطيع أن أنتظر، ضرورة، طيب ويش الضرورة؟ يقول: إن زوجته ذهبت إلى محل التجميل، وعندهم مناسبة فتجملت فتريد أن تجمع العشاء إلى المغرب؛ لأنها إذا توضأت لصلاة العشاء ذهب ما وضعته في وجهها هدراً، هذا مسوغ للجمع؟ وهل هذه ضرورة يمكن..؟ سبحان الله! ومع ذلك التقصير حاصل، يعني يوجد كثير من طلاب العلم يعني يغلقون الجوالات، أو لا يردون على من يتصل، هذا تقصير، وعلى طالب العلم أن يبذل؛ لأن الله أخذ عليهم الميثاق، أن يبينوا للناس، والله المستعان.

أما ما ذُكر من سوء التعامل، وتقطيب الجبين فقد يحصل من بعضهم نظراً لكثرة إلحاح الناس عليهم، ولذا يوصي أهل العلم طالب العلم، ويذكرونه من أدب الطالب ألا يحرج الشيخ، ولا يكثر على الشيخ، لأن الشيخ بشر يتحمل بقدر معين، وبعض الطلاب لا يمل، وراء الشيخ وراءه يا شيخ يا شيخ، وبعدين؟ الحين ما خلق إلا أنت! صحيح والله، أحياناً يوقفون شيخهم عند الباب ربع ساعة، نصف ساعة يسألون، أحياناً يكون في شمس في حر شديد، وأحياناً الشيخ من ساعتين أو ثلاث في المسجد يحتاج إلى الدورة، فمثل هذا يجعل الشيخ أحياناً يتعامل معهم بتعامل لا يليق به ولا بهم.

وذكروا في كتب التراجم تراجم المحدثين أن فلاناً من الناس ولا داعي لذكر اسمه أنه من أحسن الناس خلقاً، فما زال به الطلاب حتى صار من أسوأ الناس خلقاً، المسألة مسألة الرفق من الجانبين، يقال للعالم: أبذل، عليك أن تبذل، يجب عليك أن تبذل، أيضاً يقال للمتعلم: أرفق، لا يحوج الشيخ إلى أن يقول له كلام لا يناسبه، وسهل من طلاب العلم أن يقولون: والله الشيخ ما استقبلنا ولا ناظرنا، ومقطب الجبين، أنتم الذين أحرجتموه، أنتم الذين أحوجتموه إلى مثل هذا الصنيع.

وأنا تأملت في زهد أهل العالم وجيرانه به، وهذا أثر متوارث "أزهد الناس في العالم أهله وجيرانه" ورأيت في هذا حكمة إلهية، لماذا؟ الجيران ما يكلفهم أنهم يجتمعون على باب الشيخ، لو كان عندهم من الرغبة مثل ما عند البعيد الذي يصده من الحضور لدى الشيخ بعد المسافة، لكن كل ما طلع إلى عند الباب كل الجيران بيسألون، وإذا دخل الجيران كلهم عند الباب، وإذا دخل في البيت هذه الزوجة هذه البنت كلهم يسألون، هذا من لطف الله -جل وعلا- بهؤلاء المشايخ، والبعيد عنده شوق، وعنده حرص، وعنده كذا، لكن المسافة قد تحد من إحراجه للشيخ، لكن لو كانت رغبة الجيران والأهل مثل رغبة الناس الأبعد منهم لحصل من ذلك حرج عظيم.

ما معنى أمرهم في الحديث: ((لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة))؟

المقصود شأنهم، والمراد به شأن القوم، لا شأن أسرة فيما يخص المرأة، شأن أولاد في تربيتهم هذا صحيح أنه أمر، لكنه ليس بأمر القوم، أمر الأطفال لا بأس، أمر العناية بهم، أمر تربيتهم هذا هو شأنهم.

هذا أيضاً يتكلم عن القضاة، وأنهم يحتجبون، وبعضهم يقفل الأبواب، وبعضهم...

طبعاً مثلما ذكرنا الأمور التي ترد على أهل العلم، وترد على القضاة، وترد على هؤلاء، لا شك أنها في بعض الأحيان فوق طاقتهم، ولا ينفي أن يوجد مقصر، لا ينفي، وحينما يخاطب عامة الناس بهذا الكلام، يخاطب القضاة بغيره؛ لأن كل جهة لها ما يناسبها من خطاب الشرع، فالقضاة يخاطبون بأن لا يحتجبون، ومن احتجب عن حاجة الناس احتجب الله عن حاجته، يخاطبون بمثل هذا الكلام، لكن غيرهم أيضاً يخاطب بما يليق به، وأن القاضي ليس كالشمس يمكن أن ينتشر فضله ونفعه على سائر الناس أو على جميع الناس.

يقول: هل يحكم القاضي بمذهبه فقط أو مع اجتهاده في المذاهب؟

قلنا في حديث: ((إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر)) أن الحديث يؤخذ منه أن من شروط القاضي أن يكون مجتهداً، والاجتهاد ليس من الصعوبة بحيث لا يناله أحد كما قرر كثير من المتأخرين، وأوجبوا التقليد، وحرموا الخروج عن المذاهب، هم أوجبوا على المتعلمين من المتمذهبة من المقلدة ما هو أكثر مشقة من التأهل للاجتهاد في النظر في النصوص، وأشرنا إلى هذا في شرح الحديث؛ لأنهم يريدون بل يلزمون المقلد أن يعامل نصوص الإمام بما تعامل به نصوص الوحيين، ومما نص عليه أنه إذا أثر عن الإمام أكثر من قول فبأيها يعمل؟

الشافعية عندهم القديم والجديد، والفتوى عندهم على الجديد إلا في مسائل الفتوى فيها على القديم، ذكرت في مقدمة المجموع في الأشباه والنظائر.

الإمام أحمد يُروى عنه روايات في المسألة الواحدة، تصل إلى أربع وخمس روايات، يعني لا يمكن الأخذ بها بجميعها، فكيف يتعامل من يتمذهب بمذهب الإمام أحمد مع هذه الروايات؟ قالوا: عليه أن يتعامل معها كما يتعامل مع النصوص، فإن أمكن الجمع بينها ولو بحمل المطلق على المقيد، والعام على الخاص، تعين المصير إليه، وإن لم يمكن وعرف المتقدم من المتأخر فالمتأخر هو المذهب، يعني كما يقال في النصوص بالنسخ، وإن جهل التاريخ فالتوقف، يعني أنت تتعامل مع نصوص بشر بهذه الطريقة، لماذا لا تتعامل بهذه الطريقة مع نصوص الوحيين؟ وبدلاً من أن تكون مقلداً أو مجتهداً في مذهب تكون مجتهداً في الكتاب والسنة.

على كل حال الكلام في التقليد والاجتهاد كلام طويل بين أهل العلم فمن موجب للاجتهاد، ومن محرم له، لكن على الإنسان أن يسعى إلى تحقيق أو تحقق الأهلية في نفسه للنظر في النصوص، ويجعل الحكم في جميع أموره ما قاله الله وقاله رسوله -عليه الصلاة والسلام-، وعليه أن يسعى لمعرفة القواعد التي تعينه على فهم هذه النصوص، وكيفية التعامل معها.

إذا كان لا يستطيع، واحتيج إليه إن كان لا يستطيع أن يتعامل مع النصوص، واحتيج إليه، ولا يوجد غيره ممن يحكم بالدليل فهو في حكم العامي ينظر في أقوال إمامه، ويجتهد ويسأل ويتحرى ويتثبت، والله المستعان، وهذا لا يلجأ إليه إلا في حال عدم وجود من يتعامل مع النصوص، وإلا فالحكم لله ولرسوله -عليه الصلاة والسلام-.

يقول: إذا كان السائق مع المرأة في السيارة داخل البلدة، هل هذه تعتبر خلوة غير شرعية؟

نعم، إذا لم يوجد ثالث فالثالث الشيطان؛ لأن إغلاق الأبواب، وتضليل الزجاج، والتمكن من الحديث بينهما لا شك أن مثل هذا فيه فرصة كبيرة لدخول الشيطان بينهما، وكم من مصيبة حصلت بسبب هذا.

يقول: ما حكم التلبية في الحج والعمرة؟

عامة أهل العلم على أنها سنة، وأوجبها الحنفية.

هل يجوز عرض البنات على الأكفاء؟

عثمان بن عفان -رضي الله عنه- الخليفة الراشد، وهذا سبق أن ذكرناه في كتاب النكاح، في حديث ابن مسعود ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)) قلنا: إن سبب إيراد الحديث لا ورود الحديث؛ لأنه هناك فرق بين سبب الإيراد، وسبب الورود، سبب الورود هو الذي بعث النبي -عليه الصلاة والسلام- لقول أو للكلام في هذا الحديث، كسبب نزول الآية، أما سبب الإيراد، ما الذي جعل ابن مسعود يورد هذا الحديث؟ أن عثمان -رضي الله عنه- وهو الخليفة الراشد عرض عليه بنته، عرض على ابن مسعود، وابن مسعود في وقتها عمره أكثر من سبعين سنة، فقال: يا أبا عبد الرحمن: ألا نزوجك فتاة تعيد لك ما مضى من شبابك؟ تصور أكثر من سبعين سنة والخليفة الذي يعرض عليه؛ لأن المقاييس شرعية.

ابن مسعود أيضاً بدوره ما قال: فرصة العمر، لو أطرق أبواب الناس ما زوجت، قال: لا، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا معشر الشباب)) يعني ما قال: يا معشر الشيوخ، ففي القصة منقبة للطرفين، وفيها عرض المولية البنت على هذا الرجل الخير، ولا يمنع أن تعرض ابنتك على من تبرأ ذمتك بتزويجه، لكن في الأحوال والظروف التي نعيشها وتغير القلوب؛ لأنك قد تعرض على خير، ثم النتيجة ماذا يقول؟ يقول: لولا أن فيها عيب ما عرضها، أكيد أن فيها عيب، هذه قلوب الناس اليوم إلا من رحم الله، فيعرض بطريقة غير مباشرة، فيتم العرض، لكن بطريقة غير مباشرة؛ لأن الناس يرون في هذا ابتذال، وهو وإن كان شرعي وما في شك أنه منقبة لولي هذه البنت، ومن باب النصح لها، لكن يبقى أن النفوس اليوم قد لا يتحمل كثير من الناس مثل هذا العرض، ولا يحمله على ظاهره، فيكون العرض بطريقة غير مباشرة.

يقول: إشكال أريد أن أفهمه، وهو قيام الرسول -عليه الصلاة والسلام- بأخذ عير وتجارة قريش في غزوة بدر، مع كون الرسول -عليه الصلاة والسلام- كان مثلاً أعلى في الرفق، وتحمل أذى الناس من قريش وغيرهم، وفي أخذه هذه التجارة يعتبر من قطع الطريق، فكيف نفهم ذلك؟

أولاً: المال مال حربي، لا ذمي، ولا معاهد، ولا مسلم، مال حربي، فلا يقال مثل هذا الكلام.

يقول: ما صحة حديث أن من جلس بعد الفجر يذكر الله حتى تطلع الشمس كان بأجر حجة وعمرة تامة تامة، وفي حديث آخر أن من فعل ذلك غفر له ما تقدم من ذنبه؟

أما اللفظ الأول بأجر حجة وعمرة هذا فيه ضعف عند أهل العلم، لكنه قابل للتحسين، وحسنه جمع من أهل العلم، وصححه بعضهم، ومع ذلك هو ثبت من فعله -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يجلس في المصلى حتى تنتشر الشمس.

هل يؤجر العبد إذا قصد المشقة في العبادة؟

لا، المشقة لذاتها ليست من مقاصد الشرع، ليست من مقاصد الشريعة، فإذا كان له طريقان إلى المسجد أحدهما بعيد والآخر قريب يقول: أسلك البعيد من أجل أن يكثر الأجر نقول: لا؛ لأن المشقة ليست مقصودة لذاتها، ولذا يختلف أهل العلم في الحج حج الماشي والراكب أيهما أفضل؟ في الآية ما الذي قدم؟ {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [(27) سورة الحـج] قدم الرجال المشاة، ولذا قال جمع من أهل العلم: أن المشي أفضل، لكن الجمهور قالوا: لا، المشي كثير، وما كل الناس يجد دابة، والمشي كل يستطيعه، والذي لا يستطيعه لا يلزمه الحج، فقدم لأنه الأكثر والأغلب، وإلا فالنبي -عليه الصلاة والسلام- حج راكباً، وما كان الله ليختار لنبيه إلا الأفضل.

يقول: هل الأحكام الشرعية فيها ما لا يطاق؟

ليس فيها ما لا يطاق، لكن فيها ما فيه مشقة على بعض الناس؛ لأن الجنة حفت بالمكاره، والناس يتفاوتون، هذه التكاليف من الناس من يتلذذ بها، ومن الناس من يراها أشق من حمل الصخور، كل على حسب ما وقر في قلبه من إيمان، وكل على ما وطن نفسه، وعودها عليه، لا بد من مجاهدة النفس على العبادة، السلف يقولون: "كابدنا قيام الليل عشرين سنة، وتلذذنا به بقية العمر" والنبي -عليه الصلاة والسلام- كان يقول: ((أرحنا يا بلال بالصلاة)) وكثير من المسلمين اليوم لسان حالهم: أرحنا من الصلاة، فيها مشقة؛ لأن الجنة حفت بالمكاره، والتكليف إلزام ما فيه كلفة ومشقة، ومع ذلكم الدين يسر، يعني هذه التكاليف وهذه الإلزامات بفعل الواجبات، وترك المحرمات، خلاف ما تهواه النفوس، ومع ذلك هي في مقدور الإنسان، ولا يوجد تكليف يخرج عن طوقه ومقدوره إلا إذا كان فيه عاهة فيعفى منه، ويسقط عنه ما لا يستطيعه.

يقول: هل صوت المرأة عورة؟

إذا خلا من الخضوع في القول الذي جاء النهي عنه، ولم يترتب على ذلك فتنة، أمنت الفتنة منه، ودعت إليه الحاجة، فإنه حينئذٍ ليس بعورة.

يقول السائل: يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب] أمر بالتسليم، يعني لا يتم الامتثال امتثال الأمر في هذه الآية حتى يجمع بين الصلاة والسلام؟

{صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب] وأطلق النووي كراهة إفراد الصلاة عن السلام، أو العكس، والحافظ ابن حجر -رحمه الله- خص الكراهة بمن كان ديدنه ذلك، بمعنى أنه يصلي دائماً ولا يسلم، أو يسلم ولا يصلي، لكن من كان يسلم أحياناً أو يصلي أحياناً، ويجمع بينهما تارة، فإن هذا لا تشمله الكراهة.

يقول: أيضاً ورد عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كيفية الصلاة عليه، اللهم صل على محمد وعلى آله محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم... الحديث، كيف نجمع بين ما ذكر بإلحاق التسليم عليه -عليه الصلاة والسلام- وصفة الصلاة في الحديث؟

أولاً: الأمر العام الشامل هو ما جاء في آية الأحزاب، وما جاء في الصلاة الإبراهيمية في الصلاة فرد من أفراد هذا العام، وذكر الفرد من أفراد العام بحكم موافق لحكم العام لا يقتضي التخصيص، بل يقال: هذا في موضعه، وما بقي في سائر المواضع امتثال الآية؛ لأنها جاءت غير مقيدة في وقت ولا في زمان ولا في مكان، فهي الأصل، من أفرادها الصلاة الإبراهيمية في موضعها.

يقول: قول الشخص فو الله وبالله وتالله هل هذا من الحلف أو من الإيمان؟ كاتب الهمزة تحت....

قول الشخص فو الله وبالله وتالله، هذه حروف القسم الواو والباء والتاء، فإذا اقترنت باسم من أسماء الله -جل وعلا- أو بصفة من صفاته انعقد اليمين، إذا كان غير مقصود يكثر من قول والله وتالله وبالله، وهكذا في مناسبة وغير مناسبة هذا هو لغو اليمين، كما جاء عن عائشة -رضي الله عنها-، ومع ذلك على الإنسان أن يحفظ اليمين {وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ} [(224) سورة البقرة] فعليه أن يحفظ اليمين، وأن يعظم الرب -جل وعلا- عن الابتذال.

يقول: هل هذا من الحلف؟

إذا كان مقصود هو من الحلف، وإذا كان مجرد لغو من غير قصد هو مثل ما جاء عن عائشة تمثيل للغو اليمين المنصوص عليه.

أو من الإيمان؟

أنا ما فهمت السؤال، أو الأيمان؟ الحلف واليمين واحد.

يقول: إذا وجد المسلم في نفسه صفات تؤهله لأن يطلب الإمارة، ويحرص عليها، وإذا لم يفعل فسيتضرر من تحت إمارة غيره، فهل ذلك داخل في الحرص على الإمارة التي وردت في الحديث؟

أما إذا تعينت عليه الإمارة بحيث لا يوجد من يقوم به غيره، فإنه يلزمه قبولها إذا عرضت، ولا مانع من أن يذكر ذلك عن نفسه، وأنه لا مانع لديه من قبولها، يعرض بذلك، وإن اقتضى الأمر إلى التصريح فيصرح، كما قال يوسف -عليه السلام-: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ} [(55) سورة يوسف] وما عدا ذلك كما جاء في حديث عبد الرحمن بن سمرة: ((لا تسأل الإمارة)) لأنها إذا جاءت عن مسألة وكل الإنسان إلى نفسه، وإذا جاءت من غير طلب ولا مسألة فإنه يُعان عليها.

يقول: أريد القول الراجح في هذه المسائل:

هل تشترط الطهارة في الطواف؟

نعم جمهور أهل العلم على أن الطهارة في الطواف من الحديثين الأصغر والأكبر شرط لصحته، النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ لما أراد دخول المسجد، لما دخل مكة توضأ، بل اغتسل، ومعه الوضوء، فطاف طاهراً، وقال: ((خذوا عني مناسككم)) وقال عن عائشة لما حاضت: ((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت)) ولم يحفظ في عصره -عليه الصلاة والسلام- ولا قضية واحدة من شخص طاف بغير طهارة.

من انتقض وضوؤه أثناء الطواف؟

عليه أن يخرج ويتوضأ، لكن هل يبني على ما سبق أو لا يبني؟ إن لم يطل الفصل فلا مانع من البناء، وإلا فليستأنف.

هل يشترط المشي في الطواف؟ وحكم من ركب وهو غير محتاج؟

النبي -عليه الصلاة والسلام- لما حطمه الناس ركب وهو يستطيع المشي، هذه رواية الصحيح، رواية البخاري، وفي بعض روايات أبي داود قال: "وكان شاكياً" وعلى كل حال إذا احتاج إلى الركوب ولو لم يضطر إليه، ولو استطاع المشي، لكن هناك حاجة؛ لأن فرق بين الحاجة والضرورة، إذا احتاج إلى الركوب لكونه ممن يقتدى به فينظر كيف يفعل هذا لا مانع من ركوبه وإلا فالأصل المشي.

هل يشترط تعيين النية في الطواف؟

نعم الطواف عبادة لا يصح إلا بنية ((إنما الأعمال بالنيات)).

هل الموالاة في الطواف شرط؟

الموالاة إذا كان يقصد بها ألا يفصل بين شوطين بشيء ألبتة فلا؛ لأن له أن يطوف شوطاً ثم يشرب ماءً أو يتحدث بشيء يسير مع أحد، أما أن يطوف اليوم شوط، ثم يذهب لينام ثم يأتي للشوط الثاني، لا؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- طاف متتابعاً، وقال: ((خذوا عني مناسككم)).

حكم الركعتين بعد الطواف؟

جمهور أهل العلم على أنهما سنة، لا يلزم بتركهما شيء، ومنهم من أوجبهما، ومن أهل العلم من يقول: إن حكمهما حكم الطواف، فإن كان الطواف واجباً كانتا واجبتين وإلا فسنة، وعلى كل القول المعتمد عند أهل العلم أن ركعتي الطواف سنة.

يقول: في بعض المناطق في بلادنا في كثير من المنازعات والدماء والحقوق يفصل فيها أشخاص، وهم ليسوا من أهل العلم، بل يغلب على بعضهم الجهل، ويبنون أحكامهم على عوائد وسلوم وقضايا سابقة، يرويها لهم الآباء، وأحياناً تكون مقننة، وفي أحيان أخرى حسب اجتهادات وآراء شخصية، وقد يكون فيها إلزام، وقد لا يكون، وقد يرضى الخصوم، وقد لا يرضون.

تقدم في شرح حديث: ((القضاة ثلاثة: قاض في الجنة، وقاضيان في النار)) فإن كانوا من أهل العلم وحكموا بالحق فهم من الصنف الناجي، وإن كانوا من أهل الجهل ولو وافق حكمهم الحق فإنهم من الصنف الهالك، وكذلك إذا كانوا من أهل العلم وقضوا بغير الحق، فينظر في أحوال هؤلاء إن كانوا ممن ينطبق عليهم توفر العلم والقضاء بالحق، معرفة الحق والقضاء به هذا هو الذي يضمن النجاة، وما عدا ذلك فالهلاك.

يقول: إذا أراد الطالب أن يدرس متناً ولم يجد في مدينته من يشرحه فهل يكتفي بالأشرطة المسجلة على ذلك المتن؟

نعم إذا كان لا يستطيع الحضور والمثول بين يدي أهل العلم، فإنه يكتفي بإحضار المتون، والأشرطة التي سجلت من شروح هذه المتون، ويفرغ هذه الشروح على هذه المتون، ويسأل عما يشكل عليه، ويتابع، يتحين الفرص في لقاء أهل العلم، ويسأل عما يشكل عليه، وحينئذٍ يدرك -إن شاء الله تعالى-.

يقول: دلونا على شرح كامل لبلوغ المرام تنصحون به للمبتدئين؟

ويش معنى مبتدئ؟ المبتدئ يبدأ بالأربعين، ثم العمدة، ثم البلوغ، فإذا تجاوز المرحلة الأولى، وحفظ الأربعين، وقرأ من شروحها ما يعينه على فهمها، ثم بعد ذلك العمدة، فإنه حينئذٍ يتأهل لا يكون مبتدئ، يكون متوسط في الطلب، فيقرأ البلوغ، وفي الشروح على البلوغ كثرة، منها ما للمتقدمين: "البدر التمام" ومختصره "سبل السلام" وأيضاً للمتأخرين نصيب فشرحه جمع من أهل العلم، وهناك الشروح المطبوعة، والشروح المسموعة، وأما شروح المتأخرين فهي نافعة لجميع الطبقات؛ لأن أساليبهم واضحة يتحدثون بأسلوب العصر الذي يفهمه كافة المتعلمين، ويستفيد منه جميع الطبقات، لكن طالب علم مبتدئ يقرأ في سبل السلام مثلاً قد يعسر عليه فهم كثير من المسائل، لكن إذا قرأ أو سمع من شروح المشايخ شرح الشيخ ابن عثيمين، وشرح الشيخ الفوزان، أو غيرها من الشروح فإنه يستفيد.

هل يجوز التضييق على البائع حتى تعلم بكم اشترى السلعة؟

هذا من سوء الأدب، إذا فهمت منه أنه لا يريد إخبارك فإنك لا تلح عليه؛ لأن هذا ليس من السماحة في البيع والشراء، وجاء مدح السمح في البيع ((سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى)) ثم ماذا إذا قال لك: اشتريتها بخمسمائة، ولا أريد بيعها إلا بألف، ماذا تستفيد؟ تقول: أنت اشتريتها بخمسمائة أريدها بستمائة، يقول: لا، ما يمكن، فما تستفيد إلا أنك تتعب أنت بنفسك، وتتعب صاحب السلعة.

هل قوله: ((بعد العصر)) مقصود به معنىً معين؟

نعم الوقت، من صلاة العصر أو من دخول وقت صلاة العصر إلى غروب الشمس، وهذا وقت معظم في جميع الشرائع، وله شأنه لا سيما إذا كان في الوقت الذي ترجى فيه الإجابة كعصر الجمعة.

يقول: يفترض أن كل من يحضر مثل هذه المجالس الطيبة أن يكون قدوة، ولكننا نلاحظ على بعض إخواننا التالي:

أولاً: عدم إغلاق جوالاتهم، وهذا يتكرر كثيراً.

ولا شك أن الجوال يشوش على صاحبه، وعلى من يسمعه، لا سيما إذا كانت النغمة ممنوعة، هو في الجملة يشوش على أي حال؛ لأن الأذهان تنصرف إلى سماع الصوت المفاجئ، فالذي ينبغي في مثل هذه الدروس إغلاق الجوالات، ومن باب أولى الصلاة.

يقول: عدم إيقاف سياراتهم بطريقة صحيحة.

نعم يأتي شخص فيعرض السيارة بدل ما يكون المكان يسع سيارتين يكون يسع سيارة واحدة.

والوقوف أمام مداخل المنازل، وإقفال بعضهم على بعض.

هذا أيضاً فيه إساءة، وفيه جناية على صاحب المنزل، وقد تكون سيارته في داخل المنزل، وعنده موعد ضروري، وقد احتاج إلى أمر مهم، ثم إذا طلب السيارة لم يجد المنفذ الذي تنفذ منه هذه السيارة، فينحبس في بيته، وقد يضطر إلى أخذ سيارة أجرة وسيارته موجودة في بيته، لا شك أن هذه إساءة، تعدي على صاحب المنزل.

يقول: البعض يشرب قارورة الماء ثم يتركها في المسجد، وكان الأولى به أن يخرجها معه حتى وإن كان لم يشربها.

نعم إذا كان القذى وهو ما يوجد من الأوساخ في العين، وهو لا يكاد يرى إساءة بقاؤه في المسجد، وإخراجه من الحسنات التي عرضت على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فمن باب أولى إخراج ما هو أكبر منه، بعض الناس يقول: المسجد فيه عامل، ولا داعي أن أنظف بنفسي، العامل يتولى، لكن لماذا تحرم نفسك عن الأجر، تنظيف المساجد، أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- ببناء المساجد في الدور، وتنظيفها، وتطييبها، وإزالة هذه المخلفات من التنظيف.

يقول: البعض يستخدم الكراسي الأرضية التي أعدت لراحة طلاب العلم، ثم تجده يتركها في مكانها، ولا يعيدها إلى حيث أخذها، أو أنه لا يطبقها بطريقة صحيحة؟

يستخدم الكراسي الأرضية مثل إيش؟

طالب:.......

وهذه من المسجد؟

نعم التي يستند إليها، وهي متنقلة يعني تنقل من مكان إلى آخر.

يستخدم الكراسي الأرضية التي أعدت لراحة طلاب العلم، ثم تجده يتركها في مكانها، ولا يعيدها إلى حيث أخذها، أو أنه لا يطبقها بطريقة صحيحة؟

على كل حال على اليد ما أخذ حتى تؤديه، فإذا كان لها مكان مخصص يعيدها إلى نفس المكان؛ لئلا يبحث عنها من يريدها فلا يجدها، وإذا كان لها طريقة تعاد إليها بإغلاق على هيئة أو صفة معينة فعليه أن يفعل بها كما وجدها.

مسألة أشرنا إليها في مناسبات، وهي أن الكراسي المعدة للمصاحف يوضع عليها المصحف، بعض الناس يجعلها تُكأة، يسند ظهره عليها، فيستعملها في غير ما أوقفت له، هي أوقفت ليوضع عليها المصحف، فتجده يطبق بعضها على بعض، ويجعلها خلف ظهره، لا شك أنها تعينه على الجلوس، لكن يبقى أنها إنما أوقفت للقراءة، فإذا وجد من يحتاجها للقراءة فهو أولى بها، وإذا لم يحتج إليها للقراءة فينتفع بها على أي وجه.

يقول: جاء في تعريف الصحابي أنه من لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- مؤمناً به ومات على الإسلام، السؤال: هل يدخل في التعريف من ارتد بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم عاد إلى الإسلام؟

نعم؛ لأن أهل العلم في التعريف يقولون: ولو تخلله ردة، من لقي النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمناً به يعني حال كونه مؤمناً، ومات على الإسلام، ولو تخلل ذلك ردة، سواء كان في عهده -عليه الصلاة والسلام- أو بعده.

يقول: ما حكم تقنين القضاء الإسلامي مثل تقنين الأحكام؟

منذ أمد بعيد قننت الأحكام في مجلة الأحكام العدلية، وصار عليها قضاة الدولة التركية، واعتنى بها الناس من مسلمين وغيرهم، وشرحت هذه المجلة من قبل جمع من المسلمين، ومن النصارى، شرحوا هذه المجلة؛ لأنهم يحتاجون إلى مثل هذه الأحكام، يحتاجون إلى توضيحها؛ لأن جلهم من المحامين، والأصل أن القضاء يناط بأكفاء يجتهدون في القضايا، والقضايا لا يمكن حصرها، فهي متجددة، فيوكل النظر فيها إلى اجتهاد القضاة؛ لأن فيها ما يمكن وجوده في كتب المتقدمين، ومنها ما لا يوجد بحرفه ونصه في كتب العلماء، فيتصرف القاضي الكفء بإيجاد الحكم المناسب الشرعي لهذه القضايا المستجدة، وإذا تم التقنين فإنه لا يتسنى له أن يجتهد، وأيضاً المسائل أو القضايا المتشابهة من وجه يكون فيها اختلاف من وجوه، فكيف يحكم فيها بحكم واحد مع وجود هذا الاختلاف، ولو تشابهت من وجه آخر، أو من وجوه أخرى؟! فالتقنين لا شك أنه يقضي على الاجتهاد بالنسبة للقضاة، ويلزمهم بأحكام قد تنطبق على ما جاء في هذا التقنين، ومع ذلك هم بحاجة إلى شيء من المساحة، يتحركون فيها، وإذا وجد هذا التقنين ضيق عليهم، فمن المسائل المتشابهة قضايا اعتداء على أموال أو على أعراض، وجدت قضيتان متشابهتان في بادئ الأمر، هاتان القضيتان حكمهما واحد إذا قنن القضاء، لكن القاضي يرى من الأحوال والظروف المحتفة بقضية هذا ما لا يراه مما يحتف بقضية الثاني، وحينئذٍ يحكم بحكم واحد وإلا لا؟ من خلال التقنين لا بد أن يحكم بحكم واحد، ومن خلال الشرع لا، فالتقنين لا يسوغ.

قد يوجد مبررات، قد يوجد من يبرر لهذا التقنين، وأن القضاة كثير منهم ينقصهم شيء من الكفاءة، وأن في أحكام بعضهم مع بعض اختلاف، وبون شاسع، نقول: هذه لها حلول، ويبقى الأمر على ما كان من صدر الأمة التي فيها الخيرية إلى يومنا هذا، يجتهد في اختيار القضاة، ويجتهد في تأهيلهم، وأيضاً من وجد منه ما يخالف النظر الشرعي ينبه، وليسوا بمعصومين، والقضاة من الصدر الأول إلى آخر الزمان وهم يجتهدون، والأمر -ولله الحمد- فيه سعة، وليس فيه تضييق، وإذا كان أهلاً للنظر، وبذل وسعه، واجتهد في النظر في القضية، وحكم بما يراه الحق لا بالهوى، فإنه مأجور على كل حال، فإن أصاب له أجران، وإن أخطأ له أجر واحد.

يقول: ما رأيكم في بعض شروح البلوغ مثل شرح القنوجي "فتح العلام"؟

هو بحروفه مأخوذ من سبل السلام إلا أنه حذف مذاهب الزيدية، وأبقى المذاهب المعتبرة، ومع ذلك له تنبيهات لكنها يسيرة جداً، فهو نافع من هذه الحيثية.

شرح لقمان السلفي، شرح، تعليق ما فيه يعني شيء من العمق التي في شروح المتقدمين، ينتفع به طالب العلم؛ لأنه يحل بعض الكلمات الغامضة التي تحتاج إلى شرح، وأيضاً ينبه على بعض الفوائد.

شرح المباركفوري هو مجرد حاشية وتعليقات على البلوغ فيها فائدة لطالب العلم.

يقول: ما المراد بحديث: ((إذا بلغت الحدود السلطان)) هل السلطان هنا الشرط أو هيئة التحقيق والادعاء العام أو القضاء أو غيره؟

السلطان المراد به الإمام الأعظم، ومن ينوب منابه، ويقوم مقامه ممن وكل إليه الأمر من القضاة، وأما البقية فهم أعوان، ومع ذلك لا يجوز لهم أن يتساهلوا في أمور المسلمين، لا سيما إذا كثر الخبث.

يقول: ما حكم الأكل في البوفيات المفتوحة التي تكون في الفنادق وغيرها؟ وهل يأثم من أكل فيها؟ وهو ضيف أي مدعو لعزيمة، وما رأيكم في قول الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في أن فيها غرر بسيط، ولا يضر حيث أن زملاءنا يحاجوننا بذلك؟

على كل حال مثل هذه الأمور المدفوع معلوم، وأنه يدفع عن كل شخص مثلاً عشرين ريال، لكن المقابل مجهول، فبعض الناس يأكل بعشرة، وبعضهم يأكل بمائة، بعض الناس منهوم يأكل بمائة، والغرر في هذا ليس بيسير ولا بسيط، يتحرج فيه، ويتحرى فيه.

يقول: حتى نصلي ونسلم على الرسول -عليه الصلاة والسلام- في أذكارنا، ما هي أفضل صيغة لنحصل على الأجر: ((من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً)) هل نقول: اللهم صل وسلم على نبينا محمد، أو نقول: صلى الله عليه وسلم؟

كل هذا يتم به امتثال الأمر الوارد في آية الأحزاب.

يقول: أو نقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم؟

هذه في موطنها؛ لأن لها وقت محدد، وإذا قلت: اللهم صل على محمد في غير هذا الموضع، وأردت أن تضيف الآل لما لهم من حق فهم وصية النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهذا زيادة في الخير، لكن أيضاً الصحابة -رضوان الله عليهم- الذين بواسطتهم وصل لنا هذا الدين أيضاً من حقهم علينا أن نضيفهم، ولا نقتصر على الآل.

يقول: أبي أخذ مالاً من بعض الناس لأداء خدمة مقابل هذا المال، ولم يكن يعرف أن المشتركين معه في العمل غير صادقين وغير أمناء فأعطاهم المال ولم يستطع أن يسترده ثم مات، فهل يلزمني شرعاً رد هذا المال لهؤلاء الناس مع أن أبي تم خداعه، ولم يأخذ من المال شيئاً؟

هو لما أخذ المال نيابة عن أهله وعن أصحابه وهو وكيل عنهم في هذا إذا لم يفرط فليس عليه شيء، وإن فرط فإنه يلزمه أن يعوضهم عنه.

يقول: هل يصح لي أن أخرج مهندساً من مكتب هندسي للإشراف في غير وقت الدوام بغير حساب المكتب؟

إذا كان لا تأثير له على الدوام فإنه من حقه أن يعمل إذا لم يؤثر هذا العمل على العمل المتفق عليه المبرم بينه وبين المكتب.

يقول: قرأت في كتاب لأحد المشايخ يقول فيه: إن القضاء في المحاكم هذه الموجودة الآن لا يعرف في تاريخ السلف، بل لا بد أن يكون القضاء في المسجد، فما رأيكم في هذا القول؟

مثل هذا من الأمور المباحة، فإن دعت إليه الحاجة فإنها حينئذٍ تكون مطلوبة شرعاً، وقد لا يتسنى المكان المناسب في المسجد للقضاء، وقد تتطلب القضية ما لا يليق بالمسجد، وأيضاً التعليم كان في المسجد، لو قلنا بهذا لقلنا: التعليم لا يكون إلا بالمسجد، فبناء المدارس والأربطة وغيرها كلها مبتدعة محدثة، ومثل بها للبدع المستحبة عند من يقسم البدع إلى الأحكام الخمسة، يقول: بدع واجبة كالرد على المخالفين، وبدع مستحبة كبناء المدارس والأربطة، وبدع مباحة، وبدع مكروهة، وبدع محرمة، وهذا التقسيم مبتدع مخترع لا يدل عليه دليل شرعي، بل البدع كلها مذمومة ((وكل بدعة ضلالة)) فكيف الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((كل بدعة ضلالة)) وأنا أقول: بدعة واجبة؟ الرسول يقول -عليه الصلاة والسلام-: ((كل بدعة ضلالة)) وأنا أقول: بدعة مستحبة، هذا التقسيم مخترع مبتدع لا دليل عليه من الكتاب ولا من السنة.

هذه الأمور لا شك أن جلب المصالح ودرء المفاسد مقرر شرعاً، وإيجاد هذه الأشياء لخدمة هذه الأمور المطلوبة شرعاً مما يعين عليه فهي مطلوبة شرعاً، وإذا لم يتم القضاء إلا بهذه الطريقة كان وجودها واجباً؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

يقول: ((إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)) هل يصح رد الرجل بحجة أنه من طبقة أقل من المرأة والتفريق بين القبيلي وغير القبيلي بحجة الحفاظ على النسب؟

هذا لا يجوز، والكفاءة إنما هي في الدين، لكن من رده نظراً لمصلحة ودرء مفسدة؛ لأن الناس لا يحتملون مثل هذا، ويمكن يحصل مشاكل، فدرء المفاسد مطلوب شرعاً، لكن إن كان على سبيل الترفع والتعالي واحتقار الطرف الآخر فإن هذا لا يجوز، وإذا وجد العقد فالعقد صحيح، لا يجوز نقضه إلا برضا الزوج، بتنازل منه، بخلع، بأن يرضى بنقضه، وإلا فلا يجوز حينئذٍ نقضه وهو نكاح صحيح، وقد ترجم الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في كتاب النكاح: باب الأكفاء في الدين، وذكر فيه حديث ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب ابنة عم النبي -عليه الصلاة والسلام- في الاشتراط في الحج، وقال: "وكانت تحت المقداد" المقداد مولى، وهذه بنت عم الرسول -عليه الصلاة والسلام-، المقصود أنه مولى، وأما الكفاءة فهي في الدين فقط، وهناك قضايا كثيرة بلال تزوج، وعبد الرحمن بن عوف زوج أخته مولى يباع ويشترى.

طالب:.......

لا القضايا كثيرة جداً.

هذا يقول: طلاب العلم في جميع مناطق المملكة في أمس الحاجة إلى مرجعية علمية موثوقة ينتهى إليها في الفتاوى، أو تنتهي إليها الفتوى، ويحتوى طلاب العلم، ويفتح لهم الدروس والأبواب على أن يكون -الكلمة غير واضحة- حتى تتلافى الفجوة الموجودة بين كبار العلماء، وبين الطلاب الذين قد يقعون فريسة لأصحاب الأفكار المنحرفة والضالة.

هذا أمر مطلوب، وعلى أهل العلم الراسخين في العلم والعمل عليهم أن يحتووا وأن يسدوا هذه الفجوة، وهذه الثغرة وفيهم كثرة ولله الحمد، يعني جميع مناطق المملكة فيها من يقوم بهذه المهمة، ولكن المطلوب المزيد.

يقول: هل يشترط للمجتهد أن يجتهد في كل مسألة من مسائل الفقه، ويحرر الأقوال فيها، ويعرف أقوال المخالفين، ثم يوازن بين الأدلة أم لا يلزمه ذلك؟

هذا الأصل، لكن أهل العلم يقررون تجزؤ الاجتهاد، وقد يسعفه الوقت للنظر التام في المسألة، وقد لا يسعفه، لكن عليه أن يتحرى ويبذل ويجتهد، وإذا أدرك جل المسائل ساغ أن يقال له: مجتهد، وإذا لم يستطع النظر في قضايا لتقصير أو قصور فلا مانع من أن يجتهد فيما يسعفه وقته فيه، ويقلد في الباقي.

يقول: ما هي الطريقة المثلى لحفظ السنة؟ وهل تنصح بدورة الجمع بين الصحيحين؟

طالب العلم عليه أن يترسم خطى العلماء المرسومة لطبقات المتعلمين، فيبدأ بالكتب المناسبة للمبتدئين، ثم يثني بكتب المتوسطين، ثم ينظر في كتب المتقدمين، ويحرص على الحفظ، ففي مثل هذا يحفظ الأربعين، ثم العمدة، ثم البلوغ، ثم بعد ذلك يقرأ في الأصول المسندة، فإن كانت الحافظة تسعفه في حفظ المتن مع السند فلا يعدل عنها؛ لأن طالب العلم كما هو بحاجة إلى المتن هو أيضاً بحاجة إلى السند، فإن كانت لا تسعفه فيحفظ في المختصرات، ويحضر الدورات ويستفيد، ومع ذلك يكرر النظر في الأصول، وينظر في شروحها، ويتفقه فيها على طريقة شرحناها في مناسبات كثيرة، يرجع إليها من أرادها، وهي مسجلة وموجودة ومتداولة.

يقول: هل الانتساب لكليات الشريعة معين لمن فاته التعليم الشرعي النظامي أم تنصح بالاكتفاء بالاجتهاد الفردي، أم الأفضل أن يسلك الشخص الدراسة النظامية؟

عليه أن يجمع الدراسة النظامية لها مزايا ومحاسن، لا توجد في غيرها، ودروس المساجد وحضور الحلق العلمية هذا لا يعدله شيء، ولا يغني عنه شيء، ومع ذلك الرافد المهم جداً النظر في المراجع في البيت، فيجمع بين الدراسة النظامية إن كان يستطيع الانتظام فهو الأصل، وإن كان لا يستطيع ينتسب، ويحضر دروس أهل العلم في المساء، ويراجع الكتب فيما بين ذلك وقبله وبعده.

يقول: شخص دخل المسجد والإمام في الركوع، فقال: سبحان ربي العظيم مرة واحدة هل تعد له ركعة؟

نعم إذا تحقق أن الإمام لم يرفع قبل أن يستوي راكعاً.

شخص دخل المسجد وقد انتهت الجماعة أيهما أفضل أن يرجع ويصلي في منزله أم هل يرى إن كان أناساً يصلون جماعة معه أو يصلي وحده؟

على كل حال إذا قصد الجماعة هو معذور، يعني ما فرط، إذا قصد الجماعة فوجدهم قد صلوا فله مثل أجرهم، هذا إذا لم يفرط، أما إذا فرط فهذا ملوم مذموم؛ لأنه فرط في واجب.

هذا الذي جاء إلى المسجد المكتوبة الأفضل فيها أن تكون في المسجد سواءً كان بمفرده أو مع الجماعة، حيث ينادى بها، صلاة المرء في بيته أفضل إلا المكتوبة، لكن إذا كانت في المسجد وليس معه أحد ألبتة، وأراد أن يرجع إلى بيته ليصلي بمن بقي من أولاده من يوجد منهم أو بزوجته لا شك أن تحصيل مثل هذه المصلحة أقوى.

يقول: كثيراً ما يصادف الإنسان في هذه الحياة من مصائبها وأزماتها، وكثير من الخلق لا يستطيعون..، من لا يستطيع الصمود أمامها، فأتمنى أن تذكرنا بأن الحياة هي دار ابتلاء وصبر، وأنها ممر إلى الآخرة؟

جاء في الحديث أن ((الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر)) ((من يرد الله به خيراً يصب منه)) فقالوا: إن عمر بن عبد العزيز إذا أمسى تأمل في يومه إن حصل هل شيء من هذه الإصابة وإلا بكى، يقول: إن الله لم يرد به خيراً.

يقول: ما هي أفضل طبعة لسبل السلام طبعة الحلاق أم طبعة طارق عوض الله؟

لا طبعة الحلاق أفضل، لا سيما الطبعات التي تلوفي فيها كثير من الأخطاء.

ما رأيكم في حفظ بلوغ المرام دون التخاريج المصاحبة للأحاديث؟

ابن حجر لا يطيل في التخاريج، ومعرفة المصدر الذي يرجع إليه من الكتب الأصلية عند الإشكال في غاية الأهمية بالنسبة لطالب العلم.

إذا وجد الإمام لم يسلم بعد فهل يدخل معه أم يصلي مع جماعة أخرى؟

((إذا جاء أحدكم والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام)).

يقول: المعروف من كلام المؤرخين أن أم أيمن -رضي الله عنها- هي حاضنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأن زيد بن حارثة -رضي الله عنه- هو دعيه، يعني يدعى زيد بن محمد في الجاهلية، فكيف زوجهما النبي -صلى الله عليه وسلم- وبينهما من العمر ما لا يقل عن ثلاثين سنة، وأنجبت أسامة؟

ويش الإشكال في هذا؟ يعني كونها لا تحل له، أو كونها أكبر منه؟ كل هذا لا يؤثر؛ لأنها تحل له.

هل يؤاخذ الإنسان بما يحدث به نفسه مثلاً فيقول مع نفسه: لا أريد هذه الزيادة التي في الراتب سوف أجعلها لله تعالى شهرياً، هل يلزمه..، وأخرجها كل شهر، وإن كانت تلزمه إذا طلع تقاعد، هل يخرجها يخرج نفس المبلغ أو على نسبة التقاعد؟

مثل هذا الوعد لا يلزمه أن يفي به، وإنما هو من باب الاستحباب، لكن إن اقترن بذلك عهد ويمين وميثاق مع الله -جل وعلا- إن أخل به {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ} [(77) سورة التوبة] لكن إذا كان مجرد حديث نفس أو كلام من دون تأكيد بعهد ولا ميثاق ولا يمين فإنه يكون مجرد وعد لا يأثم بتركه.

يقول: محل يقوم ببيع منتجات هل يجوز له أن يقدم عرض أسعار لشركة ما على منتج غير موجود عنده في الحاضر، ولكن بعد قبول عرض السعر يستطيع إحضاره، وتقديمه للزبون؟

إذا كان مجرد عرض من غير إبرام عقد فلا مانع، وإن وجد إبرام العقد فقد باع ما ليس عنده، وحينئذٍ لا يجوز.

 

لعلنا نكتفي بهذا القدر، والأسئلة كثيرة، ولا يكفيها لقاء أو لقاءين...

"
ما معنى أمرهم في الحديث: ((لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة))؟

المقصود شأنهم، والمراد به شأن القوم، لا شأن أسرة فيما يخص المرأة، شأن أولاد في تربيتهم هذا صحيح أنه أمر، لكنه ليس بأمر القوم، أمر الأطفال لا بأس، أمر العناية بهم، أمر تربيتهم هذا هو شأنهم.

يقول: ما حكم الأكل في البوفيات المفتوحة التي تكون في الفنادق وغيرها؟ وهل يأثم من أكل فيها؟ وهو ضيف أي مدعو لعزيمة، وما رأيكم في قول الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في أن فيها غرر بسيط، ولا يضر حيث أن زملاءنا يحاجوننا بذلك؟

على كل حال مثل هذه الأمور المدفوع معلوم، وأنه يدفع عن كل شخص مثلاً عشرين ريال، لكن المقابل مجهول، فبعض الناس يأكل بعشرة، وبعضهم يأكل بمائة، بعض الناس منهوم يأكل بمائة، والغرر في هذا ليس بيسير ولا بسيط، يتحرج فيه، ويتحرى فيه.

يقول السائل: يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب] أمر بالتسليم، يعني لا يتم الامتثال امتثال الأمر في هذه الآية حتى يجمع بين الصلاة والسلام؟

{صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب] وأطلق النووي كراهة إفراد الصلاة عن السلام، أو العكس، والحافظ ابن حجر -رحمه الله- خص الكراهة بمن كان ديدنه ذلك، بمعنى أنه يصلي دائماً ولا يسلم، أو يسلم ولا يصلي، لكن من كان يسلم أحياناً أو يصلي أحياناً، ويجمع بينهما تارة، فإن هذا لا تشمله الكراهة.
يقول: أيضاً ورد عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كيفية الصلاة عليه، اللهم صل على محمد وعلى آله محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم... الحديث، كيف نجمع بين ما ذكر بإلحاق التسليم عليه -عليه الصلاة والسلام- وصفة الصلاة في الحديث؟
أولاً: الأمر العام الشامل هو ما جاء في آية الأحزاب، وما جاء في الصلاة الإبراهيمية في الصلاة فرد من أفراد هذا العام، وذكر الفرد من أفراد العام بحكم موافق لحكم العام لا يقتضي التخصيص، بل يقال: هذا في موضعه، وما بقي في سائر المواضع امتثال الآية؛ لأنها جاءت غير مقيدة في وقت ولا في زمان ولا في مكان، فهي الأصل، من أفرادها الصلاة الإبراهيمية في موضعها.

شخص دخل المسجد وقد انتهت الجماعة أيهما أفضل أن يرجع ويصلي في منزله أم هل يرى إن كان أناساً يصلون جماعة معه أو يصلي وحده؟

على كل حال إذا قصد الجماعة هو معذور، يعني ما فرط، إذا قصد الجماعة فوجدهم قد صلوا فله مثل أجرهم، هذا إذا لم يفرط، أما إذا فرط فهذا ملوم مذموم؛ لأنه فرط في واجب.
هذا الذي جاء إلى المسجد المكتوبة الأفضل فيها أن تكون في المسجد سواءً كان بمفرده أو مع الجماعة، حيث ينادى بها، صلاة المرء في بيته أفضل إلا المكتوبة، لكن إذا كانت في المسجد وليس معه أحد ألبتة، وأراد أن يرجع إلى بيته ليصلي بمن بقي من أولاده من يوجد منهم أو بزوجته لا شك أن تحصيل مثل هذه المصلحة أقوى.

يقول: دلونا على شرح كامل لبلوغ المرام تنصحون به للمبتدئين؟

ويش معنى مبتدئ؟ المبتدئ يبدأ بالأربعين، ثم العمدة، ثم البلوغ، فإذا تجاوز المرحلة الأولى، وحفظ الأربعين، وقرأ من شروحها ما يعينه على فهمها، ثم بعد ذلك العمدة، فإنه حينئذٍ يتأهل لا يكون مبتدئ، يكون متوسط في الطلب، فيقرأ البلوغ، وفي الشروح على البلوغ كثرة، منها ما للمتقدمين: "البدر التمام" ومختصره "سبل السلام" وأيضاً للمتأخرين نصيب فشرحه جمع من أهل العلم، وهناك الشروح المطبوعة، والشروح المسموعة، وأما شروح المتأخرين فهي نافعة لجميع الطبقات؛ لأن أساليبهم واضحة يتحدثون بأسلوب العصر الذي يفهمه كافة المتعلمين، ويستفيد منه جميع الطبقات، لكن طالب علم مبتدئ يقرأ في سبل السلام مثلاً قد يعسر عليه فهم كثير من المسائل، لكن إذا قرأ أو سمع من شروح المشايخ شرح الشيخ ابن عثيمين، وشرح الشيخ الفوزان، أو غيرها من الشروح فإنه يستفيد.

هذا أيضاً يتكلم عن القضاة، وأنهم يحتجبون، وبعضهم يقفل الأبواب، وبعضهم...

طبعاً مثلما ذكرنا الأمور التي ترد على أهل العلم، وترد على القضاة، وترد على هؤلاء، لا شك أنها في بعض الأحيان فوق طاقتهم، ولا ينفي أن يوجد مقصر، لا ينفي، وحينما يخاطب عامة الناس بهذا الكلام، يخاطب القضاة بغيره؛ لأن كل جهة لها ما يناسبها من خطاب الشرع، فالقضاة يخاطبون بأن لا يحتجبون، ومن احتجب عن حاجة الناس احتجب الله عن حاجته، يخاطبون بمثل هذا الكلام، لكن غيرهم أيضاً يخاطب بما يليق به، وأن القاضي ليس كالشمس يمكن أن ينتشر فضله ونفعه على سائر الناس أو على جميع الناس.

يقول: حتى نصلي ونسلم على الرسول -عليه الصلاة والسلام- في أذكارنا، ما هي أفضل صيغة لنحصل على الأجر: ((من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً)) هل نقول: اللهم صل وسلم على نبينا محمد، أو نقول: صلى الله عليه وسلم؟

كل هذا يتم به امتثال الأمر الوارد في آية الأحزاب.
يقول: أو نقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم؟
هذه في موطنها؛ لأن لها وقت محدد، وإذا قلت: اللهم صل على محمد في غير هذا الموضع، وأردت أن تضيف الآل لما لهم من حق فهم وصية النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهذا زيادة في الخير، لكن أيضاً الصحابة -رضوان الله عليهم- الذين بواسطتهم وصل لنا هذا الدين أيضاً من حقهم علينا أن نضيفهم، ولا نقتصر على الآل.

يقول: قول الشخص فو الله وبالله وتالله هل هذا من الحلف أو من الإيمان؟ كاتب الهمزة تحت....

قول الشخص فو الله وبالله وتالله، هذه حروف القسم الواو والباء والتاء، فإذا اقترنت باسم من أسماء الله -جل وعلا- أو بصفة من صفاته انعقد اليمين، إذا كان غير مقصود يكثر من قول والله وتالله وبالله، وهكذا في مناسبة وغير مناسبة هذا هو لغو اليمين، كما جاء عن عائشة -رضي الله عنها-، ومع ذلك على الإنسان أن يحفظ اليمين {وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ} [(224) سورة البقرة] فعليه أن يحفظ اليمين، وأن يعظم الرب -جل وعلا- عن الابتذال.
يقول: هل هذا من الحلف؟
إذا كان مقصود هو من الحلف، وإذا كان مجرد لغو من غير قصد هو مثل ما جاء عن عائشة تمثيل للغو اليمين المنصوص عليه.
أو من الإيمان؟
أنا ما فهمت السؤال، أو الأيمان؟ الحلف واليمين واحد.

يقول: كثيراً ما يصادف الإنسان في هذه الحياة من مصائبها وأزماتها، وكثير من الخلق لا يستطيعون..، من لا يستطيع الصمود أمامها، فأتمنى أن تذكرنا بأن الحياة هي دار ابتلاء وصبر، وأنها ممر إلى الآخرة؟

جاء في الحديث أن ((الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر)) ((من يرد الله به خيراً يصب منه)) فقالوا: إن عمر بن عبد العزيز إذا أمسى تأمل في يومه إن حصل هل شيء من هذه الإصابة وإلا بكى، يقول: إن الله لم يرد به خيراً.

هل يجوز التضييق على البائع حتى تعلم بكم اشترى السلعة؟

هذا من سوء الأدب، إذا فهمت منه أنه لا يريد إخبارك فإنك لا تلح عليه؛ لأن هذا ليس من السماحة في البيع والشراء، وجاء مدح السمح في البيع ((سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى)) ثم ماذا إذا قال لك: اشتريتها بخمسمائة، ولا أريد بيعها إلا بألف، ماذا تستفيد؟ تقول: أنت اشتريتها بخمسمائة أريدها بستمائة، يقول: لا، ما يمكن، فما تستفيد إلا أنك تتعب أنت بنفسك، وتتعب صاحب السلعة.

يقول: هل يحكم القاضي بمذهبه فقط أو مع اجتهاده في المذاهب؟

قلنا في حديث: ((إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر)) أن الحديث يؤخذ منه أن من شروط القاضي أن يكون مجتهداً، والاجتهاد ليس من الصعوبة بحيث لا يناله أحد كما قرر كثير من المتأخرين، وأوجبوا التقليد، وحرموا الخروج عن المذاهب، هم أوجبوا على المتعلمين من المتمذهبة من المقلدة ما هو أكثر مشقة من التأهل للاجتهاد في النظر في النصوص، وأشرنا إلى هذا في شرح الحديث؛ لأنهم يريدون بل يلزمون المقلد أن يعامل نصوص الإمام بما تعامل به نصوص الوحيين، ومما نص عليه أنه إذا أثر عن الإمام أكثر من قول فبأيها يعمل؟
الشافعية عندهم القديم والجديد، والفتوى عندهم على الجديد إلا في مسائل الفتوى فيها على القديم، ذكرت في مقدمة المجموع في الأشباه والنظائر.
الإمام أحمد يُروى عنه روايات في المسألة الواحدة، تصل إلى أربع وخمس روايات، يعني لا يمكن الأخذ بها بجميعها، فكيف يتعامل من يتمذهب بمذهب الإمام أحمد مع هذه الروايات؟ قالوا: عليه أن يتعامل معها كما يتعامل مع النصوص، فإن أمكن الجمع بينها ولو بحمل المطلق على المقيد، والعام على الخاص، تعين المصير إليه، وإن لم يمكن وعرف المتقدم من المتأخر فالمتأخر هو المذهب، يعني كما يقال في النصوص بالنسخ، وإن جهل التاريخ فالتوقف، يعني أنت تتعامل مع نصوص بشر بهذه الطريقة، لماذا لا تتعامل بهذه الطريقة مع نصوص الوحيين؟ وبدلاً من أن تكون مقلداً أو مجتهداً في مذهب تكون مجتهداً في الكتاب والسنة.
على كل حال الكلام في التقليد والاجتهاد كلام طويل بين أهل العلم فمن موجب للاجتهاد، ومن محرم له، لكن على الإنسان أن يسعى إلى تحقيق أو تحقق الأهلية في نفسه للنظر في النصوص، ويجعل الحكم في جميع أموره ما قاله الله وقاله رسوله -عليه الصلاة والسلام-، وعليه أن يسعى لمعرفة القواعد التي تعينه على فهم هذه النصوص، وكيفية التعامل معها.
إذا كان لا يستطيع، واحتيج إليه إن كان لا يستطيع أن يتعامل مع النصوص، واحتيج إليه، ولا يوجد غيره ممن يحكم بالدليل فهو في حكم العامي ينظر في أقوال إمامه، ويجتهد ويسأل ويتحرى ويتثبت، والله المستعان، وهذا لا يلجأ إليه إلا في حال عدم وجود من يتعامل مع النصوص، وإلا فالحكم لله ولرسوله -عليه الصلاة والسلام-.

يقول: أبي أخذ مالاً من بعض الناس لأداء خدمة مقابل هذا المال، ولم يكن يعرف أن المشتركين معه في العمل غير صادقين وغير أمناء فأعطاهم المال ولم يستطع أن يسترده ثم مات، فهل يلزمني شرعاً رد هذا المال لهؤلاء الناس مع أن أبي تم خداعه، ولم يأخذ من المال شيئاً؟

هو لما أخذ المال نيابة عن أهله وعن أصحابه وهو وكيل عنهم في هذا إذا لم يفرط فليس عليه شيء، وإن فرط فإنه يلزمه أن يعوضهم عنه.

يقول: إذا وجد المسلم في نفسه صفات تؤهله لأن يطلب الإمارة، ويحرص عليها، وإذا لم يفعل فسيتضرر من تحت إمارة غيره، فهل ذلك داخل في الحرص على الإمارة التي وردت في الحديث؟

أما إذا تعينت عليه الإمارة بحيث لا يوجد من يقوم به غيره، فإنه يلزمه قبولها إذا عرضت، ولا مانع من أن يذكر ذلك عن نفسه، وأنه لا مانع لديه من قبولها، يعرض بذلك، وإن اقتضى الأمر إلى التصريح فيصرح، كما قال يوسف -عليه السلام-: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ} [(55) سورة يوسف] وما عدا ذلك كما جاء في حديث عبد الرحمن بن سمرة: ((لا تسأل الإمارة)) لأنها إذا جاءت عن مسألة وكل الإنسان إلى نفسه، وإذا جاءت من غير طلب ولا مسألة فإنه يُعان عليها.

يقول: ما هي أفضل طبعة لسبل السلام طبعة الحلاق أم طبعة طارق عوض الله؟

لا طبعة الحلاق أفضل، لا سيما الطبعات التي تلوفي فيها كثير من الأخطاء.

هل قوله: ((بعد العصر)) مقصود به معنىً معين؟

نعم الوقت، من صلاة العصر أو من دخول وقت صلاة العصر إلى غروب الشمس، وهذا وقت معظم في جميع الشرائع، وله شأنه لا سيما إذا كان في الوقت الذي ترجى فيه الإجابة كعصر الجمعة.

يقول: إذا كان السائق مع المرأة في السيارة داخل البلدة، هل هذه تعتبر خلوة غير شرعية؟

نعم، إذا لم يوجد ثالث فالثالث الشيطان؛ لأن إغلاق الأبواب، وتضليل الزجاج، والتمكن من الحديث بينهما لا شك أن مثل هذا فيه فرصة كبيرة لدخول الشيطان بينهما، وكم من مصيبة حصلت بسبب هذا.

يقول: هل يصح لي أن أخرج مهندساً من مكتب هندسي للإشراف في غير وقت الدوام بغير حساب المكتب؟

إذا كان لا تأثير له على الدوام فإنه من حقه أن يعمل إذا لم يؤثر هذا العمل على العمل المتفق عليه المبرم بينه وبين المكتب.

يقول: أريد القول الراجح في هذه المسائل: هل تشترط الطهارة في الطواف؟

نعم جمهور أهل العلم على أن الطهارة في الطواف من الحديثين الأصغر والأكبر شرط لصحته، النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ لما أراد دخول المسجد، لما دخل مكة توضأ، بل اغتسل، ومعه الوضوء، فطاف طاهراً، وقال: ((خذوا عني مناسككم)) وقال عن عائشة لما حاضت: ((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت)) ولم يحفظ في عصره -عليه الصلاة والسلام- ولا قضية واحدة من شخص طاف بغير طهارة.

ما رأيكم في حفظ بلوغ المرام دون التخاريج المصاحبة للأحاديث؟

ابن حجر لا يطيل في التخاريج، ومعرفة المصدر الذي يرجع إليه من الكتب الأصلية عند الإشكال في غاية الأهمية بالنسبة لطالب العلم.

يقول: يفترض أن كل من يحضر مثل هذه المجالس الطيبة أن يكون قدوة، ولكننا نلاحظ على بعض إخواننا التالي: أولاً: عدم إغلاق جوالاتهم، وهذا يتكرر كثيراً.

هو لا شك أن الجوال يشوش على صاحبه، وعلى من يسمعه، لا سيما إذا كانت النغمة ممنوعة، هو في الجملة يشوش على أي حال؛ لأن الأذهان تنصرف إلى سماع الصوت المفاجئ، فالذي ينبغي في مثل هذه الدروس إغلاق الجوالات، ومن باب أولى الصلاة.
يقول: عدم إيقاف سياراتهم بطريقة صحيحة.
نعم يأتي شخص فيعرض السيارة بدل ما يكون المكان يسع سيارتين يكون يسع سيارة واحدة.
والوقوف أمام مداخل المنازل، وإقفال بعضهم على بعض.
هذا أيضاً فيه إساءة، وفيه جناية على صاحب المنزل، وقد تكون سيارته في داخل المنزل، وعنده موعد ضروري، وقد احتاج إلى أمر مهم، ثم إذا طلب السيارة لم يجد المنفذ الذي تنفذ منه هذه السيارة، فينحبس في بيته، وقد يضطر إلى أخذ سيارة أجرة وسيارته موجودة في بيته، لا شك أن هذه إساءة، تعدي على صاحب المنزل.

يقول: ما حكم التلبية في الحج والعمرة؟

عامة أهل العلم على أنها سنة، وأوجبها الحنفية.

يقول: قرأت في كتاب لأحد المشايخ يقول فيه: إن القضاء في المحاكم هذه الموجودة الآن لا يعرف في تاريخ السلف، بل لا بد أن يكون القضاء في المسجد، فما رأيكم في هذا القول؟

مثل هذا من الأمور المباحة، فإن دعت إليه الحاجة فإنها حينئذٍ تكون مطلوبة شرعاً، وقد لا يتسنى المكان المناسب في المسجد للقضاء، وقد تتطلب القضية ما لا يليق بالمسجد، وأيضاً التعليم كان في المسجد، لو قلنا بهذا لقلنا: التعليم لا يكون إلا بالمسجد، فبناء المدارس والأربطة وغيرها كلها مبتدعة محدثة، ومثل بها للبدع المستحبة عند من يقسم البدع إلى الأحكام الخمسة، يقول: بدع واجبة كالرد على المخالفين، وبدع مستحبة كبناء المدارس والأربطة، وبدع مباحة، وبدع مكروهة، وبدع محرمة، وهذا التقسيم مبتدع مخترع لا يدل عليه دليل شرعي، بل البدع كلها مذمومة ((وكل بدعة ضلالة)) فكيف الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((كل بدعة ضلالة)) وأنا أقول: بدعة واجبة؟ الرسول يقول -عليه الصلاة والسلام-: ((كل بدعة ضلالة)) وأنا أقول: بدعة مستحبة، هذا التقسيم مخترع مبتدع لا دليل عليه من الكتاب ولا من السنة.
هذه الأمور لا شك أن جلب المصالح ودرء المفاسد مقرر شرعاً، وإيجاد هذه الأشياء لخدمة هذه الأمور المطلوبة شرعاً مما يعين عليه فهي مطلوبة شرعاً، وإذا لم يتم القضاء إلا بهذه الطريقة كان وجودها واجباً؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

من انتقض وضوؤه أثناء الطواف؟

عليه أن يخرج ويتوضأ، لكن هل يبني على ما سبق أو لا يبني؟ إن لم يطل الفصل فلا مانع من البناء، وإلا فليستأنف.

إذا وجد الإمام لم يسلم بعد فهل يدخل معه أم يصلي مع جماعة أخرى؟

((إذا جاء أحدكم والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام)).

هذا يقول: لماذا لم يحكم القاضي شريح بين أمير المؤمنين علي واليهودي بيمين وشاهد؟

أولاً: ذكرنا في الوقت نفسه أن القصة فيها ضعف، خرجها أبو نعيم في الحلية بإسنادٍ فيه ضعف.
الأمر الثاني: أن اليمين والشاهد جاء فيه الحديث الصحيح وهو مختلف فيه بين أهل العلم، قد يكون قد بلغ علياً -رضي الله عنه- أو لم يبلغه، وقد يكون القاضي شريح ممن يقول به أو لا يقول به، وإلا له شاهد، وهو مولاه قنبر على ما أفادت القصة.

يقول: البعض يشرب قارورة الماء ثم يتركها في المسجد، وكان الأولى به أن يخرجها معه حتى وإن كان لم يشربها.

نعم إذا كان القذى وهو ما يوجد من الأوساخ في العين، وهو لا يكاد يرى إساءة بقاؤه في المسجد، وإخراجه من الحسنات التي عرضت على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فمن باب أولى إخراج ما هو أكبر منه، بعض الناس يقول: المسجد فيه عامل، ولا داعي أن أنظف بنفسي، العامل يتولى، لكن لماذا تحرم نفسك عن الأجر، تنظيف المساجد، أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- ببناء المساجد في الدور، وتنظيفها، وتطييبها، وإزالة هذه المخلفات من التنظيف.

هل يجوز عرض البنات على الأكفاء؟

عثمان بن عفان -رضي الله عنه- الخليفة الراشد، وهذا سبق أن ذكرناه في كتاب النكاح، في حديث ابن مسعود ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)) قلنا: إن سبب إيراد الحديث لا ورود الحديث؛ لأنه هناك فرق بين سبب الإيراد، وسبب الورود، سبب الورود هو الذي بعث النبي -عليه الصلاة والسلام- لقول أو للكلام في هذا الحديث، كسبب نزول الآية، أما سبب الإيراد، ما الذي جعل ابن مسعود يورد هذا الحديث؟ أن عثمان -رضي الله عنه- وهو الخليفة الراشد عرض عليه بنته، عرض على ابن مسعود، وابن مسعود في وقتها عمره أكثر من سبعين سنة، فقال: يا أبا عبد الرحمن: ألا نزوجك فتاة تعيد لك ما مضى من شبابك؟ تصور أكثر من سبعين سنة والخليفة الذي يعرض عليه؛ لأن المقاييس شرعية.
ابن مسعود أيضاً بدوره ما قال: فرصة العمر، لو أطرق أبواب الناس ما زوجت، قال: لا، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا معشر الشباب)) يعني ما قال: يا معشر الشيوخ، ففي القصة منقبة للطرفين، وفيها عرض المولية البنت على هذا الرجل الخير، ولا يمنع أن تعرض ابنتك على من تبرأ ذمتك بتزويجه، لكن في الأحوال والظروف التي نعيشها وتغير القلوب؛ لأنك قد تعرض على خير، ثم النتيجة ماذا يقول؟ يقول: لولا أن فيها عيب ما عرضها، أكيد أن فيها عيب، هذه قلوب الناس اليوم إلا من رحم الله، فيعرض بطريقة غير مباشرة، فيتم العرض، لكن بطريقة غير مباشرة؛ لأن الناس يرون في هذا ابتذال، وهو وإن كان شرعي وما في شك أنه منقبة لولي هذه البنت، ومن باب النصح لها، لكن يبقى أن النفوس اليوم قد لا يتحمل كثير من الناس مثل هذا العرض، ولا يحمله على ظاهره، فيكون العرض بطريقة غير مباشرة.

يقول: ((إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)) هل يصح رد الرجل بحجة أنه من طبقة أقل من المرأة والتفريق بين القبيلي وغير القبيلي بحجة الحفاظ على النسب؟

هذا لا يجوز، والكفاءة إنما هي في الدين، لكن من رده نظراً لمصلحة ودرء مفسدة؛ لأن الناس لا يحتملون مثل هذا، ويمكن يحصل مشاكل، فدرء المفاسد مطلوب شرعاً، لكن إن كان على سبيل الترفع والتعالي واحتقار الطرف الآخر فإن هذا لا يجوز، وإذا وجد العقد فالعقد صحيح، لا يجوز نقضه إلا برضا الزوج، بتنازل منه، بخلع، بأن يرضى بنقضه، وإلا فلا يجوز حينئذٍ نقضه وهو نكاح صحيح، وقد ترجم الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في كتاب النكاح: باب الأكفاء في الدين، وذكر فيه حديث ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب ابنة عم النبي -عليه الصلاة والسلام- في الاشتراط في الحج، وقال: "وكانت تحت المقداد" المقداد مولى، وهذه بنت عم الرسول -عليه الصلاة والسلام-، المقصود أنه مولى، وأما الكفاءة فهي في الدين فقط، وهناك قضايا كثيرة بلال تزوج، وعبد الرحمن بن عوف زوج أخته مولى يباع ويشترى.
طالب:.......
لا القضايا كثيرة جداً.

هل يشترط المشي في الطواف؟ وحكم من ركب وهو غير محتاج؟

النبي -عليه الصلاة والسلام- لما حطمه الناس ركب وهو يستطيع المشي، هذه رواية الصحيح، رواية البخاري، وفي بعض روايات أبي داود قال: "وكان شاكياً" وعلى كل حال إذا احتاج إلى الركوب ولو لم يضطر إليه، ولو استطاع المشي، لكن هناك حاجة؛ لأن فرق بين الحاجة والضرورة، إذا احتاج إلى الركوب لكونه ممن يقتدى به فينظر كيف يفعل هذا لا مانع من ركوبه وإلا فالأصل المشي.

يقول:

المعروف من كلام المؤرخين أن أم أيمن -رضي الله عنها- هي حاضنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأن زيد بن حارثة -رضي الله عنه- هو دعيه، يعني يدعى زيد بن محمد في الجاهلية، فكيف زوجهما النبي -صلى الله عليه وسلم- وبينهما من العمر ما لا يقل عن ثلاثين سنة، وأنجبت أسامة؟
ويش الإشكال في هذا؟ يعني كونها لا تحل له، أو كونها أكبر منه؟ كل هذا لا يؤثر؛ لأنها تحل له.

يقول: جمادى هو الشهر الوحيد المؤنث بين الشهور العربية، فلا يصح أن يقال: جمادى الأول أو الآخر؟

هذا ذكرناه، بل الأولى والآخرة، جماد الآخرة تعني المتأخرة، فلا يصح استبدالها بجماد الثانية أو الأخرى.
طيب إلى الآن ما حل الإشكال؛ لأنه أوردنا الكلام بالنسبة لربيع الثاني وجماد الآخرة، هم يقولون: الثاني إذا كان هناك ثالث، والآخر أو الآخرة إذا لم يكن بعده شيء، وكما يقال في جمادى يقال في ربيع، فما كتبه الأخ لا يحل الإشكال.

يقول: البعض يستخدم الكراسي الأرضية التي أعدت لراحة طلاب العلم، ثم تجده يتركها في مكانها، ولا يعيدها إلى حيث أخذها، أو أنه لا يطبقها بطريقة صحيحة؟

يستخدم الكراسي الأرضية مثل إيش؟
طالب:.......
وهذه من المسجد؟
نعم التي يستند إليها، وهي متنقلة يعني تنقل من مكان إلى آخر.
يستخدم الكراسي الأرضية التي أعدت لراحة طلاب العلم، ثم تجده يتركها في مكانها، ولا يعيدها إلى حيث أخذها، أو أنه لا يطبقها بطريقة صحيحة؟
على كل حال على اليد ما أخذ حتى تؤديه، فإذا كان لها مكان مخصص يعيدها إلى نفس المكان؛ لئلا يبحث عنها من يريدها فلا يجدها، وإذا كان لها طريقة تعاد إليها بإغلاق على هيئة أو صفة معينة فعليه أن يفعل بها كما وجدها.
مسألة أشرنا إليها في مناسبات، وهي أن الكراسي المعدة للمصاحف يوضع عليها المصحف، بعض الناس يجعلها تُكأة، يسند ظهره عليها، فيستعملها في غير ما أوقفت له، هي أوقفت ليوضع عليها المصحف، فتجده يطبق بعضها على بعض، ويجعلها خلف ظهره، لا شك أنها تعينه على الجلوس، لكن يبقى أنها إنما أوقفت للقراءة، فإذا وجد من يحتاجها للقراءة فهو أولى بها، وإذا لم يحتج إليها للقراءة فينتفع بها على أي وجه.

يقول: إشكال أريد أن أفهمه، وهو قيام الرسول -عليه الصلاة والسلام- بأخذ عير وتجارة قريش في غزوة بدر، مع كون الرسول -عليه الصلاة والسلام- كان مثلاً أعلى في الرفق، وتحمل أذى الناس من قريش وغيرهم، وفي أخذه هذه التجارة يعتبر من قطع الطريق، فكيف نفهم ذلك؟

أولاً: المال مال حربي، لا ذمي، ولا معاهد، ولا مسلم، مال حربي، فلا يقال مثل هذا الكلام.

هذا يقول:

طلاب العلم في جميع مناطق المملكة في أمس الحاجة إلى مرجعية علمية موثوقة ينتهى إليها في الفتاوى، أو تنتهي إليها الفتوى، ويحتوى طلاب العلم، ويفتح لهم الدروس والأبواب على أن يكون -الكلمة غير واضحة- حتى تتلافى الفجوة الموجودة بين كبار العلماء، وبين الطلاب الذين قد يقعون فريسة لأصحاب الأفكار المنحرفة والضالة.
هذا أمر مطلوب، وعلى أهل العلم الراسخين في العلم والعمل عليهم أن يحتووا وأن يسدوا هذه الفجوة، وهذه الثغرة وفيهم كثرة ولله الحمد، يعني جميع مناطق المملكة فيها من يقوم بهذه المهمة، ولكن المطلوب المزيد.

هل يشترط تعيين النية في الطواف؟

نعم الطواف عبادة لا يصح إلا بنية ((إنما الأعمال بالنيات)).

هل يؤاخذ الإنسان بما يحدث به نفسه مثلاً فيقول مع نفسه: لا أريد هذه الزيادة التي في الراتب سوف أجعلها لله تعالى شهرياً، هل يلزمه..، وأخرجها كل شهر، وإن كانت تلزمه إذا طلع تقاعد، هل يخرجها يخرج نفس المبلغ أو على نسبة التقاعد؟

مثل هذا الوعد لا يلزمه أن يفي به، وإنما هو من باب الاستحباب، لكن إن اقترن بذلك عهد ويمين وميثاق مع الله -جل وعلا- إن أخل به {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ} [(77) سورة التوبة] لكن إذا كان مجرد حديث نفس أو كلام من دون تأكيد بعهد ولا ميثاق ولا يمين فإنه يكون مجرد وعد لا يأثم بتركه.

يقول: قلت: إن الوسائل لها أحكام المقاصد إلا في النذر فوسيلته مكروهة، والغاية والمقصد واجب.

عقد النذر مكروه، إنما يستخرج به من البخيل، وجاء النهي عنه، لكن الوفاء به واجب ((من نذر أن يطيع الله فليطعه)).
قال: فأشكل علي...
الكتابة ما هي بواضحة، هل هو القصد أو القصر؟ هي راء، في أصله مباح، إنما هو أوجب على نفسه المقصد المباح فكرهت الوسيلة، فهل يكون هذا لا يعارض... ما هو بواضح.

يقول: جاء في تعريف الصحابي أنه من لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- مؤمناً به ومات على الإسلام، السؤال: هل يدخل في التعريف من ارتد بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم عاد إلى الإسلام؟

نعم؛ لأن أهل العلم في التعريف يقولون: ولو تخلله ردة، من لقي النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمناً به يعني حال كونه مؤمناً، ومات على الإسلام، ولو تخلل ذلك ردة، سواء كان في عهده -عليه الصلاة والسلام- أو بعده.

يقول: ما صحة حديث أن من جلس بعد الفجر يذكر الله حتى تطلع الشمس كان بأجر حجة وعمرة تامة تامة، وفي حديث آخر أن من فعل ذلك غفر له ما تقدم من ذنبه؟

أما اللفظ الأول بأجر حجة وعمرة هذا فيه ضعف عند أهل العلم، لكنه قابل للتحسين، وحسنه جمع من أهل العلم، وصححه بعضهم، ومع ذلك هو ثبت من فعله -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يجلس في المصلى حتى تنتشر الشمس.

يقول: هل يشترط للمجتهد أن يجتهد في كل مسألة من مسائل الفقه، ويحرر الأقوال فيها، ويعرف أقوال المخالفين، ثم يوازن بين الأدلة أم لا يلزمه ذلك؟

هذا الأصل، لكن أهل العلم يقررون تجزؤ الاجتهاد، وقد يسعفه الوقت للنظر التام في المسألة، وقد لا يسعفه، لكن عليه أن يتحرى ويبذل ويجتهد، وإذا أدرك جل المسائل ساغ أن يقال له: مجتهد، وإذا لم يستطع النظر في قضايا لتقصير أو قصور فلا مانع من أن يجتهد فيما يسعفه وقته فيه، ويقلد في الباقي.

هل الموالاة في الطواف شرط؟

الموالاة إذا كان يقصد بها ألا يفصل بين شوطين بشيء ألبتة فلا؛ لأن له أن يطوف شوطاً ثم يشرب ماءً أو يتحدث بشيء يسير مع أحد، أما أن يطوف اليوم شوط، ثم يذهب لينام ثم يأتي للشوط الثاني، لا؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- طاف متتابعاً، وقال: ((خذوا عني مناسككم)).

يقول: محل يقوم ببيع منتجات هل يجوز له أن يقدم عرض أسعار لشركة ما على منتج غير موجود عنده في الحاضر، ولكن بعد قبول عرض السعر يستطيع إحضاره، وتقديمه للزبون؟

إذا كان مجرد عرض من غير إبرام عقد فلا مانع، وإن وجد إبرام العقد فقد باع ما ليس عنده، وحينئذٍ لا يجوز.

يقول: ((ويظهر فيهم السمن)) هل هذا الوصف راجع... كذا الكتابة رديئة جداً. هل القوم الذين يأتون بعد القرون المفضلة أم راجع إلى الذين يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون.

هذه أوصاف كلها ترجع إلى من بعد القرون المفضلة، وهذا يكثر فيهم ويغلب، لكنه في القرون المفضلة نادر جداً.

يقول: ما حكم تقنين القضاء الإسلامي مثل تقنين الأحكام؟

منذ أمد بعيد قننت الأحكام في مجلة الأحكام العدلية، وصار عليها قضاة الدولة التركية، واعتنى بها الناس من مسلمين وغيرهم، وشرحت هذه المجلة من قبل جمع من المسلمين، ومن النصارى، شرحوا هذه المجلة؛ لأنهم يحتاجون إلى مثل هذه الأحكام، يحتاجون إلى توضيحها؛ لأن جلهم من المحامين، والأصل أن القضاء يناط بأكفاء يجتهدون في القضايا، والقضايا لا يمكن حصرها، فهي متجددة، فيوكل النظر فيها إلى اجتهاد القضاة؛ لأن فيها ما يمكن وجوده في كتب المتقدمين، ومنها ما لا يوجد بحرفه ونصه في كتب العلماء، فيتصرف القاضي الكفء بإيجاد الحكم المناسب الشرعي لهذه القضايا المستجدة، وإذا تم التقنين فإنه لا يتسنى له أن يجتهد، وأيضاً المسائل أو القضايا المتشابهة من وجه يكون فيها اختلاف من وجوه، فكيف يحكم فيها بحكم واحد مع وجود هذا الاختلاف، ولو تشابهت من وجه آخر، أو من وجوه أخرى؟! فالتقنين لا شك أنه يقضي على الاجتهاد بالنسبة للقضاة، ويلزمهم بأحكام قد تنطبق على ما جاء في هذا التقنين، ومع ذلك هم بحاجة إلى شيء من المساحة، يتحركون فيها، وإذا وجد هذا التقنين ضيق عليهم، فمن المسائل المتشابهة قضايا اعتداء على أموال أو على أعراض، وجدت قضيتان متشابهتان في بادئ الأمر، هاتان القضيتان حكمهما واحد إذا قنن القضاء، لكن القاضي يرى من الأحوال والظروف المحتفة بقضية هذا ما لا يراه مما يحتف بقضية الثاني، وحينئذٍ يحكم بحكم واحد وإلا لا؟ من خلال التقنين لا بد أن يحكم بحكم واحد، ومن خلال الشرع لا، فالتقنين لا يسوغ.
قد يوجد مبررات، قد يوجد من يبرر لهذا التقنين، وأن القضاة كثير منهم ينقصهم شيء من الكفاءة، وأن في أحكام بعضهم مع بعض اختلاف، وبون شاسع، نقول: هذه لها حلول، ويبقى الأمر على ما كان من صدر الأمة التي فيها الخيرية إلى يومنا هذا، يجتهد في اختيار القضاة، ويجتهد في تأهيلهم، وأيضاً من وجد منه ما يخالف النظر الشرعي ينبه، وليسوا بمعصومين، والقضاة من الصدر الأول إلى آخر الزمان وهم يجتهدون، والأمر -ولله الحمد- فيه سعة، وليس فيه تضييق، وإذا كان أهلاً للنظر، وبذل وسعه، واجتهد في النظر في القضية، وحكم بما يراه الحق لا بالهوى، فإنه مأجور على كل حال، فإن أصاب له أجران، وإن أخطأ له أجر واحد.

هل يؤجر العبد إذا قصد المشقة في العبادة؟

لا، المشقة لذاتها ليست من مقاصد الشرع، ليست من مقاصد الشريعة، فإذا كان له طريقان إلى المسجد أحدهما بعيد والآخر قريب يقول: أسلك البعيد من أجل أن يكثر الأجر نقول: لا؛ لأن المشقة ليست مقصودة لذاتها، ولذا يختلف أهل العلم في الحج حج الماشي والراكب أيهما أفضل؟ في الآية ما الذي قدم؟ {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [(27) سورة الحـج] قدم الرجال المشاة، ولذا قال جمع من أهل العلم: أن المشي أفضل، لكن الجمهور قالوا: لا، المشي كثير، وما كل الناس يجد دابة، والمشي كل يستطيعه، والذي لا يستطيعه لا يلزمه الحج، فقدم لأنه الأكثر والأغلب، وإلا فالنبي -عليه الصلاة والسلام- حج راكباً، وما كان الله ليختار لنبيه إلا الأفضل.

يقول: ما هي الطريقة المثلى لحفظ السنة؟ وهل تنصح بدورة الجمع بين الصحيحين؟

طالب العلم عليه أن يترسم خطى العلماء المرسومة لطبقات المتعلمين، فيبدأ بالكتب المناسبة للمبتدئين، ثم يثني بكتب المتوسطين، ثم ينظر في كتب المتقدمين، ويحرص على الحفظ، ففي مثل هذا يحفظ الأربعين، ثم العمدة، ثم البلوغ، ثم بعد ذلك يقرأ في الأصول المسندة، فإن كانت الحافظة تسعفه في حفظ المتن مع السند فلا يعدل عنها؛ لأن طالب العلم كما هو بحاجة إلى المتن هو أيضاً بحاجة إلى السند، فإن كانت لا تسعفه فيحفظ في المختصرات، ويحضر الدورات ويستفيد، ومع ذلك يكرر النظر في الأصول، وينظر في شروحها، ويتفقه فيها على طريقة شرحناها في مناسبات كثيرة، يرجع إليها من أرادها، وهي مسجلة وموجودة ومتداولة.

حكم الركعتين بعد الطواف؟

جمهور أهل العلم على أنهما سنة، لا يلزم بتركهما شيء، ومنهم من أوجبهما، ومن أهل العلم من يقول: إن حكمهما حكم الطواف، فإن كان الطواف واجباً كانتا واجبتين وإلا فسنة، وعلى كل القول المعتمد عند أهل العلم أن ركعتي الطواف سنة.

يقول: ما فائدة ذكر الأحاديث الضعيفة هنا مع أن المقام مقام ذكر أدلة الأحكام، والحكم لا يؤخذ من الأحاديث الضعيفة؟

الحديث الضعيف لا يستدل به في الأحكام في قول عامة أهل العلم، وإن وجدت الأحاديث الضعيفة في كتب الفقه، عند الفقهاء توجد، مع أنهم يرون أنه لا يستدل بها في الأحكام، وهي موجودة، وذكرها مع أنهم يعتمدون عليها، ولا شك أن هذا تقصير في البحث عن هذه الأحاديث، قد يعذرون أنهم ليسوا من أهل الشأن، ويذكرون الحديث ويتداولونه ويتناقلونه من غير نظر في إسناده ولا متنه، فهم ليسوا من أهل الاختصاص، وينقل بعضهم من بعض، هذا بالنسبة لكتب الفقه، يعني إذا أوجدنا هذا العذر للفقهاء الذين ليست لديهم أهلية النظر في الأسانيد والمتون، فإن كتب أحاديث الأحكام، وألفها في الغالب من لديه أهلية النظر كالحافظ مثلاً ابن حجر يورد أحاديث في البلوغ ويضعفها، ينص على ضعفها، ومع ذلك الشراح يستنبطون منها الأحكام.
حينما يوردها المؤلف ليعرف بها، وأنها ضعيفة، ولو تركها ولم يذكرها لاستدرك عليه من استدرك ممن يجهل حقيقة الأمر، وإذا ذكرت فعلّ الواقف الذي وقف عليها مع بيان ضعفها أن يقف على طرق تقويها، والإشكال حينما يذكر في مثل هذه الكتب، وهي مخصصة لأحاديث الأحكام أن تذكر مجردة عن الأسانيد، ومجردة عن الأحكام، وفي هذا غرر، غرر بالغ على المتعلمين.
أما إذا ذكرت مع ذكر أحكامها فلن يكون في ذلك غرر، والشراح حينما يستنبطون ويبنون على هذه الأحاديث أحكام، إنما يذكرونها من باب تمرين الطالب على الاستنباط، لا من باب تقرير الحكم من هذا الحديث الضعيف، أو لأن من أهل العلم من استنبط منها إما لعدم معرفته بحكمها، أو لأنها ثبتت عنده.
على كل حال طالب العلم عليه أن يسعى للتأهل، للنظر في الأحاديث في متونها وأسانيدها، وأن يعمل بما يؤديه إليه اجتهاده في الإثبات، إثبات الأدلة التي يعتمد عليها، وفي الاستنباط أيضاً.

يقول: ما رأيكم في بعض شروح البلوغ مثل شرح القِنَوَجي "فتح العلام"؟

هو بحروفه مأخوذ من سبل السلام إلا أنه حذف مذاهب الزيدية، وأبقى المذاهب المعتبرة، ومع ذلك له تنبيهات لكنها يسيرة جداً، فهو نافع من هذه الحيثية.
شرح لقمان السلفي، شرح، تعليق ما فيه يعني شيء من العمق التي في شروح المتقدمين، ينتفع به طالب العلم؛ لأنه يحل بعض الكلمات الغامضة التي تحتاج إلى شرح، وأيضاً ينبه على بعض الفوائد.
شرح المباركفوري هو مجرد حاشية وتعليقات على البلوغ فيها فائدة لطالب العلم.

يقول: هل الأحكام الشرعية فيها ما لا يطاق؟

ليس فيها ما لا يطاق، لكن فيها ما فيه مشقة على بعض الناس؛ لأن الجنة حفت بالمكاره، والناس يتفاوتون، هذه التكاليف من الناس من يتلذذ بها، ومن الناس من يراها أشق من حمل الصخور، كل على حسب ما وقر في قلبه من إيمان، وكل على ما وطن نفسه، وعودها عليه، لا بد من مجاهدة النفس على العبادة، السلف يقولون: "كابدنا قيام الليل عشرين سنة، وتلذذنا به بقية العمر" والنبي -عليه الصلاة والسلام- كان يقول: ((أرحنا يا بلال بالصلاة)) وكثير من المسلمين اليوم لسان حالهم: أرحنا من الصلاة، فيها مشقة؛ لأن الجنة حفت بالمكاره، والتكليف إلزام ما فيه كلفة ومشقة، ومع ذلكم الدين يسر، يعني هذه التكاليف وهذه الإلزامات بفعل الواجبات، وترك المحرمات، خلاف ما تهواه النفوس، ومع ذلك هي في مقدور الإنسان، ولا يوجد تكليف يخرج عن طوقه ومقدوره إلا إذا كان فيه عاهة فيعفى منه، ويسقط عنه ما لا يستطيعه.

يقول: هل الانتساب لكليات الشريعة معين لمن فاته التعليم الشرعي النظامي أم تنصح بالاكتفاء بالاجتهاد الفردي، أم الأفضل أن يسلك الشخص الدراسة النظامية؟

عليه أن يجمع الدراسة النظامية لها مزايا ومحاسن، لا توجد في غيرها، ودروس المساجد وحضور الحلق العلمية هذا لا يعدله شيء، ولا يغني عنه شيء، ومع ذلك الرافد المهم جداً النظر في المراجع في البيت، فيجمع بين الدراسة النظامية إن كان يستطيع الانتظام فهو الأصل، وإن كان لا يستطيع ينتسب، ويحضر دروس أهل العلم في المساء، ويراجع الكتب فيما بين ذلك وقبله وبعده.

يقول:

في بعض المناطق في بلادنا في كثير من المنازعات والدماء والحقوق يفصل فيها أشخاص، وهم ليسوا من أهل العلم، بل يغلب على بعضهم الجهل، ويبنون أحكامهم على عوائد وسلوم وقضايا سابقة، يرويها لهم الآباء، وأحياناً تكون مقننة، وفي أحيان أخرى حسب اجتهادات وآراء شخصية، وقد يكون فيها إلزام، وقد لا يكون، وقد يرضى الخصوم، وقد لا يرضون.
تقدم في شرح حديث: ((القضاة ثلاثة: قاض في الجنة، وقاضيان في النار)) فإن كانوا من أهل العلم وحكموا بالحق فهم من الصنف الناجي، وإن كانوا من أهل الجهل ولو وافق حكمهم الحق فإنهم من الصنف الهالك، وكذلك إذا كانوا من أهل العلم وقضوا بغير الحق، فينظر في أحوال هؤلاء إن كانوا ممن ينطبق عليهم توفر العلم والقضاء بالحق، معرفة الحق والقضاء به هذا هو الذي يضمن النجاة، وما عدا ذلك فالهلاك.

يقول:

إنني بهذا السؤال لا اقصد تصيد أخطاء طلبة العلم والقضاة، ولكن أقول الحقيقة، وأريد توجيهكم في بعض ما يقع فيه بعضهم من الغلظة، وسوء التعامل، وتقطيب الجبين، وكذلك بعض طلاب العلم يقومون بإغلاق جوالاتهم، وعدم النزول إلى عامة الناس، وهذا يجعل الناس يتجهون إلى الجهال، ويأخذون الفتوى منهم.
لا شك أن التقصير حاصل، وأيضاً الوفاء بجميع ما يتطلبه الناس فيه عسر، يعني لو قلنا لطالب العلم أو للقاضي: عليك أن تبذل، نعم عليه أن يبذل، لكن يبذل بحدود إيش؟ لنفسه عليه حق، ولأهله عليه حق، وهو مطالب بدوام، مطالب بعمل، لو بذل من يومه ما لا يشق عليه مع أعماله الأخرى، أما أن يكلف بما يشق عليه؛ لأن مطالب الناس لا تنتهي، يعني هناك أناس يتصلون في وقت متأخر من الليل، ويطالبون أهل العلم يقولون: إن أهل العلم لا يجيبون على الأسئلة، ويغلقون الجوالات، ولا يحلون إشكالات الناس.
يعني واحد يتصل قبل صلاة الفجر بساعة، وعنده سؤال ضروري هذا مقبول، لكن بقية الناس؟ سؤال ضروري، طيب ما هذا السؤال الضروري؟ يقول: إنه طلق زوجته وهي في الطلق، تطلق، فيها الطلق ولادة، يعني مجرد ما تلد تخرج من العدة، فلا يكون له عليها سلطان، ولا يتمكن من مراجعتها، لو قيل له: انتظر إلى صلاة الفجر، يمكن تلد قبل صلاة الفجر، نعم هذه حاجة، ومعذور في اتصاله، لكن شخص يتصل قبل أذان المغرب بربع ساعة، ويقال له: إن الوقت وقت ذكر، انتظر إلى صلاة المغرب، يقول: لا أستطيع أن أنتظر، ضرورة، طيب ويش الضرورة؟ يقول: إن زوجته ذهبت إلى محل التجميل، وعندهم مناسبة فتجملت فتريد أن تجمع العشاء إلى المغرب؛ لأنها إذا توضأت لصلاة العشاء ذهب ما وضعته في وجهها هدراً، هذا مسوغ للجمع؟ وهل هذه ضرورة يمكن..؟ سبحان الله! ومع ذلك التقصير حاصل، يعني يوجد كثير من طلاب العلم يعني يغلقون الجوالات، أو لا يردون على من يتصل، هذا تقصير، وعلى طالب العلم أن يبذل؛ لأن الله أخذ عليهم الميثاق، أن يبينوا للناس، والله المستعان.
أما ما ذُكر من سوء التعامل، وتقطيب الجبين فقد يحصل من بعضهم نظراً لكثرة إلحاح الناس عليهم، ولذا يوصي أهل العلم طالب العلم، ويذكرونه من أدب الطالب ألا يحرج الشيخ، ولا يكثر على الشيخ، لأن الشيخ بشر يتحمل بقدر معين، وبعض الطلاب لا يمل، وراء الشيخ وراءه يا شيخ يا شيخ، وبعدين؟ الحين ما خلق إلا أنت! صحيح والله، أحياناً يوقفون شيخهم عند الباب ربع ساعة، نصف ساعة يسألون، أحياناً يكون في شمس في حر شديد، وأحياناً الشيخ من ساعتين أو ثلاث في المسجد يحتاج إلى الدورة، فمثل هذا يجعل الشيخ أحياناً يتعامل معهم بتعامل لا يليق به ولا بهم.
وذكروا في كتب التراجم تراجم المحدثين أن فلاناً من الناس ولا داعي لذكر اسمه أنه من أحسن الناس خلقاً، فما زال به الطلاب حتى صار من أسوأ الناس خلقاً، المسألة مسألة الرفق من الجانبين، يقال للعالم: أبذل، عليك أن تبذل، يجب عليك أن تبذل، أيضاً يقال للمتعلم: أرفق، لا يحوج الشيخ إلى أن يقول له كلام لا يناسبه، وسهل من طلاب العلم أن يقولون: والله الشيخ ما استقبلنا ولا ناظرنا، ومقطب الجبين، أنتم الذين أحرجتموه، أنتم الذين أحوجتموه إلى مثل هذا الصنيع.
وأنا تأملت في زهد أهل العالم وجيرانه به، وهذا أثر متوارث "أزهد الناس في العالم أهله وجيرانه" ورأيت في هذا حكمة إلهية، لماذا؟ الجيران ما يكلفهم أنهم يجتمعون على باب الشيخ، لو كان عندهم من الرغبة مثل ما عند البعيد الذي يصده من الحضور لدى الشيخ بعد المسافة، لكن كل ما طلع إلى عند الباب كل الجيران بيسألون، وإذا دخل الجيران كلهم عند الباب، وإذا دخل في البيت هذه الزوجة هذه البنت كلهم يسألون، هذا من لطف الله -جل وعلا- بهؤلاء المشايخ، والبعيد عنده شوق، وعنده حرص، وعنده كذا، لكن المسافة قد تحد من إحراجه للشيخ، لكن لو كانت رغبة الجيران والأهل مثل رغبة الناس الأبعد منهم لحصل من ذلك حرج عظيم.

يقول: ما المراد بحديث: ((إذا بلغت الحدود السلطان)) هل السلطان هنا الشرط أو هيئة التحقيق والادعاء العام أو القضاء أو غيره؟

السلطان المراد به الإمام الأعظم، ومن ينوب منابه، ويقوم مقامه ممن وكل إليه الأمر من القضاة، وأما البقية فهم أعوان، ومع ذلك لا يجوز لهم أن يتساهلوا في أمور المسلمين، لا سيما إذا كثر الخبث.

يقول: هل صوت المرأة عورة؟

إذا خلا من الخضوع في القول الذي جاء النهي عنه، ولم يترتب على ذلك فتنة، أمنت الفتنة منه، ودعت إليه الحاجة، فإنه حينئذٍ ليس بعورة.

يقول: شخص دخل المسجد والإمام في الركوع، فقال: سبحان ربي العظيم مرة واحدة هل تعد له ركعة؟

نعم إذا تحقق أن الإمام لم يرفع قبل أن يستوي راكعاً.

يقول: إذا أراد الطالب أن يدرس متناً ولم يجد في مدينته من يشرحه فهل يكتفي بالأشرطة المسجلة على ذلك المتن؟

نعم إذا كان لا يستطيع الحضور والمثول بين يدي أهل العلم، فإنه يكتفي بإحضار المتون، والأشرطة التي سجلت من شروح هذه المتون، ويفرغ هذه الشروح على هذه المتون، ويسأل عما يشكل عليه، ويتابع، يتحين الفرص في لقاء أهل العلم، ويسأل عما يشكل عليه، وحينئذٍ يدرك -إن شاء الله تعالى-.