بلوغ المرام - كتاب: العتق (1)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله تعالى- في كتابه بلوغ المرام:
كتاب: العتق
عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أيما امرئ مسلم أعتق امرأً مسلماً استنقذ الله بكل عضو منه عضواً منه من النار)) متفق عليه.
وللترمذي وصححه عن أبي أمامة -رضي الله تعالى عنه-: ((وأيما امرئ مسلم أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكاكه من النار)).
ولأبي داود من حديث كعب بن مرة -رضي الله تعالى عنه-: ((وأيما امرأة أعتقت امرأة مسلمة كانت فكاكها من النار)).
وعن أبي ذر -رضي الله تعالى عنه- قال: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- أي العمل أفضل? قال: ((إيمان بالله, وجهاد في سبيله)) قلت: فأي الرقاب أفضل? قال: ((أعلاها ثمناً, وأنفسها عند أهلها)) متفق عليه.
وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أعتق شركاً له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قُوم عليه قيمة عدل, فأعطى شركاءه حصصهم, وعتق عليه العبد, وإلا فقد عتق منه ما عتق)) متفق عليه.
ولهما عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-: ((وإلا قُوم عليه, واستسعي غير مشقوق عليه)) وقيل: إن السعاية مدرجة في الخبر.
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه)) رواه مسلم.
وعن سمرة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من ملك ذا رحم محرم فهو حر)) رواه أحمد والأربعة، ورجح جمع من الحفاظ أنه موقوف.
وعن عمران بن حصين -رضي الله عنهما- أن رجلاً أعتق ستة مماليك له عند موته لم يكن له مال غيرهم, فدعا بهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجزأهم أثلاثاً, ثم أقرع بينهم, فأعتق اثنين وأرق أربعة, وقال له قولاً شديداً. رواه مسلم.
وعن سفينة -رضي الله تعالى عنه- قال: كنت مملوكاً لأم سلمة فقالت: أعتقك وأشترط عليك أن تخدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما عشت، رواه أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم.
وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إنما الولاء لمن أعتق)) متفق عليه في حديث.
في حديث طويل.
سم رعاك الله.
ما عندك طويل؟
ما عندي.
في قصة بريرة.
أحسن الله إليك.
وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إنما الولاء لمن أعتق)) متفق عليه في حديث طويل.
وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الولاء لحمة كلحمة النسب, لا يباع ولا يوهب)) رواه الشافعي، وصححه ابن حبان والحاكم، وأصله في الصحيحين بغير هذا اللفظ.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في آخر كتاب من كتب الأحكام في هذا الكتاب النفيس بلوغ المرام في كتاب العتق، وأهل العلم يختلفون في وضع هذا الكتاب، فمنهم من يجعله في آخر باب من أبواب الكتب، سواء كانت من كتب الأحاديث، أو من كتب الفقه، تفاؤلاً بأن يعتق الله رقابهم من النار بعد أن فرغوا من هذا العمل الجليل، وبعد أن أتموا مدتهم في هذه الحياة، فالخاتمة مع الخاتمة، وبعضهم يقدمه فيجعله في آخر المعاملات المالية، قبل كتاب النكاح؛ لأن فيه شوب مال، فالعبد الرقيق مال يباع ويشترى، فعتقه تفويت لهذا المال، وإن كان فيه أجر عظيم، ففيه شوب من المالية، فيجعلونه في آخر مباحث ما يتعلق بالأموال، يعني في آخر الربع الثاني من أرباع الفقه الذي يبنى عليها الفقه العبادات ثم المعاملات ثم الأنكحة ثم الجنايات في النهاية، فإما أن يوضع عند بعض أهل العلم في آخر الربع الثاني، أو في آخر الربع الرابع، ولكل وجهة، وهذا له وجه وهذا له وجه، وعلى كل حال العتق مصدر عتق يعتق عتقاً، والإعتاق مصدر أعتق، فهو معتق وعتيق، فعيل بمعنى مفعول، وكل من تحرر من شيء فهو عتيق، فالعبد إذا أعتقه سيده وتحرر من خدمته وصار حراً يتصرف تصرف الأحرار فهو عتيق ومعتق، والبنت إذا بلغت وتهيأت للخطاب عتقت عن امتهان والديها، ولهذا جاء في الحديث: "أمرنا أن نخرج العواتق والحيض وذوات الخدور" فإذا عتقت من امتهان والديها وإخوتها في خدمتهم في بيت الأسرة الأول يقال لها: عاتق، فكل من تحرر من شيء فهو معتق وعتيق، فمن أعتقه فهو معتِق، وهو معتق وعتيق، والرقبة التي يعبر بها عن العبد باعتبار أنه كالمأثور الذي وضع في رقبته حبل، وأوثق بهذا الحبل؛ لئلا ينفلت فيحتاج إلى فك، وجاء الترغيب في العتق، وفي فك الرقاب، وهذا يشمل الأرقاء في تحريرهم من الرق والعبودية، ويشمل أيضاً الأسير، فمن فك الأسير، فك العاني فإنه له الثواب العظيم، والأجر عند الله -جل وعلا-، بحيث مكن هذا الرجل أو هذه المرأة من عبادة الله -جل وعلا- من غير تسلط على أحد، قد يقول قائل -وهذا الذي يثار من الشبه التي تثار على الإسلام وعلى التشريع الإسلامي-: إنه كيف يكون إنسان يتسلط على إنسان، وحقوق الإنسان معروفة أنها تحارب مثل هذا، لكن الإسلام شرع الرق وسببه الكفر، فإذا أسر الكافر فمن الخيارات أن يكون رقيقاً، والأمر لولي أمر المسلمين، إما أن يفكه، وإما أن يفديه أو يفدى له، أو يكون رقيقاً، فسببه الكفر، وقالوا: الرق عجز حكمي سببه الكفر، عجز قد يكون الرقيق من أقوى الناس في بدنه، وهم يقولون: عجز، لكنه عجز حكمي لا عجز حقيقي، يعني من حيث الأحكام عاجز، لا يساوي الحر من حيث الأحكام؛ لأن الحر يجب عليه من الواجبات ما لا يجب على الرقيق، فالرقيق لا تجب عليه جمعة، ولا يجب عليه حج؛ لأنه مشغول بخدمة سيده، فهو عاجز عن أداء هذه الواجبات فهو عجز حكمي، وقد يكون سيده الذي يتصرف فيه من أضعف الناس في بدنه، لكن المسألة متعلقة بالأحكام الشرعية، لا بالعجز البدني، عجز حكمي سببه الكفر، المسلم لا يمكن أن يسترق بحال من الأحوال، فهذا العجز الحكمي في أضيق الدوائر، التمكن منه في الجهاد فقط، لكن تخليصه من أوسع الأبواب، لهذا يُعرف حكمة التشريع من الرق ابتداء، فكونه رقيقاً أسهل من قتله، ولعله إذا رأى المسلمين، ويعيش بين مسلمين أسروه فاسترقوه، لعله أن يقر الإيمان في قلبه، فيسعد في الدنيا والآخرة؛ لأن هذا الأسر ومن بعده الرق يمكن هذا الرقيق من النظر بروية وبصيرة في حقيقة هذا الدين، ولذلك لما ربط ثمامة بن أثال في المسجد ثلاثة أيام، ورأى حال المسلمين وتعامل المسلمين، وكيف يتعامل المسلمون ويعبدون الله -جل وعلا- أسلم، والرقيق إذا عاش في بيت مسلمين يُسلم، هذا هو الغالب، ثم بعد ذلك إذا أسلم جاءت النصوص الكثيرة المتضافرة على فضل عتقه، فجعل الشرع منافذ كثيرة لتحرير الرقيق، لكن الرقيق لا يحرر قهراً على صاحبه وعلى سيده الذي ملكه ملكاً شرعياً إلا إذا لزمه رقبة، كفارة، فهو يجب في حال الكفارات الذي جاء فيها عتق رقبة، كالقتل والظهار والوطء في رمضان، أما بالنسبة لكفارة اليمين فهي على التخيير.
فالعتق هو رفع الملك وإسقاط الملك عن هذا الرقيق تعبداً لله وتقرباً إليه، وهو في الأصل مندوب، وقد يجب في الكفارات، من الأحاديث التي جاءت في فضل العتق الحديث الأول حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ((أيما امرئ مسلم)) لأنه سيأتي في حديث كعب بن مرة ((وأيما امرأة مسلمة)).
((أيما امرئ مسلم أعتق امرأ مسلماً استنقذ الله بكل عضو منه عضواً منه من النار)) إذا قلنا: المرأة تدخل في ((أيما امرئ)) قلنا: إن المرأة إذا أعتقت امرأة، والرجل إذا أعتق رجلاً، يعتق بكل ويستنقذ بكل عضو منه عضو من النار، والحديث: ((وإنما لكل امرئ ما نوى)) المرأة داخلة في امرئ هنا، لكن هل تدخل في الحديث أو نقول: إن هذا خاص بالرجال وللنساء ما يخصهن من حديث كعب بن مرة؟ الأمر سهل يعني إذا أعتق الرجل رجلاً استنقذ الله بكل عضو منه عضواً من النار ((حتى فرجه بفرجه)) كما في رواية الصحيح، حتى فرجه بفرجه، فإذا أعتق الرجل رجلاً أعتقه الله بسببه من النار، وإذا أعتق الرجل امرأة أعتق الله نصفه من النار، لا بد أن يعتق امرأتين على ما سيأتي.
((أيما امرئ مسلم أعتق امرأً مسلماً استنقذ الله بكل عضو منه عضواً من النار)) جزاء وفاقاً، فهذا أعتق من الرق وهذا أعتق من النار، والإنسان يلهج دائماً بأن يعتق الله رقبته من النار، فابذل السبب، وهذا من المواضع الخمسة التي فيها المرأة على النصف من الرجل، في الشرع المرأة على النصف من الرجل، وهذا شرعنا، ولا يمكن أن نستخفي بمثل هذا الكلام أمام الكلام الذي يثار حول المساواة وحقوق الإنسان، وأن المرأة قد تفوق الرجل، فلماذا يفضل عليها؟ كل هذا فيما لم يرد فيه نص ((النساء شقائق الرجال)) لكن إذا جاءنا نص يدل على أن الرجل أفضل من المرأة فإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، ما لأحد كلام، هل يمكن أن يقول: إن البنت مثل الولد في الميراث؟ يمكن يقول أحد؟ لو قاله أحد كفر، والله -جل وعلا- يقول: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [(11) سورة النساء] نعم في أولاد الأم للذكر مثل حظ إيش؟ الأنثى، ذكرهم وأنثاهم سواء في أولاد الأم، قد يقول قائل: لماذا فرقنا بين هذا وهذا؟ الشارع الحكيم هو الذي فرق، الشارع هو الذي فرق بينهم، نحن أمة إتباع لا أمة ابتداع، وأمة اقتفاء للنصوص لا أمة مصادمة ومعاندة للنصوص، إذا قال الله شيء وقال الرسول سمعنا وأطعنا، المرأة على النصف من الرجل في هذا الموضع، إذا أعتق رجل رجلاً كان فكاكه من النار، أعتق رجل امرأة كانت فكاك نصفه من النار، لكن إذا أعتق امرأتين كانتا فكاكه من النار، والمرأة إذا أعتقت امرأة كانت فكاكها من النار، وإذا أعتقت رجل كان أفضل، وبهذا يفضل عتق الرجل على عتق الأنثى عند جمهور أهل العلم، والدلالة من هذه الأحاديث صريحة أن عتق الرجل أفضل من عتق الأنثى، وقال بعضهم: إن عتق الأنثى أفضل؛ لأنها إذا عتقت عتق أولادها تبعاً لها؛ لأن الولد يتبع أمه حرية ورقاً، وأيضاً إذا أعتقت الجارية قد تعرض لفتنة ليست مثل الرجل إذا أعتق، فيكون عتقها..، لا هذا من أسباب تفضيل عتق الرجل، حتى إن بعضهم قال: إن عتق الأنثى أجره أقل بكثير من عتق الرجل باعتبار أنها قد تعرض لفتنة، وجاء في الحديث: ((إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب عليها)) ثم إذا زنت، ثم إذا زنت، يدل على أن المرأة الضعيفة قد تعرض لهذه الفتن، لا سيما إذا لم يكن لها ولي يحوطها ويحرسها، وهي في كفالة السيد، كما أن بعض الرجال إذا أعتق يضيع، وبعضهم بالفعل حصل له العتق وبقي عند سيده يخدمه إلى أن مات، فالناس يتفاوتون، وعتق الرجل كما جاء الحث عليه ليس على مستوى واحد من الفضل، وعتق النساء ليس على مستوى واحد من الفضل، وقد يكون عتق واحد يعدل عتق فئام من الناس، إذا وجد شخص لديه الاستعداد العلمي بأن يكون حافظاً فاهماً، ويتوقع أن يكون ممن يحمل عبئ الهم للأمة، وينير لها الطريق فمثل هذا عتقه لا يعدل عتق أي رقيق، سيأتي في حديث: ((أفضلها أنفسها وأغلاها وأعلاها عند أهلها)) لكن لا شك أنه على حسب الأثر المترتب على العتق، مع أن عموم حديث الباب: ((أيما امرئ أعتق امرأً مسلماً استنقذ الله بكل عضو منه عضواً من النار)) أيما امرئ مسلم طيب إذا الكافر أعتق المسلم في فضل وإلا ما في فضل؟ الكافر لن يستنقذ من النار؛ لأنه خالد في النار مخلد، طيب مسلم أعتق امرأً كافراً له أجره، لا سيما إذا غلب على ظنه أنه يسلم، إذا أعتقه فيكون من باب التعامل الحسن الذي يؤثر في المدعو، فيكون من وسائل الدعوة أن تعتقه وتحسن إليه.
((أيما امرئ مسلم أعتق امرأً مسلماً)) الإسلام والإيمان شرط في الرقبة المعتقة في الكفارات، والتنصيص عليها في آية النساء {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} [(92) سورة النساء] كرر مراراً مع أنه لم يذكر في كفارة اليمين، ولا في كفارة الظهار، لكنه عند جمهور أهل العلم ما دام اتحد الحكم وهو وجوب الإعتاق لا بد أن تكون مؤمنة حملاً للمطلق على المقيد؛ لأنه أتحد الحكم وإن أختلف السبب، قد يختلف السبب قد يكون سبب الكفارة قتل، وقد يكون سببها ظهار، وقد يكون سببها يمين، وقد يكون سببها جماع في نهار رمضان، السبب يختلف، لكن الحكم هو الوجوب، يعني في كفارة القتل، وفي كفارة الظهار، وفي كفارة الجماع في نهار رمضان، الحكم واحد والسبب مختلف، وعند جمهور أهل العلم يحمل المطلق على المقيد فلا يجزئ في الظهار إلا رقبة مؤمنة، ولا يجزئ في الوطء في نهار رمضان إلا رقبة مؤمنة، يعني ما نص عليه، تحرير رقبة من قبل أن يتماسا، ما في مؤمنة كما نص عليه في القتل، يقولون: يحمل المطلق على المقيد، لكن لو كانت المسألة عكس يتفق السبب ويختلف الحكم يحمل المطلق على المقيد وإلا ما يحمل؟ إذا اتحد السبب واختلف الحكم، يعني اليد في آية الوضوء مقيدة بالمرفق، وفي آية التيمم مطلقة، السبب واحد وهو الحدث، لكن الحكم مختلف، هذا غسل وهذا مسح بالتراب، فلا يحمل المطلق على المقيد عند الجمهور، يعني في مقابل الصورة السابقة، يعني تمام القسمة أن يتفقا في الحكم والسبب، وأن يختلفا في الحكم والسبب، فإذا اتفقا في الحكم والسبب فيحمل المطلق على المقيد بدون خلاف، وإذا اختلفا لا يحمل المطلق على المقيد بلا خلاف.
((أيما امرئ مسلم أعتق امرأً مسلماً)) التنصيص على أن يكون المعتق مسلم، والمُعتق مسلم، لماذا؟ لأن عتق غير المسلم لا يفك من النار مهما بذل من الأعمال، وشرط القبول متخلف وهو الإسلام والإيمان فإنه لا ينفعه عمله الصالح، قد يجازى به في الدنيا لكن في الآخرة خالد مخلد في النار، قد يقول قائل: إن أبا طالب نفعته أعماله الصالحة، وقد مات على الكفر، نعم شفع له النبي -عليه الصلاة والسلام- فبدلاً من أن يكون في الدرك الأسفل من النار صار في ضحضاح من نار، لكنه في النار لن يخرج منها، {وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [(48) سورة الحجر] وكذلك أبو لهب لما أعتق ثويبة لما بشرته بالنبي -عليه الصلاة والسلام- صار يسقى بنقرة الكف، النقرة قد تكون في بعض الناس وبعضهم ما فيه بعد، شيء يسير جداً، المقصود أن الأعمال الصالحة إنما تنفع مع توافر شروطها، لا تنفع إلا من مؤمن، سئل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن ابن جذعان وأعماله الصالحة الجليلة في الجاهلية، قال: ((هو في النار، لم يقل في يوم من الأيام: اللهم أغفر لي خطيئتي يوم الدين)) يعني ليس بمسلم.
((أيما امرئ مسلم أعتق امرأً مسلماً)) فالمعتق أيضاً لا بد أن يكون مسلماً، ليترتب عليه الوعد ((استنقذ الله بكل عضو منه عضواً منه من النار حتى فرجه بفرجه)) يعني استشكل ابن العربي مثل هذا، وقال: كيف يستنقذ الفرج وقد تكون جريمته من الكبائر بعتق وهو مستحب والكبائر لا يكفرها إلا التوبة؟ نقول: هذا من عظم شأن العتق، وإلا فقد يكون جرم اليد أعظم من جرم الفرج، قد يكون قتل، جرم الرجل الفرار من الزحف، وهذه من الموبقات، على كل حال الوعد وعد الصادق صريح وصحيح متفق عليه، فلا يعارض بمثل هذا، ويبقى أن هذا سبب، أن العتق وما رتب عليه هذا سبب، والسبب إنما ينفذ مع عدم وجود المانع، فلا بد أن يتوفر السبب مع عدم وجود مانع، وجاءت الأجور، بل المغفرة رتبت على أعمال، لكن هل تنفع الوعود هذه التي هي مجرد أسباب مع وجود ما يعارضها من موانع؛ لأن الشرع إنما يؤخذ بجملته، ما ينظر إلى نص ويترك الباقي، وإلا سلك من يفعل ذلك طريق المبتدعة؛ لأنهم هم الذين ينظرون من جانب، ويتركون جوانب، فالذين ينظرون إلى نصوص الوعد دون نصوص الوعيد هؤلاء هم المرجئة، والعكس الذين ينظرون إلى نصوص الوعيد، ويعرضون عن نصوص الوعد هؤلاء هم الخوارج، أهل السنة ينظرون إلى النصوص متكاملة، فيرتبون الأحكام على الأسباب مع انتفاء الموانع.
قال: "وللترمذي وصححه عن أبي أمامة: ((وأيما امرئ مسلم أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكاكه من النار))" كما تقدم، كانتا فكاكه من النار، وهذا مثل ما ذكرنا أن المرأة في هذا على النصف من الرجل.
قال: "ولأبي داود من حديث كعب بن مرة: ((وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة كانت فكاكها من النار))" يعني لو أن امرأً مسلماً أعتق رجلين، أو امرأة أعتقت رجل، أو أعتقت امرأتين، فهذا زيادة في الأجر، يعني قدر زائد على مجرد الفكاك من النار، قد زائد عن الاستنقاذ من النار، بعضهم ذكر مما لم يسنده أن النبي -عليه الصلاة والسلام-: أعتق ثلاثة وستين بعدد سني عمره، وعائشة أعتقت سبعة وستين بقدر سنين عمرها، وأعتق أبو بكر كثيراً، وأعتق العباس كثيراً، لكن ليس في هذا ما يثبت بسند صحيح، ما أسنده، هو مجرد كلام، ولعله ذهب وأهله لما فعله في حجة الوداع من كونه ذبح بيده الشريفة ثلاثة وستين بدنة عدد سني عمره، يحصل الخلط في مثل هذا، وإلا هذا لم يذكر في الدواوين المعتبرة إنما ذكره بعض الفقهاء ولا يدرى ما مستنده؟
قال -رحمه الله-: "وعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم-: أي العمل أفضل؟" جمع من الصحابة سألوا النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا السؤال، أي العمل أفضل؟ فأجاب -عليه الصلاة والسلام- بأجوبة مختلفة، وتقدم في كتاب الصلاة أن أفضل الأعمال لما سئل -عليه الصلاة والسلام- الصلاة على وقتها، وهنا قال: ((إيمان بالله، وجهاد في سبيله)) يعني كأنه قال...، والسؤال معاد في الجواب حكماً، السؤال معاد في الجواب، فكأنه قال: أفضل العمل إيمان بالله، وجهاد في سبيله، اختلفت الأجوبة منه -عليه الصلاة والسلام- على سؤال واحد، هو يجيب -عليه الصلاة والسلام- كل سائل بما يناسبه ويليق به، فإذا كان السائل اللائق به العبادة الخاصة، جاء جوابه -عليه الصلاة والسلام- مناسباً له، إذا كان ضعيف البدن، هل يقول له: أفضل الأعمال الجهاد في سبيل الله؟ إذا كان قوي البنية وفقير هل يمكن أن يقال له: أفضل الأعمال الإنفاق في سبيل الله؟ كل يجاب بما يناسبه ويليق به، وبعضهم يقدر: من أفضل الأعمال إيمان بالله، وجهاد في سبيله، وهنا لا يكون فيه إشكال.
((إيمان بالله)) هذا هو أصل الأعمال، قد يقول قائل: لماذا قدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان؟ لماذا قدم؟ {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} [(110) سورة آل عمران] إظهاراً لأهمية هذه الشعيرة التي اختصت بها هذه الأمة، ولعن بنو إسرائيل بتركهم الأمر، {كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ} [(79) سورة المائدة] فهذه من خصائص هذه الأمة، وهي سبب خيريتها على جميع الأمم، {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [(110) سورة آل عمران] لماذا؟ {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} [(110) سورة آل عمران] لو قُدم الإيمان الأمم كلها تتصف بالإيمان، لكن خصيصة هذه الأمة التي بسببها نالت هذه الخيرية هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
((إيمان بالله، وجهاد في سبيله)) يدل على عظم الجهاد لإعلاء كلمة الله تعالى، ولإدخال الناس في الإسلام، تحقيقاً لكون هذا الدين ونبي هذه الأمة رحمة للعالمين، لا للتسلط عليهم، ولا للاستيلاء على أموالهم وأوطانهم وقتلهم، وقتل مقاتليهم، لا الهدف من الجهاد جر الناس إلى الجنة بالسلاسل، بعض الناس لا يدرك مصلحته إلا بأن يرغم على معرفتها والدخول فيها كالجهاد، الجهاد ليس المقصود منه في الإسلام التسلط على الناس ولا قتل الناس، ولا الاستيلاء على أموالهم ولا على أوطانهم، كما هو شأن الأمم الأخرى في قتالهم والتسلط عليهم؛ لأنه قد يقول قائل: الإسلام دين رحمة فلماذا يشرع الجهاد الذي فيه القتل؟ وهذا مما دعا بعض الناس أن يقول: ما في جهاد طلب إنما فيه جهاد دفع، ننتظر إلى أن يأتينا عدو فنجاهده ونقاتله، لا، الكلام ليس بصحيح، حتى جهاد الطلب مشروع في الإسلام، لكن يبقى أنه من أجل نشر هذه الرحمة التي بعث بها محمد -عليه الصلاة والسلام- على العالمين.
((إيمان بالله، وجهاد في سبيله)) وفي الوصايا النبوية، ووصايا الخلفاء من بعده -عليه الصلاة والسلام- لمن يبعثهم للجهاد من الرفق حتى بالأعداء، فلا تقتل المرأة، ولا الذراري، ولا الشيخ الكبير، ولا العابد في صومعته، ولا كذا ولا كذا، فهذا من تمام الرحمة التي بعث بها محمد -عليه الصلاة والسلام-، لكن يقتل من يقاتل إرغاماً له في الدخول إلى الإسلام أو الجزية، ليتمكن من النظر بعين البصيرة، إذا دفع الجزية وعاش بين المسلمين تمكن من النظر في الإسلام ويسلم غالباً؛ لأن الإسلام دين رحمة.
((وجهاد في سبيله)) قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: ((أغلاها)) في بعض الروايات: ((أعلاها)) في الصحيحين: ((أعلاها)) بالعين المهملة والغين المعجمة ((أغلاها ثمناً)) ((أعلاها ثمناً)) وأغلاها ثمناً والمعنى واحد، الأعلى هو الأغلى ((أغلاها ثمناً، وأنفسها عند أهلها)) في كتاب أو في باب الأضاحي هناك ضحى بكبشين ثمينين، وفي رواية: "سمينين" فالثمن له شأنه هنا وهناك، والسمن له شأنه هناك، ما نقول: نبحث عن رقيق سمين، لا هذا لا أثر له، بل العكس قد يعوقه سمنه عن خدمة نفسه وخدمة من يعول فيما بعد إذا عتق، ولذا إذا وجد كبش سمين ثمين كان أفضل عند كثير من أهل العلم من أن يعتق، أو من أن يضحى بكبشين، والاثنين أفضل من الثلاثة، المقصود أنه ينظر فيه إلى مصلحة من يأكل من هذه الأضحية، لا سيما فيما يتصدق به، ينظر فيه إلى الحظ، ومثله الهدي والعقيقة كل ما جادت النفس بالأغلى والأثمن كان الأجر أعظم، هنا في هذا الباب لو تصور أن عبداً بألف درهم، وثلاثة أو أربعة بألف أيهم أفضل؟ العدد، لكن إذا أعتق واحد، إذا قال: أنا ما عندي إلا واحد، أيهما أفضل؟ قلنا: الأعلى ثمناً والأنفس عند أهلها؛ لأن كل واحد من هؤلاء، وإن قلت قيمته رقبة، وإعتاقه من مقاصد الشرع، ويبقى أنه إذا كان أنفع للأمة فإنه يكون عتقه أفضل، وإن كان في مقابل عدد مثل ما ذكرنا في أول الباب، أنه قد يتوقع من هذا إذا عتق من خدمة سيده الذي يشغله في ليله ونهاره عن طلب العلم يطلب العلم ويُحصل؛ لأن المقومات موجودة، وينفع الله به الأمة يكون هذا أفضل من غيره بهذا القصد، ويبقى أن فضل العتق ليس على إطلاقه، كما إذا توقع من هذا الرقيق أنه إذا أنفلت من قيد الرق صار ضرراً وشراً على الناس، ووجوده في العتق وشغل سيده، وانشغاله بأعمال سيده يشغله عن إيذاء الناس، نقول: هذا يشغل بالرق أفضل من أن يعتق، فالأمور تقدر بقدرها، والنصوص تأتي في الجملة، أما دقائق المسائل فتنظر في النصوص الأخرى، يعني ما يمكن أن يأتي نص تفصيلي في حق كل رقيق، كما أنه لا يأتي نص تفصيلي في كل مسألة صغيرة وكبيرة، نعم الله -جل وعلا- يقول: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} [(38) سورة الأنعام] لكن تأتي الأحكام على العموم، والتفصيلات ينظر في كل حالة بقدرها، يعني لما قيل في الحديث: ((مروا أولادكم بالصلاة لسبع)) لأن السبع هي سن التمييز بالنسبة لغالب الناس، تسعين بالمائة أو أكثر إذا أكمل سبع سنين يكون ميز، لكن عشرة بالمائة قد لا يميز لا لسبع ولا لعشر ولا لعشرين، هل نقول: إنه لا بد أن يأتي نص يدل عليه؟ وبعضهم يميز لخمس وست، يأتي نص؟ الكلام على الغالب، وما يأتي لعموم الناس لا بد أن يأتي بقاعدة كلية تشمل الناس كلهم إلا فيما ندر؛ لأنه لو ترك التقدير للناس، وقيل: التمييز، فمثلاً لو قيل: يأمر الطفل إذا ميز، لوجدنا ابن إحدى عشر سنة عند باب المسجد ولا يدخل للصلاة، وإذا قيل لوالده قال: إلى الله المشتكى ما بعد ميز، يعني ترك التقدير لهم، أو يؤتى بمن يعبث في المسجد، ويؤذي المصلين سنتين ثلاث، يقول: والله يميز ولدي، في مثل هذه الأمور في مثل هذه الحوز تأتي الأمور عامة، ثم بعد ذلك إذا خرج عن هذا الأمر العام يقدر بقدره، أما في الأمور الخاصة فيرجع فيها إلى تقدير ولي الأمر، ولي أمر الصبي، متى يطلب العلم؟ هل يطلب العلم لخمس أو لست أو لسبع؟ إذا تأهل لذلك صار يفهم، يفهم الخطاب ويرد الجواب، فمثل هذا يوكل إلى ولي أمره؛ لأنه من الظلم أن يدخل المدرسة وهو ما يفهم، تضييع لوقته وإيذاء له، فينتظر والده حتى يكون متأهلاً لمثل هذا الأمر، ولذا يقول الشارح: "والأولى أن هذا لا يؤخذ قاعدة كلية، بل يختلف باختلاف الأشخاص، فإنه إذا كان شخص بمحل عظيم من العلم والعمل وانتفاع المسلمين به فعتقه أفضل من عتق جماعة ليس فيهم هذه السمات" فيكون الضابط اعتبار الأكثر نفعاً، أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري من ثقات الرواة، ومن رجال الكتب الستة، محدث كبير، وكان مولى رقيق، فجاء سائل فسأل فأعطاه السيد درهم، فلما أنصرف لحقه أبو عوانة وأعطاه دينار، أكثر مما أعطاه السيد، فقال هذا السائل: لأردّن له جميله، ماذا صنع؟ يذهب إلى محافل الناس ومجامعهم يقول: اذهبوا لفلان فاشكروه فإنه أعتق أبا عوانة وهو ما أعتق، ولما يجونه الناس يأتونه جماعات جزآك الله خيراً، الله يوفقك، ويبيض وجهك، ويكثر خيرك، أعتقت هذا العبد الصالح لكي يتفرغ للحديث، ثم يأتي إلى جماعة ثانية كذلك، استحى السيد وأعتقه بسبب دينار، فمثل عتق أبي عوانة يعدل كم من الأرقاء الذين لا...، نفعهم إما في أمر دنيوي بحت، أو لا نفع له ألبتة، إذا أعتق صار عيال على غيره، فلا شك أن مثل هذا يتفاوت بتفاوت الناس.
قال -رحمه الله-: "وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أعتق شركاً له في عبد فكان له مال يبلغ به ثمن العبد قُوم عليه قيمة عدل، فأعطي شركاءه حصصهم، وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق)) شركاء في عبد واحد منهم أعتق نصيبه، والشرع يتشوف إلى العتق، هذه فرصة، ما دام أعتق نصيبه ينظر هل له مال يوفي بقيمة العبد كامل؟ يدفع لشركائه فيعتق العبد كاملاً ((من أعتق شركاً له في عبد)) يعني نصيبه ((فكان له مال)) يعني للمعتق مال ((يبلغ ثمن العبد، قوم عليه قيمة عدل)) لا وكس ولا شطط، لا زيادة ولا نقص، بقيمته، قد يقول بعض الشركاء: نعم قيمته لو أخرجناه في المزاد ما زاد على ألف، لكن النصيب الربع ما أبيعه ولا بخمسمائة، نقول: لا، لا وكس ولا شطط، بقيمته، كما ألزم المعتق بشراء بقيته، وتكميل عتقه تلزم أنت أيضاً أن لا تزيد في قيمته، ولا وكس ولا شطط، يعني لا ينقص من قيمته ولا يزاد ((فكان له مال)) بهذا الشرط، طيب ما يملك هذا المعتق إلا هذا النصيب من العبد، قد يقول قائل: له مال لكن تقويمه عليه وإعتاقه من ماله قد يضر به، الشرع جاء بالعدل والمساواة، يعني نظر في مصلحة الرقيق، وقدم مصلحة الرقيق، لكنه مع ذلك لا يظلم السيد، ولذا جاء كما سيأتي في حديث: من أعتق ستة وليس له مال غيرهم، أمضى النبي -عليه الصلاة والسلام- عتق اثنين بالقرعة على ما سيأتي؛ لئلا يتضرر الورثة، المقصود أن مثل هذا ينظر فيه بالعدل والمساواة، وينظر فيه مصلحة الرقيق بالدرجة الأولى، وينظر فيه أيضاً عدم الضرر بالنسبة للمعتق، طيب ما عنده مال، قال: أنا والله ما عندي مال، ما عندي غير نصيبي من هذا الرقيق ((فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل فأعطي شركاءه حصصهم وعتق العبد عليه وإلا فقد عتق منه ما عتق)) هذا الحديث يدل على أنه إذا لم يستطع وليس لديه ما يعتق به باقيه، أنه يبقى هذا العبد مبعض نصفه حر ونصفه رقيق، أو ثلثه حر وثلثاه رقيق، في حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-: ((من أعتق شركاً له في عبد)) يعني أعتق نصيبه، سواء كان نصف أو ثلث أو ربع، أو أكثر أو أقل ((فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل)) مثل ما ذكرنا لا زيادة ولا نقصان، بقيمته ((فأعطي شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد، وإلا فقد عتق منه ما عتق)) واضح أنه إذا كان عنده قيمة فإنه يسري عتقه إلى الباقي، ويعطي الشركاء من مال هذا المعتق، إذا لم يكن له مال يقال له: استدن، أو اقترض أو بع ما تملك من أجل أن تعتق باقيه؟ نقول: لا، يبقى العبد مبعض، يعتق منه ما عتق، وما لم يعتق يبقى رقيق، والمبعض له أحكامه في الشرع، بعضهم يقول: إن قوله: ((عتق منه ما عتق)) هذه ليست محفوظة من الحديث المرفوع؛ لأن نافع أو أيوب حينما رواه عن نافع قال: قال نافع: وإلا فقد عتق منه ما عتق، فتكون مدرجة، ليست من أصل الخبر، أيوب بن إيش؟ أبي تميم السختياني، قال: قال نافع: وإلا فقد عتق منه ما عتق، لكنه في الصحيحين هكذا، وهو من رواية مالك وعبيد الله بن عمر العمري، وهما إمامان بالنسبة للحفظ والضبط والإتقان، في مقابل أيوب، العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد، فجزما برفعه، برفع هذه الجملة، والعدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد، مع أن أيوب تردد، قال أيوب مرة: لا أدري هو من الحديث أو هو شيء من نافع؟ فإذا افترضنا أن أيوب لم يتردد هل يقابل أيوب السختياني بمالك؟ وعبيد الله المصغر ثقة من ثقات...، من حفاظ الحديث؟ لا يقابل، إضافة إلى كونه تردد، فقال: ما أدري هل هو مرفوع أو من الحديث أو شيء من نافع؟ فالمرجح، بل المتعين الحكم بأنه جزء من الحديث مرفوع، وأخرج في الصحيحين كذلك، ولا يخفى على الإمامين أن يكون موقوفاً، ثم يصلانه بالخبر في جميع المواضع -مواضع الرواية- ولا ينبهان على شيء من ذلك، فقوله: ((وإلا فقد عتق منه ما عتق)) من قوله -عليه الصلاة والسلام- المجزوم به وإن تردد فيه أيوب، يبقى مبعض.
الحديث الذي يليه:
"ولهما عن أبي هريرة: "وإلا قوم" يعني كأنه قال: من أعتق شركاً له في عبد، وكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل، فأعطي شركاءه حصصهم، يعني إن لم يكن له مال وإلا أستسعي العبد غير مشقوق عليه، قال: الآن عتق نصفك، النصف الثاني تتفق مع السيد الثاني الذي له النصف، تتفقان على مبلغ كتابة، يعني كما يكاتب الكل يكاتب على البعض، فإذا افترضنا أن قيمة هذا العبد ألف فأحد الشريكين أعتق نصيبه، يقال: الخمسمائة نصيب الثاني تستسعى فيها، يعني أنك تسعى بجهدك وكدك ولو بالسؤال، المقصود أنك تجمع هذه الخمسمائة وتدفعها إلى الشريك الثاني.
قال: "ولهما عن أبي هريرة: "وإلا قوم عليه، واستسعي غير مشقوق عليه" قيل: إن السعاية مدرجة في الخبر، يقول ابن العربي: "اتفقوا على أن ذكر الاستسعاء ليس من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإنه من قول قتادة" لكن الشيخين خرجا الحديث بهذا اللفظ، وحكم جمع من الحفاظ بأن الاستسعاء من أصل الخبر، وليست مدرجة كالجملة السابقة، ولا كلام لأحد مع الحفاظ، ولا كلام لأحد مع الشيخين مع من حكم بأنها من أصل الحديث من أئمة الحديث، فإذا أعتق من له نصيب في عبد ويشركه فيه غيره، فلا يخلو من أن يكون له مال أو لا، فإن كان له مال قوم العبد قيمة عدل، وألزم بإعتاق باقيه، إن لم يكن له مال فإن كان العبد لديه القدرة على العمل، ويرغب في إعتاق باقيه فإنه يستسعى وإلا فقد عتق منه ما عتق، لا تناقض بين الروايتين، عتق منه ما عتق أو يستسعى، نقول: إن كان يستطيع السعي وجمع المال الذي يعتق به باقيه فإنه يستسعى، إن اختار ذلك، وإن رغب في البقاء على الرق رق بعضه فإنه لا يشق عليه؛ لأن مصلحة الرقيق ملاحظة في الشرع، نعم عتقه مطلوب شرعاً، لكن قد يقول قائل: والله أنا خمسمائة متى أجمع خمسمائة؟ كيف أجمع خمسمائة؟ أنا أخدم هذا الرجل نصف الوقت، وينفق علي أفضل لي من أن أسعى وأكد من أجل أن أدفع له وأعتق، يكفيني نصف حرية، أنام نصف الوقت يكفي، بعض الناس يفضل مثل هذا، ينام نصف الوقت ويخدم نصف الوقت، المقصود أنه ليس بين هذه الأحاديث تعارض، والجملتان في الحديثين من أصل الحديث، الجملتان، الجملة في الحديث الأول: ((وإلا فقد عتق منه ما عتق)) الصواب رواية مالك وعبيد الله بن عمر العمري أنها من أصل الحديث، خلافاً لما تردد فيه أيوب، وكذلك جملة الاستسعاء، طيب ((وإلا قوم عليه واستسعي)) السين والتاء للطلب، والطلب معناه أنه يطلب من العبد أن يسعى، لكن هل يطلب على سبيل الإلزام أو على سبيل التخيير فهو أعرف بمصلحته؟ منهم من يقول: يلزم كما يلزم من أعتق البعض ولديه مال أن يدفع يلزم الرقيق أن يسعى، ومنهم من يقول: الأمر موكول إليه، إن كان سعيه والسعي في عتق باقيه خير له وأفضل فعل، وإلا فالأمر إليه، مما يبحث في هذا أنه لو كان الرقيق يملكه سيد واحد فأعتق بعضه، أو يأتي أجنبي فيشتري نصفه ويعتقه، الآن الحديثان اللذان معنا، الشريك يُعتق، ويبقى إن كان له مال قوم عليه، وإلا استسعي العبد، وإن عجز العبد، أو أعجز نفسه عتق منه ما عتق وبهذا تلتئم النصوص، يبقى أنه إذا أعتق نصف عبده، العبد له كامل، فأعتق نصفه، يسري العتق إلى باقيه أو يبقى مبعض؟ نعم؟
طالب:.......
يبقى مبعض، الآن إذا ألزم أن يدفع للشركاء ما يعتق به باقيه ألا يلزمه أن يعتق باقيه وهو كله ملكه؟ يلزم به إذا لم يتضرر بذلك، إذا كان له مال غيره، يعني كما يتبرع بجميع ماله، أو يوصي بأكثر من الثلث مثلاً، إذا لم يكن له مال غيره وأعتق نصفه هل نقول: يلزمه عتق باقيه؟ نعم؟ يتضرر الورثة كما سيأتي في حديث عتق الستة، إذا كان يتضرر به، أو يتضرر به ورثته فلا، وإذا كان لا يتضرر به فكونه يلزم، يقوم عليه العبد ويدفع إلى شركائه من ماله ليعتق باقيه من باب أولى أن يعتق عليه باقيه إذا لم يكن له شريك، جاء شخص أجنبي لعبد مملوك من واحد أو أكثر، فقال: بكم هذا العبد؟ قال له: بألف, قال: والله ما عندي إلا ثلاثمائة، أبى اشتري ثلث وأعتقه، تأتي مسألة إذا لم يكن له مال قال: ما عندي إلا هذه الثلاثمائة هي مسألة الاستسعاء، وإن كان له مال غيره مثل الصورة الأولى يقوم عليه قيمة عدل، كأنه اشترى هذا الشقص وصار شريكاً، فإذا أعتق هذا الشقص دخل في الحديث الأول، وإن كان لا يجد ما يعتق به باقيه دخل في الحديث الثاني، وإلا في النهاية إذا عجز عن هذا والعبد أعجز نفسه عن الاستسعاء عتق منه ما عتق ويبقى مبعضاً، الآن الاستسعاء جارٍ على طريق المكاتبة، يعني إذا رأى العبد، طلب العبد من سيده أن يكاتبه، بعض العلماء يلزم السيد بالمكاتبة {فَكَاتِبُوهُمْ} [(33) سورة النــور] بالشرط المذكور {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [(33) سورة النــور] فالاستسعاء مكاتبة جزئية، استسعى بباقي الرق الذي بقي عليه لبعض الشركاء، هذا الاستسعاء منهم من يقول: لا، يستسعى، معنى الاستسعاء في الحديث أن يسعى في خدمة من بقي له رق عليه، إذا أعتقه واحد وبقي واحد أو اثنين يسعى في خدمة هذا الواحد أو الاثنين، يسعى في خدمتهما، لكن هذا الفهم بعيد، محتمل نعم لكنه بعيد، إنما يسعى لإعتاق باقيه، يستسعى يعني يطلب منه السعي لعتق باقيه.
يقول هذا: أشكل علي القول: إنما في النجم الوهاج ليس عليه إسناد؟ يعني من كون النبي -عليه الصلاة والسلام- أعتق ثلاث وستين، وعائشة أعتقت سبع وستين، والعباس أعتق، وأبو بكر أعتق، يقول: وقد قال الشارح بعده: رواه الحاكم.
معكم النسخة المحققة؟
شوف العزو إلى الحاكم، ولو نظر فيه السائل كان أولى، هاه؟
طالب:.......
لا المحققة.... قال في النجم الوهاج: أعتق النبي -عليه الصلاة والسلام- ثلاث وستين، وأعتق كذا.
طالب:.......
لا ليست في المتن، وقفتم عليه في...؟ شرح الحديث الأول، قال في النجم الوهاج، هاه؟ أو الأول؟ المقصود أنه نقل عن النجم الوهاج، نعم، الحديث الثالث: ولأبي داود من حديث كعب بن مرة، فائدة: في النجم الوهاج أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أعتق... إلى آخره، وش يقول؟
التحقيق أقول: أحاله على الحاكم وإلا بدون إحالة؟ عارف، عندي رواه الحاكم، لكن أحاله المحققون على المستدرك وإلا لا؟
طالب:.......
وش قال؟
طالب:.......
معروف هذا فيما فعله العباس، لكن فيما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، كون النبي -عليه الصلاة والسلام- أعتق ثلاث وستين هل له أصل؟ له إسناد؟ يوجد في كتاب؟ يعني كونه في النهاية رواه الحاكم لكل ما ذكر ما هو بصحيح.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.